النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165931 / تحميل: 7984
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فتحصّنوا عنه بالحصون، وتمادى بهم التحصّن قريباً من سنة ونصف حتّى ظهر فيهم القحط والوباء.

وأصرّ بخت نصّر على المحاصرة حتّى فتح الحصون، وذلك في سنة خمسمائة وستّ وثمانين قبل المسيح، وقتل نفوسهم، وخرب ديارهم وخرّبوا بيت الله وأفنوا كلّ آية وعلامة دينيّة وبدّلوا هيكلهم تلّاً من تراب، وفقدت عند ذلك التوراة والتابوت الّذي كانت تجعل فيه.

وبقى الأمر على هذا الحال خمسين سنة تقريباً وهم قاطنون ببابل وليس من كتابهم عين ولا أثر ولا من مسجدهم وديارهم إلّا تلال ورياع.

ثمّ لمّا جلس كورش من ملوك فارس على سرير الملك وكان من أمره مع البابليّين ما كان وفتح بابل ودخله أطلق اُسراء بابل من بني اسرائيل وكان عزرا المعروف من المقرّبين عنده فأمّره عليهم وأجاز له أن يكتب لهم كتابهم التوراة ويبني لهم الهيكل ويعيدهم إلى سيرتهم الاُولى وكان رجوع عزرا بهم إلى بيت المقدس سنة أربعمائة وسبعة وخمسين قبل المسيح وبعد ذلك جمع عزرا كتب العهد العتيق وصحّحها وهي التوراة الدائرة اليوم(١) .

وأنت ترى بعد التدبّر في القصّة أنّ سند التوراة الدائرة اليوم مقطوعة غير متّصلة بموسى (عليه السلام) إلّا بواحد (وهو عزرا) لا نعرفه أوّلاً ولا نعرف كيفيّة اطّلاعه وتعمّقه ثانياً ولا نعرف مقدار أمانته ثالثاً، ولا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعاً، ولا ندري بالاستناد إلى أيّ مستند صحّح الأغلاط الواقعة أو الدائرة خامساً.

وقد أعقبت هذه الحادثة المشئومة أثراً مشئوماً آخر وهو إنكار عدّة من باحثي المورّخين من الغربيّين وجود موسى وما يتبعه، وقولهم: إنّه شخص خياليّ كما قيل

____________________

(١) مأخوذ من قاموس الكتاب المقدّس تأليف مستر هاكس الامريكائي الهمداني ومآخذ اُخرى من التواريخ.

٣٤١

نظيره في المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام. لكنّ ذلك لا يسع لمسلم فإنّ القرآن الشريف يصرّح بوجوده (عليه السلام) وينصّ عليه.

٢ - قصّة المسيح والإنجيل:

اليهود مهتمون بتاريخ قوميّتهم وضبط الحوادث الظاهرة في الأعصار الّتي مرّت بهم، ومع ذلك فإنّك لو تتبّعت كتبهم ومسفوراتهم لم تعثر فيها على ذكر المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام): لا على كيفيّة ولادته ولا على ظهوره ودعوته ولا على سيرته والآيات الّتي أظهرها الله على يديه ولا على خاتمة حياته من موت أو قتل أو صلب أو غير ذلك. فما هو السبب في ذلك؟ وما هو الّذي أوجب خفاء أمره عليهم أو إخفائهم أمره؟

والقرآن يذكر عنهم أنّهم قذفوا مريم ورموها بالبهتان في ولادة عيسى، وأنّهم ادّعوا قتل عيسى. قال تعالى:( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً ) النساء - ١٥٧.

فهل كانت دعواهم تلك مستندة إلى حديث دائر بينهم كانوا يذكرونه بين قصصهم القوميّة من غير أن يكون مودعاً في كتاب؟ وعند كلّ اُمّة أحاديث دائرة من واقعيّات وأساطير لا اعتبار بها ما لم تنته إلى مآخذ صحيحة قويمة.

أو أنّهم سمعوا من النصارى الذكر المكرّر من المسيح وولادته وظهوره ودعوته فأخذوا ذلك من أفواههم وباهتوا مريم، وادّعوا قتل المسيح؟ لا طريق إلى استبانة شئ من ذلك غير أنّ القرآن - كما يظهر بالتدبّر في الآية السابقة - لا ينسب إليهم صريحاً إلّا دعوى القتل دون الصلب، ويذكر أنّهم على ريب من الأمر وأنّ هناك اختلافاً.

وأمّا حقيقة ما عند النصارى من قصّة المسيح وأمر الإنجيل والبشارة فهي أنّ قصّته (عليه السلام) وما يتعلّق بها تنتهي عندهم إلى الكتب المقدّسة عندهم وهي الأناجيل الأربعة الّتي هي أناجيل متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وكتاب أعمال الرسل للوقا،

٣٤٢

وعدّة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويوحنّا ويهودا. واعتبار الجميع ينتهي إلى اعتبار الأناجيل فلنشتغل بها:

أمّا إنجيل متّى فهو أقدم الأناجيل في تصنيفه وانتشاره ذكر بعضهم أنّه صنّف سنة ٣٨ الميلاديّة، وذكر آخرون أنّه كتب ما بين سنة ٥٠ إلى سنة ٦٠(١) فهو مؤلّف بعد المسيح.

والمحقّقون من قدمائهم ومتأخّريّهم على أنّه كان أصله مكتوباً بالعبرانيّة ثمّ ترجم إلى اليونانيّة وغيرها أمّا النسخة الأصليّة العبرانيّة فمفقودة، وأمّا الترجمة فلا يدري حالها، ولا يعرف مترجمها(٢) .

وأمّا إنجيل مرقس: فمرقس هذا كان تلميذاً لبطرس، ولم يكن من الحواريّين وربّما ذكروا أنّه إنّما كتب إنجيله بإشارة بطرس وأمره، وكان لا يرى إلهيّة المسيح(٣) ولذلك ذكر بعضهم أنّه إنّما كتب إنجيله للعشائر وأهل القرى فعرّف المسيح تعريف رسول إلهيّ مبلّغ لشرائع الله(٤) وكيف كان فقد كتب إنجيله سنة ٦١ ميلاديّة.

وأما إنجيل لوقا: فلوقا هذا لم يكن حواريّاً ولا رأى المسيح وإنّما تلقّن النصرانيّة من بولس، وبولس كان يهوديّاً متعصّباً على النصرانيّة يوذي المؤمنين بالمسيح ويقلّب الاُمور عليهم ثمّ اتّفق مفاجأة أن ادّعى أنّه صرع وفي حال الصرع لمسه المسيح ولامه وزجره عن الإساءة إلى متّبعيه وأنّه آمن بالمسيح وأرسله المسيح ليبشّر بإنجيله.

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدّس للمستر هاكس مادّة - متى.

 (٢) كتاب ميزان الحقّ واعتراف به على تردّد في قاموس الكتاب المقدّس.

 (٣) نقل ذلك عبد الوهّاب النجّار في قصص الأنبياء عن كتاب مروج الاخبار في تراجم الاخبار لبطرس قرماج.

(٤) ذكره في قاموس الكتاب المقدّس. يقول فيه: إن نصّ تواتر السلف على أن مرقس كتب إنجيله برومية وانتشر بعد وفاة بطرس وبولس لكنّه ليس له كثير اعتبار لأن ظاهر إنجيله أنّه كتبه لأهل القبائل والقرويين لا لأهل البلاد وخاصّة الروميّة. فتدبّر في كلامه !

٣٤٣

وبولس هذا هو الّذي شيّد أركان النصرانيّة الحاضرة على ما هي عليها(١) فبني التعليم على أنّ الإيمان بالمسيح كاف في النجاة من دون عمل وأباح لهم أكل الميتة ولحم الخنزير ونهى عن الختنة وكثير ممّا في التوراة(٢) مع أنّ الإنجيل لم يأت إلّا مصدّقاً لما بين يديه من التوراة، ولم يحلّل إلّا أشياء معدودة. وبالجملة إنّما جاء عيسى ليقوّم شريعة التوراة ويردّ إليها المنحرفين والفاسقين لا ليبطل العمل ويقصر السعادة على الإيمان الخالي.

وقد كتب لوقا إنجيله بعد إنجيل مرقس. وذلك بعد موت بطرس وبولس. وقد صرّح جمع بأنّ إنجيله ليس كتاباً إلهاميّاً كسائر الأناجيل(٣) كما يدلّ عليه ما وقع في مبتدء إنجيله.

وأمّا إنجيل يوحنّا فقد ذكر كثير من النصارى أنّ يوحنّا هذا هو يوحنّا بن زبديّ الصيّاد أحد التلاميذ الإثنى عشر (الحواريّين) الّذي كان يحبّه المسيح حبّاً شديداً(٤) .

وذكروا أنّ (شيرينطوس) و(أبيسون) وجماعتهما لمّا كانوا يرون أنّ المسيح ليس إلّا إنساناً مخلوقاً لا يسبق وجوده وجود اُمّه اجتمعت أساقفة آسيا وغيرهم في سنة ٩٦

____________________

(١) راجع مادّة بولس من قاموس الكتاب المقدّس.

(٢) راجع كتاب أعمال الرسل ورسائل بولس.

(٣) قال في أوّل إنجيل لوقا:( لأجل أن كثيرين راموا كتب قصص الاُمور الّتي نحن بها عارفون كما عهد الينا اولئك الأوّلون الّذين كانوا من قبل معاينين وكانوا خداما للكلمة رأيت أنا أيضاً إذ كنت تابعا لكلّ شئ بتحقيق أن أكتب اليك أيّها العزيز ثاوفيلا) ودلالته على كون الكتاب نظريا غير إلهامي ظاهرة وقد نقل ذلك أيضاً عن مستر كدل في رسالة اللّهمّ وصرح جيروم أن بعض القدماء كانوا يشكون في البابين الأوّلين من إنجيل لوقا وأنّهما ما كانا في نسخة فرقة مارسيوني وجزم إكهارن في كتابه ص ٩٥ أن من ف ٤٣ إلى ٤٧ من الباب ٢٢ من إنجيل لوقا الحاقية وذكر إكهارن أيضاً في ص ٦١ من كتابه: قد اختلط الكذب الروائي ببيان المعجزات الّتي نقلها لوقا والكاتب ضمه على طريق المبالغة الشاعرية لكن تمييز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير وقول:( كلي مي شيس أن متّى ومرقس يتخالفان في التحرير وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا) نقل عن قصص الأنبياء للنجّار - ص ٤٧٧.

(٤) راجع قاموس الكتاب المقدّس مادّة يوحنّا.

٣٤٤

ميلاديّة عند يوحنّا والتمسوا منه أن يكتب ما لم يكتبه الآخرون في أناجيلهم ويبيّن بنوع خصوصيّ لاهوت المسيح فلم يسعه أن ينكر إجابة طلبهم(١) .

وقد اختلفت كلماتهم في السنة الّتي اُلّف فيها هذا الإنجيل فمن قائل أنّها سنة ٦٥ وقائل أنّها سنة ٩٦ وقائل أنّها سند ٩٨.

وقال جمع منهم إنّه ليس تأليف يوحنّا التلميذ: فبعضهم على أنّه تأليف طالب من طلبة المدرسة الاسكندريّة(٢) وبعضهم على أنّ هذا الإنجيل كلّه وكذا رسائل يوحنّا ليست من تصنيفه بل إنّما صنّفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنّا ليعتربه الناس(٣) وبعضهم على أنّ إنجيل يوحنّا كان في الأصل عشرين باباً فألحقت كنيسة (أفاس) الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنّا(٤) فهذه حال هذه الأناجيل الأربعة وإذا أخذنا بالقدر المتيقّن من هذه الطرق انتهت إلى سبعة رجال هم: متّى، مرقس، لوقا، يوحنّا، بطرس، بولس، يهوذا، ينتهي ركونهم كلّه إلى هذه الأناجيل الأربعة وينتهي الأربعة إلى واحد هو أقدمها وأسبقها وهو إنجيل متّى وقد مرّ أنّه ترجمة مفقود الأصل لا يدري من الّذي ترجمه؟ وكيف كان أصله. وعلى ما ذا كان يبني تعليمه أبرسالة المسيح أم باُلوهيّته.

وهذا الإنجيل الموجود يترجم أنّه ظهر في بني إسرائيل رجل يدعى عيسى بن يوسف النجّار وأقام الدعوة إلى الله، وكان يدّعي أنّه ابن الله مولود من غير أب بشريّ وأنّ أباه أرسله ليفدي به الناس عن ذنوبهم بالصلب والقتل، وأنّه أحيى الميّت وأبرء الأكمه والأبرص وشفى المجانين بإخراج الجنّ من أبدانهم، وأنّه كان له إثنا عشر تلميذاً: أحدهم متّى صاحب الإنجيل بارك لهم وأرسلهم للدعوة وتبليغ الدين المسيحيّ إلخ.

____________________

(١) نقله في قصص الأنبياء عند جرجس زوين الفتوحي اللبناني في كتابه.

 (٢) نقل ذلك من كتاب (كاتلك هر الد) في المجلد السابع المطبوع سنة ١٨٤٤ ص ٢٠٥ نقله عن استادلن (عن القصص) وأشار إليه في القاموس في مادّة يوحنّا.

 (٣) قال ذلك (بر طشنيدر) على ما نقل عن كتاب الفاروق المجلد الأوّل (عن القصص).

(٤) المدرك السابق.

٣٤٥

 فهذا ملخّص ما تنتهى إليه الدعوة المسيحيّة على انبساطها على شرق الأرض وغربها، وهو لا يزيد على خبر واحد مجهول الاسم والرسم، مبهم العين والوصف.

وهذا الوهن العجيب في مبدء القصّة هو الّذي أوجب لبعض أحرار الباحثين من اُروبه أن أدّعى أنّ المسيح عيسى بن مريم شخص خياليّ صوّره بعض النزعات الدينيّة على حكومات الوقت أو لها وتأيّد ذلك بموضوع خرافيّ آخر يشبهه كلّ الشبه في جميع شئون القصّة وهو موضوع (كرشنا) الّذي تدّعي وثنيّة الهند القديمة أنّه ابن الله نزل عن لاهوته، وفدى الناس بنفسه صلباً ليخلّصهم من الأوزار والخطايا كما يدّعى في عيسى المسيح حذو النعل بالنعل (كما سيجئ ذكره).

وأوجب لآخرين من منتقدي الباحثين أن يذهبوا إلى أنّ هناك شخصين مسمّيين بالمسيح: المسيح غير المصلوب، والمسيح المصلوب. وبينهما من الزمان ما يزيد على خمسة قرون.

وأنّ التاريخ الميلاديّ الّذي سنتنا هذه سنة الف وتسعمائة وستّة وخمسين منه لا ينطبق على واحد منهما بل المسيح الأوّل غير المصلوب يتقدّم عليه بما يزيد على مأتين وخمسين سنة وقد عاش نحواً من ستّين سنة والمسيح الثاني المصلوب يتأخّر عنه بما يزيد على مأتين وتسعين سنة وقد عاش نحواً من ثلاث وثلاثين سنة(١)

على أنّ عدم انطباق التاريخ الميلاديّ على ميلاد المسيح في الجملة ممّا لم يسع للنصارى إنكاره(٢) وهو سكتة تاريخيّة.

على أنّ هيهنا اُموراً مريبة موهمة اُخرى فقد ذكروا أنّه كتب في القرنين الأوّلين من الميلاد أناجيل كثيرة اُخرى ربّما أنهوها إلى نيّف ومائة من الأناجيل والأناجيل الأربعة منها ثمّ حرّمت الكنيسة جميع تلك الأناجيل إلّا الأناجيل الأربعة

____________________

(١) وقد فصل القول في ذلك الزعيم الفاضل (بهروز) في كتاب ألفه جديداً في البشارات النبوّية وأرجو أن أوفق لايداع شذرة منه في تفسير آخر سورة النساء من هذا الكتاب والقدر المتيقن (الّذي يهمنا منه) اختلال التاريخ المسيحي.

(٢) راجع مادّة مسيح من قاموس الكتاب المقدس.

٣٤٦

الّتي عرفت قانونيّة لموافقة متونها تعليم الكنيسة(١) .

ومن جملة الأناجيل المتروكة إنجيل برنابا الّذي ظهرت نسخة منها منذ سنين فترجمت إلى العربيّة والفارسيّة، وهو يوافق في عامّة قصصه ما قصّه القرآن في المسيح عيسى بن مريم(٢) .

ومن العجيب أنّ الموادّ التاريخيّة المأثورة عن غير اليهود أيضاً ساكتة عن تفاصيل ما ينسبه الإنجيل إلى الدعوة المسيحيّة من حديث البنوّة والفداء وغيرهما. ذكر المورّخ الإمريكيّ الشهير (هندريك ويلم وان لون) في تأليفه في تاريخ البشر كتاباً كتبه الطبيب (إسكولابيوس كولتلوس) الروميّ سنة ٦٢ الميلاديّة إلى ابن أخيه (جلاديوس أنسا) وكان جنديّاً في عسكر الروم بفلسطين، يذكر فيه أنّه عاد مريضاً بروميّة يسمّى بولس فأعجبه كلامه وقد كان بولس كلّمه بالدعوة المسيحيّة، وذكر له طرفاً من أخبار المسيح ودعوته.

ثمّ يذكر أنّه ترك بولس ولم يره حتّى سمع بعد حين أنّه قتل في طريق (أوستى) ثمّ يسأل ابن أخيه أن يبحث عن أخبار هذا النبيّ الاسرائيليّ الّذي كان يذكره بولس وعن أخبار بولس نفسه ويكتب إليه ما بلغه من ذلك.

____________________

(١) ولقد لام (شيلسوس) الفيلسوف في القرن الثاني النصارى في كتابه (الخطاب الحقيقي) على تلاعبهم بالاناجيل، ومحوهم بالغد ما أدرجوه بالامس، وفي سنة ٣٨٤ م أمر البابا داماسيوس أن تحرر ترجمة لاتينية جديدة من العهدين القديم والحديث تعتبر قانونيّة في الكنائس وكان تيودوسيس الملك قد ضجر من المخاصمات الجدلية بين الاساقفة، وتمت تلك الترجمة الّتي تسمى (فولكانا) وكان ذلك خاصّا بالاناجيل الاربعة: متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا وقد قال مرتب تلك الاناجيل: (بعد أن قابلنا عددا من النسخ اليونانية القديمة رتبناها بمعنى أننا نقحنا ماكان فيها مغايرا للمعنى، وأبقينا الباقي على ماكان عليه) ثمّ إن هذه الترجمة قد ثبتها المجمع (التريدنتيني) سنة ١٥٤٦ أي بعدها بأحد عشر قرنا، ثمّ خطأها سيستوس الخامس سنة ١٥٩٠ وأمر بطبع نسخ جديدة ثمّ خطأ كليمنضوس الثامن هذه النسخة الثانية أيضاً، وأمر بطبعة جديدة منقحة هي الدارجة اليوم عند الكاثوليكيين (تفسير الجواهر - الجزء الثاني - ص ١٢١ الطبعة الثانية).

(٢) وقد وجد هذا الانجيل بالخط الايطالي منذ سنين وترجمه إلى العربيّة الدكتور خليل سعاده بمصر وترجمه إلى الفارسيّة الحبر الفاضل (سردار كابلي) بإيران.

٣٤٧

فكتب إليه (جلاديوس أنسا) بعد ستّة أسابيع من معسكر الروم باُورشليم: أنّي سألت عدّة من شيوخ البلد ومعمّريهم عن عيسى المسيح فوجدتهم لا يحسنون مجاوبتي فيما أسألهم( هذا والسنة سنة ٦٢ ميلاديّة وهم شيوخ !) .

حتّى لقيت بيّاع زيتون فسألته هل يعرفه؟ فأنعم لي في الجواب ثمّ دلّني على رجل اسمه يوسف، و ذكر أنّه كان من أتباعه ومحبّيه وأنّه خبير بقصصه بصير بأخباره يستطيع أن يجيبك فيما تسأله عنه.

فلقيت يوسف اليوم بعد ما تفحّصت أيّاماً فوجدته شيخاً هرماً وقد كان قديماً يصطاد السمك في بعض البحيرات من هذه الناحية.

كان الرجل على كبر سنّه صحيح المشاعر جيّد الحافظة وقصّ لي جميع الأخبار والقضايا الحادثة في ذلك الأوان، أوان الاغتشاش والفتنة.

ذكر أنّ فونتيوس فيلاطوس كان حاكماً على سامرا ويهوديّه في عهد القيصر (تي بريوس).

فاتّفق أن وقع أيّام حكومته فتنة في اُورشليم فسافر فونتيوس فيلاطوس إليه لإخماد ما فيه من نار الفتنة وكانت الفتنة هي ما شاع يومئذ أنّ ابن نجّار من أهل الناصرة يدعو الناس ويستنهضهم على الحكومة.

فلمّا تحقّقوا أمره تبيّن أنّ ابن النجّار المتّهم شابّ عاقل متين لم يرتكب ما يوجب عليه سياسة غير أنّ رؤساء المذهب من اليهود كانوا يخالفونه ويباغضونه بأشدّ ما يكون وقد قالوا لفيلاطوس إنّ هذا الشابّ الناصريّ يقول: لو أنّ يونانيّاً أو روميّاً أو فلسطينيّاً عامل الناس وعاشرهم بالعدالة والشفقة كان عند الله كمن صرف عمره في مطّلعة كتاب الله وتلاوة آياته.

وكأنّ هذه التعرّضات والاقتراحات لم تؤثّر في فيلاطوس أثرها لكنّه لما سمع ازدحام الناس قبال المعبد وهم يريدون أن يقبضوا على عيسى وأصحابه ويقطّعوهم إرباً إرباً رأى أنّ الأصلح أن يقبض هو على هذا الشابّ النجّار ويسجنة حتّى لا يقتل بأيدي الناس في غوغائهم.

٣٤٨

وكان فيلاطوس لم يتّضح له سبب ما ينقمه الناس من عيسى كلّ الاتّضاح وكلّما كلّم الناس في أمره وسألهم واستوضحهم علت أصواتهم وتنادوا (هو كافر) (هو ملحد) (هو خائن) فلم ينته الأمر إلى طائل.

حتّى استقرّ رأي فيلاطوس أن يكلّم عيسى بنفسه فأشخصه وكلّمه وسأله عمّا يقصده بما يبلّغه من الدين فأجابه عيسى أنّه لا يهتمّ بأمر الحكومة والسياسة ولا له في ذلك غرض وأنّه يهتمّ بالحياة الروحانيّة أكثر ممّا يهتمّ بأمر الحياة الجسمانيّة وأنّه يعتقد أنّ الإنسان يجب أن يحسن إلى الناس ويعبد الله الفرد الواحد وحده الّذي هو في حكم الأب لجميع أرباب الحياة من المخلوقات.

وكان فيلاطوس ذا خبرة في مذاهب الرواقيّين وسائر فلاسفة يونان فكأنّه لم ير في ما كلّمه به عيسى موضع غمضة ولا محلّ مؤاخذة ولذلك عزم ثانياً أن يخلّص هذا النبيّ السليم المتين من شرّ اليهود وسوّف في حكم قتله وإنجازه.

لكنّ اليهود لم يرضوا بذلك ولم يتركوه على حاله بل أشاعوا عليه أنّه فتن بأكاذيب عيسى وأقاويله وأنّ فيلاطوس يريد الخيانة على قيصر، وأخذوا يستشهدون عليه ويسجّلون الطوامير على ذلك يريدون به عزله من الحكومة، وقد كان برز قبل ذلك فتن وانقلابات في فلسطين. والقوى المؤمّنة القيصريّة قليلة العدّة لا تقوى على إسكات الناس فيها كلّ القوّة.

وكان على الحكّام وسائر المأمورين من ناحية قيصر أن لا يعاملوا الناس بما يجلب شكواهم وعدم رضايتهم.

فلهذه الأسباب لم ير فيلاطوس بدّاً من أن يفدي هذا الشابّ المسجون للأمن العامّ، ويجيب الناس فيما سألوه من قتله.

وأمّا عيسى فإنّه لم يجزع من الموت بل استقبله على شهامة من نفسه وقد عفى قبل موته عمّن تسبّب إلى قتله من اليهود ثمّ قضى به على الصليب و الناس يسخرون منه ويشتمونه ويسبّونه.

٣٤٩

قال (جلاديوس أنسا) هذا ما قصّ لي يوسف من قصّة عيسى ودموعه تجري على خدّيه وحين ودّعني للمفارقة قدّمت إليه شيئاً من المسكوك الذهبيّ لكنّه أبى أن يأخذه، وقال لي يوجد هيهنا من هو أفقر منّي فأعطه إيّاه.

وسألته عن بولس رفيقك المعهود فما كان يعرفه معرفة تامّة. والقدر الّذي تبيّن من أمره أنّه كان رجلاً خيّاماً ثمّ ترك شغله واشتغل بالتبليغ لهذا المذهب الجديد مذهب الربّ الرؤوف الرحيم الإله الّذي بينه وبين (يهوّه) إله يهود الّذي لا نزال نسمعه من علماء اليهود من الفرق ما هو أبعد ممّا بين السماء والأرض.

والظاهر أنّ بولس سافر أوّلاً إلى آسيا الصغرى ثمّ إلى يونان وأنّه كان يقول للعبيد والأرقّاء إنّهم جميعاً أبناء لأب يحبّهم ويرأف بهم وأنّ السعادة ليست تخصّ بعض الناس دون بعض بل تعمّ جميع الناس من فقير وغنيّ بشرط أن يعاشروا على المواخاة ويعيشوا على الطهارة والصداقة انتهى ملخّصاً.

هذه عامّة فقرات هذا الكتاب ممّا يرتبط بما نحن فيه من البحث.

وبالتأمّل في جمل مضامين هذا الكتاب يتحصّل للمتأمّل أنّ ظهور الدعوة المسيحيّة كيف كان في بني إسرائيل بعيد عيسى (عليه السلام). وأنّه لم يكن إلّا ظهور دعوة نبويّة بالرسالة من عند الله لا ظهور دعوة إلهيّة بظهور اللاهوت ونزولها إليهم وتخليصهم بالفداء!

ثمّ إنّ عدّة من تلامذة عيسى أو المنتسبين إليه كبولس وتلامذة تلامذتهم سافروا بعد وقعة الصلب إلى مختلف أقطار الأرض من الهند وإفريقيّة وروميّة وغيرها وبسطوا الدعوة المسيحيّة لكنّهم لم يلبثوا دون أن اختلفوا في مسائل أصليّة من التعليم كلاهوت المسيح وكفاية الإيمان بالمسيح عن العمل بشريعة موسى وكون دين الإنجيل ديناً أصيلاً ناسخاً لدين موسى أو كونه تابعاً لشريعة التوراة مكمّلاً إيّاها(١) فافترقوا عند ذلك فرقاً.

____________________

(١) يشير إليه كتاب الرسل ووسائل بولس، وقد اعترضت به النصارى

٣٥٠

والّذي يجب الإمعان فيه أنّ الاُمم الّتي بسطت الدعوة المسيحيّة وظهرت فيها أوّل ظهورها كالروم والهند وغيرهما كانوا قبلها منتحلين بالوثنيّة الصابئة أو البرهمنيّة أو البوذائيّة وفيها اُصول من مذاق التصوّف من جهة والفلسفة البرهمنيّة من جهة وفيها جميعاً شطر وافر من ظهور اللاهوت في مظهر الناسوت. على أنّ القول بتثليث الوحدة ونزول اللاهوت في لباس الناسوت وتحمّلها الصلب(١) والعذاب فدائا كان دائراً بين القدماء من وثنيّة الهند والصين ومصر وكلدان والآشور والفرس وكذا قدماء وثنيّة الغرب كالرومان والاسكندناويّين وغيرهم على ما يوجد في الكتب المؤلّفة في الاديان والمذاهب القديمة.

ذكر (دوان) في كتابه (خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الاُخرى): إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أنّ أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتيّة هو التثليث ويسمّون هذا التعليم بلغتهم (ترى مورتى) وهي عبارة مركّبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتيّة (ترى) ومعناها الثلاثة و(مورتى) ومعناها هيآت أو أقانيم وهي (برهما، وفشنو، وسيفا) ثلاثة أقانيم متّحدة لا ينفكّ عن الوحدة فهي إله واحد بزعمهم.

ثمّ ذكر: أنّ برهما عندهم هو الأب وفشنو هو الابن، وسيفا هو روح القدس.

ثمّ ذكر أنّهم يدعون سيفا (كرشنا)(٢) الربّ المخلّص والروح العظيم الّذي ولد منه (فشنو) الإله الّذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلّص الناس فهو أحد الأقانيم الثلاثة الّتي هي الإله الواحد.

____________________

(١) القتل بالصلب على الصليب من القواعد القديمة جدّاً فقد كانوا يقتلون من اشتدّ جرمه وفظع دنبه بالصلب الّذي هو من أشدّ أسباب القتل عذاباً وأسوئها ذكراً، وكانت الطريقة فيه أن يصنع من خشبتين تقاطع إحديهما الاُخرى ما هو على شكل الصليب المعروف بحيث ينطبق عليه إنسان لو حمل عليه ثمّ يوضع المجرم عليه مبسوط اليدين ويدق من باطن راحتيه على طرفي الخشبة المعترضة بالمسامير، وكذا تدق قدماه على الخشبة وربّما شدتا من غير دقّ ثمّ تقام الخشبة بنصب طرفها على الأرض بحيث يكون ما بين قدمه إلى الأرض ما يقرب من ذراعين فيبقى الصليب على ذلك يوماً أو أيّاماً ثمّ تكسر قدماه من الساقين ويقتل على الصليب أو ينزل فيقتل بعد الانزال، وكان المصلوب يعذب قبل الصلب بالجلد أو المثلة وكان من العار الشنيع على قوم أن يقتل واحد منهم بالصلب.

(٢) وهو المعبر عنه ابلانكليزية (كرس) وهو المسيح المخلص.

٣٥١

 وذكر أيضاً: أنّهم يرمزون للاُقنوم الثالث بصورة حمامة كما يقوله النصارى.

وقال مستر (فابر) في كتابه (أصل الوثنيّة) كما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلّفاً من (برهما) و(فشنو) و(سيفا) نجد عند البوذيّين ثالوثاً فإنّهم يقولون: إنّ (بوذ) إله له ثلاثة أقانيم. وكذلك بوذيو (جينست) يقولون: إنّ (جيفا) مثلّث الأقانيم.

قال: والصينيّون يعبدون بوذه ويسمّونه (فو) ويقولون إنّه ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.

وقال دوان في كتابه المتقدّم ذكره: وكان قسّيسوا هيكل منفيس بمصر يعبّرون عن الثالوث المقدّس للمبتدئين بتعلّم الدين بقولهم: إنّ الأوّل خلق الثاني والثاني خلق الثالث وبذلك تمّ الثالوث المقدّس.

وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكي أن يخبره: هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه فأجابه الكاهن: نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كلّ شئ ثمّ الكلمة ومعهما روح القدس ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة، وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوّة الأبديّة فاذهب يا فاني يا صاحب الحياه القصيرة.

وقال بونويك في كتابه (عقائد قدماء المصريّين) أغرب كلمة عمّ انتشارها في ديانة المصريّين هي قولهم بلاهوت الكلمة، وأنّ كلّ شئ حصل بواسطتها، وأنّها منبثقة من الله، وأنّها هي الله انتهى. وهذا عين العبارة الّتي يبتدي بها إنجيل يوحنّا.

وقال (هيجين) في كتاب (الإنكلوساكسون) كان الفرس يدعون متروساً الكلمة والوسيط ومخلّص الفرس.

ونقل عن كتاب سكّان اُوروبة الأوّلين: أنّه كان الوثنيّون القدماء يقولون: إنّ الإله مثلّث الأقانيم.

ونقل عن اليونان والرومان والفنلنديّين والاسكندناويّين قضيّة الثالوث السابق الذكر وكذا القول بالكلمة عن الكلدانيّين والآشوريّين والفينيقيّين.

وقال دوان في كتابه (خرافات التوراة وما يقابلها من الديانات الاُخرى) (ص ١٨١ - ١٨٢) ما ترجمته بالتلخيص:

٣٥٢

(إنّ تصوّر الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فدائا عن الخطيئة قديم العهد جدّاً عند الهنود الوثنيّين وغيرهم) وذكر شواهد على ذلك:

منها قوله: يعتقد الهنود أنّ كرشنا المولود البكر - الّذي هو نفس الإلهة فشنو الّذى لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم - تحرّك حنوّاً كي يخلّص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلّص الإنسان بتقديم ذبيحة عنه.

وذكر أنّ (مسترمور) قد صوّر كرشنا مصلوباً كما هو مصوّر في كتب الهنود مثقوب اليدين والرجلين، وعلى قميصه صورة قلب الإنسان معلّقاً، ووجدت له صورة مصلوباً وعلى رأسه إكليل من الذهب. والنصارى تقول: إن يسوع صلب وعلى رأسه إكليل من الشوك.

وقال (هوك) في ص ٣٢٦ من المجلد الأوّل من رحلته: ويعتقد الهنود الوثنيّون بتجسّد بعض الآلهة وتقديم ذبيحة فداء للناس من الخطيئة.

وقال (موريفور ليمس) في ص ٢٦ من كتابه (الهنود) ويعتقد الهنود الوثنيّون بالخطيئة الأصليّة وممّا يدلّ على ذلك ما جاء في مناجاتهم وتوسّلاتهم الّتي يتوسّلون بها بعد (الكياتري) وهو إنّي مذنب ومرتكب الخطيئة، وطبيعتي شريرة، وحملتني اُمّي بالإثم فخلّصني يا ذا العين الحندقوقيّة يا مخلّص الخاطئين من الآثام والذنوب.

وقال القسّ (جورج كوكس) في كتابه (الديانات القديمة) في سياق الكلام عن الهنود: ويصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً لأنّه قدّم شخصه ذبيحة.

ونقل (هيجين) عن (اندارا دا الكروزوبوس) وهو أوّل اُوروبيّ دخل بلاد التيبال والتبّت: أنّه قال في الإله (اندرا) الّذي يعبدونه: أنّه سفك دمه بالصلب وثقب المسامير لكي يخلّص البشر من ذنوبهم وأنّ صورة الصلب موجودة في كتبهم.

وفي كتاب (جورجيوس) الراهب صورة الإله (اندرا) هذا مصلوباً، وهو بشكل صليب أضلاعه متساوية العرض متفاوتة الطول فالرأسيّ اقصرها - وفيه صورة وجهه - والسفلى أطولها ولو لا صورة الوجه لما خطر لمن يرى الصورة أنّها تمثّل شخصاً هذا.

٣٥٣

وأمّا ما يروى عن البوذيّين في بوذا فهو أكثر انطباقاً على ما يرويه النصارى عن المسيح من جميع الوجوه حتّى أنّهم يسمّونه المسيح، والمولود الوحيد، ومخلّص العالم ويقولون إنّه إنسان كامل وإله كامل تجسّد بالناسوت، وأنّه قدّم نفسه ذبيحة ليكفّر ذنوب البشر ويخلّصهم من ذنوبهم فلا يعاقبوا عليها، ويجعلهم وارثين لملكوت السماوات بيّن ذلك كثير من علماء الغرب: منهم (بيل) في كتابه و(هوك) في رحلته و(موالر) في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتيّة وغيرهم.(١)

فهذه نبذة أو اُنموذجة من عقيدة تلبّس اللاهوت بالناسوت، وحديث الصلب والفداء في الديانات القديمة الّتي كانت الاُمم متمسّكين بها منكبّين عليها يوم شرعت الديانة النصرانيّة تنبسط على الأرض وأخذت الدعوة المسيحيّة تأخذ بمجامع القلوب في المناطق الّتي جال الدعاة المسيحيّون فيها فهل هذا إلّا أنّ الدعاة المسيحيّين أخذوا اُصول المسيحيّة وأفرغوها في قالب الوثنيّة واستمالوا بذلك قلوب الناس في تقبّل دعوتهم وهضم تعليمهم؟

ويؤيّد ذلك ما ترى في كلمات بولس وغيره من الطعن في حكمة الحكماء وفلسفتهم والإزراء بطرق الاستدلالات العقليّة وأنّ الإله الربّ يرجّح بلاهة الأبله على عقل العاقل.

وليس ذلك إلّا لأنّهم قابلوا بتعليمهم مكاتب التعقّل والاستدلال فردّه أهله بأنّه لا طريق إلى قبوله بل إلى تعقّله الصحيح من جهة الاستدلال فوضعوا الأساس على المكاشفة والامتلاء بالروح المقدّس فشاكلوا بذلك ما يصرّ به جهلة المتصوّفة أنّ طريقتهم طور وراء طور العقل.

ثمّ إنّ الدعاة منهم ترهبوا وجالوا في البلاد (على ما يحكيه كتاب أعمال الرسل والتواريخ) وبسطوا الدعوة المسيحيّة واستقبلتهم في ذلك العامّة في شتات البلاد، كان من سرّ موفّقيّتهم وخاصّة في إمبراطوريّة الروم هي الضغطة الروحيّة الّتي عمّت

____________________

(١) يجد القارئ هذه المنقولات في تفسير المنار - الجزء السادس في تفسير النساء وفي دوائر المعارف وفي كتاب العقائد الوثنيّة في الديانة النصرانيّة وغيرها.

٣٥٤

البلاد من فشوّ الظلم والتعدّي، وشمول أحكام الاسترقاق والاستعباد، والبون البعيد في حياة الطبقة الحاكمة والمحكومة والآمرة والمأمورة والفصل الشاسع بين عيشة الاغنياء وأهل الإتراف والفقراء والمساكين والأرقّاء.

وقد كانت الدعاة تدعو إلى المواخاة والمحابّة و التساوي والمعاشرة الجميلة بين الناس ورفض الدنيا وعيشتها الكدرة الفانية والاقبال على الحياة الصافية السعيدة الّتي في ملكوت السماء ولهذا بعينه ما كان يعني بحالهم الطبقة الحاكمة من الملوك والقياصرة كلّ العناية، ولا يقصدونهم بالأذى والسياسة والطرد.

فلم يزالوا يزيدون عدداً من غير تظاهر وتنافس وينمون قوّة وشدّة حتّى حصل لهم جمّ غفير في إمبراطوريّة الروم وإفريقيّة والهند وغيرها من البلاد. ولم يزالوا كلّما بنوا كنيسة وفتحوا بابها على وجوه الناس هدموا بذلك واحداً من بيوت الأوثان وأغلقوا بابه.

وكانوا لا يعتنون بمزاحمة رؤساء الوثنيّة في هدم أساسهم، ولا بملوك الوقت وحكّامه في التعالي عن خضوعهم وفي مخالفة أحكامهم ودساتيرهم وربّما كان ذلك يؤدّيهم إلى الهلاك والقتل والحبس والعذاب فكان لا تزال تقتل طائفة وتسجن اُخرى وتشرّد ثالثة.

وكان الأمر على هذه الصفة إلى أوان ملك القيصر (كنستانتين) فآمن بالملّة المسيحيّة وأعلن بها فأخذ التنصّر بالرسميّة وبنيت الكنائس في الروم وما يتبع إمبراطوريّته من الممالك وذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الميلاديّ.

تمركزت النصرانيّة يومئذ في كنيسة الروم وأخذت تبعث القسّيسين إلى أكناف الأرض من البلاد التابعة يبنون الكنائس والديرات ومدارس يدرسون بها التعليم الإنجيليّ.

والّذي يجب إلتفات النظر إليه أنّهم وضعوا البحث على اُصول مسلّمة إنجيليّة فأخذوا التعاليم الإنجيليّة كمسألة الأب والابن والروح، ومسألة الصلب والفداء وغير ذلك اُصولاً مسلّمة وبنوا البحث والتنقير عليها.

٣٥٥

وهذا أوّل ما ورد على أبحاثهم الدينيّة من الوهن والوهي فإنّ استحكام البناء المبنيّ وإن بلغ ما بلغ واستقامته لا يغني عن وهن الأساس المبنيّ عليه شيئاً وما بنوا عليه من مسألة تثليث الوحدة والصلب والفداء أمر غير معقول.

وقد اعترف عدّة من باحثيهم في التثليث بأنّه أمر غير معقول لكنّهم اعتذروا عنه بأنّه من المسائل الدينيّة الّتي يجب أن تقبل تعبّداً فكم في الأديان من مسألة تعبديّة تحيلها العقول.

وهو من الظنون الفاسدة المتفرّعة على أصلهم الفاسد، وكيف يتصوّر وقوع مسألة مستحيلة في دين حقّ؟ ونحن إنّما نقبل الدين ونميّز كونه دين حقّ بالعقل وكيف يمكن عند العقل أن تشتمل العقيدة الحقّة على أمر يبطله العقل ويحيله؟ وهل هذا إلّا تناقض صريح؟

نعم يمكن أن يشتمل الدين على ممكن يخرق العادة الجارية، والسنّة الطبيعيّة القائمة، وأمّا المحال الذاتيّ فلا البتّة.

وهذا الطريق المذكور من البحث هو الّذي أوجب وقوع الخلاف والمشاجرة بين الباحثين المتفكّرين منهم في أوائل انتشار صيت النصرانيّة وانكباب المحصّلين على الأبحاث المذهبيّة في مدارس الروم والإسكندريّة وغيرهما.

فكانت الكنيسة تزيد كلّ يوم في مراقبتها لوحدة الكلمة وتهيّئ مجمعاً مشكّلاً عند ظهور كلّ قول حديث وبدعة جديدة من البطارقة والأساقفة لإقناعهم بالمذهب العامّ وتكفيرهم ونفيهم وطردهم وقتلهم إذا لم يقنعوا.

وأوّل مجمع عقدوه مجمع نيقيه لمّا قال أريوس: إنّ اُقنوم الابن غير مساو لاُقنوم الأب وإنّ القديم هو الله والمسيح مخلوق.

اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في قسطنطينيّة بمحضر من القيصر كنستانتين وكانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً واتّفقوا على هذه الكلمة( نؤمن بالله الواحد الأب مالك كلّ شئ وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد يسوع المسيح

٣٥٦

ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلّها، وليس بمصنوع، إله حقّ من إله حقّ، من جوهر أبيه الّذي بيده اُتقنت العوالم وكلّ شئ، الّذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسّد من روح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب أيّام فيلاطوس، ودفن، ثمّ قام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعدّ للمجئ تارة اُخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد، روح الحقّ الّذي يخرج من أبيه، وبمعموديّة(١) واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسيّة مسيحيّة - جاثليقيّة وبقيام أبداننا(٢) والحياة أبد الآبدين(٣) ) .

هذا هو المجمع الأوّل، وكم من مجمع بعد ذلك عقدوه للتبرّي عن المذاهب المستحدثة كمذهب النسطوريّة واليعقوبيّة والأليانيّة واليليارسيّة و المقدانوسيّة والسباليوسيّة والنوئتوسيّة والبولسيّة وغيرها.

ومع هذا كانت الكنيسة تقوم بالواجب من مراقبتها، ولا تتوانى ولا تهن في دعوتها وتزيد كلّ يوم في قوّتها وسيطرتها حتّى وفّقت لجلب سائر دول اُوروبه إلى التنصّر كفرنسا و الإنجليز والنمسا والبروس والإسبانيا والبرتغال والبلجيك وهولاندا وغيرهم إلّا الروسيا أواخر القرن الخامس الميلاديّ سنة ٤٩٦.

ولم تزل تتقدّم وترتقي الكنيسة من جانب، ومن جانب آخر كانت تهاجم الاُمم الشماليّة والعشائر البدويّة على الروم، والحروب والفتن تضعّف سلطنة القياصرة،

____________________

(١) المراد بالمعمودية طهارة الباطن وقداسته.

(٢) أورد عليه أنّه يستلزم القول بالمعاد الجسمانيّ والنصارى تقول بالمعاد الروحانيّ كما يدلّ عليه الانجيل وأظنّ أنّ الانجيل إنّما يدلّ على عدم وجود اللذائذ الجسمانيّة الدنيويّة في القيامة وأمّا كون الإنسان روحاً مجرّداً من غير جسم فلا دلالة فيه عليه بل يدلّ على أنّ الإنسان يصير في المعاد كالملائكة لا ازدواج بينهم وظاهر العهدين أنّ الله سبحانه وملائكته جميعاً أجسام فضلا عن الإنسان يوم القيامة.

(٣) الملل والنجل للشهرستاني.

٣٥٧

وآل الأمر إلى أن أجمعت أهل الروم والاُمم المتغلّبة على إلقاء زمام اُمور المملكة إلى الكنيسة كما كانت زمام اُمور الدين بيدها فاجتمعت السلطنة الروحانيّة والجسمانيّة لرئيس الكنيسة اليوم وهو (البابا جريجوار) وكان ذلك سنة ٥٩٠ الميلاديّة.

وضارت كنيسة الروم لها الرئاسة المطلقة للعالم المسيحيّ غير أنّ الروم لمّا كانت انشعبت إمبراطوريّته إلى الروم الغربيّ الّذي عاصمتها رومة، والروم الشرقيّ الّذي عاصمتها قسطنطينيّة كانت قياصرة الروم الشرقيّ يعدّون أنفسهم رؤساء دينيّين لمملكتهم من غير أن يتّبعوا كنيسة روما وهذا مبدأ انشعاب المسيحيّة إلى الكاثوليك، أتباع كنيسة روما والأرثوذوكس وهم غيرهم.

وكان الأمر على ذلك حتّى إذا فتحت قسطنطينيّة بيد آل عثمان، وقتل القيصر (بالي اُولوكوس) وهو آخر قياصرة الروم الشرقيّ وقسّيس الكنيسة اليوم (قتل في كنيسة(أياصوفيا)).

وادّعى وراثة هذا المنصب الدينيّ أعني رئاسة الكنيسة قياصرة روسيا لقرابة سببيّة كانت بينهم وبين قياصرة الروم، وكانت الروس تنصّرت في القرن العاشر الميلاديّ فصارت ملوك روسيا قسّيسي كنيسة أرضهم غير تابعة لكنيسة رومة، وكان ذلك سنة ١٤٥٤ الميلاديّة.

وبقي الأمر على هذا الحال نحواً من خمسة قرون حتّى قتل (تزار نيكولا) وهو آخر قياصرة الروسيا قتل هو وجميع أهل بيته سنة ١٩١٨ الميلاديّة بيد الشيوعيّين فعادت كنيسة رومة تقريباً إلى حالها قبل الانشعاب.

لكنّ الكنيسة في أثر ما كانت تحاول رؤسائها السلطة على جميع جهات حياة الناس في القرون الوسطى الّتي كانت الكنيسة فيها في أوج ارتقائها وإرتفاعها ثار عليها جماهير من المتديّنين تخلّصاً من القيود الّتي كانت تحملها عليهم الكنيسة.

فخرجت طائفة عن تبعيّة أحكام رؤساء الكنيسة والباباوات وطاعتهم مع البقاء على طاعة التعليم الإنجيليّ على ما يفهمه مجامعهم، ويقرّره اتّفاق علمائهم وقسّيسهم وهؤلاء هم الأرثوذكس.

٣٥٨

 وطائفة خرجت عن متابعة كنيسة رومة أصلاً فليسوا بتابعين في التعليم الإنجيليّ لكنيسة رومة ولا معتنين للأوامر الصادرة منها وهؤلاء هم البروتستانت.

فأنشعب العالم المسيحيّ اليوم إلى ثلاث فرق: الكاثوليك وهي التابعة لكنيسة رومة وتعليمها والاُورثوذكس وهي التابعة لتعليم الكنيسة دون نفسها وقد حدثت شعبتهم بحدوث الانشعاب في الكنيسة وخاصّة بعد انتقال كنيسة قسطنطينيّة إلى مسكو بالروسيا (كما تقدّم) والبروتستانت وهي الخارجة عن تبعيّة الكنيسة وتعليمها جميعاً. وقد استقلّت طريقتهم وتظاهرت في القرن الخامس عشر الميلاديّ.

هذا إجمال ما جرى عليه الدعوة المسيحيّة في زمان يقرب من عشرين قرناً والبصير بالغرض الموضوع له هذا الكتاب يعلم أنّ القصد من ذكر جمل تاريخهم:

أوّلا: أن يكون الباحث على بصيرة من التحوّلات التاريخيّة في مذهبهم والمعاني الّتي يمكن أن تنتقل إلى عقائدهم الدينيّة بنحو التوارث أو السراية أو الانفعال بالامتزاج أو الإلف والعادة من عقائد الوثنيّة والأفكار الموروثة منهم أو المأخوذة عنهم.

وثانياً: أنّ اقتدار الكنيسة وخاصّة كنيسة رومة بلغ بالتدريج في القرون الوسطى الميلاديّة إلى نهاية أوجه حتّى كانت لهم سيطرة الدين والدنيا وانقادت لهم كراسيّ الملك بأوربه فكان لهم عزل من شاءوا ونصب من شاءوا(١) .

يروى أنّ البابا مرّة أمر إمبراطور آلمانيا أن يقف ثلاثة أيّام حافياً على باب قصره في فصل الشتاء لزلّة صدرت منه يريد ان يغفرها له(٢) .

ورفس البابا مرّة تاج الملك برجله حيث جائه جاثياً يطلب المغفرة(٣) .

وقد كانوا وصفوا المسلمين لأتباعهم وصفاً لم يدعهم إلّا أن يروا دين الإسلام دين الوثنيّة يستفاد ذلك من الشعارات والأشعار الّتي نظموها في استنهاض النصارى و

____________________

(١) الفتوحات الإسلاميّة.

(٢) المدرك السابق.

(٣) المدرك السابق.

٣٥٩

تهييجهم على المسلمين في الحروب الصليبيّة الّتي نشبت بينهم وبين المسلمين سنين متطاولة.

فإنّهم كانوا(١) يرون أنّ المسلمين يعبدون الأصنام وأنّ لهم آلهة ثلاثة أسماؤها على الترتيب (ماهوم) ويسمّى بافوميد وماهومند وهو أوّل الآلهة وهو (محمّد) وبعده (ايلين) وهو الثاني وبعده (ترفاجان) وهو الثالث وربّما يظهر من بعض كلماتهم أنّ للمسلمين إلهين آخرين وهما (مارتوان) و(جوبين) ولكنّهما بعد الثلاثة المتقدّمة رتبة وكانوا يقولون: إنّ محمّداً بنى دعوته على دعوى الاُلوهيّة وربّما قالوا: إنّه كان اتّخذ لنفسه صنماً من ذهب.

وفي أشعار ريشار الّتي قالها لاستنهاض الإفرنج على المسلمين: (قوموا وقلّبوا ماهومند وترفاجان وألقوهما في النار تقرّباً من إلهكم).

وفي أشعار رولان في وصف (ماهوم) إله المسلمين: (إنّه مصنوع تامّاً من الذهب والفضّة ولو رأيته أيقنت أنّه لا يمكن لصانع أن يصوّر في خياله أجمل منه ثمّ يصنعه عظيمة جثّته جيّدة صنعته وفي سيمائه آثار الجلالة ظاهرة ماهوم مصنوع من الذهب والفضّة يكاد سنا برقه يذهب بالبصر. وقد اُقعد على فيل هو من أحسن المصنوعات وأجودها بطنه خال وربّما أحسّ الناظر من بطنه ضوءاً هو مرصّعة بالأحجار الثمينة المتلالئة، يرى باطنه من ظاهره ولا يوجد له في جودة الصنعة نظير.

ولمّا كانت آلهة المسلمين يوحون إليهم في مواقع الشدّة وقد انهزم المسلمون في بعض حروبهم بعث قائد القوم واحداً في طلب إلههم الّذي كان بمكّة (يعني محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)). يروي بعض من شاهد الواقعة: أنّ الإله (يعني محمّداً) جائهم وقد أحاط به جمّ غفير من أتباعه وهم يضربون الطبول والعيدان والمزامير والبوقات المعمولة من فضّة ويتغنّون ويرقصون حتّى أتوا به إلى المعسكر بسرور وترح ومرح، وقد كان خليفته منتظراً لقدومه فلمّا رآه قام على ساقه، واشتغل بعبادته بخضوع وخشوع.

____________________

(١) هذا وما بعده إلى آخر الفصل منقول عن ترجمة كتاب (هنري دوكاستري) في الديانة الإسلاميّة الفصل الأوّل منه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

عمه أبي ذؤيب، وأبي هريرة المسكين وأمثالهم(٥١١) .

وقد اعتصم بتقشفه في مأكله ومشربه ومسكنه ومركبه، وأخذه بالصبر عن الشهوات، والكف عن الملذات، والاكتفاء بالبلغة وأسباغه عطاياه على الأمة من الغنائم، لا يؤثر نفسه وأهله بشئ منها، ووفره على بيت المال.

وأخذه بالحزم في محاسبة العمال. ومقاسمتهم إلى كثير من أمثال هذه الأمور التي ساقت الأمة بعصاه. وأخرست الألسن وألجمت الأفواه. لم يسلم منه أحد من عماله سوى معاوية على ما بينهما من تباين المشرب والسيرة. فانه لم يحاسبه في شئ ولا عاقبه في أمر. بل تركه يسرح ويمرح على غلوائه إذ قال له: لا آمرك ولا أنهاك. ومن عرف عمر علم انه لأمر ما آثر معاوية هذا الإيثار(٥١٢) .

[ المورد - (٥٩) - تشدده على أبي هريرة ]

وذلك ان عمر بعثه واليا على البحرين سنة إحدى وعشرين، فلما كانت سنة ثلاث وعشرين عزله وولى عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله في قضية مستفيضة، وحسبك منها ما ذكره ابن عبد ربه المالكي (فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد) إذ قال - وقد ذكر عمر - ثم دعا أبا هريرة فقال له: علمت إني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ؟. ثم بلغني انك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار !. قال: كانت لنا

____________________

(٥١١) الغدير ج ٦ / ٣١٦، راجع ما تقدم تحت رقم

(٤٣٤) والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ / ٢٨٥.

(٥١٢) شيخ المضيرة أبو هريرة ص ٨٦ (*).

٣٨١

أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده قال: ليس لك ذلك. قال: بلى والله وأوجع ظهرك، ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه، ثم قال: ائت بها. قال: احتسبها عند الله. قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبى الناس لك لا لله ولا للمسلمين ؟ ما رجعت(١) بك أميمة إلا لرعية الحمر.

قال ابن عبد ربه: وفي حديث أبي هريرة: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه ! سرقت مال الله ؟. قال فقلت: ما أنا عدو الله وعدو كتابه، ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ؟. قال فقلت: خيل تناتجت، وعطايا تلاحقت، وسهام تتابعت. قال: فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ! (الحديث).

وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشئ من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج(٢) وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته الكبرى(٣) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله ؟ إلى آخر الحديث.

وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من اصابته فحوره عطفا على أبي هريرة تحويرا خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم، وذهل عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فأدماه وأخذ ماله وعزله(٥١٣) .

____________________

(١) الرجع والرجيع العذرة والروث سميا رجعيا لانهما رجعا من حالتهما الأولى بعد ان كانا طعاما وعلفا، وأميمة أم أبى هريرة، وكلمة الخليفة هذه من أفظع كلمات الشتم (منه قدس).

(٢) ص ١٠٤ طبع مصر (منه قدس).

(٣) ص ٩٠ من قسمها الثاني من جزئها الرابع (منه قدس)

(٥١٣) تاريخ الذهبي ج ٢ / ٣٣٨، سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٢ / ٤٤٤، الغدير للأميني ج ٦ / ٢٧١، شيخ المضيرة أبو هريرة لأبي رية ص ٧٩، فتوح البلدان للبلاذري ص ٨٢ ط أوربا. (*).

٣٨٢

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٦٣: -

[ المورد - (٦٠) -: تشدده على سعد بن أبى وقاص بتحريق قصره عليه ]

وذلك انه استعمله على الكوفة فبلغه انه يحتجب في قصره عن الرعية، فدعا محمد بن مسلمة فقال له: اذهب إلى سعد بالكوفة فحرق عليه قصره، ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني. فذهب محمد إلى الكوفة فأضرم النار في القصر يفاجئ بذلك سعدا، فخرج سعد وهو يقول: ما هذا ؟. فقال له محمد: هذا حزم أمير المؤمنين، فتركه حتى أحرق ثم انصرف إلى المدينة (الحديث)(٥١٤) .

[ المورد - (٦١) -: تشدده على خالد بن الوليد ]

وذلك إذ انتجعه (وهو على قنسرين من قبل عمر) الأشعث بن قيس فأجازه بعشرة آلاف، فسمع بذلك عمر بن الخطاب، وكان لا يخفى عليه شئ من عمله، فدعا عمر البريد، فكتب معه إلى أبي عبيدة - عامله على حمص -: أن أقم خالدا على رجل واحدة معقول الأخرى بعمامته وانزع قلنسوته على رؤوس الأشهاد، من موظفي الدولة، ووجوه الشعب، حتى يعلمك من أين

____________________

(٥١٤) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٦٩، فتوح البلدان للبلاذري ص ٢٨٦، الغدير ج ٦ / ٢٧١ (*).

٣٨٣

أجاز الأشعث، أمن ماله، فهو الإسراف، والله لا يحب المسرفين، أم من مال الأمة ؟ فهي الخيانة، والله لا يحب الخائنين، واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله، فكتب أبو عبيدة إلى خالد. فقدم عليه، ثم جمع الناس، وجلس لهم على المنبر في المسجد الجامع، فقام البريد فسأل خالدا من أين أجاز الأشعث ؟ فلم يجبه، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئا، فقام بلال الحبشي فقال ان أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ونزع عمامته، ووضع قلنسوته، ثم أقامه فعقله بعمامته، وقال: من أين أجزت الأشعث ؟ أمن مالك ؟ أم من مال الأمة ؟. فقال من مالي. فأطلقه وأعاد قلنسوته، ثم عممه بيده وهو يقول: نسمع لولاتنا. ونفخم ونخدم موالينا، وأقام خالد متحيرا لا يدري أمعزول أم غير معزول، إذ لم يعلمه أبو عبيدة بعزله تكرمة وتفخمة له، فلما تأخر قدومه على عمر ظن الذي كان، فكتب إلى خالد انك معزول فتنح، ثم لم يوله بعد ذلك عملا حتى مضى لسبيله(٥١٥) .

وقد ذكر العقاد هذه القضية كما في ص ٢٤٥ من أصل الكتاب إلى آخر المورد.

[ المورد - (٦٢) -: نفيه لضبيع التميمي وضربه إياه: ]

وذلك ان رجلا جاء إليه فقال: ان ضبيعا التميمي لقينا فجعل يسألنا يا أمير المؤمنين عن تفسير آيات من القرآن. فقال لي اللهم أمكني منه. فبينا هو يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه ضبيع وعليه ثياب وعمامة، فتقدم فأكل مع

____________________

(٥١٥) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٧٥، الغدير ج ٦ / ٢٧٤، الحلبية ج ٣ / ٢٢٠، البداية والنهاية ج ٧ / ١١٥ (*).

٣٨٤

الناس حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى:( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ) . فقال له ويحك: أنت هو ؟. فقام إليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فإذا له ضفيرتان، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا ضربت رأسك. ثم أمر به فحبس في بيت ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة ! فإذا برى أخرجه فضربه مائة أخرى ! ! ثم حمله على قتب وسيره إلى البصرة، فكتب إلى عامله أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته وأن يقوم في الناس خطيبا يقول لهم: ان ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه. فلم يزل بعدها ضبيع عند الناس وفي قومه حتى هلك، وقد كان من قبل سيد قومه(٥١٦) .

[ المورد - (٦٣) - نفيه نصر بن حجاج ]

وذلك فيما رواه عبدالله بن بريد إذ قال(١) بينا عمر يعس ذات ليلة انتهى إلى باب مجاف وامرأة تغني نسوة :

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

فقال عمر: أما، ما عاشت فلا. فلما أصبح دعا نصر بن حجاج - وهو نصر بن حجاج بن علابط البهزي السلمي - فأبصره وهو من أحسن الناس وجها وأصبحهم وأملحهم حسنا فأمر أن يطم شعره فخرجت جبهته فازدادت حسنا فقال له عمر اذهب فاعتم. فاعتم فبدت وفرته فأمره بحلقها فازداد حسنا.

____________________

(٥١٦) أخرجها أهل الأخبار مسندة وأرسلها المتتبع ابن أبى الحديد في أحوال عمر ص ١٢٢ من المجلد الثالث من شرح النهج طبع مصر (منه قدس). وج ١٢ / ١٠٢ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(١) كما في ص ٩٩ من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة (منه قدس) (*).

٣٨٥

فقال له: فتنت نساء المدينة يا ابن حجاج لا تجاورني في بلدة أنا مقيم بها. ثم سيره إلى البصرة فأقام بها أياما، ثم كتب لعمر كتابا فيه هذه الأبيات :

لعمري لئن سيرتني أو حرمتني

لما نلت من عرضي عليك حرام

أئن غنت الدلفاء يوما بمنية

وبعض أماني النساء غرام

ظننت بي الظن الذي ليس بعده

بقاء فمالي في الندي كلام

وأصبحت منفيا على غير ريبة

وقد كان لي بالمكتين مقام

فيمنعني مما تظن تكرمي

وآباء صدق سالفون كرام

ويمنعها مما تغنت صلاتها

وحال لها في دينها وصيام

فهاتان حالانا فهل أنت راجع

فقد جب مني كاهل وسنام

فقال عمر: أما ولي ولاية فلا. فلما قتل عمر ركب نصر راحلته ولحق بأهله في المدينة(٥١٧)

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٦٦: -

[ المورد (٦٤) -: تجاوزه الحد الشرعي في الغلظة على ولده ]

وذلك أن ولده عبدالرحمن المكنى أبا شحمة شرب الخمر في مصر أيام ولاية عمرو بن العاص عليها، فأمر به الوالي ابن العاص فحلق رأسه وجلد الحد الشرعي بمحضر من أخيه عبدالله بن عمر، فلما بلغ عمر ذلك كتب إلى ابن العاص أن يبعث به إليه في عباءة على قتب بغير وطاء وشدد عليه في ذلك، وأغلظ له القول، فأرسله إليه على الحال التي أمر بها أبوه.

وكتب إلى عمر أني أقمت الحد عليه بحلق رأسه وجلده في صحن الدار، وحلف بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أنه الموضع الذي تقام فيه الحدود على

____________________

(٥١٧) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ / ٢٨٥ (*).

٣٨٦

المسلمين والذميين، وبعث بالكتاب مع عبدالله بن عمر، فقدم عبدالله بن عمر بالكتاب وبأخيه عبدالرحمن على أبيهما وهو في عباءة لا يستطيع المشي لمرضه واعيائه ومما فيه من عقر القتب، فشدد أبوه عليه وقال: يا عبدالرحمن فعلت وفعلت !. ثم صاح: السياط السياط. فكلمه عبدالرحمن بن عوف وقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد، وشهد بذلك أخوه عبدالله. فلم يلتفت إليه وزبره، فأخذته السياط، وجعل يصيح: أنا مريض وأنت والله قاتلي. فلم يرق له وتصام عن صياحه حتى استوفى الحد وحبسه بعده شهرا فمات(٥١٨) .

ومحل الشاهد هنا ان ابن العاص، ان كان مأمونا على حدود الله وثقة في نفس عمر فقد أخبره بإقامة الحد على ولده أبي شحمة بحضور أخيه عبدالله، وكان عبدالله من أوثق آل الخطاب في نفس أبيه، وإذا فلا وجه لإقامة الحد

____________________

(٥١٨) هذه الواقعة من الوقائع المشهورة ذكرها أهل الأخبار في أحوال عمر وخصائصه فلتراجع في ص ١٢٣ وما بعدها من المجلد الثالث من شرح النهج الحميدي طبع مصر. وتجد في ص ١٢٧ من المجلد نفسه عن بعض أولياء عمر: أنه ضرب ابنا له على الشراب فمات من ضربه. وكل من ذكر أبا شحمة ذكر ذلك حتى أن ابن عبد البر أورد هذه القضية بنحو من التنسيق والتنميق في ترجمة عبدالرحمن الأكبر بن عمر هو أخو أبى شحمة الذي هو عبدالرحمن الأوسط، ولهما أخ ثالث يدعى عبدالرحمن الأصغر كما نقلها ابن عبد البر.

وقال الدميري في مادة ديك من حياة الحيوان: وكان عمر قد حد ابنه عبدالله على الشراب فقال له وهو يحده قتلتني يا أبتاه.

(قال): والذي في كتب السير ان المحدود في الشراب ابنه الأوسط أبو شحمة أه‍. وعقد ابن الجوزي بابا مختصا بضرب عمر لولده على شرب الخمر، وهو الباب ٧٧ من تاريخ عمر (منه قدس). الغدير للأميني ج ٦ / ٣١٦، سنن الكبرى للبيهقي ج٨ / ٣١٢، العقد الفريد ج ٣ / ٣٧٠، تاريخ بغداد للخطيب ج ٥ / ٤٥٥، سيرة عمر لابن الجوزي ص ١٧٠ وفى طبع آخر ص ٢٠٧، الرياض النضرة ج ٢ / ٣٢ ط ١، ارشاد الساري ج ٩ / ٤٣٩، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٢ / ٣٩٤ (*).

٣٨٧

عليه مرة أخرى، وان كان ابن العاص غير مأمون على حدود ولا صادق فيما يخبر به حتى لو حلف الإيمان المغلظة كما فعل، فكيف يوليه مصر فيسلطه على أحكام الله وحدوده ؟ ودماء عباده ؟ وأعراضهم وأموالهم ؟ !. على أن المريض لا يحد قبل شفائه والمحدود لا يحبس بعد اقامة الحد عليه ولاسيما إذا كان مريضا أو أضره الحبس، لكن عمر مولع بايثار رأيه في المصلحة على النصوص.

[ المورد - (٦٥) -: قطعة شجر الحديبية ]

شجرة الحديبية هذه بويع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة الرضوان تحتها، فكان من عواقب تلك البيعة ان فتح الله لعبده ورسوله فتحا مبينا، ونصره نصرا عزيزا، وكان بعض المسلمين يصلون تحتها تبركا بها، وشكرا لله تعالى على ما بلغهم من أمانيهم في تلك البيعة المباركة. فبلغ عمر ما كان من صلاتهم تحتها فأمر بقطعها وقال(١) : ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد إلى الصلاة عندها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد. آه(٥١٩) .

سبحان الله وبحمده والله أكبر ! ! يأمره بالأمس رسول الله بقتل ذي الخويصره وهو رأس المارقة فيمتنع عن قتله احتراما لصلاته(٥٢٠) " ثم يستل

____________________

(١) كما في السطر الأخير من ص ٥٩ من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي (منه قدس).

(٥١٩) الغدير للأميني ج ٦ / ١٤٦، شرح النهج الحديدي ج ٣ / ١٢٢، سيرة عمر لابن الجوزي ص ١٠٧، الطبقات الكبرى لابن سعد، السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٩، فتح الباري ج ٧ / ٣٦١ وقد صححه، ارشاد الساري ج ٦ / ٣٣٧، شرح المواهب للزرقاني ج ٢ / ٢٠٧، الدر المنثور ج ٦ / ٧٣، عمدة القاري ج ٨ / ٢٨٤ وقال: إسناد صحيح.

(٥٢٠) كما تقدم تحت رقم (١٣١) فراجعه مع مصادره. (*)

٣٨٨

اليوم سيفه لقتل من يصلي من أهل الإيمان تحت الشجرة شجرة الرضوان ؟ ! " وي، وي ما الذي أرخص له دماء المصلين من المخلصين لله تعالى في صلواتهم ؟ ان هذه لبذرة أجذرت وآتت أكلها في نجد (حيث يطلع قرن الشيطان)(٥٢١) .

وكم لفاروق الأمة من أمثال هذه البذرة كقوله للحجر الاسود: " انك لحجر لا تنفع ولا تضر، ولولا اني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.. "(٥٢٢) .

ولقد كانت هذه الكلمة منه كأصل من الأصول العملية بني عليها بعض الجاهلين تحريم التقبيل للقرآن الحكيم، والتعظيم لضريح النبي الكريم ولسائر الضرائح المقدسة، ففاتهم العمل بكثير من مصاديق قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (١) ) .

ولم يكونوا في شغفهم بحب الله عزوجل على حد قول القائل :

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا

____________________

(٥٢١) صحيح البخاري ك الجهاد والسير باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ج ٤ / ٤٦ ط استانبول وج ٤ / ١٠ ط مطابع الشعب.

(٥٢٢) أخبار مكة للازرقي ج ١ / ٣٢٣ و ٣٢٩ و ٣٣٠ ط دار الأندلس، الغدير ج ٦ / ١٠٣، المستدرك للحاكم ج ١ / ٤٥٧، سيرة عمر لابن الجوزي ص ١٠٦، ارشاد الساري ج ٣ / ١٩٥، عمدة القاري ج ٤ / ٦٠٦، شرح النهج الحديدي ج ٣ / ١٢٢ ط ١ وج ١٢ / ١٠٠ ط مصر بتحقيق أبو الفضل، الفتوحات الإسلامية ج ٣ / ٤٨٦، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ٤٠ ح ١٠٧٣ ط بيروت.

(١) الآيتان في سورة الحج (منه قدس) (*).

٣٨٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٧٠: -

[ المورد - (٦٦) -: يوم شكته أم هاني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ]

أخرج الطبراني في الكبير عن عبدالرحمن بن أبي رافع عن أم هاني بنت أبي طالبعليه‌السلام انها قالت: يا رسول الله ان عمر بن الخطاب لقيني فقال لي: ان محمدا لا يغني عنك شيئا. فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقام خطيبا فقال: ما بال أقوام يزعمون ان شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وان شفاعتي لتنال حاء وحكم(٥٢٣) .

وغضبصلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام آخر إذ توفي لعمته صفية ولد فعزاهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما خرجت لقيها رجل(١) فقال لها: ان قرابة محمد لن تغني عنك شيئا. فبكت حتى سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صوتها ففزع من ذلك، فخرج إليها فسألها فأخبرته فغضب فقال: يا بلال هجر بالصلاة، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال أقوام يزعمون ان قرابتي لا تنفع، ان كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي، وان رحمي موصولة في الدنيا والآخرة(٥٢٤) .

____________________

(٥٢٣) قبيلتان في اليمن بعيدتا النسب من قريش (منه قدس). ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٦٧ ط اسلامبول.

(١) هو عمر بن الخطاب بلا ريب (منه قدس).

(٥٢٤) أخرجه المحب الطبري في ذخائر العقبى بالإسناد إلى ابن عباس (منه قدس). مجمع الزوائد ج ٨ / ٢١٦ وصرح بأن القائل هو عمر بن الخطاب، المعرفة والتاريخ ج ٢ / ٤٩٩، ينابيع المودة ص ٢٦٧ ط اسلامبول. وقريب منه في: فرائد السمطين ج ٢ / ٢٨٨ ح ٥٤٨ و ٥٤٩، المسند لأحمد ج ٣ / ١٨ و ٣٩ و ٦٢ ط ١، تفسير ابن كثير ج ٧ / ٣٤، إحقاق ج ٩ / ٥١٤، شرح نهج البلاغة ج ٢ / ١٨٧ ط ٢ القول الفصل للحداد ج ٢ / ١٦ =>

٣٩٠

[ المورد - (٦٧) -: يوم النجوى ]

وقد فات الخير يومئذ جميع الناس حاشا علياعليه‌السلام فانه الفائز بخيرها لا يشاركه فيه فاروق ولا صديق ولا غيرهما من سائر البشر.

واليك آيتها فتدبرها ولا تكن ممن عناهم الله بقوله تعالى: أم على قلوب أقفالها. والآية في سورة المجادلة وهي قوله عزوجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ) فلم يعمل بها سوى علي بإجماع هذه الأمة، كما تراه في تفسير الآية من كل من كشاف الزمخشري، والتفسير الكبير للطبري، والتفسير العظيم للثعلبي، ومفاتيح الغيب للرازي، وسائر التفاسير.

ودونك من الصحاح ما أخرجه الحاكم في تفسير الآية ص ٨٤٢ من الجزء الثاني من صحيحة المستدرك عن عليعليه‌السلام قال: ان في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدى، آية النجوى، كان عندي

____________________

=> قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي "

عن عمر بن الخطاب: راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٠٨ ح ١٥٠ و ١٥١ و ١٥٢ و ١٥٣، تاريخ بغداد للخطيب ج ٦ / ١٨٢، سنن البيهقي ج ٧ / ٦٣ و ٦٤، حلية الأولياء ج ٧ / ٣١٤، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٣ / ١٢٤، تذكرة الحفاظ ج ٣ / ١١٧ وفى ط ٩١٠، مجمع الزوائد ج ٤ / ٢٧١ وج ٩ / ١٧٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ / ٤٦٣ ط بيروت، ينابيع المودة ص ٢٦٧ ط اسلامبول.

وعن ابن عباس: تاريخ بغداد للخطيب ج ١٠ / ٢٧١، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٧٣ وج ٨ / ٢١٦، الجامع الصغير ص ٢٣٦، كفاية الطالب ص ٣٨٠ ط الحيدرية، ينابيع المودة ص ٢٦٧ ط اسلامبول. (*)

٣٩١

دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت بقوله تعالى:( أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ (١) فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (٥٢٥) .

فشمل هذا التقريع عمر وغيره من سائر الصحابة حاشا علياعليه‌السلام فانه ما أشفق من تقديم الصدقات ولا خاف الأمر ليحتاج إلى التوبة.

وقد قام الرازي هنا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنه

____________________

(١) قال الحاكم بعد إيراد هذا الحديث هنا بلفظه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قلت وصححه الذهبي من شرط الشيخين إذ أورده في تلخيص المستدرك (منه قدس).

(٥٢٥) آ ية النجوى لم يعمل به إلا الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام . راجع: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ٢ / ٢٣٠ ح ٩٤٩ و ٩٥٠ و ٩٥١ و ٩٥٢ و ٩٥٣ و ٩٥٤ و ٩٥٥ و ٩٥٦ و ٩٥٧ و ٩٥٨ و ٩٥٩ و ٩٦٠ و ٩٦١ و ٩٦٢ و ٩٦٣ و ٩٦٤ و ٩٦٥ و ٩٦٦ و ٩٦٧ ط ١، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٣٢٥ ح ٣٧٢ و ٣٧٣ ط ١، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٣٢٢ و ٣٥٧ ح ٢٨٣ و ٢٨٤ دلائل الصدق ج ٢ / ١٠٤، نظم درر السمطين للزرندي ص ٩٠، مقام أمير المؤمنين للعسكري ص ٥٨، ينابيع المودة للقندوزي ص ١٠٠ ط اسلامبول، المستدرك للحاكم ج ٢ / ٤٨١، مسند أحمد ج ٢ / ٢١ ط ١، المناقب للخوارزمي ص ١٩٦ ط الحيدرية، تفسير الطبري ج ٢٨ / ١٩، كفاية الطالب ص ١٣٥، سمط النجوم العوالي ج ٢ / ٤٧٤، تفسير الحبرى، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٣٩ ط مصر، تفسير ابن كثير ج ٤ / ٣٢٦، صحيح الترمذي ج ٥ / ٨٠ رقم - ٣٣٥٥ - وج ٢ / ٢٢٧ ط آخر الذهبي ج ٣ / ١٤٦، أحكام القرآن للجصاص ج ٣ / ٥٢٦، صحيح ابن حبان ج ٢ / ١٨٠، المصنف لابن أبى شيبة ج ٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٢ / ٢١، تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن ج ٤ / ٢٤٢، تاريخ الطبري ج ٨ / ١٨٤، دلائل الصدق ج ٣ / ٢١٢، الاستيعاب بترجمة معاوية. (*)

٣٩٢

قال: ان الآية تضيق قلب الفقير وتوجب حزنه لعدم تمكنه من الصدقة، وتوحش الغني بما تشتمل عليه من التكليف، وتوجب طعن بعض المسلمين ببعض، فالعمل بها يسبب فرقة ووحشة، وترك العمل بها يسبب الفة، والذي يكون سببا للالفة أولى مما يكون سببا للوحشة، إلى آخر هذيانه المعارض لقوله تعالى:( ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ) . والمناقض لقوله عز اسمه:( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) فراجع هذا الهذيان منه في ص ١٦٨ من الجزء ٨ من تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.

ولم يبق عليه إلا أن يقول: ان الزكاة والحج مثلا يضيقان قلب الفقير ويوجبان حزنه لعدم تمكنه من فعلهما، ويوحشان الغنى بما يشتملان عليه من التكليف، فالعمل بها يسبب فرقة ووحشة وترك العمل بهما يسبب ألفة ومحبة والذي يكون سببا للألفة أولى من الذي يكون سببا للوحشة، فترك الزكاة والحج أولى على قياس هذا الإمام، بل قياسه يوجب ترك الأديان كلها ترجيحا للاتفاق على الاختلاف. نعوذ بالله من سبات العقل وخطل القول وبه نستجير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

[ المورد - (٦٨) -: تسامحه مع معاوية إذ ولاه أمر الشام ]

حيث أملى له في غيه، وخلا بينه وبين ما أراد، مطلقا له العنان، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، مسوما مترفا، راكبا سجيحة رأسه، لا يبالي في غير ما يختاره لنفسه، على نقيض ما يعجب عمر من سيرة أمرائه، وقد رآه في الشام أبهة كسروية، وأزياء تنفر منها جبلة عمر، ويبرأ منها فما قال له عندها سوى: لا آمرك ولا أنهاك (أ)، يقلده حبله، ويقرطه عنانه، فعاث ما شاء أن يعيث ولا راد لجماح غلوائه، ولا مقوم من صعره، فكانت عاقبة هذا الإملاء له ما

٣٩٣

كان منه في صفين من بغيه على أمير المؤمنين، وبعدها ما كان منه في ساباط مع سيد الأسباط. وبهذا اتخذ بنو أمية مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا(٥٢٦)

فانا لله وإنا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٣٧٤: -

[المورد - (٦٩)-: أمره بما يخالف الشرع ورجوعه عن ذلك بعد تنبيه وموارد ذلك كثيرة]

أولا: ما أخرجه محمد بن مخلد العطار في فوائد(١) : ان عمر (رض) قد أمر برجم حبلى زنت. فقال له معاذ بن جبل منكرا عليه ذلك: ان يكن لك عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها، فأبطل عمر حكمه. وقال: عجزت النساء ان يلدن معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر(٥٢٧) .

ثانيا: ما أخرجه الحاكم - في رفع عنه القلم من كتاب الحدود ص ٣٨٩ الجزء الرابع من مستدركه - بالإسناد إلى ابن العباس. قال: أتى عمر بامرأة مجنونة حبلى، فأراد أن يرجمها. فقال له علي: أو ما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة ؟. عن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى

____________________

(٥٢٦) شيخ المضيرة أبو هريرة ص ٨٦ ط ٣، المستدرك للحاكم ج ٤ / ٤٧٩ و ٤٨٠، كنز العمال ج ٦ / ٣٩ ط ١، الغدير ج ٨ / ٢٥٠.

(١) كما نص عليه ابن حجر العسقلاني في ترجمة معاذ بن جبل من اصابته (منه قدس).

(٥٢٧) الإصابة لابن حجر ج ٣ / ٤٢٧ ط ١.

وروى ان الذي اعترض عليه هو الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام . راجع: الغدير ج ٦ / ١١٠ و ١١١، الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٦ ط ١، ذخائر العقبى ص ٨٠ و ٨١، مطالب السئول ص ١٣، المناقب للخوارزمي ص ٣٩ ط الحيدرية (*).

٣٩٤

يستيقظ. فخلى عمر عنها(٥٢٨) .

قلت: هذه غير تلك التي نبهه فيها معاذ لم تكن مجنونة، فكان له عليها سبيل، ولكن بعد وضع حملها، وإلا من عليه في حضانته بعد رجمها. اما هذه فلا سبيل له عليها مطلقا لجنونها كما لا يخفى.

ولقاضي القضاة عبد الجبار في كتابه - المغي - كلام حول الأمر برجم الحبلى كان محل البحث بينه وبين الشريف المرتضى في كتابه - الشافي - وقد أورد كلاميهما ابن أبي الحديد في هذه المواضيع ص ١٥٠ إلى ص ١٥٢ من المجلد الثالث من شرح النهج طبع مصر.

ثالثا: ما أخرجه الإمام أحمد من حديث علي - ص ١٥٤ والتي بعدها من الجزء الاول من مسنده - عن أبي ظبيان الجنبي(١) قال: ان عمر أتى بامرأة

____________________

(٥٢٨) سنن أبى داود ج ٢ / ٢٢٧، الغدير ج ٦ / ١٠١، سنن ابن ماجة ج ٢ / ٢٢٧ المستدرك للحاكم ج ٢ / ٥٩ وج ٤ / ٣٨٩ وصححه، السنن الكبرى للبيهقي ج ٨ / ٢٦٤، تيسير الوصول ج ٢ / ٥، الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٦، ذخائر العقبى ص ٨١، ارشاد الساري ج ١٠ / ٩، فيض القدير ج ٤ / ٣٥٧، حاشية العزيزي على الجامع الصغير ج ٢ / ٤١٧، مصباح الظلام ج ٢ / ٥٦، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ١٤٧ ط النجف، فتح الباري ج ١٢ / ١٠١، عمدة القاري ج ١١ / ١٥١، المناقب للخوارزمي ص ٣٨ ط الحيدرية، الطرائف لابن طاووس ج ٢ / ٤٧٣.

(١) أخرجه الحاكم بإسناده إلى ابن عباس بألفاظ تقارب ألفاظ أحمد. فراجع باب من رفع عنه القلم من كتاب الحدود أول ص ٣٨٩ من الجزء الرابع من المستدرك تجده صحيحا على شرط الشيخين. وأورده الذهبي في تلخيصه مصرحا بصحته.

واختصره البخاري في كتاب الحدود من صحيحه فقال ما هذا لفظه: باب لا يرجم المجنون والمجنونة وقال علي لعمر: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ انتهى بلفظ البخاري في أول ص ١١٧ من جزئه الرابع (منه قدس) (*).

٣٩٥

قد زنت فأمر برجمها، فانتزعها علي من أيديهم وردهم بها، فرجعوا إلى عمر فقالوا: ردنا علي بن أبي طالب. قال: ما فعل هذا إلا لشئ قد علمه، فأرسل إلى علي فجاءه وهو شبه المغضب. فقال له عمر: مالك رددت هؤلاء ؟. قال: أما سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل. قال: بلى. قال على: فان هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر: لا أدرى فلم يرجمها(٥٢٩) .

رابعا: ما ذكره ابن القيم في كتابه - الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية -: ان امرأة جئ بها إلى عمر فأقرت بالزنى فأمر برجمها فاستمهله علي إذ لعل لها عذرا يدرأ عنها الحد ثم قال لها: ما حملك على الزنى ؟. قالت: كان لي خليط، وفي ابله ماء ولبن، ولم يكن في ابلي ماء ولبن فظمئت فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي، فأبيت عليه ثلاثا، فلما ظمئت وظننت ان نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني. فقال علي: الله أكبر، "( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) "(٥٣٠) .

وروى البيهقي في سننه(١) عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: أتي عمر بامرأة جهدها العطش فمرت على راع فاستسقته فأبى أن يسقيها الا أن تمكنه من نفسها ففعلت. فشاور عمر الناس في رجمها فقال علي: هذه مضطرة أرى

____________________

(٥٢٩) الغدير للأميني ج ٦ / ١٠١، المناقب للخوارزمي ص ٣٨، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ١٤٧ ط الحيدرية.

(٥٣٠) الآية ١١٥ من سورة النحل (منه قدس). كنز العمال ج ٣ / ٩٦، الغدير ج ٦ / ١٢٠.

(١) فيما نقله ابن القيم في ص ٥٣ من كتابه (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) (منه قدس) (*).

٣٩٦

أن يخلى سبيلها، ففعل عمر ذلك(٥٣١) .

خامسا: ما ذكره ابن القيم في أول ص ٥٥ من طرقه الحكيمة، إذ قال: رفعت إلى عمر امرأة أخرى وقد زنت فأقرت لديه بذلك، وكررت الإقرار به وأيدت ما فعلت من فجورها، وكان علي إذ ذاك حاضرا فقال: انها لتستهل به استهلال من لا يعلم انه حرام، فدرأ الحد عنها(٥٣٢) .

قال ابن القيم: وهذا من دقيق الفراسة. سادسا: ما نقله العلامة المعاصر أحمد أمين بك في ص ٢٨٥ من كتابه (فجر الإسلام) نقلا على كتاب (أعلام الموقعين) قال: رفعت إلى عمر قضية رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها. فتردد عمر في قتل اثنين بواحد. فقال له علي: أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة توجب القطع أكنت قاطعهم ؟. قال: نعم قال: فكذلك. فعمل برأي علي. وكتب إلى عامله أن اقتلهما فلو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم(٥٣٣) .

سابعا: ما قد رواه أهل السير والأخبار، واللفظ للمتتبع علامة المعتزلة ابن أبي الحديد(١) إذ قال: استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها، فأجهضت به جنينا ميتا، فاستفتى أكابر الصحابة في ذلك. فقالوا: لا شئ عليك، انما أنت مؤدب. فقال له علي: ان كانوا

____________________

(٥٣١) سنن البيهقي ج ٨ / ٢٣٦، الغدير للأميني ج ٦ / ١١٩، الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٦ ط ١، ذخائر العقبى ص ٨١.

(٥٣٢) (٥٣٣) (١) في ص ٥٨ من ج ١ من شرح النهج الحديدي أثناء شرح الخطبة الشقشقية (منه قدس) (*).

٣٩٧

راقبوك فقد غشوك، وان كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا، عليك غرة، يعني عتق رقبة، فرجع عمر والصحابة إلى قوله(٥٣٤) .

ثامنا: تحيره في أمر رجل من المهاجرين الأولين من أهل بدر، - وهو قدامة بن مظعون: جئ به وقد شرب الخمر فأمر به عمر أن يجلد. فقال: لم تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله عزوجل. فقال عمر: في أي كتاب الله اني لا أجلدك ؟. فقال: ان الله تعالى يقول في كتابه:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ ) الآية. فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا. شهدت مع رسول الله بدرا والحديبية والخندق والمشاهد - فلم يدر عمر ما يقول في رده - فقال: ألا تردون عليه.

فقال ابن عباس: ان هذه الآيات أنزلت عذرا للماضين، وحجة على الباقين، لان الله عزوجل يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) ثم قرأ حتى أتم الآية الأخرى.

[ ومنها ]( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ ) (١) فان الله عزوجل قد نهى عن أن يشرب الخمر فأين شاربها عن التقوى بعد أن نهى عنها ؟. فقال عمر: صدقت فماذا ترون: فأفتى علي بجلده ثمانين وجرى الأمر على هذا من ذلك اليوم

____________________

(٥٣٤) الغدير للأميني ج ٦ / ١١٩، سيرة عمر لابن الجوزي ص ١١٧، فضل العلم لأبي عمر ص ١٤٦، كنز العمال ج ٧ / ٣٠٠ ط ١، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ١٧٨ ح ٢٠٦ ط بيروت.

(١) الآية ٩٠ - ٩٣ من سورة المائدة.

(٥٣٥) أخرجه الحاكم في باب مشورة الصحابة في حد الخمر من كتاب الحدود ٤ / ٣٧٦ من مستدركه مصرحا بصحته. وأورده الذهبي في التلخيص وصححه أيضا (منه قدس). المناقب للخوارزمي ص ٥٣ ط الحيدرية.

٣٩٨

تاسعا: ما نقله ابن القيم في ص ٢٧ من كتابه (الطرق الحكمية) في قضية امرأة تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت عمر صارخة تستعديه عليه فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر ما فعله بي. فسأل عمر: النساء ؟، فقلن له: ان ببدنها وثوبها أثر المني. فهم بعقوبة الشاب، والشاب يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبت في أمري، فوالله ما أتيت بفاحشة، وما هممت بها ولقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. وكان علي حاضرا، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي إلى الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبه على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه فشمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت(٥٣٦) .

عاشرا: ما ذكر ابن القيم في ص ٣٠ والتي بعدها من طرقه الحكمية من ان رجلين من قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة وقالا لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه، فلبثا حولا فجاء أحدهما فقال: ان صاحبي قد مات، فادفعي الي الدنانير. فأبت وقالت انكما قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فلست بدافعتها اليك. فتوسل إليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه.

وبعد حول تام جاء الأخر فقال: ادفعي إلي الدنانير. فقالت: ان صاحبك قد جاءني فزعم انك قدمت فطالبني بها، فدفعتها إليه. فترافعا إلى عمر: فأراد أن يقضي عليها. فقالت: ارفعنا إلى علي بن أبي طالب، فرفعهما إليه، فعرف علي انهما

____________________

(٥٣٦) الغدير للأميني ج ٦ / ١٢٦ (*).

٣٩٩

قد مكرا بها فقال للرجل أليس قلتما لها لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ؟. قال: بلى. قال: فاذهب إذا فجئ بصاحبك تدفعه اليكما، وإلا فلا سبيل لك عليها(٥٣٧) .

الحادي عشر: ما أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس ص ١٩٠ من الجزء الأول من مسنده: أن عمر تحير في حكم الشك في الصلاة فقال له: يا غلام هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من أحد أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع ؟. قال: فبينا هو كذلك أقبل عبدالرحمن بن عوف. فقال: فيم أنتما ؟. فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله أو أحد أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع. فقال عبدالرحمن: سمعت رسول الله يقول: إذا شك أحدكم في صلاته. (الحديث)(٥٣٨) وفيه فتوى عبد الرحمن وهي على خلاف المأثور عن رسول الله عندنا فلتراجع(٥٣٩) .

وما أكثر أمثال هذه القضايا من نوادره الدالة على انقياده للحق في مثل هذه المسائل إذا عرفه، واستسلامه إلى من ينبهه إليه إذا جهله(٥٤٠) لكنه كان

____________________

(٥٣٧) الغدير للأميني ج ٦ / ١٢٦، الأذكياء لابن الجوزي ص ١٨، أخبار الظراف لابن الجوزي ص ١٩، الرياض النضرة ج ٢ / ١٩٧، ذخائر العقبى ص ٨٠، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ١٤٨ ط الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص ٥٣ ط الحيدرية.

(٥٣٨) الغدير للأميني ج ٦ / ٩٢، مسند أحمد ج ١ / ١٩٠ و ١٩٥، سنن البيهقي ج ٢ / ٣٣٢.

(٥٣٩) فانه في فتوى عبدالرحمن البناء على الأقل. وأما عندنا فالبناء على الأكثر إذا لم يكن مبطلا هذا في الركعات. راجع: جامع أحاديث الشيعة ج ٥ / ٥٩١ - ٦١٤.

(٥٤٠) الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٩، ذخائر العقبى ص ٨١ و ٨٢، تذكرة =>

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629