النص والاجتهاد

النص والاجتهاد0%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف: الصفحات: 629
المشاهدات: 158834
تحميل: 7237

توضيحات:

النص والاجتهاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158834 / تحميل: 7237
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

علق. اقرأ وربك الأكرم. قالت عائشة: فرجع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجف بها فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني. زملوني. فزملوه فقال لخديجة وقد أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك أبدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

قالت عائشة فانطلقت به خديجة حتى أتت به ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا - شابا - ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال: أو مخرجي هم ؟. (الحديث)(١) .

تراه نصا في ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان - والعياذ بالله - مرتابا في نبوته بعد تمامها، وفي الملك بعد مجيئه إليه، وفي القرآن بعد نزوله عليه، وانه كان من الخوف على نفسه في حاجة إلى زوجته تشجعه، والى ورقة الهم الأعمى الجاهلي المتنصر يثبت قدمه، ويربط على قلبه، ويخبره عن مستقبله إذ يخرجه قومه، وكل ذلك ممتنع محال.

وقد أمعنا في أخذ الملك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وغطه إياه مرتين يبلغ منه الجهد فيأخذ نفسه ويرجف فؤاده، ويخيفه على مشاعره، فلم نجد له وجها يليق بالله تعالى، ولا بملائكته، ولا برسله، ولاسيما مع اختصاص خاتم النبيين

____________________

(١) راجع من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص ١٧١ من جزئه الأول (منه قدس) (*).

٤٤١

بهذا، إذ لم ينقل عن أحد منهمعليهم‌السلام انه جرى له مثل ذلك عند ابتداء الوحي إليه، كما صرح به بعض شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري(١) .

وقد وقفنا على المحاورة التي جرت - بمقتضى هذا الحديث السخيف - بين الملك والنبي فرأينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعيدا كل البعد عن فهم مراد الملك من تكليفه إياه بالقراءة، إذ قال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، فان مراد الملك ان يتابعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يتلوه عليه، لكن النبي انما فهم منه أن ينشئ القراءة في حال انه لم يكن قارئا، وكأنه ظن - والعياذ بالله - أن يكلفه بغير المقدور وكل ذلك ممتنع ومحال، وما من شك في انه فرية ضلال، وهل يليق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يفهم خطاب الملك ؟ أو يليق بالملك ان يكون قاصرا عن الأداء فيما يوحيه عن الله، تعالى الله وملائكته ورسله عن ذلك.

فالحديث باطل من حيث متنه، وباطل من حيث سنده، وحسبك في بطلانه من هذه الحيثية كونه من المراسيل، بدليل انه حديث عما قبل ولادة عائشة بسنين عديدة فانها انما ولدت بعد المبعث بأربع سنين في أقل ما يفرض، فأين هي عن مبدء الوحي ؟ وأين كانت حين نزول الملك في غار حراء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فان قلت: أي مانع لها أن تسند هذا الحديث إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمعته ممن حضر مبدأ الوحي.

قلنا: لا مانع لها من ذلك، غير ان هذا الحديث في هذه الصورة لا يكون حجة، ولا يوصف بالصحة، وانما يكون مرسلا، حتى نعرف الذي سمعته

____________________

(١) تجده في باب بدء الوحي من الجزء الأول من صحيح البخاري. وفى تفسير سورة اقرأ من جزئه الثالث، وأخرجه أيضا في التعبير والإيمان. وتجده في الإيمان من صحيح مسلم. وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير (منه قدس) (*).

٤٤٢

منه، ونحرز عدالته، فان المنافقين على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا كثيرين، وكان فيهم من يخفي نفاقه على عائشة، بل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (٦٣١) .

والقرآن الكريم يثبت كثرة المنافقين على عهد النبي، واخواننا يوافقوننا على ذلك، لكنهم يقولون: ان الصحابة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأجمعهم عدول، حتى كأن وجود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بين ظهرانيهم كان موجبا لنفاق المنافقين منهم، فلما لحق بالرفيق الأعلى، وانقطع الوحي، حسن إسلام المنافقين، وتم إيمانهم، فإذا هم أجمعون اكتعون أبصعون ثقات عدول مجتهدون، لا يسألون عما يفعلون وان خالفوا النصوص ونقضوا محكماتها. وهذا الحديث يمثل سائر مراسيلها( يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) (٦٣٢) .

____________________

(٦٣١) سورة التوبة: ١٠١.

(٦٣٢) سورة يس: ٢٦.

٤٤٣

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٢٣: -

[ المورد - (٨٥) - خروجها على الإمام ]

وحسبك خروجها على الإمام طلبا بدم عثمان، بعد تحاملها عليه، وإغرائها الناس به وقولها فيه ما قالت(٦٣٣) .

____________________

(٦٣٣) هنا نصوص شتى خالفتها أم المؤمنين في سيرتها مع على وعثمان، لعلها تربو في عددها على كل ما تقدمها من النصوص التي تأولها الخلفاء الثلاثة، فلم يعملوا على مقتضاها، وحسبك من موارد مخالفتها ما تراه في أصل الكتاب كمورد واحد، ولا تنس ما مر عليك آنفا مما أخرجه مسلم عنها من عدة طرق: ان الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت الحضر، روت ذلك ثم لم تعمل به، بل تأولته كما سمعت نصه في صحيح مسلم (منه قدس).

كما تقدم تحت رقم (٥٦٨ و ٦٢٨ و ٦٢٩) (*).

٤٤٤

وقد قال الله تعالى فيما أمر به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في محكمات الكتاب من سورة الأحزاب:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (٦٣٤) ،

لكن السيدة خرجت على الإمام بعد انعقاد البيعة له، وإجماع أهل الحل والعقد عليه، وكان أول من بايعه طلحة والزبير من السابقين الأولين إلى ذلك(٦٣٥) .

خرجت هذا الخروج من بيتها الذي أمرها الله أن تقر فيه، وكان خروجها على قعود من الإبل، تقود ثلاثة آلاف من طغام الناس، وأوباش العرب، وفيهم - بكل أسف - طلحة والزبير، وقد نكثا البيعة، فكانت تعلو بجيشها الجبال، وتهبط الأودية، وتجوب الفيافي وتقطع المفاوز والقفار، حتى أتت البصرة وعليها من قبل أمير المؤمنين عثمان بن حنيف الأنصاري، ففتحها بعد تلك الدماء المسفوكة، والحرمات المهتوكة، وكان ما كان مما لم يكن في الحسبان من فظائع وفجائع فصلها أهل السير والأخبار، وتعرف هذه الواقعة عندهم بوقعة الجمل الأصغر، وكان لخمس بقين من ربيع الثاني سنة ست وثلاثين للهجرة، وذلك قبل مجئ عليعليه‌السلام إلى البصرة(٦٣٦) .

ثم لما أتى إلى البصرة بمن معه نهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها ،

____________________

(٦٣٤) سورة الأحزاب: ٣٣. (٦٣٥) لأجل المزيد من الاطلاع حول خروجها على أمير المؤمنين: راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق ١، كتاب الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية وراجع ما تقدم تحت رقم (٥٦٨ و ٥٧٠ و ٦٢٨).

(٦٣٦) تاريخ الطبري ج ٤ / ٤٧٤، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٢٢٨، أسد الغابة ج ٢ / ٣٨، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٤٨١ ط ١. وراجع ما تقدم تحت رقم (٥٧٠)، سبيل النجاة في تتمة المراجعات رقم (٤٤٣) (*).

٤٤٥

فكف يده ودعاها إلى السلام بكلام يأخذ بالأعناق إلى ذلك، لكنها أصرت على الحرب وبدأته بالقتال، فلم يسعه حينئذ الا العمل بقوله تعالى:( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) (٦٣٧) وبذلك فتح الله عليه، لكن بعد جهاد عظيم أبلى فيه المؤمنون بلاء حسنا، وتسمى هذه الواقعة وقعة الجمل الأكبر وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين للهجرة.

وهاتان الوقعتان متواترتان تواتر وقعات صفين والنهروان وبدر وأحد والأحزاب، وقد فصلهما من فصل حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة(١) وذكرهما أو أشار إليهما كل من أرخ حياة علي (ع) وعائشة وسائر من كان مع كل منهما من الصحابة والتابعين من أهل المعاجم والتراجم(٦٣٨) .

____________________

(٦٣٧) سورة الحجرات: ٩.

(١) كهشام بن محمد الكلبى في كتابه الجمل. والطبري في تاريخ الأمم والملوك وابن الأثير في كامله. والمدائني في كتابه الجمل وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين. ولا يفوتنكم ما في المجلد الثاني من شرح النهج لابن أبى الحديد طبع مصر وعليكم منه ص ٧٧ وما بعدها إلى ص ٨٢ إذ شرح قول أمير المؤمنين (النساء نواقص الحظوظ. إلى آخره)، ولا تفوتنكم منه ص ٤٩٦ وما بعدها إذ شرح قوله: فخرجوا يجرون حرمة رسول الله. الخطبة (منه قدس).

(٦٣٨) وحسبكم من ذلك الاستيعاب وأسد الغابة، والإصابة، وطبقات ابن سعد وغيرها (منه قدس).

لأجل التفصيل حول ذلك وأسماء الصحابة الذين استشهدوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في يوم الجمل الأكبر: راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق ١ / ١٢١ - ٢٠٠، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٩ - ٣٦٠، أسد الغابة ج ١ / ٣٨٥ وج ٢ / ١١٤ و ١٧٨ وج ٤ / ٤٦ و ١٠٠ وج ٥ / ١٤٣ و ١٤٦ و ٢٨٦، الإصابة ج ١ / ٢٤٨ و ٥٠١ وج ٢ / ٣٩٥، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٠٤ تحت رقم (٤٤٤) (*) .؟

٤٤٦

[ حول هذه المأساة ]

وقال كل من صنف في السير والأخبار " فيما نص عليه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة(١) ": ان عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى انها أخرجت ثوبا من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته(٦٣٩) .

(قالوا): أن أول من سمى عثمان نعثلا لعائشة، وكانت تقول: " اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا، اقتلوا نعثلا فقد كفر "(٦٤٠) وكان طلحة والزبير من أشد المؤلبين عليه وأشدهما كان طلحة(٦٤١)

وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من اثبات السير (قالوا): لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة، وحين بلغها قتله لم تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر، فقالت: بعدا لنعثل وسحقا، ايه ذا الاصبع أيه أبا شبل ايه يا ابن عم، لكأني أنظر إلى اصبعه وهو يبايع(٦٤٢) .

____________________

(١) ص ٧٧ من المجلد الثاني (منه قدس).

(٦٣٩) تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٧٢، أنساب الأشراف ج ٥ / ٤٨ و ٨٨، الأغاني لأبي الفرج الاصفهانى ج ٤ / ١٨٠، الغدير ج ٨ / ١٢٣ وج ٩ / ٧٧ وما بعدها وراجع ما تقدم تحت رقم (٦٢٨)، المعيار والموازنة ص ٢١، شيخ المضيرة أبو هريرة ص ١٨١.

(٦٤٠) تقدما تحت رقمي (٦٢٨ و ٦٢٩).

(٦٤١) الغدير ج ٩ / ٩١ - ١٠٩، شرح النهج الحديدي ج ٢ / ٥٠٦ ط ١، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٣٩ و ١٢٢ و ١٤٣ و ١٦٥ و ١٥٤، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ٨٧ ط بيروت تاريخ بن خلدون ج ٢ / ٣٩٧، أنساب الأشراف ج ٥ / ٤٤ و ٩٠ و ٧٤ و ٧٦ و ٨١، الإمامة والسياسة ج ١ / ٣٤، العقد الفريد ج ٢ / ٢٦٩. راجع بقية المصادر في الغدير ج ٩.

(٦٤٢) الغدير ج ٩ / ٨٢، أنساب الأشراف للبلاذرى ج ٢ / ٢١٧ (*).

٤٤٧

(قالوا): وكان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال، وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثم لما فسد أمره دفعها إلى علي بن أبي طالب (ع)(٦٤٣) .

وروى الطبري(١) وغيره بالإسناد إلى أسد بن عبدالله عمن أدركهم من أهل العلم: ان عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة، لقيها عبد ابن أم كلاب، وهو عبد ابن أم سلمة ينسب إلى أمه، فقالت له: مهيم ؟ قال: قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا. قالت: ثم صنعوا ماذا. قال: أخذها أهل المدينة بالإجماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه ان تم الأمر لصاحبك، ردوني ردوني فارتدت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لاطلبن بدمه. فقال لها ابن أم كلاب: ولم ؟ فوالله ان أول من أمال حرفه لانت، ولقد كنت تقولين " اقتلوا نعثلا فقد كفر " قالت: انهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب :

فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا انه قد كفر

فهبنا اطعانك في قتله

وقاتله عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم تنكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا تدرؤ

يزيل الشبا ويقيم الصعر

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثل من قد غدر(٢)

____________________

(٦٤٣) الغدير ج ٩ / ٨٢.

(١) في ص ٤٧٦ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٢) أورد ابن الأثير وغيره هذه القضية وهذه الأبيات، وهى من الشهرة بمكان (منه قدس) (*).

٤٤٨

قال: فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد، فقصدت الحجر، واجتمع الناس إليها فقالت: يا أيها الناس ان عثمان قتل مظلوما، والله لاطلبن بدمه(٦٤٤)

وأثارتها فتنة عمياء بكماء انتقاما من علي خليل النبوة، والمخصوص بالاخوة، وما كان بالقاتل لعثمان أو المحرض عليه، أو الراضي بقتله(٦٤٥)

وكان مما قالته - كما في الكامل(١) لابن الأثير وغيره -: ان الغوغاء من أهل الأمصار، وأهل المياه، وعبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل فقتلوه ظلما، ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه. وقد استعمل أمثالهم من كان قبله، ومواضع من الحمى حماها، فتاب ونزع لهم عنها. فلما لم يجدوا حجة ولا غدرا بادره بالعدوان، فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، وأخذوا المال الحرام، والله لاصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه، أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء. فقال عبدالله بن عامر الحضرمي، وكان عامل عثمان على مكة: ها أنا أول طالب. وتبعه بنو أمية على ذلك، وكانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة(٦٤٦) .

____________________

(٦٤٤) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٧٢، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٠٥، الغدير ج ٩ / ٨٠، تذكرة الخواص ص ٦٤.

(٦٤٥) كما يعلمه كل مصنف من هذه الامة وغيرها (منه قدس). بل كان محايدا كما يشير إليه قوله: " لو أمرت به لكنت قاتلا أو نهيت عنه لكنت ناصرا غير ان من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير منى وأنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء الاثرة وجزعتم فأسأتم الجزع ولله حكم واقع في المستأثر والجازع " نهج البلاغة الخطبة: ٣٠

(١) ص ١٠٣ من جزئه الثالث (منه قدس)

(٦٤٦) الكامل لابن الأثير ج ٣ / ٦٠٦، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٥. (*).

٤٤٩

[ موقف أم سلمة في هذه الفتنة ]

ذكر أهل السير والأخبار - كما في ص ٧٧ والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي -: ان عائشة جاءت إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا ابنة أبي أمية أنت أول مهاجرة من ازواج النبي، وأنت أكبر أمهات المؤمنين، وكان رسول الله يقسم لنا في بيتك، وكان جبرائيل أكثر ما يكون في منزلك.

فقالت لها أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة فقالت عائشة: ان القوم استابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائما في الشهر الحرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة، ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الأمر على أيدينا.

فقالت أم سلمة: انك كنت بالأمس تحرضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك ألا نعثلا، وانك لتعرفين منزلة علي عند رسول الله ؟.

قالت: نعم.

قالت: أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت ان تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك ؟.

فقلت: أتيتهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي ؟. فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علي وهو محمر الوجه غضبا فقال: ارجعي وراءك والله لا يبغضه احد من الناس الا وهو خارج من الإيمان. فرجعت نادمة ساخطة.

٤٥٠

فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك(٦٤٧)

قالت وأذكرك أيضا: كنت أنا وأنت مع رسول الله، فقال لنا أيتكن صاحبة الجمل الأدب(١) تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط ؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك فضرب على ظهرك فقال: إياك أن تكونيها يا حميراء.

قالت أم سلمة: اما أنا فقد أنذرتك

قالت عائشة: أذكر ذلك(٦٤٨)

فقالت أم سلمة: واذكري أيضا يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله في سفر له، وكان علي يتعاهد نعل رسول الله فيخصفها. وثيابه فيغسلها، فنقب نعله فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر، وقمنا إلى الحجاب ودخلا يحدثانه فيما أراد إلى أن قالا: يا رسول الله، انا لا ندري أمد ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا. فقال لهما: أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون. فسكتا ثم خرجا، فلما خرجا خرجنا إلى رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا: يا رسول الله من كنت مستخلفا عليهم ؟. فقال: خاصف النعل فنزلنا فرأيناه عليا فقلت: يا رسول الله ما أرى الا عليا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو ذاك.

قالت عائشة: نعم اذكر ذلك.

فقالت لها أم سلمة: فأي خروج تخرجين بعد هذا يا عائشة. فقالت: انما أخرج للإصلاح بين الناس(٦٤٩) .

____________________

(٦٤٧) حديث مناجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليعليه‌السلام ومجيئها اليهما يوجد في :

(١) الأدب: الجمل الكثير الشعر (منه قدس).

(٦٤٨) سوف يأتي هذا الحديث مع مصادره.

(٦٤٩) مجئ عائشة إلى أم سلمة وطلبها الخروج معها يوجد في: =>

٤٥١

وجاءتها أم سلمة بعد هذا - فيما رواه أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث - فنهتها عن الخروج بكلام شديد جاء فيه: ان عمود الإسلام لا يثأب بالنساء ان مال، ولا يرأب بهن ان صدع حماديات النساء غض الأطراف، وخفر الأعراض، ما كنت قائلة لو أن رسول الله عارضك في بعض هذه الفلوات، ناصة قلوصا من منهل إلى آخر ؟ والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا ضربه علي، إلى آخر كلامها(٦٥٠) الذي لم تصغ إليه عائشة.

وحينئذ كتبت أم سلمة إلى عليعليه‌السلام من مكة. أما بعد: فان طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة ومعهم عبدالله بن عامر، يذكرون أن عثمان قتل مظلوما والله كافيهم بحوله وقوته، ولولا ما نهانا الله عن الخروج، وأنت لم ترض به لم أدع الخروج اليك والنصرة لك، ولكني باعثة اليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن أبي سلمة يشهد مشاهدك فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا، فلما قدم عمر على علي أكرمه، ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها(٦٥١) .

____________________

=> المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص ٢٧ - ٢٩، الغدير ج ٢ / ٣١٩ وج ٩ / ٨٣.

(٦٥٠) وقد أورده بتمامه علامة المعتزلة ابن أبى الحديد في ص ٧٩ من المجلد الثاني من شرح النهج، وفسر ثمة ألفاظه الغريبة فراجع. وقد أبلت أم سلمة بكلامها هذا البلاء الحسن من النصح لله تعالى ولرسوله وللأمة ولعائشة بالخصوص وجاهدت به في سبيل الله أتم الجهاد وأفضله، وشتان بين جهادها وجهاد تلك (منه قدس). وقريب منه في: تذكرة الخواص ص ٦٥.

(٦٥١) المعيار والموازنة للاسكافي ص ٣٠، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١١٣، =>

٤٥٢

[ موقف حفصة ]

أرسلت عائشة حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين (كما نص عليه غير واحد من اثبات أهل الأخبار) تسألهن الخروج معها إلى البصرة(١) فما أجابها إلى ذلك منهن الا حفصة، لكن أخاها عبدالله أتاها فعزم عليها بترك الخروج، فحطت رحلها بعد أن همت(٦٥٢) .

[ موقف الأشتر ]

وكتب الأشتر من المدينة إلى عائشة وهي بمكة: أما بعد فانك ظعينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أمرك أن تقري في بيتك، فان فعلت فهو خير لك، وان أبيت الا أن تأخذي منسأتك، وتلقي جلبابك، وتبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك، والموضع الذي يرضاه لك ربك(٦٥٣) .

____________________

=> تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٧، تذكرة الخواص ص ٦٥.

(١) وكن حينئذ معتمرات كما كانت عائشة وطلحة والزبير (منه قدس).

(٦٥٢) كما في ص ٨٠ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس). تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٧ و ١٦٩، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٠٦. (٦٥٣)

٤٥٣

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٣٣: -

[ القيادة العامة في هذه الفتنة ]

كانت القيادة العامة فيها لعائشة، تصدر الأوامر وتنظم العساكر، وتعين الأمراء، وتعزل منهم من تشاء(٢) ، وتوجه الرسل بكتبها التي أشاعتها في المسلمين تؤلبهم على أمير المؤمنين، وتدعوهم إلى نصرتها عليه، فلباها من لباها، ورد عليها جماعة من ذوي البصائر وأولي الألباب، لكن بني أمية بذلوا لهذا الخروج أموالهم، وأقبلوا من كل حدب إلى حيث وقفت، وكان مروان في جيشها، لكنه كان يرمي بنبله تارة جيشها وأخرى جيش علي ويقول أيهما أصيب كان الفتح، حتى قيل هو الذي رمى طلحة فقتله(٦٥٤) .

[ خروج عائشة من مكة إلى البصرة ]

ولما أرادت عائشة الخروج من مكة إلى البصرة، جمعت إليها بني أمية وأولياءهم فأداروا الرأي، فقال بعضهم: نسير إلى علي فنقاتله، فقالت عائشة وجماعة آخرون: ليس لكم طاقة بأهل المدينة. وقال بعضهم: نسير إلى الشام. فقالت عائشة وغيرها: يكفيكم الشام معاوية، ولكن نسير حتى ندخل البصرة

____________________

(٢) روى الشعبي عن مسلم بن أبى بكرة عن أبيه أبى بكرة (كما في ص ٨١ من حديثا عن رسول الله كنت سمعته: " لن يفلح قوم تدبر أمرهم امرأة " فانصرفت عنهم واعتزلتم. أه‍. قال ابن أبى الحديد. وقد روى هذا الخبر على صورة أخرى: ان قوما يخرجون بعدى في فئة رأسها امرأة. قال وكان الجمل لواء البصرة لم يكن لواء غيره (منه قدس).

(٦٥٤) مروان هو الذي قتل طلحة: الغدير ج ٩ / ٩٦، تاريخ ابن عساكر ج ٧ / ٨٤، تذكرة الخواص ص ٧٧، الإصابة ج ٢ / ٢٣٠، المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٧٠، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٥٩، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٥، العقد الفريد ج ٢ / ٢٧٩، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٢٤، صفة الصفوة ج ١ / ١٣٢، أسد الغابة ج ٣ / ٦١، دول الإسلام للذهبي ج ١ / ١٨، تاريخ ابن كثير ج ٧ / ٢٤٧، مرآة الجنان لليافعي ج ١ / ٩٧، تهذيب التهذيب ج ٥ / ٥١، تاريخ ابن الشحنة بهامش الكامل ج ٧ / ١٨٩ (*).

٤٥٤

والكوفة، ولطلحة في الكوفة هوى، وللزبير بالبصرة أولياء، فاتفقوا على ذلك. وحينئذ تبرع عبدالله بن عامر لهم في مال كثير، وابل كثيرة، وأعانهم يعلى بن أمية بأربعمائة ألف، وحمل سبعين رجلا منهم، وحمل عائشة على جمل يقال له عسكرا(٦٥٥) وكان عظيم الخلق شديدا، فلما رأته أعجبها، وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته، ويسميه في أثناء كلامه عسكرا، فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت ان رسول الله ذكره لها بهذا الاسم ونهاها عن ركوبه.

فطلب لها الناس غيره فلم يجدوا لها ما يشبهه فغيروا لها جلاله وقالوا لها: أصبنا لك أعظم منه وأشد قوة. فهدأ روعها ورضيت به(٦٥٦) وما خرجت من مكة حتى استنفذت ما في وسع الأمويين من نصرة لها ثم مضت على غلوائها.

[ ماء الحوأب ]

روى الاثبات من أهل الأخبار، عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله انه قال يوما لنسائه وهن جميعا عنده: أيتكن صاحبة الجمل الأدب، تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار، وتنجو بعد ما كادت ؟(٦٥٧) .

____________________

(٦٥٥) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٨٠ ط ١ وج ٦ / ٢٢٤، نور الأبصار ص ٨٢، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٦٥، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٧، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٧.

(٦٥٦) تجد هذا في ص ٨٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحديدي (منه قدس).

(٦٥٧) تجد هذا الحديث بلفظه في ص ٤٩٧ من المجلد الثاني من شرح النهج =>

٤٥٥

وقد روى جميع أهل السير والأخبار: ان عائشة لما انتهت في مسيرها إلى الحوأب، وهو ماء لبني عامر بن صعصعة، نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها، فقال قائل من أصحابها: ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وأشد نباحها. فأمسكت أم المؤمنين بزمام بعيرها وقالت: وانها لكلاب الحوأب ؟ ! ردوني ردوني فاني سمعت رسول الله يقول. وذكرت الحديث.

فقال لها قائل: مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب: فقالت: هل من شاهد ؟ فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا، فحلفوا لها ان هذا ليس بماء الحوأب(١) فسارت لوجهها حتى انتهت إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة(٦٥٨) .

____________________

=> الحديدي (منه قدس). وراجع: الأعلام للماوردي ص ٨٢، الفائق للزمخشري ج ١ / ١٩٠، النهاية لابن الأثير ج ٢ / ١٠، القاموس ج ١ / ٦٥، كفاية الطالب ص ٧١ ط الغرى وص ١٧١ ط الحيدرية، المواهب اللدنية ج٢ / ١٩٥، شرح الزرقاني ج ٧ / ٢١٦، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٤، كنز العمال ج ٦ / ٨٣، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣١٣، السيرة الدحلانية بهامش الحلبية ج ٣ / ١٩٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ٦٧، الغدير للأميني ج ٣ / ١٨٨.

(١) تجد ذلك كله بعين لفظه في آخر ص ٨٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحديدي، لكن إنذارهصلى‌الله‌عليه‌وآله بركوب الجمل والمرور على ماء الحوأب ونبح كلابه لمن الحديث المستفيض عنه، المعدود في أعلام النبوة وآيات الإسلام، لا يجهله أحد من خاصة هذه الأمة والكثير من عوامها في كل خلف منها حتى هذه الأيام (منه قدس).

(٦٥٨) النبي يحذر عائشة من أن تنبحها كلاب الحوأب وقد نقل بألفاظ متعددة راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٣٣٢ ط ٢ وج ٢ / ٢٨٣ ط آخر، تاريخ الطبري ج ٤ / ٤٥٧ و ٤٦٩ ط دار المعارف، النهاية لابن الأثير ج ١ / ٤٥٦ وج ٢ / ٩٦، كفاية الطالب ص ١٧١ ط الحيدرية وص ٧١ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٧ / ١٣٤، إسعاف الراغبين =>

٤٥٦

[ موقف أبى الأسود الدؤلي من عائشة وطلحة والزبير ]

لما انتهت عائشة بجيشها إلى حفر أبي موسى، أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل أمير المؤمنين على البصرة أبا الأسود الدؤلي إلى القوم ليعلم له علمهم، فدخل على عائشة فسألها عن مسيرها. فقالت: أطلب بدم عثمان.

قال: انه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد.

قالت: صدقت، ولكنهم مع علي ابن أبي طالب في المدينة، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟ !

فقال لها: ما أنت من السوط والسيف، انما أنت حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك، وليس على النساء قتال، ولا لهن الطلب بالدماء، وان أمير المؤمنين لأولى بعثمان منك وأمس رحما، فانهما أبناء عبد مناف، فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظن يا أبا الأسود ان أحدا يقدم على قتالي ؟ ! قال أما والله لنقاتلنك قتالا أهونه الشديد!.

ثم قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبدالله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من علي بن أبي طالب، فأين هذا المقام من ذاك ؟. فذكر له: دم عثمان.

فقال: انما أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا. قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده

____________________

=> بهامش نور الأبصار ص ٦٤ ط العثمانية وص ٦٥ ط السعيدية، المستدرك على الصحيحين ج ٣ / ١٢٠، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ / ٣٦١، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ٥٩ ط مصطفى محمد، نور الأبصار ص ٨٢ ط العثمانية، تذكرة الخواص ص ٦٦، تاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٥٧ ط الغرى، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٧، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٧، تاج العروس ج ١ / ٢٤٤ و ١٩٥، الغدير للأميني ج ٣ / ١٨٨ - ١٩١ (*).

٤٥٧

سادرا في غيه مصرا على الحرب والفتنة، فرجع حينئذ إلى عثمان بن حنيف فقال: انها الحرب فتأهب لها(٦٥٩) .

[ عائشة وابن صوحان ]

كتبت عائشة - وهي في البصرة - إلى زيد بن صوحان العبدي: من عائشة أم المؤمنين، بنت أبي بكر الصديق، زوجة رسول الله، إلى ابنها الخالص زيد ابن صوحان، (أما بعد) فأقم في بيتك وخذل الناس عن ابن أبي طالب وليبلغني عنك ما أحب فانك أوثق أهلي عندي والسلام.

فأجابها - كما في شرح النهج الحديدي الحميدي -: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر. (أما بعد) فان الله أمرك بأمر، وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا ان نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني ان أصنع خلاف ما أمرني الله به، فأكون قد صنعت ما أمرك به الله، وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك لا جواب له(٦٦٠) .

[ جارية بن قدامة السعدي وعائشة ]

روى الطبري، بالإسناد إلى القاسم بن محمد بن أبي بكر قال(١) : أقبل

____________________

(٦٥٩) الإمامة والسياسة ج ١ / ٥٧، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٢ / ٨١ ط ١، العقد الفريد ج ٢ / ٢٧٨، الغدير ج ٩ / ١٠٦

(٦٦٠) شرح النهج لابن أبى الحديد، أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١١٠، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٣ و ١٨٨.

(١) في الجزء السادس من تاريخه ص ٤٨٢ منه، وكذلك حكاية السعدي مع طلحة والزبير ومحاورة الجهينى مع محمد بن طلحة (منه قدس) (*).

٤٥٨

جارية بن قدامة السعدي على عائشة فقال: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، انه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، انه من رأى قتالك فانه يرى قتلك ان كنت أتيتنا طائعة فأرجعي إلى منزلك، وان كنت أتيتينا مستكرهة فاستعيني بالناس(٦٦١) .

[ شاب من بنى سعد يؤنب طلحة والزبير فيقول لهما ]

صنتم حلائلكم وقدتم أمكم

هذا لعمرك قلة الإنصاف

أمرت بجر ذيولها في بيتها

فهوت تشق البيد بالايجاف

غرضا يقاتل دونها أبناؤها

بالنبل والخطي والأسياف(٦٦٢)

[ غلام من جهينة ومحمد بن طلحة ]

أقبل الجهيني على محمد بن طلحة فقال: أخبرني عن قتلة عثمان. فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني أباه طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب فضحك الغلام الجهيني ولحق بعلي وهو يقول :

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يقبر

فقال ثلاثة رهط هم

أماتوا ابن عفان فاستعبر

فثلث على تلك في خدرها

وثلث على راكب الأحمر

____________________

(٦٦١) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٧٦، أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري، تذكرة الخواص ص ٦٧، الإمامة والسياسة ج ١ / ٦٠، الغدير ج ٩ / ١٠٠.

(٦٦٢) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٧٦، تذكرة الخواص ص ٦٧ (*).

٤٥٩

وثلث على ابن أبي طالب

ونحن بدوية قرقر

فقلت صدقت على الأولين

وأخطأت في الثالث الأزهر(٦٦٣)

[ الأحنف بن قيس وعائشة ]

روى البيهقي في المحاسن والمساوي (ج ١ ص ٣٥) عن الحسن البصري ان الأحنف ابن قيس قال لعائشة يوم الجمل: يا أم المؤمنين هل عهد إليك رسول الله هذا المسير ؟ قالت: اللهم لا. قال: فهل وجدته في شئ من كتاب الله جل ذكره. قالت: ما نقرأ إلا ما تقرأون. قال: فهل رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام استعان بشئ من نسائه إذا كان في قلة والمشركون في كثرة قالت: اللهم لا. قال الأحنف: فإذا ما هو ذنبنا ؟(٦٦٤) .

وفي رواية أخرى انه قال لها: يا أم المؤمنين إني سائلك ومغلظ لك في المسألة فلا تجدي علي. فقالت له: قل نسمع. قال: أعندك عهد من رسول الله في خروجك هذا ؟. فلم يكن في وسعها إلا أن تقول: لا. فقال: أعندك عهد منهصلى‌الله‌عليه‌وآله انك معصومة من الخطأ ؟ قالت: لا. قال: صدقت ان الله رضي لك المدينة فأبيت إلا البصرة، وأمرك بلزوم بيت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت بيت أحد بني ضبة، ألا تخبريني يا أم المؤمنين أللحرب قدمت أم للصلح ؟ أجابت وهي متألمة: بل للصلح. فقال لها: والله لو قدمت وليس بينهم إلا الخفق بالنعال والرمي بالحصى ما اصطلحوا على يديك فكيف والسيوف على عواتقهم ؟

____________________

(٦٦٣) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٧٦.

(٦٦٤) وقريب منه في: الغدير ج ٩ / ٨١ (*).

٤٦٠