النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165929 / تحميل: 7984
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الموقف التاسع:

شروطهعليه‌السلام على المأمون لقبول ولاية العهد، وهي:

((أن لا يولي أحداً، ولا يعزل أحداً، ولا ينقض رسماً، ولا يغير شيئاً مما هو قائم، ويكون في الأمر مشيراً من بعيد)) (١) ، فأجابه المأمون إلى ذلك كله!!!.

وفي ذلك تضييع لجملة من أهداف المأمون.. إذ إن:

١ ـ السلبية تعني الاتهام:

فإن من الطبيعي أن تثير سلبيته هذه الكثير من التساؤلات لدى الناس، ولسوف تكون سبباً في وضع علامات استفهام كبيرة، حول الحكم، والحكام. وكل أعمالهم وتصرفاتهم، إذ إن السلبية إنما تعني: أن نظام الحكم لا يصلح حتى للتعاون معه، بأي نحو من أنحاء التعاون، وإلا فلماذا يرفض ـ حتى ولي العهد ـ التعاون مع نظام هو ولي العهد فيه، ويأبى التأييد لأي من تصرفاته وأعماله؟!.

____________

(١) الفصول المهمة، لابن الصباغ المالكي ص ٢٤١، ونور الأبصار من ص ١٤٣، وعيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٠، و ج ٢ ص ١٨٣، ومواضع أخرى، ومناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٦٣، وعلل الشرايع ج ١، ص ٢٣٨، وإعلام الورى ص ٣٢٠، والبحار ج ٤٩ ص ٣٤ و ٣٥، وغيرها، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٩، وإرشاد المفيد ص ٣١٠، وأمالي الصدوق ص ٤٣، وأصول الكافي ص ٤٨٩، وروضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٨، ٢٦٩، ومعادن الحكمة ص ١٨٠، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥.

٣٠١

٢ ـ رفض الاعتراف بشرعية ذلك النظام:

ولقد قدمنا: أن من جملة أهداف المأمون هو أن يحصل من الإمامعليه‌السلام على اعتراف ضمني بشرعية حكمه وخلافته، كما صرح هو نفسه بذلك (وليعترف بالملك، والخلافة لنا).

والإمام.. بشروطه تلك يكون قد رفض الاعتراف بشرعية النظام القائم. بأي نحو من أنحاء الاعتراف، ولم يعد قبوله بولاية العهد يمثل اعترافا بذلك، ولا يدل على أن ذلك الحكم يمثل الحكم الإسلامي الأصيل.

هذا.. وقد عضد شروطه هذه، بسلوكه السلبي مع المأمون، والهيئة الحاكمة، طيلة فترة ولاية العهد، يضاف إلى ذلك تصريحاته المتكررة، التي تحدثنا عنها فيما سبق.

٣ ـ النظام القائم لا يمثل وجهة نظره في الحكم:

والأهم من كل ذلك: أن شروطه هذه كانت بمثابة الرفض القاطع لتحمل المسؤولية عن أي تصرف يصدر من الهيئة الحاكمة. وليس للناس ـ بعد هذا ـ أن ينظروا إلى تصرفات وأعمال المأمون وحزبه، على أنها تحظى برضى الإمامعليه‌السلام وموافقته. ولا يمكن لها ـ من ثم ـ أن تعكس وجهة نظرهعليه‌السلام في الحكم ورأيه في أساليبه، التي هي في الحقيقة وجهة نظر الإسلام الصحيح فيه. الإسلام.. الذي يعتبر الأئمةعليه‌السلام الممثلين الحقيقيين له، في سائر الظروف، ومختلف المجالات..

وانطلاقاً مما تقدم: نراهعليه‌السلام يرفض ما كان يعرضه عليه المأمون، من: كتابة بتولية أو عزل إلى أي إنسان.. ويرفض أيضاً: أن يؤم الناس في الصلاة مرتين.. إلى آخر ما سيأتي بيانه.

وفي كل مرة كان يرفض فيها مطالب المأمون هذه نراه يحتج عليه بشروطه تلك، فلا يجد المأمون الحيلة لما يريده، وتضيع الفرصة من يده، ولا بد من ملاحظة: أنه عندما أصر عليه المأمون بأن يؤم الناس في الصلاة، ورأىعليه‌السلام : أنه لا بد له من قبول ذلك ـ نلاحظ ـ: أنه اشترط عليه أن يخرج كما كان يخرج جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا كما يخرج الآخرون..

٣٠٢

ولم يكن المأمون يدرك مدى أهمية هذا الشرط، ولا عرف أهداف الإمام من وراء اشتراطه هذا، فقال له ولعله بدون اكتراث: أخرج كيف شئت.. وكانت نتيجة ذلك.. أنهعليه‌السلام قد أفهم الناس جميعاً:

أن سلوكه وأسلوبه، وحتى مفاهيمه، تختلف عن كل أساليب ومفاهيم وسلوك الآخرين. وأن خطه هو خط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهاجه هو منهاج عليعليه‌السلام ، ربيب الوحي، وغذي النبوة، وليس هو خط المأمون وسواه من الحكام، الذين اعتاد الناس عليهم، وعلى تصرفاتهم وأعمالهم.

ولم يعد يستطيع المأمون، أن يفهم الناس: أن الحاكم: من كان، ومهما كان، هذا هو سلوكه، وهذه هي تصرفاته. وأن كل شخصية: من ومهما كانت، وإن كانت قبل أن تصل إلى الحكم تتخذ العدل، والحرية: والمساواة، وغير ذلك شعارات لها، إلا أنها عندما تصل إلى الحكم، لا يمكن إلا أن تكون قاسية ظالمة، مستأثرة بكل شيء، ومستهترة بكل شيء، ولذا فليس من مصلحة الناس أن يتطلعوا إلى حكم أفضل مما هو قائم، حتى ولو كان ذلك هو حكم الإمامعليه‌السلام المعروف بعلمه وتقواه وفضله الخ.. فضلاً عن غيره من العلويين أو من غيرهم ـ لم يعد يستطيع أن يقول ذلك ـ لأن الواقع الخارجي قد أثبت عكس ذلك تماماً، إذ قد رأينا: كيف أن الإمامعليه‌السلام بشروطه تلك، وبسائر مواقفه من المأمون ونظام حكمه.. يضيع على المأمون هذه الفرصة، ولم تجده محاولاته فيما بعد شيئاً، بل إن كثيراً منها كان سوءا ووبالاً عليه، كما سيأتي.

٤ ـ لا مجال بعد للمأمون لتنفيذ مخططاته:

ولعل من الواضح: أن شروطه تلك قد مكنته من أن يقطع الطريق على المأمون، ولا يمكنه من استغلال الظروف لتنفيذ بقية حلقات مؤامرته، إذ لم يعد بإمكانه أن يصر على الإمام أن يقوم بأعمال تنافي وتضر بقضيته هو، وقضية العلويين، ومن ثم تؤثر على الأمة بأسرها.. وعدا عن ذلك فإن هذه الشروط، قد حفظت لهعليه‌السلام حياته في حمام سرخس، حيث كان المأمون قد حاك مؤامرته للتخلص من وزيره وولي عهده مرة واحدة، كما سيأتي بيانه.. مما يعني أن سلبيتهعليه‌السلام مع النظام كانت أمراً لابد منه، إذا أراد أن لا يعرض نفسه إلى مشاكل، وأخطار هو في غنى عنها.. والذي أمن له هذه السلبية ليس إلا شروطه تلك، التي جعلت من لعبة ولاية العهد لعبة باهتة مملة لا حياة فيها، ولا رجاء..

٣٠٣

ولعل الأهم من كل ذلك.. أنها ضيعت على المأمون الكثير من أهدافه من البيعة، التي صرح الإمامعليه‌السلام أنه كان عارفاً بها، ولم يكن له خيار في تحملها، والصبر عليها، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وعدا عن ذلك كله أن تعاونه مع النظام إنما يعني أن يحاول تصحيح السلوك، وتلافي الأخطاء، التي كان يقع فيها الحكم، والهيئة الحاكمة. وذلك معناه أن ينقلب جهاز الحكم كله ضد الإمام، ويجد المأمون ـ من ثم ـ العذر، والفرصة لتصفيتهعليه‌السلام من أهون سبيل، فشروطه تلك أبعدت عنه الخطر ـ إلى حد ما ـ الذي كان يتهدده من قبل المأمون وأشياعه، وجعلته ـ كما قلنا ـ في منأى ومأمن من كل مؤامراتهم ومخططاتهم.

٥ ـ الإمام.. لا ينفذ إرادات الحكم:

ولعل من الأهمية بمكان.. أن نشير إلى أنهعليه‌السلام كان يريد بشروطه تلك أن يفهم المأمون: أنه ليس على استعداد لتنفيذ إرادات الحكم، والحاكم، ولا على استعداد لأن يقتنع بالتشريفات، والأمور الشكلية، فإنه.. بصفته القائد والمنقذ الحقيقي للأمة، لا يمكن أن يرضى بديلاً عن أن ينقذ الأمة، ويرتفع بها من مستواها الذي أوصلها إليه الطواغيت والظلمة، الذين جلسوا في مكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوصيائهعليهم‌السلام ، وحكموا بغير ما أنزل الله.

إنه يريد أن يخدم الأمة، ويحقق لها مكاسب تضمن لها الحياة الفضلى، والعيش الكريم، ولا يريد أن يخدم نفسه، ويحقق مكاسب شخصيته على حساب الآخرين، ولذلك فهو لا يستطيع أن يقتنع بالسطحيات والشكليات التي لا تسمن، ولا تغني من جوع..

٦ ـ لا زهد أكثر من هذا:

إنه مضافاً إلى أن مجرد رفض الإمام كلا عرضي المأمون: الخلافة، وولاية العهد، دليل قاطع على زهده فيه. فإن هذه الشروط كان لها عظيم الفائدة، وجليل الأثر في الإظهار لكل أحد أن الإمام ليس رجل دنيا، ولا طالب جاه ومقام. وما أراده المأمون من إظهار الإمام على أنه لم يزهد بالدنيا، وإنما الدنيا هي التي زهدت فيه.. لم يكن إلا هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف.. ولم تفلح بعد محاولات المأمون وعمله الدائب، من أجل تشويه الإمام والنيل من كرامته.

٣٠٤

ولقد قدمنا: أن الإمامعليه‌السلام قد واجه نفس المأمون بحقيقة نواياه، وأفهمه أن خداعه لن ينطلي عليه، ولن تخفى عليه مقاصده، ولذا فإن من الأفضل والأسلم له أن يكف عن كل مؤامراته ومخططاته.. وإلا فإنه إذا ما أراد إجبار الإمام على التعاون معه، فلسوف يجد أنهعليه‌السلام على استعداد لفضحه، وكشف حقيقته وواقعه أمام الملأ، وإفهام الناس السبب الذي من أجله يجهد المأمون ليزج بالإمامعليه‌السلام في مجالات لا يرغب، بل واشترط عليه أن لا يزج فيها ـ كما فعل في مناسبات عديدة ـ الأمر الذي لن يكون أبداً في صالح المأمون، ونظام حكمه..

ومن هنا رأيناهعليه‌السلام يجيب الريان عندما سأله عن سر قبوله بولاية العهد، وإظهاره الزهد بالدنيا ـ يجيبه ـ: ببيان أنه مجبر على هذا الأمر، ويذكره بالشروط هذه، التي يعني أنه قد دخل فيه دخول خارج منه، كما تقدم..

وهكذا.. وبعد أن كانعليه‌السلام سلبياً مع النظام، وبعد رفضه لكلا عرضي المأمون، وبعد أن اشترط هذه الشروط للدخول في ولاية العهد، فليس من السهل على المأمون، ولا على أي إنسان آخر أن ينسب إليهعليه‌السلام : أنه رجل دنيا فقط، وأنه ليس زاهدا في الدنيا، وإنما هي التي زهدت فيه.

وعلى كل حال: ورغم كل محاولات المأمون تلك.. فقد استطاع الإمامعليه‌السلام ، بفضل وعيه، ويقظته، وإحكام خطته: أن يبقى القمة الشامخة للزهد، والورع، والنزاهة، والطهر، وكل الفضائل الإنسانية، وإلى الأبد.

الموقف العاشر:

موقفهعليه‌السلام في صلاتي العيد.. ففي إحداهما:

(بعث المأمون له يسأله: أن يصلي بالناس صلاة العيد، ويخطب، لتطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقر قلوبهم على هذه الدولة المباركة، فبعث إليه الرضاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال:((قد علمت ما كان بيني وبينك من الشرط في دخولي في هذا الأمر، فأعفني من الصلاة بالناس، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة، والجند، والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقروا بما فضلك الله تعالى به..

٣٠٥

ولم يزل يراده الكلام في ذلك. فلما ألح عليه قال:يا أمير المؤمنين، إن أعفيتني من ذلك، فهو أحب إلي، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام )) قال المأمون: أخرج كيف شئت..

وأمر المأمون القواد، والحجاب، والناس: أن يبكروا إلى باب أبي الحسنعليه‌السلام ، فقعد الناس لأبي الحسن في الطرقات، والسطوح: من الرجال، والنساء، والصبيان، وصار جميع القواد، والجند إلى بابهعليه‌السلام ، فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس.

فلما طلعت الشمس قام الرضاعليه‌السلام فاغتسل، وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، وألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، ومس شيئاً من الطيب، وتشمر. ثم قال لجميع مواليه:((افعلوا مثل ما فعلت)) .

ثم أخذ بيده عكازة، وخرج، ونحن بين يديه، وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمرة..

فلما قام، ومشينا بين يديه، رفع رأسه إلى السماء، وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا: أن الهواء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب، قد تزينوا، ولبسوا السلاح، وتهيئوا بأحسن هيئة..

فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة: حفاة، قد تشمرنا. وطلع الرضا وقف وقفة على الباب، وقال:((.. الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا)) . ورفع بذلك صوته، ورفعنا أصواتنا.

فتزعزعت مرو بالبكاء، فقالها: ثلاث مرات، فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة، وسمعوا تكبيره سقطوا كلهم من الدواب إلى الأرض، ورموا بخفافهم، وكان أحسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته ونزعها، وتحفى.. وصارت مرو ضجة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجة.

فكان أبو الحسن يمشي، ويقف في كل عشر خطوات وقفة يكبر الله أربع مرات: فيتخيل إلينا: أن السماء، والأرض، والحيطان تجاوبه.

وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين: إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس، وخفنا كلنا على دمائنا، فالرأي أن تسأله أن يرجع..

٣٠٦

فبعث المأمون إلى الإمام يقول له: إنه قد كلفه شططا، وأنه ما كان يحب أن يتعبه، ويطلب منه: أن يصلي بالناس من كان يصلي بهم..

فدعا أبو الحسن بخفه، فلبسه، ورجع.

واختلف أمر الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاتهم إلخ..)(١) .

ولقد قال البحري يصف هذه الحادثة والظاهر أنه يمين بن معاوية العائشي الشاعر على ما في تاج العروس:

ذكـروا بطلعتك النبي، فهللوا

لما طلعت من الصفوف وكبروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابساً

نـور الهدى يبدو عليك فيظهر

ومـشيت مشية خاشع متواضع

لـله، ولا يـزهى، ولا يـتكبر

ولـوان مـشتاقا تكلف غير ما

في وسعه لمشى إليك المنبر(٢)

ومما يلاحظ هنا: أنه في هذه المرة أرسل إليه من يطلب منه أن يرجع. ولكننا في مرة أخرى نراه يسارع بنفسه، ويصلي بالناس، رغم تظاهره بالمرض..

وعلى كل حال.. فإننا وإن كنا قد تحدثنا في هذا الفصل، وفي فصل: ظروف البيعة وسنتحدث فيما يأتي عن بعض ما يتعلق بهذه الرواية، إلا أننا سوف نشير هنا إلى نقطتين فقط.. وهما:

١ ـ الأثر العاطفي، والقاعدة الشعبية:

فنلاحظ: أننا حتى بعد مرور اثني عشر قرنا على هذه الواقعة، لا نملك أنفسنا ونحن نقرأ وقائعها، من الانفعال والتأثر بها، فكيف إذن كانت حال أولئك الذين قدر لهم أن يشهدوا ذلك الموقف العظيم؟!.

____________

(١) قد ذكرنا بعض مصادر هذه الرواية في فصل: ظروف البيعة.. فراجع..

(٢) مناقب آل أبي طالب. لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣٧٢، ولكن هذا الشعر ينسب أيضاً للبحتري في المتوكل عندما خرج لصلاة العيد.. وانتحال الشعر، وكذلك الاستشهاد بشعر الآخرين، في المواضع المناسبة ظاهرة شائعة في تلك الفترة ومن يدري فلعل الشعر للبحتري ونسب للبحري أو لعله للبحري وانتحله أو نسب للبحتري، ولعل البحتري قد صحف وصار: البحري.. ولعل العكس.

٣٠٧

وغني عن البيان هنا: أن شأن هذه الواقعة هو شأن واقعة نيشابور، من حيث دلالتها دلالة قاطعة على كل ما كان للرضا من عظمة وتقدير في نفوس الناس وقلوبهم، وعلى مدى اتساع القاعدة الشعبية لهعليه‌السلام ..

٢ ـ لماذا يجازف المأمون بإرجاعهعليه‌السلام :

وإذا كان هدف المأمون من الإصرار على الإمام بأن يصلي بالناس هو أن يخدع الخراسانيين والجند والشاكرية، ويجعلهم يطمئنون على دولته المباركة فإنه من الواضح أيضاً أن إرجاع المأمون للإمامعليه‌السلام في مثل تلك الحالة، وذلك التجمع الهائل، وتلك الثورة العاطفية في النفوس، كان ينطوي على مجازفة ومخاطرة لم تكن لتخفى على المأمون، وأشياعه، حيث لا بد وأن يثير تصرفه هذا حنق تلك الجماهير التي كانت في قمة الهيجان العاطفي، ويؤكد كراهيتها له.. وعلى الأقل لن تكون مرتاحة لتصرفه هذا على كل حال.

وبعد هذا.. فإنه إذا كان المأمون يخشى من مجرد إقامة الإمام للصلاة.. فلا معنى لأن يلح عليه هو بقبولها.. وكذلك لا معنى لأن يخشى ذلك الهيجان العاطفي، وتلك الحالة الروحية، التي أثارها فعل الإمامعليه‌السلام وتصرفه في هذا الموقف.. فذلك إذن ما لم يكن يخافه ويخشاه.. فمن أي شيء خاف المأمون إذن؟! إنه كان يخشى ما هو أعظم وأبعد أثراً، وأشد خطراً.. إنه خشي من أن الرضا إذا ما صعد المنبر، وخطب الناس، بعد أن هيأهم نفسيا، وأثارهم عاطفيا إلى هذا الحد ـ خشي ـ أن يأتي بمتمم لكلامه الذي أورده في نيشابور:((وأنا من شروطها..)) وأنه ظهر إليهم على الهيئة التي كان يخرج عليها النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصيه عليعليه‌السلام وهو أمر جديد عليهم.. ما من شأنه أن يجعل المأمون وأشياعه لا يأمنون بعد على أنفسهم، كما ذكر الفضل بن سهل.. ولسوف يحول الإمام مرواً من معقل للعباسيين والمأمون، وعاصمة، وحصن قوي لهم ضد أعدائهم ـ من العرب وغيرهم ـ سوف يحولها إلى حصن لأعداء العباسيين والمأمون، حصن لأئمة أهل البيت. ففضل المأمون: أن يختار إرجاعهعليه‌السلام عن الصلاة، لأنه رأى أن ذلك هو أهون الشرين، وأقل الضررين..

ولقد جرب المأمون الرضا أكثر من مرة، وأصبح يعرف أنه مستعد لأن يعلن رأيه صراحة في أي موقف تؤاتيه فيه الفرصة، ويقتضي الأمر فيه ذلك. ولم ينس بعد موقفه في نيشابور، ولا ما كتبه في وثيقة العهد، ولا غير ذلك من مواقفهعليه‌السلام وتصريحاته في مختلف الأحوال والظروف..

٣٠٨

الموقف الحادي عشر:

وأخيراً.. فقد كان سلوك الإمامعليه‌السلام العام، سواء بعد عقد ولاية العهد له، أو قبلها. يمثل ضربة لكل خطط المأمون ومؤامراته، ذلك السلوك المثالي، الذي لم يتأثر بزبارج الحكم وبهارجه.. ويكفي أن نذكر هنا ما وضعه به إبراهيم بن العباس، كاتب القوم وعاملهم، حيث قال: (ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلامه قط، وما رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه. وما رد أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط. ولا اتكأ بن يدي جليس له قط، ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم. وكان إذا خلا، ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه، حتى البواب والسائس.

وكان قليل النوم بالليل، يحيى أكثر لياليه من أولها إلى الصبح. وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول:((ذلك صوم الدهر)) . وكان كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله، فلا تصدقوه..)(١) .

وهذه الصفات بلا شك قد أسهمت إسهاماً كبيراً في أن يكون الإمامعليه‌السلام هو الأرضى في الخاصة والعامة، وأن تنفذ كتبه في المشرق والمغرب، إلى غير ذلك مما تقدم..

الحكم ليس امتيازاً وإنما هو مسؤولية:

وقد اعترض عليه بعض أصحابه، عندما رآه يأكل مع خدمه وغلمانه، حتى البواب والسائس، فأجابهعليه‌السلام :((مه، إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال..)) (٢) .

وقال له أحدهم: أنت والله خير الناس، فقال له الإمام:((لا تحلف يا هذا، خير مني من كان أتقى لله تعالى. وأطوع له، والله ما

____________

(١) كلام إبراهيم بن العباس هذا معروف ومشهور، تجده في كثير من كتب التاريخ والرواية، ولذا فلا نرى أننا بحاجة إلى تعداد مصادره.

(٢) البحار ج ٤٩ ص ١٠١، والكافي الكليني، ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

٣٠٩

نسخت هذه الآية: ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) )) (١) .

وقال لإبراهيم العباسي إنه لا يرى أن قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجعله خيراً من عبد أسود، إلا أن يكون له عمل صالح فيفضله به(٢) .

وقال رجل له: ما على وجه الأرض أشرف منك إباء. فقال:((التقوى شرفتهم، وطاعة الله أحظتهم))( ٣) .

وما نريد أن نشير إليه ونؤكد عليه هنا، هو أنهعليه‌السلام يريد بذلك أن يفهم الملأ: أن الحكم لا يعطي للشخص ـ من كان، ومهما كان ـ امتيازاً، ولا يجعل له من الحقوق ما ليس لغيره، وإنما الامتياز ـ فقط ـ بالتقوى والفضائل الأخلاقية.. وكل شخص حتى الحاكم سوف يلقى جزاء أعماله: إن خيراً فخير، وإن شرا فشر، وعليه فما يراه الناس من سلوك الحكام، ليس هو السلوك الذي يريده الله، وتحكم به النواميس الأخلاقية، والإنسانية. والامتيازات التي يجعلونها لأنفسهم، ويستبيحون بها ما ليس من حقهم لا يقرها شرع، ولا يحكم بها قانون..

وبكلمة مختصرة: إن الإمامعليه‌السلام يرى: أن الحكم ليس امتيازاً، وإنما هو مسؤولية.

وعلى كل حال.. فإن سلوك الإمامعليه‌السلام ، لخير دليل على ما كان يتمتع به من المزايا الأخلاقية، والفضائل النفسية.. ويكفي أنه لم يظهر منهعليه‌السلام طيلة الفترة التي عاشها في الحكم إلا ما ازداد به فضلاً بينهم، ومحلاً في نفوسهم، على حد تعبير أبي الصلت. وعلى حد تعبير شخص آخر: أقام بينهم لا يشركهم في مأثم من مآثم الحكم.. بل لقد كان لوجوده أثر كبير في تصحيح جملة من الأخطاء والانحرافات التي اعتادها الحكام آنئذٍ.. حتى لقد استطاع أن يؤثر على نفس المأمون، ويمنعه من الشراب والغناء، طيلة الفترة التي عاشها معه، إلى آخر ما هنالك، مما لسنا هنا في صدد تتبعه واستقصائه.

____________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٧.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٦. ومسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٦.

٣١٠

وفي نهاية المطاف نقول:

وحسبنا هنا ما ذكرنا من الأمثلة، التي نحسب أنها تكفي لأن تلقي ضوءاً كاشفاً على الخطة التي اتبعها الإمامعليه‌السلام في مواجهة خطط المأمون ومؤامراته.. تلك الخطة التي كانت تكفي لأن لا تبقى الصورة التي أرادها المأمون في أذهان الناس، ولا مبرر للشكوك لأن تبقى تراود نفوسهم.

ولقد نجحت تلك الخطة نجاحا أذهل المأمون، وأعوانه، وجعلهم يتصرفون بلا روية، ويقعون بالمتناقضات.. حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك. حسبما صرح به المأمون نفسه. وكانت النتيجة أن دبر فيه المأمون بما يحسم عنه مواد بلائه، كما وعد حميد بن مهران، وجماعة من العباسيين.

القسم الرابع

من خلال الأحداث

١ ـ مع بعض خطط المأمون..

٢ ـ كاد المريب أن يقول خذوني.

٣ ـ ما يقال حول وفاة الإمام..

٤ ـ دعبل والمأمون.

٥ ـ كلمة ختامية.

مع بعض خطط المأمون

التوجيهات الراضية غير مقبولة:

كل ما تقدم يلقي لنا ضوءاً على بعض نوايا المأمون مع الإمامعليه‌السلام ، وعلى كثير من الأحداث التي اكتنفت ذلك الحدث التاريخي الهام.

وإننا حتى لو سلمنا جدلاً، وغضضنا النظر عن كل تلك الأسئلة، وعلامات الاستفهام التي يمكن استخلاصها مما تقدم.. فإننا لا نستطيع ـ مع ذلك ـ أن نعتبر البيعة صادرة عن حسن نية، وسلامة طوية.

٣١١

ولا أن نقبل بالتوجيهات الراضية عن تصرفاته، طيلة فترة ولاية العهد، وبعدها تجاه الإمام، الذي كان يكبر المأمون بـ (٢٢‍) سنة، والذي كان مجبراً على قبول هذا الأمر، ومهددا بالقتل إن لم يقبل. ولم يتركه وشأنه ما دام أنه لا يريد أن يتقلد هذا الشرف الذي تتهافت النفوس عليه، وتزهق الأرواح من أجله.

نعم.. إننا لا نستطيع أن نسلم بذلك، ونحن نرى منه تلك التصرفات والمواقف المشبوهة، بل والمفضوحة تجاه الإمامعليه‌السلام ، والتي لا تبقي مجالاً للشك في حقيقة نواياه وأهدافه من كل ما أقدم وما كان عاقداً العزم على الإقدام عليه..

وهذا الفصل معقود للحديث عن بعض تلك التصرفات، ومن أجل بيان تلك الخطط.

المأمون يفضح نفسه:

وقد تعجب إذا قلنا لك: إن المأمون نفسه يصرح ببعض خططه، التي كانت تصرفاته تدور في فلكها، ويعلن بعض الدوافع، ويبوح ببعض النوايا تجاه الإمام، وبالنسبة لقضية ولاية العهد فإليك ما أجاب به حميد بن مهران، وجمعاً من العباسيين، عندما عاتبوه ولاموه على ما أقدم عليه، من البيعة للرضاعليه‌السلام يقول المأمون:

(.. قد كان هذا الرجل مستتراً عنا، يدعو إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به بأنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه.

وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال: أن ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا ما لا نطيقه..

والآن.. فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا. وأشرفنا من الهلاك بالتنويه باسمه على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره. ولكننا نحتاج إلى أن نضع منه قليلاً، قليلاً، حتى نصوره عند الرعية بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه..).

ثم طلب منه حميد بن مهران: أن يسمح له بمجادلة الإمامعليه‌السلام ، ليفحمه، وينزله منزلته، ويبين للناس قصوره، وعجزه، فقال المأمون: (لا شيء أحب إلي من هذا).

٣١٢

ثم كانت النتيجة عكس ما كان يتوقعه المأمون والعباسيون، وأشياعهم وباءوا كلهم بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة(١) .

والذي يعنينا الحديث عنه هنا:

هو قوله: وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال.. إلى آخر ما نقلناه عنه آنفاً، فإنها أوضحت أن المأمون الذي كان يخشى الإمام خشية شديدة، كان يخطط أولاً إلى أخذ زمام المبادرة من الإمام، وتحاشي الاصطدام معه ثم كان يخطط بعد ذلك إلى الوضع منهعليه‌السلام قليلاً قليلاً إلى آخر ما تقدم..

ولا يرد: أن كلام المأمون مع حميد بن مهران ظاهره: أنه لم يكن يريد في بادئ الأمر الحط من الإمامعليه‌السلام ، وإنما بدا له ذلك حين قوي مركز الإمامعليه‌السلام ، واستحكم أمره.. لا يرد ذلك..

لأن كلامه هذا لا ينفي أنه كان يريد من أول الأمر ذلك. بل هو يؤكد ذلك. لأنه يصرح فيه: أنه إنما قدم على ما أقدم عليه، عندما رأى افتتان الناس بهعليه‌السلام ، فأراد أن يعمل عملا يفقد الإمامعليه‌السلام مركزه، ويقضي على كل نشاطاته، ويذهب بماله من القدرة والنفوذ نهائياً، وإلى الأبد.

ولقد تحدثنا فيما سبق عن بعض تصرفاته التي تدور في فلك خطط تلك مثل: فرضه للرقابة على الإمامعليه‌السلام ، والتضييق عليه، فلا يصل إليه إلا من أحب، وعزله عن شيعته ومواليه، وأيضاً تفريقه الناس عنه، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وكذلك قضية صلاة العيد، وغير ذلك ما تقدم.

____________

(١) راجع: شرح ميمية أبي فراس ص ١٩٦، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠، والبحار ج ٤٩ ص ١٨٣، ومسند الإمام الرضا ج ٢ ص ٩٦.

٣١٣

نزيد هنا بعض الأمور الأخرى، التي وإن كان قد سبق الحديث عن بعضها، ولكنه كان حديثا من زاوية أخرى، ومن أجل استفادة أمور غير الأمور التي نحاول استفادتها منها هنا. وذلك أمر طبيعي، ولا يكون تكراراً ما دام أن الواقعة الواحدة قد يكون لها دلالات متعددة، وإفادات مختلفة.. ولذا فإننا نقول:

لماذا على البصرة فالأهواز:

إن من جملة الأمور التي كانت من جملة خطط المأمون للتأثير على مكانة الإمامعليه‌السلام وحتى على معنوياته النفسية.. الطريق الذي أمر رجاء ابن أبي الضحاك(١) قرابة الفضل بن سهل، والذي كان من قواد المأمون، وولاته ـ أمره ـ بسلوكه، عندما أرسله ليأتي بالإمامعليه‌السلام من المدينة إلى مرو مهما كلفه الأمر..

فقد أمره: أن يجعل طريقه بالإمام (على البصرة، والأهواز، ففارس. وحذره كثيراً من المرور على طريق الكوفة، والجبل، وقم)(٢) .

____________

(١) وذكر أبو الفرج، والمفيد: أن المرسل هو الجلودي، ولكن الصحيح هو الذي ذكرناه.. إذ من الخطأ أن يرسله المأمون لإحضار الرضاعليه‌السلام ، لأن ذلك يضر بقضيته، ويفسد عليه ما كان دبره، لأنه موجب لسوء ظن الرضاعليه‌السلام ، والعلويين، وسائر الناس، وتنبههم مبكرا لحقيقة الأمر، وواقع القضية.

وذلك لأن الجلودي هو الذي أمره الرشيد: أن يغير على دور آل أبي طالب، ويسلب نساءهم إلخ ما تقدم.. كما أنه كان عدواً متجاهراً للإمامعليه‌السلام ، وقد سجنه المأمون بسبب معارضته للبيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد! ولعل سر خطأهم هو أن الجلودي كان والياً على المدينة من قبل المأمون، حين استقدام المأمون للإمام إلى مرو، حسبما جاء في كتاب: الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٣٥.

(٢) تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٨٧، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١٧٦، وينابيع المودة ص ٣٨٤، والخرائج والجرائح طبعة حجرية ص ٢٣٦. وإثبات الوصية ص ٢٠٥.

وإعلام الورى ص ٣٢٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩، ١٨٠، والكافي ج ١ ص ٤٨٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٤٠ والبحار ج ٤٩ ص ٩١، ٩٢ ١١٨ و ١٣٤، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٥، وغير ذلك كثير.

٣١٤

بل لقد ورد: أن المأمون قد كتب إلى الرضا نفسه، يقول له: (لا تأخذ على طريق الجبل وقم. وخذ على طريق البصرة، فالأهواز، ففارس..)(١) .

وسر ذلك واضح، فإن أهل الكوفة، وقم، كانوا معروفين بالتشيع للعلويين(٢) وأهل البيت، ومرور الإمام عليه‌السلام من هذين البلدين، وخصوصاً الكوفة، التي كانت تعتبر من المراكز الحساسة جداً في الدولة.. سوف يكون من نتيجته: أن يستقبله أهلها بما يليق بشأنه: من الإجلال، والإعزاز والتكريم.

____________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٨٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩ و ١٨٠، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، ومعادن الحكمة ص ١٨٠، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٤، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٧٣، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٤.

(٢) تشيع أهل الكوفة وقم أشهر من أن يحتاج إلى بيان، أو إقامة برهان.. لكننا نورد ـ مع ذلك ـ بعض الشواهد، تبصرة للقارئ، فنقول: أما الكوفة: فقد تقدم قول محمد بن علي العباسي أنها وسوادها شيعة علي وولده.. وفي الطبري، وابن الأثير، وغيرهما تجد قول عبد الله بن علي للمنصور، عندما استشاره في أمر محمد بن عبد الله بن الحسن: (.. ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، فاجثم على أكتافهم، فإنهم شيعة أهل هذا البيت، وأنصاره الخ)، وفي قضية وفاة السيد الحميري، التي ذكرها المرزباني في كتابه أخبار السيد الحميري دلالة واضحة على تشيع الكوفيين، وانحراف البصريين..

ولأجل ذلك نرى المأمون يستقبل وفدا من أهل الكوفة في منتهى الغلظة والجفاء، فراجع مروج الذهب ج ٣ ص ٤٢١. وفي البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣: أن المنصور قد اعترف بأن لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن في الكوفة مئة ألف سيف مغمدة، وأعرب عن مخاوفه من تشيع أهل الكوفة للعلويين، وولائهم لهم.. بل إننا لا نستبعد أن يكون بناء المنصور لبغداد هو من أجل أن يبتعد عن الكوفة، وأهلها، ويأمن على نفسه، قال البلاذري في فتوح البلدان ص ٤٠٥: (أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها. وألزم كل امرئ للنفقة عليه أربعين درهما. وكان ذاما لهم. لميلهم إلى الطالبيين، وإرجافهم بالسلطان..) وقد تقدم أنه عندما ذهب إليهم العباس بن موسى، أخو الإمام الرضاعليه‌السلام يدعوهم للبيعة، لم يجبه إلا البعض منهم، وقال له آخرون: (إن كنت تدعو للمأمون، ثم من بعده لأخيك، فلا حاجة لنا في دعوتك. وإن كنت تدعو إلى أخيك، أو بعض أهل بيتك، أو إلى نفسك أجبناك..).

وعلى كل حال.. فقد كانت الكوفة مصدرا لثورات كثيرة على الأمويين والعباسيين على حد سواء، تلك الثورات التي كانت كلها تقريباً بقيادة علوي، أو داعية إلى علوي..

ولم ينس المأمون بعد ثورة أبي السرايا التي كادت تغير الموازين، وتقلب مجريات الأحداث.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه. =

٣١٥

= وأما تشيع القميين، فذلك أعرف وأشهر. وقضيتهم مع جبة دعبل التي أهداه إياه الإمام لا يكاد يجهلها أحد. وعندما طلب المأمون من الريان أن يحدث بفضائل عليعليه‌السلام ، وأجاب بأنه لا يحسن شيئاً، قال المأمون: (سبحان الله! ما أجد أحداً يعينني على هذا الأمر لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري).

ولعل تشيع أهل قم هذا هو الذي دفع بالمأمون لأن يوجه إليهم عامله علي بن هشام، لينكل بهم، ويحاربهم حتى يهزمهم، ويدخل البلد، ويهدم سورها، ويجعل على أهلها مبلغ سبعة ملايين درهم، بدلا من مليونين، وهو ما لم يكن يدفعه أي بلد آخر يضاهي بلدهم في عدد السكان وغير ذلك من المميزات، فكيف بالسبعة.. ومع أنه كان قد خفض الخراج عن السواد، وبعد البلدان الأخرى، فلما سمعوا بذلك طالبوا بتخفيض الخراج عنهم أيضاً، ففعل ذلك.. وكان تخفيضه عنهم بزيادة المليونين إلى سبعة، كما قلنا.. راجع في تفصيل ذلك: الطبري ج ١١ ص ١٠٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٢١٢، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢٥٥، والنجوم الزاهرة ج ٢ ص، ١٩٠ وتاريخ التمدن الإسلامي مجلد ١ جزء ٢ ص ٣٣٧، وفتوح البلدان للبلاذري ص ٤٤٠، وتجارب الأمم ج ٦ ص ٤٦٠.

٣١٦

ولا شك أن الإمامعليه‌السلام سوف يستطيع أن يستقطب المزيد من الناس، ويؤثر عليهم بما حباه الله من الفضائل والكمالات الأخلاقية، وبما آتاه الله من العلم والحكمة، والورع والتقوى، الذي سار ذكره في الآفاق، حتى لا يكاد يجهله أحد.. وإذا كان أهل نيشابور، بل وحتى أهل مرو، معقل العباسيين والمأمون، قد كان منهم تجاه الإمام ما لا يجهله أحد. حتى إنهم كانوا بين صارخ، وباك ومتمرغ في التراب إلخ.. وحتى لقد خاف المأمون وأشياعه على دمائهم ـ إذا كان هؤلاء هكذا ـ فكيف ترى سوف تكون حالة أهل الكوفة وقم، معقلي العلويين، والمحبين لأهل البيت، والمتفانين فيهم، لو أنهم رأوا الإمامعليه‌السلام بينهم، وبالقرب منهم..

يقول الراوندي في ذلك: (إن المأمون أمر رجاء بن أبي الضحاك: أن لا يمر بالإمام عن طريق الكوفة، لئلا يفتتن به أهلها..)(١) !.

والمأمون لا يريد أن يفتتن الناس بالإمام، وإنما الذي يريده هو عكس ذلك تماماً.. إنه يريد أن يضع من الإمام لا أن يرفع.

أما أهل البصرة: فعثمانية، يدينون بالكف، ويقولون: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.. بل لقد كانت البصرة معقلاً مهما للعباسيين، الذين حرق دورهم زيد النار، ابن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كما قدمنا، ولهذا نلاحظ: أن دور البصريين في التشيع لم يكن يضارع دور غيرهم، لا روائياً، ولا كلامياً..

وأما ما ربما يحتمله البعض: من أن المأمون كان يأمل أن يخرج من البصرة، أو غيرها من يخلصه من الإمامعليه‌السلام نهائياً.. فلا أرى أنه يتفق مع أهداف وأغراض المأمون، التي كان يرمي إليها من وراء لعبته تلك..

____________

(١) الخرائج والجرائح، طبعة حجرية ص ٢٣٦.

٣١٧

الإمام يرفض كل مشاركة تعرض عليه:

إنه برغم شروط الإمام على المأمون، والتي أشرنا إليها فيما سبق، فإننا نرى المأمون كل مدة يحاول أن يجري اختبارا للإمام، ليعرف حقيقة نواياه، وأنه هل أصبح له طمع بالخلافة، وطموح لها(١) ، ليعجل عليه بما يحسم عنه مواد بلائه.. أم لا. فكان يأتي كل مدة إليه، يطلب منه أن يولي فلانا، أو أن يعزل فلاناً، أو أن يصلي بالناس.. بل لقد طلب منه بعد مقتل الفضل أن يساعده في إدارة شؤون الخلافة(٢) بحجة أنه يعجز وحده أن يقوم بأعباء الحكم. ويدير دفة السلطان!

هذا.. إن لم نقل: أنه كان يريد من وراء ذلك: أن يجعل ذلك ذريعة للقضاء على الإمام، بحجة أنه نقض الشرط، وليكون بذلك قد قضى على العلويين جميعاً، وإلى الأبد.

أو على الأقل كان يريد بذلك: أن يوجد للإمام أعداء في الأوساط ذات القوة والنفوذ..

وأياً ما كانت نوايا المأمون وأهدافه، فإن الإمامعليه‌السلام كان يرفض ذلك كله بكل عزم وإصرار، ويذكره بالشروط تلك، ويقول له:((إن وفيت لي وفيت لك)) . وهذا تهديد صريح له من الإمامعليه‌السلام . ولا نعجب كثيراً ـ بعد أن اتضحت لنا نوايا المأمون وأهدافه ـ إذا رأينا المأمون يتحمل هذا التهديد، بل ويخضع له، ويقول: (بل أفي لك)!.

وهكذا.. فقد كان الإمامعليه‌السلام يضيع على المأمون ما كان يحسب أنه فرصة مؤاتية له، ولا يمكنه من معرفة ما يريد معرفته، ولا من تنفيذ ما يريد تنفيذه.

____________

(١) وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد رأينا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، يسأل ابن عباس عن عليعليه‌السلام : إن كان لا يزال يطمح إلى الخلافة، ويأمل فيها.. أم لا!.

(٢) الكافي ج ٨ ص ١٥١، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٨ و ٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٤ و ١٦٦ و ١٦٧ والبحار ج ٤٩ ص ١٤٤ و ١٥٥ و ١٧١، وغير ذلك.

٣١٨

الاختبار لشعبية الإمامعليه‌السلام :

كما أنه كان كل مدة يقوم بعملية اختبار لشعبية الإمامعليه‌السلام ، ولمدى ما يتمتع به من تأييد في الأوساط الشعبية، ليعرف إن كان أصبحعليه‌السلام يشكل خطراً حقيقياً، ليعجل بالقضاء عليه أم لا.. فكان كل مدة يكلفه بأن يؤم الناس بالصلاة للعيد. أو ما شاكل.. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى ما يعتمر قلب المأمون من الخوف والخشية منهعليه‌السلام . (راجع: السبب الثالث من فصل البيعة، والموقف العاشر في فصل: خطة الإمامعليه‌السلام ).

سؤال.. وجوابه:

ولعلك تقول: إذا كان المأمون يخشى الإمامعليه‌السلام إلى هذا الحد، لما يعلمه من نفوذه ومكانته، فلماذا لا يتخلص منه بذلك الأسلوب التقليدي الذي انتهجه أسلافه من الأمويين، والعباسيين، وتبعهم عليه هو فيما بعد، وكذلك من أتى بعده.. وذلك بأن يدس إليه شربة من السم، وهو في المدينة، من دون أن يحتاج إلى اشخاصه إلى مرو، والبيعة له بولاية العهد، وتزويجه ابنته، إلى غير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تعزز من مركز الإمام، وترفع من شأنه، وتوجه إليه الأنظار والقلوب، حتى يضطر في نهاية الأمر لأن يعود إلى ما جرت عليه عادة أسلافه، وأتباعه..

ولكن الجواب على هذا قد اتضح مما قدمناه، فإن المأمون لم يكن يريد في بادئ الأمر موت الإمام، ولا كان يستطيع أن يفعل ذلك.

ولو أن ذلك كان قد حدث لوقع المأمون في ورطة، لها أول وليس لها آخر، حيث إنه كان بأمس الحاجة إلى حياة الإمامعليه‌السلام ، وذلك لما قدمناه من الأسباب والظروف التي كانت تحتم على المأمون أن يلعب لعبته تلك، التي وإن كانت تنطوي على مخاطرة جريئة، إلا أنه كان ـ كما قدمنا ـ قد رسم الخطة، وأحكم التدبير للتخلص من الإمامعليه‌السلام بمجرد أن يحقق مآربه، وأهدافه، بالطريقة التي لا تثير شك أحد، ولا توجب تهمة أحد، وقد حدث ذلك بالفعل، كما سيمر علينا..

وأما كتمه لفضائل الإمامعليه‌السلام :

ومن جملة الأمور التي كانت تدور في فلك خطة المأمون، التي لخصها بأنه يريد الوضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ محاولاته كتم فضائل الإمامعليه‌السلام ومزاياه عن الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..

٣١٩

وقد تقدم: أنه عندما سأل رجاء بن أبي الضحاك، الذي تولى إشخاص الرضاعليه‌السلام من المدينة إلى مرو، عن حال الرضاعليه‌السلام في الطريق، فأخبره عما شاهده من عبادتهعليه‌السلام ، وزهده وتقواه، وما ظهر له من الدلائل والبراهين، قال له المأمون: (.. بلى يا ابن أبي الضحاك، هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم، فلا تخبر أحداً بما شهدت منه، لئلا يظهر فضله إلا على لساني..)!.

وهكذا: فإن المأمون وإن استطاع أن يمرر الكثير، إلا أنه لم يكن يجد بداً في كثير من الأحيان من أن يظهر على حقيقته وواقعه. وهذا هو أحد تلك المواقف التي مرت وسيمر معنا بعضها، والتي اضطر فيها المأمون لأن يكشف عن وجهه الحقيقي،.. وإن كان قد حاول ـ مع ذلك ـ أن يتستر بما لا يسمن ولا يغني من جوع.

ولا أعتقد أن المأمون كان يجهل: أن ما يأتي به لم يكن لينطلي كله على أعين الناس، بل كان يعلم ذلك حق العلم، ولكن كما يقولون: (الغريق يتشبث بالطحلب).

ولكن.. بالرغم من محاولات المأمون تلك.. فإننا نرى أن فضائل الإمام ومزاياه كانت كالعرف الطيب، لم تزل تظهر، وتنتشر وتذاع.. بل ولعل محاولات المأمون تلك التي كانت ترمي للحط من الإمام وإسقاطه، قد أسهمت كثيراً وساعدت على إظهار فضائله، وشيوعها، كما سيتضح.

الشائعات الكاذبة!

وكان بالإضافة إلى ما تقدم يحاول ترويج شائعات كاذبة، من شأنها أن تنفر الناس من العلويين عامة، ومن الإمامعليه‌السلام ، وسائر الأئمةعليهم‌السلام خاصة.

فهذا أبو الصلت يسأل الإمامعليه‌السلام فيقول: (يا ابن رسول الله، ما شيء يحكيه الناس عنكم؟!.

قالعليه‌السلام :((ما هو؟!.

قال: يقولون: إنكم تدعون: أن الناس لكم عبيد!.

قالعليه‌السلام :يا عبد السلام، إذا كان الناس كلهم عبيدنا ـ على ما حكوه ـ فممن نبيعهم)) ؟! إلخ(١) .

____________

(١) مسند الإمام الرضا ج ١ قسم ١ ص ٤٥، والبحار ج ٤٩ ص ١٧٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٨٤.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

بمثل ذلك الخوارج(١) ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئا من مذاهبهم(٢) ، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشئ منها في مواطنهم(٨٥١) فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن، والخوارج كذلك، ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة هذا كلامه فتأمله وأعجب.

ثم رجع إلى مذاهب أهل السنة فذكر: انتشار مذهب أبي حنيفة في العراق ومذهب مالك في الحجاز، ومذهب أحمد في الشام وفي بغداد. ومذهب الشافعي في مصر. وهنا قال ما هذا لفظه: ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت(٣) وتلاشى من سواهم، إلى أن ذهبت دولة

____________________

=> هذه الأمة من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة من العرب كانت حزب إبليس، وكونهم سفينة النجاة، وباب حطة هذه الأمة، وكونهم النافين عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (منه قدس).

(١) انظر كيف جعل أهل البيت " الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " شذاذ مارقة كالخوارج نعوذ بالله (منه قدس).

(٢) كذب ابن خلدون نفسه في هذه الكلمة، فانه إذا كان لا يعرف شيئا من مذاهبهم ولا يروى كتبهم، ولا أثر لشئ منها عنده فمن أين عرف أنهم شذاذ ضلال مبتدعون ؟ ومن أين عرف أن أصولهم واهية ؟. (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) (منه قدس).

(٨٥١) كتب الشيعة منتشرة في العالم وقد ملئت الطوامير وصارت بوحدها مكتبات وقد بلغت مئات الآلاف. فراجع أسمائها في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آقا بزرگ الطهراني وقد طبع منه خمسة وعشرون مجلدا. وهو فهرست لأسماء كتب الشيعة من زمان الرسول إلى القرن الرابع عشر الهجري.

(٣) انظر كيف اعترف بأن الرافضة يدينون الله بمذهب أهل البيت.

لكم ذخركم ان النبي ورهطه

وجيلهم ذخري إذا التمس الذخر

جعلت هواى الفاطميين زلفة

إلى خالقي ما دمت أو دام لي عمر

٥٦١

العبيديين من الرافضة من يد صلاح الدين يوسف بن أيوب، ورجع إليهم فقه الشافعي. الخ.

إذا وصف الطائي بالبخل مادر

وعير قسا بالفهاهة باقل

وقال السهى للشمس أنت ضئيلة

وقال الدجى للصبح لونك حائل

وطاولت الأرض السماء سفاهة

وكاثرت الشهب الحصى والجنادل

وقال ابن خلدون وأمثاله: أنهم على الهدى والسنة، وان أهل البيت شذاذ ومبتدعة، وضلال رافضة :

فيا موت زر ان الحياة ذميمة

ويا نفس جدي ان سبقك هازل

ولا غرو أن قام المسلم عند سماع هذه الكلمة وقعد، بل لا عجب ان مات أسفا على الإسلام وأهله، إذ بلغ الأمر هذه الغاية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أيقول ابن خلدون: أن أهل البيت شذاذ ضلال مبتدعون، وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس بنص التنزيل(٨٥٢) وهبط بطهيرهم جبرائيل، وبأهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) بأمر ربه الجليل(٨٥٣) وقد فرض القرآن

____________________

=>

وكوفني ديني على ان منصبي

شئام ونجرى اية ذكر النجر

(منه قدس)

(٨٥٢) اشارة إلى قوله "( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) " فراجع ما علقناه على هذه الآية في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء (منه قدس) تقدم نزول آية التطهير في أهل البيت مع مصادرها تحت رقم (١٠٧) فراجع

(١) اشارة إلى قوله تعالى: "( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) " (الآية) فراجع ما علقناه عليها في الفصل الأول من الكلمة الغراء أيضا (منه قدس).

(٨٥٣) تقدمت آية المباهلة مع مصادرها تحت رقم ١٠٥ (*).

٥٦٢

مودتهم(٨٥٤) وأوجب الرحمن ولايتهم(٨٥٥) وهم سفينة النجاة(١) إذا

____________________

(٨٥٤) اشارة إلى قوله تعالى:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) . فراجع ما علقناه عليها في الفصل الثالث من الكلمة الغراء (منه قدس). تقدمت آية المودة مع مصادرها تحت رقم (١٠٨).

(٨٥٥) اشارة إلى ما أخرجه الديلمي وغيره - كما في الصواعق المحرقة وغيرها - عن أبى سعيد الخدري: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " وقفوهم انهم مسؤولون " عن ولاية على. وقال الإمام الواحدي - كما في تفسير هذه الآية من الصواعق أيضا - انهم مسؤولون عن ولاية على وأهل البيت (منه قدس).

قوله تعالى: "( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) " الصافات آية: ٢٤. مسئولون عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). راجع: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢ / ١٠٦ ح ٧٨٥ - ٧٨٩، كفاية الطالب للگنجى ص ٢٤٧ ط الحيدرية وص ١٢٠ ط الغرى، نظم درر السمطين للزرندي ص ١٠٩، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ١٧، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١١٢ و ١١٤ و ٢٧٠ و ٢٩٥ ط اسلامبول وص ١٣١ و ١٣٣ و ٣٢٤ و ٣٥٤ و ٣٥٥ ط الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص ١٩٥، الصواعق المحرقة ص ١٤٧ ط المحمدية وص ٨٩ ط الميمنية، روح المعاني للالوسي عند تفسير هذه الآية، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٧٩.

(١) قال ابن حجر في ص ٩٣ من صواعقه حيث تكلم في تفسير الآية ٧ من الآيات التي أوردها في الباب ١١ من الصواعق ما هذا لفظه: وجاء من طرق عديدة يقوى بعضها بعضا " انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ".

(قال) وفى رواية مسلم ومن تخلف عنها غرق وهلك الخ (منه قدس) (*).

٥٦٣

طغت لحج النفاق(٨٥٦) وأمان الأمة(١) إذا عصفت عواصف الشقاق(٨٥٧) وباب حطة(٢) يأمن من دخلها(٨٥٨) والعروة الوثقى لا انفصام لها(٧٥٩) وأحد

____________________

(٨٥٦) حديث السفينة تقدم مع مصادره تحت رقم (١٧) فراجع.

(١) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب، اختلفوا فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه على شرط البخاري ومسلم - كما في ص ٩٣ من الصواعق المحرقة لابن حجر حيث تكلم في الآية ٧ من الباب ١١، وأخرج ابن أبى شيبة ومسدد في مسنديهما. والترمذي في نوادر الأصول. وأبو يعلى، والطبراني والحاكم عن سلمة بن الاكوع قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي ". وقد نقله الحافظ السيوطي في كتابه إحياء الميت بفضائل أهل البيت والنبهاني في أربعينه وغير واحد من العلماء (منه قدس).

(٨٥٧) تقدم تحت رقم (١٦) فراجع وراجع أيضا كتاب المراجعات مع تتمته تحت رقم (٤١)

(٢) اشارة إلى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل ". أخرجه الحاكم عن أبى ذر عليه الرحمة. وأخرجه الطبراني في الصغير والأوسط عن أبى سعيد. قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له " (منه قدس).

(٨٥٨) تقدم ذلك تحت رقم (١٨) فراجع.

(٨٥٩) قال القندوزي الحنفي وعن على كرم الله وجهه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوالى عليا وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه من بعدى وسادات أمتي وقواد الأتقياء إلى الجنة حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان ". راجع: ينابيع المودة ص ٤٤٥ ط اسلامبول. (*)

٥٦٤

لثقلين(١) لا يضل من تمسك بهما(٨٦٠) ولا يهتدي إلى الله من ضل عن احدهما وقد أمرناصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن نجعلهم منا مكان الرأس(٢) من الجسد. بل مكان العينين

____________________

(١) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدى الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". أخرجه الترمذي والحاكم كما في إحياء الميت للسيوطي، وهو من الأحاديث المستفيضة. رواه أكثر المحدثين بألفاظ متقاربة، وأسانيدهم فيه صحيحة. قال ابن حجر - بعد نقله إياه عن الترمذي وغيره في أثناء تفسيره للآية الرابعة من الباب ١١ من صواعقه - ما هذا لفظه: ثم أعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا

(قال) ومر طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفى بعض تلك الطرق انه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفى أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلات الحجرة بأصحابه، وفى أخرى انه قال ذلك بغدير خم وفى أخرى انه قاله لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف

(قال) ولا تنافى إذ لا مانع من أنه ذكر، عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة إلى آخر كلامه فراجعه في ص ٩٢ من الصواعق (منه قدس).

(٨٦٠) حديث الثقلين قد تقدم مع مصادره تحت رقم (١٥) فراجع.

(٢) اشارة إلى ما نقله غير واحد من الأعلام كالعلامة الصبان في ص ١١٤ من إسعافه المطبوع في هامش نور الأبصار حيث قال ما هذا لفظه: وروى جماعة من أهل السنن عن عدة من الصحابة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك "

(قال) وفى رواية غرق (قال) وفى رواية أخرى زج في النار (قال) وفى أخرى عن أبى ذر زيادة وسمعته يقول: " اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس " (منه قدس) (*).

٥٦٥

من الرأس(٨٦١) ونهانا عن التقدم عليهم(١) والتقصير عنهم(٨٦٢) ونص على أنهم القوامون على الدين، النافون عنه في كل خلف من هذه الأمة(٢) تحريف الضالين(٨٦٣) وقد أعلنصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأن معرفتهم براءة من النار(٣) وحبهم جواز على الصراط، والولاية لهم أمان من العذاب(٨٦٤) وان الأعمال الصالحة

____________________

(٨٦١) قد تقدم هذا الحديث مع مصادره تحت رقم (١٩) فراجع.

(١) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث التمسك بالثقلين: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. ونقله غير واحد من العلماء كالإمام أبى بكر العلوي في الباب ٥ من رشفة الصادي. وابن حجر حيث تكلم في تفسير الآية الرابعة من الباب ١١ من صواعقه (منه قدس).

(٨٦٢) راجع: مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٣، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤١ و ٣٥٣ ط الحيدرية وص ٣٧ و ٢٩٦ ط اسلامبول، الدر المنثور للسيوطي ج ٢ / ٦٠، الغدير ج ١ / ٣٤ وج ٣ / ٨٠، كنز العمال ج ١ / ١٦٨ ط ٢، أسد الغابة ج ٣ / ١٣٧، عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج ١ / ١٨٤ وج ٢ / ٤٩.

(٢) اشارة إلى ما أخرجه الملا في سيرته بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون " وقد نقله ابن حجر في ص ٩٢ من صواعقه (منه قدس).

(٨٦٣) الصواعق ص ١٤٨ ط المحمدية، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٢٦ و ٣٢٦ - ٣٢٧ ط الحيدرية وص ١٩١ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٩٧ ط اسلامبول، ذخائر العقبى ص ١٧ المعيار والموازنة للاسكافي ص ٢٠٤.

(٣) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب ". رواه القاضي عياض في الفصل الذي عقده لبيان: ان من توقيره وبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بر آله وذريته من كتابه - الشفاء - فراجع أول ص ٤١ من قسمه الثاني طبع الاستانة سنة ١٣٢٨ (منه قدس).

(٨٦٤) الإتحاف للشبراوي ص ٤، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٤ و ٢٨٦ و ٣١٤ =>

٥٦٦

لا تنفع عامليها إلا بمعرفة حقهم(٨٦٥) ولا تزول يوم القيامة قدما أحد من هذه الأمة(١) حتى يسأل عن حبهم(٨٦٦) ولو أن رجلا أفنى عمره قائما وقاعدا

____________________

=> و ٤٤٤ ط الحيدرية وص ٢٢ و ٢٤١ و ٢٦٣ و ٣٧٠ ط اسلامبول، إحقاق الحق للتستري ج ٩ / ٤٩٤ ط ١ بطهران، فرائد السمطين ج ٢ / ٢٥٧ ح ٥٢٥.

(٨٦٥) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الزموا مودتنا أهل البيت، فانه من لقى الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا " أخرجه الطبراني في الأوسط. ونقله السيوطي في أحياء الميت بفضائل أهل البيت. والنبهاني في أربعينه (منه قدس). إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١١، الصواعق المحرقة ص ١٣٨ ط الميمنية وص ٢٣٠ ط المحمدية، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٩٣ و ٣٢٣ و ٣٢٦ و ٣٦٤ ط الحيدرية وص ٢٤٦ و ٢٧٢ و ٣٠٣ - ٣٠٤ ط اسلامبول، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١١ ط السعيدية وص ١٠٣ ط العثمانية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٧٢.

(١) اشارة إلى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه، ومن أين اكتسبه، وعن محبتنا أهل البيت ". أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا، ونقله السيوطي في إحياء الميت. والنبهاني في أربعينه (منه قدس).

(٨٦٦) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١١٩ ح ١٥٧، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٥، ينابيع المودة للقندوزي ص ١١٣ و ٢٧٠ و ٢٧١ ط اسلامبول وص ١٣٣ و ٣٢٤ ط الحيدرية، المناقب للخوارزمي ص ٥٣ - ٥٦، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٤٢، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٠٩، مجمع الزوائد ج ١٠ / ١٤٦. وبلفظ آخر يوجد في: كفاية الطالب للگنجى ص ٣٢٤ ط الحيدرية وص ١٨٣ ط الغرى، ترجمة الإمام =>

٥٦٧

وراكعا وساجدا بين الركن والمقام ثم مات غير موال لهم دخل النار(٨٦٧) .

____________________

=> علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٥٩ ح ٦٤٤، فرائد السمطين ج ٢ / ٣٠١ ح ٥٥٧.

(٨٦٧) اشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديث أخرجه الطبراني والحاكم - كما في أحياء الميت وأربعين النبهاني وغيرهما

أ -: " فلو أن رجلا صفن - أي صف قدميه - بين الركن والمقام فصلى وصام وهو مبغض لآل محمد دخل النار ". أه‍. وأخرجه الحاكم وابن حبان في صحيحه - كما في أحياء الميت وأربعين النبهاني وغيرهما

ب - عن أبى سعيد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا دخل النار "، وأخرج الطبراني - كما في احياء الميت للسيوطي

ج - عن الحسن السبط أنه قال لمعاوية بن خديج: " إياك وبغضنا، فان رسول الله قال: لا يبغضنا، ولا يحسدنا أحد إلا ذيد يوم القيامة بسياط من النار " أه‍. وأخرج الطبراني في الأوسط - كما في احياء الميت وأربعين النبهاني

د - عن جابر قال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته وهو يقول: " أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديا ". أه‍ (منه قدس).

مصادر هذه الأحاديث التي ذكرها في الهامش هي :

أ - المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، الصواعق لابن حجر ص ١٧٢ ط المحمدية وص ١٠٤ ط الميمنية، احياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١١، ذخائر العقبى ص ١٨، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٢٦ و ٣٣١ ط الحيدرية وص ١٩٢ و ٢٧٧ و ٣٠٥ ط اسلامبول، إحقاق الحق ج ٩ / ٤٩٢، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١.

ب - المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٠، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، احياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١١، إسعاف الراغبين ص ١٠٤ ط العثمانية وص ١١٢ ط السعيدية، الصواعق لابن حجر ص ١٧٢ و ٢٣٧ ط المحمدية وص ١٠٤ وصححه وص ١٤٣ ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي ص ١٠٤ ط اسلامبول وص ٣٦٥ ط الحيدرية، نظم درر السمطين للزرندي ص ١٠٦، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٤ ط الميمنية، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٣٣، إحقاق الحق =>

٥٦٨

فهل يحسن من الأمة المسلمة بعد هذا ان تجري إلا على أسلوبهم وهل يتسنى لمسلم يؤمن بالله ورسوله ان يستن بغير سننهم فكيف يعدهم ابن خلدون من أهل البدع بكل صراحة ووقاحة من غير خجل ولا وجل. أبهذا أمرته آية القربى(٨٦٨) وآية التطهير(٨٦٩) وآيتا أولي الأمر(٨٧٠) والاعتصام بحبل الله تعالى ؟(٨٧١) أم بهذا أمره الله سبحانه حيث يقول:( وَكُونُواْ

____________________

=> للتستري ج ٩ / ٤٦١، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٣٨ ح ١٨١، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١.

ج - احياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١١، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٠٤ ط العثمانية وص ١١٢ ط السعيدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٧٢، الصواعق المحرقة ص ١٧٢ ط المحمدية وص ١٠٤ ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٦٥ ط الحيدرية وص ٣٠٤ ط اسلامبول

د - احياء الميت بهامش الإتحاف ص ١١٢، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٧٢، ميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ / ١١٦، إحقاق الحق ج ٩ / ٤٦٨.

(٨٦٨) تقدمت هذه الآية مع مصادرها تحت رقم (١٠٨).

(٨٦٩) تقدمت هذه الآية مع مصادرها تحت رقم (١٠٧) فراجع.

(٨٧٠) مشيرا إلى قوله تعالى: "( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) " سورة النساء آية ٥٩. أولى الأمر هم: على أمير المؤمنين والأئمة من أولادهعليهم‌السلام . راجع: ينابيع المودة للقندوزي ص ١٣٤ و ١٣٧ ط الحيدرية وص ١١٤ و ١١٧ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٤٨ ح ٢٠٢ و ٢٠٣ و ٢٠٤، تفسير الرازي ج ٣ / ٣٥٧ ط ١ بمصر، إحقاق الحق ج ٣ / ٤٢٤، فرائد السمطين ج ١ / ٣١٤ ح ٢٥٠.

(٨٧١) قوله تعالى: "( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) " آل عمران آية: ١٠٣. حبل الله هم أهل البيت. راجع: شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٣٠ ح ١٧٧ و ١٧٨ و ١٧٩ و ١٨٠، الصواعق =>

٥٦٩

مَعَ الصَّادِقِينَ ) ؟(٨٧٢) أم به صدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نصوصه المجمع على صحتها ؟ وقد استقصيناها بطرقها وأسانيدها في كتابنا سبيل المؤمنين واستقصتها علماؤنا الأعلام في مؤلفاتهم، فراجعها لتعلم حقيقة أهل البيت، ومنزلتهم في دين الإسلام(٨٧٣) .

____________________

= المحرقة ص ١٤٩ ط المحمدية وص ٩٠ ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٣٩ و ٣٢٨ و ٣٥٦ ط الحيدرية وص ١١٩ و ٢٧٤ و ٢٩٧ ط اسلامبول، الإتحاف للشبراوي ص ٧٦، روح المعاني للآلوسي ج ٤ / ١٦، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٠٢ ط السعيدية وص ١٠١ ط العثمانية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٠٧ ط السعيدية وص ١٠٠ ط العثمانية.

(٨٧٢) قوله تعالى: "( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) " التوبة آية: ١١٩. أي مع علىعليه‌السلام وأصحابه. راجع: شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ٢٥٩ ح ٣٥٠ - ٣٥٦، كفاية الطالب للگنجى ص ٢٣٦، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٢١ ح ٩٢٣، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ١٦، المناقب للخوارزمي ص ١٩٨، نظم درر السمطين للزرندي ص ٩١، فتح القدير للشوكاني ج ٢ / ٤١٤ ط ٢ مصطفى الحلبي، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٥٠ ط المحمدية وص ٩٠ ط الميمنية، ينابيع المودة للقندوزي ص ١٣٦ و ١٤٠ ط الحيدرية وص ١١٦ و ١١٩ ط اسلامبول، الدر المنثور للسيوطي ج ٣ / ٣٩٠، الغدير للأميني ج ٢ / ٣٠٥، روح المعاني للآلوسي ج ١١ / ٤١ ط المنيرية، غاية المرام باب ٤٢ ص ٢٤٨ ط ايران، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٣١٤ ح ٢٥٠ وص ٣٧٠ ح ٢٩٩ و ٣٠٠.

(٨٧٣) الكتب التي ألفت في الحديث عن أهل البيت وفضائلهم وسجاياهم قديما وحديثا تفوق حد الاطراء والعد من مختلف المذاهب فمنها على سبيل المثال: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ١ - ٢ طبع بيروت، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ - ٣ طبع بيروت، مناقب =>

٥٧٠

على انهم لا ذنب لهم يستوجب الجفاء، ولا قصور بهم يقتضي هذا الاعراض فليت أهل المذاهب الأربعة نقلوا في مقام الاختلاف مذهب أهل البيت كما ينقلون سائر المذاهب التي لا يعملون بها، ما رأيناهم يعاملون أهل البيت هذه المعاملة في عصر من الاعصار، وانما يعاملونهم معاملة من لم يخلقه الله عزوجل أو من لم يؤثر عنه شئ من العلم والحكمة.

نعم ربما تعرضوا لشيعتهم فنبزوهم بالرفض، وسلقوهم بألسنة الافتراء(٨٧٤) وقد ولى زمن الاعتداء، وأقبل عصر الاخاء، وآن لجميع المسلمين أن يدخلوا

____________________

=> علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ط ١ بطهران، المناقب للخوارزمي الحنفي ط الحيدرية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ط الحيدرية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ط الحيدرية واسلامبول وغيرهما، ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري طبع مكتبة القدسي، فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين للحمويني ج ١ - ٢ ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ط النجف، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج ١ - ٢ ط النجف، مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ط إيران والنجف، نور الأبصار للشبلنجى ط مصر، إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الإبصار، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ط النجف، تقوية الإيمان في الرد على تزكية بن أبى سفيان ط النجف، نزل الأبرار ط طهران. وغيرها من عشرات بل مئات الكتب في ذلك.

ومن الإمامية: بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار المتوفى ٢٩٠ ه‍ ط تبريز، بحار الأنوار للعلامة المجلسي فيه عشرات المجلدات في مناقب وفضائل أهل البيت ط إيران الجديد، غاية المرام للسيد البحراني ط إيران، الغدير للأميني ج ١ - ١١ ط إيران وبيروت، إحقاق الحق للتستري مع ملحقاته للسيد المرعشي النجفي ١ - ١٦ ط إيران. وغيرها من مئات الكتب.

(٨٧٤) نبز الشيعة بالرفض وافتراء الأكاذيب عليهم: راجعها مع أجوبتها في كتاب الغدير للأميني ج ٣ / ٧٨ وما بعدها. وقد صدر حديثا كتاب للسيد الرضوي بعنوان: كذبوا على الشيعة فراجعه، أجوبة مسائل موسى جار الله. (*)

٥٧١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥٥١: -

[ المورد (١٠٠) -: الدعوة إلى الصفاء ]

حتى م يا اخوتاه هذه الشحناء ؟. وفي م هذه العداوة والبغضاء، نعوذ بالله أليس الله عزوجل وحده لا شريك له ربنا جميعا ؟. والإسلام ديننا ؟. والقرآن الحكيم كتابنا ؟ ! والكعبة مطافنا وقبلتنا ؟. وسيد النبيين وخاتم المرسلين محمد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نبينا ؟. وقوله وفعله وتقريره سنتنا ؟. والفرائض الخمسة اليومية وصوم شهر رمضان المبارك، والزكاة المفروضة وحج البيت فرائضنا ؟.

والحلال ما أحله الله ورسوله. والحرام ما حرماه، والحق ما حققاه، والباطل ما أبطلاه، وأولياء الله ورسوله أولياءنا، وأعداء الله ورسوله أعداءنا وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (٨٧٥) أليس الشيعيون والسنيون في ذلك كله سواء ؟.( كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (٨٧٦) .

والنزاع بينهما في جميع المسائل الخلافية صغروي في الحقيقة، ولا نزاع بينهما في الكبرى عند أهل النظر أبدا. ألا تراهما إذا تنازعا في وجوب شئ، أو حرمته، أو في استحبابه، أو في كراهته، أو في اباحته، أو تنازعا في

____________________

(٨٧٥) سورة النجم: ٣١.

(٨٧٦) سورة البقرة: ٢٨٥ (*)

٥٧٢

صحته أو بطلانه، أو في جزئيته أو في شرطيته أو في مانعيته، أو في غير ذلك، كما لو تنازعا في عدالة شخص، أو فسقه، أو في إيمانه، أو في نفاقه أو في وجوب موالاته، لأنه ولي الله، أو وجوب معاداته، لأنه عدو الله، فانما يتنازعان في ثبوت ذلك بالأدلة المثبتة شرعا - من كتاب أو سنة أو إجماع أو عقل - وعدم ثبوته، فيذهب كل منهما إلى ما اقتضته الأدلة الشرعية. ولو علم الفريقان ثبوت الشئ في دين الإسلام، أو علما جميعا عدم ثبوته في الدين الإسلامي أو شكا كلاهما في ذلك لم يتنازعا ولم يختلفا أبدا. وقد أخرج البخاري في صحيحه(١) عن أبي سلمة وغيره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: " إذا حكم الحاكم واجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد "(٨٧٧) .

وقال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر أو لا يكفر - ص ٢٤٧ من الجزء الثالث من كتابه - الفصل في الملل والنحل - ما هذا لفظه: وذهبت طائفة إلى انه لا يكفر، ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا، وان كل من اجتهد في شئ من ذلك، فدان بما رأى انه الحق فانه مأجور على كل حال. ان أصاب فأجران، وان أخطأ فأجر واحد.

(قال): وهذا قول ابن أبى ليلى، وأبي حنيفة، والشافعي، وسفيان الثوري، وداود بن علي، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة، لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا إلى آخر

____________________

(١) راجع باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ. وهو في أواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة قبل كتاب التوحيد بأقل من ورقتين تجده في ج ٤ ص ١٧٧ من الصحيح (منه قدس).

(٨٧٧) ورواه أيضا مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة. الفتح الكبير ج ١ / ١٠٢ (*).

٥٧٣

كلامه(٨٧٨) .

والذين صرحوا بهذا ونحوه من أعلام الأمة كثيرون. فأي وجه إذن لهذه المشاغبات أيها المسلمون ؟. والله عز وجل يقول:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٨٧٩)

( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) (٨٨٠)

( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٨٨١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد على من سواهم فمن اخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل(٨٨٢) .

والصحاح في هذا ونحوه متواترة، ولاسيما من طريق العترة الطاهرة. وفي فصولنا المهمة ما يشرح صدور الأمة(٨٨٣) .

____________________

(٨٧٨) بل اعتذروا لأشخاص صدرت منهم جرائم وأفعال سودت وجه التاريخ وأخرجتهم من ربقة الإسلام. اعتذروا لمعاوية في قتاله سيد الوصيين بالاجتهاد وكذلك ابنه يزيد في قتله سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن ملجم قاتل إمام المتقينعليه‌السلام وقاتل عمار بن ياسر وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم. اعتذروا لهم بالاجتهاد فلا جرم عليهم بل لهم أجر واحد. راجع: الغدير ج ١٠ / ٣٤٠ وما بعدها. وراجع ما تقدم من الأحاديث في حقن الدماء تحت رقم (١٤٩ و ١٥٢).

(٨٧٩) سورة الحجرات: ١٠.

(٨٨٠) سورة الأنفال: ٤٦.

(٨٨١) سورة آل عمران: ١٠٥.

(٨٨٢) صحيح البخاري ك ٥٨ ب ١٠ و ١٧ وك ٩٦ ب ٥، مسند احمد ج ١ / ٨١ وج ٢ / ١٩٢ و ٢١١ و ٣٩٨ كما في مفتاح كنوز السنة.

(٨٨٣) فلتراجع منها الفصول السبعة الأول، فانها في ٧ مواضيع (منه قدس) =>

٥٧٤

..

____________________

الوحدة الإسلامية :

الإسلام الذي جاء به سيد المرسلين من قبل رب العالمين هو دين الوحدة والتعاطف والتكاتف والتحابب وحث على هذه الأمور بلا مزيد عليه في أي دين أو مذهب كما انه حذر من الاختلاف والتنازع والتباغض والتنابز وغيرها من الأمور التي تؤدى إلى تفتيت الأمة وتمزيقها، وشدد النكير عليه. قال تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )

وقال تعالى:( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا )

وقال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) .

وتوجد سورة في القرآن باسم " الصف " لأجل توحيد الصفوف وتراصها لما لها من الموقعية والقوة فيقول فيها:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) .

وقد وردت عشرات الروايات ان لم تكن المئات بهذا الصدد ولنقتصر على جملة منها :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم: افشوا السلام بينكم ".

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " الدين النصيحة. قلنا: لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين ولعامتهم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ".

وقال الصادقعليه‌السلام : " المسلم أخو المسلم، هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا =>

٥٧٥

.

____________________

=> يكذبه ولا يغتابه ". إلى غير ذلك من الروايات التي بهذا المضمون. ونحن نفهم من هذه النصوص الإسلامية وغيرها اهتمام الإسلام بالوحدة ان المؤمن لا يكمل إيمانه إلا إذا كان يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه. وان المسلمين جميعا كتلة واحدة لا تتجزأ وهم كالجسد الواحد لإنسان واحد فخالقهم واحد ودينهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة وهم لاب واحد ولام واحدة فما هذا الاختلاف والتشاجر والتناحر.

نعم الإسلام حذر المسلمين جميعا من الاختلاف والتنازع وطعن البعض في البعض الأخر وجعل ذلك سببا للفشل والخذلان وعدم العز في الدنيا والعقاب في الآخرة فيقول تعالى:( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) وذهاب الريح هنا هو ذهاب النصر الذي يؤيد به المسلمين حالة قتالهم ومجابهتهم العدو فعدم نصرهم مسببا عن تنازعهم واختلافهم

وعن عبد المؤمن الأنصاري قال: دخلت على الإمام أبى الحسن (الكاظم)عليه‌السلام وعنده محمد بن عبدالله الجعفري، فتبسمت إليه فقالعليه‌السلام : " أتحبه ؟ قلت: نعم وما أحببته إلا لكم. فقالعليه‌السلام : هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه ملعون ملعون من اتهم أخاه، ملعون ملعون من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ملعون ملعون من استأثر على أخيه، ملعون ملعون من أغتاب أخاه ". بل في نصوص إسلامية أخرى قد سلبت عنوان الإسلام الحقيقي عن الشخص إذا لم يهتم بأمر أخيه فضلا عن الطعن فيه ومحاولة هتك حرمته.

والاستعمار الشرقي والغربي لما أراد أن يستولى على بلاد المسلمين ويأخذ ثرواتهم ويستعبدهم ويجعلهم طعمة سائغه درس حالتهم الاجتماعية والنفسية فرأى من أهم الأسباب التي يتمكن بها على استعبادهم - بعد انحرافهم عن دينهم وعدم تمسكهم به -. هي الفرقة والاختلاف فصدر القاعدة المعروفة " فرق تسد " والى يومنا هذا الاستعمار يستعملها كسلاح فتاك لأجل تمزيق وحدة المسلمين وإذلالهم. فها هي دويلة إسرائيل الصهيونية تغتصب الأراضي الإسلامية والعربية بما فيها القدس الشريف القبلة الأولى للمسلمين وعددها لا يتجاوز المليونين بينما المسلمون مع =>

٥٧٦

.

____________________

= قوتهم وعددهم الذي يتجاوز مليار مسلم في أنحاء العالم وليس ذلك إلا لأجل تفرقهم واختلاف كلمتهم وكل واحد يريد أن يأكل الأخر. أليس من العار على العرب ١٨ سنة يهرجون ويطبلون ويرفعون عقيرتهم ليلا ونهارا بأنهم يريدون أن يحرروا فلسطين ولم يتمكنوا أن يحرروا شبرا واحدا بل نرى إسرائيل بين الفينة والفينة تستولى على أرض أخرى وتجعلها تحت سيطرتها. كيف يحررون فلسطين وهم خدام وعملاء إلى الشرق أو الغرب ويأكل بعضهم البعض الأخر.

ومن أهم الأسلحة الفتاكة التي اتخذها الاستعمار في إضعاف المسلمين والاستيلاء عليهم واستعبادهم هو التفرقة باسم السنة والشيعة فكان يثير التشاجر وكيل الاتهام لكل طرف من الطرف الأخر والسباب والشتم والتكفير وغيرها ولعل هذه الأمور لا أصل ولا موجب لها، بل لو رجعوا جميعا إلى الإسلام والى منابعه الأصلية الأولية مع الموضوعية وعدم التعصب لمذهب معين أو لفئة أو لشخص لعاشوا بسلام ووئام وان عمل كل على حسب ما يؤدى إليه نظره وبحثه العلمي.

وهذا الكتاب الذي بين يديك بالرغم من انه يتعرض إلى مواضيع حساسة جدا الا انه يحاول أن يبحثها بحثا موضوعيا متجنبا التعصب المذهبي والتحيز القومي.

فنرجوا من الله أن يكون هذا سببا للتعرف على الحقيقة ووحدة المسلمين حتى ترجع إليهم عزتهم ومجدهم التليد

والحمد لله رب العالمين. (*)

٥٧٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥٥٧: -

[ خاتمة الكتاب ]

نختتم كتابنا فيما افتتحناه به من البحث عن الإمامة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمكانها من عناية الله تعالى ورسوله، ومسيس حاجة الأمة إليها في دينها ودنياها ولما بذله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سبيلها من النصح لربه عز وعلا، ولامته لا يألو في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا.

ومن أحاط علما بسيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تأسيس دولة الإسلام منذ قام باعبائها وجد عليا وزيره(٨٨٤) من أهله وشريكه في أمره، وظهيره على عدوه(٨٨٥) وعيبة علمه ووارث حكمه(٨٨٦) وولي عهده، وصاحب الأمر من بعده(٨٨٧)

____________________

(٨٨٤) لأجل الاطلاع على ذلك راجع كتاب: المراجعات وكتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٤٩٨ و ٧٣٩) وسوف يأتي الحديث أيضا.

(٨٨٥) كما في بدر الكبرى واحد وحنين والأحزاب، وهو صاحب لوائه في كل حروبه.

(٨٨٦) راجع كتاب المراجعات وكتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥٥٨ و ٥٥٩).

(٨٨٧) راجع كتاب المراجعات لشرف الدين وكتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥١٧ و ٥١٨ و ٥٢٠ و ٥٢١ و ٥٢٣ و ٥٢٤ و ٥٢٥ و ٥٢٦ و ٥٢٧ و ٥٣٧ و ٦٢٢ و ٢٦٢ (*).

٥٧٨

ومن ألم ممعنا في أقواله وأفعاله، في حله وترحاله، يجد الكثير منها متواليا في الدلالة على ذلك، من أول أمره إلى منتهى عمره.

وقد استمر في بثها بأساليبه الحكيمة العظيمة ثلاثا وعشرين سنة، منذ بعث بالحق إلى أن لحق بالرفيق الأعلى، يشيد بخصائصه فيرفع بذلك ذكره، ويوليه من الثناء عليه في كل مناسبة ما يعظم به قدره.

وقد صدع بالنص عليه في أوائل بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ظهور دعوته في مكة، حين أنذر عشيرته الأقربين على عهد شيخ البطحاء وبيضة البلد عمه أبي طالب في داره، فقال لهم - وقد أخذ برقبة علي وهو أصغر القوم سنا -: " ان هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. " الحديث(٨٨٨) .

____________________

(٨٨٨) أوردناه - مع الاشارة إلى أسانيده ومصادره من كتب الجمهور - في المراجعة ٢٠ وأثبتنا تصحيح الجمهور له في المراجعة ٢٢ من كتاب المراجعات، فلا يفوتن باحثا مراجعتهما معا فان هناك الفوائد والعوائد. ولا تنس ما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعشيرته الأقربين - وفيهم أعمامه أبو طالب وغيره -: فاسمعوا له وأطيعوا، من وجوب السمع والطاعة عليهم كافة لعلى في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر الذي دل على انه كان من يومئذ من رسول الله بمنزلة هارون من موسى الا أنه ليس بنبي (منه قدس).

حديث الدار يوم الانذار: هذا من صحاح السنن المأثورة. راجع: تاريخ الطبري ج ٢ / ٣١٩ - ٣٢١، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ٦٢ و ٦٣، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٣ / ٢١٠ و ٢٤٤ وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل، السيرة الحلبية ج ١ / ٣١١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤١ و ٤٢، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ٣٧١ ح ٥١٤ و ٥٨٠، كنز العمال ج ١٥ / ١١٥ ح ٣٣٤ ط ٢، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج١ / ٨٥ح ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤١، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص ١٠٤ الطبعة الأولى =>

٥٧٩

ولم يزل بعدها يدلل على خلافته، تارة بدلالة المطابقة نصا كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله - حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك: - " انه لا ينبغي أن أذهب الا وأنت خليفتي "(٨٨٩) .

____________________

=> سنة ١٣٥٤ ه‍ وفى الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب. حذف من الحديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " وان يكون أخي ووصى وخليفتي فيكم ".

ومن راجع الطبعة الأولى والطبعات التي بعدها وراجع جريدة السياسة المصرية لمحمد حسين هيكل ملحق عدد (٢٧٥١) بتاريخ ١٢ ذي القعدة سنة ١٣٥٠ ه‍ ص ٥ وص ٦ من ملحق عدد (٢٧٨٥) رأى الحقيقة كاملة فانه في الطبعة الأولى والجريدة ذكر الحديث تاما وفى الطبعات الأخرى من الكتاب حرفه.

كما ان الطبري ذكر هذا الحديث في تفسيره ج ١٩ / ١٢١ ط ٢ ولكن المؤلف أو الطابع حرف آخر الحديث وذكر بدله " ان هذا أخي وكذا وكذا ". وذكر الحديث أيضا: الجاوي في التفسير المنير لمعالم التنزيل ج ٢ / ١١٨ ط ٣، الخازن في تفسيره ج ٣ / ٣٧١ و ٣٩٠. ولأجل المزيد على بقية المصادر راجع كتاب المراجعات وكتاب سبيل النجاة تحت رقم (٤٥٩) ففيه كفاية.

(٨٨٩) تجد هذا النص بعين لفظه في حديث صحيح عظيم فيه بضع عشرة خصيصة من خصائص على كل خصيصة منها ترشحه أو تنص عليه بالإمامة، أوردناه في المراجعة ٢٦ من كتاب المراجعات.

وقد كان بيننا وبين شيخ الإسلام البشرىرحمه‌الله تعالى مناظرات ومحاضرات حول هذا الحديث من كل نواحيه تبادلنا فيها الإنصاف والحب والإخلاص للفهم والعلم واتباع الحق لا نألوا جهدا ولا ندخر وسعا حتى لم نبق شبهة ولله الحمد الا أدينا فيها حقه، فلتراجع مناضراتنا هذه في المراجعة المذكورة وما بعدها إلى نهاية المراجعة ٣٤.

ووصيتي إلى الباحثين من أولى الألباب أن لا يفوتنهم شئ من ذلك الا وسعوه تدبرا وأمعانا، فعسى أن تقر بذلك عيون المؤمنين وتنشرح صدورهم في كل ما ثمة من أبحاث ولاسيما حول حديث المنزلة وعمومها ودلالته، وانه صور عليا وهارون في الأرض كالفرقدين في السماء (منه قدس) =>

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629