النص والاجتهاد

النص والاجتهاد9%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165903 / تحميل: 7983
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

قوله تعالى: ( إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ ) استثناء من المفعول المحذوف لقوله السابق:( فَذَكِّرْ ) و التقدير فذكّر الناس إلّا من تولّى منهم عن التذكرة و كفر إذ تذكرته لغو لا فائدة فيها، و معلوم أنّ التولّي و الكفر إنّما يكون بعد التذكرة فالمنفيّ بالاستثناء هو التذكرة بعد التذكرة كأنّه قيل: ذكّرهم و أدم التذكرة إلّا لمن ذكّرته فتولّى عنها و كفر، فليس عليك إدامة تذكرته بل أعرض عنه فيعذّبه الله العذاب الأكبر.

فقوله:( فَذَكِّرْ - إلى أن قال -إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ) في معنى قوله:( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى‏ - إلى أن قال -وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) الأعلى: 12 و قد تقدّم بيانه.

و قيل: الاستثناء من ضمير( عَلَيْهِمْ ) في قوله:( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) و المعنى لست عليهم بمتسلّط إلّا على من تولّى منهم عن التذكرة و أقام على الكفر فسيُسلّطك الله عليه و يأمرك بالجهاد فتقاتله فتقتله.

و قيل: الاستثناء منقطع و المعنى لست عليهم بمتسلّط لكنّ من تولّى و كفر منهم يعذّبه الله العذاب الأكبر، و ما قدّمناه من الوجه أرجح و أقرب.

قوله تعالى: ( فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ) هو عذاب جهنّم فالآية كما تقدّم محاذية لقوله في سورة الأعلى( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ) الإياب الرجوع و( إِلَيْنا ) خبر إنّ و إنّما قدّم للتأكيد و لرعاية الفواصل دون الحصر إذ لا قائل برجوع الناس إلى غير الله سبحانه و الآية في مقام التعليل للتعذيب المذكور في الآية السابقة.

قوله تعالى: ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) الكلام فيه كالكلام في الآية السابقة.

٤٠١

( بحث روائي‏)

في المجمع، و قال أبوعبداللهعليه‌السلام : كلّ ناصب و إن تعبّد و اجتهد يصير إلى هذه الآية( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً ) .

أقول: و رواه في ثواب الأعمال، مسنداً و لفظه: كلّ ناصب و إن تعبّد و اجتهد يصير إلى هذه الغاية( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً ) .

و فيه، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الضريع شي‏ء في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر و أنتن من الجيفة و أشدّ حرّاً من النار سمّاه الله الضريع.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً ) قال: الهزل و الكذب.

و فيه،: في قوله تعالى:( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) قال: بحافظ و لا كاتب عليهم.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و عبد بن حميد و مسلم و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و ابن جرير و الحاكم و ابن مردويه و البيهقيّ في الأسماء و الصفات عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُمرت أن اُقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلّا الله فإذا قالوها عصموا منيّ دماءهم و أموالهم إلّا بحقّها و حسابهم على الله ثمّ قرأ( فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) .

أقول: لا دلالة في الرواية على كون الاستثناء من ضمير( عَلَيْهِمْ ) و هو ظاهر.

و فيه، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ ) يريد من لم يتّعظ و لم يصدّقك و جحد ربوبيّتي و كفر نعمتي( فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ) يريد الغليظ الشديد الدائم( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ) يريد مصيرهم( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) يريد جزاءهم.

و في النهج: و سئلعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرتهم. قيل: فكيف يحاسبهم و لا يرونه؟ قال: كما يرزقهم و لا يرونه.

٤٠٢

و فيه، قال الصادقعليه‌السلام : كلّ اُمّة يحاسبها إمام زمانها، و يعرف الأئمّة أولياءهم و أعداءهم بسيماهم و هو قوله:( وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ‏ ) الحديث.

أقول: قد تقدّم توضيح معنى الحديث في تفسير الآية من سورة الأعراف، و روي هذا المعنى في البصائر، عن الصادقعليه‌السلام مسنداً و في الكافي، عن الباقر و الكاظمعليهما‌السلام و في الفقيه، عن الهاديعليه‌السلام في الزيارة الجامعة.

٤٠٣

( سورة الفجر مكّيّة و هي ثلاثون آية)

( سورة الفجر الآيات 1 - 30)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ ( 1 ) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ( 2 ) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ( 3 ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( 4 ) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ( 5 ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ( 6 ) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ( 7 ) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ( 8 ) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ( 9 ) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ( 10 ) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ( 11 ) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ( 12 ) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ( 13 ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ( 14 ) فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ( 15 ) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( 16 ) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ( 17 ) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( 18 ) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا ( 19 ) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ( 20 ) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ( 21 ) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ( 22 ) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ ( 23 ) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ( 24 ) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ( 25 ) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ( 26 ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( 27 ) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ( 28 ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( 29 ) وَادْخُلِي جَنَّتِي ( 30 )

٤٠٤

( بيان‏)

في السورة ذمّ التعلّق بالدنيا المتعقّب للطغيان و الكفران و إيعاد أهله بأشدّ عذاب الله في الدنيا و الآخرة فتبيّن أنّ الإنسان لقصور نظره و سوء فكره يرى أنّ ما آتاه الله من نعمه من كرامته على الله و أنّ ما يتلبّس به من الفقر و العدم من هوانه فيطغى و يفسد في الأرض إذا وجد و يكفر إذا فقد و قد اشتبه عليه الأمر فما يصيبه من القدرة و الثروة و من الفقر و ضيق المعاش امتحان و ابتلاء إلهيّ ليظهر به ما ذا يقدّم من دنياه لاُخراه.

فليس الأمر على ما يتوهّمه الإنسان و يقوله بل الأمر كما سيتذكره إذا وقع الحساب و حضر العذاب أنّ ما أصابه من فقر أو غنى أو قوّة أو ضعف كان امتحاناً إلهيّاً و كان يمكنه أن يقدّم من يومه لغده فلم يفعل و آثر العقاب على الثواب فليس ينال الحياة السعيدة في الآخرة إلّا النفس المطمئنّة إلى ربّها المسلمة لأمره الّتي لا تتزلزل بعواصف الابتلاءات و لا يطغيه الوجدان و لا يكفره الفقدان.

و السورة مكّيّة بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: ( وَ الْفَجْرِ وَ لَيالٍ عَشْرٍ وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) الفجر الصبح و الشفع الزوج، قال الراغب: الشفع ضمّ الشي‏ء إلى مثله و يقال للمشفوع شفع. انتهى. و سري الليل مضيّه و إدباره، و الحجر العقل فقوله:( وَ الْفَجْرِ ) إقسام بالصبح و كذا الحال فيما عطف عليه من ليال و الشفع و الوتر و اللّيل.

و لعلّ ظاهر قوله:( وَ الْفَجْرِ ) أنّ المراد به مطلق الفجر و لا يبعد أيضاً أن يراد به فجر يوم النحر و هو عاشر ذي الحجّة.

و قيل: المراد فجر ذي الحجّة، و قيل: فجر المحرّم أوّل السنة و قيل: فجر يوم الجمعة، و قيل فجر ليلة جمع، و قيل: المراد به صلاة الفجر، و قيل: النهار كلّه

٤٠٥

و قيل: فجر العيون من الصخور و غيرها و هي وجوه رديّة.

و قوله:( وَ لَيالٍ عَشْرٍ ) لعلّ المراد بها الليالي العشر من أوّل ذي الحجّة إلى عاشرها و التنكير للتفخيم.

و قيل: المراد بها الليالي العشر من آخر شهر رمضان، و قيل: الليالي العشر من أوّله، و قيل الليالي العشر من أوّل المحرّم، و قيل: المراد عبادة ليال عشر على تقدير أن يراد بالفجر صلاة الفجر.

و قوله( وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ) يقبل الانطباق على يوم التروية و يوم عرفة و هو الأنسب على تقدير أن يراد بالفجر و ليال عشر فجر ذي الحجّة و العشر الأوّل من لياليها.

و قيل: المراد صلاتاً الشفع و الوتر في آخر الليل، و قيل: مطلق الصلاة فمنها شفع و منها وتر، و قيل: الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة، و قيل: الشفع جميع الخلق لأنّه قال:( وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ) النبأ: 8 و الوتر هو الله تعالى، و على هذه الأقوال روايات ستوافيك في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله.

و قيل: المراد الزوج و الفرد من العدد، و في الإقسام بهما تذكير بالعدد لما في ضبط المقادير به من عظيم النعمة من الله سبحانه، و قيل: الشفع و الوتر جميع المخلوقات لأنّ الأشياء إمّا زوج و إمّا فرد، و قيل: الوتر آدم شفع بزوجته، و قيل: الشفع الأيّام و الليالي و الوتر اليوم الّذي لا ليل بعده و هو يوم القيامة، و قيل: الشفع الصفا و المروة و الوتر البيت الحرام، و قيل: الشفع أيّام عاد و الوتر لياليها، و قيل: الشفع أبواب الجنّة و هي ثمانية و الوتر أبواب جهنّم و هي سبعة إلى غير ذلك و هي كثيرة أنّهاها بعضهم إلى ستّة و ثلاثين قولاً و لا يخلو أكثرها من تحكّم.

و قوله:( وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ) أي يمضي فهو كقوله:( وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) المدّثر: 33 و ظاهره أنّ اللّام للجنس فالمراد به مطلق آخر الليل، و قيل: المراد به ليلة المزدلفة و هي ليلة النحر الّتي يسري فيها الحاجّ من عرفات إلى المزدلفة فيجتمع فيها على طاعة الله ثمّ يغدوا منها إلى منى و هو كما ترى و خاصّة على القول بكون المراد بليال

٤٠٦

عشر هو الليالي العشر الأوائل منها.

و قوله:( هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) الإشارة بذلك إلى ما تقدّم من القسم، و الاستفهام للتقرير، و المعنى أنّ في ذلك الّذي قدّمناه قسماً كافياً لمن له عقل يفقه به القول و يميّز الحقّ من الباطل، و إذا أقسم الله سبحانه بأمر - و لا يقسم إلّا بما له شرف و منزلة - كان من القول الحقّ المؤكّد الّذي لا ريب في صدقه.

و جواب الأقسام المذكورة محذوف يدلّ عليه ما سيذكر من عذاب أهل الطغيان و الكفران في الدنيا و الآخرة و ثواب النفوس المطمئنّة، و أنّ إنعامه تعالى على من أنعم عليه و إمساكه عنه فيمن أمسك إنّما هو ابتلاء و امتحان.

و حذف الجواب و الإشارة إليه على طريق التكنية أوقع و آكد في باب الإنذار و التبشير.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ) هم عاد الاُولى قوم هود تكرّرت قصّتهم في القرآن الكريم و اُشير إلى أنّهم كانوا بالأحقاف، و قد قدّمنا ما يتحصّل من قصصهم في القرآن الكريم في تفسير سورة هود.

قوله تعالى: ( إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ ) العماد و جمعه عمد ما يعتمد عليه الأبنية، و ظاهر الآيتين أنّ إرم كانت مدينة لهم معمورة عديمة النظير ذات قصور عالية و عمد ممدّدة، و قد انقطعت أخبار القوم عهدهم و انمحت آثارهم، فلا سبيل إلى الحصول على تفصيل حالهم تطمئنّ إليها النفس إلّا ما قصّة القرآن الكريم من إجمال قصّتهم أنّهم كانوا بعد قوم نوح قاطنين بالأحقاف و كانوا ذوي بسطة في الخلق اُولي قوّة و بطش شديد، و كان لهم تقدّم و رقي في المدنيّة و الحضارة لهم بلاد عامرة و أراض خصبة ذات جنّات و نخيل و زروع و مقام كريم و قد تقدّمت القصّة.

و قيل: المراد بإرم قوم عاد - و هو في الأصل اسم أبيهم سمّوا باسم أبيهم كما يقال: قريش و يراد به القرشيّون و يطلق إسرائيل و يراد به بنو إسرائيل - و المراد بكونهم ذات عماد كونهم اُولي قوّة و سطوة.

٤٠٧

و المعنى: أ لم تر كيف فعل ربّك بقوم عاد الّذين هم قوم إرم ذوو القوّة و الشدّة الّذين لم يخلق مثلهم في بسطة الجسم و القوّة و البطش في البلاد أو في أقطار الأرض و لا يخلو من بعد من ظاهر اللفظ.

و أبعد منه ما قيل: إنّ المراد بكونهم ذات العماد أنّهم كانوا أهل عمد سيّارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم.

و من الأساطير قصّة جنّة إرم المشهورة المرويّة عن وهب بن منبّه و كعب الأحبار.

قوله تعالى: ( وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ ) الجوب القطع أي قطعوا صخر الجبال بنحتها بيوتاً فهو في معنى قوله:( وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ) الشعراء: 149.

قوله تعالى: ( وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ) هو فرعون موسى، و سمّي ذا الأوتاد - على ما في بعض الروايات - لأنّه كان إذا أراد أن يعذّب رجلاً بسطه على الأرض و وتد يديه و رجليه بأربعة أوتاد في الأرض و ربّما بسطه على خشب و فعل به ذلك، و يؤيّده ما حكاه الله من قوله يهدّد السحرة إذ آمنوا بموسى:( وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) طه: 71 فإنّهم كانوا يوتّدون يدي المصلوب و رجليه على خشبة الصليب.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ ) صفة للمذكورين من عاد و ثمود و فرعون، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ) صبّ الماء معروف و صبّ سوط العذاب كناية عن التعذيب المتتابع المتواتر الشديد، و تنكير عذاب للتفخيم.

و المعنى فأنزل ربّك على كلّ من هؤلاء الطاغين المكثرين للفساد إثر طغيانهم و إكثارهم الفساد عذاباً شديداً متتابعاً متوالياً لا يوصف.

قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) المرصاد المكان الّذي يرصد منه و يرقب و كونه تعالى على المرصاد استعارة تمثيليّة شبّه فيها حفظه تعالى لأعمال عباده بمن

٤٠٨

يقعد على المرصاد يرقب من يراد رقوبه فيأخذه حين يمرّ به و هو لا يشعر فالله سبحانه رقيب يرقب أعمال عباده حتّى إذا طغوا و أكثروا الفساد أخذهم بأشدّ العذاب.

و في الآية تعليل ما تقدّم من حديث تعذيب الطغاة المكثرين للفساد من الماضين و في قوله:( رَبَّكَ ) بإضافة الربّ إلى ضمير الخطاب تلويح إلى أنّ سنّة العذاب جارية في اُمّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما جرت عليه في الاُمم الماضين.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) متفرّع على ما قبله، فيه تفصيل حال الإنسان إذا اُوتي من نعم الدنيا أو حرم كأنّه قيل: إنّ الإنسان تحت رقوب إلهيّ يرصده ربّه هل يصلح أو يفسد؟ و يبتليه و يمتحنه فيما آتاه من نعمة أو حرمة هذا هو الأمر في نفسه و أمّا الإنسان فإنّه إذا أنعم الله عليه بنعمة حسب أنّ ذلك إكرام إلهيّ له أن يفعل بها ما يشاء فيطغى و يكثر الفساد، و إذا أمسك و قدر عليه رزقه حسب أنّه إهانة إلهيّة فيكفر و يجزع.

فقوله:( فَأَمَّا الْإِنْسانُ ) المراد به النوع بحسب الطبع الأوّليّ فاللّام للجنس دون الاستغراق.

و قوله:( إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ) أي امتحنه و اختبره، و العامل في الظرف محذوف تقديره كائنا إذا إلخ و قيل: العامل فيه( فَيَقُولُ ) .

و قوله:( فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ ) تفسير للابتلاء، و المراد بالإكرام و التنعيم الصوريّان و إن شئت فقل: الإكرام و التنعيم حدوثاً لا بقاء أي إنّه تعالى أكرمه و آتاه النعمة ليشكره و يعبده لكنّه جعلها نقمة على نفسه تستتبع العذاب.

و قوله:( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) أي جعلني على كرامة منه بالنعم الّتي آتانيها و إن شئت فقل: القدرة و الجدة الموهوبتان إكرام و تنعيم حدوثاً و بقاء فلي أن أفعل ما أشاء.

و الجملة أعني قوله:( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) حكاية ما يراه الإنسان بحسب الطبع، و قول الإنسان:( رَبِّي أَكْرَمَنِ ) الظاهر في نسبة التدبير إلى الله سبحانه

٤٠٩

- و لا يقول به الوثنيّة و المنكرون للصانع - مبنيّ على اعترافه بحسب الفطرة به تعالى و إن استنكف عنه لساناً، و أيضاً لرعاية المقابلة مع قوله:( إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ) .

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ) أي و أمّا إذا ما امتحنه و اختبره فضيق عليه رزقه فيقول ربّي أذلّني و استخفّ بي.

و يظهر من مجموع الآيتين أوّلاً حيث كرّر الابتلاء و أثبته في صورتي التنعيم و الإمساك عنه أنّ إيتاء النعم و الإمساك عنه جميعاً من الابتلاء و الامتحان الإلهيّ كما قال:( وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً ) الأنبياء: 35 لا كما يراه الإنسان.

و ثانياً أنّ إيتاء النعم بما أنّه فضل و رحمة إكرام إن لم يبدّلها الإنسان نقما على نفسه.

و ثالثاً أنّ الآيتين معاً تفيدان أنّ الإنسان يرى سعادته في الحياة هي التنعّم في الدنيا بنعم الله تعالى و هو الكرامة عنده و الحرمان منه شقاء عنده و الحال أنّ الكرامة هي في التقرّب إليه تعالى بالإيمان و العمل الصالح سواء في ذلك الغنى و الفقر و أي وجدان و فقدان فإنّما ذلك بلاء و امتحان.

و لهم في معنى الآيتين وجوه اُخر تركنا التعرّض لها لقلّة الجدوى.

قوله تعالى: ( كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) ردع لقولهم: إنّ الكرامة هي في الغنى و التنعّم، و في الفقر و الفقدان هوان و مذلّة، و المعنى ليس كما تقولون و إنّما إيتاؤه تعالى النعمة و إمساكه عنه كلّ ذلك ابتلاء و امتحان يختبر به حال الإنسان من حيث عبوديّته.

و في قوله:( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) إلخ إضراب يؤكّد الردع بذكر بعض التنعّم الّذي لا يجامع الكرامة البتّة كعدم إكرامهم اليتيم بأكل تراثه و منعه منه و عدم التحريض على إطعام المسكين حبّاً للمال فالفطرة الإنسانيّة لا يرتاب في أن لا كرامة في غنى هذا شأنه.

و في الإضراب مضافاً إلى أصل الردع تقريع و لتشديد هذا التقريع وقع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.

٤١٠

فقوله:( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) عدم إكرامه حرمانه من تراث أبيه - كما كانوا يحرمون صغار الأولاد من الإرث - و تركه صفر الكفّ بلغ به الجهد ما بلغ كما تؤيّده الآية التالية( وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ ) إلخ.

و قوله:( وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) أصله و لا تتحاضّون، و هو تحريض بعضهم بعضاً على التصدّق على المساكين المعدمين، و منشأه حبّ المال كما في الآية الآتية( وَ تُحِبُّونَ الْمالَ ) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا ) اللمّ أكل الإنسان نصيب نفسه و غيره و أكله ما يجده من دون أن يميّز الطيّب من الخبيث، و الآية تفسير لعدم إكرامهم اليتيم كما تقدّم.

قوله تعالى: ( وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا ) الجمّ الكثير العظيم، و الآية تفسّر عدم تحاضّهم على طعام المسكين كما تقدّم.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) الدكّ هو الدقّ الشديد، و المراد بالظرف حضور يوم القيامة.

ردع ثان عمّا يقوله الإنسان في حالي الغنى و الفقر، و قوله:( إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ ) إلخ في مقام التعليل للردع، و محصّل المعنى ليس كما يقوله الإنسان فإنّه سيتذكّر إذا قامت القيامة إنّ الحياة الدنيا و ما فيها من الغنى و الفقر و أضرابهما لم تكن مقصودة بالذات بل كانت ابتلاء و امتحاناً من الله تعالى يميّز به السعيد من الشقيّ و يهيّئ الإنسان فيها ما يعيش به في الآخرة و قد التبس عليه الأمر فحسبها كرامة مقصودة بالذات فاشتغل بها و لم يقدّم لحياته الآخرة شيئاً فيتمنّى عند ذلك و يقول: يا ليتني قدّمت لحياتي و لن يصرف التمنّي عنه شيئاً من العذاب.

قوله تعالى: ( وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) نسبة المجي‏ء إليه تعالى من المتشابه الّذي يحكمه قوله تعالى:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ) الشورى: 11 و ما ورد في آيات القيامة من خواصّ اليوم كتقطّع الأسباب و ارتفاع الحجب عنهم و ظهور أنّ الله هو الحقّ المبين.

٤١١

و إلى ذلك يرجع ما ورد في الروايات أنّ المراد بمجيئه تعالى مجي‏ء أمره قال تعالى:( وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) الانفطار: 19، و يؤيّد هذا الوجه بعض التأييد قوله تعالى( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ ) البقرة: 210 إذا انضمّ إلى قوله:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) النحل: 33 و عليه فهناك مضاف محذوف و التقدير جاء أمر ربّك أو نسبة المجي‏ء إليه تعالى من المجاز العقليّ.

و الكلام في نسبة المجي‏ء إلى الملائكة و كونهم صفّا صفّا كما مرّ.

قوله تعالى: ( وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) إلى آخر الآية لا يبعد أن يكون المراد بالمجي‏ء بجهنّم إبرازها لهم كما في قوله تعالى:( وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى‏ ) النازعات: 36 و قوله:( وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) الشعراء: 91، و قوله:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق: 22.

و قوله:( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ) أي يتذكّر أجلى التذكّر أنّ ما كان يؤتاه في الحياة الدنيا من خير أو شرّ كان من ابتلاء الله و امتحانه و أنّه قصر في أمره، هذا ما يفيده السياق.

و قوله:( وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى) أي و من أين له الذكرى كناية عن عدم انتفاعه بها فإنّ الذكرى إنّما تنفع فيما أمكنه أن يتدارك ما فرّط فيه بتوبة و عمل صالح و اليوم يوم الجزاء لا يوم الرجوع و العمل.

قوله تعالى: ( يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ) أي لحياتي هذه و هي الحياة الآخرة أو المراد الحياة الحقيقيّة و هي الحياة الآخرة على ما نبّه تعالى عليه بقوله:( وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) العنكبوت: 64.

و المراد بالتقديم للحياة تقديم العمل الصالح للحياة الآخرة و ما في الآية تمنّ يتمنّاه الإنسان عند ما يتذكّر يوم القيامة و يشاهد أنّه لا ينفعه.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ ) ضميراً عذابه

٤١٢

و وثاقه لله تعالى و المعنى فيومئذ لا يعذّب عذاب الله أحد من الخلق و لا يوثق وثاق الله أحد من الخلق أي إنّ عذابه و وثاقه تعالى يومئذ فوق عذاب الخلق و وثاقهم، تشديد في الوعيد.

و قرئ( لا يُعَذِّبُ ) بفتح الذال و( وَ لا يُوثِقُ ) بفتح الثاء بالبناء للمفعول و ضميراً عذابه و وثاقه على هذا للإنسان و المعنى لا يعذّب أحد يومئذ مثل عذاب الإنسان و لا يوثق أحد يومئذ مثل وثاقه.

قوله تعالى: ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) الّذي يعطيه سياق المقابلة بين هذه النفس بما ذكر لها من الأوصاف و عيّن لها من حسن المنقلب و بين الإنسان المذكور قبل بما ذكر له من وصف التعلّق بالدنيا و الطغيان و الفساد و الكفران، و ما اُوعد من سوء المصير هو أنّ النفس المطمئنّة هي الّتي تسكن إلى ربّها و ترضى بما رضي به فترى نفسها عبداً لا يملك لنفسه شيئاً من خير أو شرّ أو نفع أو ضرّ و يرى الدنيا دار مجاز و ما يستقبله فيها من غنى أو فقر أو أيّ نفع و ضرّ ابتلاء و امتحاناً إلهيّاً فلا يدعوه تواتر النعم عليه إلى الطغيان و إكثار الفساد و العلوّ و الاستكبار، و لا يوقعه الفقر و الفقدان في الكفر و ترك الشكر بل هو في مستقرّ من العبوديّة لا ينحرف عن مستقيم صراطه بإفراط أو تفريط.

قوله تعالى: ( ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) خطاب ظرفه جميع يوم القيامة من لدن إحيائها إلى استقرارها في الجنّة بل من حين نزول الموت إلى دخول جنّة الخلد و ليس خطاباً واقعاً بعد الحساب كما ذكره بعضهم.

و توصيفها بالراضية لأنّ اطمئنانها إلى ربّها يستلزم رضاها بما قدّر و قضى تكويناً أو حكم به تشريعاً فلا تسخطها سانحة و لا تزيغها معصية، و إذا رضي العبد من ربّه رضي الربّ منه إذ لا يسخطه تعالى إلّا خروج العبد من زيّ العبوديّة فإذا لزم طريق العبوديّة استوجب ذلك رضى ربّه و لذا عقّب قوله( راضِيَةً ) بقوله:( مَرْضِيَّةً ) .

قوله تعالى: ( فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي ) تفريع على قوله:( ارْجِعِي

٤١٣

إِلى‏ رَبِّكِ ) و فيه دلالة على أنّ صاحب النفس المطمئنّة في زمرة عباد الله حائز مقام العبوديّة.

و ذلك أنّه لمّا اطمأنّ إلى ربّه انقطع عن دعوى الاستقلال و رضي بما هو الحقّ من ربّه فرأى ذاته و صفاته و أفعاله ملكاً طلقاً لربّه فلم يرد فيما قدّر و قضى و لا فيما أمر و نهي إلّا ما أراده ربّه، و هذا ظهور العبوديّة التامّة في العبد ففي قوله:( فَادْخُلِي فِي عِبادِي ) تقرير لمقام عبوديّتها.

و في قوله:( وَ ادْخُلِي جَنَّتِي ) تعيين لمستقرّها، و في إضافة الجنّة إلى ضمير التكلّم تشريف خاصّ، و لا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنّة إلى نفسه تعالى و تقدّس إلّا في هذه الآية.

( بحث روائي‏)

في المجمع: في قوله تعالى:( وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ) ، و قيل: الشفع الخلق لأنّه قال:( وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً ) و الوتر الله تعالى: عن عطيّة العوفيّ و أبي صالح و ابن عبّاس و مجاهد و هي رواية أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قيل: الشفع و الوتر الصلاة منها شفع و منها وتر: و هي رواية عن ابن حصين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قيل: الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة: عن ابن عبّاس و عكرمة و الضحّاك، و هي رواية جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الوجه فيه أنّ يوم النحر يشفّع بيوم نفر بعده و يتفرّد يوم عرفة بالموقف، و قيل: الشفع يوم التروية و الوتر يوم عرفة: و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

أقول: الروايات الثلاث المشار إليها مرويّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق أهل السنّة و يمكن الجمع بينها بأنّ المراد مطلق الشفع و الوتر و الروايات من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق.

و في تفسير القمّيّ:( وَ لَيالٍ عَشْرٍ ) قال: عشر ذي الحجّة( وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ) قال: الشفع ركعتان و الوتر ركعة، و في حديث: الشفع الحسن و الحسين و الوتر أمير

٤١٤

المؤمنينعليهم‌السلام ( وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ) قال: هي ليلة جمع.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( لِذِي حِجْرٍ ) يقول: لذي عقل.

و في العلل، بإسناده إلى أبان الأحمر قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ) لأيّ شي‏ء سمّي ذا الأوتاد؟ فقال: لأنّه كان إذا عذّب رجلاً بسطه على الأرض على وجهه و مدّ يديه و رجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض. و ربّما بسطه على خشب منبسط فوتّد رجليه و يديه بأربعة أوتاد ثمّ تركه على حاله حتّى يموت فسمّاه الله عزّوجلّ فرعون ذا الأوتاد.

و في المجمع: في قوله تعالى:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) وروي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: إنّ معناه أنّ ربّك قادر أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم.

أقول: بناء الرواية على أخذ الجملة استعارة تمثيليّة.

و فيه، عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد.

و عن الغوالي، عن الصادقعليه‌السلام في حديث في تفسير قوله تعالى:( وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنّما ظنّ بمعنى استيقن أنّ الله تعالى لن يضيّق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله تعالى:( وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أي ضيّق عليه.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) قال: هي الزلزلة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تدرون ما تفسير هذه الآية( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ - إلى قوله -وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) قال: إذا كان يوم القيامة تقاد جهنّم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك فتشرد شردة لو لا أنّ الله حبسها لأحرقت السماوات و الأرض.

أقول: و هو مرويّ أيضاً عن أبي سعيد و ابن مسعود و من طرق الشيعة في أمالي

٤١٥

الشيخ، بإسناده عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه عن عليّعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في العيون، في باب ما جاء عن الرضا من أخبار التوحيد بإسناده عن عليّ بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فقال: إنّ الله سبحانه لا يوصف بالمجي‏ء و الذهاب تعالى عن الانتقال إنّما يعني بذلك و جاء أمر ربّك.

و في الكافي، بإسناده عن سدير الصيرفيّ قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: لا و الله إنّه إذا أتاه ملك الموت ليقبض روحه جزع عند ذلك فيقول ملك الموت: يا وليّ الله لا تجزع فوالّذي بعث محمّداً لأنّي أبرّ بك و أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر.

قال: و يمثّل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ذرّيّتهمعليهم‌السلام فيقال له: هذا رسول الله و أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّةعليهم‌السلام رفقاؤك.

قال: فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل ربّ العزّة فيقول: يا أيّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد و أهل بيته ارجعي إلى ربّك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب فادخلي في عبادي يعني محمّداً و أهل بيته و ادخلي جنّتي فما من شي‏ء أحبّ إليه من استلال روحه و اللحوق بالمنادي.

أقول: و روى هذا المعنى القمّيّ في تفسيره و البرقيّ في المحاسن.

٤١٦

( سورة البلد مكّيّة و هي عشرون آية)

( سورة البلد الآيات 1 - 20)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ( 1 ) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ( 2 ) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ( 3 ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ( 4 ) أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ( 5 ) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا ( 6 ) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ( 7 ) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ( 8 ) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ( 9 ) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ( 10 ) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( 11 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ( 12 ) فَكُّ رَقَبَةٍ ( 13 ) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ( 14 ) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ( 15 ) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ( 16 ) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ( 17 ) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 18 ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 19 ) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ( 20 )

( بيان‏)

تذكر السورة أنّ خلقة الإنسان مبنيّة على التعب و المشقّة فلا تجد شأناً من شؤن الحياة إلّا مقروناً بمرارة الكدّ و التعب من حين يلج في جثمانه الروح إلى أن يموت فلا راحة له عارية من التعب و المشقّة و لا سعادة له خالصة من الشقاء و المشأمة إلّا في الدار الآخرة عند الله.

فليتحمّل ثقل التكاليف الإلهيّة بالصبر على الطاعة و عن المعصية و ليجدّ في نشر الرحمة على المبتلين بنوائب الدهر كاليتم و الفقر و المرض و أضرابها حتّى يكون

٤١٧

من أصحاب الميمنة و إلّا فآخرته كاُولاه و هو من أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة.

و سياق آيات السورة، يشبه السياق المكّيّ فيؤيّد به كون السورة مكّيّة و قد ادّعى بعضهم عليه الإجماع، و قيل: السورة مدنيّة و السياق لا يساعد عليه، و قيل: مدنيّة إلّا أربع آيات من أوّلها و سيأتي في البحث الروائيّ التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ) ذكروا أنّ المراد بهذا البلد مكّة و تؤيّده مكّيّة سياق السورة و قوله:( وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ ) خاصّة بناء على كون المراد بوالد هو إبراهيمعليه‌السلام على ما سيجي‏ء.

قوله تعالى: ( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) حال من هذا البلد، و وضع الظاهر موضع الضمير في قوله:( بِهذَا الْبَلَدِ ) للدلالة على عظم شأنه و الاعتناء بأمره و هو البلد الحرام، و الحلّ مصدر كالحلول بمعنى الإقامة و الاستقرار في مكان و المصدر بمعنى الفاعل.

و المعنى اُقسم بهذا البلد و الحال أنك حالٌ به مقيم فيه و في ذلك تنبيه على تشرّف مكّة بحلولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها و كونها مولده و مقامه.

و قيل: الجملة معترضة بين القسم و المقسم به و المراد بالحلّ المستحلّ الّذي لا حرمة له قال في الكشاف: و اعترض بين القسم و المقسم عليه بقوله:( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) يعني و من المكابدة أنّ مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام كما يستحلّ الصيد في غير الحرم - عن شرحبيل - يحرّمون أن يقتلوا بها صيداً و يعضدوا(1) بها شجرة و يستحلّون إخراجك و قتلك، و فيه تثبيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بعث على‏ احتمال ما كان يكابد من أهل مكّة و تعجيب من حالهم في عداوته انتهى.

ثمّ قال: أو سلّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقسم ببلده أنّ الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد و اعترض بأن وعده فتح مكّة تتميماً للتسلية و التنفيس عنه فقال:( وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) يعني و أنت حلّ به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل و الأسر إلى آخر ما قال، و محصّله تفسير الحلّ بمعنى المحلّ ضدّ المحرم، و المعنى و سنحلّ لك يوم فتح مكّة حيناً فنقاتل و تقتل فيه من شئت.

____________________

(1) عضد الشجرة: قطعها و نثر ورقها للإبل. و شرحبيل راوي الحديث.

٤١٨

قوله تعالى: ( وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ ) لزوم نوع من التناسب و الارتباط بين القسم و المقسم عليه يستدعي أن يكون المراد بوالد و ما ولد من بينه و بين البلد المقسم به نسبة ظاهرة و ينطبق على إبراهيم و ولده إسماعيلعليهما‌السلام و هما السببان الأصليّان لبناء بلدة مكّة و البانيان للبيت الحرام قال تعالى:( وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ ) البقرة: 127 و إبراهيمعليه‌السلام هو الّذي سأل الله أن يجعل مكّة بلداً آمنا قال تعالى:( وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) إبراهيم: 35. و تنكير( والِدٍ ) للتعظيم و التفخيم، و التعبير بقوله( وَ ما وَلَدَ ) دون أن يقال: و من ولد، للدلالة على التعجيب من أمره مدحاً كما في قوله:( وَ اللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ ) آل عمران: 36.

و المعنى و اُقسم بوالد عظيم الشأن هو إبراهيم و ما ولد من ولد عجيب أمره مبارك أثره و هو إسماعيل ابنه و هما البانيان لهذا البلد فمفاد الآيات الثلاث الإقسام بمكّة المشرّفة و بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي هو حلّ فيها و بإبراهيم و إسماعيل اللّذين بنياها.

و قيل: المراد بالوالد إبراهيم و بما ولد جميع أولاده من العرب.

و فيه أنّ من البعيد أن يقارن الله سبحانه بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إبراهيمعليه‌السلام و بين أمثال أبي لهب و أبي جهل و غيرهم من أئمّة الكفر فيقسم بهم جميعاً في سياق، و قد تبرّأ إبراهيمعليه‌السلام ممّن لم يتّبعه من بنيه على التوحيد إذ قال فيما حكاه الله:( وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) إبراهيم: 36.

فعلى من يفسّر ما ولد بأولاد إبراهيم أن يخصّهم بالمسلمين من ذرّيّته كما في دعاء إبراهيم و إسماعيل عند بنائهما الكعبة على ما حكاه الله:( رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا ) البقرة: 128.

و قيل: المراد بوالد و ما ولد، آدمعليه‌السلام و ذرّيّته جميعاً بتقريب أنّ المقسم عليه بهذه الأقسام خلق الإنسان في كبد و قد سنّ الله في خلق هذا النوع و إبقاء وجوده سنّة الولادة فقد أقسم في هذه الآيات بمحصول هذه السنّة و هو الوالد و ما ولد على أنّ الإنسان في كدّ و تعب بحسب نوع خلقته من حين يحيى إلى حين يموت.

٤١٩

و هذا الوجه في نفسه لا بأس به لكن يبقى عليه بيان المناسبة بين بلدة مكّة و بين والد و كلّ مولود في الجمع بينهما في الأقسام.

و قيل: المراد بهما آدم و الصالحون من ذرّيّته، و كأنّ الوجه فيه تنزيهه تعالى من أن يقسم بأعدائه الطغاة و المفسدين من الكفّار و الفسّاق.

و قيل: المراد بهما كلّ والد و كلّ مولود و قيل: من يلد و من لا يلد منهم بأخذ( ما ) في( ما وَلَدَ ) نافية لا موصولة.

و قيل: المراد بوالد هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بما ولد اُمّته لأنّه بمنزلة الأب لاُمّته و هي وجوه بعيدة.

قوله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ ) الكبد الكدّ و التعب، و الجملة جواب القسم فاشتمال الكبد على خلق الإنسان و إحاطة الكدّ و التعب به في جميع شؤن حياته ممّا لا يخفى على ذي لبّ فليس يقصد نعمة من نعم الدنيا إلّا خالصة في طيبها محضة في هنائها و لا ينال شيئاً منها إلّا مشوبة بما ينغّص العيش مقرونة بمقاساة و مكابدة مضافاً إلى ما يصيبه من نوائب الدهر و يفاجئه من طوارق الحدثان.

قوله تعالى: ( أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ) بمنزلة النتيجة لحجّة الآية السابقة تقريرها أنّ الإنسان لمّا كانت خلقته مبنيّة على كبد مظروفة له لا ينال قطّ شيئاً ممّا يريد إلّا دون ما يريد أو غير ما يريد فهو محاط في خلقه مغلوب في إرادته مقهور فيما قدّر له من الأمر و الّذي يغلبه في إرادته و يقهره على التلبّس بما قدّر له و هو الله سبحانه يقدر عليه من كلّ جهة فله أن يتصرّف فيه بما شاء و يأخذه إذا أراد.

فليس للإنسان أن يحسب أن لن يقدر عليه أحد فيدعوه ذلك إلى أن يعلو على الله و يستكبر عن عبادته أو يعطيه في بعض ما أمر به كالإنفاق في سبيله فيستكثره و يمتنّ به على الله أو يمكر به تعالى بعد ما عمله رياء و سمعة عملاً لوجه الكريم فيقول: أهلكت مالاً لبدا.

قوله تعالى: ( يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ) اللبد الكثير، سياق الآية و ما يتلوها من الآيات إلى آخر السورة مشعر بأنه كان هناك بعض من أظهر الإسلام أو مال إليه

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

وأخرى بالالتزام البين بالمعنى الأخص كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله - وقد شكى بريدة إليه عليا -: " لا تقع في علي فانه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " هذا لفظه عند الإمام أحمد(٨٩٠) .

أما عند النسائي فلفظه: " لا تبغضن لي يا بريدة عليا، فان عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي "(٨٩١) .

وقد أخرجه الطبراني على سبيل التفصيل فقال: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله مغضبا: " ما بال أقوام ينتقصون عليا، من أبغض عليا فقد أبغضني، ومن فارق عليا فقد فارقني.

____________________

=> المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٣٢ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي وصححه مطبوع بذيل المستدرك، مسند أحمد ج ٥ / ٢٥ ح ٣٠٦٢ بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٦١ - ٦٤ ط الحيدرية وص ١٥ ط بيروت وص ٨ ط التقدم، ذخائر العقبى ص ٨٧، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٠ ط الحيدرية وص ١١٥ ط الغرى، المناقب للخوارزمي الحنفي ص ٧٢، الإصابة لابن حجر ج ٢ / ٥٠٩ ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٤ ط اسلامبول وص ٣٨ ط الحيدرية وج ١ / ٣٣ ط العرفان ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٨٣ ح ٢٤٩ و ٢٥٠ و ٢٥١، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٦٩ و ٢٧٠ ط ٢، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ١٠٦ ح ٤٣، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٣٠، الغدير للأميني ج ١ / ٥١ وج ٣ / ١٩٧، فرائد السمطين ج ١ / ٣٢٨ ح ٢٥٥.

(٨٩٠) مسند أحمد ج ٥ / ٣٥٦ ط الميمنية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٢٤ ط التقدم وص ٩٨ ط الحيدرية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٧، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ٣٦٩ ح ٤٦٦ و ٤٦٧ و ٤٦٨، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٤٥٠ ط ١ وج ٩ / ١٧٠ بتحقيق أبو الفضل، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٤١ وراجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥٢٠).

(٨٩١) خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٢٤ ط التقدم وص ٩٨ ط الحيدرية. (*)

٥٨١

ان عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي، وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، يا بريدة، أما علمت ان لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وانه وليكم بعدي ؟ ! "(٨٩٢) .

ومثله ما صح عن عمران بن حصين إذ روى: ان أربعة من أصحاب رسول الله تعاقدوا على شكاية علي، فقام أحدهم فقال يا رسول الله: ألم تر ان عليا صنع كذا وكذا فأعرض عنه، فقام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه فأعرض عنه، وقام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والغضب يبصر في وجهه فقال: " ما تريدون من علي ؟ ان عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي "(٨٩٣) .

ونحوه حديث وهب بن حمزة قال: - كما في ترجمة وهب من الإصابة -

____________________

(٨٩٢) مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٨، ينابيع المودة للقندوزي ص٢٧٢ ط اسلامبول وص ٣٢٦ ط الحيدرية. وقد تقدم تحت رقم (٧٣٨)

(٨٩٣) صحيح الترمذي ج ٥ / ٢٩٦ ح ٣٧٩٦ ط دار الفكر، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٩٧ ط الحيدرية وص ٣٨ ط بيروت وص ٢٣ ط مصر، المناقب للخوارزمي ص ٩٢، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١١١ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك، الإصابة لابن حجر ج ٢ / ٥٠٩، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٢ / ٤٥٠ ط ١، مسند أحمد ج ٤ / ٤٣٨، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٠ ط ١ وج ١٥ / ١٢٤ ح ٣٥٩ ط ٢، ينابيع المودة للقندوزي ص ٥٣ ط اسلامبول، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٥٨ ط السعيدية، حلية الأولياء ج ٦ / ٢٩٤، أسد الغابة ج ٤ / ٢٧، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ٣٨١ ح ٤٨٧ و ٤٨٨، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٢٥ ط ٢، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٧٥، جامع الأصول لابن الأثير ج ٩ / ٤٧٠، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٣٦ ط الحيدرية، الغدير ج ٣ / ٢١٦، مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ج ١ / ٤٨ وقد تقدم تحت رقم (٧٣٩) (*).

٥٨٢

سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فلما رجعت ذكرت عليا لرسول الله فنلت منه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لا تقولن هذا لعلي فانه وليكم بعدي "(٨٩٤) .

وأخرجه الطبراني في الكبير عن وهب غير انه قال: " لا تقل هذا لعلي فهو أولى الناس بكم بعدي "(٨٩٥) .

وقد يختصصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنص على علي بعض أوليائه من المخلصين كسلمان فيما رواه الطبراني عنه في الكبير إذ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " ان وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب "(٨٩٦) .

وقد يختص بعض من في قلوبهم مرض كبريدة فيما أخرجه عنه محمد بن حميد الرازي قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " لكل نبي وصي ووارث، وان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب"(٨٩٧) .

____________________

(٨٩٤) الإصابة لابن حجر ج ٣ / ٦٤١ ط السعادة وج ٣ / ٦٠٤ ط مصطفى محمد، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ٣٨٥ ح ٤٩١، ينابيع المودة للقندوزي ص ٥٥ ط اسلامبول وص ٦١ ط الحيدرية، الغدير للأميني ج ٣ / ٢١٦. وقريب منه في: أسد الغابة ج ٥ / ٩٤، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٩.

(٨٩٥) شكاية كل من بريدة، والأربعة المتعاقدين عليها، ووهب بن حمزة وغضب النبي منهم ورده عليهم كل ذلك في المراجعة ٣٦ من كتاب المراجعات فلا تفوتن الباحثين مراجعتها مع ما هو ثمة حولها (منه قدس). كنز العمال ج ٦ / ١٥٥ ح ٢٥٧٩ ط ١، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٩.

(٨٩٦) مجمع الزوائد ج ٩ / ١١٣، كنز العمال ج ٦ / ١٥٤ ح ٢٥٧٠ ط ١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٢، إحقاق الحق ج ٤ / ٧٥.

(٨٩٧) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ٥ =>

٥٨٣

وكأنس فيما رواه عنه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء إذ قال. قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر المحجلين، قال أنس: فجاء علي فقام إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستبشرا فاعتنقه وقال له: أنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي "(٨٩٨) .

وعن أنس أيضا، فيما أخرجه عنه الخطيب قال: " سمعت رسول الله يقول أنا وهذا - يعني عليا - حجة على أمتي يوم القيامة " تجده في ص ١٥٧ من الجزء ٦

____________________

=> ح ١٠٢١ و ١٠٢٢، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ٢٠٠ ح ٢٣٨ ط ١ بطهران، المناقب للخوارزمي ص ٤٢، ذخائر العقبى ص ٧١، الميزان للذهبي ج ٢ / ٢٧٣، ينابيع المودة للقندوزي ص ٧٩ و ٢٠٧ و ٢٣٢ و ٢٤٨ ط اسلامبول وص ٩٠ و ٢٧٥ و ٢٩٥ ط الحيدرية وج ١ / ٧٧ وج ٢ / ٥٦ و ٧٢ ط العرفان بصيدا، علي والوصية للشيخ نجم الدين العسكري ص ٥٩، كفاية الطالب للگنجى الشافعي ص ٦٢٠ ط الحيدرية وص ١٣١ ط الغرى، شرح الهاشميات للرافعي ص ٢٩ ط ٢، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٣٤ ط ٢، كنوز الحقائق للمناوي ص ١٣٠ ط بولاق وص ١١٠ ط آخر، إحقاق الحق ج ٤ / ٧٢.

(٨٩٨) حديث أنس هذا واللذان قبله أعنى حديث بريدة وحديث سلمان موجودة في المراجعة ٦٨ فلتراجع مع ما علقناه عليها (منه قدس).

حلية الأولياء لأبي نعيم ج ١ / ٦٣، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٩ / ١٦٩ بتحقيق أبو الفضل وج ٢ / ٤٣٠ ط ١، المناقب للخوارزمي ص ٤٢، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٨٧ ح ١٠٠٥، كفاية الطالب للگنجى الشافعي ص ٢١٢ ط الحيدرية وص ٩٣ ط الغرى، ميزان الاعتدال ج ١ / ٦٤، فضائل الخمسة ج ٢ / ٢٥٤، مطالب السئول لابن طلحة ص ٢١ ط طهران وج ١ / ٦٠ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣١٣ ط اسلامبول، فرائد السمطين ج ١ / ١٤٥ (*).

٥٨٤

من الكنز وهو الحديث ٢٦٣٢(٨٩٩) .

وكم اختص بذلك أولات الفضل من النساء كزوجته أم المؤمنين أم سلمة وأم الفضل زوجة عمه، وأسماء بنت عميس، وأم سليم الأنصارية، وأمثالهن. وربما نوه بذلك على منبره الشريف.

وربما أفضى به إلى بعض أصحابه في البقيع(٩٠٠) ونوه به يومي المؤاخاة وكانت الأولى(٩٠١) منهما في مكة قبل الهجرة والثانية كانت بعدها في المدينة بين المهاجرين والأنصار(٩٠٢) وفي كلتا المرتين يصطفي لنفسه منهم عليا فيتخذه من دونهم أخاه، تفضيلا له على من سواه، ويقول له " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي

____________________

(٨٩٩) ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ٤٥ ح ٦٧ وص ١٩٧، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٢٧٣ ح ٧٩٣ و ٧٩٤ و ٧٩٥، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٣٩ ط اسلامبول وص ٢٨٤ ط الحيدرية، كنوز الحقائق للمناوي ص ٣٨، الميزان للذهبي ج ٤ / ١٢٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٤. وقريب منه في: الرياض النضرة ج ٢ / ٢٥٤، الميزان للذهبي ج ٤ / ١٢٧.

(٩٠٠) لأجل المزيد من الاطلاع راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات خصوصا ما تحت رقم (٤٦٥).

(٩٠١) تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٢٣، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٠٧ ح ١٤٨ و ١٥٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٥٦ و ٥٧ ط اسلامبول وص ٦٣ و ٦٤ ط الحيدرية، كنز العمال ج ٦ / ٢٩٠ ح ٥٩٧٢ ط ١ وج ١٥ / ٩٢ ح ٢٦٠ ط ٢، الغدير للأميني ج ٣ / ١١٥، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ١١٥ و ١٢١.

(٩٠٢) المناقب للخوارزمي ص ٧، تذكرة الخواص ص ٢٠، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢١ (*).

٥٨٥

بعدي "(٩٠٣) .

وكذلك فعل يوم سد الأبواب غير باب علي(٩٠٤) .

____________________

(٩٠٣) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة وقد صدر عن الرسول في عدة موارد فقد رواه أكثر من خمس وعشرين صحابيا. وقال شمس الدين الجزري الشافعي بعد ذكر الحديث: متفق على صحته. بمعناه من حديث سعد بن أبى وقاص، قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وقد روى هذا الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر، وعلى، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومعاذ، ومعاوية، وجابر بن عبدالله، وجابر بن سحرة، وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبى أوفى، ونبيط بن شريط، وحبشي بن جنادة، وماهر بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وام سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة.

راجع: أسنى المطالب للجزري ص ٥٣، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ ط بيروت، وخرج هذا الحديث أبو حازم الحافظ بخمسة آلاف اسناد كما ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل ج ١ / ١٥٢. وأفرد فيه صاحب عبقات الأنوار مجلدين ضخمين وأتى بما فوق المتوقع.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب عند ترجمته لأمير المؤمنين: وهو - أي حديث المنزلة - من أثبت الآثار وأصحها. وبما ان مصادره كثيرة جدا فمن أرادها فليراجعها في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٤٧٣ و ٤٧٤ و ٤٧٥ - ٤٨٤) فتوجد مئات المصادر.

(٩٠٤) حديث سد الأبواب هذا وحديث المؤاخاة أوردناهما في المراجعة ٣٢ وهناك سبعة موارد لحديث منزلة هارون من موسى. فلتراجع وما حولها (منه قدس).

أحاديث أبواب الصحابة الشارعة إلى المسجد ما عدى باب علىعليه‌السلام كثيرة فراجعها مع مصادرها في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥٠٧ و ٥٠٨ و ٥٠٩ و ٥١٠ و ٥١١ و ٥١٢ و ٥١٣ و ٥١٤). وعقد القندوزي الحنفي بابا خاصا بذلك فراجعه في ينابيع المودة ص ٨٧ باب ١٧ ط اسلامبول. (*)

٥٨٦

ولم تنس الأمة ولن تنسى ما رواه أبو بكر - وهو الخليفة الأول - عن رسول الله من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " علي مني بمنزلتي من ربي "(٩٠٥) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " كفي وكف علي في العدل(١) سواء "(٩٠٦) .

وفسرصلى‌الله‌عليه‌وآله آية المنذر والهاد (من سورة الرعد) فقال: " أنا المنذر وعلي الهاد، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي "(٩٠٧) .

____________________

(٩٠٥) أخرجه ابن السماك، ونقله عن ابن حجر في المقصد الخامس من مقاصد، الآية ١٤ من الآيات التي أوردها في الباب ١١ من صواعقه فراجع منها ص ١٠٦ (منه). ذخائر العقبى ص ٦٤، الرياض النضرة ج ٢ / ٢١٥ ط ٢، الصواعق المحرقة ص ١٠٦ ط الميمنية وص ١٧٥ ط المحمدية، إحقاق الحق ج ٧ / ٢١٧.

(١) هذا هو الحديث ٢٥٣٩ في ص ١٥٣ من الجزء ٦ من الكنز فراجع، وحديثا أبى بكر هذان كلاهما في المراجعة ٤٨ الحديث الأول منهما ص ١٦٧ والثاني ص ١٧٢ من كتاب المراجعات الطبعة الثالثة (منه قدس).

(٩٠٦) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٢٩ ح ١٧٠، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٣٨ ح ٩٤٦، المناقب للخوارزمي ص ٢١١، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٣٤ ط اسلامبول وص ٢٧٧ ط الحيدرية وج ٢ / ٥٨ ط العرفان بصيدا، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣١، فرائد السمطين ج ١ / ٥٠، تاريخ بغداد للخطيب ج ٥ / ٣٨٣.

(٩٠٧) فيما أخرجه الديلمى من حديث ابن عباس وهو الحديث ٢٦٣١ ص ١٥٧ من الجزء السادس من كنز العمال (منه قدس). شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١ / ٢٩٣ - ٣٠٣ حديث ٣٩٨ - ٤١٦، كفاية الطالب للگنجى الشافعي ص ٢٣٣ ط الحيدرية وص ١٠٩ ط الغرى، تفسير الطبري ج ١٣ / ١٠٨ ط ٢، تفسير ابن كثير ج ٢ / ٥٠٢، تفسير الشوكاني ج ٣ / ٧٠ ط ٢، تفسير الفخر الرازي ج ٥ / ٢٧١ ط ١ وج ٢١ / ١٤ ط آخر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤١٥ ح ٩١٣ و ٩١٤ و ٩١٥ و ٩١٦، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٠٧، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٩، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧١ ط =>

٥٨٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أخرجه الخطيب من حديث البراء والديلمي من حديث ابن عباس، " علي مني بمنزلة رأسي من بدني "(٩٠٨) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا

____________________

=> العثمانية، ينابيع المودة للقندوزي ص ١١٥ و ١٢١ ط الحيدرية وص ٩٩ و ١٠٤ ط اسلامبول الدر المنثور ج ٤ / ٤٥، زاد المسير لابن الجوزي ج ٤ / ٣٠٧، نظم درر السمطين للزرندي ص ٩٠، فتح البيان لصديق حسن خان ج ٥ / ٧٥، روح المعاني للآلوسي ج ١٣ / ٩٧، إحقاق الحق ج ٣ / ٨٨ - ٩٣، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٦٦، فرائد السمطين ج ١ / ١٤٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٤.

(٩٠٨) ونقله ابن حجر في ص ٧٥ من صواعقه وهو الحديث ٣٥ من الأربعين حديثا التي أوردها في الفصل الثاني من الباب ٩ من الصواعق (منه قدس).

ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٣٧٥ ح ٨٧٠، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٢٣ ط المحمدية وص ٧٥ ط الميمنية، نور الأبصار ص ٧٣ ط السعيدية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٨ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٨٠ و ١٨٥ و ٢٥٤ و ٢٨٤ ط اسلامبول وص ٢١٢ و ٢١٩ و ٣٠٣ و ٣٤١ ط الحيدرية وج ٢ / ٤ و ١٠ و ٧٩ و ١٠٩ ط العرفان بصيدا، المناقب للخوارزمي ص ٨٧ و ٩١، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٩٢ ح ١٣٥ و ١٣٦، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ٥٦ ط الميمنية وج ٢ / ١٤٠ ح ٥٥٩٦ ط مصطفى محمد، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٠، الرياض النضرة ج ٢ / ٢١٤ ط ٢.

وفى إحقاق الحق ج ٥ / ٢٣٦ عن: فردوس الأخبار للديلمي، المناقب المرتضوية ص ٨٨ ط بمبى، كنوز الحقائق ص ١٨ ط بولاق، مفتاح النجا في مناقب آل العبا للبدخشى ص ٢٨ و ٤٣ مخطوط، مشارق الأنوار للحمزاوي ص ٩١ ط الشرفية، تاريخ بغداد للخطيب ج ٧ / ١٢، انتهاء الإفهام ص ٢١٣. وقريب من هذا في: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٩٢ ح ١٣٥ و ١٣٦، ذخائر العقبى ص ٦٣ (*).

٥٨٨

علي الحوض "(٩٠٩) .

قلت: حسبك من علي انه عدل القرآن في الميزان، وانهما لا يفترقان، فأية حجة أبلغ من هذه في عصمته وافتراض طاعته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا مسلمون.

لمتابعة البحث في الإمامة اضغط على الصفحة التالية أدناه

المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ٥٥، كفاية الطالب ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٤، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١٢٣ بالهامش، الغدير ج ٣ / ١٨٠.

وقد عقد القندوزي الحنفي في ينابيعه ص ٩٠ الباب العشرين في هذا الحديث. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١١ و ١١٩ و ١٩٧) وراجع أيضا سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٧١٦) ط بيروت.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥٦٨: -

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : "

أنا مدينة العلم وعلي بابها

فمن أراد العلم فليأت الباب "(٩١٠)

أخرجه الطبراني عن ابن عباس كما في ص ١٠٧ من الجامع الصغير للسيوطي

____________________

(٩٠٩) أخرجه الحاكم في كتاب معرفة الصحابة من المستدرك ص ١٢٤ من جزئه الثالث وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وأورده الذهبي في تلك الصفحة من تلخيصه معترفا بصحته على تشدده، والحمد لله (منه قدس).

(٩١٠) وقد رواه عدة من الصحابة منهم :

١ - علي أمير المؤمنينعليه‌السلام : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٦٤ ح ٩٨٤ و ٩٩٨، ميزان الاعتدال ج ١ / ٤٣٦، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٥٨، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ٨٢ ح ١١٩ و ١٢٠ و ١٢١ وص ٣٣٤ ح ٤٥٩، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٨١ ح ١٢٢ وص ١٨٥ ح ١٢٦، كفاية الطالب للگنجى ب ٥٨ ص ٢٢٠ ط الحيدرية وص ٩٨ ط الغرى، فتح الملك العلي للمغربي ص ٢٢ و ٢٣، ينابيع المودة ص ٧٢ و ٧٣ و ١٨٣ و ٢١٠ و ٢٨٢، ذخائر العقبى ص ٧٧، تذكرة الخواص ص ٤٧، نزل الأبرار ص ٧٣ =>

٥٨٩

.

____________________

=> ٢ - عبدالله بن عباس: شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ٨١ ح ١١٨، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٦٦ ح ٩٨٥ و ٩٨٦ و ٩٨٧ و ٩٨٨ - ٩٩٤، اللالي المصنوعة ج ١ / ١٧١، تاريخ جرجان ص ٢٤، إحقاق الحق ج ٥ / ٤٧٠، المعجم الكبير للطبراني ج ٣ / ١٠٨، فتح الملك العلي ص ٢٣ ط ٢ وص ٤ ط ١، كنز العمال ج ١٥ / ١٢٩ ط ٢، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٨١ ح ١٢١ و ١٢٣ و ١٢٤، تاريخ بغداد للخطيب ج ١١ / ٤٨ وج ٢ / ٣٧٧، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٥٨، الجامع الصغير للسيوطي ج ١ / ٣٧٤ ح ٢٧٠٥، الصواعق ص ٣٧، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠٧، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٧٤، إحقاق الحق ج ٥ / ٤٨٣، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٦، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٤٣، تهذيب التهذيب ج ٦ / ٣٢٠، تذكرة الحفاظ ج ٤ / ٢٨ ط حيدر آباد، فرائد السمطين ج ١ / ٩٨، الفتح الكبير ج ١ / ٢٧٦، المناقب للخوارزمي ص ٤٠، مسند الكلابي مطبوع بآخر مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٤٢٧ ط طهران، نزل الأبرار ص ٧٣.

٣ - جابر بن عبدالله الأنصاري: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٧٦ ح ٩٩٦ و ٩٩٧، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٨٠ ح ١٢٠ و ١٢٥، كفاية الطالب ح ٥٨ ص ٢٢١، تاريخ بغداد ج ٢ / ٣٧٧، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٧، ينابيع المودة ص ٧٢ و ٢٣٤ و ٢٥٤، ميزان الاعتدال رقم ٤٢٩، لسان الميزان لابن حجر ج ١ / ١٩٧ برقم ٦٢٠، الجامع الصغير ج ١ / ٣٦٤ رقم ٢٧٠٥، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٠، الفتح الكبير ج ١ / ٢٧٦، أسنى المطالب للجزري ص ٧٠ و ٧١ وقد ذكر في مقدمة كتابه انه لا يذكر فيه الا الحديث المتواتر أو الصحيح أو الحسن، نزل الأبرار ص ٧٣. وللحديث مصادر أخرى راجع: دلائل الصدق ج ٢ / ٣٣٢، أسد الغابة ج ٤ / ٢٢، نظم درر السمطين ص ١١٣، فتح الملك العلي بصحة حديث مدينة العلم على ط مصر وطبع في النجف وهو خاص بهذا =>

٥٩٠

وأخرجه الحاكم في مناقب علي ص ١٢٦ وص ١٢٧ من الجزء الثالث من صحيحة المستدرك بسندين صحيحين، أحدهما عن ابن عباس من طريقين صحيحين والثاني عن جابر بن عبدالله الأنصاري، أقام الحاكم على صحة طرفه أدلة قاطعة.

وفراد الإمام أحمد بن محمد بن الصديق المغربي المعاصر نزيل القاهرة لتصحيح هذا الحديث كتابا حافلا سماه - فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي - وقد طبع سنة ١٣٥٤ ه‍ بالمطبعة الإسلامية بمصر. فحقيق بالباحثين أن يقفوا عليه فان فيه علما جما، ولا وزن للنواصب وجرأتهم على هذا الحديث الدائر - كالمثل السائر - على ألسنة الخاصة والعامة من أهل الأمصار والبوادي، وقد نظرنا في طعنهم فوجدناه تحكما محضا لم يدلوا فيه بحجة ما غير الوقاحة في التعصب كما صرح به الحافظ صلاح الدين العلائي حيث نقل القول ببطلانه عن الذهبي وغيره فقال: ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر(٩١١) .

____________________

=> الحديث، فيض القدير للشوكاني ج ٣ / ٤٦، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٨، الميزان للذهبي ج ١ / ٤١٥ وج ٢ / ٢٥١ وج ٣ / ١٨٢، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٧ / ٢١٩ بتحقيق أبو الفضل وج ٢ / ٢٣٦ ط أفست، جامع الأصول ج ٩ / ٤٧٣ ح ٦٤٨٩، فضائل الخمسة ج ٢ / ٢٥٠، الغدير للأميني ج ٦ / ٦١ - ٨١، كنز العمال ج ١٥ / ١٢٩ ح ٣٧٨ ط ٢، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٥٥، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٥٥٨)، عبقات الأنوار الجزء الخامس طبع في الهند وهو خاص بهذا الحديث.

(٩١١) وممن سار على شنشنة بطلان هذا الحديث المحدث شمس الدين ابن طولون في كتابه شذرات الذهبية في ترجمة الأئمة الإثنى عشر عند الإمامية ص ٥٦ ط بيروت ولكنه لم يأت بطائل. بل دعوى بلا برهان وتهمة بلا وجدان. وكذلك غيره الذي لم يكن عنده انصاف أو امتلئت قلوبهم حسدا وحقدا على سيد الوصيينعليه‌السلام وأولاده المعصومين =>

٥٩١

.

____________________

=> مع انه قد صحح الحديث جماعة من أعلام السنة منهم :

١ - الحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٢٦.

٢ - الجزري الشافعي في كتابه أسنى المطالب ص ٧٠ و ٧١ وقد قال في مقدمة كتابه انه لا يذكر الا الحديث المتواتر أو الصحيح أو الحسن كما حكى تصحيح الحاكم له.

٣ - محمد بن جرير الطبري المتوفى ٣١٠ ه‍. الغدير ج ٦ / ٦٢.

٤ - الحسن بن أحمد السمرقندى المتوفى ٤٩١ ه‍. الغدير ج ٦ / ٦٤.

٥ - عبد الكريم السمعاني المتوفى ٥٦٢ ه‍. الغدير ج ٦ / ٦٤.

٦ - الگنجى الشافعي المتوفى ٦٥٨ ه‍. أخرجه في كفاية الطالب ص ٩٨ - ١٠٢ ط الغرى وقال بعد إخراجه بعدة طرق قلت: هذا حديث حسن عال - إلى أن قال: ومع هذا فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل علىعليه‌السلام وزيادة علمه وغزارته وحدة فهمه ووفور حكمته وحسن قضاياه، وصحة فتواه، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والإبرام، اعترافا منهم بعلمه، ووفور فضله، ورجاحة عقله، وصحة حكمه، وليس هذا الحديث في حقه بكثير لان رتبته عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من عباده أجل وأعلا من ذلك.

٧ - الحافظ الذهبي المتوفى ٧٤٨ ه‍. صححه في تذكرة الحفاظ ج ٤ / ٢٨.

٨ - صلاح الدين العلائي الشافعي الدمشقي المتوفى ٧٦١ ه‍. صححه من طريق ابن معين وانتقد كل من ضعف الحديث وقال لم يأتوا بجواب على هذه الروايات الصحيحة راجع كلامه في اللالي المصنوعة للسيوطي ج ١ / ٣٣٣، الغدير ج ٦ / ٦٦ و ٦٧.

٩ - الزركشي المصري الشافعي المتوفى ٧٩٤ ه‍ حسن الحديث. فيض القدير ج ٣ / ٤٧، الغدير ج ٦ / ٦٧.

١٠ - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادى المتوفى ٨١٦ أو ٨١٧ ه‍ حسن الحديث. الغدير ج٦ / ٦٧ =>

٥٩٢

.

____________________

=> ١١ - السخاوي المصري المتوفى ٩٠٢ ه‍، حسن الحديث، ذكره في المقاصد الحسنة. الغدير ج ٦ / ٦٨.

١٢ - جلال الدين السيوطي المتوفى ٩١١ ه‍، حسنه في الجامع الصغير ج ١ / ٤٧٤ ثم صححه في جمع الجوامع كما في كنز العمال ج ٦ / ٤٠١، الغدير ج ٦ / ٦٨.

١٣ - فضل بن روزبهان. الغدير ج ٦ / ٦٩.

١٤ - محمد بن يوسف الشافعي المتوفى ٩٤٢ ه‍، حسنه. الغدير ج ٦ / ٧٠.

١٥ - ابن حجر الهيثمي الشافعي المكي المتوفى ٩٧٤ ه‍. حسنه كما في تطهير الجنان بهامش الصواعق ص ٧٤ ط ١، والفتاوى الحديثية ص ١٢٦ و ١٩٧، الغدير ج ٦ / ٧٠ و ٧١.

١٦ - جمال الدين محمد طاهر الهندي المتوفى ٩٨٦ ه‍. الغدير ج ٦ / ٧١.

١٧ - عبد الحق الدهلوي المتوفى ١٠٥٢ ه‍. الغدير ج ٦ / ٧٣.

١٨ - السيد محمد بن السيد جلال بن حسن البخاري. صححه. الغدير ج ٦ / ٧٣.

١٩ - أبو الضياء الشبراملسى الشافعي المتوفى ١٠٨٢ ه‍. حسنه. الغدير ج ٦ / ٧٣.

٢٠ - الزرقاني المالكي المتوفى ١١٢٢ ه‍، حسنه كما في شرحه المواهب اللدنية ج ٣ / ١٤٣، الغدير ج ٦ / ٧٤.

٢١ - البدخشانى. صححه كما في نزل الأبرار ص ٧٣، الغدير ج ٦ / ٧٤.

٢٢ - محمد بن إسماعيل اليمنى الصنعاني المتوفى ١١٨٢ ه‍. الغدير ج ٦ / ٧٤.

٢٣ - محمد بن على الصبان المتوفى ١٢٠٥ ه‍. حسنه. إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٦.

٢٤ - القاضي ثناء الله پانى پتى المتوفى ١٢٢٥ ه‍، صححه. السيف المسلول، الغدير ج ٦ / ٧٥.

٢٥ - الشوكاني الصنعاني المتوفى ١٢٥٠ ه‍، حسنه. الغدير ج ٦ / ٧٦. وهناك جماعة كثيرة غير هؤلاء قالوا بصحته أو حسنه وبعضهم استدل به على فضل أمير المؤمنين من أعلام القوم. راجع: الغدير ج ٦ / ٦١ - ٧٧، عبقات الأنوار للسيد مير حامد حسين الموسوي اللكهنوى المتوفى ١٣٠٦ ه‍ الجزء الخامس من كتابه الكبير ط الهند.

٥٩٣

وقال:صلى‌الله‌عليه‌وآله " أنا دار الحكمة وعلي بابها "(٩١٢) .

وقال:صلى‌الله‌عليه‌وآله " يا علي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي "(٩١٣) .

____________________

(٩١٢) أخرجه الترمذي في صحيحه وابن جرير، ونقله عنهما غير واحد من الأعلام كالمتقي الهندي في ص ٤٠١ من الجزء ٦ من الكنز وهو الحديث ٦٠٦٩ (منه قدس).

صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٠١ ح ٣٨٠٧، حلية الأولياء ج ١ / ٦٣، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٨٧ ح ١٢٩، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص ٢٢ و ٢٣ ط مصر وص ٤٥ و ٥٣ و ٥٥ ط الحيدرية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤٠ ط العثمانية وص ١٥٤ ط السعيدية، ذخائر العقبى ص ٧٧، الصواعق ص ٧٣ ط الميمنية وص ١٢٠ ط المحمدية، ينابيع المودة ص ٨١ و ٢١١ ط الحيدرية وص ٧١ و ١٨٣ ط اسلامبول، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٥٩ ح ٩٨٣، فضائل الخمسة ج ٢ / ٢٤٨، كنوز الحقائق ص ٤٦ ط بولاق وص ٣٧ ط آخر، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٧٥، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٥٥، الجامع الصغير للسيوطي ج ١ / ٩٣ ط الميمنية وج ١ / ٣٦٤ ح ٢٧٠٤ ط مصطفى محمد، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٠، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧٢، أسنى المطالب للجزري ص ٧٠، تذكرة الخواص ص ٤٨، دلائل الصدق ج ٢ / ٣٣٣.

(٩١٣) أخرجه الحاكم في ص ١٢٢ من الجزء الثالث من المستدرك من حديث أنس ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (منه قدس).

ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٤٨٨ ح ١٠٠٧ و ١٠٠٨ و ١٠٠٩، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٨٦، المناقب للخوارزمي ص ٢٣٦، كنوز الحقائق للمناوي ص ٢٠٣ ط بولاق وص ١٧٠ ط آخر، ينابيع المودة ص ١٨٢ ط اسلامبول، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٣، إحقاق الحق ج ٦ / ٥٣، ميزان الاعتدال ج ١ / ٤٧٢، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٤٦ تحت رقم (٥٦١) وفيه أيضا حديث قريب من هذا راجعه تحت رقم (٥٥٤) (*).

٥٩٤

وقال:صلى‌الله‌عليه‌وآله " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني "(٩١٤) .

إلى مالا تحصيه هذه العجالة من أمثال هذه السنن، وكلها تتساير في طريق واحد، وتتوارد في سبيل فاصد، تواترت في معناه وان اختلف لفظها، تعطي عليا من منازل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مالا يجوز إعطاؤه من نبي إلا لولي عهده، وخليفته من بعدها، هذا هو المتبادر منها إلى الأذهان، بحكم العرف واللغة من أهل اللسان(٩١٥) .

على ان في صحاح السنن لنصوصا أخر، بوأت عليا والأئمة من أوصيائه مبوأ الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرضت على الأمة في كل خلف منها طاعتهم إذ ربطصلى‌الله‌عليه‌وآله أمته فيها بحبليه، وعصمها إلى يوم القيامة بثقليه، علماؤها وجهلاؤها أحرارها ومماليكها، ملوكها وسوقتها، لم يستثن من الأمة صديقا، ولا فاروقا، ولا ذا نور، أو نورين، أو أكثر، ولا، ولا، (كتاب الله تعالى والأئمة من عترته)، سواء في ذلك رجال الأمة ونساؤها، وانذر الجميع من أمته بالضلال عن الحق ان لم يأخذوا بهديها وأخبرهم انهما لن يفترقا، ولن تخلو الأرض منهما ،

____________________

(٩١٤) أخرجه الحاكم في ص ١٢١ من الجزء الثالث من المستدرك، والذهبي في تلك الصفحة من تلخيصه وصرح كل منهما بصحته على شرط الشيخين (منه قدس).

عن أبى ذر الغفاري: يوجد في: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٢٦٨ ح ٧٨٨ و ٧٨٦ و ٧٨٧، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٢٠، ينابيع المودة ص ٢٠٥ و ٢٥٧، ذخائر العقبى ص ٦٦، نزل الأبرار ص ٥٦، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٥٠ تحت رقم (٥٦٨ و ٧٤٧).

(٩١٥) راجع جملة من هذه الأحاديث في: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ط بيروت. (*)

٥٩٥

حتى يردا علي الحوض، وبهذا قد انحسر لثام الشك، وأسفر وجه اليقين، والحمد لله رب العالمين. على انهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكتف بمجرد سنن الثقلين حتى مثلهم في هذه الأمة تارة بسفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وأخرى بباب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له، وجعلهم أمان أهل الأرض من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب إبليس(٩١٦) .

وهذا غاية ما في وسعهصلى‌الله‌عليه‌وآله من إلزام أمته بإتباعهم واقتفاء أثرهم. لم يبق لأحد من جميع الناس مندوحة عن ذلك، لا مالكا ولا مملوكا ولا، ولا، ولا. وانى تكون لأحد مندوحة بعد أن كانوا كسفينة نوح لا يسلم إلا راكبها وكباب حطة لا يغفر إلا لمن دخله، وكانوا عدل القرآن في الميزان، لا يجد المسلم عنهم حولا ولا يرتضي بهم بدلا.

ولعل قائلا يقول: كيف يجوز على أصحاب رسول الله " لو نصصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمر " ان يخالفوا نصه ؟.

ولم ترك علي حقه المعهود به إليه، فلم يدافعهم عنه ولم ينازعهم فيه، وقعد في بيته مدة خلافة الخلفاء الثلاثة وبذل لهم من النصح جهده ؟.

وما تقول الشيعة في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجتمع أمتي على ضلال، ولا على خطأ ؟.

وهلا احتج علي وأولياؤه من الهاشميين وغيرهم يوم السقيفة على بيعتها ؟

وهلا كان النص بالخلافة على علي من الله تعالى بآية من القرآن صريحة جليلة في ذلك صراحة آيات التوحيد، والعدل والنبوة، والبعث، في مضامينها ؟

فالجواب: أما عن مخالفتهم للنصوص، فتعرفه من موضوع كتابنا هذا ؟

____________________

(٩١٦) تقدمت هذه الأحاديث مع مصادرها تحت رقم (١٥ و ١٦ و ١٧ و ١٨) (*)

٥٩٦

وفيه من موارد مخالفاتهم ما يتجلى به الحق بأجلى مظاهره.

وقد أفادتنا سيرة الحول القلب من الساسة وأهل الطموح وأوليائهم من أصحاب رسول الله، أنهم انما كانوا يتعبدون بالنصوص النبوية إذا كانت متمحضة للدين كالصلاة وكونها إلى القبلة، والصوم وكونه في شهر رمضان وأمثال ذلك دون ما كان متعلقا بالسياسات، كالولايات والتأميرات، وتدبير شؤون الدولة والمملكة ونحو ذلك، فإنهم لم يكونوا يرون التعبد به واجبا، بل جعلوا لآرائهم فيه مسرحا للبحث، كما بيناه على سبيل التفصيل في كتابينا - المراجعات والفصول المهمة -(١) .

وأما ترك علي حقه، وعدم نزاعه، وقعوده في بيته، ونصحه للخلفاء قبله ورأي الشيعة في الاجماع. فقد استوفينا الكلام في كل منها بما لا مزيد عليه. في كتاب " المراجعات "(٢) .

وأما الاحتجاج على البيعة يوم السقيفة وعدمه فقد استوفينا الكلام فيه في المراجعة ١٠٢ من كتاب " المراجعات " فليراجع ثمة فان فيه الشفاء من كل داء.

____________________

(١) راجع المراجعة ٨٤ ص ٢٦٢ - ٢٦٥ من كتاب المراجعات الطبعة الثالثة. والفصل الثامن من الفصول المهمة ص ٨١ - ٨٥ تحت عنوان تنبيه، الطبعة الثانية (منه قدس).

(٢) تجد ذلك كله في المراجعة ٨٢ والمراجعة ٨٤ مفصلا كل التفصيل، فلا يفوتن باحثا على الحق فانه ضالته، وبه يشرح الله صدره (منه قدس) (*).

٥٩٧

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٥٧٧: -

وأما

عدم النص على الإمامة بآية من الكتاب الحكيم صريحة

فيه، صراحة آيات كل من التوحيد، والعدل، والنبوة، والبعث بعد الموت. فنحيل السائل

في الجواب على ما فصلناه في كلمتنا " فلسفة الميثاق والولاية "(١) إذ صرح الحق ثمة عن محضه، وبين الصبح ولله الحمد لذي عينين.

ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: لم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نصه في الدار يوم الإنذار(٩١٧) ويؤهل عليا لمقامه في الأمة بعده، يدلل على ذلك بطرق له مختلفة في وضوح الدلالة قوة وضعفا، حتى مرض مرض الموت، وسجي على فراشه في حجرته الشريفة والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف، فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي " ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يتفرقان حتى يردا علي الحوض. " (الحديث)(٩١٨) .

وحسبك في أمر الولاية " وحرصهصلى‌الله‌عليه‌وآله على تبليغها " انه لما نعيت إليه نفسه ودنا منه أجله، أذن في الناس بالحج( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) فكانت حجة الوداع أواخر حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد خرج فيها من المدينة بتسعين ألفا وقيل أكثر - كما في السيرة الحلبية والدحلانية وغيرهما -(٩١٩) غير الذين وافوه في الطريق وفي عرفة، فلما كان يوم الموقف أهاب بالحجاج يوصيهم بوصاياه ووصايا

____________________

(١) فليراجع منها ما هو في ص ١٧ إلى منتهى الرسالة، ليرى الحق وقد خرج من ظلمات الغموض، وانزاح عنه حجاب الشبهات، فخلص إلى نور اليقين والحمد لله رب العالمين (منه قدس).

(٩١٧) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم (١٠) فراجعه.

(٩١٨) راجعه في ص ٧٥ أواخر الفصل ٢ من الباب ٩ من الصواعق المحرقة لابن حجر بعد الأربعين حديثا من الأحاديث المذكورة في ذلك الفصل (منه قدس). تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم (١١ و ١١٩ و ١٩٧).

(٩١٩) السيرة الحلبية ج ٣ / ٢٥٧، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٣ / ٣٣١ ط البهية بمصر. (*)

٥٩٨

الأنبياء من قبله مبشرا ونذيرا، فكان مما قاله لهم يومئذ: " أيها الناس إني يوشك ان أدعي فأجيب، واني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما "(٩٢٠) .

وكم له من موقف قبل هذا وبعده - كما سمعت - ربط فيه الأمة بحبليه وعصمها في كل خلف منها بثقليه (كتاب الله والأئمة من عترته) يبشرها بالبقاء على الهدى ان أخذت بهديهما وينذرها الضلال أن لم تتمسك بهما ويخبرها انهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما.

لكن مواقفه تلك في هذا المعنى لم تكن عامة، أما موقفه هذا يوم عرفات والذي بعده يوم الغدير فقد كانا على رؤوس الأشهاد(١) من الأمة عامة(٩٢١) .

____________________

(٩٢٠) تقدم حديث الثقلين تحت رقم (١١ و ١٥).

(١) قال ابن حجر إذ أورد حديث الثقلين في صواعقه: ثم أعلم ان لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا

(قال): ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه. وفى بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة. وفى أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه.

وفى أخرى أنه قال ذلك بغدير خم.

وفى أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف.

(قال): ولا تنافى إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة. إلى آخر كلامه فراجعه في ص ٨٩ في تفسير الآية الرابعة( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) من الآيات التي ذكرناها في الفصل الأول من الباب ١١ من الصواعق. قلت: يعترف الرجل بأن النبي صدع بحديث الثقلين في هذه المواقف كلها وفى غيرها، ثم يقول: ان طرقه وردت عن نيف وعشرين صحابيا، مع أنه لو لم يصدعصلى‌الله‌عليه‌وآله الا في أحد موقفيه أما عرفة أو الغدير لوجب أن يكون متواترا، لان الذين حملوه عن رسول الله في كل من اليومين كانوا تسعون ألفا على أقل الروايات (منه قدس).

(٩٢١) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة والذي رواه أكثر من خمس وثلاثين =>

٥٩٩

ولم يفضصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ من عرفة، حتى انبر راحلته يهيب بأهل الموقف رافعا صوته وهم به محدقون يشخصون إليه أبصارهم وأسماعهم وأفئدتهم، فإذا هو يقول لهم: " علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني الا أنا أو علي "(٩٢٢) .

____________________

=> صحابيا وأكثر من مائتي عالم من علماء أهل السنة راجع: كتاب عبقات الأنوار (قسم حديث الثقلين ج ١ وج ٢) ط قم. وقد ذكر تواتر الحديث ج ١ / ١١. وراجع أيضا: سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم (٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٣١ و ٣٢ - ٣٧) ط بيروت.

(٩٢٢) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في ص ١٦٤ من الجزء الرابع من مسنده من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة، وحسبك انه رواه عن يحيى بن آدم عن إسرائيل بن يونس عن جده إسحاق السبيعى عن حبشي، وكل هؤلاء حجج عند الشيخين وقد احتجا بهم في الصحيحين، ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم ان صدوره انما كان في حجة الوداع.

وقد أخرجه أيضا ابن ماجة في باب فضائل الصحابة ص ٩٢ من الجزء الأول من سننه، والترمذي والنسائي في صحيحهما وهو الحديث ٢٥٣١ في ص ١٥٣ من الجزء السادس من كنز العمال (منه قدس).

صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٠٠ ح ٣٨٠٣، سنن ابن ماجة ج ١ / ٤٤ ح ١١٩ ط دار الكتب، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٢٠ ط التقدم وص ٣٣ ط بيروت وص ٩٠ ط الحيدرية، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ٣٧٨ ح ٨٧٥ - ٨٨٠، المناقب للخوارزمي ص ٧٩، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٢٢١ ح ٢٦٧ و ٢٧٢ و ٢٧٣، ينابيع المودة للقندوزي ص ٥٥ و ١٨٠ و ١٨١ و ٣٧١ ط اسلامبول وص ٦٠ و ٦١ و ٢١٢ و ٢١٩ و ٢٤٦ ط الحيدرية، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٢٠ ط المحمدية وص ٧٣ ط الميمنية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤٠ ط العثمانية وص ١٥٤ ط السعيدية، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ٣٦، نور الأبصار للشبلنجي ص ٧٢، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٧٥، جامع الأصول ج ٩ / ٤٧١ ح ٦٤٨١، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ٥٦ ط الميمنية، الرياض النضرة ج

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629