النص والاجتهاد

النص والاجتهاد21%

النص والاجتهاد مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 629

النص والاجتهاد
  • البداية
  • السابق
  • 629 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 165920 / تحميل: 7984
الحجم الحجم الحجم
النص والاجتهاد

النص والاجتهاد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

حيث أقامت على ارثها آيات محكمات، حججا لا ترد ولا تكابر، فكان مما أدلت به يومئذ ان قالت: " أعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) .

وقال فيما أقتص من خبر زكريا:( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) .

____________________

=> وأخرج الجوهري في كتاب السقيفة وفدك أيضا - كما في ص ٨١ من المجلد الرابع من شرح النهج - بالإسناد إلى أم هاني بنت أبى طالب: ان فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت ؟. قال: ولدى وأهلي. قالت: فمالك ترث رسول الله دوننا ؟ قال: يا بنت رسول الله ما ورث ابوك شيئا. قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا وصار فيأنا وهو الآن في يدك. فقال لها: سمعت رسول الله يقول: إنما هي طعمة اطعمناها الله فإذا مت كانت بين المسلمين.

وعن أبى الطفيل فيما أخرجه الجوهري مثله. والأخبار في هذا متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة. وحسبك خطبتها العصماء التي اشرنا إليها في الأصل. ولها خطبة أخرى تتعلق بالخلافة أخرجها الجوهري في كتاب السقيفة وفدك - كما في ص ٨٧ من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي - بالاسناد إلى عبدالله ابن الحسن بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله الوجع وثقلت في علتها اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله قالت: أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكن. (الخطبة) وهى من ابلغ المأثور عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد أخرجها أيضا الإمام أبو الفضل احمد بن أبي طاهر في ص ٢٣ من كتابه بلاغات النساء بالإسناد إلى الزهراء وأصحابنا يروونها بالإسناد إلى سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي عن الزهراء. وقد أوردها المجلسي في البحار والطبرسي في الاحتجاج. وغيرهما من الاثبات (منه قدس) (*).

بين الزهراء وأبى بكر: راجع صحيح الترمذي ك السير باب - ٤٤ - ج ٤ / ١٥٧، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢١١ - ٢١٣ و ٢٥١، فدك للقزويني ص ٤٣ و ٨٧ و ١٢٦، وفاء الوفاء ج ٣ / ٩٩٥، مشكل الآثار ج ١ / ٤٧ (*).

٨١

وقال( وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) .

وقال:( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) .

وقال:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) . ثم قالت: أخصكم الله بآية أخرج بها أبي ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ ! أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان ؟ ! (الخطبة)(٩٣) .

فانظر كيف احتجت أولا: على توريث الأنبياء بآيتي داود وزكريا الصريحتين بتوريثهما. ولعمري انهاعليها‌السلام أعلم بمفاد القرآن ممن جاءوا متأخرين عن تنزيله، فصرفوا الإرث هنا إلى وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال، تقديما للمجاز على الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر منه بمجرد الاطلاق، وهذا مما لا يجوز، ولو صح هذا التكلف لعارضها به أبو بكر يومئذ أو غيره ممن كان في ذلك الحشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم(١) . على أن هناك قرائن تعين وراثة الأموال كما بيناه سابقا.

____________________

(٩٣) تقدمت مصادر الخطبة تحت رقم - ٩٠ - فراجع.

(١) لكنهم لم يعارضوها يومئذ به ولا بشئ سوى المصادرة، إذ أجابها أبو بكر بقوله: يا ابنة رسول الله، والله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله أبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووالله لان تفتقر عائشة أحب إلى من أن تفتقري أترينني أعطى الأبيض والأحمر حقه وأظلمك حقك ؟ وأنت بنت رسول الله ! ان هذا المال لم يكن للنبي ! وانما كان مالا من أموال المسلمين ! يحمل به النبي الرجال وينفقه في سبيل الله فلما توفى وليته كما كان يليه ؟. قالت. والله لا كلمتك أبدا قال: والله لا هجرتك أبدا. قالت: والله لادعون الله عليك. قال: والله لادعون الله لك =>

٨٢

واحتجت ثانيا: على استحقاقها الإرث من أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بعموم آيات المواريث وعموم آية الوصية، منكرة عليهم تخصيص العمومات بلا مخصص شرعي من كتاب أو سنة.

وما أشد إنكارها إذ قالت أخصكم الله بآية أخرج بها أبي ؟ فنفت بهذا الاستفهام الإنكاري وجود المخصص في الكتاب. ثم قالت: أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فنفت بهذا الاستفهام التوبيخي وجود المخصص في السنة. بل نفت وجوده مطلقا، إذ لو كان ثمة مخصص لبينه لها النبي والوصي ويستحيل عليهما الجهل به لو كان في الواقع موجودا، ولا يجوز عليهما أن يهملا تبيينه لها لما في ذلك من التفريط في البلاغ، والتسويف في الإنذار، والكتمان للحق، والاغراء بالجهل، والتعريض لطلب الباطل، والتغرير بكرامتها، والتهاون في صونها عن المجادلة والمجابهة والبغضاء والعداوة بغير حق، وكل ذلك محال ممتنع عن الأنبياء وأوصيائهم.

وبالجملة كان كلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببضعته الزهراء وإشفاقه عليها فوق كلف الاباء الرحيمة، وشفاقهم على أبنائهم البررة، يؤويها إلى الوارف من ظلال رحمته، ويفديها بنفسه(١) مسترسلا إليها بأنسه.

____________________

=> فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلى عليها. الحديث أخرجه أبو بكر الجوهري بهذه الألفاظ في كتاب السقيفة وفدك - كما في ص ٨٠ من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي - وتراه ما عارضها فيما فهمته من التوريث في آيتي داود وزكريا، وانما عارضها بدعواه ان هذا المال لم يكن للنبي فلم تقنع منه إذ هي أعلم بشؤون أبيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (منه قدس).

(١) ذكرهاصلى‌الله‌عليه‌وآله مرة فقال: فداؤها أبوها فداؤها أبوها - ثلاث مرات - في =>

٨٣

وكان يحرص بكل ما لديه على تأديبها وتهذيبها وتعليمها وتكريمها حتى بلغ في ذلك كل غاية، يزقها المعرفة بالله والعلم بشرائعه زقا، لا يألو في ذلك جهدا، ولا يدخر وسعا حتى عرج إلى أوج كل فضل، ومستوى كل كرامة فهل يمكن أن يكتم عليها أمرا يرجع إلى تكليفها الشرعي ؟

حاشا لله، وكيف يمكن ان يعرضها - بسبب الكتمان - لكل ما أصابها من بعده في سبيل الميراث، من الامتهان بل يعرض الأمة للفتنة التي ترتبت على منع ارثها. وما بال بعلها خليل النبوة، والمخصوص بالاخوة، يجهل حديث " لا نورث " مع ما آتاه الله من العلم والحكمة، والسبق، والصهر، والقرابة، والكرامة والمنزلة، والخصيصة، والولاية، والوصاية، والنجوى، وما بال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتم ذلك عنه، وهو حافظ سره، وكاشف ضره وباب مدينة علمه، وباب دار حكمته، وأقضى أمته، وباب حطتها، وسفينة نجاتها وأمانها من الاختلاف.

وما بال أبي الفضل العباس وهو صنو أبيه، وبقية السلف من أهله، لم يسمع بذلك الحديث.

وما بال الهاشميين كافة وهم عيبته وبيضته التي تفقأت عنه، لم يبلغهم الحديث حتى فوجئوا به بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وما بال أمهات المؤمنين يجلهنه فيرسلن عثمان يسأل لهن ميراثهن من رسول الله(٩٤) .

____________________

=> حديث أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ونقله عنه وعن غيره ابن حجر في الأمر الثاني من الأمور التي ذكرها في خاتمة الآية الرابعة عشرة من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه ص ١٥٩ (منه قدس).

(٩٤) أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يرسلن عثمان حول ميراثهن: راجع صحيح الترمذي ك السير باب - ٤٤ - ج ٤ / ١٥٧، شرح النهج لابن أبى =>

٨٤

وكيف يجوز على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبين هذا الحكم لغير الوارث ويدع بيانه للوارث ؟.

ما هكذا كانت سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يصدع بالأحكام فيبلغها عن الله عزوجل، ولا هذا هو المعروف عنه في انذار عشيرته الأقربين، ولا مشبه لما كان يعاملهم به من جميل الرعاية وجليل العناية.

بقي للطاهرة البتول كلمة استفزت بها حمية القوم، واستثارت حفائظهم، بلغت بها أبعد الغايات ألا وهي قولها: " أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان " تريد بهذا أن عمومات المواريث لا تتخصص بمثل ما زعمتم، وانما تتخصص بمثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لا توارث بين أهل ملتين " واذن فهل تقولون، إذ تمنعونني الإرث من أبي: اني لست على ملته، فتكونون - لو أثبتم خروجي عن الملة - على حجة شرعية فيما تفعلون.

فانا لله وإنا إليه راجعون.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٦٦: -

[ المورد (٨) نحلة الزهراء: ]

وذلك أن الله عز سلطانه لما فتح لعبده وخاتم رسله حصون خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فنزلوا علي حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صاغرين، فصالحوه عن نصف أرضهم(١) فقبل ذلك منهم أفكان نصف فدك ملكا خالصا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وهذا مما

____________________

=> الحديد ج ١٦ / ٢٢٠ و ٢٢٣، الصواعق لابن حجر ص ٢٢ ط الميمنية، معجم البلدان للحموي ج ٤ / ٢٣٩، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٣.

(١) وقيل: بل صالحوه على جميعها (منه قدس) (*).

٨٥

أجمعت الأمة عليه بلا كلام لأحد منها في شئ منه(٩٥) . ثم لما أنزل الله عزوجل عليه( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) أنحل فاطمة فدكا، فكانت في يدها(٩٦) حتى انتزعت منها لبيت المال.

هذا ما ادعته الزهراء بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوقفت في سبيله موقف المحاكمة بإجماع الأمة، واليك ما جاء في محاكمتها :

قال الإمام فخر الدين الرازي: فلما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ادعت فاطمةعليها‌السلام أنه كان ينحلها فدكا، فقال لها أبو بكر: أنت أعز الناس علي

____________________

(٩٥) فدك ملك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ / ٣٥٣، فدك للقزويني ص ٢٩، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢١٠، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠، الكامل في التاريخ ج ٢ / ٢٢٤ وج ٢ / ١٥٢ ط آخر، معجم البلدان للحموي مادة - فدك - ج ٤ / ٢٣٨ - ٢٤٠، وفاء الوفاء ج ٣ ٩٩٧ و ٩٩٨، فدك في التاريخ ص ٢٠، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٢ و ٤٣، سنن أبى داود ج ٢ / ٤٧ باب صفايا رسول الله ك الخراج، الأموال لأبي عبيد ص ٩، سيرة ابن هشام ج ٢ / ٤٠٨، الاكتفاء ج ٢ / ٢٥٩، الأحكام السلطانية للماوردى ص ١٧٠، الأحكام السلطانية لأبي يعلي ص ١٨٥، المغازي للواقدي ص ٧٠٦، أمتاع الأسماع ص ٣٣١، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ١٣٣، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ٣٣٨ و ٤٤٣.

(٩٦) أئمة أهل البيت وشيعتهم كافة لا يرتابون في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنحل بضعته الزهراء ما كان خالصا له من فدك، وانه كان في يدها حتى انتزع منها، وحسبك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما كتبه لي عامله في البصرة عثمان بن حنيف: بلي كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله. لي آخر كلامه وهو في نهج البلاغة، وفى معناه نصوص متواترة عن أئمة العترة الطاهرة. والمحدثون الاثبات رووا بالإسناد لي أبى سعيد الخدري انه قال: لما نزل قوله تعلي( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) أعطى رسول الله فاطمة فدكا =>

٨٦

فقرا، وأحبهم إلي غنى، لكني لا أعرف صحة قولك(١) فلا يجوز أن أحكم لك، [ قال ]: فشهدت لها أم أيمن ومولي لرسول الله(٢) فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن. (انتهى بلفظه)(٩٧) .

____________________

=> أخرجه الإمام الطبرسي في مجمع البيان فليراجع منه تفسير( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) وهى الآية ٢٦ من سورة الإسراء. وتجد ثمة ان هذا الحديث مما ألزم المأمون برد فدك علي ولد فاطمة (منه قدس).

فدك في يد فاطمة: راجع: شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ / ٣٣٨ ح ٤٦٧ و ٤٦٨ و ٤٦٩ و ٤٧٠ و ٤٧١ و ٤٧٢ و ٤٧٣، الدر المنثور ج ٤ / ١٧٧، مجمع الزوائد ج ٧ / ٤٩، تفسير الطبري ج ١٥ / ٨٢ ط ٢، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤٩ و ١٤٠ ط الحيدرية وص ١١٩ ط اسلامبول، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ١ / ٢٢٨، إحقاق الحق ج ٣ / ٥٤٩، فضائل الخمسة ج ٣ / ١٣٦، التبيان في تفسير القرآن للطوسي ج ٦ / ٤٦٨، تلخيص الشافي له أيضا ج ٢ / ١٢١، مجمع البيان ج ٦ / ٤١١: شرح النهج لابن أبى الحديد ج ١٦ / ٢٦٨ و ٢٧٥، كنز العمال ج ٣ / ٧٦٧ ح ٨٦٩٦، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٦ - ٤٧، مقدمة مرآة العقول ج ١ ص ١٣٣، السبعة من السلف ص ٣٥، الميزان الذهبي ج ٢ / ٢٢٨ ط السعادة.

(١) بجدك قل لي يا أبا بكر هل كنت في الواقع وحقيقة الأمر لا تعرف صحة قولها ولا سيما بعد أن شهدت بصحته أم أيمن وشهد به أمير المؤمنين وهل كنت تراهم جميعا من أهل الزور والعدوان أو أنهم كانوا جميعا من الخطأ بمكان كلا( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) (منه قدس).

(٢) الشاهد لها مع أم أيمن انما هو أمير المؤمنين علي بن أبى طالب وهذا مما لا ريب فيه، وكأن الرازي استفظع رد شهادة علي فلم يصرح باسمه احتراما له ولأبي بكر معا فكنى عنه بمولي رسول الله (منه قدس).

(٩٧) فراجعه في تفسير آية الفئ من سورة الحشر تجده في ص ١٢٥ الجزء الثامن من تفسيره مفاتيح الغيب (منه قدس) =>

٨٧

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ما هذا لفظه: ودعوى فاطمة أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحلها فدكا لم تأت عليها إلا بعلي وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة. إلي آخر كلامه(١) .

وهذا بعينه ما هو المنقول في هذا الموضوع عن ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أعلام الجماعة(٩٨) .

قلت: عفا الله عنا وعنهم ورضي عن أبي بكر الصديق وأرضى عنه فاطمة وأباها وبعلها وبنيها، ليته آثر ما هو الأليق به فلم يوقف وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي ثكلي مواقفها تلك منه، تارة في سبيل ارثها، وأخرى في سبيل نحلتها، وثالثة ورابعة في شؤون وشجون، وليته لم يدعها تنقلب عنه راغمة يائسة، ثم تموت مدلهمة هاجرة له فتوصي بما أوصت. سبحان الله وبحمده أين حلمه وأناته ؟.

وأين نظره البعيد في عواقب الأمور ؟.

وأين احتياطه علي ربح المسلمين ؟.

فليته أتقى فشل الزهراء في مواقفها بكل ما لديه من سبل الحكمة، ولو فعل لكان ذلك أحمد في العقبى، وأبعد عن مظان الندم، وأنأى عن مواقف

____________________

=> شهادة أم أيمن وغيرها: راجع: تفسير الفخر الرازي ج ٢٩ / ٢٨٤ ط ٢. وممن ذكر ان الشاهد مع أم أيمن هو أمير المؤمنين علي بن أبى طالبعليه‌السلام الذي مع الحق والحق معه يدور حيث دار. السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج ٣ / ٩٩٩.

(١) فراجعه في آخر ص ٢١ أثناء كلامه في الشبهة السابعة من شبه الرافضة (منه قدس).

(٩٨) راجع: وفاء الوفاء ج ٣ / ٩٩٩، فدك للقزويني، كتاب الخراج لأبي يوسف ٢٤، سنن النسائي ج ٢ / ١٧٩، الأموال لأبي عبيد ص ٣٣٢، تفسير الطبري ج ١٠ / ٦، مقدمة مرآة العقول ج ١ / ١٥١ (*).

٨٨

اللوم، وأجمع لشمل الأمة، وأصلح له بالخصوص. وقد كان في وسعة أن يربأ بوديعة رسول الله ووحيدته عن الخيبة، ويحفظها عن ان تنقلب عنه وهي تتعثر بأذيالها، وماذا عليه، إذ احتل محل أبيها، لو سلمها فدكا من غير محاكمة ؟ ! فان للإمام أن يفعل ذلك بولايته العامة، وما قيمة فدك في سبيل هذه المصلحة ؟ ودفع هذه المفسدة.

وهذا ما قد تمناه لأبي بكر كثير من متقدمي أوليائه ومتأخريهم.

واليك كلمة في هذا الموضوع لعليم المنصورة الأستاذ محمود أبو رية المصري المعاصر، قال: بقي أمر لابد أن نقول فيه كلمة صريحة: ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة رضي ‌الله ‌عنها بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما فعل معها في ميراث أبيها، لانا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال: " انه لا يورث " وانه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فان أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي ‌الله‌ عنها ب عض تركة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخصها بفدك، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما شاء. قال: وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام(١) ، ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي(٢) .

علي ان فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان

____________________

(١) وكان صهره علي أسماء أم عبدالله (منه قدس).

(٢) قلت: وخص بنته أم المؤمنين بالحجرة فدفنته حين مات فيها لي جنب رسول الله ثم دفن فيها خليفته عمر برخصة منها، فلما توفى الحسن ريحانة رسول الله أراد بنو هاشم تجديد العهد فيه بجده. فكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر - فانا لله وانا إليه راجعون (منه قدس) (*).

٨٩

لمروان(٩٩) هذا كلامه بنصه(١٠٠) .

ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب علي الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله . قالوا في آخره: " وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله فضلا عن الدين ". فذيله ابن أبي الحديد بقوله(١) : " وهذا الكلام لا جواب عنه ".

قلت: دعنا من مقتضيات التكرم، ولننظر في المسألة من حيث مقتضيات المحاكمة فنقول: قد تمت الموازين الشرعية التي توجب الحكم للزهراء بنحلتها وكانت مع تمامها متعددة كما لا يخفى علي المنصفين من أولي الألباب.

وحسبهم منها علم الحاكم يومئذ ان هذه المدعية انما هي بمثابة من

____________________

(٩٩) عثمان يعطى فدكا لمروان بن الحكم. راجع: المعارف لابن قتيبة ص ١٩٥، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٦٩، سنن البيهقي ج ٦ / ٣٠١، العقد الفريد ج ٤ / ٢٨٣ ط لجنة التأليف والنشر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٩٨، الغدير للأميني ج ٧ / ١٩٥ وج ٨ / ٢٣٦ - ٢٣٨، وفاء الوفاء ج ٣ / ١٠٠٠، فدك في التاريخ ص ٢٠ - ٢١، سنن أبى داود ج ٢ / ٤٩. وقيل ان الذي أقطعها لمروان هو معاوية بن أبى سفيان: راجع: معجم البلدان للحموي ج ٤ / ٢٤٠، الغدير للأميني ج ٧ / ١٩٥، وفاء الوفاء ج ٣ / ١٠٠٠، فدك في التاريخ ص ٢١ - ٢٢، فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٦.

(١٠٠) وقد نشرته مجلة الرسالة المصرية في عددها ٥١٨ من السنة ١١ فراجعه في ص ٤٥٧ (منه قدس). وقريب منه نقله في كتابه شيخ المضيرة أبو هريرة ص ١٦٩ ط ٣.

(١) في ص ١٠٦ من المجلد الرابع من شرحه لنهج البلاغة حين أتى علي شرح قول أمير المؤمنين في كتابه لعثمان بن حنيف: بلي كانت في أيدينا فدك (منه قدس) (*).

٩٠

القدس تعدل بها مريم بنت عمران(١) وانها أفضل منها(١٠١) وانها ومريم

____________________

(١) بحكم النصوص الصريحة في السنن المتظافرة الصحيحة. فمنها ما أخرجه ابن عبد البر في ترجمة الزهراء من استيعابه وغيره من أعلام اثباتهم: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عادها وهى مريضة فقال: كيف تجدينك يا بنية ؟ قالت: انى لوجعة وانه ليزيدني انى ملي طعام آكله، قال: يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين. قالت: يا أبة فأين مريم بنت عمران ؟. قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة اه‍ (منه قدس).

(١٠١) تفضيلها علي مريمعليها‌السلام أمر مفروغ منه عند أئمة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإمامية وغيرهم، وصرح بأفضليتها علي سائر النساء حتى السيدة مريم كثير من محققي أهل السنة والجماعة كالتقي السبكي، والجلال السيوطي، والبدر، والزركشي، والتقى المقريزي، وابن أبى داود، والمناوي فيما نقله عنهم العلامة النبهاني في فضائل الزهراء ص ٥٩ من كتابه - الشرف المؤبد - وهذا هو الذي صرح به السيد أحمد زيني دحلان مفتى الشافعية، ونقله عن عدة من أعلامهم وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعلي في سيرته النبوية فراجع (منه قدس).

فاطمة الزهراءعليها‌السلام أفضل من مريم بنت عمران. راجع: نور الأبصار للشبلنجى ص ٤٢ ط اليوسفية، الاستيعاب بذيل الإصابة ج ٤ / ٣٦٤، حلية الأولياء ج ٢ / ٤٢، جالية الكدر في شرح منظومة البرزنجي ص ٢٠٢، الأنوار المحمدية للنبهاني ص ١٥٠، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٧٩، مشكل الاثار ج ١ / ٤٨ و ٥٠ و ٥٢، ذخائر العقبى ص ٤٢، المعتصر من المختصر للباجى ج ٢ / ٢٤٧ تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ٩١، نظم درر السمطين ص ١٧٩، طرح التثريب ج ١ / ١٤٩، الإصابة ج ٤ / ٢٧٥، وسيلة المال ص ٨، الثغور الباسمة للسيوطي ص ١٤، ينابيع المودة ص ١٧٤، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٢ / ٦، مشارق الأنوار للحمزواى ص ١٠٥، الشرف المؤبد ص، رشفة الصادى ص ٢٢٦، أعلام النساء لعمر كحالة ج ٣ / ١٢١٥، كنز العمال ج ١٣ / ١٤٥ (*).

٩١

وخديجة وآسية أفضل نساء الجنة(١٠٢) وانها والثلاث خير نساء العالمين(١٠٣) ، وهي التي قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١٠٢) أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في ص ٢٩٣ من الجزء الأول من مسنده، ورواه أبو داود كما في ترجمة خديجة من الاستيعاب، وقاسم بن محمد كما في ترجمة الزهراء من الاستيعاب أيضا (منه قدس). راجع مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٢٩٣ و ٣٢٢ ط الميمنية بمصر، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ / ٢٨٤ و ٣٧٦ ط السعادة، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٦٠، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ج ٣ / ١٦٠ وصححه، ذخائر العقبى ص ٤٢، أسد الغابة ج ٥ / ٤٤٧، الإصابة لابن حجر ج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة وج ٤ / ٣٦٦ ط مصطفى محمد بمصر، ينابيع المودة ص ١٧٢ و ١٧٣ و ١٩٨ و ٢٤٦ ط اسلامبول وص ٢٠٢ و ٢٠٤ و ٢٣٤ ط الحيدرية، مشكل الاثار للطحاوي ج ١ / ٤٨، الاعتقاد البيهقي ص ١٦٥، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ٩٢، تهذيب التهذيب للذهبي ص ١٣٤، كنز العمال ج ١٣ / ١٤٣ منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٢٨٤، الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ / ٢٦٥، الجامع الصغير للسيوطي ج ١ / ١٦٨، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢١٤، البداية والنهاية لابن كثير ج ٢ / ٥٩، تهذيب التهذيب لابن حجر ج ١٢ / ٤٤١، طرح التشريب ص ١٦٩، إرشاد الساري ج ٦ / ١٦٨، البيان والتعريف للحمزاوي ج ١ / ١٢٣، وسيلة المال ص ٨٠، حسن الاسورة ص ٣١، أرجح المطالب ص ٢٤٠ و ٢٤٣، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٢٣٨ رقم ٧٧٠.

(١٠٣) أخرجه أبو داود كما في ترجمة خديجة من الاستيعاب بالإسناد لي أنس، ورواه عبد الوارث بن سفيان كما في ترجمة الزهراء وخديجة من الاستيعاب (منه قدس). راجع: الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ / ٢٨٤ و ٢٨٥ و ٣٧٧ ط السعادة وبذيل الإصابة ج ٤ / ٣٦٥ ط مصطفى محمد بمصر، الإصابة لابن حجر العسقلاني ج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة وج ٤ / ٣٦٦ ط مصطفى محمد بمصر، أسد الغابة ج ٥ / ٤٣٧، ذخائر العقبى ص ٤٤، ينابيع المودة ص ٢٠٤ و ٢١٨ ط الحيدرية وص ١٧٣ ط اسلامبول، تاريخ بغداد ج ٩ / ٤٠٤، البداية والنهاية ج ٢ / ٥٩، تفسير ابن كثير ج ٢ / ٢٢٤، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٢٨٤، كنز العمال ج ١٣ / ١٤٣، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٢٣٩ رقم ٧٧١ (*).

٩٢

" يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة "(١٠٤) .

____________________

(١٠٤) أخرجه البخاري في ص ٦٤ من الجزء الرابع من صحيحه، ومسلم في فضائل فاطمة من الجزء الثاني من صحيحه، والترمذي في الصحيح، وصاحب الجمع بين الصحيحين وصاحب الجمع بين الصحاح الستة، والإمام أحمد من حديث الزهراء ص ٢٨٢ علي الجزء السادس من مسنده وابن عبد البر في ترجمتها من استيعابه، ومحمد بن سعد في ترجمتها من الجزء الثامن من طبقاته، وفى باب ما قاله النبي في مرضه من المجلد الثاني من الطبقات أيضا.

واللفظ الذي تسمعه للبخاري في آخر ورقة من كتاب الاستئذان من الجزء الرابع من صحيحه، قال: حدثنا موسى عن أبى عوانة عن فراس، عن عامر، عن مسروق، قال: حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت: أنا كنا أزواج النبي عنده جميعا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشى لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رآها رحب، وقال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاءا شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية، إذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسر من بيننا، ثم أنت تبكين ؟ ! فلما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سألتها: عم سارك ؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله سره، فلما توفى قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم فأخبرتني. قالت: أما سارني في الأمر الأول فانه أخبرني ان جبرئيل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وانه عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقى الله واصبري، فاني نعم السلف انا لك، قالت فبكيت بكائي الذي رأيت. فلما رأى جزعي سارني الثانية، قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو نساء هذه الأمة أه‍.

قلت: ولفظه فيما ذكره ابن حجر في ترجمتها من الإصابة، وغير واحد من المحدثين: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ؟ وكيف كان فالحديث صحيح، والنص في تفضيلها صريح.

وأخرج ابن سعد في باب ما قاله النبي لها في مرضه من المجلد الثاني من طبقاته بالإسناد لي أم سلمة، قالت: لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا فاطمة فناجاها فبكت، ثم ناجاها فضحكت، فلم أسألها حتى توفى =>

٩٣

وقد علم المسلمون كافة ان الله عزوجل اختارها من نساء الأمة. كما اختار ولديها من الأبناء، واختار بعلها من الأنفس، فهم الخيرة مع رسول الله للمباهلة يوم أوحى الله سبحانه إليه( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١٠٥) .

____________________

=> رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسألتها عن بكائها وضحكها فقالت: أخبرني انه يموت، ثم أخبرني إني سيدة نساء أهل الجنة. الحديث أخرجه أيضا أبو يعلي - كما في ترجمة الزهراء من الإصابة - بالإسناد لي أم سلمة، ورواه عنها غير واحد من أهل الحديث (منه قدس).

فاطمة الزهراء سيدة نساء المؤمنين: راجع: صحيح البخاري ك الاستئذان ب من ناجى بين يدي الناس ج ٨ / ٧٩ ط مطابع الشعب وج ٤ / ٩٦ ط الحلبي بحاشية السندي، صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب - ١٥ - فضائل فاطمة ج ٤ / ١٩٠٥ ط بتحقيق محمد فؤاد، سنن ابن ماجة ك الجنائز ب ٦٤ ج ١ / ٥١٨ بتحقيق محمد فؤاد، الاستيعاب بذيل الإصابة ج ٤ / ٣٦٣، أسد الغابة ج ٥ / ٥٢٢، التاج الجامع للأصول ج ٣ / ٣٧١، حلية الأولياء ج ٢ / ٣٩، مسند أحمد ج ٦ / ٢٨٢، نور الأبصار للشبلنجى ص ٤٥، مسند أبى داود الطيالسي ص ١٩٦، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ / ٢٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦٠، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٥٦، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٥٤، مصابيح السنة للبغوي ج ص، أسد الغابة ج ٥ / ٥٢٢، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ٩٤، الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ / ٢٦٥، كنز العمال ج ١٢ / ١١٠، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٧ ينابيع المودة ص ٢٦٠، إحقاق الحق ج ١٠ / ٢٧، مشكل الاثار ج ١ / ٤٨.

(١٠٥) لنا في الفصل الأول من كلمتنا الغراء حول هذه الخصيصة - المباهلة - مباحث جمة يجدر بكل بحاثة أن يقف عليها (منه قدس). سورة آل عمران آية: ٦١. أجمعت الأمة السلامية ان الآية نزلت في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين =>

٩٤

..

____________________

=>عليهم‌السلام راجع: صحيح مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل علي بن أبى طالب ج ٢ / ٣٦٠ ط عيسى الحلبي وج ١٥ / ١٧٦ ط مصر بشرح النووي وج ٧ / ١٢٠ ط محمد علي صبيح وج ٤ / ١٨٧١ ط مصر بتحقيق محمد فؤاد، صحيح الترمذي ج ٤ / ٣٩٣ وج ٥ / ٣٠١ أفست بيروت، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٢٠ - ١٢٩ ح ١٦٨ و ١٧٠ و ١٧١ و ١٧٢ و ١٧٣ و ١٧٥، المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٣ / ١٥٠ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب علي بن أبى طالب لابن المغازلي ص ٢٦٣ ح ٣١٠، مسند أحمد ج ١ / ١٨٥ ط الميمنية وج ٣ / ٩٧ ح ١٦٠٨ ط دار المعارف، كفاية الطالب للكنجي ص ٥٤ و ٨٥ و ١٤٢ ط الحيدرية وص ١٣ و ٢٨ - ٢٩ و ٥٥ و ٥٩ ط الغرى، ترجمة الإمام علي بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ٢١ ح ٣٠ و ٢٧١، تفسير الطبري ج ٣ / ٢٩٩ و ٣٠٠ و ٣٠١ ط ٢ وج ٣ / ١٩٢ ط الميمنية، الكشاف للزمخشري ج ١ / ١٩٣ ط مصطفى محمد وج ١ / ٣٦٨ - ٣٧٠ ط بيروت، تفسير ابن كثير ج ١ / ٣٧٠ - ٣٧١، تفسير القرطبي ج ٤ / ١٠٤ ط ٣، أحكام القرآن للجصاص ج ٢ / ٢٩٥ ط ٢ بتحقيق القمحاوى وادعى عدم الاختلاف في ذلك، أحكام القرآن لابن عربي ج ١ / ١١٥ ط السعادة وج ١ / ٢٧٥ ط ٢، التسهيل لعلوم التنزيل ج ١ / ١٠٩، فتح البيان في مقاصد القرآن ج ٢ / ٧٢، زاد المسير لابن الجوزي ج ١ / ٣٩٩، فتح القدير للشوكاني ج ١ / ٣١٦ ط ١ وج ١ / ٣٤٧ ط ٢، تفسير الفخر الرازي ج ٢ / ٦٩٩ ط دار الطباعة العامرة بمصر وج ٨ / ٨٥ ط البهية، تفسير أبى السعود بهامش تفسير الرازي ج ٢ / ١٤٣ ط دار الطباعة بمصر، جامع الأصول ج ٩ / ٤٧٠، تفسير الخازن ج ١ / ٣٠٢، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن، تفسير الجلالين للسيوطي ج ١ / ٣٣ ط مصر وص ٧٧ ط بيروت، تفسير البيضاوى ج ٢ / ٢٢، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٩، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٧٢ و ٨٧ و ٩٣ ط الميمنية وص ١١٩ و ١٤٣ و ١٥٣ ط المحمدية وفى المورد الأول من هذه الطبعة حذف اسم الإمام الحسنعليه‌السلام وهو موجود في الطبعة الأولي ص ٧٢ فراجع، الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ص ٥، السيرة الحلبية ج ٢ / ٢١٢ ط البهية وج ٢ / ٢٤٠ ط محمد علي صبيح، السيرة النبوية =>

٩٥

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما نص عليه الإمام الرازي في تفسير الآية من تفسيره الكبير وعليه مرط من شعر اسود وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم: إذا انا دعوت فأمنوا. فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى علي وجه الأرض نصراني لي يوم القيامة(١٠٦) .

وأيضا أجمع المسلمون كافة علي ان الزهراءعليها‌السلام ممن أنزل الله عزوجل فيهم( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ

____________________

=> لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٣ / ٥ ط البهية، المناقب للخوارزمي ص ٦٠ و ٩٧، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١١٠، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٤ / ١٠٨ ط ١ وج ١٦ / ٢٩١ ط مصر بتحقيق أبو الفضل، أسد الغابة ج ٤ / ٢٦، الإصابة لابن حجر ج ٢ / ٥٠٩ ط السعادة وج ٢ / ٥٠٣ ط مصطفى محمد، مرآة الجنان لليافعى ج ١ / ١٠٩، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٥٤، البداية والنهاية ج ٥ / ٥٤ ولم يذكر أمير المؤمنين، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٨، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٤٤، إحقاق الحق للتستري ج ٣ / ٤٦ - ٦٢ وج ٩ / ٧٠ - ٧١، شذرات الذهب (الأئمة الاثنا عشر) ص ٥٣، فرائد السمطين ج ١ / ٣٧٧ وج ٢ / ٢٣ وألف بخصوص هذه الآية عدة مؤلفات منها المباهلة للشيخ عبدالله السبيتى ط في النجف.

(١٠٦) وهذا الحديث ذكره المفسرون والمحدثون وأهل السير والأخبار، وكل من أرخ حوادث السنة العاشرة للهجرة وهى سنة المباهلة، قال الرازي بعد إيراده في تفسيره الكبير: واعلم ان هذه الرواية كالمتفق علي صحتها بين أهل التفسير والحديث. قلت: أين كان الصديق عن هذه الوجوه يوم طالبته بالنحلة فرد دعواها ولم يقبل شهادة من شهد يومئذ منهم (منه قدس). تفسير الرازي ج ٨ / ٨٠، الميزان في تفسير القرآن ج ٣ / ٢٢٢ - ٢٤٤ (*).

٩٦

تَطْهِيرًا ) (١٠٧) .

____________________

(١٠٧) كما فصلناه في الفصل الثاني من كلمتنا الغراء فليراجع بإمعان (منه قدس). سورة الأحزاب آية: ٣٣. نزلت هذه الآية في النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وهم: علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام يوجد ذلك في: صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب - فضائل أهل بيت النبي - ج ٢ / ٣٦٨ ط عيسى الحلبي وج ١٥ / ١٩٤ ط مصر بشرح النووي، صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٠ و ٣٢٨ ط أفست دار الفكر وج ٢ / ٢٠٩ و ٣٠٨ و ٣١٩ ط بولاق وج ١٣ / ٢٠٠ ط آخر المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٣٣ و ١٤٦ و ١٤٧ و ١٥٨ وج ٢ / ٤١٦، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، المعجم الصغير للطبراني ج ١ / ٦٥ و ١٣٥، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ٢ / ١١ - ٩٢ حديث: ٦٣٧ و ٦٣٨ و ٦٣٩ و ٦٤٠ و ٦٤١ و ٦٤٤ و ٦٤٨ و ٦٤٩ و ٦٥٠ و ٦٥١ و ٦٥٢ و ٦٥٣ و ٦٥٦ و ٦٥٧ و ٦٥٨ و ٦٥٩ و ٦٦٠ و ٦٦١ و ٦٦٣ و ٦٦٤ و ٦٦٥ و ٦٦٦ و ٦٦٧ و ٦٦٨ و ٦٧٠ و ٦٧١ و ٦٧٢ و ٦٧٣ و ٦٧٥ و ٦٧٨ و ٦٨٠ و ٦٨١ و ٦٨٦ و ٦٨٩ و ٦٩٠ و ٦٩١ و ٦٩٤ و ٧٠٧ و ٧١٠ و ٧١٣ و ٧١٤ و ٧١٧ و ٧١٨ و ٧٢٩ و ٧٤٠ و ٧٥١ و ٧٥٤ و ٧٥٥ و ٧٥٦ و ٧٥٧ و ٧٥٨ و ٧٥٩ و ٧٦٠ و ٧٦١ و ٧٦٢ و ٧٦٤ و ٧٦٥ و ٧٦٧ و ٧٦٨ و ٧٦٩ و ٧٧٠ و ٧٧٤، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٤ ط مصر و ٨ ط بيروت وص ٤٩ ط النجف، ترجمة الإمام علي بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٨٥ ح ٢٥٠ و ٢٧٢ و ٣٢٠ و ٣٢١ و ٣٢٢، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٥٤ و ٣٧٢ و ١٧٤ و ٣٧٥ وقد صححه و ٣٧٦ ط الحيدرية وص ١٣ و ٢٢٧ و ٢٣٠ وقد صححه و ٢٣١ و ٢٣٢ ط الغرى، مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٣٣٠ وج ٣ / ٢٥٩ و ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٢٩٦ و ٢٩٨، و ٣٠٤ و ٣٠٦ ط الميمنية وج ٥ / ٢٥ بسند صحيح ط دار المعارف بمصر، أسد الغابة ج ٢ / ١٢ و ٢٠ وج ٣ / ٤١٣ وج ٥ / ٥٢١ و ٥٨٩، ذخائر العقبى ص ٢١ و ٢٣ و ٢٤، أسباب النزول للواحدي ص ٢٠٣، المناقب للخوارزمي ص ٢٣ و ٢٢٤، تفسير الطبري ج ٢٢ / ٦ و ٧ و ٨ ط ٢، الدر المنثور ج ٥ / ١٩٨ و ١٩٩، أحكام القرآن للجصاص ج ٥ / ٢٣٠ ط عبد الرحمن =>

٩٧

..

____________________

=> محمد وج ٥ / ٤٤٣ ط القاهرة، مناقب علي بن أبى طالب لابن المغازلي ص ٣٠١ ح ٣٤٥ و ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥٠ و ٣٥١، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٧٨ ط محمد علي صبيح وج ٢ / ٢٠٤ ط الخشاب، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٥٤، الكشاف للزمخشري ج ١ / ١٩٣ ط مصطفى محمد وج ١ / ٣٦٩ ط بيروت، تفسير ابن كثير ج ٣ / ٤٨٣ و ٤٨٤ و ٤٨٥ ط ٢، تفسير القرطبي ج ١٤ / ١٨٢، التسهيل لعلوم التنزيل ج ٣ / ١٣٧، التفسير لمعالم التنزيل للجاوى ج ٢ / ١٨٣، الإتقان في علوم القرآن ج ٤ / ٢٤٠ ط المشهد الحسينى بمصر وج ٢ / ٢٠٠ ط آخر، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى ص ٢٣٣، مطالب السؤل ج ١ / ١٩ و ٢٠ ط النجف وص ٨ ط طهران، أحكام القرآن لابن عربي ج ٢ / ١٦٦ ط مصر وج ٣ / ١٥٢٦ ط آخر، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٨، الإصابة لابن حجر ج ٢ / ٥٠٢ وج ٤ / ٣٦٧ ط مصطفى محمد وج ٢ / ٥٠٩ وج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة، فرائد السمطين للحموينى ج ٢ / ٩ و ٢٢، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ٦٣ ح ١١٣ - ١٢٨، الصواعق المحرقة ص ٨٥ و ١٣٧ ط الميمنية وص ١٤١ و ٢٢٧ ط المحمدية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٦، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٣ / ٣٢٩ و ٣٣٠ ط البهية وج ٣ / ٣٦٥ ط محمد علي صبيح، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٠٤ و ١٠٥ و ١٠٦ ط السعيدية وص ٩٧ و ٩٨ ط العثمانية، فتح القدير للشوكاني ج ٤ / ٢٧٩، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٠٢ ط السعيدية وص ١٠١ ط العثمانية وص ١١٢ ط مصطفى محمد، إحقاق الحق للتستري ج ٢ / ٥٠٢ - ٥٤٧، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٢٤ - ٢٤٣، الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٧ ط السعادة وج ٣ / ٣٧ ط مصطفى محمد، ينابيع المودة للقندوزى ص ١٠٧ و ١٠٨ و ٢٢٨ و ٢٢٩ و ٢٣٠ و ٢٤٤ و ٢٦٠ و ٢٩٤ ط اسلامبول وص ١٢٤ و ١٢٥ و ١٢٦ و ١٣٥ و ١٩٦ و ٢٢٩ و ٢٦٩ و ٢٧١ و ٢٧٢ و ٣٥٢ و ٣٥٣ ط الحيدرية، العقد الفريد ج ٤ / ٣١١ ط لجنة التأليف والنشر بمصر وج ٢ / ٣٩٤ ط دار الطباعة العامرة وج ٢ / ٢٧٥ ط آخر فتح البيان في مقاصد القرآن ج ٧ / ٣٦٣ و ٣٦٤ و ٣٦٥، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٨ ط ٢، الأنوار المحمدية للنبهاني ص ٤٣٤، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦٠، الفضائل =>

٩٨

وأنها ممن افترض الله مودتهم علي الأمة وجعلها أجر رسالته " ص "(١٠٨) .

____________________

=> لأحمد بن حنبل ترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٧، ولأجل المزيد من المصادر، وان أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين، دون نساء النبي باعتراف أم سلمة زوجة الرسول وعائشة، وان الرسول كان يمر علي باب علي وفاطمة ستة أشهر ويقرء الآية. راجع كل ذلك في كتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ٣٦ رقم ٦٩ طبع في بغداد وبيروت).

(١٠٨) كما فصلناه في الفصل الثالث من كلمتنا الغراء (منه قدس). إشارة لي قوله تعلي: "( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) " سورة الشورى آية: ٢٣. هذه الآية نزلت في قربى الرسول وهم: علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام . راجع: شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ١٣٠ ح ٨٢٢ و ٨٢٣ و ٨٢٤ و ٨٢٦ و ٨٢٧ و ٨٢٨ و ٨٣٢ و ٨٣٣ و ٨٣٤ و ٨٣٨، مناقب علي بن أبى طالب لابن المغازلي ص ٣٠٧ ح ٣٥٢ ذخائر العقبى ص ٢٥ و ١٣٨، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٧٢، تفسير الطبري ج ٢٥ / ١٤ و ١٥ ط الميمنية وج ٢٥ / ٢٥ ط ٢، تفسير الكشاف للزمخشري ج ٣ / ٤٠٢ ط مصطفى محمد وج ٤ / ٢٢٠ ط بيروت، تفسير الفخر الرازي ج ٧ / ٤٠٥ - ٤٠٦ ط الدار العامرة وج ٢٧ / ١٦٦ ط عبدالرحمن محمد، تفسير البيضاوي ج ٤ / ١٢٣ ط مصطفى محمد وج ٥ / ٥٣ ط بيروت وص ٦٤٢ ط العثمانية، تفسير ابن كثير ج ٤ / ١١٢ ط ٢، مجمع الزوائد ج ٧ / ١٠٣ وج ٩ / ١٦٨، فتح البيان في مقاصد القرآن ج ٨ / ٣٧٢ تفسير القرطبي ج ١٦ / ٢٢، فتح القدير للشوكاني ج ٤ / ٥٣٧، الدر المنثور ج ٦ / ٧، تفسير النسفي ج ٤ / ١٠٥، الصواعق المحرقة ص ١٠١ و ١٣٥ و ١٣٦ ط الميمنية وص ١٦٨ و ٢٢٥ ط المحمدية، مطالب السؤل لابن طلحة ص ٨ ط طهران وج ١ / ٢١ ط النجف، الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١١، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٩١ و ٩٣ و ٣١٣ ط الحيدرية وص ٣١ و ٣٢ و ١٧٥ و ١٧٨ ط الغرى، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ١ و ٥٧، الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ص ٥ و ١٣، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٠، نظم درر السمطين ص ٢٤، نور الأبصار ص ١٠٢ ط السعيدية وص ١٠٦ ط العثمانية، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٧٢، =>

٩٩

وأنها ممن تعبد الله الخلق بالصلاة عليهم(١٠٩) كما تعبدهم بالشهادتين في كل فريضة. ولله ما قاله - الإمام الشافعي - كما في الصواعق المحرقة وغيرها :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر إنكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له(١١٠)

وقال الشيخ ابن العربي - كما في الصواعق المحرقة وغيرها :

رأيت ولائي آل طه فريضة

علي رغم أهل البعد يورثني القربى

____________________

=> ينابيع المودة للقندوزى ص ١٠٦ و ١٩٤ و ٢٦١ ط اسلامبول وص ١٢٣ و ٢٢٩ و ٣١١ ط الحيدرية وج ١ / ١٠٥ وج ٢ / ١٩ و ٨٥ ط صيدا، حلية الأولياء ج ٣ / ٢٠١، الغدير للأميني ج ٢ / ٣٠٦ - ٣١١ ط بيروت، إحقاق الحق للتستري ج ٣ / ٢ - ٢٢ وج ٩ / ٩٢ - ١٠١، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٥٩، الأنوار المحمدية للنبهاني ص ٤٣٤.

(١٠٩) وجوب الصلاة علي آل محمد في أثناء الصلاة الواجبة: راجع: الغدير للأميني ج ٢ / ٣٠٢، الصواعق لابن حجر ص ٨٧ و ١٣٩ ط الميمنية وص ١٤٤ - ١٤٥ و ٢٣١ ط المحمدية، تفسير الرازي ج ٧ / ٣٩١ ط الدار العامرة بمصر، ذخائر العقبى ص ١٩، المستدرك للحاكم ج ١ / ٢٦٩، فضائل الخمسة ج ١ / ٢٠٨. ولأجل المزيد من المصادر وكيفية الصلاة علي آل محمد ونزول آية (ان الله وملائكته.) راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت تسلسل - ١٢٦ -).

(١١٠) أبيات الإمام الشافعي في حب أهل البيت: راجعها في: الصواعق المحرقة ص ٨٨ ط الميمنية وص ١٤٦ ط المحمدية، ينابيع المودة للقندوزى ص ٣٥٤ ط الحيدرية وص ٢٩٥ ط اسلامبول، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١٨ ط السعيدية وص ١٠٨ ط العثمانية، الإتحاف بحب الأشراف ص ٢٩، نور الأبصار للشبلنجى ص ١٠٥ ط السعيدية وص ١٠٣ ط العثمانية، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج ٣ / ٣٣٢، الغدير للأميني ج ٣ / ١٧٣ وغيرها من مصادر. (*)

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

يقول الأُستاذ الطنطاوي: ويعتقد بعض العلماء اليوم أنّ تبادل الخواطر هو مستوى القوّة التي تُمكّن الشخص مِن نقل آرائه إلى شخصٍ آخر بدون أيّة واسطة مادّية أو ظاهريّة، فهل هذا الرأي مُمكن أو مُحتمل الوقوع؟ وإجابةً على ذلك يقول العالِم الإنجليزي (برسي): إنّ نقل الأفكار قد يحدث في أوقات شاذّة وحالات خاصّة، وذلك مالا يُعارض فيه أحد من الباحثينَ، ولكنّه لا ينطبق على الحالات العامّة، وذلك التبادل قد يُرى بوضوح بين الحشرات والحيوانات قد اقتربت حشرةً من أُخرى. قال: وبذلك نعرف أنّ الحيوانات تُكلّم بعضها بنقل الخواطر، والنَّمل من هذا القبيل، وأنّ الإنسان مُستعدّ لذلك؛ لأنّه من جُملة مواهبه، ولكن هذه المـَوهبة تجيء تارةً بطريق الوحي الخارق للعادة وتارةً بالتَمرين (1) .

فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً

زَعَموا أنّ القرآن ذَكَر مراحل تكوين الجنين فيما يُخالف العِلم الثابت اليوم!

ففي قوله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (2) .

جاء في تفسير الجلالَين: ( عَلَقَةً ) دماً جامداً، ( مُضْغَةً ) لَحمَة قَدَر ما يُمضغ (3) .

وهكذا جاء في تفسير المراغي (4) وغيره مِن المتأخّرين.

ومعنى ذلك: أنّ النطفة تحوّلت دماً مُتخثّراً، وتحوّل الدم إلى مُضغةٍ أي لَحمَة شِبه ممضوغة أو بقدرها، ثمّ تحوّلت اللَحمة إلى العظام.

الأمر الذي يتنافى مع العِلم القائل بأنّ اللحم ينبت على العظام بعد خَلقها، كما هو صريح القرآن أيضاً وهذا يبدو متناقضاً ( فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ) !!

____________________

(1) تفسير الجواهر، ج13، ص158 - 159.

(2) المؤمنون 23: 12 - 14.

(3) تفسير الجلالَين، ج2، ص44.

(4) تفسير المراغي، ج18، ص8.

٣٢١

غير أنّ هذه الشُبهة نشأت مِن خطأ هؤلاء المفسّرين وليست واردة على القرآن.

فقد كان تعبير القرآن أنّ النُطفة - وهي خليّة الذَكَر تمتزج ببويضة المرأة - تتحوّل إلى علقة: كُرة جرثوميّة لها خلايا آكلةً وقاضمةً تُعلّق بواسطتها وبواسطة حملات دقيقة بجدار الرحم، تتغذّى بدم المرأة، وهذه النُطفة الصغيرة العالقة تشبه دودة العَلَقة التي تَمتصّ الدم.

ثمّ إنّ هذه العَلَقَة تتحوّل إلى كُتلة غُضروفيّة تشبه ممضوغة العِلك في الفم، وتكون منشأ لتكوين العظام ثُمّ تكوين العضلات بعد بِضعة أيّام؛ لتكسو العظام أي تُغطّيها وتلتحم معها.

ومعنى ذلك: أنّ العِظام تسبق العضلات، ثُمّ تكسو العضلات العظام، وصدق الله العظيم حيث يقول: ( فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ) .

قال سيّد قطب: وهنا يَقف الإنسان مدهوشاً أمام ما كَشَف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تُعرف على وجه الدقّة إلاّ أخيراً بعد تقدّم عِلم الأجنّة التشريحي، ذلك أنّ خلايا العظام غير خلايا اللحم (العضلات)، وقد ثبت أنّ خلايا العِظام هي الّتي تتكوّن أَوّلاً في الجنين، ولا تُشاهد خليّة واحدة من خلايا اللحم إلاّ بعد ظهور خلايا العِظام وتمام الهيكل العظمي للجنين، وهي الحقيقة التي يُسجّلها النصّ القرآني (1) .

وقد أشبعنا الكلام في ذلك عند الكلام عن إعجاز القرآن العلمي في الجزء السادس من التمهيد.

وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ

يبدو من ظاهر تعبير آيات قرآنيّة أنّ النجوم جُعلت شُهُباً يُرمى بها الشياطين، قال تعالى: ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ ) (2) .

وقال ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى

____________________

(1) في ظِلال القرآن، ج 18، ص 16 - 17.

(2) المـُلك 67: 5.

٣٢٢

الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) (1) .

وقال سبحانه: ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً ) (2) .

وقال عزّ مَن قائل: ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) (3) .

غير خفيّ أنّ الشُهُب والنيازك إنّما تَحدث في الغلاف الغازي (الهواء) المحيط بالأرض؛ وقايةً لها، وقُدّر سُمكُه بأكثر من ثلاثمِئة كيلومتر، وذلك على أثر سقوط أحجار هي أشلاء متناثرة في الفضاء المتبقّية من كواكب اندثرت تعوم عبر الفضاء، فإذا ما اقتربت من الأرض انجذبت إليها بسرعة هائلة ما بين 50 و 60 كيلومتراً في الثانية، تخترق الهواء المحيط بالأرض، ولاحتكاكها الشديد بالهواء من جهةٍ ولتأثير الغازات الهوائيّة من جهةٍ أخرى تَحترق وتلتهب شعلة نار، لتتحوّل إلى ذرّات عالقة في الهواء مُكوّناً منها الغُبار الكوني، وهي في حال انقضاضها - وهي تشتعل ناراً - تُرى بصورة نجمة وهّاجة ذات ذَنب مستطيل تُدعى الشُهُب والنيازك.

فليست الشُهُب سِوى أحجار مُلتهبة في الهواء المحيط بالأرض، قريبة منها! فما وجه فَرضها نُجوماً في السماء يُرجم بها الشياطين الصاعدة إلى الملأ الأعلى؟!

لكن يجب أنْ نعلم قبل كلّ شيء أنّ التعابير القرآنيّة - وهي آخذة في الحديث عن كائنات ما وراء المادّة - ليس ينبغي الأخذ بظاهرها اللفظي؛ حيث الأفهام تقصر عن إدراك ما يفوق مستواها المادّي المحدود، والألفاظ أيضاً تضيق عن الإدلاء بتلك المفاهيم الرقيقة البعيدة عن متناول الحسّ.

وبتعبير اصطلاحي: إنّ الأفهام وكذا الألفاظ محدودة في إطار المادّة الكثيفة، فلا تَنال المجرّدات الرقيقة.

____________________

(1) الصافّات 37: 7 - 10.

(2) الجنّ 72: 8 و 9.

(3) الحجر 15: 16 - 18.

٣٢٣

وعليه، فكلّ تعبير جاء بهذا الشأن إنّما هو مجاز واستعارة وتمثيل بِلا ريب.

فلا تَحسب مِن الملأ الأعلى عالَماً يشبه عالَمَنا الأسفل، سوى أنّه واقع في مكان فوق أجواء الفضاء؛ لأنّه تصوّر مادّي عن أمرٍ هو يفوق المادةّ ومُتجرّد عنها، وعليه، فَقِس كلّ ما جاء في أمثال هذه التعابير.

فلا تتصوّر من الشياطين أجساماً على مثال الأناسي والطيور، ولا رَجمها بمِثل رمي النُشّاب إليها، ولا مُرودها بمثل نفور الوحش، ولا استماعها في محاولة الصعود إلى الملأ الأعلى بالسارق المتسلّق على الحيطان، ولا قذفها بمثل قذف القنابل والبندقيات، ولا الحرس الذين ملئوا السماء بالجنود المتصاكّة في القِلاع، ولا رصدها بالكمين لها على غِرار ميادين القتال... إذ كلّ ذلك تشبيه وتمثيل وتقريب في التعبير لأمرٍ غير محسوس إلى الحسّ لغرض التفهيم، فهو تقريبٌ ذهني، أمّا الحقيقة فالبون شاسع والشُقّة واسعة والمسافة بينهما بعيدة غاية البُعد.

قال العلاّمة الطباطبائي: إنّ هذه التعابير في كلامه تعالى من قبيل الأمثال المضروبة؛ ليُتصوّر بها الأمور الخارجة عن محدودة الحسّ في صور المحسوسات للتقريب إلى الأذهان، وهو القائل عزّ وجلّ: ( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاّ الْعَالِمُونَ ) (1) (أي لا يتعقّلها ولا يعرف مغزاها إلاّ مَن عَرف أنها أمثال ظاهريّة ضُربت للتقريب محضاً).

قال: وأمثال هذه التعابير كثير في القرآن كالحديث عن العرش والكرسي واللوح والكتاب وغيرها.

قال: وعلى هذا، فيكون المـُراد من السماء التي مَلأَتْها الملائكة: عالَماً ملكوتيّاً هو أعلا مرتبة من العالم المشهود، على مِثال اعتلاء السماء الدنيا من الأرض، والمـُراد من اقتراب الشياطين إليها واستراق السمع والقذف بالشُهب: اقترابهم من عالم الملائكة لغرض؛ الاطّلاع على أسرار الملكوت، وثَمّ طردهم بما لا يَطيقون تَحمّله مِن قذائف النور،

____________________

(1) العنكبوت 29: 43.

٣٢٤

أو محاولتهم لتلبيس الحقّ الظاهر، وثَمّ دحرهم ليعودوا خائبينَ (1) ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) (2) .

والآيات من سورة الجنّ لعلّها إشارة إلى هذا المعنى، حيث هي ناظرة إلى بعثة نبيّ الإسلام، وقد أَيسَ الشيطان من أنْ يُعبد وعلا نفيره.

قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولقد سمعتُ رنّةَ الشيطان حين نَزل الوحي عليه (صلّى الله عليه وآله) فقلتُ: يا رسولَ الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيسَ من عبادته) (3) .

يقول تعالى في سورة الجنّ: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناًَ عَجَباً - إلى قوله: - وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً ) (4) ، فهي حكاية عن حالٍ حاضرة وَجَدَتها الجنّ حينما بُعث نبيّ الإسلام.

وبهذا يشير قوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (5) ، وقوله: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) (6) .

نعم، كانت تلك بُغية إبليس أنْ يتلاعب بوحي السماء ولكن في خيبة آيسة: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى (ظهور شريعته) أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (7) ، أي حاول إبليس الحؤول دون بلوغ أُمنيّة الأنبياء، فكان يَندحر ويَغلب الحقّ الباطل وتَفشل دسائسه في نهاية المطاف.

أمّا عند ظهور الإسلام فقد خاب هو وجنوده منذ بدء الأمر وخَسِر هنالك المـُبطلون.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (فلمـّا وُلد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حُجِب (إبليس) عن السبع السماوات ورُميت الشياطين بالنجوم...) (8) .

____________________

(1) تفسير الميزان، ج 17، ص 130 نقلاً مع تصرّفٍ يسير.

(2) الأنبياء 21: 18.

(3) نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، ص 301.

(4) الجنّ 72: 1 - 9.

(5) الحجر 15: 9.

(6) الفتح 48: 28.

(7) الحجّ 22: 52.

(8) الأمالي للصدوق، ص 253، المجلس 48، وبحار الأنوار، ج 15، ص 257.

٣٢٥

وفي حديث الرضا عن أبيه الكاظم عن أبيه الصادق (عليهم السلام) في جواب مُساءَلة اليهود: (أنّ الجنّ كانوا يَسترقون السمعَ قَبل مَبعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فمُنِعت مِن أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم وبُطلان (عمل) الكَهَنة والسحرة) (1) .

وهكذا حاول الشيخ الطنطاوي تأويل ظواهر التعابير الواردة في هذه الآيات إلى إرادة التمثيل، قال - ما مُلخّصه -: إنّ العلوم التي عَرفها الناس تُراد لأَمرَين: إمّا لمعرفة الحقائق لإكمال العقول، أو لنظام المعايش والصناعات لتربية الجسم، وإلى الأَوّل أشار بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً ) (2) ، وإلى الثاني قوله: ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ) (3) ، وكلّ مَن خالف هاتَين الطريقتَين فهو على أحد حالَين: إمّا أنْ يُريد ابتزاز أموال الناس بالاستعلاء بلا فائدة، وإمّا أنْ يُريد الصيت والشُهرة وكسب الجاه، وكلاهما لا نفع في عِلمه ولا فضل له.

فمَن طلب العِلم أو أكثر في الذِكر؛ ليكون عالةً على الأُمّة فهو داخلٌ في نوع الشيطان الرجيم، مرجوم مُبعدٌ عن إدراك الحقائق ومُعذّبٌ بالذّل والهوان، وهذا مِثال قوله تعالى:) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى (فلا يعرفون حقائق الأشياء) وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً ) بما رُكّب فيهم من الشهوات وما اُبتلوا من العاهات ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) أي في أَمل متواصل مُلازم لهم مدى الحياة، فلو حاول أنْ يَخطِف خَطفة من الحقائق حالت دون بلوغه لها الأميال الباطلة ( فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) (4) .

نعم ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) (5) ، ولا شكّ أنّها كناية عن حرمانهم العناية الربّانيّة المـُفاضة مِن مَلكوت أعلى، الأمر الذي أُنعِمَ به الرّبانيّون في هذه الحياة: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) (6) ، فملائكة الرَحمة تَهبط إليهم وهم في مواضعهم آمنون مستقرّون سائرون في طريقهم صُعُداً إلى قمّة الكمال.

____________________

(1) بحار الأنوار، ج 17، ص 226 عن قرب الإسناد للحميري، ص 133.

(2) الحجر 15: 16.

(3) الأعراف 7: 10، الحجر 15: 20.

(4) الصافّات 37: 6 - 10. راجع: تفسير الجواهر، ج 8، ص 13، وج 18، ص 10.

(5) الأعراف 7: 40.

(6) فصّلت 41: 30.

٣٢٦

وكذلك قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) (1) ، أي آخذ في الصعود إلى سماء العزّ والشرف والسعادة. ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (2) ، فما هذا الصعود وهذا الرفع؛ إلاّ ترفيعاً في مدارج الكمال.

وهكذا جاء التعبير بفتح أبواب السماء كنايةً عن هطول المطر ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ) (3) ، وأمثال هذا التعبير في القرآن كثير (4) ، والجميع مَجاز وليس على الحقيقة سواء في المعنويّات أم الماديّات، فلو كان عيباً لعَابَه العرب أصحاب اللغة العَرباء في الجزيرة، لا أرباب اللغة العجماء من وراء البحار.

وأمّا النجوم التي يُرجم بها الشياطين (أبالسة الجنّ والإنس) فهم العلماء الربّانيّون المتلألئون في أُفق السماء، يقومون في وجه أهل الزيغ والباطل فيَرجموهم بقذائف الحُجج الدامغة ودلائل البيّنات الباهرة، ويَرمونهم من كلّ جانب دحوراً.

فسماء المعرفة مُلئت حرساً شديداً وشُهُباً. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (يَحمل هذا الدِّين في كلِّ قَرن عدولٌ يَنفون عنه تأويل المـُبطلينَ وتحريف الغالينَ وانتحال الجاهلين...) (5) .

وقد أطلق النُجوم على أئمة الهُدى ومصابيح الدُجى من آل بيت الرسول (عليهم السلام) فقد روى عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (6) قال: النُجوم آل مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) (7) .

وفي حديث سلمان الفارسي رضوان الله عليه قال: خَطَبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: (مَعاشرَ الناسِ، إنّي راحل عنكم عن قريب ومُنطلق إلى المـَغيب، أُوصيكم في عترتي خيراً وإيّاكم والبِدع، فإنّ كلّ بِدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالة وأهلها في النار، معاشرَ الناسِ، مَن افتقدَ الشمس فليتمسّك بالقمر، ومَن افتقدَ القمر فليتمسّك بالفرقَدَين، ومَن افتقدَ الفرقَدَين فليَتمسّك بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي واستغفر اللّه لي ولكم).

____________________

(1) إبراهيم 14: 24.

(2) فاطر 35: 10.

(3) القمر 54: 11.

(4) الأنعام 6: 44، الأعراف 7: 96، الحجر 15: 14، النبأ 78: 19.

(5) بحار الأنوار، ج2، ص93، رقم 22 من كتاب العلم.

(6) الأنعام 6: 97.

(7) تفسير القميّ، ج1، ص211.

٣٢٧

قال سلمان: فتَبِعتُه وقد دَخل بيت عائشة وسألتُه عن تفسير كلامه فقال - ما ملخّصه -: (أنا الشمس وعليٌّ القمر، والفرقَدان الحسن والحسين، وأمّا النجوم الزاهرة فالأئمة مِن وُلد الحسين واحداً بعد واحد...) (1) (كلّما غابَ نجمٌ طلعَ نجمٌ إلى يوم القيامة) كما في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رحمة اللّه عليهما قاله في شأن أهل البيت (عليهم السلام) (2) .

وفي حديث أبي ذر رضوان اللّه عليه التعبير عنهم بـ (النُجُوم الهادية) (3) وأمثال ذلك كثير.

سبع سماوات عُلا

قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ - إلى قوله: - وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) (4) .

ظاهر التعبير أنّ السماوات السبع هي أجواء وفضاءات متراكبة بعضُها فوق بعضٍ؛ لتكون الجميع محيطةً بالأرض من كلّ الجوانب ( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ) (5) ، حيث الفوقيّة بالنسبة إلى جسم كريّ - هي الأرض - إنّما تعني الإحاطة بها من كلّ جانب.

وأيضاً فإنّ السماء الدنيا - وهو الفضاء الفسيح المـُحيط بالأرض - هي التي تَزينَّت بزينة الكواكب ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ) (6) ، والظاهر يقتضي التركيز فيها، وإنْ كان مِن المـُحتمل تَجلّلها بما تُشِعّ عليها الكواكبُ من أنوار!

ويبدو أنّ هذا الفضاء الواسع الأرجاء - بما فيه من أَنجم زاهرة وكواكب مضيئة لامعة - هي السماء الأُولى الدنيا، ومن ورائها فضاءات ستٌّ في أبعادٍ مُترامية، هي مليئة بالحياة لا يعلم بها سِوى صانعها الحكيم، ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً ) (7) .

والعقل لا يفسح المجال لإنكار ما لم يَبلغه العلم، وهو في بدء مراحله الآخذة إلى الكمال.

____________________

(1) بحار الأنوار، ج36، ص 289، عن كتاب كفاية الأثر للخزّار الرازي، باب ما جاء عن سلمان في النصّ على الأئمة الاثني عشر، ص293.

(2) بحار الأنوار، ج40، ص203 عن جامع الأخبار للصدوق، ص15.

(3) راجع: بحار الأنوار، ج28، ص275.

(4) الملك 67: 3 - 5.

(5) النبأ 78: 12.

(6) ق 50: 6.

(7) الإسراء 17: 85.

٣٢٨

نعم، يزداد العلم يقيناً - كلّما رَصَد ظاهرة كونيّة - أنّ ما بَلَغه ضئيل جدّاً بالنسبة إلى ما لم يبلغه، ويزداد ضآلةً كلّما تقدّم إلى الأمام؛ حيث عَظَمة فُسحة الكون تَزداد اُبّهةً وكبرياءً كلّما كُشف عن سرٍّ من أسرار الوجود وربّما إلى غير نهاية، لاسيّما والكون في اتّساع مطّرد: ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (1) .

هذا وقد حاول بعضهم - في تَكلّفٍ ظاهر - التطبيق مع ما بَلغه العِلم قديماً وفي الجديد مِن غير ضرورة تدعو إلى ذلك، ولعلّ الأناة حتّى يأتي يوم يساعد التوفيق على حلّ هذا المجهول من غير تكلّفٍ، كانت أفضل.

يقول سيّد قطب: لا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يَصل إليه عِلمنا؛ لأنّ علمنا لا يُحيط بالكون حتّى نقول على وجه التحقيق: هذا ما يريده القرآن، ولن يصحّ أنْ نقول هكذا إلاّ يوم يَعلم الإنسان تَركيبَ الكون كلّه عِلماً يقيناً، وهيهات... (2)

وإليك بعض محاولات القوم: حاول بعض القُدامى تطبيق التعبير الوارد في القرآن على فرضيّة بطلميوس لهيئة الأفلاك التي هي مَدارات الكواكب فيما حَسبه حول الأرض (3) ، ولكن من غير جَدوى؛ لأنّ الأفلاك في مزعومتِه تسعة؛ ومِن ثَمَّ أضافوا على

____________________

(1) الذاريات 51: 47.

(2) في ظِلال القرآن، ج28، ص152.

(3) زَعموا أنّ الأرض في مركز العالَم، وأنّ القمر وعطارد والزُهرة والشمس والمرّيخ والمشتري وزحل سيّارات حولها، في مَدارات هي أفلاك بعضها فوق بعض بنفس الترتيب، وكلّ وأحدٍ منها في فَلكٍ دائر حول الأرض من الغرب إلى الشرق في حركةٍ معاكسةٍ لحركتها اليوميّة من الشرق إلى الغرب على أثر تحريك الفَلك التاسع، المـُسمّى عندهم بفَلك الأفلاك أو بالفَلك الأطلس؛ لعدم وجود نجم فيه وأمّا النجوم الثوابت فهي مركوزة في الفَلك الثامن، فهذه تسعة أفلاك مُحيطة بالأرض بعضها فوق بعض.

وهكذا جاء في إنجيل برنابا من كلام المسيح (عليه السلام): أنّ السماوات تسع، فيها السيّارات، وتَبعُد إحداها عن الأُخرى مسيرة خمسمِئة عام.

ولمـّا تُرجمت فلسفة اليونان إلى العربيّة، ودَرَسها علماء الإسلام وَثقوا بأنّ الأفلاك تسعة، وقال بعضهم: هي سبع سماوات، والكرسي فَلك الثوابت، والعرش هو الفَلك المـُحيط.

والغريب أنّ مِثل مُحيي الدين ابن عربي اغترّ بهذه الغريبة وحسبها حقيقة وبنى عليها معارفَه الإشراقيّة فيما زعم، (راجع: الفتوحات المكّيّة، الباب 371 والفصل الثالث منه، ج3، ص416 و433، وكذا الفصّ الإدريسي من فصوص الحكم، ج1، ص75)، وهكذا شيخنا العلاّمة بهاء الدين العاملي في كتابه تشريح الأفلاك، وهو عجيب!

ولقد أَعجبني كلام أبي الحسن علي بن عيسى الرّمّاني المـُعتزلي في تفسير الآية، حيث أنكر إرادة الأفلاك البطلميوسيّة من السماوات السبع في القرآن؛ محتجّاً بأنّه تفسير يُخالف ظاهر النصّ، راجع: تفسير التبيان للشيخ الطوسي، ج1، ص 127.

٣٢٩

السماوات السبع - الواردة في القرآن - العرش والكرسي؛ ليَكتمل التسع ويحصل التطابق بين القرآن وفرضيّةٍ أساسُها الحَدسُ والتخمينُ المجرّد.

وأمّا المحدَثون فحاولوا التطبيق على النظرة الكوبرنيكيّة الحديثة، حيث الشمس هي نواة منظومتها والكُرات دائرة حولها ومنها الأرض مع قمرها (1) .

زَعَموا أنّ المـُراد بالسماوات السبع، هي الأجرام السماويّة، الكُرات الدائرة حول الشمس، تُرى فوق الأرض في أُفقها. فالسماوات - في تعبير القرآن على هذا الفرض - هي الأجرام العالقة في جوّ السماء (وكان جديراً أنْ يُقال - بَدلَ السماوات - السماويّات).

يقول الشيخ الطنطاوي: هذا هو الذي عرفه الإنسان اليوم من السماوات. فَقَايسَ بين ما ذَكَره علماء الإسكندريّة بالأمس، ويبن ما عرفه الإنسان الآن، إنّ عظمة اللّه تَجلّت في هذا الزمان..

إذن فما جاء في إنجيل برنابا مَبنيّاً على عِلم الإسكندرون أصبح لا قيمة له بالنسبة للكشف الحديث الذي يُوافق القرآن (2) .

ويزداد تَبّجُحاً قائلاً: إذن دين الإسلام صار الكشف الحديث مُوافقاً له، وهذه معجزة جديدة جاءت في زماننا.

ثُمَّ يورد أسئلةً وُجّهت إليه، منها: التعبير بالسبع، فيجيب: أنّ العدد غير حاصر، فسواء قُلت سبعاً أو ألفاً فذلك كلّه صحيح؛ إذ كلّ ذلك من فعل اللّه دالّ على جماله وكماله.

____________________

(1) جاءت النظرية على الأَساس التالي:

1 - الشمس: نَواة المنظومة.

2 - نجمة فلكان: بُعدها عن الشمس 13 مليون ميلاً، ودورها المحوري 18 ساعة، ودورها حول الشمس 20 يوماً.

3 - كوكب عطارد: بُعدها 35 مليون ميلاً دَورها المحوري 24 ساعة و5 دقائق، حول الشمس 88 يوماً.

4 - الزُهرة: بُعدها 66 مليون ميلاً، دَورها المحوري 23 ساعة و22 دقيقة، حول الشمس 225 يوماً.

5 - الأرض: بُعدها 93 مليون ميلاً، دَورها المحوري 24 ساعة، حول الشمس 365 يوماً.

6 - المرّيخ: بُعدها 140 مليون ميلاً، دَورها المحوري 24 ساعة و38 دقيقة، حول الشمس 687 يوماً.

7 - المشتري: بُعدها 476 مليون ميلاً، دَورها المحوري 10 ساعات، حول الشمس 12 سنة.

8 - زُحل: بُعدها 876 مليون ميلاً، دَورها المحوري 10 ساعات و 15 دقيقة، حول الشمس 29 سنة ونصفاً.

9 - أُورانوس: بُعدها 1753 مليون ميلاً، دَورها المحوري 10 ساعات، حول الشمس 84 سنة وأُسبوعا.

10 - نبتون: بُعدها 2746 مليون ميلاً، دَورها المحوري مجهول، حول الشمس 164 سنة و285 يوماً.

راجع: الهيئة والإسلام للسيّد هبة الدين الشهرستاني، ص61 - 62.

(2) تفسير الجواهر، ج1، ص49 الطبعة الثانية.

٣٣٠

وأخيراً يقول: إنّ ما قُلناه ليس القصد منه أنْ يَخضع القرآن للمباحث (العلميّة) فإنّه ربّما يَبطل المذهب الحديث كما بَطل المذهب القديم، فالقرآن فوق الجميع، وإنّما التطبيق؛ كان ليأنس المؤمنون بالعلم ولا ينفروا منه لظاهر مخالفته لألفاظ القرآن في نظرهم (1) .

وللسيّد هبة الدين الشهرستاني - علاّمة بغداد في عصره - محاولة أُخرى للتطبيق، فَفَرض من كلّ كُرة دائرة حول الشمس ومنها الأرض أرضاً والجوّ المحيط بها سماءً، فهناك أَرَضون سبع وسماوات سبع، الأُولى: في أرضنا وسماؤها الغلاف الهوائي المحيط بها، والأرض الثانية: هي الزُهرة وسماؤها الغلاف البخاري المحيط بها، والثالثة: عطارد وسماؤها المحيط بها، الرابعة: المرّيخ وسماؤها المحيط بها، الخامسة: المشتري وسماؤها المحيط بها، السادسة: زُحل وسماؤها المحيط بها، السابعة: أورانوس وسماؤها المحيط بها.

قال: ترتيبنا المـُختار تنطبق عليه مقالات الشريعة الإسلاميّة ويُوافق الهيئة الكوبرنيكيّة.

وأسند ذلك إلى حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) سنوافيك به عند الكلام عن الأَرَضين (2) .

وذكر الحجّة البلاغي أنّ السماوات السبع لا يمتنع انطباقها على كلّ واحدة من الهيئتَين القديمة والجديدة، فيُمكن أنْ يُقال على الهيئة القديمة: إنّ السماوات السبع هي أفلاك السيّارات السبع، وإنّ فَلك الثوابت هو الكرسي في قوله تعالى: ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (3) ، وإنّ الفَلك الأطلس المـُدير - على ما زَعَموا - هو العرش في قوله تعالى: ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (4) .

ويُمكن أنْ يُقال على الهيئة الجديدة: إنّ السماوات السبع هي أفلاكٌ خمسٌ من السيّارات مع فَلكَي (الأرض) و(فلكان) والعرش والكرسي هما فَلَكا (نبتون) و(أُورانوس)، وأمّا الشمس فهي مركز الأفلاك، والقمر تابع للأرض وفَلَكه جزء من فَلَكها (5) .

____________________

(1) المصدر: ص 50 - 51 بتصرّف وتلخيص.

(2) الهيئة والإسلام، ص177 - 179.

(3) البقرة 2: 255.

(4) المؤمنون 23: 86.

(5) الهدى إلى دين المصطفى للبلاغي، ج2، ص7.

٣٣١

قال: والحاصل أنّ كلاًّ مِن وضعَي الهيئة القديمة والجديدة يُمكن من حيث انطباق الحركات المحسوسة عليه، ولكنّه يُمكن أنْ يتعدّاه التحقيق إلى وضعٍ ثالث ورابع، فلا يَحسُن الجزم بشيءٍ ما لم يُشاهد بالتفصيل أو بصراحة الوحي، لكنّ الحِكمة تقتضي أنْ لا يتولّى الوحي بصراحته بالتفصيل (1) .

وبعد، فالطريقة السليمة هي التي سَلكها سيّدنا العلاّمة الطباطبائي، يقول:

إنّ المـُستفاد من ظاهر الآيات الكريمة - وليست نصّاً - أنّ السماء الدنيا هي عالم النجوم والكواكب فوقنا، وأنّ السماوات السبع هي أجواء متطابقة أقربُها منّا عالم النُجوم، ولم يَصف لنا القرآن شيئاً مِن الستّ الباقية سِوى أنّها طِباق، وليس المراد بها الأَجرام العلوية سواء من مَنظُومتنا الشمسيّة أو غيرها.

وما وَرد مِن كون السماوات مأوى الملائكة يَهبطون منها ويَعرجون إليها، ولها أبواب تُفتَّح لنزول البركات، كلّ ذلك يكشف عن أنّ لهذه الأُمور نوع تعلّق بها لا كتعلّقها بالجسمانيّات، فإنّ للملائكة عوالم ملكوتيّة مُترتّبة سماوات سبعاً ونُسب ما لها من الآثار إلى ظاهر هذه السماوات؛ بلحاظ ما لها من العلوّ والإحاطة والشمول، وهو تسامح في التعبير تقريباً إلى الأذهان الساذجة (2) .

ولبعض العلماء الباحثين في المسائل الروحيّة في إنجلترا - (هو: جيمس آرثر فندلاي من مواليد 1883م) - تصوير عن السماوات السبع يَشبه تصويرنا بعض الشيء: يرى من كُرة الأرض واقعة في وسط أبهاء وفضاءات تُحيط بها من كلّ الجوانب، في شكل كُراتٍ مُتخلِّلةٍ بعضُها بعضاً ومتراكبة إلى سبعة أطباق، كلّ طبقة ذات سطحَين أعلى وأسفل، مِلءُ ما بينهما الحياة النابضة، يُسمّى المجموع العالَم الأكبر الذي نعيش فيه، نحن في الوسط على وجه الأرض.

وهذه الأجواء المتراكبة تُحيط بنا طِباقاً بعضها فوق بعض إلى سبع طَبقات، وإنْ شئت فعبّر بسبع سماوات؛ لأنّها مبنيّة في جهةٍ أعلى فوق رؤوسنا، وإليك الصورة حسبما رَسَمها في كتابه (الكون المنشور).

____________________

(1) المصدر: ج2، ص6.

(2) تفسير الميزان، ج17، ص392 - 393.

٣٣٢

شَكل الأرض في الوسط تَحيط بها سبع أطباق هي سماوات عُلى:

في هذا الشَكل - كما رَسَمه (جيمس آرثر فندلاي) - نجد العالم الأَكبر في صورة أبهاء متراكبة بعضها فوق بعض مملوءة بالحياة، ويُرى الحياة في حركتها إلى أعلى وأسفل في شكل خُطوطٍ مُنحنية على السطوح، وتُمثّل الصُلبان الصغيرة الحياة على الأرض، أمّا النُقط فتُمثّل الحياة الأثيريّة ويُلاحظ أنّها ليست مقصورة على السطوح وحدَها؛ لأنّ الفضاءات بين السطوح مِلؤها الحياة سابحة فيها! (1)

____________________

(1) راجع: ملحق كتابه (على حافّة العالم الأثيري) تَرجمة أحمد فهمي أبو الخير (ط3)، ص199.

٣٣٣

مسائل ودلائل

هنا عدة أسئلة تستدعي الوقوف لديها:

1 - ( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)

قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (1) .

وقال: ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

هلاّ كان التعبير بالفَلَك مُتابعة لِما حَسبه بطلميوس؟

قلت: لا؛ لأنّ الفَلَك لفظة عربيّة قديمة يُراد بها الشيء المـُستدير، ومن الشيء مُستداره، قال ابن فارس: الفاء واللام والكاف أصل صحيح (3) يدلّ على استدارةٍ في شيء، من ذلك (فَلْكَةُ المِغزل) لاستدارتها؛ ولذلك قيل: فَلَكَ ثديُ المرأة، إذا استدار، ومن هذا القياس: فَلَكُ السماء (4) .

إذن، فكما أنّ السماء مستديرة حتّى في شكلها الظاهري، فكلّ ما يَسبح في فضائِها يَسير في مَسلك مُستدير؛ وبذلك صحّت استعارة هذا اللفظ.

والدليل على أنها استعارة هو استعمال اللفظة بشأن الليل والنهار أيضاً، أي أنّ لكلّ ظاهرة من الظواهر الكونيّة مَجراها الخاصّ وفي نظام رتيب لا تَجور ولا تَحور.

2 - ( فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ)

قال تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ) (5) .

أو هل كانت الطرائق هنا هي مَدارات الأفلاك البطليميوسيّة؟

قلت: كلاّ، إنّها الطَرائق بمعنى مَجاري الأُمور في التدبير والتقدير والتي هي محلّها السماوات العُلا.

____________________

(1) الأنبياء 21: 33.

(2) يس 36: 40.

(3) مقصوده من الأصل: كونها ذات أصالة عربيّة وليس مستعارة من لغةٍ أجنبيّة.

(4) معجم مقاييس اللغة، ج4، ص452 - 453.

(5) المؤمنون 23: 17.

٣٣٤

الطَرَائق: جمعُ الطَريقة بمعنى المـَذهب والمـَسلك الفكري والعقائدي وليس بمعنى سبيل الاستطراق على الأقدام، ولم تُستعمل في القرآن إلاّ بهذا المعنى:

يقول تعالى - حكايةً عن لسان الجنّ -: ( وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً ) (1) ، أي مَذاهب شتّى.

( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) (2) ، أي بمَذهبكم القويم الأفضل.

( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً ) (3) ، وذاك يوم الحَشر يَتخافت المـُجرمون: كم لَبِثوا؟ فيقول بعضهم: عشراً. ويقول أَعقلهم وأَفضلهم بصيرةً: ( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً ) .

( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ) (4) ، أي الطريقة المـُثلى والمـَذهب الحقّ.

فالمقصود بالطَرَائق - في الآية الكريمة - هي طَرائق التدبير والتقدير، المـُتّخذة في السماوات حيث مُستقرّ الملائِكِ المدبِّرات أمراً والمقسّمات (5) ، ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ) (6) ، ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) (7) ، أي تقدير أرزاقكم وكلّما قُدّر لكم مِن مَجاري الأُمور، ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) (8) ، ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (9) .

فالتدبير في السماء ثُمّ التنزيل إلى الأرض ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ) (10) ، ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (11) ، ومِن ثَمَّ تعقّب الآية بقوله تعالى: قال العلاّمة الطباطبائي: أي لستُم بمُنقطعينَ عنّا ولا بمَعزلٍ عن مراقبتِنا وتدبيرنا لشؤونكم، فهذه الطَرائق السبع إنّما جُعلت؛ ليستطرقَها رُسُل ربّكم في التقدير والتدبير والتنزيل (12) .

____________________

(1) الجن 72: 11.

(2) طه 20: 63.

(3) طه 20: 104.

(4) الجنّ 72: 16.

(5) النازعات 79: 5، والذرايات 51: 4.

(6) السجدة 32: 5.

(7) الذاريات 51: 22.

(8) يونس 10: 3.

(9) الحجر 15: 21.

(10) مريم 10: 64.

(11) القدر 97: 4.

(12) راجع: الميزان، ج15، ص21.

٣٣٥

3 - ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) (1)

ماذا يعنى بذات الحُبُك؟

الحُبُك: جمع الحَبِيكة بمعنى الطَريقة المـَتّخذة، قال الراغب. فمنهم مَن تصوّر منها الطَرائق المحسوسة بالنجوم والمـَجرّات، ومنهم مَن اعتبر ذلك بما فيه مِن الطَرائق المعقولة المـُدرَكة بالبصيرة.

والحُبُك: المـُنعطفات على وجه الماء الصافي تحصل على أثرِ هُبوب الرياح الخفيفة، وهي تكسّرات على وجه الماء كتجعّدات الشعر، ويُقال للشعر المـُجعَّد: حُبُك والواحد حِباك وحَبيكة، قاله الشيخ أبو جعفر الطوسي في التبيان.

من ذلك قول زهير يصف روضة:

مُكلَّلٌ بأُصولِ النَجْمِ تَنْسِجُهُ

ريحٌ خَريقٌ لضاحي مائِهِ حُبُكُ

مراده بالنَجم النبات الناعم، وشَبّه تربية الرياح له بالنَسج، كأنّه إكليل (تاج مزيّن بالجواهر) نَسَجته الريح، ووصف الريح بالخَريق، وهو العاصف.

ثُمّ وَصَف ضاحي مائِهِ - وهو الصافي الزُلال - بأنّ على وجهه قَسَمات وتَعاريج على أثر مَهبّ الرياح عليه، وهو منظر بهيج.

فعلى احتمال إرادة التعرّجات المتأرجحة من الآية، فهي إشارة إلى تلكُم التمرُّجات النوريّة التي تُجلِّل كَبْدَ السماء زينةً لها وبهجةً للناظرين، فسبحان الصانع العظيم!

4 - ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) (2)

في هذه الآية تَوجّه الخطاب إلى عامّة الناس ولا سيّما الأُمَم السالفة الجاهلة حيث لا يعرفون من أطباق السماء شيئاً، فكيف يُعرض عليهم دليلاً على إتقان صنعه تعالى؟ (الآية في سورة نوح والخطاب عن لسانه موجّه إلى قومه).

____________________

(1) الذاريات 51: 7.

(2) نوح 71: 15.

٣٣٦

وهكذا قوله تعالى: ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) (1) .

وقوله: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) (2) .

قلت: هذا بناءً على تفسير الطِباق بذات الطَبقات.

هكذا فسّره المشهور: طِباقاً، واحدة فوق أخرى كالقِباب بعضها فوق بعض (3) .

لكنّ الطِباق هو بمعنى الوِفاق والتَماثل في الصُنع والإتقان، بدليل تفسيره بقوله تعالى: ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) ، أي كلّها في الصُنع والاستحكام متشاكل.

وقد أُشرِب هنا معنى الالتحام والتلاصق التامّ بين أجزائها مُراداً به الانسجام في الخَلق، بدليل قوله تعالى: ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي انشقاق وخَلَل وعَدم انسجام، وكذا قوله: ( وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) أي منفرجات وخلاّت تُوجب فصل بعضها عن بعض بحيث تُضادّ النَظم القائم، الأمر الذي يستطيع كلّ إنسان - مهما كان مَبلَغه مِن العِلم - من الوقوف عليه إذا تأمّل في النَظم الساطي على السماوات والأرض.

5 - ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) (4)

( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) (5) ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) (6) ، أو هل تعني البُرُوج هذه ما تصوّره الفلكيّون بشأن البروج الاثني عشر في أشكالٍ رَسَموها لرصد النجوم؟

قلت: المعنيّ بالبُرُوج هذه هي نفس النُجوم؛ تشبيهاً لها بالقصور الزاهية والحصون المنيعة الرفيعة، بدليل عطف السِراج - وهي الشمس الوهّاجة - والقمر المنير عليها.

____________________

(1) ق 50: 6.

(2) الملك 67: 3.

(3) راجع: مجمع البيان، ذيل الآية من سورة المـُلك والآية من سورة نوح، ج 10، ص 322 و 363، وروح المعاني للآلوسي، ج 29، ص 6 و75، وتفسير المراغي، ج 29، ص 6 و 85... وغيرها.

(4) البروج 85: 1.

(5) الحجر 15: 16.

(6) الفرقان 25: 61.

٣٣٧

ولا صلة لها بالأَشكال الفَلكيّة الاثني عشر.

البُرج - في اللغة - بمعنى الحِصن والقصر وكلّ بناءٍ رفيع على شكلٍ مُستدير، فالنُجوم باعتبار إنارتها تبدو مُستديرةً، وباعتبار تلألؤها تبدو كعُبابات تَعوم على وجه السماء زينةً لها، وباعتبارها مراصد لحراسة السماء ( وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ) (1) ، هي حُصون منيعة، فصحّ إطلاق البروج عليها من هذه الجوانب لا غيرها.

هذا، وقد خُلِط على لفيفٍ من المفسّرين فَحَسبوها منازل الشمس والقمر حسب ترسيم الفلكيّين (2) .

وسيّدنا العلاّمة الطباطبائي وإنْ كان في تفسيره لسورتَي الحِجر والفُرقان قد ذهب مذهب المشهور، لكنّه (قدس سره) عَدَل عنه عند تفسيره لسورة البُروج، قال: البُروج، جمع بُرج وهو الأمر الظاهر ويَغلب استعماله في القصر العالي والبِناء المـُرتفع على سُور البلد، وهو المـُراد في الآية، فالمـُراد بالبُروج مواضع الكواكب من السماء، قال: وبذلك يَظهر أنّ تفسير البُروج (في الآيات الثلاث) بالبُروج الاثني عشر المـُصطلح عليها في عِلم النجوم غير سديد (3) .

وقال الشيخ مُحمّد عَبده: وفُسّرت البُروج بالنُجوم وبالبُروج الفلكيّة وبالقُصور على التشبيه، ولا ريب في أنّ النُجوم أَبنية فخيمة عظيمة، فيصحّ إطلاق البُروج عليها تشبيهاً لها بما يُبنى من الحُصون والقُصور في الأرض (4) .

6 - ( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ)

قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ

____________________

(1) الحجر 15: 17.

(2) تفسير القمي، ج 1، ص 373، والميزان، ج 12، ص 143 و 154، وتفسير ابن كثير، ج 2، ص 548، وروح المعاني، ج 14، ص 20.

(3) تفسير الميزان، ج 20، ص 368.

(4) تفسير جزء عمّ لمـُحمّد عبده، ص 57.

٣٣٨

يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ ) (1) .

(يُزجي): يَسوق، (يُؤلّف بينه): يؤلّف بين متفرّقه، (يجعله رُكاماً): متكاثفاً، (فترى الوَدق): قَطرات المطر الآخِذة في الهُطول.

( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) ؟

السؤال هنا: ماذا يعني بالجبال هذه؟ وماذا يكون المقصود مِن البَرد وهو الماء المتجمّد على أثر ضغط البرد؟ وكيف يكون هناك في السماء جبالٌ مِن بردٍ؟

وقد مرّ عليها أكثر المفسّرين القُدامى مرور الكرام، وبعضهم أَخذها على ظاهرها وقال: إنّ في السّماء جِبالاً من برد (من ثلج) يَنزل منها المطر، كما تنحدر المياه من جبال الأرض على أثر تراكم الثلوج عليها، عن الحسن والجبّائي (2) وعن مجاهد والكلبي وأكثر المفسّرين: أنّ المراد بالسّماء هي المظلّة وبالجبال حقيقتها، قالوا: إنّ الله خَلَق في السّماء جِبالاً من برد كما خَلق في الأرض جبالاً من صخر، قال الآلوسي: وليس في العقل ما ينفيه من قاطع، فيجوز إبقاء الآية على ظاهرها كما قيل (3) .

قال السيّد المرتضى: وجدتُ المفسّرين على اختلاف عباراتهم يذهبون إلى أنّه تعالى أراد: أنّ في السّماء جِبالاً من بردٍ، وفيهم مَن قال: ما قَدْرُه قَدْرُ جبال، يعني مِقدار جبال مِن كثرته.

قال: وأبو مسلم بن بحر الإصبهانيّ خاصّةً انفرد في هذا الموضع بتأويلٍ طريف، وهو أنْ قال: الجبال، ما جَبَل الله مِن بَرَد، وكلّ جسم شديد مُستحجِر فهو من الجبال، ألم ترَ إلى قوله تعالى في خَلق الأُمَم: ( وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ ) (4) ، والناس يقولون: فلا مجبول على كذا.

وأورد عليه السيّد بأنّه يَلزمه أنّ جعل الجبال اسماً للبرد نفسه؛ من حيث كان مجبولاً مستحجراً! وهذا غلط؛ لأنّ الجبال وإن كانت في الأصل مشتقّة من الجَبْل

____________________

(1) النور 24: 43.

(2) مجمع البيان، ج 7، ص 148.

(3) روح المعاني، ج 18، ص 172، وراجع: التفسير الكبير، ج 24، ص 14.

(4) الشعراء 26: 184.

٣٣٩

والجَمْع، فقد صارت اسماً لذي هيئةٍ مخصوصة؛ ولهذا لا يُسمّي أحد من أهل اللغة كلَّ جسم ضُمَّ بعضه إلى بعض - مع استحجار أو غير استحجار - بأنّه جبل، ولا يخصّون بهذا اللفظ إلاّ أجساماً مخصوصةً... كما أنّ اسم الدابّة وإن كان مشتقّاً في الأصل من الدبيب فقد صار اسماً لبعض ما دبّ، ولا يعمّ كلّ ما وقع منه الدبيب.

قال: والأَولى أنْ يُريد بلفظة السماء - هنا - ما عَلا من الغَيم وارتفع فصار سماءً لنا؛ لأنّ سماء البيت وسماواته ما ارتفع منه، وأراد بالجبال التشبيه؛ لأنّ السحاب المتراكب المتراكم تُشبّهه العرب بالجِبال والجِمال، وهذا شائعٌ في كلامها، كأنّه تعالى قال: ويُنزّل من السحاب الذي يشبه الجِبال في تَراكُمِه بَرداً.

قال: وعلى هذا التفسير تكون (مِن) الأُولى والثانية لابتداء الغاية، والثالثة زائدة لا حكم لها، ويكون تقدير الكلام: ويُنزّل من جبالٍ في السماء بَرداً، فزادت (مِن) كما تزاد في قولهم: ما في الدار من أحد، وكم أعطيته من درهم، ومالك عندي من حقّ، وما أشبه ذلك.

وأضاف: إنّه قد ظهر مفعولٌ صحيحٌ لـ (نُنزّل)، ولا مفعول لهذا الفعل على سائر التأويلات (1) .

قلت: وهو تأويل وجيه لولا جانب زيادة (مِن) في الإيجاب.

قال ابن هشام: شرط زيادتها تقدّم نفي أو نهي أو استفهام ولم يشترطه الكوفيّون واستدلّوا بقول العرب، قد كان من مطر. وبقول عمر بن أبي ربيعة:

ويَنمي لها حبُّها عندَنا

فما قال مِن كاشحٍ لم يَضِرّ

أي فما قاله كاشحٌ - وهو الذي يُضمر العداوة - لم يَضرّ.

قال: وقال الفارسي في قوله تعالى: ( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) : يجوز كون (مِن) الثانية والثالثة زائدتَين، فجوّز الزيادة في الإيجاب (2) .

____________________

(1) الأمالي للسيّد المرتضى عَلَم الهدى، ج 2، ص 304 - 306.

(2) مغني اللبيب لابن هشام، حرف الميم، ج 1، ص 325.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629