الأخلاق الحسينية

الأخلاق الحسينية0%

الأخلاق الحسينية مؤلف:
الناشر: تكسوار حجاز
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 368

الأخلاق الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
الناشر: تكسوار حجاز
تصنيف: الصفحات: 368
المشاهدات: 42340
تحميل: 8712

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42340 / تحميل: 8712
الحجم الحجم الحجم
الأخلاق الحسينية

الأخلاق الحسينية

مؤلف:
الناشر: تكسوار حجاز
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسينعليه‌السلام ، فقال:«عند الله أحتسبُ نفسي وحماةَ أصحابي» (1) . واسترجع كثيراً.

وتقدّم زهير بن القين فوضع يده على منكب الحسينعليه‌السلام وقال مستأذناً:

أقدمْ هُديت هادياً مهديّ

فاليوم ألقى جدَّك النبيّا

وحسَناً والمرتضى عليّ

وذا الجناحين الفتى الكَمِيّا

وأسدَ الله الشهيدَ الحيّا

فقاتل قتال الأبطال، وقتل جماعةً عظيمة حتّى قُتل، فوقف الحسينعليه‌السلام وقال:«لا يبعدنّك الله يا زهير، ولعن قاتليك...» (2) .

وجاء عمرو بن جنادة الأنصاريّ بعد أن قُتل أبوه، وهو ابن إحدى عشرة سنة، يستأذن الحسينعليه‌السلام ، فأبىعليه‌السلام وقال:«هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الاُولى، ولعلّ اُمَّه تكره ذلك» .

قال الغلام: إنّ اُمّي أمرتني.

فأذِنَ له، فما أسرع أن قُتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين، فأخذته اُمُّه ومسحت الدم عنه، وعادت إلى المخيّم، فأخذت عموداً، وقيل: سيفاً، فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلين(3) . هذا والحسينعليه‌السلام يتجرّع غصص الآلام وهو يرى أصحابه يُقتّلون على أيدي الظالمين حتّى لم يبقَ منهم أحد.

وبعد أنّ قدّم المخلصين مال السخاء الحسينيّ إلى أن يقدّم أهل بيته، وكان أوّلَ مَن تقدّم أبو الحسن عليّ الأكبر، ولَدُ الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه لم يتمالك دون أن يرخي عينيه بالدموع، ثمّ رفع شيبته المقدّسة نحو السماء

____________________

(1) الكامل 4 / 29، وتاريخ الطبريّ 6 / 251، ومقتل الحسينعليه‌السلام 2 / 19.

(2) تاريخ الطبريّ 6 / 253، ومقتل الحسينعليه‌السلام 2 / 20.

(3) مقتل الحسينعليه‌السلام 2 / 22.

١٢١

وقال:«اللهمَّ اشهد على هؤلاء، فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمّد خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه» .

ونزل عليّ الأكبر إلى ساحة القتال وعين أبيه الحسين تلاحقه، حتّى اشتدّ به العطش بعد أن قتل عدداً من الفرسان، فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش، فبكى الحسين رحمةً، وقال له:«واغوثاه! ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها» .

وأخذ لسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه ليضعه في فمه، فعاد عليّ الأكبر إلى الميدان يكثر القتلى في أهل الكوفة حتّى طعنه مرّة بن منقذ العبديّ بالرمح في ظهره، وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه فاحتمله إلى معكسر الأعداء وأحاطوا به حتّى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً(1) .

ففُجع به أبوه الحسينعليه‌السلام ، وأتاه وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّ ولده وهو يقول:«على الدنيا بعدك العفا، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول!» . وأمر فتيانه أن يحملوه إلى الخيمة، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه(2) .

إنّ هذا العطاء ما لا يتحمّله إلاّ السخاء الحسينيّ الذي لم يقف عند هذا الحدّ، فقد قدّم بعد ذلك عبدَ الله بن مسلم بن عقيل ابن اُخته رقيّة الكبرى، ومحمّداً وعوناً ابنَي عبد الله بن جعفر الطيّار، ابني اُخته زينب الكبرىعليها‌السلام ، وعبدَ الرحمن وجعفراً ولدَي عقيل بن أبي طالب، ومحمّد بن مسلم بن عقيل، وأخاه محمّدَ ابن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وعبد الله

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام 2 /31.

(2) الإرشاد / 239، وتاريخ الطبريّ 6 / 256، ومقتل الحسينعليه‌السلام 2 / 31.

١٢٢

ابن عقيل، وابن أخيه القاسمَ بن الحسن المجتبىعليه‌السلام الذي ضرب رأسَه بالسيف عمرُو بن سعد بن نفيل الأزديّ، فوقع القاسم - وهو غلام - لوجهه، وصاح: يا عمّاه! فأتاه الحسين كالليث الغضبان، وانجلت الغبرة وإذا الحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه، والحسينعليه‌السلام يقول:«بُعداً لقومٍ قتلوك! خصمهم يومَ القيامة جدُّك» . ثمّ احتمله وكان صدره على صدر الحسينعليه‌السلام ، ورجلاه تخطّان في الأرض، فألقاه مع عليّ الأكبر وقتلى حوله من أهل بيته(1) .

وقدّم الحسين (سلام الله عليه) - صابراً محتسباً - ثلاثةَ إخوةٍ له مرّة واحدة، وهم أولاد اُمّ البنين (سلام الله عليها)، إخوة العبّاس؛ عبد الله وعثمان وجعفر الذين قاتلوا بين يدَي أبي الفضل العبّاس حتّى قُتلوا بأجمعهم.

ثمّ كان من السخاء الأعلى أن قدّم أخاه المخلص، والعبد الصالح العبّاس بن عليّعليه‌السلام الذي لم يتحمّل صراخ الأطفال من العطش؛ فركب جواده بعد أن استأذن أخاه الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأخذ القِربة، فأحاط به أربعة آلاف فطردهم حتّى ورد الفرات، فملأ القربة وركب جواده وعاد إلى المخيّم، فقُطع عليه الطريق، وجعل يضرب حتّى أكثر القتلَ في أعداء الله.

فكمن له زيد بن الرقاد الجهنيّ من وراء نخلة، وعاونه على الغدر حكيم بن الطفيل السنبسيّ فضربه على يمينه فبراها، فلم يعبأ العبّاسعليه‌السلام ؛ إذ كان همُّه إيصال الماء إلى أطفال الحسين وعياله. ولكنّ حكيم بن الطفيل كمن له مرّة اُخرى من وراء نخلة، فلمّا مرّ به ضربه على شماله فقطعها، وتكاثروا عليه، وأتتْه

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 6 / 257، والبداية والنهاية 8 / 186.

١٢٣

السهام كالمطر فاُصيب بها صدره، وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته، وسقط على الأرض ينادي: عليك منّي السلام أبا عبد الله. فأتاه الحسينعليه‌السلام فقال:«الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي» (1) .

ورجع الحسينعليه‌السلام بعد أن ترك أخاه في مكانه منكسراً حزيناً باكياً، يكفكف دموعه بكُمّه، وقد تدافعت الرجال على مخيّمه، وما علموا أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لا يدّخر شيئاً دون دين الله (عزّ وجلّ).

فلمّا قُتل العبّاس (سلام الله عليه) التفت الحسين فلم ير أحداً ينصره، ونظر إلى أهله وصحبه فرآهم مجزّرين كالأضاحي، وهو إذ ذاك يسمع عويل الأيامى وصراخ الأطفال، فأمر عياله بالسكوت، وودّعهم وتهيّأ للقتال، وقبل أن ينزل إلى المعركة دعا بولده الرضيع عبد الله ليودّعه، فأتتْه به زينب - واُمُّه الرباب -، فأجلسه في حجره يقبّله ويقول:«بُعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدُّك المصطفى خصمَهم!» (2) . ثمّ أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بن كاهل الأسديّ بسهم فذبحه(3) ، فنزل الحسينعليه‌السلام عن فرسه، وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرمّلاً بدمه(4) .

وتقدّم الحسينعليه‌السلام نحو القوم مصلتاً سيفه، ودعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلَّ مَن برز إليه حتّى قتل جمعاً كثيراً(5) ، وقد عزم

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 42.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزميّ 2 / 22.

(3) البداية والنهاية 8 / 186، والمناقب 2 / 222، ومثير الأحزان - لابن نما / 36.

(4) الإرشاد، ومثير الأحزان - لابن نما / 36.

(5) مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزميّ 2 / 33، ومثير الأحزان - لابن نما / 37.

١٢٤

على أن يسخُوَ بنفسه المقدّسة الشريفة، فما زال يستقبل أضغان القوم حتّى صاح عمر بن سعد: احملوا عليه من كلّ جانب. فأتتهعليه‌السلام أربعةُ آلاف نبلة.

ولمّا عاد يودّع عياله ويهدّئهم قال عمر بن سعد لأصحابه: ويحكم! اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتُكم عن ميسرتكم. فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتّى تخالفت بين أطناب المخيّم، فاُدهشت النساء واُرعبن، فحمل الحسينعليه‌السلام عليهم كالليث الغضبان، فلا يلحق أحداً إلاّ بعجه بسيفه فقتله، ورجع إلى مركزه وهو يُكثر من قول:«لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم» (1) .

ورماه أبو الحتوف الجُعفيّ بسهم في جبهته، ولما ضعف عن القتال وقف ليستريح، فرماه رجل بحجر في جبهته، ورماه آخر بسهم محدّد له ثلاث شعب وقع في قلبه. أخرج السهمَ مِن قفاه فانبعث الدم كالميزاب، وقال:«هكذا أكون حتّى ألقى الله وجدّي رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا مخضّب بدمي، وأقول: يا جدّي، قتلني فلان وفلان» (2) .

وأعياه نزف الدم فجلس على الأرض، فانتهى إليه مالك بن النسر فشتمه ثمّ ضربه بالسيف على رأسه(3) ، وبقي الحسينعليه‌السلام مطروحاً مليّاً، ولو شاؤوا أن يقتلوه لفعلوا، إلاّ أنّ كلّ قبيلة تتّكل على غيرها وتكره

____________________

(1) اللهوف / 67.

(2) اللهوف / 70، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزميّ 2 / 134.

(3) الكامل 4 / 31، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزميّ 2 / 35.

١٢٥

الإقدام(1) .

فصاح الشمر: ما وقوفكم؟! وما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته السهام والرماح؟! احملوا عليه(2) .

فحملوا عليه حتّى قتلوه، وحتّى كان الإمام الحسينعليه‌السلام قد قدّم لله تعالى كلَّ ما يملك، وآخرَ ما يملك نفسَه المقدّسة؛ إذ هو السخيّ الجواد الذي قدّم للناس كلّ ما في يمينه، ثمّ استدان لهم ما افتقروا إليه فكان أن لم تُرعَ له حرمة.

فسلام عليه من كريم لا يُدانى في العطاء، وسلام عليه من طيّب لم يشابهه أحدٌ في الوفاء، وسلام عليه من شهيد ساد الشهداء.

____________________

(1) الأخبار الطوال / 255، والخطط المقريزيّة 2 / 288.

(2) المناقب 2 / 222، ومقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزميّ 2 / 35.

١٢٦

الشجاعة الحسينيّة

١٢٧

١٢٨

الشجاعة الحسينيّة

تُبحث الشجاعة في جملة القوى الغضبيّة لدى الإنسان من الرذائل والفضائل؛ فمن الرذائل في القوَّةِ الغضبيّة التهوّر، وهو الإقدام على ما لاينبغي، والخوض في ما يمنعه العقل والشرع من المهالك والمخاوف، ولا ريب أنّه من المهلكات في الدنيا والآخرة(1) .

ومن الرذائل أيضاً الجبن، وهو سكون النفس عن الحركة إلى الانتقام أو غيره مع كونها أَولى. ويلزمه من الأعراض الذميمة مهانة النفس، والذلّة، وسوء العيش، وطمع الناس فيما يملكه، وقلّة ثباته في الاُمور، والكسل، وحبُّ الراحة.

وهو يوجب الحرمان من السعادات بأسرها، وتمكين الظالمين من الظلم عليه، وتحمّله للفضائح في نفسه وأهله، واستماع القبائح من الشتم والقذف، وعدم مبالاته بما يوجب الفضيحة والعار، وتعطيل مقاصده ومهمّاته؛ ولذلك ورد في ذمّه من الشريعة ما ورد.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«لا ينبغي للمؤمن أن يكون بخيلاً ولا جباناً» (2) .

____________________

(1) جامع السعادات 1 / 206.

(2) جامع السعادات 1 / 207.

١٢٩

والتهوّر والجبن كلاهما متطرّفان متضادّان بين الإفراط والتفريط، ووسطهما الشجاعة، ولكن ما هي الشجاعة في نظر علماء الأخلاق؟

يقول الشيخ محمّد مهدي النراقيّ: إنّ الشجاعة هي طاعة قوّة الغضب العاقلة في الإقدام على الاُمور الهائلة، وعدم اضطرابها بالخوض في ما يقتضيها رأيها. ولا ريب في أنّها أشرف الملكات النفسيّة، وأفضل الصفات الكماليّة. وقد وصف اللّه خيار الصحابةِ بها في قوله:( أشدّاءُ على الكفّار ) (1) ، وأمر اللّه نبيَّه بها بقوله:( واغلُظ عليهم ) (2) ؛ إذ الشدّة من لوازمها وآثارها، والأخبار مصرّحةٌ باتّصاف المؤمن بها(3) .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :«إنّ المؤمن أشدُّ من زبرِ الحديد؛ إنَّ زبُرَ الحديد إذا دخل النار تغيّر، وإنَّ المؤمن لو قُتل ثمّ نُشر ثمّ قُتل لم يتغيّر قلبه» (4) .

وقال الإمام الكاظمعليه‌السلام :«إنَّ المؤمن أعزُّ من الجبل؛ الجبل يُستفلّ بالمعاول، والمؤمن لا يُستفلُّ دينه بشيء» (5) .

فالشجاعة إذاً من القوى الغضبيّة العاقلة التي تترفّع من جهة عن الجُبن والخوف المذموم، وعن الذلّةِ والدناءةِ والضَّعة، ومِن جهة اُخرى تتريّث من التهوّر والموقف المتعجّل والكلمة التي لا تمرُّ بتحليل الفكر الناضج.

قال الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام :«إنّ للسخاء مقداراً، فإنْ زاد عليه فهو سرف،

____________________

(1) سورة الفتح / 29.

(2) سورة التوبة / 73.

(3) جامع السعادات 1 / 208.

(4) صفات الشيعة - للشيخ الصدوق / 179. و«لم يتغيّر قلبه» : أي عقائده التي في قلبه.

(5) تنبيه الخواطر / 364.

١٣٠

وللحزم مقدار، فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقدار، فإن زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقدار، فإن زاد عليه فهو تهوّر» (1) .

فإذا اعتدلت القوّة الغضبيّة واتّسمتْ بالعقل كانتْ شجاعة، وكانت صفةً شريفة، وطاقةً نافعة. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :«السخاء والشجاعة غرائز شريفة يضعها اللّه سبحانه فيمَنْ أحبّه وامتحنه» (2) . وقال (سلام الله عليه) أيضاً:«الشجاعة نصرةٌ حاضرة، وقبيلةٌ ظاهرة» (3) .

ومثْل هذه الخصلة النبيلة ضروريٌّ أن يتحلّى بها الأنبياء (صلوات اللّه عليهم)؛ فهي من الكمالات الشريفة، والفاقد لها مجرّدٌ عن الرجولة. والنبيُّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو سيّدُ الأنبياء والمرسلين، فالشجاعة فيه أعلى وأظهر، ولقد وُصف بها فقال أنَسُ بن مالك: كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشجعَ الناس، وأحسن الناس، وأجود الناس.

قال: لقد فزع أهل المدينة ليلةً، فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، فتلقّاهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سبقهم، وهو يقول:«لم تراعوا»، وهو على فرس لأبي طلحة وفي عنقه السيف، قال: فجعل يقول للناس:«لم تراعوا، وجدناه بحراً أو إنّه لبحر» (4) .

وعن الإمام عليٍّعليه‌السلام أيضاً قال:«رأيتني يوم بدر ونحن نلوذُ بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأساً».

وعنهعليه‌السلام قال:«كنّا إذا أحمرَّ البأس، ولقيَ القوم القوم، اتّقينا

____________________

(1) الدرّة الباهرة / 43.

(2) غرر الحكم / 42 - 43.

(3) غرر الحكم / 39، وفي نسخة: وقبيلةٌ ظاهرة.

(4) مكارم الأخلاق - للشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسيّ / 19.

١٣١

برسول اللّه، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدوّ منه» (1) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال:«إنّ اللّه تبارك وتعالى خصَّ رسوله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم؛ فإنْ كانت فيكم فاحمدوا اللّه (عزّ وجلّ)، وارغبوا إليه في الزيادة منها». فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروّة(2) .

والأَولى برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل بيته، أوصياؤه وخلفاؤه من بعده؛ عليٌّ والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذرّيّة الحسين (صلوات اللّه عليهم). وإذا كان الأئمة (سلام الله عليهم) كلُّهم معروفين بالشجاعة، فإنَّ هذه الصفة الشريفة ظهرت في الإمام الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء بما يناسب الموقف.

يقول الشيخ التستريّ في معرض بيانه للخصائص الحسينيّة: الشجاعة، ولها كيفيّة خاصّة بالحسينعليه‌السلام ؛ ولذا قيل: الشجاعة الحسينيّة. فقد ظهرت منه في يوم الطفّ في حالته شجاعةٌ ما ظهرت مِن أحد أبداً(3) .

وإذا أردنا معرفة بعض السرّ في ذلك علينا أن نقف عند هذه الرواية: عن إبراهيم بن عليٍّ الرافعيّ، عن أبيه، عن جدّته بنت أبي رافع قالت: أتتْ فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بابنَيها الحسنِ والحسينعليهما‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شكواه الذي تُوفّي فيه، فقالت:«يا رسول اللّه، هذانِ ابناك فورّثْهما شيئاً» .

قال:«أمّا الحسن فإنَّ له هيبتي وسؤدي، وأمّا

____________________

(1) مكارم الأخلاق / 18.

(2) تحف العقول / 362.

(3) الخصائص الحسينيّة / 21.

١٣٢

الحسين فإنَّ له جرأتي وجودي» (1) .

وفي رواية اُخرى قريبة منها، رَوَتْ زينب بنت أبي رافع، عن اُمّها قالت: قالت فاطمةعليه‌السلام :«يارسول اللّه، هذان ابناك فانحلْهما» .

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«أمّا الحسن فنحلتُه هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فنحلتُه سخائي وشجاعتي» (2) .

فالمهمّة الإلهيّةُ التي كُلّف بها الإمام الحسين (سلام الله عليه) اقتضتْ أن تظهر فيه الشجاعة بأجلى صورها، وبشكل مبكّر، وخاتمة جليلة؛ فقد تواجد الإمام الحسينعليه‌السلام في ساحة الفروسيّة منذ نعومة أظفاره وحداثة سنّه، ومارس فنون استعمال السلاح، وكان متهيّئاً للدفاع عن رسالة الإسلام والحفاظ على بيضة الدين، وصدّ العدوان عن المسلمين.

ثمّ ما إن شبّ قليلاً حتّى شهدت له ثلاث معارك بأنّه الفتى الشجاع الذي يغوص وسط الاشتباك، وهُنّ: الجمل، وصفّين، والنهروان. وقد اشترك (سلام الله عليه) في فتح طبرستان، ثمّ شهدت له الحياة السياسيّة في عهد معاوية ومن بعده يزيد أنّه صاحب المواقف الشجاعة، والكلمة الثابتة، والمنطق الحقّ في وجوه الطغاة، فما كان من التاريخ إلاّ أن سجّل له ذلك باعتزاز وافتخار.

قال الشيخ الإربليّ: وشجاعة الحسينعليه‌السلام يُضرب بها المثَل، وصبره في مأقط الحراب(3) أعجز الأواخر والاُوَل، وثباته إذا دعيت نزال

____________________

(1) الخصال / 77 ح122. والسُؤد: السيادة والشرافة. وقد روى نحو ذلك الطبرانيّ في الأوسط، وفيه مكان جرأتي (حزامتي). وأورده العسقلانيّ في تهذيب التهذيب.

(2) الخصال / 77 ح123.

(3) المأقط: موضع القتال، وقيل: المضيق في الحرب؛ لأنّهم يختلطون فيه. جمعه مآقط.

١٣٣

ثبات الجبل، وإقدامه إذا ضاق المجال إقدام الأجل، ومقامه في مقابلة هؤلاء الفجرة عادَلَ مقام جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ببدر فاعتدل، وصبره على كثرة أعدائه وقلّة أنصاره صبر أبيهعليه‌السلام في صفّين والجمل(1) .

وقال الاُستاذ عبد الحفيظ أبو السعود في الحسينعليه‌السلام : عنوان النضال الحرّ، والجهاد المستميت، والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين(2) .

والحقيقة أنّ الشجاعة لا تعدّ من الأخلاق الفاضلة، ولا يثاب عليها إلاّ إذا تحلّت بالصفات التالية:

1 - الوعي والبصيرة

فالشجاع قبل كلّ شيء عليه أن يعرف أحكام الجهاد في سبيل اللّه، متى يكون، وكيف شرائطه، وما هي حدوده؟ وإلى غير ذلك من الاُمور الشرعيّة؛ لكي يعرف متى يحمل السلاح، ومَنْ يقابل به، وإلى مَنْ يوجّهه، ومتى يضعه؟ وهذه الاُمور لا تخفى على سيّدنا الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ حيث هو ربيب بيت الوحي، ووريث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله).

عن الحكم بن عتيبة قال: لقيَ رجلٌ الحسين بن عليّعليه‌السلام بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسينعليه‌السلام :«من أيّ البلدان أنت؟» .

فقال: من أهل الكوفة.

قال:«يا أخا أهل الكوفة، أما واللّه لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا، ونزوله على جدّي بالوحي. يا أخا أهل الكوفة، مستقى العلم من عندن، أفعلموا وجهلنا؟! هذا ما لا

____________________

(1) كشف الغمة 2 / 180.

(2) سبطا رسول اللّه الحسن والحسينعليهم‌السلام / 188.

١٣٤

يكون»(1) .

فالإمام الحسين (سلام الله عليه) اتّصفتْ شجاعته بالعلم واقترنتْ به؛ فهو يعرف متى يتكلّم، ومتى يتحرّك، وإلى أين يتّجه، وماذا يقول، ويعرف تكليف نفسه وتكليف الناس.

وقد سُئل يوماً عن الجهاد؛ سنّة أو فريضة، فقالعليه‌السلام :«الجهادُ على أربعة أوجه؛ فجهادان فرض، وجهاد سنّة لا يقام إلاّ مع فرض، وجهاد سنّة. فأمّا أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسَه عن معاصي اللّه، وهو مِنْ أعظم الجهاد، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض.

وأمّا الجهاد الذي هو سنّةٌ لا يقام إلاّ مع فرض فإنّ مجاهدة العدوّ فرضٌ على جميع الاُمّة، لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب، وهذا هو من عذاب الاُمّة، وهو سنّةٌ على الإمام، وحدُّه أن يأتي العدوَّ مع الاُمّة فيجاهدهم.

وأمّا الجهاد الذي هو سنّة فكلُّ سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال؛ لأنها إحياء سنّة، وقد قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ سنَّ سنّةً حسنة فله أجرها وأجر مَنْ عمِل بها إلى يوم القيامة، من غير أن يُنقص من أجورهم شيئاً» (2) .

وهذا البيان المفصّل يكشف لنا عن علم محيط بالشريعة، فإذا انطلق الجهاد من هذا العلم كان جهاداً نيّراً، وإذا قامت به الشجاعة كانت شجاعةً واعية، وكان الإقدام على هدىً وبصيرة.

وقد رأى الإمام الحسين (صلوات اللّه عليه) أنَّ الظرف الذي عاشه آخر

____________________

(1) بصائر الدرجات / 4.

(2) تحف العقول / 175.

١٣٥

أيّامه المباركة قد استدعى حكم الجهاد في سبيل اللّه تعالى، حيث تمّت شروطه، واقتضى الحال نهوضاً لا تقيّة معه، فلا بدَّ أن تُقدَّم الدماء والأنفس دون الدين.

2 - الهدفيّة

فالشجاعة ما لم تحمل هدفاً مقدّساً وغايةً نبيلة فإنّها تهوّرٌ وإلقاءٌ بالنفس إلى التهلكة، في حين إذا جاءت عن نيّة مخلصة للّه تعالى، وشخّصت الهدف الإلهيّ، آتتْ ثوابها، وختمت لصاحبها بالشرف الرفيع، وقبول العمل، أو بكلتيهما مع التوفيق للشهادة في سبيل اللّه (عزّ وجلّ).

والنيّة - كما يقول الفقهاء وعلماء الأخلاق - شرطٌ في العبادات كلّها؛ فلا يصحُّ شيءٌ من الأفعال بدون النيّة. قال النبيُّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :«إنّما الأعمال بالنيّات» (1) . فإذا ما نوى المرءُ الرياءَ فقد حبط عمله، وصارتْ طاعته معصية.

ومنْ يشكّ في نيّة الإمام الحسينعليه‌السلام وهو يعلم أنه قادمٌ على معركة يُقتل فيها ليحيا الإسلام، وأرض يغدر فيها به لتفيق الاُمّة؟! وقد صرّح بذلك مرّات ومرات، من ذلك أنه (سلام الله عليه) كتب إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة كتاباً هذا نصُّه:«بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم. أمّا بعد، فإنَّ مَن لَحِق بي استُشهد، ومن تخلّف لم يدرك الفتح. والسّلام» (2) .

وخطبعليه‌السلام في مكة قبل سفره إلى كربلاء، فقال:«كأنّي بأوصالي

____________________

(1) حديث مشهور بين المسلمين على سبيل المثال، يراجع كنز العمّال - الخبر 7272، وبحار الأنوار 70 / 211 ح 35، عن غوالي اللآلي، وصحيح البخاريّ - كتاب الإيمان / 23.

(2) كامل الزيارات - لابن قولويه / 75.

١٣٦

تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفا، وأجربةً سغبا، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم» (1) .

أمّا الهدف الذي خرج من أجله الإمام الحسينعليه‌السلام فهو طاعة اللّه تعالى وطلب مرضاته، ثمّ ما يتحقّق بتوفيق اللّه (عزّ وجلّ) من:

أ - إقامة للعدل

ب - دَمْغ للظلم

ج - تحصين للدين

د - إيقاظ للمسلمين

هـ - إعلاء لكلمة الحقّ، وتنكيس لكلمة الباطل

و - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ز - فضح الظالمين والمنحرفين

وقد عبّر الإمام الحسين (سلام الله عليه) عن هذا الهدف الشريف بشجاعة ثابتة، ولمرّات عديدة. وقف عند قبر رسول اللّه يناجي ربَّه قائلاً:«اللّهمّ إنَّ هذا قبر نبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللهمَّ إنّي اُحبُّ المعروف، وأنكر المنكر، وأسألك يا ذا الجلال والإكرام، بحقّ القبر ومَنْ فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رضاً، ولرسولك رضاً» (2) . فالنيّة واضحة، والدعاء مفصحٌ عنه، والهدف بيّن، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد عبّر عن ذلك أيضاً في وصيّة إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة، حيث كتب له فيها:«... وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ اُريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...» (3) .

____________________

(1) اللهوف / 53.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزميّ 1 / 186.

(3) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزميّ 1 / 188.

١٣٧

أجل، فمثْلُ الإمام الحسينعليه‌السلام لا يقْدم إلاّ على مثْل هذا؛ فهو الذي خلصت نيّته للّه (جَلّ وعلا)، وعرف ماذا أمر اللّه تعالى في شريعته، وانشدّ قلبه إلى طاعة اللّه (عزّ وجلّ) وحده؛ فلا يقوم إلاّ للّه سبحانه، و لِمَ لا وهو الذي قال النبيُّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أخيه الحسنعليهما‌السلام :«الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة» (1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«الحسن والحسين إمامان، إنْ قاما وإنْ قعدا» (2) .

وأخرج ابن تيمية (فقيه الحنابلة) قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أشار إلى الحسين:«هذا إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة» (3) .

وقد مرّ علينا أنّ من صفات الإمام - كما ذكرها عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام -:«أمين اللّه في خلقه، وحجّتُه على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى اللّه، والذابّ عن حُرُم اللّه...» (4) .

فيتعيّن بذلك أنَّ الإمام الحسين (سلام الله عليه) يعلم ما ينبغي، ويعني ما يقوله وما يُقْدم عليه، وهدفه هو إرادة اللّه تبارك وتعالى التي دعت إلى إقامة العدل وإزاحة الجور، وإحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

وقد عاش الإمام الحسينعليه‌السلام في ظلّ أوضاع أزرتْ بالمسلمين، وهدّدتْ شريعة سيّد المرسلين؛ حيث حكم بنو اُميّة، وما أدرانا ما بنو اُميّة!

____________________

(1) صحيح الترمذيّ 2 / 306، ومسند ابن حنبل 3 / 62، وحلية الأولياء 5 / 71، وتاريخ بغداد للخطيب البغداديّ / 331.

(2) الإتحاف بحبّ الأشراف / 129.

(3) منهاج السنّة 4 / 210.

(4) اُصول الكافي 1 / 156، باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته - الحديث الأوّل.

١٣٨

أخرج الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيّ الحافظ في تفسيره (الدرّ المنثور) قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«اُريت بني اُميّة على منابر الأرض، وسيملكونكم، فتجدونهم أرباب سوء».

واهتمّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك، فأنزل اللّه:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (1) .

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح وهو مهموم، فقيل: ما لك يا رسول اللّه؟ فقال:«إنّي اُريت في المنام كأنَّ بني اُميّة يتعاورون منبري هذا» . فقيل: يا رسول اللّه، لا تهتّم؛ فإنّها دنيا تنالهم. فأنزل اللّه:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ... ) ـ الآية.

وأخرج البيهقيّ في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه، عن سعيد بن المسيِّب قال: رأى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بني اُميّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى اللّه إليه إنّما هذه دنيا اُعطوها، فقرّت عينه، وهي قوله:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ... ) يعني بلاءً للناس(2) .

وجاء في (تفسير القرآن العظيم)(3) لابن كثير: المراد بالشجرة الملعونة بنو اُميّة. وفي (التفسير الكبير)(4) للفخر الرازيّ قال: قال ابن عبّاس: الشجرة بنو اُميّة. وجاء بمعناه في تفسير (النيسابوريّ) المسمّى بـ (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)(5) .

____________________

(1) سورة الإسراء / 60.

(2) تفسير الدرّ المنثور - سورة الإسراء / 60.

(3) ج3 / 49.

(4) في ظلّ الآية 60 من سورة الإسراء.

(5) هامش تفسير الطبريّ 15 / 55.

١٣٩

وأخرج إمام المعتزلة ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)(1) ، عن المدائنيّ أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رُفع له مُلْك بني اُميّة، فنظر إليهم يعلون منبره واحدٌ واحد، فشقَّ ذلك عليه، فأنزل اللّه تعالى في ذلك قرآناً قال له:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) .

قال الآلوسي: والشجرة الملعونة في عبارة بعض المفسّرين هي بنو اُميّة. إلى أن قال: وفيه من المبالغة في ذمّهم ما فيه، وجعل ضمير( نُخوِّفُهم ) على هذا لما كان له أو لا(2) ، أو للشجرة باعتبار أنَّ المراد بها بنو اُميّة، (ولعنهم) لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة، والفروج المحصنة، وأخذ الأموال من غير حلّها، ومنع الحقوق عن أهلها، وتبديل الأحكام، والحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى على نبيّه (عليه الصلاة والسّلام)، إلى غير ذلك من القبائح العظام، والمخازي الجسام التي لا تكاد تُنسى ما دامت الليالي والأيّام. وجاء لعنهم في القرآن على الخصوص وعلى العموم(3) .

وأخرج المؤرّخ والمحدّث (المتّقي الهنديّ)(4) في كتابه الشهير (كنز العمّال)(5) ، عن عمر بن الخطّاب في قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا

____________________

(1) ج 16 / 16، الطبعة الحديثة، عن شرح المختار الثلاثين من الباب الثاني.

(2) هكذا في الأصل، و لعلّه: أولى.

(3) في تفسيره (روح البيان) 15 / 100 في ظلّ الآية( وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ) (الإسراء / 60). وهو من مفسّري وعلماء أهل السنّة.

(4) وهو من علماء السنّة المعروفين.

(5) ج 1 / 252.

١٤٠