الأخلاق الحسينية

الأخلاق الحسينية0%

الأخلاق الحسينية مؤلف:
الناشر: تكسوار حجاز
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 368

الأخلاق الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
الناشر: تكسوار حجاز
تصنيف: الصفحات: 368
المشاهدات: 42321
تحميل: 8712

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42321 / تحميل: 8712
الحجم الحجم الحجم
الأخلاق الحسينية

الأخلاق الحسينية

مؤلف:
الناشر: تكسوار حجاز
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

«الحسن والحسين سيّدا شبابِ أهل الجنّة» (1) .

وقال النبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله :«لمّا استقرّ أهلُ الجنّة، قالتِ الجنّة: يا ربّ، أليس وعدتَني أنْ تزيّنني بركنينِ من أركانك؟ قال: ألم اُزيّنكِ بالحسن والحسين؟! فماستِ الجنّة ميساً كما تميس العروس» (2) .

وعن سلمان المحمّدي قال: دخلتُ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واذا الحسينُ على فخِذه، وهو يقبّلُ عينَيه ويلثمُ فاه، ويقول:«إنّك سيد ابن سيد أبو سادة، إنك إمام ابن امام أبو أئمّة، إنك حجّة ابن حجّة أبو حججٍ تسعةٍ من صُلبك، تاسعهُم قائمهم» (3) .

وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسولُ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثمُ هذا مرّة وهذا مرّة حتّى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول اللَّه، إنك تُحبُّهم؟

فقال:«نعم، مَنْ أحبّهما فقد أحبّني، ومَنْ أبغضهما فقد أبغضني» (4) .

وقال النبيُّ الهاديصلى‌الله‌عليه‌وآله :«لكلّ اُمّةٍ سبط، وسبطُ هذه الاُمّة الحسن والحسين» (5) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لابنته فاطمةعليها‌السلام :«... ومِنّا سبطا هذهِ الاُمّة الحسنُ والحسين، وهما ابناك، ومِنّا المهديّ» (6) .

____________________

(1) صحيح الترمذيّ 2 / 306، و 2 / 307، ومسند ابن حنبل 3 / 64، وصحيح ابن ماجة - باب فضائل أصحاب رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومستدرك الصحيحين 3 / 167، وحلية الأولياء - لأبي نعيم 4 / 139، وتاريخ بغداد - للخطيب البغدادي 1 / 140، والإصابة 1 / 266، وكنز العمال 6 / 221، وغيرها كثير.

(2) تاريخ بغداد 2 / 238، وكنز العمال 6 / 221، وغيرهما.

(3) مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي 1 / 146.

(4) مستدرك الصحيحين 3 / 166، وغيره.

(5) كنز العمال 2 / 88.

(6) مرقاة المفاتيح - لعليّ بن سلطان 5 / 602، وأخرجه الطبرانيّ في معجمه، وذكره المحبّ الطبريّ أيضاً في ذخائر العقبى / 44.

٣٢١

وعن ابن عباس قال: قال رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«ليلة عُرج بي إلى السماء رأيتُ على باب الجنّة مكتوباً: لا إله إلاّ اللَّه، محمّدٌ رسولُ اللَّه، عليٌ حِبُّ اللَّه، والحسن والحسين صفوةُ اللَّه، فاطمةُ خيرةُ اللَّه، على باغضهم لعنة اللَّه» (1) .

وعن ابن عباس قال: قدِم يهوديّ يُقال له: (نعثل)، فقال: يا محمّد، أسألك عن أشياءَ تتلجلجُ في صدري منذ حين، فإنْ أجبتَني عنها أسلمتُ على يديك. أخبرْني عن وصيّكَ مَنْ هو؟ فَما مِن نبيٍّ إلاّ وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسى بنَ عمران وصيُّه يوشَعُ بنُ نون.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :«إنَّ وصيّي عليُّ بنُ أبي طالب، وبعده سبطاي الحسنُ والحسين، تتلوه تسعةُ أئمةٍ مِن صُلب الحسين».

قال: يا محمّد، فسَمِّها لي.

قال:«فإذا مضى الحسين فابنُه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنُه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنُه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنُه موسى، فإذا مضى موسى فابنهُ عليّ، فإذا مضى عليّ فابنهُ محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسنُ فابنُه الحجّةُ المهديّ» (2) .

وعن جابر بن عبد الله الأنصاريّ (رضي اللَّه عنه) قال: دخل جندل بنُ جبير اليهوديّ على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسأل عن أشياءَ فأجابه النبيّ، ثم قال: أخبرْني عن أوصيائِكَ مِن بعدك لأتمسّك بهم.

قال:«أوصيائي

____________________

(1) تاريخ بغداد 1 / 259 - والحِبّ هو المحبوب.

(2) ينابيع المودة - للشيخ القندوزي الحنفي - باب 76 - 2 / 440، طبع سنة 1302، نقلاً عنه الحمويني في (فرائد السمطين)، وإكمال الدين وإتمام النعمة - للشيخ الصدوق (قُدّس سرّه) / 252.

٣٢٢

اثنا عشر».

قال جندل: هكذا وجدناهم في التوراة. يا رسول اللَّه، سمّهم لي.

فقال:«أوّلُهم سيّدُ الأوصياء أبو الأئمةِ علي، ثمَّ ابناه الحسن والحسين، فاستمسكْ بهم ولا يغرّنك جهلُ الجاهلين، فإذا وُلد عليُّ بنُ الحسين زينُ العابدين يقضي اللَّهُ عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبنٍ تشربه» .

فقال جندل: وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء إيليا وشبّراً وشُبيراً، فهذا اسمُ عليّ والحسنِ والحسين، فمَن بعد الحسين، وما اسمُهم؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له:«إذا انقضتْ مدةُ الحسين فالإمام ابنُه عليّ، ويُلقّبُ بزينِ العابدين، فبعده ابنُه محمّد، ويلقّبُ بالباقر، فبعده ابنه جعفر، يُدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى، يُدعى بالكاظم، فبعده ابنُه عليّ، يُدعى بالرضا، فبعده محمّد، يُدعى بالتقيّ والزكيّ، فبعده ابنُه عليّ، يُدعى بالنقيّ والهادي، فبعده ابنُه الحسن، يُدعى بالعسكريّ، فبعده ابنُه محمّد، يُدعى بالمهديّ والقائم والحجة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...» (1) .

وعن ابن عباس قال: كنتُ عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى فخذه الأيسر ابنُه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسينُ بنُ عليّ؛ تارةً يُقبّل هذا وتارةً يقبّلُ هذا، إذْ هبط عليه جبرئيلعليه‌السلام بوحيٍ مِن ربّ العالمين، فلمّا سرى عنه قال:«أتاني جبريلُ من ربّي، فقال لي: يا محمّد، إنّ ربَّكَ يقرأ عليك السّلام، ويقول لك: لستُ أجمعهمُا لك، فافْدِ احدَهما بصاحبه».

فنظر النبيُّ (صلى اللَّه عليه وآله) [إلى إبراهيم] فبكى، ونظر إلى الحسين فبكى، ثم قال:«إنّ إبراهيم اُمُّه أَمَة، ومتى مات لم يحزنْ عليه غيري، واُمُّ الحسين فاطمة، وأبوه عليٌّ ابنُ عمّي، لحمي ودمي، ومتى مات حزنتْ ابنتي وحزن ابن عمّي وحزنتُ أنا عليه، وأنا اُوثر حزني على حزنهما. يا جبريل، تقبضُ إبراهيم؛

____________________

(1) كفاية الطالب - للكَنجي الشافعي، عنه ينابيع المودة - باب 76 / 443، عن المناقب، عن واثلة بن الأصقع بن قرحاب.

٣٢٣

فديته بإبراهيم» .

قال: فقُبض بعد ثلاث، فكان النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى الحسينَ مُقْبِلاً قبّله، وضمّه إلى صدره، ورشفَ ثناياه، وقال:«فُديت من فَديتُه بابني إبراهيم» (1) .

وعن ابن عباس (رضي اللَّه عنه) قال: حضرتُ رسولَ اللَّه (صلى اللَّه عليه وآله) عند وفاته وهو يجود بنفسه، وقد ضمَّ الحسينَ إلى صدره وهو يقول:«هذا من أطائب اُرومتي، وأبرارِ عترتي، وخيار ذرّيّتي، لا بارك اللَّهُ فيمَنْ لم يحفظْه مِن بعدي».

قال ابنُ عباس: ثمّ اُغميَ على رسول اللَّه ساعة، ثم أفاق، فقال:«يا حسين، إنّ لي ولقاتلِكَ يوم القيامة مقاماً بين يدَيْ ربيّ وخصومة، وقد طابتْ نفسي؛ إذْ جعلني اللَّهُ خصماً لمَنْ قاتلك يومَ القيامة» (2) .

وهذه الأحاديث الشريفة - على قلّة ما أوردنا - هي مفصحةٌ عن قدْر الإمام الحسينعليه‌السلام ومقامه السامي، ومنزلته الرفيعة وشأنه الجليل عند اللَّه (جلّ ذكْرُه)، وعند سيّد الرسُلصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولا نقول بعد ذلك إلاّ أنّ الإمام الحسين (سلام اللَّه عليه) هو مجمعُ الفضائل، وقد فاز مَنْ أحبّه، وسعد مَنْ والاه، وهلكَ مَن عاداه، وخابَ مَنْ جحَده وحاربه وأبغضه، وضلّ مَن فارقه وخالفه.

ومَنْ أراد الاطمئنان إلى صحةِ ذلك فنحن نصحبُه إلى صحابة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومَنْ جاءَ بعدهم، نجالسهم ونستمع إليهم وهم يُحدّثوننا عمّا أرتأوا.

* قال عمر بن الخطاب للإمام الحسينعليه‌السلام : إنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللَّه، ثمّ أنتم(3) .

* وقال: أخرجه ابن سعد، وابن راهويه، وذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة / 107، ولكن قال: قال عمر: وهل أنبت الشعرَ في الرأس بعد اللَّه إلاّ أنتم؟!

قال:

____________________

(1) تاريخ بغداد 2 / 204.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي 1 / 176.

(3) تاريخ بغداد 1 / 141، وذكره الهندي في كنز العمال 7 / 105.

٣٢٤

* وفي رواية قال عمر: إذا جئتَ فلا تستأذن. أخرجه الدارقطني.

* وروى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده بهذه الصيغة: وعن عبيد بن حنين، عن حسين بن عليعليه‌السلام قال:«صعدتُ إلى عمر وهو على المنبر، فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. فقال: مَنْ علّمكَ هذا؟ قلت: ما علّمنيهِ أحد. فقال: منبرُ أبيكَ واللَّهِ، وهل أنبتَ على رؤوسنا الشعرَ إلاّ أنتم» .

* وذكره محمّد بن سعد في كتابه، وطرقه محدّث الشام بطرق شتّى، وأورده ابن حجر في الإصابة 1 / 333 بهذا النص: قال عمر بن الخطاب للحسينعليه‌السلام : فإنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللَّه ثمَّ أنتم.

* وقال: سنده صحيح. ثمَّ روى على الصفحة ذاتها بإسناده عن العيزاب بن حرب، بينا عبد الله بن عمر جالس في ظلّ الكعبة إذْ رأى الحسينَ مقبل، فقال: هذا أحبُّ أهلِ الأرض إلى أهل السماءِ اليوم.

* وفي رواية ابن الأثير في اُسد الغابة 3 / 234 قال ابن عمر: ألاَ اُخبركم بأحبّ أهل الأرضِ إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى. قال: هو هذا الماشي - مشيراً إلى الإمام الحسينعليه‌السلام .

ذكره الهندي في كنز العمال 6 / 86، وأخرجه ابن عساكر، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 186، وأورده ابن حجر في الإصابة 2 / 15، وتهذيب التهذيب 2 / 346.

* وقال عثمان بن عفان في الحسن والحسين وعبد الله بن جعفرعليهم‌السلام : فُطموا العلمَ فطماً، وحازوا الخيرَ والحكمة(1) .

* وقال أبو هريرة: دخل الحسين بن عليّ وهو معتمّ، فظننتُ أنّ النبيَّ قد بُعث(2) .

____________________

(1) الخصال / 136.

(2) بحار الأنوار 44.

٣٢٥

* وروى الگنجيّ الشافعيّ بإسناده عن أبي المهزم قال: كنّا مع جنازةِ امرأة ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأةِ فصلّى عليهما، فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفضُ الترابَ عن قدميه بطرفِ ثوبه، فقال الحسينعليه‌السلام :«يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا؟!».

فقال أبو هريرة: دعْني، فواللَّهِ لو علِمَ الناسُ منك ما أعلم لحملوك على رقابهم(1) .

* وأخذ ابن عباس بركاب الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فعُوتب في ذلك، فقيل له: أنت أسنّ منهما. فقال: إنّ هذينِ ابنا رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفليس من سعادتي أنْ آخذَ بركابهما(2) .

* وفي رواية أجاب المعترض: يالُكع! وما تدري مَنْ هذان؟ هذانِ ابنا رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو ليس ممّا أنعم اللَّه علَيّ به أن أمسك لهما واُسوّيَ عليهما(3) .

* وقال له معاوية بعد وفاة الحسنعليه‌السلام : يابنَ عباس، أصبحتَ سيّدَ قومك.

فقال: أمّا ما أبقى اللَّهُ أبا عبد الله الحسين فلا(4) .

* وقال معاوية لعبد اللَّه بن جعفر: أنت سيّدُ بني هاشم.

فأجابه عبد الله: سيّدُ بني هاشم حسنٌ وحسين(5) .

* وكتب عبد الله بن جعفر (رضوان اللَّه تعالى عليه) إلى الإمام الحسينعليه‌السلام : إنْ هلكتَ اليوم طُفئ نورُ الإسلام؛ فإنّك علَمُ المهتدين، ورجاءُ المؤمنين(6) .

* وسألَ رجلٌ عبد الله بن عمر عن دم البعوض، أي عن نجاسته، فقال عبد الله: ممّن أنت؟

فقال: مِن أهل العراق.

قال: انظروا إلى هذا يسألُني عن دم

____________________

(1) كفاية الطالب / 425، وتاريخ مدينة دمشق 4 / 322.

(2) تاريخ مدينة دمشق 4 / 322.

(3) مناقب آل أبي طالب 3 / 400.

(4) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام - لباقر شريف القرشي 2 / 500.

(5) الحسن بن عليعليه‌السلام - لكامل سليمان / 173.

(6) البداية والنهاية - لابن كثير 8 / 167.

٣٢٦

البعوض وقد قتلوا ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وسمعتُ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:«هما ريحانتايَ من الدنيا» (1) .

* وقال محمّد بن الحنفيّة: إنّ الحسين أعلـمُنا علْماً، وأثقلُنا حلْماً، وأقربُنا من رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رحماً، كان إماماً فقيهاً(2) .

* مرّ الحسينعليه‌السلام بعمرو بنِ العاص وهو جالسٌ في ظلّ الكعبة، فقال عمرو: هذا أحبُّ أهلِ الأرض إلى أهل الأرض، وإلى أهل السماء اليوم(3) .

* وقال عبد الله بن عمْرو بنِ العاص، وقد مرّ عليه الحسينعليه‌السلام : مَن أحبَّ أنْ ينظر إلى أحبِّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلْينظرْ إلى هذا المجتاز(4) .

* وقال معاوية لابنهِ يزيد، وقد أشار عليه أنْ يكتب للحسينعليه‌السلام جواباً عن كتابٍ كتبهعليه‌السلام لمعاوية، وأنْ يُصغِّر له نفسَه، قال: وما عسيتُ أنْ أَعيبَ حسيناً! وواللَّهِ ما أرى للعيبِ فيه موضعاً(5) .

* وقال الوليد بن عتبة - والي المدينة - لمروان بن الحكم لـمّا أشار عليه مروان بقتل الحسينعليه‌السلام إذا لم يبايع يزيد: واللَّهِ يا مروان، ما اُحبُّ أنَّ لي الدنيا وما فيها وأنيّ قتلتُ الحسين. سبحانَ اللَّه! أقتلُ حسيناً إنْ قال: لا اُبايع! واللَّهِ إنيّ لأظنُّ أنَّ مَنْ يقتل الحسين يكون خفيفَ الميزان يوم

____________________

(1) صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، ورواه الترمذي في صحيحه 2 / 306، وأحمد بن حنبل في مسنده 2 / 85 و93 و114 و153، وأبو نعيم في حلية الأولياء 5 / 70، والنسائي في خصائصه / 37، وابن عساكر في تاريخه 4 / 314 وغيرهم.

(2) بحار الأنوار 10 / 140، الطبعة القديمة.

(3) تاريخ مدينة دمشق 4 / 322.

(4) بحار الأنوار 10 / 83، الطبعة القديمة.

(5) أعيان الشيعة - للسيد محسن العاملي - القسم الأوّل 4 / 146.

٣٢٧

القيامة(1) .

* وخطب يزيدُ بن مسعود النهشليّ (رحمه اللَّه) فقال: وهذا الحسينُ بنُ عليّ، ابنُ رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذو الشرف الأصيل، والرأيِ الأثيل، له فضلٌ لا يُوصف، وعلمٌ لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر؛ لسابقته وسنِّه، وقِدَمه وقرابته؛ يعطف على الصغير، ويحنو على الكبير، فأكرِمْ به راعيَ رعيه، وإمامَ قومٍ وجبتْ للَّه به الحُجّة، وبلغتْ به الموعظة(2) .

* قال عبد الله بن الحرّ الجُعفيّ: ما رأيتُ أحداً قطّ أحسنَ ولا أملأَ للعين من الحسين(3) .

* وقال الربيعُ بن خيثم لبعضِ مَن شهد قتلَ الحسينعليه‌السلام : واللَّه، لقد قتلتُم صفوةً لو أدركهم رسولُ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقبّل أفواههم، وأجلسهم في حِجْرِه(4) .

* وقال إبراهيم النخعيّ: لو كنتُ فيمَنْ قاتل الحسين ثمّ أدخل الجنّة لاستحييتُ أنْ أنظرَ إلى وجه رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (5) .

* وقال ابن سيرين: لم تبكِ السماءُ على أحدٍ بعد يَحيى بنِ زكريا إلاّ على الحسينعليه‌السلام ، ولـمّا قُتل اسودّتِ السماء، وظهرتِ الكواكبُ نهاراً حتّى رُؤيتِ الجوزاءُ عند العصر، وسقط الترابُ الأحمر، ومكثت السماءُ سبعة أيام بلياليها كأنّها علَقة(6) .

* وقال (غاندي) زعيم الهند: تعلّمتُ من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصِر(7) .

____________________

(1) البداية والنهاية - لابن كثير 8 / 147.

(2) أعيان الشيعة - القسم الأوّل 4 / 195.

(3) أعيان الشيعة - القسم الأوّل 4 / 118.

(4) بحار الأنوار 10 / 79 الطبعة القديمة.

(5) الإصابة في معرفة الصحابة - لابن حجر 1 / 335.

(6) تاريخ مدينة دمشق 4 / 339.

(7) قول مشهور له.

٣٢٨

* وقال الاُستاذ علي جلال الحسينيّ: السيّد الزكيّ، الإمام أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ابن بنت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته، وابنُ أمير المؤمنين عليّ (كرّم اللَّه وجهَه)، وشأن بيت النبوة له أشرف نَسب، وأكمل نفس.

جمعَ الفضائلَ ومكارمَ الأخلاق ومحاسنَ الأعمال؛ من علوِّ الهمّة، ومنتهى الشجاعة، وأقصى غايةِ الجود، وأسرار العلم، وفصاحةِ اللسان، ونصرة الحق، والنهيِ عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن عزِّ، والعدل، والصبر، والحلم، والعفاف، والمروءة، والورع، وغيرها.

واختصّ بسلامةِ الفطرة، وجمال الخلقة، ورجاحةِ العقل، وقوة الجسم، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعالَ الخير؛ كالصلاة، والحجّ، والجهاد في سبيل اللَّه، والإحسان.

وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه، مُرشِداً بعمله، مهذِّباً بكريم أخلاقه، ومؤدِّباً ببليغ بيانه، سخيّاً بمالِه، متواضعاً للفقراء، معظَّماً عند الخلفاء، موصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين، منتصفاً للمظلومين، مشتغلاً بعبادته، مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجّاً خمساً وعشرين مرّة... إلخ.

وقال: كان الحسينُ في وقته علَمَ المهتدين، ونور الأرض، فأخبارُ حياته فيها هدىً للمسترشدين بأنوار محاسنه، المقتفين آثار فضله(1) .

* وقال الاُستاذ محمّد رضا المصري: هو ابنُ بنتِ رسولِ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلَمُ المهتدين، ورجاءُ المؤمنين(2) .

* وقال عمر رضا كحالة: الحسين بن عليّ، وهو سيّدُ أهلِ العراق فقهاً

____________________

(1) كتاب الحسينعليه‌السلام 1 / 6.

(2) كتابه الحسن والحسين سبطا رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله / 75.

٣٢٩

وحالاً، وجُوداً وبذلاً(1) .

* وقال الاُستاذ عبد الله العلايلي: جاء في أخبار الحسينعليه‌السلام أنّه كان صورةً احتبكتْ ظِلالُها مِن أشكال جَدّهِ العظيم، فأفاض النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه إشعاعةً غامرةً مِن حبّه وأشياءِ نفسه؛ ليتمَّ له أيضاً مِن وراءِ الصورة معناها، فتكون حقيقةً مِن بعدُ كما كانت مِن قبلُ إنسانيّةً ارتقتْ إلى نبوّة«وأنا مِن حسين» ، ونبوّةً هبطتْ إلى إنسانيّة«حسين منّي» ، فسلامٌ عليه يوم وُلد(2) .

* وقال الاُستاذ عبّاس محمود العقّاد: مَثُلَ للناس في حُلّةٍ من النور تخشع لها الأبصار، وباءَ بالفخرِ الذي لا فخرَ مثلُه في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنىً منهم عربيٌّ ولا عجميّ، وقديم وحديث؛ فليس في العالم اُسرةٌ أنجبتْ من الشهداء مَنْ أنجبتْهم اُسرةُ الحسين؛ عُدّةً وقدرة وذكرة، وحسْبُه أنّه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيدُ ابنُ الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين(3) .

* وقال الاُستاذ عمر أبو النصر: هذه قصة اُسرةٍ من قريش، حملتْ لواءَ التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض إلى مغربها، قصة ألّفَ فصولَها شبابٌ ما عاشوا كما عاش الناس، ولا ماتوا كما مات الناس؛ ذلك أنَّ اللَّه شرّفَ هذهِ الجماعةَ مِن خلْقه بأنْ جعل النبوّة والوحيَ والإلهامَ في منازلها، وزاد ندىً فلم يشأ لها حظَّ الرجلِ العادي مِن عباده، وإنّما أرادها للتشريد والاستشهاد، وأرادها للـمُثلِ العليا مِن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتب لها أنْ تتزعّمَ لواءَ التقوى والصلاح إلى آخر ما يكون مِن ذرّيتها(4) .

* وقال الاُستاذ عبد الحفيظ أبو السعود: عنوانُ النضال الحرّ، والجهادِ

____________________

(1) كتابه أعلام النساء 1 / 28.

(2) كتابه تاريخ الحسين أو سمّو الذات في سموّ المعنى / 226.

(3) كتاب أبو الشهداء الحسين بن عليعليه‌السلام / 230.

(4) كتابه آل محمّدٍ في كربلاء / 30.

٣٣٠

المستميت، والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور السلطان وبغي الحاكمين(1) .

* وقال الاُستاذ محمّد الباقر: إنّ سيرة البطل الشهيد الإمام الحسين بن عليّ جديرةٌ بأنْ ينقشَها العربُ جميعاً - على تنوّعِ ميولهم ومذاهبهم - في أمواق أفئدتهم؛ ذلك لأنّ هذهِ السيرةَ إنما هي سيرة التضحية والعقيدة، سيرةُ العزّةِ والكرامة(2) .

* وقال الاُستاذ أحمد حسن لطفي: إنّ الموتَ الذي كان ينشدهُ فيها كان يمثّلُ في نظرهِ مثلاً أروع من كل مُثلِ الحياة؛ لأنَّه الطريق إلى اللَّهِ الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى؛ ولأنّه السبيلُ إلى الانتصار وإلى الخلود؛ فأعظمُ بطل مَن ينتصر بالموت على الموت(3) .

* وقال الاُستاذ علي الشرقيّ: ما أجدر بثورةٍ كثورةٍ الحسينعليه‌السلام بأنْ تُوصفَ بالشموليّة؛ فهي ثورةٌ لكلِّ انسانٍ فوق هذا الكوكب، مسلماً كان أو غير مسلم، وهذا بعضُ ما يجب أنْ يُقالَ بحقّ الثورةِ التي كانتْ وستبقى الثورةَ المثالية والرائدةَ بلا مُنازع(4) .

* وقال الاُستاذ أنطون بارا (الكاتب المسيحيّ): الثورة التي فجّرها الحسين بن عليّ (عليه وعلى أبيه أفضلُ السّلام) في أعماق الصدور المؤمنة والضمائر الحرّة، هي حكاية الحريّة الموءودة بسكّينِ الظلم في كلِّ زمانٍ ومكان وُجِد بهما حاكمٌ ظالم غشوم لا يُقيم وزناً لحريّة إنسان، ولا يصون عهداً لقضيّةٍ بشريّة.

وهي (أي ثورة الحسين) قضية الأحرار تحت أيِّ عنوانٍ انضوَوا، وخلفَ أيّةِ عقيدةٍ ساروا...

____________________

(1) سبطا رسول اللَّه الحسن والحسين / 188.

(2) كتابه الشهيد الخالد الحسين بن عليعليه‌السلام / 6.

(3) كتابه الشهيد الخالد الحسين بن عليعليه‌السلام / 47.

(4) مجلة الموقف البحرينيّة - العدد 262 - 5 فبراير 1979م.

٣٣١

- الحسينعليه‌السلام ثار مِن أجل الحقّ، والحقُّ لكل الشعوب. والحسينعليه‌السلام ثار مِن أجل مرضاةِ اللَّه، وما دام اللَّه خالقَ الجميع فكذلك ثورة الحسين لا تختصّ بأحدٍ معيّن، بل هي لكلِّ خلْقِ اللَّه.

وفي قولة النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله :«إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» دِلالةٌ على شموليّةِ ثورة الحسينعليه‌السلام ؛ فقولةُ رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تقتصر على (المسلمين)، وإلاّ للَفظها لسانُه الكريم بهذا المعنى، لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شمل كلَّ المؤمنين قاطبةً تحتَ أيّة عقيدةٍ انضوَوا، وفوقَ أيّةِ بقعةٍ فوق الأرض وُجدوا، وخصّهم بنصيبٍ من هذه الحرارة السَّنِيّة التي لا تبرد في قلوبهم لقتل الحسينعليه‌السلام .

المظلومون والمضطهدون، والمقهورون والمروَّعون مِن كلّ المذاهب والبقاع يتّجهونَ في كلّ رغباتهم إلى جوهر ثورة الحسينعليه‌السلام ؛ ففي اتجاههمُ الفطريّ ورودٌ إلى منبع الكرامةِ والإنصاف، والعدل والأمان(1) .

* وقال المطران الدكتور برتلماوس عجمي: مَن أجدر من الحسينعليه‌السلام لأنْ يكونَ تجسيداً للفداء في الإسلام؟! ومَن أجدر من الفكر المسيحيّ لأنْ يفهم رموزَ ومعاني هذا الفداء - الركن الأول في المسيحيّة، وبالتالي يُحبّ من يتقدّم إليه راضياً مرضيّاً لوجه اللَّه والحقِّ الإلهيّ؟! فالحسين من وجهةِ نظرٍ مسيحيّة هو شهيد للمسيحيّة كما للإسلام، وكما لغيرهما أيضاً؛ لأنَّ فداءَه ذو أهدافٍ إنسانيّة شمولية لا تختصّ بفردٍ دونَ آخَر(2) .

* وقديماً قال ذلك المسيحيّ المعجَب: لو كان الحسينُ لنا لرفعنا له في كلِّ بلدٍ بيرقاً، ولنصبنا له في كلّ قريةٍ مِنبراً، ولدعونا الناس إلى المسيحيّة باسم

____________________

(1) من كتابه الحسين في الفكر المسيحي / 21 و 71.

(2) من كتاب الاُستاذ انطون بارا (الحسين في الفكر المسيحيّ) / 357 - 358.

٣٣٢

الحسين(1) .

أجل واللَّه، فالحسين مفخرةُ الدهر، وغُرّة جبين التاريخ، ومشعل الحرية، وكمال الشرف الإنساني، وعنوانُ كلِّ فضيلة. يحقّ لكلّ مؤمنٍ وحرّ، بل ينبغي أنْ يرفع للحسين - مفتخِراً - بيرقاً أينما كان، وينصبَ له في كلّ قرية منبراً يصدعُ مِن عليه بياناتِ الثورة الحسينيّة؛ اُسوةِ كلّ الثورات.

فالحسين القدوةُ الأجلّ، وثورتُه ثورةُ الحقِّ الذي تتوق إليه الاُمم، فيفتخر - ويحقُّ له ذلك - كلُّ من انتسب إلى الحسينعليه‌السلام بالسبب وبالنسَب كما انتسب سلمان إلى البيت النبويّ الشريف بالسبب، حينما قال رسولُ الإنسانيّةصلى‌الله‌عليه‌وآله :«سلمانُ منّا أهلَ البيت» .

لقد بلغ الإمام الحسينُعليه‌السلام شأواً وشأناً عظيمَينِ أخضع بهما رقابَ المعاندين فأقرّوا له بالكمالات والفضائل، وأجبر بهما القلوبَ على مولاته إلاّ ما رانَ عليها، واستدرّتا الألسنة بالمدحِ والإطراءِ عليه (سلام اللَّه عليه)، فقال مَن قال وهو في نشوةِ الحديث، وظنّ البعضُ أنّه وفى بوصفه، وأنّى له ذلك! لأنّ مَنْ رأى لم يرَ إلاّ قبساً من النور الإلهيّ الأقدس الذي شدَّ إليه العيون والألباب، الأعداءَ منهم والأحباب.

يقول الشيخ التستريّ (طاب ثراه): كُتب مدحُه عن يمين العرش أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، وقد مدحه تعالى في الأحاديث القدسيّة بمدائح، منها ما في حديث وضع اليد، قال تعالى:«بُوركَ مِن مولود عليه صلواتي، ورحمتي وبركاتي» .

وقد وصفه بأنّه:«نورُ أوليائي، وحُجّتي على خلْقي، والذخيرة للعصاة» .

وقد مدحه رسولُ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمدائح عجيبة، منها أنّه قال له يوماً:«مرحباً بكَ يازينَ السماوات والأرض» .

فقال اُبيُّ بنُ كعب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل غيرُك زينُ

____________________

(1) من كتاب الاُستاذ انطون بارا (الحسين في الفكر المسيحيّ) / 72.

٣٣٣

السماواتِ والأرض؟!

فقال:«يا اُبي، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، إنّ الحسينَ بنَ عليّ في السماوات أعظمُ ممّا في الأرض، وقد كتب اللَّهُ في يمين العرش أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة». ثمّ أخذصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد الحسينعليه‌السلام وقال:«أيُّها الناس، هذا الحسينُ بنُ عليّ فاعرفوه، وفضّلوه كما فضّله اللَّه» . إلى غير ذلك.

وقد مدحه جميعُ الأنبياءِ والملائكة وعباد اللَّه الصالحين، لكنّ خصوصيّتهعليه‌السلام في الممدوحية أنه ممدوحُ الأولياءِ والأعداء؛ فقدِ اختُصّ بمدحِ أعدائهِ له، مدحه معاويةُ في وصيّته ليزيد، ومدحه عُمر بنُ سعد في بعض أبياته، مدحه قتَلَتُه حين وقفوا لمبارزته، وأشهَدهم.

ومدحه شمر قاتلُه حين قال له: كفوٌ كريم، ليس القتلُ بيده عاراً. ومدحه سنان حين اشتغل بقتله، فقال:

اقتلُك اليومَ ونفسي تعلمْ

علماً يقيناً ليس فيه مكتمْ

أنَّ أباكَ خيرُ مَن تكلّمْ

ومدَحَه رافعُ رأسه حين جاء به إلى ابن زياد، فقال:

املأْ ركابي فضّةً أو ذهب

إنّي قتلتُ السيّدَ المحجَّبا

قتلتُ خيرَ الناسِ اُمّاً و أب

وخيرَهم إذْ يُنسَبونَ نسبا

وقد مدحه يزيد في مجلسه حين دخلتْ عليه (هند) زوجتُه في مجلس عامٍّ حاسرةً فغطّاها، فقال: اذهبي وابكي وأعولي على الحسين صريخةِ قريش(1) .

نعم، فكلّ مَنْ رآه أو سمع به تاقتْ نفسُه إلى الثناء عليه، أو غفل عن لسانه حتّى سمعه يُثني عليه، ولكنْ كلُّ مَنْ قال مادحاً عاد إلى نفسه فوجد أَنّه عرف شيئاً وغابتْ عنه أشياء، ولسانُ حاله يقول:

ويا عجباً منّي اُحاول وصفَه

وقد فُنيتْ فيه القراطيسُ والصُحْفُ

وذلك لأنَّ الحسينعليه‌السلام أجلُّ مِن أنْ يُحاط به الوصف، يقول فيه أحدُ الشعراء:

____________________

(1) الخصائص الحسينيّة / 24 - 25.

٣٣٤

تعاليتَ عن مدحٍ فأَبلغُ خاطبٍ

بمدحِكَ بين الناسِ أقصرُ قاصرِ

إذا طاف قومٌ في المشاعرِ والصّف

فقبرُك ركني طائفاً ومشاعري

وإنْ ذخرَ الأقوامُ نُسْكَ عبادةٍ

فحبُّك أوفى عُدّتي وذخائري

أجل يا ربِّ، سنقْدم عليك وليس لنا ما نستحقّ به الرحمة إلاّ الولاء لأهل بيت الرحمةعليهم‌السلام ؛ فقد قرأنا وسمعنا أنّ حبيبَكَ المصطفى (صلواتُك عليه وعلى آله) أخذ يوماً بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام فقال:«مَن أحبّني وأحبَّ هذينِ وأباهما واُمَّهما كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة» (1) .

فنظم هذا المعنى أبو الحسين - كما في نظم الأخبار - فقال:

أخذَ النبيُّ يدَ الحسين وصنوِهِ

يوماً وقال و صحْبُه في مَجمعِ

مَنْ ودّني يا قومِ أو هذينِ أو

أبوَيهِما فالخُلْدُ مسكنُه معي

اللهمَّ وفّقْنا لأنْ نُرضيَ رسولَك بحُبِّ آله أجراً للرسالة، وأنتَ الذي قلت له:( قلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) .

وقد قرأنا وسمعنا، ونَقَل لنا اُسامةُ بن زيد قائلاً: طرقتُ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة في بعض الحاجة، فخرج إليّ وهو مشتمِلٌ على شيءٍ ما أدري ما هو، فلمّا فرغتُ مِن حاجتي قلتُ: ما هذا الذي أنتَ مشتملٌ عليه؟

فكشفه فاذا هو الحسنُ والحسين على ورِكَيه، فقال:«هذانِ ابنايَ وابنا ابنتي، اللهمَّ إنّي اُحبُّهما واُحبّ مَنْ يُحبُّهما» (3) .

____________________

(1) جامع الترمذي، والفضائل لابن حنبل، والفضائل للسمعاني، وأمالي ابن شريح، وغيره).

(2) سورة الشورى / 23.

(3) جامع الترمذي، وكتاب السمعاني، وغيرهما.

٣٣٥

٣٣٦

الخاتمة

٣٣٧

٣٣٨

الخاتمة

وأنا أجمع أوراقي هذه وددتُ أنْ اُشير إلى بعض النقاط، أجد أهميّةً في ملاحظتها والالتفات إليها، وهي:

أوّلاً: لا بدَّ قبل التأليف وبعده من الاعتراف بالعجز عن الإحاطة بحياةِ أهلِ البيتعليهم‌السلام ، ولـمّا كان علينا أنْ نتبيّن سيرتَهم (صلوات اللَّه عليهم)؛ لِما في ذلك من الفوائد الضروريّة كان لا بُدّ مِن أنْ تُستلَّ الأقلام لتسطّرَ بأمانةٍ وبصيرةٍ ما جرى وما ينبغي معرفتُه مِن العقائد والأخلاق؛ إذْ لا يسقطُ الميسور بالمعسور، و ما لا يُدرَك كلُّه، لا يُترك كلُّه.

وهذه الوريقات إنّما جَمعتْ بعضَ الإشارات إلى أخلاق سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ممّا استطاع التاريخ حفظَه لنا ونقله إلينا، وجَمعَه في قراطيس شاءَ اللَّهُ تعالى أنْ يهديَ بها هذه الاُمّة المرحومة بما حباها الجليل من نبيٍّ مرسَل هو أشرفُ الأنبياء والمرسلين، وهادٍ وصيٍّ هو سيّدُ الهُداةِ والوصيّين، وأئمّة راشدين هم بعد النبيّ سادةُ الخلْقِ أجمعين. ونحن إذْ نغترف مِن مَعينهم إنما نغترف مِن معين الشرف والهدى والسعادة.

ثانياً: لا يفوتنا أنْ نقول: إنّ أغلبَ المؤلَّفات التي حامتْ حولَ الإمام

٣٣٩

الحسين (صلوات اللَّه عليه) ركّزتْ على جوانب وأهملتْ جوانب، ومرّتْ على جوانب مروراً سريعاً عابراً، ومِن ذلك الجانب الاخلاقيّ في شخصية الإمام الحسينعليه‌السلام الذي يُعبّر عن ذلك الإيمان السامق الراسخ، وعن تلك التقوى المنشدّةِ إلى اللَّه، وعن ذلك العقل الحكيم والروحِ الطاهرة والنفس الشريفة.

فعمدتُ - بتوفيق اللَّه تعالى - إلى تسليط الأضواءِ على المواقف الأخلاقيّة لسيّدي الحسين بن عليّ (عليهما أفضلُ الصلاةِ والسّلام) دونَ أنْ أهمل الجانبَ التاريخيّ؛ فدخلتُ فيه حتّى اقتحمتُ كربلاء لا أكتفي بذكر مصائبها، بل سجّلتُ أخلاقَ الإمام الحسين (سلام اللَّه عليه) في تلك المواقف العصيبة التي أثبتتْ فيما أثبتتْه: إمامتَه، وعصمتَه، وعمقَ إيمانه، واستحكام تقواه، وقوّة التعلّق والارتباط باللَّه (جَلّ وعلا).

فكربلاء لم تكنْ ساحةَ اقتتال بين فئتين تتبارزان بالسيوف والرماح والسهام فحسب، بل كانتْ ساحةَ صراعٍ بين الحقّ والباطل، الخيرِ والشرّ، النور والظلام، الهدى والضلال، والإسلام والجاهليّة، وبين الأخلاق الإلهيّة والأخلاق الشيطانيّة.

فحين تعامى القوم عن سبيل الهدى صدعَ الإمام الحسينعليه‌السلام بمواعظه الحكيمة الراشدة، وحين بخل القوم بأنفسهم وأموالهم تقدّمعليه‌السلام ليقدّم كلَّ ما لديه للَّه (عزّ وجلّ)، وحين جبنُوا وجدوه ذلك المقدامَ الهمام الذي لا يخشى إلاّ اللَّه (تبارك وتعالى)، وحين كشّر القومُ عن أسنان الحقد والرذيلة رأَوا الحسين (صلوات اللَّه عليه) ذلك الانسانَ الطيّبَ الذي يُريد الخير للبشرية، ويدعو إلى كلِّ فضيلة.

ولذلك نحن لا نعتقد أنَّ الحسينَ (سلام اللَّه عليه) قد قُتل، نعم نال الشهادة بأرفع درجاتها، بل تشرّفتِ الشهادة أنْ تضمَّ اليها اسمَ الحسينعليه‌السلام .

٣٤٠