المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14290%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 61

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 61
المشاهدات: 19397
تحميل: 5774


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 61 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19397 / تحميل: 5774
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هؤلاءِ الذينَ تَراهُم قدِ احتَوَشُوهْ، فقالَ: واللهِ، لأشُدَّنَّ علَيْه. فما ولَّى حتَّى ضرَبَ رأسَهُ بالسيفِ، فوقَعَ الغلامُ لوجهِهِ، فصاح:

«يا عمَّاه!».

فجَلّى الحسينُ عليه السلام كما يجلِّي الصقرُ، وانجلَتِ الغَبَرَةُ، فإذا بالحسينِ عليه السلام قائمٌ على رأسِ الغُلامِ والغلامُ يفْحَصُ برجلَيْهِ، والحسينُ عليه السلام يقول:

«بُعْداً لقومٍ قتلوكَ ومَنْ خصْمُهُم يومَ القيامةِ فيكَ جدُّك».

ثُمَّ قالَ:

«عزَّ - واللهِ - على عمِّكَ أنْ تَدْعُوَهُ فلا يُجيبُك، أو يُجيبَكَ ثُمَّ لا يَنْفعُكَ، صوتٌ واللهِ كثُرَ واترُهُ وقلَّ ناصرُهُ».

بكى او نادى يجاسم اشبيدي

يريت السيف قبلك حزّ وريدي

هان الكم تخلوني اوحيدي

على اخيمّي يعمّي الخيل تفتر

قالَ الراوي: ثُمَّ احتملَهُ، فكأنّي أنظُرُ إلى رِجلَي الغُلامِ يخُطّانِ في الأرضِ وقدْ وضَعَ الحسينُ عليه السلام صدرَهُ على صدرِهِ، قالَ: فقلتُ في نفسي: ما يصنَعُ بهِ؟ فجاءَ بهِ حتَّى ألقاهُ معَ ابنِهِ عليِّ بنِ الحسينِ وقَتْلى قدْ قُتِلَتْ حولَهُ منْ أهلِ بيتِهِ، فسألْتُ عنِ الغُلامِ، فقِيلَ: هوَ القاسِمُ بنُ

٤١

الحسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ عليهم السلام.

جابه اومدّده ما بين اخوته

بكى عدهم يويلي وهم موته

بس ما سمعن النسوان صوته

إجت امّه تصيح الله أكبر

ردتك ما ردت دنيه ولا مال

تحضرني لو وقع حملي ولا مال

يبني خابت اظنوني والامال

محل الضيق يبني اقطعت بيّه

وقدْ رُوِيَ أنَّ الشهداءَ في كربلاءَ منْ أولادِ الإمامِ الحسنِ بنِ عليٍّ عليه السلام ثلاثةٌ، غيرُ القاسِمِ، وقد جُرِحَ منْهُمْ خامِسٌ، وقُطِعَتْ يدُهُ، وهُوَ الحسَنُ المثنَّى- رِضوانُ اللهِ عليهِمْ أجمعِين-.

ما ذنبُ أهلِ البيتِ حتَّى

منْهُمُ أفنَوْا ربوعَه

تَركُوهُمُ شتَّى مَصا

رِعُهُمْ وأجْمعُها فظيعه

٤٢

مقاتل إخوة العباس عليه السلام

ثُمَّ إنَّ أبا الفضلِ العبَّاسَ عليه السلام، قالَ لإخوتِهِ منْ أبيهِ وأمِّهِ أمِّ البنينَ - وهُمْ عبدُ اللهِ وجعفرٌ وعُثمانُ -.

«تقدَّمُوا حتَّى أراكُم قد نصحْتُم للهِ ولرسولِه، تقدَّموا، بنفسي أنتُم، فحامُوا عن سيِّدِكُم حتى (تُقْتَلُوا) دونَه».

فتقدَّمُوا جميعاً. فصارُوا أمامَ الحسينِ عليه السلام، يَقُونَهُ بوُجوهِهِم ونُحُورِهِم.

فكانَ أوَّلَ مَنْ برَزَ منهُمْ عبدُ اللهِ بنُ أميرِ المؤمنين عليه السلام، وقاتَلَ قِتالاً شديداً، حتّى استُشْهِدَ. ثُمَّ برَزَ بعدَهُ جعفرٌ، ثُمَّ عثمانُ (وجدُّوا في القتالِ حتَّى قُتِلوا)- رضِيَ اللهُ عنْهُمْ أجمعِين-.

شهادة العباس عليه السلام

ولما استُشْهِدَ إِخوةُ العبَّاسِ عليهم السلام، ورآهُم صرعَى على وجهِ الصعيدِ، لم يستطِعْ صبراً، فجاءَ إلى أخيهِ الحسينِ عليه السلام يستأذِنُهُ القِتالَ، فبكَى الحسينُ عليه السلام بكاءً شديداً، وقال: «يا أخي، أنتَ صاحبُ لوائي، وإذا مضيتَ تفرَّقَ عسكري». فلم يأذَنْ له.

فقالَ العباسُ عليه السلام: «قد ضاقَ صَدْري وسئِمْتُ منَ الحياةِ، وأريدُ أنْ أطلُبَ ثأري من هؤلاءِ المنافقِين».

فقالَ الحسينُ عليه السلام: «فاطلُبْ لهؤلاءِ الأطفالِ قليلاً منَ الماء».

فذهَبَ العباسُ عليه السلام إلى عسكَرِ عُمَرَ بنِ سعدٍ ووعَظَهُم وحذَّرَهُم فلم ينفعْهُم، فرجَعَ إلى أخيهِ فأخبرَه، (وسمعَ أبو الفضلِ عليه السلام الأطفالَ ينادُون: «العطَشَ العطشَ». فخرَجَ يطلُبُ الماءَ ليوصِلَهُ إليهِم).

وركِبَ فرَسَهُ وأخذَ رمحَهُ وسيفَهُ والقِربةَ، فأحاطَ بهِ الذينَ كانوا مُوكَلِينَ بالفُراتِ، وأخَذُوا يرْمُونَهُ بالنَّبالِ، فلَمْ يعبَأ بجَمْعِهِم، ولا راعتْهُ كثْرَتُهُم. فكشَفَهُم عن وجهِهِ، ودخَلَ الفراتَ مطمئنّاً غيرَ هيَّاب لذلكَ الجَمْعِ الغفير.

ثُمَّ اغتَرفَ منَ الماءِ غُرْفةً وأدناها من فمِهِ ليشرَبَ، فتذكَّرَ عطَشَ أخيهِ الحسينِ عليه السلام وعَطاشى أهلِ بيتِهِ وأطفالِهِ عليهم السلام، فرمى الماءَ مِنْ يدِهِ وقال:

يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني

وبعدَهُ لا كنتِ أن تكوني

هذا حسينٌ وارِدُ المـَنُونِ

وتشربينَ بارِدَ المعِينِ

٤٣

تاللهِ ما هذا فِعَالُ ديني

ولا فِعَالُ صادقِ اليقين

اشلون اشرب واخوي احسين عطشان

وسكنه والحرم واطفال رضعان

اظن قلب العليل التهب نيران

يريت الماي بعده لا حلى او مرّ

ثُمَّ ملأَ القِرْبةَ وحمَلَها على كتِفِهِ اليُمنى، وركِبَ جوادَهُ، وتوجَّهَ نحوَ الخِيامِ مُسْرِعاً ليوصِلَ الماءَ إلى عَطاشى أهلِ البَيْتِ عليهم السلام، فأخذُوا عليهِ الطريقَ، وتكاثَرُوا عليهِ وأحاطُوا بهِ من كلِّ جانب.

فجَعَلَ يَصُولُ في أوساطِهِم ويضرِبُ فيهِمْ بسيفِهِ، فحمَلُوا عليهِ وحمَلَ هوَ عليهِم [ففرَّقَهُم] وأخذُوا يَهْرُبونَ من بينِ يدَيْهِ، فكَمَنَ لهُ زيدُ بنُ الرقَّادِ الجهينيُّ مِنْ وَراءِ نخلةٍ فضرَبَهُ على يمينِهِ بالسيفِ فبَراها.

فأخذَ العبّاسُ السيفَ بشِمالِهِ، وضَمَّ اللّواءَ إلى صدرِهِ، وحمَلَ القِربةَ على كتِفِهِ اليُسرى، وحمَلَ عليهِم وهُوَ يرتجِز:

واللهِ إنْ قطعْتُمُ يميني

إنّي أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقِ اليقين

نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمين

وقاتَلَ حتّى ضعُفَ عنِ القِتالِ، فضرَبَهُ حكيمُ بنُ الطُفَيْلِ على شِمالِهِ فقطَعَها منَ الزَّند، فوقَعَ السيفُ منْ يدِ العبّاسِ، وأخذَ القِربَة بأسنانِهِ، وقالَ عليه السلام:

٤٤

يا نفسُ لا تخشَيْ منَ الكفّارِ

وأبْشِرِي برحمةِ الجبار

معَ النبيِّ السيِّدِ المختار

قد قطعوا ببَغْيِهِم يساري

فأصْلِهِم يا ربِّ حرَّ النار

وجعَلَ يسرِعُ لعلَّهُ يوصِلُ الماءَ إلى المخيَّم. فلمّا نظرَ ابْنُ سعدٍ إلى شدّةِ اهتمامِ العباسِ عليه السلام بالقِربةِ صاحَ بالقومِ: ويلَكُم، أُرْشُقُوا القِربةَ بالنَّبْلِ، فَوَاللهِ، إنْ شرِبَ الحسينُ من هذا الماءِ أفناكُم عنْ آخرِكُم.

فقطَعُوا عليهِ طريقَهُ، وازدحَمُوا عليهِ، وأتتْهُ السِّهامُ كالمطرِ من كلِّ جانِبٍ، فأصابَ القِرْبةَ سهمٌ فأُريقَ ماؤُها، وجاءَ سهْمٌ فأصابَ صدرَهُ، وسهمٌ آخرُ أصابَ إحدى عينيْهِ، فأطْفَأها، وجمَدَتِ الدِّماءُ على عينِهِ الأخرى، فلم يُبْصِرْ بها [فضرَبَهُ ملعونٌ بعَمُودٍ من حديد].

أيها الموالي: الفارس عندما يقع إلى الأرض يتلقى الأرض بيديه، لكن إذا كانت يداه مقطوعتان والسهام في صدره فبأي حال يقع إلى الأرض.!!

فانقلَبَ عن ظَهْرِ فرسِهِ وخرَّ إلى الأرضِ صريعاً،فهجم عليه القومُ بأسيافِهِم، فنادَى برفيعِ الصوت:

٤٥

«أخي أبا عبدِ اللهِ، عليكَ منِّي السلام».

فأدركَهُ الحسينُ عليه السلام وبهِ رمَقٌ منَ الحياةِ، فلمّا رآهُ الحسينُ عليه السلام [صريعاً] على شطِّ الفراتِ بكى [بكاءً شديداً]، فأخذَ رأسَهُ الشريفَ ووضَعَهُ في حِجْرِهِ، وجعَلَ يمسَحُ الدَّمَ والتّرابَ عنهُ، ثُمَّ بكى بكاءً عالياً، قائلاً: «ألآنَ انكسَرَ ظَهْري، وقلَّتْ حيلتي، وشَمِتَ بي عدوِّي».

يخويه انگسر ظهري اول اگدر اگوم

صرت مركز يخويه الكل الهموم

يخويه استوحدوني عگبك القوم

ولا واحد عليّه بعد ينغر

ثُمَّ انحنى عليهِ واعتنَقَهُ، وجَعَل يُقبِّلُ مَوْضِعَ السُيوفِ من وجهِهِ ونَحْرِهِ وصَدْرِه. ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُ العبَّاسِ المُقَدَّسَةُ ورأسُه في حِجْرِ أَخيه..

واعبَّاساه... واسيِّداه...

وقد ترَكَ الحسينُ عليه السلام أخاهُ العبَّاسَ في مَكانِهِ، وقامَ عنْهُ بعدَ أنْ فاضَتْ نفسُهُ الزكيَّةُ، ولمْ يحمِلْهُ إلى الفُسطاطِ الذي كانَ يَحْمِلُ القَتْلى من أهلِ بيتِهِ وأصحابِهِ إليه.

يخويه احسين خليني ابمكاني

يگله ليش يا زهرة زماني

يگله واعدت سكنه تراني

ابماي اومستحي منها امن اسدر

وعادَ إلى المخيَّمِ فاجتمعَتِ النِّساءُ حولَهُ وجعلْنَ يَبْكِينَ العباسَ عليه السلام ويندُبْنَهُ، والحسينُ عليه السلام يبكي مَعهُنّ..

٤٦

شَهادةُ الإِمام الحُسين عليه السلام:

ولما بَقِيَ الحُسَينُ عليه السلام وَحيدَاً فَرِيدَاً قَدْ قُتِلَ جَميعُ أَصحابِه وأَهلُ بَيتِه، وَرآهُم عَلى وجهِ الأَرضِ مُجزّرينَ كَالأضَاحِي، وَلم يَجِدْ أَحَدَاً يَنْصُره وَيذبّ عَن حَريمِه، وَهو إِذْ ذَاك يَسمعُ عَويلَ العيالِ وصُراخَ الأطفَال.

عندَ ذلك نَادَى بِأعلَى صَوتِه: «هَل مِنْ ذَابٍ عَن حُرمِ رَسُولِ الله، هَل مِن مُوحّدٍ يَخافُ اللهَ فِينا؟ هَل مِن مُغيثٍ يَرجُو اللهَ في إِغَاثَتِنا».

فارتَفعتْ أَصواتُ النّساء بِالبُكاءِ وَالعَويْل.

الوَداعُ الأَول:

ولمَّا عَزمَ الحُسين عليه السلام عَلَى مُلاقاةِ الحُتُوف، جَاءَ وَوَقَفَ بِبَابِ خَيمةِ النّساء مُودّعاً لحُرمه مُخَدَّراتِ الرِّسَالة وَعَقائِل النُبوَّة، وَنَادَى:

«يَا زَينب، ويَا أُمّ كُلثوم، ويَا فَاطِمة، ويَا سُكينة، عَليكنّ مِنّي السَّلام».

فَنَادته سُكينة: يَا أَبَه، أستسلمتَ للِموت؟

فَقَال: كيفَ لا يستسلمُ لِلموت مَن لا نَاصرَ لَه ولا مُعين؟

فَقَالت: رُدَّنا إِلى حَرمِ جَدّنَا رَسُولِ الله.

فَبَكَى الحُسَينُ عليه السلام بُكاءً شَدِيدَاً، وَقال: هَيهَات!! لَو تُرك القَطا لَغَفَا وَنَام..

٤٧

فَرفَعت سُكينةُ صَوتَها باِلبُكاءِ وَالنّحِيب، فَضَمَّها الحُسَين عليه السلام إِلى صَدرِه، وَمَسَحَ دُمُوعَها بِكَمّه، وَكَانَ يُحبُّها حُبّاً شَدِيدَاً، وَجَعَلَ يقولُ:

سَيطولُ بُعدي يَا سُكينةُ فَاعلَمِي

مِنكِ البُكاءُ إِذَا الحِمَامُ دَهَانِي

لا تُحرقِي قَلبِي بِدَمعِكِ حَسرَةً

مَا دَامَ مِنّي الروحُ فِي جُثمَانِي

فَإِذَا قُتِلتُ فَأَنتِ أَولَى

بِالَّذِي تَأتِينَه يَا خِيرةَ النسوانِ

وّنَهَضَ عَليُّ بنُ الحُسَين زينُ العَابدين عليه السلام وَخَرَجَ يتوكَّأُ عَلَى عَصَاً وَيَجُرُّ سَيفَه، إِذْ لا يَقدِرُ عَلَى حَملِهِ لأنَّه كَانَ مَريضَاً لا يستطيعُ الحَرَكة.

فَصَاحَ الحُسَينُ عليه السلام بأمِّ كُلثوم: اِحبسيه يَا أُختَاه، لِئَلا تَبقَى الأرضُ خَاليةً مِن نَسلِ آلِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.

فَقَالَ زينُ العَابدين: يَا عَمَّتَاهُ، ذرينِي أُقَاتِل بَينَ يَدَي بنَ رَسُولِ الله.

فَأَخَذت أُمُّ كُلثوم تُمانِعُه، وتُنادِي خَلفه: يا بُنيَّ ارجِع، حتَّى أَرجَعتهُ إِلى فِراشِه.

٤٨

مصرعُ عبدِ اللهِ الرَّضيع:

ثمَّ تَقَدَّم عليه السلام إِلى بَابِ الخَيمة، وَدَعَا بِابنِه عَبدِ اللهِ الرَّضيع لِيودّعه، فأَجلَسَه فِي حِجرِه، وَأَخذَ يقبِّلُهُ وَيقُولُ: «وَيلٌ لِهَؤُلاءِ القَومِ إِذَا كَانَ جَدُّكَ المُصطَفَى خَصمَهُم».

وفي بَعضِ المقَاتِل: «ثمَّ أَتَى بِهِ نحوَ القومِ يطلبُ لهُ المَاءَ، وقالَ: إنْ لَمْ تَرحمونِي فارحَمُوا هَذَا الطفل».

فَرَمَاه حَرملَةُ بنُ كاهلِ الأَسَدي بسهمٍ فَذَبَحَهُ- وَهُوَ فِي حِجرِ أَبيه- فَتَلقَّّى الحُسَينُ عليه السلام الدَّمَ بِكَفّه، وَرَمَى بِهِ نَحوَ السَّماء.

فَعَنِ الإِمَامِ البَاقِرِ عليه السلام أَنَّه لَمْ يَسقُط مِن ذَلِكَ الدَّم قَطرةٌ إِلى الأَرض.

وَعن الإِمامِ الحُجّة- كَمَا فِي الزّيارةِ المَنسوبةِ إِلى النّاحيةِ المقدّسة-: «السَّلامُ عَلَى عبدِ اللهِ بنِ الحُسَينِ الطّفلِ الرَّضيعِ، المَرمِيِّ الصَّريعِ، المتُشحِّطِ دَمَاً، المصعّدِ دَمُهُ فِي السَّماءِ، المَذبوحِ بِالسّهمِ فِي حِجرِ أَبيه..».

ثمَّ قَالَ الحُسَينُ عليه السلام: «هَوَّنَ مَا نَزَلَ بِي أَنَّه بِعينِ الله، اللهمَّ لا يَكُن أَهونَ عَلَيكَ مِن فصيل[ناقة صالح]، اللهمَّ إِنْ كُنتَ حَبَستَ عَنَّا النَّصرَ فاجعلهُ لِمَا هُوَ خيرٌ مِنه، وَانتقِم لَنَا مِن الظَّالِمين..».

٤٩

ثمَّ نَزَلَ عليه السلام عَن فَرَسِه، وَحَفَرَ لَه بِجِفنِ سَيفِه، وَصَلَّى عَلَيه وَدَفَنَه مُرَمّلاً بِدَمِه. وَيُقال: وَضَعَه مَعَ القَتلى مِن أَهلِ بَيتِه.

يا ناس حتى الطفل مذبوح

دمه على زند حسين مسفوح

وين اليساعدني ويجي ينوح

قلبي على فرگاه مجروح

٥٠

الوداع الثاني:

ثمَّ إِنَّه عليه السلام أَمَرَ عِيَالَه بِالسُّكوتِ، وَوَدَّعَهم ثَانِياً..

ثمَّ تَقَدَّمَ عليه السلام نَحوَ القَومِ مُصلتاً سَيفَه، عَازِمَاً عَلَى الشَّهادَة، فَدَعَا النَّاسَ إِلَى البِرَازِ، فَلَم يَزَلْ يَقتلُ كلَّ مَن بَرَزَ إِليه حَتَّى قَتَلَ جَمعاً كَثيرَاً.

ثمّ حَمَل عَلَى المَيمَنَةِ، وَهَوَ يقول:

الـمَوتُ أَولَى مِنْ رُكُوبِ العَارِ

وَالعَارُ أَولَى مِنْ دُخُولِ النَّارِ

ثمَّ حَمَلَ عَلَى المَيسَرةِ، وَهَوَ يَقول:

أَنَا الحُسَينَ بنُ عَلي

آليتُ أَنْ لا أَنثنِي

أَحمِي عِيالاتِ أَبِي

أَمضِي عَلَى دِينِ النَّبِيّ

قَالَ بعضُ مَن حَضَرَ المعرَكَة: «فَوَاللهِ مَا رأيتُ مَكثورَاً قَطّ، قَد قُتلَ وُلدُه وَأهلُ بيتِه وَصحبُه أَربطَ جَأْشَاً مِنه، وَلا أَمضَى جِنَانَاً وَلا أَجْرأَ مَقدَمَاً، وَلَم أَرَ قبلَه وَلا بَعدَه مثلَه، وَلقد كَانت الرِّجالُ لَتَشدُّ عَلَيه، فَيشدُّ عَلَيها، فَتَنكشفُ بينَ يَديه...».

ولَقَد كَانَ يَحملُ فِيهِم، وَقَد تَكامَلَوا ثَلاثِينَ أَلفَاً، فَينهزِمونَ بينَ يَديه كَأنَّهم الجَرَادُ المنتشرُ، وَلَم يثبتْ لَه أَحَدٌ، ثمَّ يَرجعُ إِلى مَركَزِه وَهَوَ يقولُ: «لاحولَ وَلا قوّةَ إِلا بِاللهِ العَلِيِّ العَظيم»، حتَّى قَتَل مِنهم مَقَتلةً عَظِيمَة.

فَقَصَدَهُ القومُ واشتدَّ القِتَالُ، وجَعَلَ يحمِلُ عليهم ويحملونَ عليهِ،

٥١

وقَدْ اشتدَّ بهِ العطَشُ، وكلَّمَا حمَلَ بفرسِهِ على الفراتِ حملوا عليهِ حتى أجلّوه عنه.

ودنَا من الفراتِ- ثانياً- فرمَاه الحُصينُ بنُ نُمَير بسهمٍ وقعَ في فمِهِ الشريفِ، فجعَلَ يتلقّى الدمَ مِن فمِهِ، ويرمي بهِ نحوَ السماءِ.

الوداعُ الثالثُ:

ثمَّ إنَّه عليه السلام عادَ إلى الخيمَةِ، وودَّعَ عِيالَهُ وأهلَ بيتِهِ- ثالِثاً- وأمرَهمْ بالصبرِ، وقالَ لهُم:

«استعدّوا للبلاءِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ تعالى حاميكُم وحافظُكُم، وسينجيْكُم من شرِّ الأعداءِ، ويجعلُ عاقبةَ أمرِكُم إلى خَيرٍ، ويعذِّبُ عدوَّكم بأنواعِ العذابِ، ويعوّضُكم عن البليَّةِ بأنواعِ النِّعمِ والكرامةِ، فلا تَشكوا، ولا تقولُوا بأَلسنَتِكُم ما يُنقصُ مِنْ قدرِكُم».

فصاحَ عمرُ بنُ سعدٍ بقومِهِ: «ويحكُم، اهجمُوا عليهِ ما دامَ مشغولاً بنفسهِ وحُرَمِهِ، واللهِ إنْ فَرَغَ لكُمْ لا تمتازُ مَيمَنَتِكُم عنْ مَيْسَرَتِكُم».

فَحَمَلوا عليهِ يرمونَه بالسِّهامِ، حتى تخالَفَتِ السِهَامُ بينَ أطنابِ المخيَّمِ، وشكَّ سهمٌ بعضَ أُزُرِ النساءِ، فدُهِشنَ وأُرعِبنَ وصِحنَ ودَخلْنَ الخيمةَ، وهنَّ ينظرنَ الحسينَ كيفَ يصنعُ فحَمَلَ على القومِ كالليثِ الغضبانِ، فلا يلحقُ أَحداً إلا بعَجَهُ بسيفِهِ فقتلَهُ، أو طعنَهُ برمحِهِ فصرعَهُ، والسهامُ تأخذُهُ منْ كلِّ جانبٍ وهو يتَّقيْهَا بصدرِهِ ونحرِهِ، ويقولُ:

«يا أُمَّةَ السُوءِ، بئسَمَا خلّفتُم محمّداً في عترتِهِ، أمَا إنَّكُم لن تقتلُوا بَعدي عَبداً مِنْ عبادَ اللهِ، فتهابُوا قتلَهُ، بلْ يهونُ عليكُم ذلكَ عندَ قتلِكُم

٥٢

إيَّايَ، ثمَّ ينتقِمُ لي منكُم مِنْ حيثُ لا تَشعُرونَ».

ورَجَعَ عليه السلام إلى مركزِهِ، وهو يُكثِرُ مِنْ قَولِ: «لا حَولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ».

ورّماهُ أبو الحتوفِ الجُعفيُّ بسَهمٍ وقَعَ في جبهتِهِ المقدّسةِ فنزَعَهُ، وسالَتْ الدماءُ على وجهِهِ وكريمتِهِ، فقالَ:

«اللهُمَّ إنَّكَ تَرى مَا أَنَا فيهِ مِن عبادِكَ هؤلاءِ العُصَاةِ، اللهمَّ أحصِهم عَدَداً، واقتلْهم بَدَدَاً، ولا تذَرْ على وجهِ الأرضِ منهم أحَداً ولا تغفرْ لهُم أبَداً».

ثمَّ لمْ يزلْ يقاتلُ حتَّى أصابتْهُ جراحاتٍ كثيرةٍ... ولما ضعُفَ عن القتالِ وقفَ ليستريحَ ساعةً، فبينمَا هو واقفٌ إذ رمَاهُ رجلٌ بحَجَرٍ وقعَ في جبهتِهِ الشريفةِ، فسَالتْ الدماءُ على وجهِهِ، فأخذَ الثوبَ ليمسحَ الدمَ عنْ وجهِهِ وعينَيهِ، إذ رمَاهُ لَعينٌ آخرَ مِنَ القومِ بسهمٍ محدَّدٍ مسمومٍ لهُ ثلاثُ شعبٍ وقعَ على صدرِهِ...

فقالَ الحسينُ عليه السلام: «بسمِ اللهِ وباللهِ وعلى ملَّةِ رسولِ اللهِ».

ورفَعَ رأسَهُ إلى السماءِ وقالَ: «إلهيْ إنَّكَ تعلمُ أنّهم يقتلونَ رجلاً ليسَ على وجهِ الأرضِ ابنُ [بنت] نبيٍّ غيرُه».

ثمَّ أخذَ السهمَ فأخرجَهُ..فانبعثَ الدمُ كالميزابِ..

٥٣

فوضَعَ يدَهُ تحتَ الجرحِ، فلمَّا امتلأَتْ دَماً رمَى بهِ نحوَ السماءِ وقالَ: «هوَّنَ مَا نَزَلَ بي أنَّهُ بعينِ اللهِ». فلَمْ تسقطْ من ذلكَ الدمِ قطرةٌ إلى الأرضِ.

ثمَّ وضعَ يدَهُ- ثانياً - فلمَّا امتلأَتْ لطَّخَ بهِ رأسَهُ ووجهَهُ، وقالَ: «هكَذَا أكونُ حتَّى ألقَى اللهَ وجَدِّي رسولَ اللهِ وأنَا مخضوبٌ بدَمِي، وأقولُ: يَا جدِّي قتَلَنِي فلانٌ وفلانٌ».

وأَعياهُ نزفُ الدمِ، فجلسَ على الأرضِ...، فانتهَى إليهِ مالكُ بنُ النِسْرِ الكِنْدِيّ في تلكَ الحالِ، فشتَمَ الإمامَ عليه السلام ثمَّ ضربَهُ على رأسِهِ بالسيفِ، فامتَلأَ البُرنُسُ دَماً..

قالوا: ولمَّا سقَطَ الحسينُ عَنْ ظهرِ فرسِهِ- وقد أُثخِنَ بالجراحِ- قاتَلَ راجلاً قِتالَ الفارسِ الشجاعِ....، وشدَّ على الخيلِ وهو يقولُ: «وَيحَكُم أَعَلَى قَتلِي تجتَمِعُونَ؟!».

٥٤

مصرعُ عبدِ اللهِ بنِ الحسنِ عليه السلام:

ثمَّ إنَّهم لبثوا هُنيئةً وعادوا إلى الحسينِ عليه السلام وأحاطوا بهِ وهوَ جالسٌ على الأرضِ لا يستطيعُ النهوضَ، فنظرَ عبدُ اللهِ بنُ الحسنِ السِّبْطِ عليه السلام وله إحدى عَشَرةَ سنةً إلى عمِّهِ وقد أحدقَ بهِ القومُ، فأقبلَ يشتدُّ نحوَ عمِّهِ، فصاحَ الحسينُ بأختِهِ العقيلةِ زينبَ: «إحبسيهِ يا أختاهُ»، فلحقتْهُ زينبُ عليها السلام وأرادتْ حبسَهُ فأفلَتَ من بينِ يدَيها، وأَبَى عليها، وقالَ: «لا- واللهِ- لا أُفارقُ عَمِّي»، وجاءَ حتَّى وقفَ إلى جنبِ عمِّهِ الحسينِ عليه السلام.

وبينمَا هوَ كذلِكَ إذْ جاءَ أبحرُ بنُ كَعبٍ وأَهوَى إلى الحسينِ عليه السلام بالسيفِ ليضربَهُ، فصاحَ الغلامُ: «ويلَكَ يا ابنَ الخبيثةِ، أتقتلُ عمِّي؟». فضربَهُ أبحرُ بالسيفِ، فاتّقاها الغلامُ بيدِهِ، فأطنَّها إلى الجلدِ، فإذا هيَ معلّقةٌ، فصاحَ الغلامُ: يا عمَّاهُ!! فأخذَهُ الحسينُ عليه السلام وضمَّهُ إلى صدرِهِ، وقالَ: «يا بنَ أخي، إصبرْ على ما نزَلَ بِكَ، واحتسِبْ في ذلكَ الخيرَ، فإنَّ اللهَ تعالى يُلحقُكَ بآبائكَ الصالحينَ».

فرماهُ حَرْمَلةُ بنُ كاهلٍ الأسديُّ بسهمٍ فذبحَهُ، وهوَ في حِجْرِ عمِّهِ الحسينِ عليه السلام.

فرفعَ الحسينُ عليه السلام يدَيهِ إلى السماءِ قائلاً: «اللّهمَّ، إنْ متَّعتَهُم إلى حينٍ، ففرِّقهُم فِرَقاً، واجعلْهُم طرائقَ قِدَداً، ولا تُرضِ الوُلاةَ عنهُم أبَداً، فإنَّهُم دَعَوْنَا ليَنصُرُونَا فعَدَوا علَينا يُقاتِلونَنا».

٥٥

الحسينُ على وجهِ الثرَى:

قالوا: ومكَثَ الحسينُ طَويلاً من النَّهارِ مَطروحَاً عَلَى وَجهِ الأرضِ وهوَ مغشيٌّ عليهِ، ولو شَاؤا أنْ يقتلوهُ لفعلُوا، إلا أنَّ كلَّ قبيلةٍ تتَّكِلُ على الأُخرى وتكرَهُ الإقدامَ.

فعندَها صاحَ شِمرٌ بالناسِ: ويحكُمْ، مَا وقوفُكُمْ؟! ومَا تنتظرونَ بالرجلِ؟! وقدْ أثخنَتْهُ السهامُ والرماحُ، احملُوا عليهِ، اقتلوهُ، ثكلتْكُم أمُّهاتُكُم.

فحَمَلُوا عليهِ مِنْ كلِّ جانبٍ:

فضّربَهُ لعينٌ على كفِّهِ اليُسرَى فقطعَها...

وضربَهُ آخرٌ على عاتقِهِ المقدَّسِ...

وطعنَهُ سنانُ بالرمحِ على تِرقُوَتِهِ فوقَعَ، ثمَّ انتزعَ الرمحَ وطعنَهُ في بواني صدرِهِ، ثمَّ رماهُ بسهمٍ وَقَعَ في نحرِهِ..

وطعنَهُ لعينٌ بالرمحِ في خاصِرَتِهِ..

وقصدَهُ آخرٌ يضربهُ بسيفِهِ..

ورماهُ الحصينُ بنُ تميمٍ في حلقِهِ..

فعندَ ذلكَ وقعَ مغشيّاً عليهِ..

يقولُ هلالُ بنُ نافعٍ: كنتُ واقفاً نحوَ الحسينِ وهوَ يجودُ بنفسِهِ، فواللهِ

٥٦

ما رأيتُ قتيلاً قطُّ مضمَّخاً بدمِهِ أحسنَ وجهاً ولا أنورَ! ولقدْ شَغلَنِي نورُ وجهِهِ عن الفِكرةِ في قتلِهِ..

ولمّا اشتدَّ بهِ الحالُ رفعَ طرفَهُ إلى السماءِ وقالَ: «اللهُمَّ أنت متعالي المكانِ، عظيمُ الجبروتِ، شديدُ المِحالِ، غنيٌّ عَنِ الخلائقِ، عريضُ الكِبْرياءِ، قادرٌ علَى مَا تشاءُ، قريبُ الرحمةِ، صادقُ الوعدِ، سابغُ النّعمةِ، حَسَنُ البلاءِ، قريبٌ إذا دُعِيتَ، مُحيطٌ بما خَلَقْتَ، قابِلُ التوبةِ لمن تابَ إليك، قادرٌ على ما أردتَ، تُدرِكُ ما طَلَبتَ، شكورٌ إذا شُكِرتَ، ذكورٌ إذا ذُكِرتَ، أدعوكَ مُحتَاجاً وأرغبُ إليك فَقيراً، وأفزَعُ إليك خائِفاً، وأبكي مَكروباً، وأستعينُ بك ضعيفاً، وأتوكّل عليك كافياً. اللهُمَّ احكُمْ بَينَنَا وبينَ قومِنَا، فإنَّهم غرُّونَا وخَذَلُونَا، وغدَرُوا بِنَا وقتلونا، ونحنُ عِترةُ نبيِّكَ، ووُلدِ حبيبِكَ محمّدٍ الذي اصطفيتَه بالرسالةِ، وائتمنتَهُ على الوحيِ، فاجعَل لنَا من أمرِنا فرَجاً ومخرجاً يا أَرحم الراحمينَ».

«صَبراً على قضائِك يا ربِّ، لا إلهَ سِواكَ يا غياثَ المُستَغيثينَ، ما لي ربُّ سِواكَ ولا معبودٌ غيرُك، صبراً على حُكمِك، يا غِياثَ من لا غِيَاثَ له، يا دائماً لا نَفَادَ له، يا مُحييَ المَوتى، يا قائِماً على كلِ نَفسٍ بما كَسبَت، أُحكُم بَيني وبيَنهم وأنتَ خيرُ الحاكِمين».

٥٧

فرسُ الحسينِ عليه السلام:

وأقبَلَ فرسُ الحسينِ عليه السلام يدورُ حولَهُ، ويلطِّخُ عرفَهُ وناصيَتَهُ بدمِهِ، ويشَمُّهُ ويصهَلُ صهيلاً عالياً، وأقبلَ نحوَ المخيّمِ بذلكَ الصهيلِ..

«فلمَّا نظرْنَ النساءُ إلى الجوادِ مخزيّاً، وسرجُهُ عليهِ ملويّاً، برزْنَ منَ الخدورِ...، على الخدودِ لاطمَاتٍ...، وبالعويلِ داعياتٍ، وبعدَ العزِّ مذلّلاتٍ، وإلى مصرعِ الحسينِ مبادراتٍ».

فواحدةٌ تحنُوْ عليهِ تضمُّهُ

وأُخرى عليهِ بالرداءِ تظلّلُ

وأُخرى بفيضِ النحرِ تصبغُ

وجهَهَا وأُخرى تُفدّيهِ وأُخرى تقبّلُ

وأُخرى على خوفٍ تلوذُ بجنبِهِ

وأُخرى لِمَا قَدْ نالَهَا ليسَ تعقِلُ

وخرجَتْ زينبُ عليها السلام ومِنْ خلفِها النساءُ والأرامِلُ واليتامَى مِنَ الفِسطاطِ إلى أرضِ المعركةِ، وهيَ تنادِي: «وامحمَّداهُ، واعليّاهُ، واجعفراهُ، واحمزتاهُ، واسيِّداهُ، هذا حسينٌ بالعراءِ، صريعُ كربلاءِ، ليْتَ السماءُ أَطبقَتْ على الأرضِ، وليتَ الجبالُ تدكدَكَتْ على السهلِ».

وانتهَتْ زينبُ ابنةُ عليٍّ نحوَ الحسينِ، وقدْ دنَا منهُ عُمَرُ بنُ سعدٍ- والحسينُ يجودُ بنفسِهِ- فصاحَتْ بهِ:

«أيْ عُمَرُ، وَيحَكَ أيُقتَلُ أبو عبدِ اللهِ وأنتَ تنظرُ إليهِ؟ فصرَفَ بوجهِهِ عنْها ودموعُهُ تسيلُ على وجهِهِ ولحيتِهِ».

فعندَ ذلكَ صاحَتْ زينبُ بالقومِ: «وَيحكُمْ، أَمَا فيكُمْ مسلمٌ؟!»، فلمْ يُجبْهَا أحدٌ.

٥٨

الفاجعةُ الكبرى:

ثمَّ صاحَ ابنُ سعدٍ بالناسِ: ويحَكُمْ، انزلُوا إليهِ فأريحُوهُ..

فنزَلَ إليهِ شمرُ بنُ ذي الجوشنِ...

فضربَهُ برجلِهِ..

وأَلقاهُ على وجهِهِ..

ثمَّ أخذَ بكريمتِهِ المقدَّسةِ..

فرمقَهُ الحسينُ ببصرِهِ وقالَ لهُ: أتقتُلَنِي، أَوَلا تعلمُ مَنْ أنَا؟!

فقالَ الشمرُ: أعرِفُك حقَّ المعرفةِ:

أمُّكَ فاطمةُ الزهراءُ..

وأبوكَ عليُّ المرتضَى..

وجدُّكَ محمَّدُ المصطفَى..

وخصمُكَ العليُّ الأَعلَى..

وأقتلُكَ ولا أبالي..

فضربَهُ بالسيفِ اثنتَي عشرةِ ضربةٍ...

ثمَّ..حزَّ رأسَهُ الشريفَ...

وا إماماهُ، وا سيّداهُ، وا غريباه.

وا مذبوحاه، وا عطشاناه، وا مظلوماه.

وا حسيناه

٥٩

الفهرس

المقدمة3

المصيبة الراتبة5

مقدّمة المجلس 5

من قصيدةٍ للسيد مهدي الأعرجي قدس سره7

يوم عاشوراء8

خطبة الحسين عليه السلام الأولى 11

خطبة زهير بن القين 14

خطبة بُرَير بن خُضَير 16

خطبة الحسين عليه السلام الثانية17

موقف الحرّ الرياحيّ 20

بداية الحرب 24

الحملة الأولى 25

صلاة الظهيرة29

الحملة الثانية33

شهادة أهل البيت عليهم السلام36

مصرع عليّ الأكبر عليه السلام36

مقاتل آل عقيل عليهم السلام40

مقاتل إخوة العباس عليه السلام43

شهادة العباس عليه السلام43

شَهادةُ الإِمام الحُسين عليه السلام:47

الوَداعُ الأَول:47

مصرعُ عبدِ اللهِ الرَّضيع:49

الوداع الثاني:51

٦٠