مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14300%

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 59

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 59
المشاهدات: 19388
تحميل: 5335


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 59 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19388 / تحميل: 5335
الحجم الحجم الحجم
مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

مختصر المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1430

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سلسلة المجالس الحسينية

مختصر المصيبة الراتبة

في مقتل سيد الشهداء

1430 هـ

١

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على رسوله محمّد المصطفى وعلى آله المظلومين المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً..

وبعد..

فهذا الكتاب هو اختصارٌ لكتاب المصيبة الراتبة، الذي اعتاد معهد سيّد الشهداءعليه‌السلام للمنبر الحسينيّ إصداره سنويّاً، ويمتاز عنه باختصار بعض فقراته بالشكل الذي لا يخلّ بسياق الأحداث والوقائع المفجعة التي جرت في اليوم العاشر من المحرّم.

والهدف الذي توخّيناه من هذا الكتاب، هو أن نضع بين أيدي الأخوة القرّاء متناً موجزاً صالحاً للاعتماد في المجالس التي لا تحتمل الإطالة في قراءة المقتل، بعد أن رأينا الحاجة الموجودة لمثل هذا المتن، وكون كتب المقاتل المطبوعة- في الغالب- تحتوي على أكثر تفاصيل ما جرى في يوم عاشوراء، ممّا بالإمكان تلخيصه وذكر أهمّ الأحداث فيه.

وإنّ غاية ما نصبو إليه، أن يكون هذا الكتاب قد ملأ هذا الفراغ وسدَّ هذه الحاجة، وكلّنا رجاء من القرّاء الأعزّاء أن يتحفونا بملاحظاتهم وانتقاداتهم البنّاءة، لنصل بهذا العمل إلى المحلّ اللائق به، وأن لا ينسونا في مجالسهم من خالص دعائهم...

اللهم اجعلنا عندك وجهاء بالحسينعليه‌السلام في الدنيا والآخرة إنّك سميعٌ مجيب..

ملاحظة: مدّة المجلس 60 دقيقة

والله من وراء القصد.

معهد سيّد الشهداءعليه‌السلام للمنبر الحسيني

٣

٤

مختصر المصيبة الراتبة

مقدّمة المجلس

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضَلُ الصلاةِ والسلامِ على نبيِّ الرحمةِ والهدى محمَّدٍ المصطفى وآلِهِ المعصومين، أعلامِ الدينِ وقواعدِ العلمِ، الذينَ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيهِمْ:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

وجعلَ أجرَ نبيِّهِ محمّدٍ صلواتُهُ عليهِ وعليهمْ مودَّتَهُمْ في كتابِهِ، فقال:

( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .

وقال محذّراً من انقلابِ أمّتِهِ عليهِ وعليهم:

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) .

٦

والحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا من بينِهِمْ بسفينةِ النجاة، ومِصباحِ الهدى، الإمامِ الحسينِ بْنِ عليّعليه‌السلام الذي أجمعَ المسلمون على أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالَ فيه:

«حسينٌ مني وأنا من حسين».

«حسينٌ سِبْطٌ من الأسباط».

«أحبَّ الله من أحبَّ حسينا».

أعظمَ اللهُ أجورَنا بمُصابِنا بالحسينِعليه‌السلام ، وجعَلَنا وإيَّاكُمْ من الطالبيَن بثارِهِ معَ الإمامِ المهديِّ من آلِ محمَّدٍ صلواتُ اللهِ عليهِ وعليهِمْ.

أعظمَ اللهُ لكُمُ الأجرَ سادتي يا رسولَ اللهِ، ويا أميرَ المؤمنينَ، ويا أبا محمَّدٍ الحسنَ المـُجتبى وأهلَ البيتِ جميعاً، وأعظمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي يا بقيَّةَ اللهِ في الأرضِينَ صاحبَ العصرِ والزمانِ، بمُصابِ المولى أبي عبدِ اللهِ الحسينِ صلواتُ اللهِ عليه.

٧

من قصيدةٍ للسيّد جعفر الحلّي قدس سره:

بِـأَبِي أَبيَّ الضَّيم صَالَ ومَا لَه

إِلَّا الـمُثَقَّفُ وَالـحسامُ نـصيرُ

فَهَوى عَلَيهم مِثلَ صَاعقةِ السَّمَا

فَالرؤوسُ تسقُطُ وَالنُفوسُ تَطِيرُ

حَـتَّى إِذَا نَفَذَ القَضَاءُ وَقُدِّر الـ

مـحتومُ فِـيه وحُـتِّمَ المـَقدورُ

زَجَّـتْ لَـه الأَقدارُ سهمَ مَنِيَّةٍ

فَـهَوى لُـقىً فَانْدَكَّ ذَاكَ الطّورُ

وَتَـعطَّلَ الـفُلكُ الـمُدارُ كَأنَّمَا

هَـوَ قُـطْبُهُ وَعَـلَيهِ كَانَ يَدورُ

بِـأَبِي القَتيلُ وغُسلهُ عَلَقُ الدِّمَا

وَعَـلَيهِ مِـن أَرَجِ الثَّنا كَافورُ

ظَـمآنُ يَـعتلجُ الغَليلُ بِصدرِهِ

وتَـبَلُّ لِـلخِطيِّ مِـنه صُدُورُ

وَتَحَكَّمَت بِيْضُ السُّيوفِ بِجِسمِهِ

وَيـحَ السُّيوفِ فَحُكمُهُنَّ يَجُورُ

وَغَدَتْ تَدوسُ الخَيلُ مِنهُ أَضَالِعَاً

سِـرُّ الـنَّبي بِـطَيِّهَا مَـستُورُ

٨

٩

يوم عاشوراء

لما أصبحَ الحسينُعليه‌السلام يومَ عاشوراءَ وصلَّى بأصحابهِ صلاةَ الصُبحِ، قامَ خطيباً فيهِمْ، فحَمِدَ اللهَ وأَثْنى عليهِ، ثُمَّ قالْ:

«إنَّ اللهَ تعالى قد أذِنَ في قتلِكُمْ وقتلي في هذا اليوم، فعليكُمْ بالصبَّرِ والقتالْ».

ثُمَّ صفَّهُمْ للحرب وكانوا - على روايةٍ - اثنينِ وثلاثينَ فارساً وأربعين راجلاً.

فجعلَ زهيرَ بنَ القَيْنِ في الميمنةْ، وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في الميسرةْ، وَثَبتَ هوَعليه‌السلام في القلبْ، وأعطَى رايتَهُ العُظمى أخاهُ العباسَعليه‌السلام .

وعبَّأَ عمرُ بنُ سعدٍ أصحابَهُ، وكانوا على بعضِ الرِواياتِ ثلاثينَ ألفاً، فجعَلَ عمرَو بنَ الحَجّاجِ في المَيْمَنةِ، وشِمْرَ بنَ ذي الجوشَنِ في الميسَرةْ، وعلى الخَيْلِ عَزْرَةَ بنَ قيسْ، وعلى الرَجَّالةِ شَبَثَ بنَ رِبعيّ، وأعطَى رايتَهُ ذُويداً مولاه.

١٠

ولما نظرَ الحسينُعليه‌السلام إلى جمعِهِمْ كأنَّهُمُ السيلُ المنحَدِرُ، رفَعَ يديهِ بالدعاءِ قائلاً:

«أللهُمَ أنتَ ثِقتي في كلِّ كَرْب، ورَجائي في كلِّ شدَّةْ، وأنتَ لي في كلِّ أمرٍ نزَلَ بي ثِقةٌ وعُدَّةٌ، كمْ منْ همٍّ يَضْعُفُ فيهِ الفؤادُ، وتقِلُّ فيهِ الحِيلةُ، ويَخْذُلُ فيهِ الصديقُ، ويَشْمَتُ فيهِ العدُوُ، أنزلْتُهُ بكَ، وشكَوْتُهُ إليكَ، رَغْبةً مِنّي إليكَ عمَّنْ سِواكَ، ففرَّجْتَهُ وكشفتَهُ، فأنتَ وَلِيُّ كلِّ نِعمةٍ، وصاحبُ كلِّ حسنةٍ، ومنتهَى كلِّ رغبةٍ».

١١

خطبة الحسينعليه‌السلام الأولى

ثّم دعا الحسينُعليه‌السلام براحلتِهِ فركِبَها، وتقدَّمَ نحوَ القومِ ونادى بأعلى صوتٍ يُسمِعُ جلَّهم:

«أيُّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجَلُوا حتى أعِظَكُمْ بما يحِقُّ لكُمْ عليّ، وحتّى أُعْذَرَ إليكُمْ، فإنْ أعطيتُموني النَّصفَ كنتُمْ بذلكَ أسعد، وإنْ لم تُعطوني النَّصفَ من أنفسِكُمْ فأجمعِوا رأْيَكُمْ ثمّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمّةً. ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرونْ، إنَّ وليِّيَ اللهُ الذي نزَّلَ الكتابَ وهو يتولَّى الصالحين».

ثم حمِدَ اللهَ وأثنى عليه وذكَرَهُ بما هو أهلُهُ وصلَّى على النبيِّ وآلهِ وعلى الملائكةِ والأنبياء.

ثم قالعليه‌السلام :

«أيّها الناس: فانسِبوُني فانظُروا مَنْ أنا؟ ثُّمَ ارْجِعوا إلى أنفسِكُمْ وعاتِبوها، فانظُروا هلْ يصلُحُ لكُمْ قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟! ألستُ ابنَ بنتِ نبيِّكُمْ، وابنَ وصيِّهِ وابنَ عمِّهِ وأوَّلَ المؤمنِينَ المصدِّقِ لرسولِ اللهِ بما جاءَ بهِ من عندِ ربِّه؟ أوليسَ حمزةُ سيّدُ الشهداءِ عمّي؟ أوليسَ جعفرٌ الطيّارُ في الجنَّةِ بجناحَيْنِ عمّي؟ أَوَلَمْ يبلُغْكُمْ ما قالَ رسولُ اللهِ لي ولأخي: هذانِ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّة؟

١٢

فإن صدَّقتموني بما أقولُ وهوَ الحَقُّ، فواللهِ ما تعمَّدْتُ كَذِباً منذُ علمْتُ أنَّ اللهَ يمقُتُ عليْهِ أهلَه، وإنْ كذَّبتُمُوني فإنَّ فيكُمْ منْ إنْ سأَلتُموهُ عن ذلكَ أخبرَكُم. سلُوا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ الأنصاري، وأبا سعيدٍ الخِدْريّ، وسهلَ بنَ سعدٍ الساعديّ، وزيدَ بنَ أرقَمْ، وأَنَسَ بنَ مالكْ، يُخْبِرُوكُمْ أنّهم سمعُوا هذهِ المقالةَ من رسولِ اللهِ إليَّ ولأخي، أَمَا في هذا حاجزٌ لكُمْ عن سفكِ دمي؟!».

ثمّ قال لهم الحسينعليه‌السلام :

«فإن كنتم في شكٍّ من هذا! أفتشُكُّونَ أنّي ابنُ بنتِ نبيِّكم! فواللهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُ بنتِ نبيٍّ غيري فيكُمْ ولا في غيرِكُمْ. ويحَكُمْ! أتطلبونني بقتيلٍ منكم قتلتُهُ! أو مالٍ لكمُ استهلكتُهُ! أو بقِصاصِ جراحة!؟».

فأخذوا لا يكلِّمونه. فنادىعليه‌السلام :

«يا شَبثَ بن ربعيّ، يا حجّارَ بنَ أبجَر، يا قيسَ بنَ الأشعث، يا يزيدَ بنَ الحارث، ألم تكتُبوا إليَّ أنْ قد أينعَتِ الثِّمارُ واخْضَرَّ الجَناب، وإنّما تُقْدِمُ على جندٍ لك مُجنَّدة؟!».

فقال له قيسُ بنُ الأشعث: ما ندري ما تقول! ولكن انَزِلْ على حُكْمِ بني عمِّك، فإنّهم لا يُرونَكَ إلا ما تحبّ!.

١٣

فقال له الحسينُعليه‌السلام :

«أنت أخو أخيك، أتريدُ أن يطلبَكَ بنو هاشمٍ بأكثرَ من دمِ مسلمِ بنِ عقيل، لا واللهِ، لا أُعطيهِمْ بيدي إعطاءَ الذليلِ، ولا أُقِرُّ إقرارَ العبيد. عبادَ اللهِ، إنيّ عُذْتُ بربّي وربِّكُمْ أنْ ترجُمون، أعوذُ بربِّي وربِّكُمْ من كلِّ متكبِّرٍ لا يؤمنُ بيومِ الحساب».

ثُمَّ إنَّهُ أناخَ راحلتَهُ وأمرَ عُقبةَ بنَ سَمعانَ فعَقلَها، وأقبلوا يزحفونَ نحوَه.

زهير يكلمهم وبرير:

ثم خطب فيهم زهير بن القين فوعظهم وحذرهم، فَسبُّوهُ، وأثْنَوْا على عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ودعَوْا لهُ، وقالُوا: واللهِ، لا نَبْرَحُ حتَّى نقتلَ صاحبَكَ ومَنْ معَهُ أوْ نَبْعَثَ بهِ وبأصحابِهِ إلى الأميرِ عُبيدِ اللهِ سَلَمَاً.

فقالَ لهُمْ زهير:

«عِبادَ اللهِ إنَّ وُلْدَ فاطمةَ رضوانُ اللهِ علَيْها أحقُّ بالوُدِّ والنَّصْرِ منِ ابْنِ سُميَّة، فإنْ لم تنْصُروهُم فأُعيذُكُم باللهِ أنْ تقتُلُوهُم، فخَلُّوا بينَ هذا الرجُلِ وبينَ ابْنِ عمِّهِ يزيدَ بنِ مُعاوِية، فَلَعَمْري إنَّ يزيدَ لَيَرْضى مِنْ طاعتِكُمْ بدونِ قَتْلِ الحسينِعليه‌السلام ».

فَرَماهُ شِمرُ بنُ ذي الجوشَنِ بسهمٍ، وقال: اُسْكُتْ، أسْكَتَ اللهُ نَأمَتَكَ، أَبْرَمْتَنا بكَثرةِ كلامِك.

١٤

فناداهُ رجلٌ فقالَ لَه: إنَّ أبا عبدِ اللهِعليه‌السلام يقولُ لك:

«أقبِلْ، فلَعَمْري لئنْ كانَ مؤمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ نصَحَ لقومِهِ وأبلَغَ في الدُعاءِ، لقَدْ نصحْتَ لهؤلاءِ وأبلغْتَ لو نَفَعَ النُّصْحُ والإبلاغ».

ورُوِيَ أنَّ الحسينَعليه‌السلام قالَ لبُريْرِ بنِ خُضَيرٍ الهمدانيّ:

«كلِّمِ القومَ يا بُريرُ وعِظْهُم».

فتقدَّمَ بُرَيرٌ حتَّى وقَفَ قريباً منَ القومِ، والقومُ قَدْ زحَفُوا إليهِ عنْ بِكرةِ أبيهِم، وكلّم القوم.. فجعَلَوا يَرْمُونَهُ بالسِّهامِ، فَرجَعَ بريرٌ إلى وَرائِه.

١٥

خطبة الحسينعليه‌السلام الثانية

وتقدَّمَ الحسينُعليه‌السلام ورأَى صفوفَهُم كالسَّيْلِ فخطَبَ فقال:

«الحمدُ للهِ الذي خلَقَ الدنيا فجعَلَها دارَ فَناءٍ وزَوال، مُتصرِّفةً بأهلِها حالاً بعدَ حال، فالمغرورُ مَنْ غرَّتْهُ، والشقيُّ من فتَنَتْهُ، فلا تغرَّنَّكُمُ الحياةُ الدنيا ولا يَغُرَّنَّكُم باللهِ الغَرور».

وممَّا قال:

فنِعْمَ الربُّ ربُّنَا وبئِسَ العِبادُ أنتُمْ، أقرَرْتُمْ بالطاعةِ وآمنتُمْ بالرَّسولِ محمَّدٍ، ثُمَّ أنتُمْ رجَعْتُمْ إلى ذُرّيَّتِهِ وعِتْرتِهِ تريدُونَ قتلَهُم، لقدِ استحْوَذَ عليكُمُ الشيطانُ فأنساكُمْ ذِكْرَ اللهِ العظيم، فتَبّاً لكُمْ ولمِا تُرِيدُون، إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون، هؤلاءِ قومٌ كفَرُوا بعدَ إيمانِهِمْ فبُعْداً للقَوْمِ الظالمين.

تبَّاً لكم أيَّتُها الجَماعةُ وتَرْحاً، أَحِينَ اسْتَصْرَخْتُمونا والِهين، فأصرَخْناكُمْ مُوجِفين، سَلَلْتُمْ علَيْنا سيفاً لنا في أيْمانِكُم، وحَشَشْتُمْ علينا ناراً اقْتدَحْناها على عَدُوِّنا وعدوِّكُم، فأصبحتُمْ إلْباً لأعدائِكُمْ على أوليائِكُمْ، بغيرِ عَدْلٍ أفشَوْهُ فيكُمْ، ولا أملٍ أصبحَ لكُمْ فيهِمْ. فهلّا، لكُمُ الويلات، تركْتُمُونا والسيفُ مَشِيمٌ، والجأْشُ طامِنٌ، والرأيُ لمَّا يُستحْصَف، ولكنْ أسرعْتُمْ إلَيْها كطَيْرةِ الدُبى، وتداعيتُمْ إلَيْها كتهافُتِ الفَراش، فَسُحْقاً يا عبيدَ الأمّةِ وشُذَّاذَ الأحزاب، ونَبَذَةَ الكِتاب، ومُحرِّفي الكَلِم، وعصبةَ الآثامِ ونفثَةَ

١٦

الشَيطان، ومُطْفئِي السُّنَن، أهؤلاءِ تَعْضُدُونَ وعنَّا تتخاذَلُونْ؟ أجلْ والله، ألغَدْرُ فيكُمْ قديم، وشَجَتْ إليهِ أصولُكُم وتأزَّرَتْ عليهِ فُروعُكُم، فكُنتُم

أخبثَ ثَمَرٍ، شجّاً للناظرِ وأُكْلةً للغاصِب، ألاَ وإنَّ الدَعِيَّ ابنَ الدعيِّ قدْ رَكَزَ بينَ اثنتين، بينَ السَّلَّةِ والذِلَّة، وهيهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، يأبى اللهُ ذلكَ لنا ورسولُهُ والمؤمنون، وحُجورٌ طابَتْ وطهُرَتْ، وأنوفٌ حَميّةٌ ونفوسٌ أبيَّةٌ، مِنْ أنْ نُؤْثِرَ طاعةَ اللئامِ على مَصارِعِ الكرام، ألا وإنّي زاحفٌ بهذهِ الأُسرةِ معَ قِلَّةِ العددِ وخُذلةِ الناصر.

ثمَّ أيْمُ اللهِ، لا تَلْبَثُونَ بعدَها إلاَّ كرَيْثِما يُركَبُ الفرَسُ، حتَّى تدورَ بكُمْ دَوْرَ الرَّحى وتقلقَ بكُمْ قلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عنْ جدِّي. فأَجْمِعُوا أمرَكُمْ وشُركاءَكُم، ثمَّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرون، إنّي توكَّلْتُ على اللهِ ربِّي وربِّكُمْ، ما منْ دابَّةٍ إلاّ هوَ آخذٌ بناصِيتِها، إنَّ ربّي على صراطٍ مستقيْم.

أللهمَّ احبِسْ عنْهُمْ قَطْرَ السماءِ وابعَثْ عليهِمْ سِنينَ كسِنيّ يُوسُف، وسلِّطْ عليهِمْ غُلامَ ثَقيفٍ فيَسُومَهُمْ كأساً مُصَبَّرةً، فإنَّهُمْ كذَبُونا وخذَلُونا، وأنتَ ربُّنا عليكَ توكَّلْنا وإليكَ أنَبْنا وإليكَ المصير.

ثُمَّ نزَلَعليه‌السلام ودعا بفَرَسِهِ، فركِبَهُ وعَبَّأ أصحابَهُ للقِتالِ...

١٧

موقف الحرّ الرياحيّ

وجاءَ الحرُّ بنُ يزيدَ الرياحيُّ، إلى عُمرَ بنِ سعدٍ، فقالَ له: «أمقاتلٌ أنتَ هذا الرجل؟».

قالَ: إيْ واللهِ قتالاً أيْسَرُهُ أنْ تسقُطَ الرؤوسُ وتَطِيحَ الأيدي.

قالَ الحرّ:

«أفما لكُمْ في واحدةٍ منَ الخصالِ التي عرَضَ عليكُمْ رضىً؟».

قالَ عمرُ بنُ سعد: أمَا واللهِ، لو كانَ الأمرُ إلَيَّ لفعَلْتُ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى ذلك.

فأقْبلَ الحُرُّ حتَّى وقَفَ منَ الناسِ موقِفاً، ومعَهُ رجلٌ منْ قومِهِ يُقالُ له قُرَّةُ بنُ قيسْ، فقال:

يا قرّةُ، هل سقَيْتَ فرسَكَ اليوم؟

قالَ: لا.

قالَ: أما تُرِيدُ أنْ تَسْقِيَه؟

قالْ: فظنَنْتُ - واللهِ - أنَّهُ يريدُ أنْ يتنحَّى فلا يشهدَ القتالَ، وكرِهَ أنْ أراهُ حينَ يصنَعُ ذلك.

فقلتُ له: لمْ أسقِهِ وأنا منطلِقٌ فأَسقِيه.

١٨

قالَ: فاعتزلْتُ ذلكَ المكانَ الذي كانَ فيهِ، فأخَذَ يدنُو منْ حسينٍ قليلاً قليلاً.

فقالَ لهُ رجُلٌ من قومِهِ يُقالُ لهُ المهاجرُ بنُ أوْس: ما تريدُ يا ابنَ يزيد؟ أتريدُ أنْ تَحْمِل؟

فسكَتَ وأخذَتْهُ رَعْدة.

فقالَ لهُ صاحبُه: يا ابنَ يزيد، واللهِ، إنَّ أمْرَكَ لمـَريبٌ، واللهِ، ما رأيتُ منكَ في موقِفٍ قطُّ مثلَ شيءٍ أراهُ الآن، ولو قِيلَ لي من أشجَعُ أهلِ الكوفةِ رجلاً ما عدَوْتُك، فما هذا الذي أرَى منك؟

قالَ الحرّ:

«إنّي - واللهِ - أخيِّرُ نفسي بينَ الجنَّةِ والنار، وَوَاللهِ لا أَختارُ على الجنَّةِ شيئاً ولو قطِّعْتُ وحرِّقْت».

ثُمَّ ضرَبَ فرسَهُ فلحقَ بالحسينِعليه‌السلام وقالَ له:

«جَعَلنِيَ اللهُ فِداكَ يا ابنَ رسولِ الله، أنا صاحِبُكَ الذي حبَسْتُكَ عنِ الرجوعِ وسايَرْتُكَ في الطريق، وجعْجَعْتُ بكَ في هذا المكان. واللهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ، ما ظننْتُ أنَّ القومَ يَرُدُّونَ عليكَ ما عرَضْتَ عليهِمْ أبداً ولا يبلُغُونَ منكَ هذهِ المـَنْزِلة. فقلْتُ في نفسي: لا أبالي أنْ أُطِيعَ القومَ في بعضِ أمرِهِمْ ولا يرَوْنَ أنّي خرَجْتُ من طاعتِهِم. وأمَّا هُمْ فسيَقْبَلُونَ

١٩

منْ حسينٍ هذهِ الخِصالَ التي يَعْرِضُ عليهِم، وَوَاللهِ، لو ظنَنْتُ أنَّهُمْ لا يقبَلُونَها منكَ ما رَكِبْتُها منك، وإني قدْ جئتُكَ تائباً ممَّا كانَ منّي

إلى ربّي، ومُواسِياً لكَ بنفسي حتَّى أموتَ بينَ يديْك، أفترَى ذلكَ لي توبة؟».

قالعليه‌السلام :

«نعَمْ يَتُوبُ اللهُ عليكَ ويغَفِرُ لك. ما اسمُك؟».

قال:

«أنا الحرُّ بنُ يزيد».

قالَعليه‌السلام :

«أنتَ الحرُّ كما سمَّتْكَ أمُّك، أنتَ الحرُّ إنْ شاءَ اللهُ في الدنيا والآخرة، انزِلْ».

قال:

«أنا لكَ فارِساً خيرٌ مِنّي راجلاً، أقاتِلُهُمْ على فرَسي ساعةً وإلى النُزولِ ما يَصِيرُ آخرُ أمري».

قالَ الحسينُعليه‌السلام :

«فاصنَعْ - يرْحَمُكَ اللهُ - ما بدا لك».

وأقبل إلى القوم يعظهم ويحذرهم، فحمَلَتْ عليهِ رَجَّالةٌ لهُمْ ترميهِ بالنَّبْلِ، فأقبلَ حتَّى وقَفَ أمامَ الحسينِعليه‌السلام .

٢٠