المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1431

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14310%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1431 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 85

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1431

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 85
المشاهدات: 20376
تحميل: 5447


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 85 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20376 / تحميل: 5447
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1431

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1431

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سلسلة المجالس الحسينية

المصيبة الراتبة

في مقتل سيد الشهداء

1431هـ

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي مَنَّ علينا بنعمةِ الموالاةِ لنبيِّه وآلِ نبيِّه صَلَواتُ الله عليهمْ، فجعَلَهُم الشُموسَ الطالعة، والأقمارَ المُنيرة، والأنجُمَ الزاهرة، وأعلامَ الدِّينِ وقواعِدَ العلم، صالحاً بعدَ صالح، وصادِقاً بعدَ صادِق، وسبيلاً بعدَ سبيل.

والحمدُ لله الذي مَنَّ علينا مِنْ بينهم بسفينةِ النَّجاة، ومِصباحِ الهُدى، الإمامِ الحسينِ بْنِ علي عليه السلام الذي أُمِرْنا بإحياءِ ذِكْرِهِ وإقامةِ أمرِهِ، تعظيماً لحقِّه.

وبعد.

سبَقَ للمعهدِ في السنواتِ الماضيةِ أن أصدر نُسخاً مختلفةً من المَقَاتِلِ الحسينيَّةِ «المصيبةُ الراتبةُ في مَقْتَلِ سيِّدِ الشهداء عليه السلام».

ونتيجةَ الملاحظات الواردة منَ العلماء والخطباء الحسينيّين حولَ مادَّةِ المقتل سنوياً، أخذ المعهد على عاتقه مهمّة إعادة صياغة المقتل مجدّداً، بعد تجميع مختلف الملاحظات، وتحت إشراف أهل الاختصاص.

وقد حرص المعهد، في عمليّة الإعداد الجديدة، على تحرّي الدقة في النقل، والاعتماد على مصادرَ معتبرة من كتب التاريخ والمقاتل ذات الشأن قديماً وحديثاً (تاريخ الطبريّ، الإرشاد، مقتل الخوارزميّ، مناقب ابن شهرآشوب، اللهوف، أنساب الأشراف، الكامل في التاريخ، تاريخ اليعقوبيّ، مثير الأحزان، تسلية المجالس، مقتل الحسين عليه السلام للسيّد بحر العلوم، ومقتل الحسين عليه السلام للسيّد المقرّم، وغيرها).

٥

هذا إضافةً إلى تجنّب ذكر بعض العبارات والمعلومات المثيرة للجدل، أو التي لم يصل التحقيق التاريخيّ إلى نتيجة نهائيّة حولها، كما وأجرينا بعض التعديلات الهامّة على المتن، خصوصاً في القسم المتعلّق بشهادة الإمام الحسين عليه السلام.

وقد تمّ ذلك كلُّه في ظل الحرص على السياق التاريخيّ، والترابط بين الوقائع، والمحافظة على المؤثريّة والجوّ العاطفيّ التفاعليّ مع وقائع اليوم العاشر.

كما وقمنا بتغيير القصيدة وأضفنا بعض الأبيات الشعبيّة والدارجة، وانتخبنا منها ما هو المسموع غالباً، والمعروف في الأذهان، وما اعتاد القرّاء على قراءته في المقاتل.

وقد تميّزت هذه الطبعة - إضافة إلى ما مرّ- بالتصحيحات اللغويّة والنحويّة، وإضافة الحركات بشكل يتناسب مع الإلقاء المنبريّ، تسهيلاً لمهمّة الخطباء وأهل المنبر العاشورائيّ.

ختاماً، لا يمكننا القول: إنّ ما أنجز كان تامّاً على المستوى التحقيقيّ، بل نحتاج دائماً إلى إعادة النظر، وهذا يلزمنا جميعاً بالمشاركة في عمليّة التقييم وتقديم المقترحات الهادفة والبنّاءة، التي يمكن أن تسهم بإعادة صياغة المقتل الحسينيّ على قواعد وأسس علميّة وتاريخيّة أكثر دقّة وشموليّة. لذا، يرحّب المعهد بكلّ ملاحظة أو إشارة أو نصيحة تقدّم على هذا الطريق، فينتج عنها عمل ينشد الكمال ولا يصل إليه في أيّ حال.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ

٦

٧

مقدمة المجلس

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضَلُ الصلاةِ والسلامِ على نبيِّ الرحمةِ والهدى محمَّدٍ المصطفى وآلِهِ المعصومين، أعلامِ الدينِ وقواعدِ العلمِ، الذينَ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيهِمْ:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا ) (1) .

وجعلَ أجرَ نبيِّهِ محمَّدٍ صلواتُهُ عليهِ وعليهمْ مودَّتَهُمْ في كتابِهِ، فقال تعالى:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) (2) .

وقال تعالى محذّراً من انقلابِ أمّتِهِ عليهِ وعليهم:( وَمَا مُحَمّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئَاً، وسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (3) .

والحمدُ لله الذي مَنَّ علينا من بينِهِم بسفينةِ النجاة، ومصباحِ الهدى الإمامِ الحسينِ بْنِ عليّ عليه السلام الذي أجمع المسلمون على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالَ فيه:

«حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسينٌ سِبْطٌ من الأسباط»(4) .

أعظمَ اللهُ أجورَنا بمُصابِنا بالحسينِ عليه السلام، وجعَلَنا وإيَّاكُمْ من الطالبينَ بثارِهِ معَ الإمامِ المهديِّ من آلِ محمَّدٍ صلواتُ اللهِ عليهِ وعليهِمْ.

أعظمَ اللهُ لكُمُ الأجرَ سادتي يا رسولَ اللهِ، ويا أميرَ المؤمنينَ، ويَا فَاطِمةَ الزَّهراء، ويا أبا محمَّدٍ الحسنَ المُجتبى وأهلَ البيتِ جميعاً، وأعظمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي يا بقيَّةَ اللهِ في الأرضِينَ صاحبَ العصرِ والزمانِ، بمُصابِ المولى أبي عبدِ اللهِ الحسينِ صلواتُ اللهِ عليه.

____________________

1- الأحزاب:33.

2- الشورى:23.

3- آل عمران: 144.

4- ابن قولويه: كامل الزيارات، ص116.

٨

٩

من قصيدة: للسيد رضا الموسوي الهندي

رضوان الله تعالى عليه

يا صاحب الأمر أدركنا فليس لنا

ورد هنيء ولا عيش لنا رغد

طالت علينا ليالي الانتظار فهل

يا ابن الزكي لليل الانتظار غد

فاكحل بطلعتك الغرا لنا مقلاً

يكاد يأتي على إنسانها الرمد

ها نحن مرمى لنبل النائبات وهل

يغني اصطبار وهى من درعه الزرد

فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت

بها النوائب لما خانها الجلد

هب أن جندك معدود فجدك قد

لاقى بسبعين جيشاً ما له عدد

غداة جاهد من أعدائه نفراً

جدوا بإطفاء نور الله واجتهدوا

وعاد ريحانة المختار منفرداً

بين العدى ما له حام ولا عضد

وتر به أدركوا أوتار ما فعلت

بدر ولم تكفهم ثاراً لها أحد

يا ثاوياً في هجير الشمس كفنه

سافي الرياح ووارته القنا القصد

على النبي عزيز لو يراك وقد

شفى بمصرعك الأعداء الأعداء ماحقدوا

ولو ترى أعين الزهراء قرتها

والنبل في جسمه كالهدب ينعقد

له على السمر رأس تستضيء به

سمر القنا وعلى وجه الثرى جسد

إذاً لحنت وأنت وانهمت مقل

منها وحرتن بنيران الأسى كبد

١٠

١١

المصيبة الراتبة

يومُ عاشوراءَ

لمّا أَصبحَ الُحسينُ عليه السلام يومَ عاشوراءَ وصلَّى بأصحابهِ صلاةَ الصُبحِ، قامَ خطيباً فيهِم، فحَمِدَ الله وأَثْنى عليهِ، ثُمَّ قالَ: «إنَّ اللهَ تعالى قد أذِنَ في قتلِكُم وقتلي في هذا اليومِ، فَعليكُمْ بالصبرِ والقِتالِ».

ثمَّ صَفَّهم للحربِ وكانوا- على روايةٍ- اِثنينِ وثلاثينَ فارساً وأربعينَ راجِلاً.

فجعلَ زُهيرَ بنَ القَيْنِ في المَيْمَنةِ وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في الميسَرةِ، وثَبَتَ هوَ عليه السلام في القلبِ، وأعطَى رايتَهُ العُظمَى أخاهُ العبَّاسَ عليه السلام. وجعَلُوا البيوتَ في ظُهُورِهِم. وأَمَرَ الحسينُ عليه السلام بِحَطَبٍ وَقَصَبٍ أَنْ يُجعلَ في خندَقٍ كانُوا حَفَرُوْه، وَأَنْ تُضْرَمَ بِهِ النَّارُ مَخَافَةَ أَنْ يَأتيَهِمُ العَدوُّ من ورائِهِم.

١٢

وعَبَّأ عُمَرُ بْنُ سعدٍ أصحابَهُ، وكانوا- على بعض الرواياتِ- ثلاثينَ ألفاً، فجعلَ عَمْرَو بْنَ الحجَّاجِ في المَيْمَنةِ، وشِمرَ بنَ ذِي الجوشَنِ في الميسَرةِ، وعلى الخَيلِ عَزْرَةَ بنَ قيسٍ، وعلى الرَجَّالةِ شِبثَ بنَ رِبْعي، وأَعطَى رايتَه دُرَيداً مولاهُ.

وأقبلَ القَومُ يجولونَ حولَ مُعسكرِ الحسينِ عليه السلام وينظرونَ إلى النارِ تَضْطَرِمُ في الخندَقِ... وَأَقْبَلَ القومُ يَزحَفونَ نَحوَ مُخيّمِ الحسينِ عليه السلام وكانَ فيهم عبدُ اللهِ بنُ حَوزةَ التميميُّ فَصَاحَ: أَفِيكُم حُسينٌ؟ فلم يُجِبهُ أَحدٌ، فَأَعادَ القولَ ثانيةً وثالثةً.

فقالَ له بعضُ أصحابِ الحسينِ عليه السلام: هذا الحسينُ، فما تريدُ مِنهُ؟ فقالَ: يا حسينُ، أَبشِرْ بِالنّارِ!

فقالَ الحسينُ عليه السلام: «كَذِبتَ، بَلْ أُقْدِمُ عَلى رَبٍّ‏ٍ غَفورٍ كَريمٍ مُطاعٍ شفيعٍ، فمَنْ أنتَ»؟

قال: أنا ابْنُ حَوزةَ.

فرفعَ الحسينُ عليه السلام يدَيهِ نحوَ السماءِ، حتى بانَ بَياضُ إبطَيه وقالَ: «اللهمَّ‏ حُزْهُ إلى النّارِ».

١٣

فغَضِبَ ابنُ حَوزةَ، وأَقحمَ الفرسَ في الخندَقِ، فتعلّقتْ قدمُه بالرِّكابِ وجالَت به الفرسُ، فسقطَ عنها، فانقطعت ساقُه وفخذُه، وبقيَ جانبُه الآخرُ معلَّقاً بالرِّكابِ، يضرِبُ به الفرسُ كلَّ حَجَرٍ وشَجرٍ، وأَلقته في النّارِ المشتعلةِ في الخندقِ، فاحترقَ بها وماتَ لَعَنَه اللهُ.

ولمَّا نظرَ الحسينُ عليه السلام إلى جَمعِهِم كأنَّه السيلُ المُنحَدِرُ، رَفَعَ يَديهِ بالدُّعاءِ فقالَ: «اللهمَّ أنتَ ثِقتي في كلِّ كَرْبٍ، ورَجَائِي في كُلِّ‏ شِدَّةٍ، وأنتَ لي في كُلِّ‏ أَمرٍ نَزَلَ بي ثِقةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ منْ هَمٍّ يَضعُفُ فيه الفؤادُ، وتَقِلُّ فيهِ الحِيلةُ، ويَخذُلُ فيهِ الصديقُ، ويَشمَتُ فيه العدوُّ، أنزلتُهُ بِكَ، وشكوتُهُ إليكَ، رَغبةً منِّي إليكَ عمّن سِواكَ، ففرَّجتَهُ وكَشفتَهُ، فأنتَ وليُّ كُلِّ نِعمةٍ، وصاحبُ كُلِّ حَسَنةٍ، ومُنتهَى كلِّ‏ رَغبةٍ».

١٤

خطبةُ الإمام الحسينِ عليه السلام الأولى:

ثمَّ دعا الحسينُ عليه السلام براحلتِهِ فركِبَها، وتقدَّمَ نحوَ القومِ ونادى بصوتٍ يسمعُهُ جُلُّهم: «أيُّها الناسُ، اِسمعوا قَولي، ولا تعجَلُوا حتى أعِظَكُم بما هو حقٌّ لكمْ عليَّ، وحَتى أعتذرَ إليكُم مِن مَقدَمي عليكُم، فإنْ قَبِلتُم عُذري وصدَّقتُم قَولي وأَعطيتموني النَّصَفَ من أنفسِكُم كُنتمْ بِذلكَ أسْعدَ، ولَم يكنْ لكمْ عليَّ سبيلٌ، وإنْ لمْ تَقبلوا مِنِّي العُذرَ، ولمْ تُعطوني النَّصَفَ منْ أنفسِكم فَأجمِعوا أمْرَكُم وشُركاءَكُم ثمَّ‏ لا يكُنْ أمْرُكُم علَيْكم غُمَّةً ثمَّ‏ اقْضُوا إِليَّ ولا تُنْظِرونِ»(1) ، «إنَّ‏ وَليِّيَ اللهُ الَّذي نزَّلَ الكِتابَ وهُوَ يتولَّى الصَّالحينَ»(2) .

ثُمّ حَمِدَ اللهَ وأَثنى عليهِ، وصلَّى على النبيِّ محمّدٍ وآلهِ،

____________________

1- يونس:71.

2- الأعراف:196.

١٥

وعلى الملائكةِ والأنبياءِ، فَذَكَرَ مِن ذلكَ ما لا يُحصى ذِكْرُهُ، ولَم يُسمَعْ متكلِّمٌ قبلَه ولا بعدَه أبلغُ منهُ في مَنطِقِهِ، ثمَّ قالَ: «الحمدُ للهِ الَّذي خَلقَ الدّنيا، فَجعَلَها دارَ فَناءٍ وزوالٍ، متفرِّقةً بأهلِهَا حالاً بعدَ حالٍ، فالمغرورُ مَن غَرَّتْهُ، والشقيُّ‏ مَن فَتَنَتْهُ، فَلا تَغرَّنكُمْ هذهِ الحياةُ الدنيا، وأراكُم قدِ اجتمعتُم على أمرٍ قد أَسخَطتُمُ اللهَ عَليكُم، وأعرَضَ بوجهِهِ الكريمِ عنكُم، وأحلَّ بِكُم نَقْمتَهُ، وجَنَّبَكُم رحمَتَهُ، فنِعْمَ الربُّ‏ ربُّنا، وبئَسَ العَبيدُ أنتم، أَقْررتُم بالطاعةِ، وآمنتم بالرسولِ محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ثمَّ إنكُم زَحَفتُم إلى ذرِّيَّتِهِ وعِترتِهِ تريدونَ قَتْلَهُم، لقدِ استَحوذَ عَليكُمُ الشَّيطانُ فأنْساكُم ذكرَ اللهِ العَظيمِ، فتبّاً لكُم ولما تُريدونَ، إنّا للَّهِ وإنّا إليهِ راجعونَ، هؤلاءِ قومٌ كَفَروا بعدَ إيمانِهِم فبُعداً للقومِ الظالمينَ».

فقالَ عُمَرُ بْنُ سعدٍ: ويلَكم، كلِّموهُ، فإنَّهُ اْبنُ أبيهِ، واللهِ لَو وَقَفَ فيكُم هكذا يومَاً جَديدَاً لَمَا قُطِعَ ولَمَا حُصِرَ..

فتَقَدَّمَ إليهِ شِمْرُ بْنِ ذِي الجَوْشَنِ فقالَ: يا حُسينُ، مَا هذا

١٦

الذي تقولُ؟ أَفْهِمْنَا حتَّى نَفْهَم. فلم يَلتفتْ إليهِ.

ثمَّ قالَ عليه السلام: أمَّا بعدُ، فانسِبُوني وانظُروا مَنْ أنَا، ثمَّ ارجِعُوا إلى أنفسِكُم فعاتِبُوها، وانظُروا هلْ يحِلُّ‏ لكُم قَتلي وانتهاكُ حُرْمتي؟ أَلَستُ ابْنَ بنتِ نبيِّكُم وابْنَ وصيِّهِ وابنِ عمِّهِ وأوَّلِ المؤمنينَ باللهِ والمصدِّقِ لرسولِهِ بِما جاءَ بِهِ مِن عندِ رَبِّه؟ أَوَلَيسَ حَمزةُ سيّدُ الشهداءِ عَمَّ أَبي؟!

أَوَليسَ جَعفرُ الشهيدُ الطيَّارُ ذو الجَناحَينِ عمِّي؟!

أَوَلَم يبلُغْكُم قولُ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأَخِي: «هَذانِ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجنَّةِ»؟! فَإِنْ صَدَّقْتُموني بِما أَقولُ، وَهُوَ الحقُّ‏، فَوَاللهِ ما تَعمّدْتُ كَذِباً منذُ علِمتُ أنَّ اللهَ يَمقُتُ علَيهِ أَهلَهُ، ويضُرُّ بهِ مَنِ اختلقَهُ. وإنْ كَذَّبْتُموني، فإنَّ فيكُم مَن إنْ سألْتُموهُ عَن ذلكَ أَخبرَكُم، سَلُوا جَابرَ بْنَ عبدِ اللهِ الأَنصاريَّ، وأَبا سعيدٍ الخِدْريَّ، وسَهلَ بْنَ سعدٍ الساعِدِيَّ، وزَيْدَ بْنَ أرقمَ، وأنَسَ بنَ مالكٍ يُخْبرُوكُم أنَّهم سَمِعُوا هذهِ المقالةَ مِنْ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم لي

١٧

ولأخي، أَمَا في هذا حاجزٌ لكم عن سَفكِ دَمي؟!.

فقالَ له شِمْرُ بْنُ ذِي الجَوْشَنِ: أنا أعبُدُ الله على حَرفٍ إِنْ كُنتُ أدري مَا تقولُ.

فقالَ لَه حبيبُ بنُ مظاهرٍ: واللهِ إنِّي لَأراكَ تعبُدُ الله على سبعينَ حَرفاً! وأشهدُ أنَّكَ صادقٌ ما تدري مَا يقولُ، قد طَبعَ اللهُ على قلبِك.

ثمَّ قالَ الحسينُ عليه السلام: «فِإنْ كنتُم فِي شكٍّ مِن ذلكَ، أفَتَشُكُّونَ أنّي ابنُ بنتِ نبيّكُم، فواللهِ مَا بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُ بنتِ نبيٍّ غَيري فيكُم ولا في غَيرِكُم، أَنَا ابنُ بنتِ نبيّكُم خاصّةً. وَيْحَكُم! أفتطلِبُوني بقتيلٍ منكُم قَتلْتُهُ، أَو مالٍ لكُمُ اسْتَهلكْتُهُ، أو بقِصاصٍ من جِراحةٍ؟ فأخذُوا لا يكلِّمونَه، فنَادَى: يا شِبثَ بْنَ رِبعي، ويا حَجَّارَ بْنَ أبْجَرَ، ويا قَيسَ بْنَ الأشْعَثِ، ويا يزيدَ بنَ الحَارثِ، أَلَم تكتُبُوا إليَّ: أنْ قَدْ أينعتِ الثِمارُ، واخضَرَّ الجَنَابُ، وإنَّما تُقدِمُ على جُندٍ لكَ مُجنَّدَةٍ؟».

١٨

فقالوا: لَمْ نَفْعَلْ ذلكَ.

قالَ عليه السلام: «سبحانَ اللهِ، بَلى واللهِ، لَقَدْ فَعلتُمْ، ثمَّ قالَ: أيُّها النَّاسُ، إذا كرِهْتُمُوني فَدَعُوني أنصرِفْ عَنكُم إِلى مأْمَني منَ الأرضِ».

فقالَ له قَيسُ بنُ الأَشْعثِ: أَوَلا تنزِلُ عَلَى حُكمِ بني عَمِّكَ؟ فإنّهم لَن يُرُوْكَ إلَّا مَا تُحِبُّ، ولن يصِلَ إليكَ منهم مَكروهٌ.

فقالَ له الحسينُ عليه السلام: أنتَ أخُو أخِيكَ، أَتريدُ أَنْ يطلِبَكَ بنُو هاشمٍ بأكثَرَ مِنْ دمِ مُسلمِ بنِ عقيلٍ، لا واللهِ، لا أُعطيكُمْ بيدي إعطاءَ الذَّليلِ، ولا أُقِرُّ إقرارَ العَبيدِ.

عبادَ الله:إنّي عُذْتُ بِربّي وربّكُم أن تَرجُمُونِ، أعوذُ بِرَبّي وربّكُم من كلِّ متكبّرٍ لا يؤمنُ بِيومِ الحِسابِ.

ثمَّ أَنَاخَ راحِلَتَه، وَأَمَرَ عُقبَةَ بنَ سَمعانَ فَعَقلَها.

١٩

خطبة زهير بن القين

ولمّا زَحَفَ القومُ نحوَ الحُسينِ عليه السلام خرجَ إليهم زُهيرُ بنُ القَينِ على فرسٍ ذَنوبٍ شاكَّ السِّلاحِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ الناسَ، وممَّا قال لهم: «إنَّ اللهَ قدِ ابتلانا وإيَّاكُمْ بذُريَّةِ نبيِّهِ محمّدٍ لينظُرَ ما نحنُ وأنتُمْ عاملونَ، إنَّا ندْعُوكُمْ إلى نصرِهِم وخِذْلانِ يَزيدَ وَالطاغيةِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ زيادٍ، فإنَّكُمْ لا تُدْرِكُونَ مِنْهما إلَّا سُوءَ عُمْرِ سُلطانِهما كلِّهِ».

فَسبُّوهُ، وأثْنَوْا على عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ودعَوْا لهُ، وقالُوا: «واللهِ، لا نَبْرَحُ حتَّى نقتُلَ صاحبَكَ ومَنْ مَعَهُ أوْ نَبْعَثَ بهِ وبأصحابِهِ إلى الأميرِ عُبيدِ اللهِ سِلْمَاً».

فقالَ لهُمْ زهيرٌ: «عِبادَ اللهِ إنَّ وُلْدَ فاطمةَ سلام اللهِ علَيْها أحقُّ بالوُدِّ والنَّصْرِ منِ ابْنِ سُميَّةَ، فإنْ لم تنْصُروهُمْ فأُعيذُكُم باللهِ أنْ تقتُلُوهُم».

٢٠