موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٢

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 408

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 17134
تحميل: 7133


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17134 / تحميل: 7133
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المناسبة... (1) .

الأعمال المندوب إليها شرعاً في هذا الموقع:

الأعمال المندوب إليها شرعاً في هذا الموضع، هي:

1 - استحباب الصلاة في مسجده المعروف - تاريخياً - بمسجد رسول الله، ومسجد النبيّ، ومسجد غدير خُمّ.

2 - الإكثار فيه من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى.

قال الشيخ صاحب الجواهر في كتابه جواهر الكلام: (وكذلك يستحبّ للراجع على طريق المدينة الصلاة في مسجد غدير خُمّ، والإكثار فيه من الدعاء، وهو موضع النصّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أمير المؤمنين (عليه السلام)) (2) .

ومن الحديث الذي يدلّ على ذلك... (3) .

وقال الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (4) : يستحبّ لقاصدي المدينة المشرّفة المرور بمسجد الغدير ودخوله والصلاة فيه، والإكثار من الدعاء.

وهو الموضع الذي نصّ فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على إمامة أمير المؤمنين وخلافته بعده، ووقع التكليف بها، وإنْ كانت النصوص قد تكاثرت بها عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل ذلك اليوم، إلاّ أنّ التكليف الشرعي والإيجاب الحتمي إنّما وقع في ذلك اليوم، وكانت تلك النصوص المتقدّمة من قبيل التوطئة لتوطّن النفوس عليها، وقبولها بعد

____________________

(1) راجع: أبيات حسّان بن ثابت.

(2) جواهر الكلام: 20/75.

(3) راجع: مسجد الغدير.

(4) الحدائق الناضرة: 17/406.

٣٨١

التكليف بها.

فروى ثقة الإسلام في الكافي (1) والصدوق في الفقيه (2) عن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: (يستحبّ الصلاة في مسجد الغدير؛ لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقام فيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو موضع أظهر الله عزّ وجلّ فيه الحقّ).

وروى المشايخ الثلاثة (3) - نوّر الله تعالى مضاجعهم - في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج: قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الصلاة في مسجد غدير خُمّ بالنهار وأنا مسافر، فقال: (صَلِّ فيه؛ فإنّ فيه فضلاً، وقد كان أبي يأمر بذلك).

وقد ذكر استحباب الصلاة في مسجد الغدير غير واحد من فقهائنا الإماميّة، مضافاً إلى مَن ذكرتهم، منهم:

ـ الشيخ الطوسي في النهاية، قال: (وإذا انتهى [ يعني الحاجّ ] إلى مسجد الغدير، فليدخله، وليصلِّ فيه ركعتين) (4) .

ـ القاضي ابن البرّاج في المهذّب، قال: (فمَن توجّه إلى زيارته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من مكّة بعد حجّه، فينبغي له إذا أتى مسجد الغدير... فليدخله، ويصلّي من ميسرته ما تيسّر له، ثمّ يمضي إلى المدينة) (5) .

ـ الشيخ ابن إدريس في السرائر، قال: (وإذا انتهى [ الحاجّ ] إلى مسجد الغدير

____________________

(1) الكافي: 4/567/3.

(2) مَن لا يحضره الفقيه: 2/559/3142.

(3) الكافي: 4/566/1، مَن لا يحضره الفقيه: 1/559/3143، تهذيب الأحكام: 6/18/41.

(4) النهاية: 286، الينابيع الفقهيّة - الحجّ: 220.

(5) المهذّب: 1/274، الينابيع الفقهيّة - الحج: 325.

٣٨٢

دخله وصلّى فيه ركعتين) (1) .

ـ الشيخ ابن حمزة في الوسيلة، قال: (وصلّى [ يعني الحاجّ ] أيضاً في مسجد الغدير ركعتين إذا بلغه) (2) .

ـ الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع، قال: (فإذا أتى [ الحاجّ ] مسجد الغدير دخله وصلّى ركعتين) (3) .

ـ السيّد الحكيم في منهاج الناسكين، قال: (وكذا يستحبّ الصلاة في مسجد غدير خُمّ، والإكثار من الابتهال والدعاء فيه. وهو الموضع الذي نصّ فيه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وعقد البيعة له، صلّى الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين) (4) .

وصف الموقع الراهن:

وصَفَه المقدّم عاتق بن غيث البلادي - المؤرّخ الحجازي المعاصر - في كتابه معجم معالم الحجاز، قال: (ويُعرف غدير خُمّ اليوم باسم (الغُرَبَة)؛ وهو غدير عليه نخل قليل لأُناس من البلاديّة من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجُحفة على (8) أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرّار (5) .

وكانت عين الجُحفة تنبع من قرب الغدير، ولا زالت فقرها ماثلة للعيان.

____________________

(1) السرائر: 1/651، الينابيع الفقهيّة - الحج: 592.

(2) الوسيلة: 220، الينابيع الفقهيّة - الحج: 452.

(3) الجامع للشرايع: 231، الينابيع الفقهيّة - الحج: 729.

(4) منهاج الناسكين: 121.

(5) تقدّم - استناداً على ما ذكره بعض المؤرّخين الجغرافيّين القدامى -: أنّ الغدير مبتدأ وادي الجُحفة، وعنده ينتهي وادي الخرّار.

٣٨٣

وتركبُ الغديرَ من الغرب والشمال الغربي آثار بلدة كان لها سور حجريّ لا زال ظاهراً، وأنقاض الآثار تدلّ على أنّ بعضها كان قصوراً أو قلاعاً، وربّما كان هذا حيّاً من أحياء مدينة الجُحفة، فالآثار هنا تتشابه) (1) .

وقد استطلعتُ - ميدانياً - الموضع من خلال رحلتين:

ـ كانت أُولاهما: يوم الثلاثاء 7/5/1402 هـ = 2/3/1982 م.

ـ والثانية: يوم الأربعاء 18/6/1409 هـ = 25/1/1989 م...

الطرق المودّية إلى الموقع:

... أنّ هناك طريقين تؤدّيان إلى موقع غدير خُمّ؛ إحداهما من الجُحفة، والأُخرى من رابغ.

ـ طريق الجُحفة:

تبدأ من مفرق الجُحفة عند مطار رابغ سالكاً تسعة كيلوات مزفّتة إلى أوّل قرية الجُحفة القديمة، حيث شيّدت الحكومة السعوديّة - بعد أن هدمت المسجد السابق الذي رأيناه في الرحلة الأُولى - مسجداً كبيراً في موضعه، وحمّامات للاغتسال، ومرافق صحّية، ومواقف سيّارت.

ثمّ تنعطف الطريق شمالاً وسط حجارة ورمال كالسدود، بمقدار خمسة كيلوات إلى قصر علياء، حيث نهاية قرية الميقات.

ثمّ تنعطف الطريق إلى جهة اليمين، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرمال، وحرّة قصيرة المسافة.

ثمّ تهبط من الحرّة يمنة الطريق حيث وادي الغدير.

____________________

(1) معجم معالم الحجاز: 3/159.

٣٨٤

2 - طريق رابغ:

وتبدأ من مفرق طريق مكّة - المدينة العامّ، الداخل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور، يمنة الطريق للقادم من مكّة، مارّةً ببيوتات من الصفيح، وأُخرى من الطين يسكنها بعض بدو المنطقة.

ثمّ يصعد على طريق قديمة مزفَّتة تنعطف به إلى اليسار - وهي الطريق العامّ القديمة التي تبدأ بقاياها من وراء مطار رابغ -.

وبعد مسافة عشر كيلوات، وعلى اليمين، يتفرّع منه الفرع المؤدّي إلى الغدير، ومسافته من رابغ إلى الغدير 26 كيلواً تقريباً.

وفي ضوء ما تقدّم:

يقع غدير خُمّ من ميقات الجُحفة مطلع الشمس بحوالي 8 كيلوات، وجنوب شرقي رابغ بما يقرب من 26 كم.

٣٨٥

الفصل الحادي عشر

  غاية جهد النبيّ في تعيين الوليّ

11/1

طلب الصحيفة والدواة

903 - صحيح البخاري، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس: لمّا حُضِر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده). فقال عمر: إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد غلب عليه الوجع!!! وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله!!

فاختلف أهل البيت فاختصموا؛ منهم مَن يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كتاباً لن تضلّوا بعده. ومنهم مَن يقول ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (قوموا).

قال عبيد الله: فكان ابن عبّاس يقول: إنّ الرَّزِيّة (1)كلّ الرَّزِيّة ما حالَ بين

____________________

(1) الرَّزِيّة: المُصيبة (مجمع البحرين:2/695).

٣٨٦

رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب؛ من اختلافهم ولَغطهم (1) .

904 - صحيح البخاري، عن ابن عبّاس: يوم الخميس، وما يوم الخميس!! اشتدّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجعه، فقال: (ايتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً). فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازُع - فقالوا: ما شأنه؟! أهَجَرَ (2) ؟!! استفهِموه!!! فذهبوا يَرُدّون عليه. فقال: (دعوني؛ فالذي أنا فيه خيرٌ ممّا تدعونني إليه) (3) .

905 - صحيح مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس: يوم الخميس، وما يوم الخميس!! ثمّ جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خدّيه كأنّها نِظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ايتوني بالكَتِف (4) والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده

____________________

(1) صحيح البخاري: 5/2146/5345 وج 4/1612/4169 وج 6/2680/6932 وفيه (قوموا عنّي) بدل (قوموا) وج 1/54/114، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس نحوه، وفيه (قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع)، صحيح مسلم: 3/1259/22، مسند ابن حنبل: 1/719/3111 وص 695/2992، الطبقات الكبرى: 2/244 وفيهما (قوموا عنّي) ، البداية والنهاية: 5/227؛ الأمالي للمفيد: 36/3 عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس.

(2) قال ابن الأثير: أهْجَرَ في مَنْطقه يُهْجِرُ إهْجاراً: إذا أفْحَشَ، وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي، والاسم: الهُجْر، بالضم. وهَجَر يَهْجُر هَجْراً - بالفتح -: إذا خَلَط في كلامه، وإذا هَذَى. ومنه حديث مَرضِ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قالوا: (ما شأنُه أهَجَرَ؟) أي اختَلف كلامُه بسبب المرض، على سبيل الاستفهام. أي هل تغيّر كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ وهذا أحسن ما يقال فيه. ولا يُجعل إخباراً فيكون إمّا من الفُحش أو الهَذَيان. والقائل كان عمر، ولا يُظَنّ به ذلك (النهاية: 5/245ـ246).

(3) صحيح البخاري: 4/1612/4168 وج 3/1155/2997، صحيح مسلم: 3/1257/20، مسند ابن حنبل: 1/477/1935، الطبقات الكبرى: 2/242، تاريخ الطبري: 3/192، الكامل في التاريخ: 2/7، البداية والنهاية: 5/227 وفيهما (يهجر) بدل (أهجر) ، الإيضاح: 359 نحوه.

(4) الكَتِف: عَظْم عريض يكون في أصل كَتِف الحيوان من الناس والدَّوّاب، كانوا يكتُبون فيه لِقِلّة القَرطِيس عِندهم (النهاية: 4/150).

٣٨٧

أبداً). فقالوا: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يهجُر!!! (1) .

906 - مسند ابن حنبل، عن جابر: إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلّون بعده، فخالف عليها عمر بن الخطّاب حتى رفضها (2) .

907 - الإرشاد - في قضيّة وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) -:... ثمّ قال [ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ]: (ايتوني بدواة وكَتِف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً). ثمّ أُغمي عليه، فقام بعض مَن حضر يلتمس دواةً وكَتِفاً، فقال له عمر: ارجع، فإنّه يهجُر!!! فرجع. وندم مَن حَضَره على ما كان منهم من التضجيع (3) في إحضار الدواة والكتف، فتلاوموا بينهم فقالوا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! لقد أشفقْنا من خلاف رسول الله.

فلمّا أفاق (صلّى الله عليه وآله) قال بعضهم: ألا نأتيك بكتف - يا رسول الله - ودواة؟ فقال: (أبعد الذي قلتم؟! لا، ولكنّني أُوصيكم بأهل بيتي خيراً).

ثمّ أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العبّاس والفضل وعليّ بن أبي طالب وأهل بيته خاصّة.

فقال له العبّاس: يا رسول الله، إن يكن هذا الأمر فينا مستقرّاً بعدك فبشّرنا، وإن كنت تعلم أنّا نُغلَب عليه فأوصِ بنا، فقال: (أنتم المستضعفون من بعدي). وأصمت، فنهض القوم وهم يبكون قد أيسوا من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (4) .

908 - شرح نهج البلاغة، عن ابن عبّاس: خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى

____________________

(1) صحيح مسلم: 3/1259/21، مسند ابن حنبل: 1/760/3336، الطبقات الكبرى: 2/243، تاريخ الطبري: 3/193.

(2) مسند ابن حنبل: 5/115/13732، مسند أبي يعلى: 2/347/1864 وح 1866، الطبقات الكبرى: 2/243 كلّها نحوه.

(3) التَّضْجِيعُ في الأمر: التَّقصِير فيه (لسان العرب: 8/220).

(4) الإرشاد: 1/184، إعلام الورى: 1/265 نحوه.

٣٨٨

خرجاته، فانفرد يوماً يسير على بعيره فاتّبعته، فقال لي: يا بن عبّاس، أشكو إليك ابنَ عمّك؛ سألته أن يخرج معي فلم يفعل، ولم أزل أراه واجداً، فيمَ تظنّ موجدته؟

قلت: يا أمير المؤمنين، إنّك لَتعلم.

قال: أظنّه لا يزال كئيباً لفوت الخلافة.

قلت: هو ذاك؛ إنّه يزعم أنّ رسول الله أراد الأمر له.

فقال: يا بن عبّاس، وأراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الأمر له فكان، ماذا إذا لم يُرِد الله تعالى ذلك! إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أراد أمراً وأراد الله غيره، فنفذ مرادُ الله تعالى ولم ينفذ مرادُ رسوله، أوَ كلّما أراد رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) كان؟! إنّه أراد إسلام عمّه ولم يُرِده الله فلم يُسلم!

وقد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ، وهو قوله: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددتُه عنه خوفاً من الفتنة، وانتشار أمر الإسلام، فعلِم رسول الله ما في نفسي وأمسك، وأبى الله إلاّ إمضاء ما حتم (1) .

909 - شرح نهج البلاغة، عن ابن عبّاس: دخلت على عمر في أوّل خلافته، وقد أُلقىَ له صاعٌ من تمر على خَصَفة (2) ، فدعاني إلى الأكل، فأكلت تمرة واحدة، وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثمّ شرب من جَرٍّ (3) كان عنده، واستلقى على مِرْفقة له، وطفق يحمد الله يكرّر ذلك، ثمّ قال: من أين جئت يا عبد الله؟

قلت: من المسجد.

قال: كيف خلّفت ابن عمّك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر؛ قلت: خلّفته يلعب مع أترابه.

قال: لم أعْنِ ذلك، إنّما عنيت عظيمكم أهلَ البيت.

قلت: خلّفته يَمْتَح بالغَرْب (4) على نخيلات من فلان، وهو يقرأ القرآن.

قال: يا عبد الله،

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 12/78.

(2) الخَصَفَة: هي الجُلَّة التي يُكْنَز فيها التمر (النهاية: 2/37).

(3) الجَرُّ: آنية من خَزَف، الواحدة جَرَّةٌ (لسان العرب: 4/131).

(4) الماتِح: المُسْتَقِي من البئر بالدَّلْو من أعلى البئر. والغَرْب: الدَّلْو العظيمة التي تُتَّخذ من جِلْد ثَوْر (النهاية: 4/291ج 3/349).

٣٨٩

عليك دماء البُدْن إن كَتَمْتنيها! هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟

قلت: نعم.

قال: أيزعم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نصّ عليه؟

قلت: نعم، وأزيدك؛ سألت أبي عمّا يدّعيه فقال: صَدَق.

فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمره ذَرْوٌ (1) من قول لا يُثبِت حجّة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يَرْبَع (2) في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام. لا وربِّ هذه البَنِيّة، لا تجتمع عليه قريش أبداً! ولو وَلِيَها لانتقضتْ عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّي علمت ما في نفسه، فأمسك، وأبى الله إلاّ إمضاء ما حتم (3) .

____________________

(1) الذَّرْوُ من الحديث: ما ارتَفَع إليك وتَرامَى من حَواشِيه وأطرافه (النهاية: 2/160).

(2) رَبَعَ: وَقَفَ وانتَظَرَ (النهاية: 2/187).

(3) شرح نهج البلاغة: 12/20؛ كشف اليقين: 462/562، كشف الغمّة: 2/46، بحار الأنوار: 38/156.

٣٩٠

٣٩١

منع كتابة الوصيّة بين التبرير والنقد

تُعتبر واقعة عزم الرسول (صلّى الله عليه وآله) على كتابة الوصيّة، ومنع الخليفة الثاني إيّاه من كتابتها، واقعة غريبة ومثيرة.

فرسول الله (صلّى الله عليه وآله) - الذي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) - قد قرّر في آخر لحظات حياته بيان بعض الأمور للأُمّة الإسلاميّة.

وحتى لو كان الرسول شخصاً عاديّاً كان ينبغي تلبية طلبه ذاك، ناهيك عن أنّه أعلن بأنّ هدفه من كتابة تلك الوصيّة هو أن لا تضلّ بعده الأمّة أبداً، وهذا هدف يطمح إليه كلّ إنسان.

المثير للدهشة في هذا المجال، هو أنّ الخليفة الثاني عارض ذلك الطلب البسيط الذي ينطوي على نتيجة كبرى، وأسباب تلك المعارضة واضحة طبعاً، وصرّحت بها بعض المصادر التاريخيّة، وحتى لو لم يُشِر أيّ مصدر تاريخي إلى مراده، فإنّ أيّ باحث منصف يُدرك حقيقة الأمر من خلال وضع هذه الواقعة وواقعة السقيفة، ووصول عمر إلى منصب الخلافة، إلى جانب بعضها الآخر.

____________________

(1) النجم: 3 و4.

٣٩٢

ويُستفاد من المصادر التاريخيّة، بأنّ هناك فئة كانت تُعاضد عمر وتؤازره في موقفه ذاك؛ وهذا ما يدلّ على وجود جماعة ضغط كان لها حضور حتى في المجالس الخاصّة للرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ بحيث إنّ الجدل واللغط اشتدّ، وأصبحت كتابة الوصيّة غير ذات جدوى.

والأدهى من كلّ ذلك، هو أنّ البعض حاول إثبات صحّة عمل الخليفة، ولكن على حساب الانتقاص من الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فقالوا:

(إنّه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره؛ لأنّه خشي أن يكتب (صلّى الله عليه وآله) أُموراً ربّما عجزوا عنها واستحقّوا العقوبة عليها؛ لأنّها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها) (1) .

فالرسول (صلّى الله عليه وآله) يقول لهم: أُريد أن أكتب لكم شيئاً لا تضلّوا بعده أبداً. وهؤلاء يقولون: إنّ كتابة الرسول توجب العقاب، ومعارضة عمر له دليل على فقهه وفضله ودقيق نظره!! ونظراً لهذا التعارض الصريح بين رأي الرسول (صلّى الله عليه وآله) ورأي الخليفة الثاني، كيف يمكن حينئذ تفسير هذه الإشادة بعمر؟!

والأعجب من ذلك، هو التبرير الذي جاء به القاضي عيّاض لكلّ الواقعة؛ إذ إنّه حرّفها عن صورتها الأصليّة، وأوردها على نحو مقلوب، بقوله:

(أهَجَر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ هكذا هو في صحيح مسلم وغيره: أهَجَر؟ على نحو الاستفهام، وهو أصحّ من رواية من روى: هجر أو يهجر؛ لأنّ هذا كلّه لا يصحّ منه (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّ معنى هجر: هذى. وإنّما جاء هذا من قائله استفهاماً للإنكار على مَن قال: لا تكتبوا؛ أي لا تتركوا أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتجعلوه كأمر مَن هجر في كلامه؛

____________________

(1) شرح صحيح مسلم للنووي: 11/99 هامش الحديث 1637.

٣٩٣

لأنّه (صلّى الله عليه وآله) لا يهجر، وقول عمر: حسبنا كتاب الله. ردٌّ على مَن نازعه، لا على أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)) (1) .

فهل ثمّة تحريف أوضح من هذا؟! ومن البديهي أنّ هذا النصّ لو لم يكن موجوداً في صحيحي البخاري ومسلم، لوصل إلينا بهذا الشكل المحرّف.

والبخاري، وإن كان قد نقل هذا النصّ على نحوين، إلاّ أنّه أورده في الموضع الذي صرّح فيه باسم القائل بلفظة (وجع)، وهي تتضمّن معنىً أقلّ إساءة.

وفي الموضع الذي حجب فيه اسم القائل أورد الكلمة القبيحة (أهجر؟)، والظاهر أنّها الكلمة الأصليّة.

ولعلّ مصدر هذا الاختلاف هو ابن عبّاس الذي بيّن - بذكاء خاصّ - حقيقة الأمر كاملة، ولكن على نحوين من النقل.

11/2

إنفاذ جيش أُسامة

910 - الطبقات الكبرى، عن عروة بن الزبير: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد بعث أُسامة وأمره أن يُوطِئ الخيلَ نحو البَلْقاء (2) حيث قُتل أبوه وجعفر، فجعل أُسامة وأصحابه يتجهّزون وقد عسكر بالجُرْف (3) ، فاشتكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو على ذلك، ثمّ وجد من نفسه راحةً فخرج عاصباً رأسه، فقال: (أيّها الناس، أنفذوا بَعْث أُسامة - ثلاث مرّات -).

ثمّ دخل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فاستُعِزَّ (4) به، فتوفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (5) .

____________________

(1) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى: 2/194.

(2) البَلْقاء: كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القُرى، قصبتها عَمّان (معجم البلدان: 1/489).

(3) الجُرْف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام (معجم البلدان: 2/128).

(4) أي اشتَدَّ به المرض وأشرَفَ على الموت (النهاية:3/228).

(5) الطبقات الكبرى: 2/248 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2/113 وإعلام الورى: 1/263.

٣٩٤

911 - الطبقات الكبرى، عن ابن عمر: إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعث سريّةً فيهم أبو بكر وعمر، واستعمل عليهم أُسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه - أي في صغره - فبلغ ذلك رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله)، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: (إنّ الناس قد طعنوا في إمارة أُسامة، وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله، وإنّهما لخليقان لها، وإنّه لمن أحبّ الناس إليّ آلاً، فأُوصيكم بأُسامة خيراً!) (1)

912 - الطبقات الكبرى، عن حَنَش: سمعت أبي يقول: استعمل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أُسامة بن زيد وهو ابن ثماني عشرة سنة (2) .

913 - أنساب الأشراف: كان في جيش أُسامة: أبو بكر، وعمر، ووجوه من المهاجرين والأنصار (3) .

914 - المغازي - في ذكر جيش أُسامة -: ولم يبقَ أحد من المهاجرين الأوّلين إلاّ انتدب في تلك الغزوة؛ عمر بن الخطّاب، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وسعد بن أبي وقّاص (4) .

915 - دلائل النبوّة للبيهقي: كان أُسامة بن زيد قد تجهّز للغزو، وخرج في نقله

____________________

(1) الطبقات الكبرى: 2/249 وج 4/66، صحيح البخاري: 3/1365/3524، السيرة النبوية لابن هشام: 4/299 عن عروة بن الزبير وغيره، تاريخ دمشق: 8/60/2092 وص 62/2097 عن عروة، شرح نهج البلاغة: 1/159؛ الاحتجاج: 1/173/36 عن أبي المفضّل محمّد بن عبد الله الشيباني عن رجاله وكلّها نحوه.

(2) الطبقات الكبرى: 4/66، صحيح البخاري: 4/1620/4198 عن سالم عن أبيه وليس فيه (وهو ابن ثماني عشرة سنة)، تاريخ دمشق: 8/64 وص 51 عن مصعب بن عبد الله الزبيري.

(3) أنساب الأشراف: 2/115 وراجع شرح نهج البلاغة: 6/52 والدرجات الرفيعة: 442.

(4) المغازي: 3/1118.

٣٩٥

إلى الجُرْف، فأقام تلك الأيّام بشكوى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أمّره على جيش عامّتهم المهاجرون، فيهم عمر بن الخطاب (1) .

916 - الطبقات الكبرى، عن عروة: في الجيش الذي استعمله [ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ] عليهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجرّاح (2) .

917 - شرح نهج البلاغة: دخل أُسامة من معسكره يوم الإثنين؛ الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل، فوجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومُفيقاً، فأمره بالخروج وتعجيل النفوذ، وقال: (اغدُ على بركة الله)، وجعل يقول: (أنفِذوا بعث أُسامة) ويكرّر ذلك، فودّع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وخرج ومعه أبو بكر وعمر، فلمّا ركب جاءه رسول أُمّ أيمن فقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يموت، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة (3) .

918 - الطبقات الكبرى، عن هشام بن عروة: مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فجعل يقول في مرضه: (أنفِذوا جيش أُسامة، أنفِذوا جيش أُسامة) (4) .

____________________

(1) دلائل النبوّة للبيهقي: 7/200، كنز العمّال: 10/571/30265 نقلاً عن ابن عساكر عن عروة نحوه.

(2) الطبقات الكبرى: 4/68، تاريخ دمشق: 8/63، شرح نهج البلاغة: 6/52 عن عبد الله بن عبد الرحمن؛ المناقب لابن شهر آشوب: 1/176 عن معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (عليه السلام)، إعلام الورى: 1/263، والثلاثة الأخيرة نحوه.

(3) شرح نهج البلاغة: 1/160.

(4) الطبقات الكبرى: 4/67، تاريخ دمشق: 8/62/2098 وص 65/2101 عن عروة، شرح نهج البلاغة: 1/160 نحوه؛ الاحتجاج: 1/604 عن الإمام عليّ (عليه السلام) وفيه (وكان آخر ما عهد به في أمر أُمّته قوله: (أنفذوا جيش أُسامة). يُكرّر على أسماعهم إيجاباً للحجّة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين). المناقب لابن شهر آشوب: 1/176 عن معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (عليه السلام).

٣٩٦

919 - رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (جهِّزوا جيش أُسامة، لعن الله مَن تخلّف عنه!) (1) .

920 - الإرشاد:... فلمّا سَلَّم [ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من الصلاة ] انصرف إلى منزله، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعةً ممّن حضر المسجد من المسلمين، ثمّ قال: (ألم آمُر أن تُنفِذوا جيش أُسامة؟!).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (فلِم تأخّرتم عن أمري؟!).

فقال أبو بكر: إنّني كنت خرجت ثمّ عدت لأُجدّد بك عهداً. وقال عمر: يا رسول الله، لم أخرج لأنّني لم أُحبّ أن أسأل عنك الركب.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (فأنفِذوا جيش أُسامة، فأنفِذوا جيش أُسامة - يكرّرها ثلاث مرّات -). ثمّ أُغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسَف (2) ، فمكث هُنَيْهة مغمىً عليه، وبكى المسلمون، وارتفع النحيب من أزواجه وولده والنساء المسلمات ومَن حضر من المسلمين (3) .

921 - الإرشاد: عقد [ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ] لأُسامة بن زيد بن حارثة الإمرة، وندبه أن يخرج بجمهور الأمّة إلى حيث أُصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه (صلّى الله عليه وآله) على إخراج جماعة من متقدّمي المهاجرين والأنصار في معسكره؛ حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته (صلّى الله عليه وآله) مَن يختلف في الرئاسة، ويطمع في التقدّم على الناس بالإمارة، ويستتبّ الأمر لمَن استخلفه من بعده، ولا يُنازعه في حقّه منازع، فعقد له الإمرة على مَن ذكرناه.

____________________

(1) الملل والنحل: 1/23، شرح نهج البلاغة:6/52 عن عبد الله بن عبد الرحمن وفيه (أنفذوا بعث أُسامة...)؛ الرواشح السماويّة: 140.

(2) الأَسَف: المبالغة في الحُزْن والغَضَب (لسان العرب: 9/5).

(3) الإرشاد: 1/183، إعلام الورى: 1/265 نحوه.

٣٩٧

وجدَّ - عليه وآله السلام - في إخراجهم، فأمر أُسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجُرْف، وحثّ الناسَ على الخروج إليه والمسير معه، وحذّرهم من التَّلوُّم (1) والإبطاء عنه.

فبينا هو في ذلك، إذ عَرضت له الشَّكاةُ (2) التي توفِّي فيها (3) .

922 - السيرة النبويّة، عن عروة بن الزبير وغيره: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) استبطأ الناس في بَعْث أُسامة بن زيد وهو في وجعه، فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر - وقد كان الناس قالوا في إمرة أُسامة: أمَّرَ غلاماً حَدَثاً على جِلَّة المهاجرين والأنصار! - فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثمّ قال: (أيّها الناس، أنفِذوا بعث أُسامة، فلعمري، لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنّه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقاً لها!).

ثمّ نزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وانكَمَش (4) الناس في جهازهم، واستَعزَّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجعُه، فخرج أُسامة وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجُرْف - من المدينة على فرسخ - فضرب به عسكره، وتَتامَّ (5) إليه الناس، وثَقُل (6) رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأقام

____________________

(1) التَّلَوُّم: الانتظار والتَّلَبُّث (لسان العرب: 12/557).

(2) الشَّكاة: المَرَض (النهاية: 2/497).

(3) الإرشاد: 1/180.

(4) اِنْكَمَشَ في هذا الأمر: أي تَشَمَّرَ وجَدَّ (النهاية: 4/200).

(5) تَتامُّوا: أي جاؤوا كُلُّهم وتَمُّوا. وفي الحديث: (تَتامَّتْ إليه قُريش) أي أجابَتْهُ وجاءَتْهُ مُتَوافِرَة مُتَتابِعة (تاج العروس: 16/79).

(6) ثَقُلَ الرجُلُ: اشتَدَّ مرَضُه (لسان العرب: 11/88).

٣٩٨

أُسامة والناس لينظروا ما الله قاضٍ في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (1) .

923 - الإمام عليّ (عليه السلام): (أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بتوجيه الجيش الذي وجّهه مع أُسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفّاه فيه، فلم يَدَع النبيّ أحداً من أفناء (2) العرب، ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممّن يخاف على نقضه ومُنازعته، ولا أحداً ممّن يراني بعين البغضاء ممّن قد وترتُه بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه، إلاّ وجّهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلّفة قلوبهم والمنافقين؛ لتصفو قلوب مَن يبقى معي بحضرته، ولئلاّ يقول قائل شيئاً ممّا أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيّته من بعده.

ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شيء من أمر أُمّته أن يمضي جيش أُسامة، ولا يتخلّف عنه أحد ممّن أُنهض معه، وتقدّم في ذلك أشدّ التقدّم، وأوعَزَ (3) فيه أبلغ الإيعاز، وأكّد فيه أكثر التأكيد.

فلم أشعر بعد أن قُبض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلاّ برجال من بعث أُسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدّم إليهم؛ من ملازمة أميرهم، والسيرِ معه تحت لوائه، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه!

____________________

(1) السيرة النبويّة لابن هشام: 4/299 وراجع تاريخ الطبري: 3/184 وص 186 والكامل في التاريخ: 2/5.

(2) أي لم يُعْلَم مِمَّن هو (النهاية: 3/477).

(3) الوَعْز: التَّقْدِمة في الأمر والتَّقَدُّمُ فيه (لسان العرب: 5/429).

٣٩٩

فخلّفوا أميرهم مُقيماً في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حلِّ عقدة عقدها الله عزّ وجلّ لي ولرسوله (صلّى الله عليه وآله) في أعناقهم فحلّوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه! وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجّت به أصواتهم، واختصّت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منّا بني عبد المطّلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة (1) لما في أعناقهم من بيعتي! ) (2) .

____________________

(1) تَقايَلَ البَيِّعان: تَفاسَخا صَفْقَتَهما. وتكون الإقالَةُ في البَيْعة والعهد. والاستِقالَة: طلَب الإِقالَة (لسان العرب: 11/579 وص 580).

(2) الخصال: 371/58 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، الاختصاص: 170 عن جابر عن أبي جعفر عن محمّد بن الحنفيّة، شرح الأخبار: 1/346/315 عن محمّد بن سلام بإسناده عنه (عليه السلام) نحوه.

٤٠٠