الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 156459
تحميل: 5399

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156459 / تحميل: 5399
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

جواب مسلم بن عوسجة

فقام إليه مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليه) وقال: أنحن نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو، ولمّا نُعذر إلى الله في أداء حقّك؟! [لا] والله حتّى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا اُفارقك، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك(1) .

جواب سعد بن عبد الله الحنفي

ثمّ إنّ سعد بن عبد الله الحنفي أجاب الحسينعليه‌السلام بقوله: لا والله يابن رسول الله لا نخليك حتّى يعلم الله أنا قد حفظنا عيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيك. والله، لو علمت أنّي اُقتل ثمّ اُحيا ثمّ اُحرق حيّاً ثمّ اُذرى يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً(2) ؟

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 318، مقتل الحسين - محسن الأمين / 105.

(2) المصدران نفساهما.

١٨١

جواب زهير بن القين

وقام زهير بن القين (رضوان الله عليه) وقال: والله يابن رسول الله، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نشرت ثمّ قُتلت حتّى اُقتل كذي ألف قتلة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك(1) .

جواب بقية الصحابة

ثمّ إنّ بقيّة صحابة الحسينعليه‌السلام قاموا وقالوا بلسان يشبه بعضه بعضاً: والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء؛ نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك، وفيّنا لربّنا وقضينا ما علينا(2) .

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام أمر أصحابه أن يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا هم بين البيوت، إلاّ الوجه الذي يأتيه منه عدوّهم.

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 318، مقتل الحسين - محسن الأمين / 106.

(2) المصدر نفسه.

١٨٢

91 - الحسينعليه‌السلام ونافع بن هلال (رضوان الله عليه)

ثمّ إنّهعليه‌السلام خرج ليلاً وحده؛ ليختبر الثنايا والعقبات، والأكمات المشرفة على المنزل، وإذا بنافع خلفه، فقال له الحسينعليه‌السلام : «مَن الرجل؟ نافع؟».

نافع: نعم جُعلت فداك يابن رسول الله.

الحسينعليه‌السلام : «نافع، ما أخرجك في هذا الليل؟».

نافع: سيدي أزعجني خروجك ليلاً إلى جهة هذا الباغي.

الحسينعليه‌السلام : «خرجت أتفقّد هذه التلعات؛ مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل على مخيّمنا يوم يحملون وتحملون».

ثمّ إنّه رجع وهو قابض على يساري وهو يقول: «هي هي والله وعد لا خلف فيه». ثمّ قال لنافع: «يا نافع، ألا تسلك بين هذين الجبلين [وتنجو](*) بنفسك؟».

نافع: سيدي إذاً ثكلت نافعاً اُمّه! إنّ سيفي بألف، وفرسي بمثله، فوالله الذي منّ عليّ بك في هذا المكان، لن اُفارقك أبا عبد الله حتّى يكلاّ عن فريّ وجريّ(1) .

____________________

(*) وردت المفردة في الأصل (وانجُ)، والتغيير من بعض المصادر الاُخرى.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

(1) المجالس الفاخرة - الإمام شرف الدين / 92.

١٨٣

92 - شهادة الحسينعليه‌السلام بأصحابه

ثمّ إنّهعليه‌السلام فارق نافع، ودخل خيمة أخته زينبعليها‌السلام ، فوضعت له متكأ وجلس يحدّثها سرّاً، ونافع واقف ينتظر خروج الحسينعليه‌السلام .

زينب تقول لأخيها الحسينعليه‌السلام : يابن اُمّي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فإنّي أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة؟

الحسينعليه‌السلام : «يا اُخيّة، أما والله لقد بلوتهم، فما رأيت فيهم إلاّ الأشوس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن اُمّه»(1) .

93 - الأصحاب يقفون عند خيام حرم رسول الله (ص)

فلمّا سمع نافع حديث زينبعليها‌السلام لأخيها الحسينعليه‌السلام ، وجواب الحسينعليه‌السلام لها، أقبل مسرعاً إلى حبيب بن مظاهر الأسدي وأخبره بما سمع، إلى قول الحسينعليه‌السلام «يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن اُمّه».

قال حبيب: أي والله، لولا انتظار أمره لعاجلتهم

____________________

(1) المصدر نفسه / 93.

١٨٤

وعالجتهم بسيفي هذا، ما ثبت قائمه بيدي.

نافع يقول لحبيب: يا أخي، تركت بنات رسول الله في وجل ورهب، فهلاّ نمضي جميعاً لنسكن قلوبهنّ، ونذهب رعبهنّ.

حبيب: سمعاً وطاعة. ونادى بأصحاب الحسينعليه‌السلام : أين أنصار الله؟ أين أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أين أنصار فاطمة؟ أين أنصار الحسين؟ أين أنصار الإسلام؟

فتطالعوا من منازلهم كالليوث الضارية، ومعهم العباس بن عليعليهما‌السلام .

حبيب قال لبني هاشم: ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم.

وبقي حبيب ومعه الأصحاب، فخطب فيهم قائلاً: يا أصحاب الحمية، وليوث الكريهة، هذا نافع بن هلال يخبرني الساعة بكذا وكذا، فأخبروني عن نيّاتكم.

الأصحاب جرّدوا صوارمهم، ورموا عمائمهم، وقالوا: أما والله يابن مظاهر، لئن زحف القوم إلينا لنحصدنّ رؤوسهم، ولنلحقهم بأشياخهم، ولنحفظنّ رسول الله في عترته وذرّيّته.

حبيب: معي معي إلى حرم رسول الله؛ لنهدئنّ رعبهنّ.

١٨٥

فسار حبيب ومعه الأصحاب حتّى وقفوا بين أطناب المخيّم، ونادى: السلام عليكم يا ساداتنا، السلام عليكم يا معشر حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلاّ في رقاب مَنْ يبتغي السوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم آلوا أن لا يركزوها إلاّ في صدور مَنْ يفرّق ناديكم(1) .

فخرج الحسينعليه‌السلام إليهم وقال: «أصحابي، جزاكم الله عن أهل بيت نبيكم خيراً».

94 - الحسينعليه‌السلام واُخته زينب عليها‌السلام

لمّا أيقن الإمام الحسينعليه‌السلام بأنّ القوم ليسوا بتاريكه، وأنّه مقتول لا محالة؛ لكثرة عددهم(2) ، وقد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وقلّة ناصريه وأعوانه، أتىعليه‌السلام يخبر اُخته زينب تدريجيّاً بالمصير الذي سيؤول إليه؛ من قتله وقتل جميع أهل بيته وأصحابه من الرجال؛ لئلاّ يكون إخبارها صدمة مفاجئة قد تودّي

____________________

(1) المصدر نفسه / 94.

(2) انظر التعداد الكمّي للجيش الاُموي في كربلاء من هذا الكتاب.

١٨٦

بحياتها، وهي المسؤولة الوحيدة في حفظ عياله وأطفاله، وتكميل رسالته المقدّسة، وبيان أحقّيتها وواقعيتها؛ لئلاّ يشوّهوا واقعها الاُمويّون وأنصارهم. فجلسعليه‌السلام بإزاء خيمتها وهو يصلح سيفه ويقول:

يـا دهرُ أفٍ لكَ من خليلِ

كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ

من صاحبٍ أو طالبٍ قتيلِ

والـدهرُ لا يـقنعُ بالبديلِ

وإنّـما الأمرُ إلى الجليلِ

وكـلّ حـيّ سالكٌ سبيلِ(1)

فأعادها مرتين أو ثلاثاً، فسمعتها اُخته زينبعليها‌السلام وأقبلت عليه حاسرة، وهي تقول: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت فاطمة اُمّي، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي(2) !

الحسينعليه‌السلام : «يا اُخيّة، لا يذهبنّ حلمك الشيطان».

زينبعليها‌السلام : بأبي أنت واُمّي يا أبا عبد الله! أستقتلت نفسي فداك؟!

الحسينعليه‌السلام ردّ غصته وترقرت عيناه، وقال: «لو تُرك القطا ليلاً لنام».

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 319.

(2) المصدر نفسه.

١٨٧

زينبعليها‌السلام : يا ويلتا! أفتغصب نفسك اغتصاباً؟! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي. ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقته، وخرّت مغشياً عليها.

الحسينعليه‌السلام قام إليها وصبّ الماء على وجهها فأفاقت. قال لها: «يا اُخيّة، اتقي الله، وتعزي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقون، وأنّ كل شيء هالك إلاّ وجهه، الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده. أبي خير منّي، واُمّي خير منّي، وأخي خير منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة».

فعزّاها بهذا وقال لها: «يا اُخيّة، إنّي اُقسم عليك فأبرّي قسمي؛ لا تشقي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي بالويل والثبور إذا أنا هلكت»(1) .

95 - الإمام الحسينعليه‌السلام وتفسيره لرؤياه

بينما الإمام الحسينعليه‌السلام جالس في عرصات كربلاء، إذ أخذته سِنة نوم، فاستيقظ منها وقال لأصحابه وأهل بيته

____________________

(1) المصدر نفسه.

١٨٨

الذين من حوله: «رأيت رؤيا».

فقالوا: ما هي يابن رسول الله؟

فقال: «رأيت كأن كلاباً قد شدّت عليّ تنهشني، وفيها كلب أبقع أشدّها عليّ، وأظنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم.

ثمّ إنّي رأيت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه جماعة من أصحابه، وهو يقول لي: يا بُني، أنت شهيد آل محمّد، وقد استبشرتْ بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى، فليكن إفطارك عندي الليلة، عجّل ولا تؤخّر.

هذا ما رأيت، وقد أزف الأمر، واقترب الرحيل من هذه الدنيا»(1) .

96 - ليلة الوداع.. ليلة صلاة وتلاوة

بات الحسينعليه‌السلام وأصحابه معه هذه الليلة، وهي الليلة العاشرة من محرّم، وهم على يقين أنّهم ملاقوا ربّهم غدوة هذه العشية؛ فلذا نراهم طلّقوا حرائرهم ودنياهم بما فيها، وأقبلوا على الله بقلوب طاهرة ونيّات صافية أن يرزقهم الله الشهادة بين يدي ابن بنت نبيّهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يستأنسون

____________________

(1) الفتوح 5 / 181، مقتل الحسين - محسن الأمين / 107.

١٨٩

بالمنيّة دونه استئناس الطفل بلبن اُمّه كما وصفهم الحسينعليه‌السلام .

وباتوا ليلتهم هذه فرحين مسرورين، غير وجلين ولا خائفين بما يلاقون في صبيحتهم هذه، مقبلين على الله بكلّ مشاعرهم وأفكارهم، فهم بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، وبين تال للقرآن ومستغفر، ولهم دوي كدوي النحل(1) .

فتأثر بهذا الجو الواقعي نفر من الجيش الاُموي من ذوي الضمائر الحيّة التي كانت عليها غشاوة ضلال، فانجلت بهذا الجو المشحون إيماناً وتقىً وهدى.

وبينما الحسينعليه‌السلام وأصحابه وهم على هذا الحال، وإذا بسرية من الجيش الاُموي عليها عزرة بن قيس الأحمسي تراقب عن كثب حركات الحسينعليه‌السلام وأصحابه، فتلا الحسينعليه‌السلام هذه الآية الشريفة: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ »(2) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 316، مقتل الحسين - محسن الأمين / 106.

(2) سورة آل عمران / 178 - 179.

١٩٠

97 - محاورة بين برير وأبي حرب السبيعي

وكان في الجيش الاُموي عبد الله بن شهر المكنّى بأبي حرب السبيعي، فسمع تلاوة الحسينعليه‌السلام فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون، ميّزنا منكم.

فأجابه برير بن خضير وقد عرفه: يا فاسق! أنت يجعلك في الطيّبين؟

فقال أبو حرب: مَنْ أنت؟

برير: أنا برير بن خضير.

قال أبو حرب: إنّا لله، عزّ عليّ! هلكت والله، هلكت يا برير.

برير: أبا حرب، هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فوالله إنّا لنحن الطيّبون، ولكنّكم لأنتم الخبيثون.

أبو حرب: وأنا على ذلك من الشاهدين.

برير: ويلك! أفلا تنفعك معرفتك؟

أبو حرب: جعلت فداك! فمَنْ ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل، ها هو معي.

برير: قبّح الله رأيك على كلّ حال، أنت سفيه(1) . وكان سفيهاً مضحاكاً.

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 320.

١٩١

حفر خندق

ثمّ إنّهعليه‌السلام أمر أصحابه أن يحفروا خندقاً وراء البيوت، ويضعوا فيه الحطب ويضرموا فيه النار في الغداة؛ لئلاّ يهجم القوم من وراء الخيام(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه.

١٩٢

عاشوراء.. يوم الفداء والتضحية في سبيل الله

١٩٣

١٩٤

98 - يوم اللقاء بين العسكرين

وطلع فجر اليوم العاشر من المحرّم. صلّى الحسينعليه‌السلام بأصحابه صلاة الغداة، وقام فيهم قائلاً بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إنّ الله تعالى أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصبر والقتال»(1) .

فتباشر أصحابه بلقاء ربّهم، وأنّهم سيقدمون على روح وريحان وجنّة عرضها السماوات والأرض خالدين فيها أبداً. وإذا بهم فرحين بعضهم يداعب الآخر، فهذا برير بن خضير يمازح عبد الرحمان، أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام .

عبد الرحمان: يا برير، دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل.

برير: والله، لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً، ولكن والله إنّي لمستبشر بما نحن لاقون؛ والله إنّ ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم(2) .

وكيف لا يكونوا فرحين مستبشرين ما داموا يدافعون عن الحقّ وأهله؛ لأنّهم علموا أنّ الحقّ لا يُعمل به، والباطل لا

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 320.

(2) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 275، تاريخ الطبري 4 / 321.

١٩٥

يُتناهى عنه، ما دام الحكم الاُموي موجوداً فإنّ الحياة في ظلّه سأم وضجر، والموت في مكافحته حياة وسعادة؛ فلهذا نراهم يتسابقون في التضحية والفداء عن الإسلام ومقدّساته التي حاول الاُمويّون تشويهها وتغييرها.

99 - الحسين ينظم جيشه الصغير

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام نظر إلى أعوانه وأنصاره فرآهم على قلّة في العدد، ولكنّهم كثيرون في إيمانهم وعقيدتهم، وأنّ الرجل منهم يعدّ بعشرات من هؤلاء الجبناء في نفوسهم وضمائرهم.

وإذا بجيش الحسينعليه‌السلام يبلغ في كمّه العددي المئة وعشر أنفار (110)، فقسّمه إلى ثلاث جبهات:

جبهة اليمين: عليها زهير بن القين.

جبهة اليسار: عليها حبيب بن مظاهر الأسدي.

القلب: وقف هو وأهل بيته وبقية أصحابه.

والراية تخفق عليهم بيد أخيه أبي الفضل العباس؛ لأنّه أثبت طعّاناً، وأربط جأشاً، وأشدّ مراساً(1) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 320.

١٩٦

100 - الجيش الاُموي ينظّم صفوفه

ثمّ إنّ عمر بن سعد أمر بتنظيم صفوف جيشه الذي يتكوّن من ثلاثين ألف فارس وراجل؛ فجعل عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي على ربع أهل المدينة، وعبد الرحمان بن أبي سبرة الحنفي على ربع مذحج وأسد، وقيس بن الأشعث على ربع ربيعة وكندة، والحرّ بن يزيد الرياحي على ربع تميم وهمدان. ثمّ قسّم هؤلاء على جبهتين:

جبهة اليمين: أميرها عمرو بن الحجّاج الزبيدي.

جبهة اليسار: على رأسها شمر بن ذي الجوشن.

ثمّ صف الجيش إلى خيّالة ورجّالة:

الرجّالة: يرأسها شبث بن ربعي.

الخيّالة: أميرها عزرة بن قيس الأحمسي.

وأعطى الراية إلى مولاه ذويداً(1) .

وقسم من هؤلاء الرؤساء الذين اُعطوا مناصب في الجيش كانوا ممّن كاتبوا الحسينعليه‌السلام بالمجيء إلى الكوفة، ثمّ خانوا الله في عترة نبيّه وخرجوا لقتالهم، وهم: قيس بن

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 320.

١٩٧

الأشعث، وشبث بن ربعي.

وشهد هؤلاء الرؤساء كلّهم مقتل الحسينعليه‌السلام ، وساعدوا على قتله إلاّ الحرّ بن يزيد الرياحي (رضوان الله عليه)(1) .

ثمّ إنّ عمر بن سعد بعد أن نظّم جيشه، زحف بجيشه نحو معسكر الحسينعليه‌السلام ، وأخذوا يجولون حول خيام الحسينعليه‌السلام ، وقد أمرعليه‌السلام أن تُضرم النار في الخندق لئلاّ يهجموا من خلف الخيام، وليُقابل العدو من جهة واحدة.

شمر وخبث سريرته

قال شمر بن ذي الجوشن: يا حسين، استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟

فقال الحسينعليه‌السلام : «مَنْ هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟».

فقالوا: نعم هو.

فقالعليه‌السلام : «يابن راعية المعزى! أنت أولى بها صليّاً».

فقال مسلم بن عوسجة: يابن رسول الله، جعلت فداك! ألا أرميه بسهم؛ فإنّه قد أمكنني، وليس يسقط سهم، فالفاسق من أعظم الجبّارين؟

فقال الحسينعليه‌السلام : «لا ترمه؛ فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال»(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 321.

(2) المصدر نفسه / 322.

١٩٨

101 - نظرة ودعاء

ولمّا سرّح الحسينعليه‌السلام بنظرة إلى الجيش الاُموي وإذا هو كالسيل، كلّ منهم يروم قتله وسلبه ونهبه. فتوجهعليه‌السلام متضرّعاً إلى الله القدير بالدعاء، رافعاً يديه قائلاً: «اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة.

كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك؛ رغبة لي إليك عمّن سواك، فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة»(1) .

102 - الحسين (ع) يخطب أمام الجيش الاُموي في كربلاء

لمّا رأى الإمام الحسينعليه‌السلام هذا الجمع الحاشد، الضال في أمره، والحائر في مصيره، أراد أن يوقظ ضمائرهم الميّتة، ويرشد جمعهم نحو الهدى والحقّ؛ فوقف فيهم واعظاً، خطب الخطبة الأولى في صبيحة اليوم العاشر من محرّم، فدعاعليه‌السلام براحلته فركبها، ونادى بصوت يسمعه جلّهم:

____________________

(1) الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 286.

١٩٩

«أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري، وصدّقتم قولي، وأعطيتموني النَّصف من أنفسكم، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر، ولم تُعطوا النَّصف من أنفسكم،( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (1) ،( إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (2) ».

فسمعن النساء صوته، فبكين وارتفعت أصواتهن، فقال الحسين لأخيه العباس وابنه علي الأكبرعليهم‌السلام : «سكّتوهنّ، فلعمري ليكثر بكاؤهنّ».

ولمّا سكتن، حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء، فذكر ما لا يُحصى ذكره، فما سمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه(3) ، ثمّ قال: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور مَنْ غرّته،

____________________

(1) سورة يونس / 71.

(2) سورة الأعراف / 196.

(3) تاريخ الطبري 4 / 322، الكامل في التاريخ - ابن الأثير 3 / 287.

٢٠٠