الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 156419
تحميل: 5399

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156419 / تحميل: 5399
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رؤوسها، وحرمان النساء والأطفال من الماء، ونهب الخيام وحرقها، وسَوْق بنات رسول الله سبايا من بلد إلى بلد، يتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد... وإلى ما هنالك من المآسي والآلام التي حلّت بشهداء هذه الثورة؟!

2 - الجانب العقائدي للثورة

إذا أردنا دراسة هذا الجانب فلم نعرف أنّ ثورة في التاريخ عُرفت بعقائديتها بهذا اللون من الاعتقاد والتفاني من أجله كثورة الحسينعليه‌السلام . والإنسان لا يمكن له أن يعرف المستوى العقائدي لثورة من الثورات إلاّ أن يدرس النصوص والوثائق لقادة هذه الثورات وأنصارها.

وثورة الإمام الحسينعليه‌السلام بلغت في عقائديتها الذروة العليا في الوعي والعمق لدى قائدها وأتباعه وأنصاره؛ فهي لم تختلف وعياً في جميع أدوراها منذ أن اُعلنت حتّى آخر نفس من حياة رجالها، على مختلف المستويات الثقافية والإدراكية لرجالها.

فهذا الشيخ الكبير يحمل نفس الوعي للثورة الحسينيّة الذي يحمله الكهل والفتى، وحتى الذي لم يبلغ الحلم يحمل

٢١

نفس الروح لدى رجالها وأبطالها.

فلو تصفّحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة الحسينعليه‌السلام ، لرأيناها تحمل نفس روح الوثائق التي قالها الحسينعليه‌السلام في آخر حياته، فهي:

أ - الثورة على حكم يزيد بن معاوية

ب - إقامة الشريعة الإسلاميّة وتطبيقها مقام المخالفات التي أشاعها الحاكم آنذاك.

فثورة الإمام الحسينعليه‌السلام هدفت في قيامها هذين الخطّين؛ تغيير الجهاز الحاكم، وتطبيق الشريعة الإسلاميّة.

أ - تغيير الجهاز الحاكم

فالإمام الحسينعليه‌السلام لم يقصد من ثورته على الحكم تغيير يزيد بالذات؛ لأنّه هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، فتكون ثورته ثورة قبلية كما يصوّرها البعض، ويعتقد بأنّ الخصومة بين الهاشميين والاُمويِّين كانت مستمرة منذ قرون قبل الإسلام وبعده؛ ولهذا خرج الحسينعليه‌السلام على يزيد بل الإمام الحسينعليه‌السلام علّل ثورته على حكم يزيد في بعض خطبه وبياناته.

ويتّضح ذلك جليّاً ممّا جاء في الوثيقة التي خطبها

٢٢

الحسينعليه‌السلام أمام أوّل كتيبة للجيش الأموي: «أيّها الناس، إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهده، مخالفاً لسنة رسوله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله»(1) .

حيث علّلعليه‌السلام خروجه على سلطان يزيد؛ لأنّه سلطان جائر، يحكم الناس بالإثم والعدوان، وذلك مخالف للشريعة الإسلاميّة، ولسنّة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فلهذا خرج عليه.

صحيح أنّ هناك بعض الوثائق تصرّح باسم يزيد، كما في وثيقة رقم (12) الوثيقة التي قالها لمّا طلب منه والي يزيد على المدينة مبايعة يزيد، فأجابهعليه‌السلام : «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة إلى قوله: ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن للفسق، ومثلي لا يبايع مثله»(2) .

فهكذا نجد الإمامعليه‌السلام يعلّل ثورته على يزيد؛ لأنّه رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن للفسق.

____________________

(1) انظر الوثيقة رقم 58 من هذا الكتاب.

(2) انظر الوثيقة رقم 12 من هذا الكتاب.

٢٣

وهذه الصفات لا تتّفق مع شروط الخلافة؛ فلهذا أعلن الحسينعليه‌السلام ثورته على حكمه، فثورته ليست ثورة قبلية ولا عنصرية، كما يتوهّم البعض.

ب - تطبيق الشريعة الإسلاميّة

وهذا هو من أهم أهداف الحسينعليه‌السلام من ثورته على الحكم، حيث عرض نفسه وأهل بيته وأصحابه للقتل والسلب والنهب من أجل هذا الهدف المقدّس؛ فالحسين لم تكن غايته الرئيسية من خروجه تَسلُّم زمام الحكم فحسب، بل إنّما هو يعتبر الاستيلاء على الحكم وسيلة لتطبيق أحكام الشريعة لا غاية بذاتها.

ولا أيضاً بدافع العامل الاقتصادي كما يذهب إليه البعض من أنّها نتيجة لظروف اقتصادية معينة دفعت بالحسين إلى ثورته، وليس أيضاً بصحيح ما يقوله البعض من أنّها نتيجة مرحلة زمنية اقتضتها التطوّرات التاريخية آنذاك، بل الدافع الرئيس الوحيد للإمام الحسينعليه‌السلام هو تطبيق الشريعة الإسلاميّة والمحافظة عليها وإن أدّى ذلك إلى سفك دمه.

ويسند قولنا هذا ما جاء في بعض نصوص خطبه

٢٤

ورسائله مثل:

1 - «ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرموا حلاله»(1) .

2 - «وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه؛ فإنّ السنّة قد اُميتت، والبدعة قد اُحييت»(2) .

3 - «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟»(3) .

4 - «وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ اُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي»(4) .

فإنّ هذه المقتطفات من خطب ورسائل الإمام الحسينعليه‌السلام لهي نصوص صريحة واضحة، لا شبهة ولا غموض فيها؛ لبيان غرضه وهدفهعليه‌السلام .

____________________

(1) انظر الوثيقة رقم 58 من هذا الكتاب.

(2) انظر الوثيقة رقم 24 من هذا الكتاب.

(3) انظر الوثيقة رقم 63 من هذا الكتاب.

(4) انظر الوثيقة رقم 17 من هذا الكتاب.

٢٥

فإنّها جميعاً تدل على أنّ الحكم القائم آنذاك كان يعمل بكل قواه على تقويض الشريعة الإسلاميّة من جذورها بإشاعة المنكر والباطل، ومخالفة الكتاب والسنة، «فإنّ السنّة قد اُميتت، والبدعة قد اُحييت».

والحسينعليه‌السلام لم يخرج لغيّر مقاومة المنكر والباطل، وإحياء السنّة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يطلب الحكم والمنصب قط؛ لأنّه من أهل بيت النبوة الذين لم يأتوا للملك إلاّ أن يقوّموا المعوّج، ويدعوا إلى الحق، ويدفعوا الباطل.

فهذا جدّه رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في بداية دعوته، عَرضت عليه رجالات قريش الملك والسيادة والمال على أن يترك دعوته وقول الحقّ، فأبىصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لعمّه أبي طالب(رض): «يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته»(1) .

وهذا أبوه علي بن أبي طالبعليه‌السلام القائل: «اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر

____________________

(1) انظر تاريخ الكامل - ابن الأثير 2 / 43.

٢٦

الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتُقام المعطلة من حدودك»(1) .

وقد عرضت عليه الخلافة في قضية الشورى بشروط فأبىعليه‌السلام ؛ لئلاّ يخالف الشروط التي لا يرتضيها. في حين أنّ الخلافة الإسلاميّة في وقتها كانت الدنيا بأسرها، وخصوصاً بعد أن انهارت دولة الروم والفرس. فعليعليه‌السلام أبى أن يقبلها مع أهمّيتها في مقابل أن لا يخالف شرطاً، فرفض الدنيا بأسرها في رفضه إياها إزاء عدم مخالفة شرط واحد.

وهذا أيضاً سفير الحسينعليه‌السلام مسلم بن عقيل، بعثهعليه‌السلام إلى الكوفة لأخذ البيعة من أهلها، وجاء عبيد الله بن زياد ودخل الكوفة، فذهب مسلم إلى دار هاني بن عروة، وكان في داره شريك بن الأعور مريضاً، فأراد ابن زياد عيادة شريك في دار هاني، فاتفق شريك مع مسلم أن يقتل عبيد الله عندما يأتي لعيادته، والإشارة بينهما رفع شريك عمامته.

ثمّ جاء ابن زياد ودخل على شريك ومسلم مختبئ في

____________________

(1) نهج البلاغة - محمد عبده 2 / 19.

٢٧

الخزانة، فأخذ شريك يرفع عمامته مراراً فلم يخرج مسلم، وقال: اسقنيها ولو كان فيها حتفي. فقال ابن زياد: إنّه يخلط في علّته. ثمّ خرج من دار هاني، فخرج مسلم، وقال له شريك: ما منعك منه؟! فقال مسلم: تذكّرت حديث عليعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الإيمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن»(1) .

فلو كان مسلم يريد الإمارة والملك لخرج وفتك بابن زياد وأراح الأمّة من شرّه، ولكنّه يخشى على إيمانه وعقيدته؛ لأنّ الإيمان قيد الفتك، والمؤمن لا يفتك.

وهكذا لو أردنا أن نستعرض أهل البيت (عليهم السلام)، لرأيناهم لا ينشدون ملكاً ولا سلطاناً بالذات، وإنّما غايتهم من الحكم هي تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة وتركيز دعائمها؛ فلهذا نرى الإمام الحسينعليه‌السلام يقول: «وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ اُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي»(2) .

فهذه هي سيرة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيرة أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

____________________

(1) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 246، الكامل - ابن الأثير 3 / 270.

(2) انظر الوثيقة رقم 17 من هذا الكتاب.

٢٨

الإسلام والخلافة

اهتم الإسلام بالخلافة اهتماماً كبيراً؛ لأنّ عليها يقوم بنيانه ويبني مجتمعه، وإنّها القاعدة الأساسية لحفظ شريعته، وصيانة مجتمعه من الانهيار والتشتت والتفرّق، وبدونها لا تقوم للإسلام قائمة، «فهي ضرورة من ضروريات الحياة الإسلاميّة لا يمكن الاستغناء عنها؛ فبها يُقام ما اعوجّ من نظام الدين، وبها تتحقّق العدالة الكبرى التي ينشدها الله في الأرض»(1) .

فلهذا نرى أنّ الرسول الأعظم قرنها ببداية التشريع الإسلامي، وبدء نزول الوحي، حيث أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بإبلاغ دعوته أهله وعشيرته كما جاء في تاريخ الكامل لابن الأثير، حين نزلت هذه الآية:( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (2) ، فجمع النبي عشيرته على وليمة، وخطب خطبته المشهورة: «إنّ الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلاّ هو إنّي

____________________

(1) نظام الحكم - باقر القرشي / 212.

(2) سورة الشعراء / 214.

٢٩

رسول الله إليكم خاصّة، وإلى الناس عامّة، إلى أن قال: يا بني عبد المطلب، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟»(1) .

فأحجم القوم عن الجواب إلاّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقام وقال: «أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه». فأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله برقبة الإمام علي وقال: «هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»(2) .

ولأهميتها أيضاً أمر الله العباد بإطاعة مَنْ تسلّم قيادتها إذا كان كامل الأهلية، حيث قال تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (3) . فجعل الله طاعة الخليفة الذي يتقلّد زمام أمرها من طاعته وطاعة رسوله.

وقد أوجبها الفقهاء على اختلاف مذاهبهم شيعة وسنّة، ولا نستطيع أن نستعرض هنا الآراء بشكل مفصّل في هذه الوريقات، وإنّما نلمح إليها برأي واحد لكلّ من المذهبين.

____________________

(1) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الكامل - ابن الأثير 2 / 42.

(2) المصدر نفسه.

(3) سورة النساء / 59.

٣٠

الخلافة في رأي الشيعة

فالذي عليه إجماع الشيعة، أنّ الخلافة أو الإمامة هي منصب إلهي بنصّ من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبوحي من الله. يقول الإمام محمّد حسين كاشف الغطاء: «نحن الشيعة نعتقد أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة، فكما أنّ الله سبحانه وتعالى يختار مَنْ يشاء من عباده للنبوّة والرسالة، ويؤيّده بالمعجزة التي هي كالنصّ من الله عليه، فكذلك يختار للإمامة مَنْ يشاء، ويأمر نبيّه بالنصّ عليه، وأن ينصّبه إماماً للناس من بعده؛ للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها، سوى أنّ الإمام لا يوحى إليه كالنبي، وإنّما يتلقى الأحكام من النبي»(1) .

الخلافة في نظر أهل السنّة

والذي عليه إجماع المذاهب السنّية، من أنّها ضرورة من ضروريات الدين إلاّ مَنْ شذّ منها، فيقول الماوردي: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوّة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها ممّن يقوم بها واجب بالإجماع»(2) .

____________________

(1) أصل الشيعة - الإمام محمد حسين كاشف الغطاء / 75.

(2) الأحكام السلطانية / 3، راجع نظام الحكم - باقر القرشي / 213.

٣١

أهلية الخلافة

بعد أن عرفنا أهمية الخلافة في الإسلام، بقي الآن أن نعرف هل هناك شروط فيمَنْ يتقلّد زمامها وأمرها حتّى نرى أنّ يزيد بن معاوية كان أهلاً لها أم لا؟ فالمذاهب الإسلاميّة على اختلاف آرائها وأفكارها تشترط في الخليفة شروطاً معينة لا مجال هنا لذكرها جميعاً، ولكنّها قد اتفقت على شرطين أساسيين؛ الإيمان والعدالة.

الخليفة ورأي الشيعة

تعتبر الشيعة في الخليفة أن يكون منصوصاً عليه من الله تعالى عن طريق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذكرنا، وأنّها تشترط في الخليفة شروطاً بالإضافة إلى إيمانه وعصمته «أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال؛ من شجاعة وكرم، وعفّة وصدق وعدل، ومن تدبير عقل وحكمة وخلق»(1) .

وإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى لعلي بن أبي طالب بالخلافة في عودته من حجّة الوداع في مكان يُقال له:(غدير خم) ، ولهم أدلّة على ذلك في كتبهم.

____________________

(1) عقائد الإماميّة - الشيخ محمد رضا المظفر / 66.

٣٢

فعلى هذا، فالشيعة لا ترى ليزيد ولا لأبيه معاوية أيّ حقّ بالخلافة، بالإضافة إلى عدم توفّره على أهليتها؛ لفسقه وفجوره، وعدم إيمانه كما سنذكره.

الخليفة في رأي أهل السنة

أمّا أهل السنّة فالذي عليه الرأي العام منهم، أنّ الخليفة يجب أن تتوفّر فيه العدالة. يقول ابن حزم الأندلسي: «اتّفق جميع أهل السنّة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأنّ الأمّة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يُقيم فيها أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول الله»(1) .

واشترطوا في الخليفة أيضاً: البلوغ، والعقل، والذكورة، والإسلام، والعلم بفرائض الدين، والتقوى، وعدم الضعف والسفاهة.

ثمّ يقول ابن حزم شارحاً معنى ما تقدّم:

1 - على الخليفة أن يكون عالماً بما يخصّه من أمور الدين؛ من العبادات والسياسة والأحكام.

____________________

(1) الملل والأهواء 4 / 87.

٣٣

2 - أن يكون مؤدياً للفرائض كلّها، لا يخلّ بشيء منها.

3 - أن يجتنب جميع الكبائر سرّاً وجهراً.

4 - أن يتستر بالصغائر، إن كانت تصدر منه(1) .

يزيد وأهلية الخلافة

هذه هي أهم الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الخليفة الإسلامي، فأين (يزيد) منها؟ وهل فيه من هذه الصفات التي ذُكرت وقد أجمع معاصروه ومَن بعدهم على خلوّه منها، وأنّه ليست له هذه الأهلية؛ لأنّه متّصف بجميع الصفات القبيحة، كشرب الخمر، ولعب القمار، وضرب الملاهي، واللعب بالكلاب الهراش، وإلى ما هنالك من صفات منافية؟

فلنستمع إلى ما يذكره المؤرّخون عنه:

1 - هذا ابن قتيبة ينقل ردّ الحسين على معاوية عندما جاء إلى المدينة المنوّرة لأخذ البيعة لابنه يزيد من بعده من رجالات المدينة، فبعد أن خطب فيهم وأثنى على ولده يزيد، قام إليه الحسينعليه‌السلام وأجابه بعد كلام طويل قائلاً لمعاوية: «كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تخبر عمّا

____________________

(1) نظام الحكم - باقر القرشي / 220.

٣٤

كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه؛ من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه»(1) .

2 - ذكر الطبري أنّ عثمان بن محمّد بن أبي سفيان، والي يزيد على المدينة آنذاك، بعث بجماعة من أهل المدينة إلى يزيد وفيهم عبد الله بن حنظلة والمنذر بن الزبير وآخرون من أشراف المدينة، فقدموا على يزيد، فأكرمهم وأحسن إليهم، وأعظم جوائزهم، ثمّ رجعوا إلى المدينة وهم على رأي واحد، فقالوا: «إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الحراب والفتيان، وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه. فتابعهم الناس»(2) .

____________________

(1) الإمامة والسياسة - ابن قتيبة 1 / 186.

(2) تاريخ الطبري 4 / 368.

٣٥

3 - ويقول الشوكاني في ردّه على بعض وعّاظ السلاطين: «لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأنّ الحسين السبط (رضي الله عنه وأرضاه) باغٍ على الخمير السكير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهّرة، يزيد بن معاوية (لعنهما الله). فيا للعجب من مقالات تقشعرّ منها الجلود!»(1) .

هذا بعض ما قيل في يزيد بن معاوية، بل ذهب بعض العلماء إلى كفره والتشكيك في إيمانه، وجواز لعنه، «وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم القاضي أبو يعلى، والحافظ ابن الجوزي، والتفتازاني، والسيوطي»(2) .

وقال التفتازاني: «الحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره به، وإهانته أهل بيت النبي ممّا تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحاد، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه»(3) .

وقد بلغت الوقاحة والاستهتار بيزيد إلى درجة لا

____________________

(1) نيل الأوطار 7 / 147.

(2) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 10.

(3) شرح العقائد النسفية / 181، طبع الاستانة.

٣٦

يتصوّرها إنسان، وذلك أنّ معاوية أرسله إلى الحجّ في حياته، فلمّا بلغ يزيد المدينة المنوّرة جلس على مائدة الخمر، فاستأذن عليه ابن عباس فأذن له، وكان مكفوف البصر، فقيل له: إنّ ابن عباس إن وجد ريح الشراب عرفه. فحجبه عنه(1) .

إلى ما هنالك من عشرات أقوال الصحابة والتابعين والعلماء في يزيد بن معاوية، ولو توسّعنا لاحتجنا إلى مجلّدات.

وبعد هذا العرض، فهل يجد إنسان ما في يزيد أهلية الخلافة؟ اللّهمّ إلاّ بعض الحاقدين من أعوان السلطان، وتجّار المادة الذين لا يخلو زمان ومكان منهم.

إنّ جميع ما تقدّم هو نزر يسير ممّا فعله يزيد بن معاوية، وما ارتكبه الحكم الأموي من هتك حرمة الإسلام، والتعدّي على الشريعة المقدّسة، وتقويض أركانها، ومن ثمّ الإجهاض عليها من جذورها(2) .

فلم تجد منقذاً ولا مخلّصاً لها إلاّ الحسينعليه‌السلام ابن بنت

____________________

(1) الكامل - ابن الأثير 3 / 417.

(2) انظر تفصيل الجرائم الاُمويّة في كتابنا (الوثائق الرسميّة لنتائج ثورة الحسينعليه‌السلام القسم الثاني)، لم يطبع حتّى الآن.

٣٧

صاحب الرسالة، فقامعليه‌السلام مغيثاً لها بثورته المقدّسة، في اليوم العاشر من محرّم سنة 61 هجرية، وأنقذها من الحكم الأموي الجائر قائلاً: «فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».

وقد أبدع في تصوير هذا الموقف الشاعر، حينما يرثي الحسينعليه‌السلام في قصيدة طويلة تضمّ عشرات الأبيات، منها:

يـومٌ بحاميةِ الإسلامِ قد نهضتْ

بـهِ حـميّةُ ديـنِ اللهِ إذ تُـركا

رأى بـأنّ سـبيلَ الـغي متّبعٌ

والـرشدُ لـم تـدرِ قومٌ أيه سلكا

والـناسُ عـادت إليهم جاهليتُهم

كـأنّ مَـنْ شرّعَ الإسلامَ قد أفكا

وقـد تـحكّمَ بـالإيمانِ طـاغيةٌ

يُـمسي ويُصبحُ بالفحشاءِ مُنهمكا

لم أدرِ أينَ رجالُ المسلمينَ مضوا

وكـيفَ صـارَ يزيدٌ بينهم ملكا

الـعاصرُ الخمرِ من لؤمٍ بعنصره

ومـن خساسةِ طبعٍ يعصرُ الودكا

أم كـيفَ يسلمُ من شركٍ ووالده

مـا نزّهت حملهُ هندٌ عن الشركا

لئن جرت لفظةُ التوحيدِ في فمِه

فـسيفهُ بـسوى التوحيدِ ما فتكا

قـد أصبحَ الدينُ منهُ شاكياً سقماً

ومـا إلى أحدٍ غير الحسينِ شكا

فما رأى السبطُ للدينِ الحنيفِ شفاً

إلاّ إذا دمـهُ فـي نـصرهِ سُفكا

ومـا سـمعنا عليلاً لا علاجَ له

إلاّ بـنـفسِ مـداويهِ إذا هـلكا

بـقتلهِ فـاحَ للإسلامِ طيبُ هدىً

فـكلّما ذكـرتهُ الـمسلمونَ ذكا(1)

____________________

(1) انظر ديوان سحر بابل وسجع البلابل - السيد جعفر الحلّي / 350.

٣٨

هل انتصر الحسين؟ ولمَنْ النصر؟

الإمام الحسينعليه‌السلام إنسان عقائدي، وصاحب مبدأ، وحامل رسالة، والإنسان الذي يتّصف بهذه الصفة هو إنسان فدائي لعقيدته ومبدئه ورسالته، ويكون لديه الاستعداد الكامل للتضحية والبذل والفداء؛ فهو لا يفكّر في البقاء والحياة إلاّ إذا كانت الحياة تكسب نصراً لعقيدته ورسالته، وإذا كان الموت والفداء يحقّقان النصر للمعتقد وللهدف المنشود، فالموت لديه أفضل من الحياة، التي لا تقدّم نصراً للعقيدة والرسالة.

وهذا المفهوم تجسّد في الحسينعليه‌السلام والحسين تجسّد فيه، فهو سبط الرسول الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي عرض عليه المشركون الدنيا بأبعادها، قائلين لأبي طالب عمّه وناصره، ومؤمن قريش: قل لابن أخيك: إن كان يريد مالاً أعطيناه مالاً لم يكن لأحد من قريش، وإن كان يريد ملكاً توّجناه على العرب... إلخ.

فجاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بمقالة القوم، فاستعبر النبيّ قائلاً: «يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك فيه

٣٩

ما تركته»(1) .

وهذا أبوه علي بن أبي طالبعليه‌السلام الفدائي الأوّل للإسلام، ولنبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ الحروب والمواطن، وهذا عمّه حمزة سيد الشهداء، وهذا أيضاً عمّه جعفر الطيار (رضوان الله عليهما)، نصروا الإسلام بكلّ ما يملكون، فالموت في مفهوم هؤلاء الأبرار الشهداء حياة إذا نصروا المبدأ والعقيدة، والحياة ممات إذا كانت بلا هدف ولا عقيدة.

فالحسينعليه‌السلام ينطلق من مفهوم جدّه وأبيه وأعمامه الخيّرين، فرأى لا بدّ أن يمزّق الخناق الذي فرضه يزيد على الإسلام، ويغذّي شجرة الشريعة التي كادت أن تنضب وتجفّ في ظل الحكم الأموي وإن كان ذلك يسبب له إزهاق الأرواح، وقتل الأنفس، وجريان الدماء على وجه الأرض لترتوي الغصون الذابلة للشجرة الإسلاميّة من هذه الدماء الزكية؛ دم الحسين وأهل بيته وأنصاره.

ولأنّه أيضاً جهاد في سبيل الله ونصرة دينه، فاستجاب أبو الفداء الحسين لذلك، ووقف في صبيحة عاشوراء يقدّم فتيانه من آله وأنصاره ضحية بعد ضحية، وقرباناً بعد قربان، قائلاً:

____________________

(1) انظر تاريخ الكامل - ابن الأثير 2 / 43.

٤٠