الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 156317
تحميل: 5399

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156317 / تحميل: 5399
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ليزيد، فبايعوا على اسم الله. فبايع الناس، وكانوا يتربّصون بيعة هؤلاء النفر، ثمّ ركب رواحله وانصرف إلى الشام.

وجاء أهل مكة إلى هؤلاء الأربعة وقالوا لهم: لماذا رضيتم وبايعتم؟ فأجابهم الإمام الحسينعليه‌السلام بقوله: «لا والله ما بايعنا، ولكنّ معاوية خدعنا وكادنا ببعض ما كادكم به». ثمّ صعد المنبر وتكلّم بكلام: «وخشينا إن رددنا مقالته عليه أن تعود الفتنة جذعاً، ولا ندري إلى ما يؤول أمرنا، فهذه قصّتنا معه»(1) .

10 - الإمام الحسينعليه‌السلام يمهّد لثورته في أيام معاوية

في سنة 57 هجرية أعلن معاوية ولاية العهد لولده، وأخذ البيعة له، وأراد بهذا الإعلان أن يمهّد لإمبراطورية اُمويّة لأسرته وعشيرته، ممّا حدى بالمؤمنين الملتزمين بخطّ الشريعة الإسلاميّة أن يعلنوا معارضتهم لهذا التعيين والتنصيب.

وفي طليعتهم الإمام الحسينعليه‌السلام ، فأخذ يمهّد

____________________

(1) الفتوح - ابن أعثم 4 / 348، موسوعة كلمات الإمام الحسين / 269.

٦١

الجو للمعارضة بمختلف الطرق السلمية وغيرها، فجاء إلى مكة؛ لأداء فريضة العمرة والحجّ، وعقد مؤتمراً عاماً في منى، وحضره ما يُقارب ألف نفر، وكان هذا الجمع يمثّل كافة الطبقات من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتابعين، ومن بني هاشم، وشيعته، ومواليه.

فقامعليه‌السلام خطيباً فيهم، معلناً جرائم الحكم الاُموي المغاير للكتاب والسنّة، وفي نفس الوقت مبيناً فضائله وفضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وأحقيتهم بالحكم والخلافة، وإليك نصّه: «أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم، ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم مَنْ آمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون؛ فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب، والله متم نوره ولو كره الكافرون».

قال سُليم: فكان فيما ناشدهم الحسينعليه‌السلام وذكّرهم أنّ قال: «اُنشدكم الله أتعلمون أنّ علي بن أبي طالب كان أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين أصحابه، فآخى بينه وبين نفسه وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟

٦٢

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «اُنشدكم الله هل تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه، ثمّ ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثمّ سدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابه، فتكلّم في ذلك مَنْ تكلّم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ الله أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه. ثمّ نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، ومنزله في منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فولد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وله فيه أولاد؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أفتعلمون أنّ عمر بن الخطّاب حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه، ثمّ خطبصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إنّ الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّبه يوم غدير خم، فنادى له بالولاية وقال: ليبلّغ الشاهد الغائب؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كلّ

٦٣

مؤمن بعدي؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «اُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة، لم يأت إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «اُنشدكم الله أتعلمون أنّه دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثمّ قال: لأدفعه إلى رجل يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، كرّار غير فرّار، يفتحها الله على يديه؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ببراءة، وقال: لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تنزل به شدّة قط إلاّ قدّمه لها؛ ثقة به، وأنّه لم يدعه باسمه قطّ إلاّ أن يقول: يا أخي، وادعو لي أخي؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بينه وبين جعفر وزيد، فقال له: يا علي أنت منّي وأنا منك، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّه كانت له من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يوم خلوة، وكلّ ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

٦٤

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضّله على جعفر وحمزة، حين قال لفاطمة (عليها السلام): زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علما؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا سيد ولد آدم، وأخي علي سيد العرب، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنّة، وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بغسله، وأخبره أن جبرئيل يعينه عليه؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: «أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في آخر خطبة خطبها: إنّي تركت فيكم الثقلين؛ كتاب الله وأهل بيتي، فتمسكوا بهما لن تضلوا؟».

قالوا: اللّهمّ نعم.

فلم يدع شيئاً أنزله الله في علي بن أبي طالبعليه‌السلام خاصّة، وفي أهل بيته من القرآن وعلى لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: اللّهمّ نعم، قد سمعنا. ويقول التابعي: اللّهم قد حدّثنيه مَن أثق به فلان وفلان. ثمّ ناشدهم أنّهم قد سمعوهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «مَنْ زعم أنّه يحبّني ويبغض علياً فقد كذب، ليس يحبّني وهو يبغض

٦٥

علياً». فقال له قائل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: «لأنّه منّي وأنا منه، مَنْ أحبّه فقد أحبني، ومَن أحبّني فقد أحب الله، ومَنْ أبغضه فقد أبغضني، ومَنْ أبغضني فقد أبغض الله». فقالوا: اللّهمّ نعم، قد سمعنا. وتفرقوا على ذلك(1) .

11 - بين يزيد بن معاوية وواليه على المدينة

فلمّا امتنع الحسينعليه‌السلام عن مبايعة يزيد بن معاوية، كتب واليه على المدينة الوليد بن عتبة كتاباً جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين، من الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. أما بعد، فإنّ الحسين بن علي ليس يرى لك خلافةً ولا بيعة فما رأيك في أمره، والسلام.

فلمّا وصل الكتاب إلى يزيد بن معاوية، أرسل إليه جوابه: أمّا بعد، فإذا أتاك كتابي هذا، فعجّل عليّ بجوابه، وبيّن لي في كتابك كلّ مَنْ في طاعتي، أو خرج عنها، ولكن مع الجواب رأس الحسين بن علي، والسلام(2) .

____________________

(1) انظر ناسخ التواريخ م6 ج1 / 11 - 12، الغدير 1 / 198، وكتاب سليم بن قيس / 6.

(2) ناسخ التواريخ م6 ج1 / 391.

٦٦

الإمام الحسينعليه‌السلام يعلن معارضته للحكم الاُموي

٦٧

٦٨

12 - إعلان الحسينعليه‌السلام لثورته

وهو أوّل بيان للحسينعليه‌السلام للثورة على يزيد بن معاوية، وذلك عندما طلب منه والي يزيد على المدينة - الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - مبايعة يزيد بالخلافة بعد هلاك معاوية، فقال له الحسينعليه‌السلام : «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم. ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن للفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة»(1) .

13 - بين مروان ووالي يزيد

لما أبى الحسينعليه‌السلام مبايعة يزيد، قال مروان للوليد احبس حسيناً، ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسينعليه‌السلام قائلاً: «يابن الزرقاء، أنت تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت». ثمّ خرجعليه‌السلام ، فقال مروان للوليد:

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 23.

٦٩

عصيتني! لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبداً.

فقال الوليد: وبخ غيري يا مروان، إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أقتل حسيناً أن قال: لا اُبايع؟! والله إنّي لا أظنّ امرأً يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة، ولا ينظر الله إليه، ولا يزكيه وله عذابٌ أليم(1) .

14 - مروان بن الحكم والحسينعليه‌السلام

ولما كان اليوم الثاني واجه مروان الحسينعليه‌السلام في الطريق، وقال لأبي عبد الله: إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد.

فقال الحسينعليه‌السلام : «وما ذاك؟ قل حتّى أسمع».

فقال مروان: أرشدك لبيعة يزيد بن معاوية؛ فإنّها خير لك في دينك وفي دنياك.

قال: فاسترجع الحسينعليه‌السلام وقال: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السّلام إذا بليت الأمّة براع مثل يزيد». ثم قال: «يا مروان، أترشدني لبيعة يزيد ويزيد رجل فاسق؟ لقد قلت شططاً من القول وزللاً، ولا ألومك؛ فإنّك

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 252.

٧٠

اللعين الذي لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص، ومَنْ لعنه رسول الله فلا ينكر منه أن يدعو لبيعة يزيد.

إليك عنّي يا عدوّ الله، فإنّا أهل بيت رسول الله، الحقّ فينا ينطق على ألستنا، وقد سمعت جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان الطلقاء، وأبناء الطلقاء. وقال: فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه». قالعليه‌السلام : «ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول الله فلم يفعلوا به ما اُمروا، فابتلاهم بابنه يزيد»(1) الحديث.

15 - الإمام الحسينعليه‌السلام يودّع قبر جدّه رسول الله

قبل أن يهمّ بالخروج من المدينة ذهب الإمام الحسينعليه‌السلام لوداع قبر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانحنى على القبر باكياً، فأخذته خفقة نوم وإذا بجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأتيه في عالم الرؤيا، قائلاً له: «حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرملاً

____________________

(1) أخرج الخطيب موفق بن أحمد المالكي الخوارزمي الحنفي في كتابه مقتل الحسين 1 / 184، طبع النجف الأشرف، 1367 هـ، وناسخ التواريخ م6 ج1 / 387، وكتاب المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة / 304.

٧١

بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء، من عصابة من اُمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة. حبيبي يا حسين، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا عليّ، وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة».

فأجابه الحسينعليه‌السلام في عالم الرؤيا أيضاً قائلاً: «يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك، وأدخلني معك في قبرك». فقال له رسول الله: «لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى تُرزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم؛ فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة»(1) .

16 - خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة

وكان خروجهعليه‌السلام من المدينة ليلة الأحد، ليومين بقيا من رجب سنة 60هـ(2) ، فإنّهعليه‌السلام جاء إلى قبر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى ركعات،

____________________

(1) انظر ناسخ التواريخ م6 ج2 / 4 و5.

(2) تاريخ الطبري 4 / 220.

٧٢

وقال: «اللّهمّ هذا قبر نبيك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهمّ إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومَنْ فيه إلاّ ما اخترت لي ما هو لك رضاً، ولرسولك رضاً».

وفي حديث عمّار، أنّه قال: «بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، لقد خرجتُ من جوارك كرهاً، وفُرّق بيني وبينك، واُخذت قهراً أن اُبايع يزيد، شارب الخمور، وراكب الفجور، وإن فعلت كفرت، وإن أبيت قُتلت، فها أنا خارج من جوارك كُرهاً، فعليك منّي السلام يا رسول الله»(1) .

17 - وصية الحسينعليه‌السلام

وكتبعليه‌السلام وصية إلى أخيه محمّد بن الحنفية: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفية: إنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها، وأنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي

____________________

(1) مقتل أبي مخنف / 15.

٧٣

القُبُورِ، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ اُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِين. وهذه وصيتي يا أخي إليك، وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ اُنِيبُ»(1) . وختمها بخاتمه الشريف.

18 - كتاب الحسينعليه‌السلام إلى بني هاشم

ولما سار الحسينعليه‌السلام بإخوته وبني أخيه، وجلّ أهل بيته إلى مكة، وجّه كتاباً إلى بني هاشم، هذا نصّه: «بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم، أمّا بعد، فإنّه مَنْ لحق بي منكم استشهد، ومَنْ تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح، والسّلام»(2) .

19 - دخول الحسينعليه‌السلام إلى مكة

لما خرج الإمامعليه‌السلام من المدينة سلك الطريق الأعظم، فقيل

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 330، مقتل الحسين - الخوارزمي 1 / 88، الفصل التاسع.

(2) انظر عبرة المؤمنين - جواد شبّر / 17.

٧٤

له: لو تنكّبت عن الطريق الأعظم، كما فعل ابن الزبير، فقال: «لا والله لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض». ثمّ تلا قوله تعالى:( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ) (1) . ودخل مكّة وهو يتلو:( وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (2) .

فوصل إليها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، وأقامعليه‌السلام باقي شعبان وشهر رمضان، وشوال وذي القعدة، وثمان ليالي من ذي الحجّة(3) .

20 - الحسينعليه‌السلام مع عبد الله بن عباس

ثمّ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام اجتمع في مكة المكرّمة مع عبد الله بن عباس حينما طلب منه عدم الخروج، فقال له الحسينعليه‌السلام : «هل أنا أبايع يزيد وادخل في صلحه وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أبيه ما قال؟!».

____________________

(1) سورة القصص / 21.

(2) سورة القصص / 22.

(3) تاريخ الطبري 4 / 261.

٧٥

فقال ابن عباس: صدقت أبا عبد الله، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته: «ما لي وليزيد، لا بارك الله في يزيد، وإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين. والذي نفسي بيده، لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم».

وبكى ابن عباس والحسين، والتفت إليه قائلاً: «يابن عباس، أتعلم أنّي ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟».

فقال ابن عباس: اللّهمّ نعم، نعلم ما في الدنيا أحد هو ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرك، وأنّ نصرك لفرض على هذه الأمّة كفريضة الصلاة والزكاة التي لا تُقبل إحداهما دون الاُخرى.

فقال الحسينعليه‌السلام : «يابن عباس، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من داره وقراره، ومولده وحرم رسوله، ومجاورة قبره ومسجده، وموضع مهاجره، فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقر في قرار، ولا يأوي في موطن، يريدون في ذلك قتله وسفك دمه، وهو لم يشرك بالله شيئاً، ولا اتّخذ من دونه ولياً، ولم يغيّر عمّا كان عليه رسول الله؟».

فأجابه ابن عباس مصدّقاً قوله وكلامه بقوله: ما أقول

٧٦

فيهم إلاّ أنّهم كفروا بالله ورسوله، ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم( كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) (1) . وعلى مثل هؤلاء تنزل البطشة الكبرى. وأمّا أنت يابن بنت رسول الله، فإنّك رأس الفخار برسول الله، فلا تظنّ يابن بنت رسول الله أن الله غافل عمّا يعمل الظالمون. وأنا أشهد أنّ مَنْ رغب عن مجاورتك، وطمع في محاربتك ومحاربة نبيّك محمّد فما له من خلاق.

ثمّ إنّ عبد الله بن عباس أبدى استعداده لمناصرة الحسينعليه‌السلام قائلاً: جعلت فداك يابن بنت رسول الله، كأنّك تريدني إلى نفسك، وتريد منّي أن أنصرك. والله الذي لا إله إلاّ هو، أن لو ضربت بين يديك بسيفي هذا بيدي حتّى انخلعا جميعاً من كفّي لما كنت ممّن أوفى من حقّك عشر العشر، وها أنا بين يديك مرني بأمرك.

وصية الحسينعليه‌السلام لابن عباس

وأقبل الحسينعليه‌السلام على ابن عباس فعهد إليه بهذه الوصية قائلاً: «وأنت يابن عباس ابن عمّ أبي، لم تزل تأمر بالخير منذ عرفتك، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد

____________________

(1) سورة النساء / 142 - 143.

٧٧

والسداد، وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك، وتشير عليه بالصواب، فامضِ إلى المدينة في حفظ الله، ولا تخفِ عليّ شيئاً من أخبارك؛ فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم به ما رأيت أهله يحبّوني وينصروني، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم اُلقي في النار:( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ، فكانت النار عليه برداً وسلاماً»(1) .

21 - كتب ورسل أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام

ولمّا وصل إلى أهل الكوفة نبأ هلاك معاوية، ومعارضة الإمام الحسينعليه‌السلام لحكم يزيد، ومجيئه إلى مكة، اجتمع نفر منهم في دار سليمان بن صرد الخزاعي(2) ، ولمّا استقر بهم المجلس قام سليمان فيهم خطيباً، وقال في آخر خطبته: يا معشر الشيعة، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك وصار إلى ربّه، وقدم على عمله، وقد قعد في موضعه ابنه

____________________

(1) مقتل الحسين - الخوارزمي 1 / 193، حياة الإمام الحسين 2 / 319 - 321.

(2) المصدران نفساهما.

٧٨

يزيد، وهذا الحسين بن عليعليهما‌السلام قد خالفه، وصار إلى مكة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم؛ فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه(1) .

قال المجتمعون: بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه. ثمّ أرسلوا وفداً منهم أبو عبد الله الجدلي يحمل كتاباً إلى الحسينعليه‌السلام ، وهذا نصّه:

بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن عليعليهما‌السلام ، من سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجية، ورفاعة بن شداد البجلي، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين المسلمين، سلام عليك.

أمّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قِبل الجبّار، العنيد الغشوم الظلوم، الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضاً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها، فبعداً له كما بعُدت ثمود!

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 30، تاريخ الطبري 4 / 261.

٧٩

وإنّه ليس علينا إمام غيرك، فاقبِل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى أبيك من قبلك، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم(1) .

فوصل الكتاب إلى الحسينعليه‌السلام لعشر من شهر رمضان وهو في مكة، ثمّ بعثوا إليه كتباً اُخرى بيد هاني بن هاني السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وهذا نصّها: بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن عليعليهما‌السلام ، من شيعته من المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد، فحيهلا، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، والسّلام(2) .

ثمّ أرسل معهما شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، ومحمّد بن عمير التميمي كتاباً أيضاً إلى

____________________

(1) انظر مقتل الحسين - محسن الأمين / 30، تاريخ الطبري 4 / 262.

(2) تاريخ الطبري 4 / 262، مقتل الحسين - محسن الأمين / 31.

٨٠