الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 304

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الكريم الحسيني القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 304
المشاهدات: 156352
تحميل: 5399

توضيحات:

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 304 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156352 / تحميل: 5399
الحجم الحجم الحجم
الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسينعليه‌السلام ، وهذا نصّه: أمّا بعد، فقد أخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمث الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّدة، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، وعلى أبيك من قبل(1) .

ثمّ توالت الكتب والرسائل على الحسينعليه‌السلام حتّى بلغت اثني عشر ألف كتاب.

22 - جواب الإمام الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة

والإمامعليه‌السلام لم يجب على تلكم الرسائل والكتب التي وصلته إلاّ بعد أن صلّى ركعتين بين الركن والمقام، وسأل الله الخيرة في ذلك، ثمّ كتب كتاباً إلى أهل الكوفة، وهو جواب على كتبهم، وأرسله مع هاني بن عروة وسعيد بن عبد الله، وهذا نصّه: «بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين.

أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدِم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم

____________________

(1) المصدران نفساهما.

٨١

وذكرتم، ومقالة جلكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والهدى.

وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي، وثقتي من أهل بيتي مسلم ابن عقيل، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إليّ بأنّه قد أجمع رأي ملئكم، وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم، وقرأت في كتبكم، فإنّي أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذلك لله، والسّلام»(1) .

وقيل: ثمّ نادى مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) وأمره بالتقوى، وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه.

23 - كتاب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام

ولمّا وصل مسلمعليه‌السلام الكوفة نزل دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وأقبل الناس يختلفون إليه بالبيعة

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 33، تاريخ الطبري 4 / 262.

(2) تاريخ الطبري 4 / 263 - 264.

٨٢

للحسينعليه‌السلام جماعة جماعة، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين فيبكون، ثمّ قام عابس بن أبي شبيب الشاكري (رضوان الله عليه) فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم. والله اُحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله، لا اُريد بذلك إلاّ ما عند الله.

ثمّ قام حبيب بن مظاهر (رحمة الله عليه) وقال: رحمك الله، قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك. ثمّ قال: وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو على مثل ما هذا عليه. ثمّ تكلّم الحاضرون بمثل ذلك.

ولمّا رأى مسلم إقبال الناس عليه ومبايعتهم للحسينعليه‌السلام ، كتب كتاباً للحسينعليه‌السلام يقول فيه: أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وإنّ جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته(1) . وبعثه مع قيس بن مسهر الصيداوي.

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 281.

٨٣

24 - كتاب الحسينعليه‌السلام إلى رؤساء الأخماس والأشراف بالبصرة

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام وجّه كتاباً آخر إلى رؤساء البصرة وزعمائها، وأرسله مع مولى له (سليمان) يُكنّى أبا رزين، أو مع ذراع السدوسي إلى كلّ من مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود العبدي، وقيس بن الهيثم، ويزيد بن مسعود النهشلي وغيرهم، جاء فيه:

«أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنّا أهله وأولياءه، وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه.

وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ السنّة قد اُميتت، وإنّ البدعة قد اُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله»(1) .

____________________

(1) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 159، تاريخ الطبري 4 / 266.

٨٤

25 - جواب أهل البصرة للحسينعليه‌السلام

ولمّا وصل الكتاب إلى يزيد بن مسعود النهشلي، جمع قبائل بني تميم، وبني حنظلة، وبني سعد، وقال لهم: كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟

فقالوا: بخ بخ! أنت والله فقرة الظهر، ورأس الفخر، حللت في الشرف وسطاً، وتقدّمت فيه فرطاً.

قال: فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه، وأستعين بكم عليه. فقالوا: إنّا والله نمنحك النصيحة، ونجهد لك الرأي، فقل حتّى نسمع.

فقال (رضوان الله عليه): «إنّ معاوية مات، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكمه، وهيهات الذي أراد! اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل.

وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور، ورأس الفجور، يدّعي الخلافة على المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضاً منهم، مع قصر حلم وقلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطئ قدميه، فأقسم بالله قسماً مبروراً، لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين.

٨٥

وهذا الحسين بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر؛ لسابقته، وسنّه، وقدمه، وقرابته. يعطف على الصغير ويحنوا على الكبير، فأكرم به راعي رعية، وإمام قوم، وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة؛ فلا تعشوا عن نور الحقّ، ولا تسكعوا في وهد الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته.

والله، لا يقصّر أحد عن نصرته إلاّ أورثه الله تعالى الذلّ في ولده، والقلّة في عشيرته. وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، وأدرعت لها بدرعها. مَنْ لم يُقتل يمت، ومَنْ يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب»(1) .

فأجابته بنو حنظلة بقولها: «يا أبا خالد، نحن نبل كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، وإن غزوت بنا فتحت، لا تخوض والله غمرة إلاّ خضناها، ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها، ننصرك والله بأسيافنا، ونقيك بأبداننا إذا شئت».

ثم تكلّم بنو سعد بن يزيد، فقالوا: «يا أبا خالد، إنّ أبغض

____________________

(1) مقتل الحسين - عبد الرزاق المقرّم / 161.

٨٦

الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال، فحمدنا رأيه، وبقي عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع الرأي ونحسن المشهورة».

فقال يزيد بن مسعود: «والله يا بني سعد، لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبداً، ولا زال سيفكم فيكم.

ثمّ قالت بنو عامر بن تميم: يا أبا خالد، نحن بنو أبيك وحلفاؤك، لا نرضى إن غضبت، ولا نقطن إن ظعنت، والأمر إليك، فادعنا نجبك، وأمرنا نطعك، والأمر لك إذا شئت».

26 - جواب ابن مسعود إلى الحسينعليه‌السلام

ثمّ إنّ يزيد بن مسعود (رضوان الله عليه) كتب جواباً على رسالة الحسينعليه‌السلام جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد، فقد وصل كتابك، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك، والفوز بنصيبي من نصرتك، وإنّ الله لم يخل الأرض قطّ من عامل عليها بخير، أو دليل على سبيل نجاة.

وأنتم حجّة الله على خلقه، ووديعته في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سُعدتَ بأسعد طائر؛ فقد ذلّلتُ لك أعناقَ بني تميم، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم

٨٧

خمسها، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد، وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها، والسّلام»(1) .

ووصل كتابه هذا إلى الحسينعليه‌السلام في اليوم العاشر من محرّم كما هو المعروف، فقالعليه‌السلام : «ما لك! آمنك الله يوم الخوف، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر».

ثمّ إنّه أراد الخروج لنصرة الحسينعليه‌السلام وإذا بالخبر يفاجئه بقتله، فجزع ومات من وقته (رضوان الله عليه).

وأمّا بقيّة الزعماء، فإنّ بعضهم أجاب الإمامعليه‌السلام جواباً بارداً لا خير فيه، وأمّا المنذر بن الجارود، فإنّه سلّم الكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد، فصلب الرسول، وهو أوّل رسول يُقتل في الإسلام(2) .

____________________

(1) مقتل الحسين - محسن الأمين / 38.

(2) تاريخ الطبري 4 / 266.

٨٨

الحزب الاُموي وموقفـه مـن الثـورة

٨٩

٩٠

الحزب الاُموي وموقفه من الثورة

لمّا وصلت أنباء إعلان الإمام الحسين ثورته على الحكم الاُموي إلى كوادر الحزب الاُموي، كانت ردود الفعل مختلفة بحسب وجهات نظر أعضاء الكوادر الحزبية الاُمويّة، وهي في اتّجاهين:

الاتّجاه الأوّل

وهو الذي يمثل جانب اللين والفتور؛ لأنّ بعض الكوادر الحزبية الاُمويّة كانت تمثّل الجانب المعتدل في الحزب؛ لأنّها تعلم في قرارة نفسها أنّ يزيد لا يستحق الخلافة وغير جدير بها؛ ولذا نراها غير متحمّسة لحكمه، من أمثال النعمان بن بشير واليه على الكوفة؛ فإنّه بعد أن سمع بثورة الإمام الحسين (ع) قام خطيباً، وخطب خطبة لم ترضِ الحزب الاُموي، فقام إليه أحد كوادر الحزب الاُموي قائلاً: إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.

فأجابه النعمان قائلاً: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله، أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله(1) .

____________________

(1) انظر الوثيقة 27 من هذا الكتاب، تاريخ الطبري 4 / 265.

٩١

الاتجاه الثاني

وهو الاتّجاه المتطرّف المتعصّب، الذي يسير وراء مصالح الاُمويِّين، وليس لديه أيّ واقعية أو الإحساس بها، فنرى ردّ فعله عنيفاً جدّاً؛ لأنّه اتّخذ موقفاً صارماً ضدّ الثورة؛ ولهذا نرى هذا الكادر الاُموي سارع بالكتابة إلى يزيد بن معاوية عندما دخل الكوفة رسول الثورة الحسينيّة مسلم بن عقيل، وأقبل الناس عليه لمبايعة الحسين، ويتزعّم هذا الكادر الحزبي الاُموي رجل اسمه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي.

27 - خطبة النعمان والي يزيد على الكوفة

بلغ ذلك النعمان بن بشير والي يزيد على الكوفة، فجاء إلى المسجد وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فاتّقوا الله عباد الله، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة؛ فإنّ فيهما يهلك رجال، وتُسفك الدماء، وتُغصب الأموال. إنّي لم اُقاتل مَنْ لم يُقاتلني، ولا أثب على مَنْ لا يثب عليّ، ولا اُشاتمكم، ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم،

٩٢

وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر؛ أما إنّي أرجو أن يكون مَنْ يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل(1) .

فقام إليه أحد أعوان الحزب الاُموي، واسمه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، وقال: إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم، إنّ هذا الذي أنت عليه، فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.

فأجابه النعمان قائلاً: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله، أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله.

28 - رجال الحزب الاُموي وخطورة الموقف

فكتب عبد الله بن مسلم الحضرمي كتاباً إلى يزيد بن معاوية جاء فيه: أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ينفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك؛ فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف.

ثمّ كتب آخرون إلى يزيد بن معاوية كتباً أخرى بهذا

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 264.

٩٣

المضمون، مثل: عمارة بن عقبة، وعمر بن سعد، وغيرهما من أنصار الحزب الأموي(1) .

29 - يزيد يعزل النعمان وينصب عبيد الله

وعندما وصلت الكتب إلى يزيد بن معاوية وقرأها وفهم محتواها، دعا سرجون مولى معاوية وأقرأه الكتب، وقال: هذا الحسين قد توجّه إلى الكوفة، وهذا مسلم بن عقيل يبايع للحسين، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيء، فما ترى؟

فقال له سرجون: أرأيت لو نشر معاوية لك، أكنت آخذاً برأيه؟ قال: نعم. [ قال: فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة وقال: هذا رأي ](2) أبيك، فأخذ يزيد بهذا الرأي، وكان عبيد الله والياً على البصرة فضمّ إليه الكوفة، وبعث إليه بعهده على الكوفة، مع مسلم بن عمرو الباهلي، وكتب إليه كتاباً: أمّا بعد، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجمع لشقّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 265.

(2) أضفنا ما بين المعقوفتين من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد 2 / 42؛ وذلك لأنّ عبارة الأصل لم تكن واضحة.(موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٩٤

عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه، أو تقتله، أو تفنيه، والسّلام(1) .

فأقبل مسلم بن عمرو الباهلي بالعهد والكتاب إلى عبيد الله بن زياد بالبصرة، فلمّا قرأ عبيد الله الكتاب، أمر بالجهاز والتهيؤ، والمسير إلى الكوفة من الغد(2) .

ولمّا كان الغداة، استخلف أخاه عثمان بن زياد على البصرة، بعد أن خطبهم بالوعد والوعيد. وأقبل إلى الكوفة مسرعاً لا يلوي على شيء حتّى دخلها ومعه بضعة عشر رجلاً، متنكّراً بزيّ أهل الحجاز، فظنّ الناس أنّه الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّهم ينتظرون قدومه.

فأخذ لا يمرّ على أحد من الناس إلاّ وسلّموا عليه، وقالوا: مرحباً بك يابن رسول الله، قدمت خير مقدم، وهو لا يكلّمهم، حتّى جاء القصر فسمع النعمان بن بشير فأغلق باب القصر عليه، ولمّا أنتهى إلى القصر أطلّ النعمان بن بشير من بين شرفتي القصر قائلاً: «اُنشدك الله إلاّ تنحيت عنّي، ما أنا بمسلّم لك أمانتي، وما لي في قتلك من إرب» ظانّاً أنّه الحسينعليه‌السلام .

فأزال عبيد الله

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 265.

(2) المصدر نفسه.

٩٥

اللثام عن وجهه وقال: «افتح لا فتحت، فقد طال ليلك، وشيّدت قصرك، وضيعت مصرك»(1) .

عندها عرف النعمان والناس أنّه عبيد الله بن زياد، ففتح النعمان باب القصر ودخل، ثمّ نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس، فخرج إليهم وصعد المنبر.

30 - الخطبة الأولى لابن زياد في الكوفة

«فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين أصلحه الله ولاّني مصركم وثغركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متّبع فيكم أمره، ومنفّذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر، وسوطي وسيفي على مَنْ ترك أمري وخالف عهدي، فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبي عنك لا الوعيد».

ثمّ نزل، فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً، وقال لهم: «اكتبوا إليّ الغرباء، ومَنْ فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومَنْ فيكم من الحرورية، وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 268.

٩٦

والشقاق، فمَنْ كتبهم لنا فبرئ، ومَنْ لم يكتب لنا أحد فيضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغ، فمَنْ لم يفعل برئت منه الذمة، وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا طلب على باب داره، واُلغيت تلك العرافة من العطاء، وسيّر إلى موضع بعمان الزارة»(1) .

اعتقال هاني بن عروة

ثمّ تطوّر الموقف عندما اعتقل عبيدُ الله هاني بن عروة، وطلب منه أن يسلّمه مسلم بن عقيل فأبى هاني، فضربه عبيد الله بالسياط على وجهه فسال الدم على لحيته، فتناول سيفاً بيد أحد أعوان عبيد الله فأراد أن ينتزعه فلم يستطع، فعندها أمر عبيد الله به أن يغلّ، ويحبس في غرفة، ويوضع عليها الحرس. وإذا بجمع مذحج على باب القصر؛ لأنّهم سمعوا أنّ عبيد الله يروم قتله فجاؤوا لاستنقاذه.

فأمر عبيد الله شريح القاضي بأن يخرج للناس ويعلمهم بأنّ

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 267.

٩٧

صاحبهم حيّ، فخرج شريح إليهم وقال لهم: إنّي قد رأيت صاحبكم حيّاً، وإنّ الذي بلغكم من قتله كان باطلاً. فقالوا: إذاً لم يُقتل فالحمد لله. ثمّ تفرّقوا(1) .

31 - الخطبة الثانية لابن زياد

ثمّ إنّ عبيد الله جمع بعض زعماء القبائل، وشرطته وحاشيته، فخرج بهم وصعد المنبر، فخطب خطبة موجزة: «أمّا بعد، أيّها الناس، فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمّتكم، ولا تخلفوا، ولا تفرقوا فتهلكوا، وتذلّوا وتقتلوا، وتجفوا وتحرموا، إنّ أخاك مَنْ صدقك، وقد أعذر من أنذر»(2) .

ثم إنّ الموقف قد تدهور، وخذل الناس مسلم بن عقيل؛ وذلك بعد أن اشترى عبيد الله ذمم وضمائر بعض الزعماء، فأخذوا يخذلون الناس عن مسلم ويمنونهم بالمال، ويخوّفونهم بجنود أهل الشام.

ثمّ أشرف على الناس بعض رؤساء القبائل، وتكلّم كثير بن شهاب وقال: «أيّها الناس الحقوا بأهاليكم، ولا تعجلوا

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 269.

(2) المصدر نفسه / 274.

٩٨

الشرّ، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل؛ فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن أتممتم على حربه، ولم تنصرفوا من عشيّتكم أن يحرم ذريّتكم من العطاء، ويفرّق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع، وأن يأخذ البريء بالسقيم، والشاهد بالغائب حتّى لا يبقى له فيكم بقيّة من أهل المعصية إلاّ أذاقها وبال ما جرت أيديها»(1) .

وتكلّم بقيّة الرؤساء بنحوه، فأخذ الناس يتفرّقون أفراداً وجماعات حتّى كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع؟ فخذل الناس مسلم، وبقي وحده يسير في الطريق فلا يرى أين يذهب حتّى دخل في دار امرأة يُقال لها: طوعة، فآوته إلى الصباح.

32 - الخطبة الثالثة لابن زياد

وكان عبيد الله قد علم بتفرّق الناس عن مسلم، فأمر عمرو بن نافع فنادى: ألا برئت الذمّة من رجل من الشرطة

____________________

(1) المصدر نفسه / 277.

٩٩

والعرفاء، أو المناكب، أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد. فما كانت إلاّ ساعة وامتلأ المسجد بالناس، ثمّ أمر عبيد الله الحرس أن يحرسونه من جانب، فدخل المسجد وصعد المنبر، وقال: «أمّا بعد، فإنّ ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره، ومَنْ جاء به فله ديّته. اتقوا الله عباد الله، وألزموا طاعتكم وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً»(1) .

33 - محاصرة مسلم بن عقيل

ثمّ نادى: يا حصين بن نمير - وكان صاحب شرطته - ثكلتك اُمّك! إن [ضاع] باب سكّة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به. وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة؛ فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غداً، واستبر الدور، وجس خلال الدور حتّى تأتيني بهذا الرجل.

ولمّا كان الغداة علم بمكان مسلم، فبعث إليه عبيد الله بسبعين فارس مع محمّد بن الأشعث، فأحاطوا بمسلم من

____________________

تاريخ الطبري 4 / 279.

١٠٠