دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار0%

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 186

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد علي الحسيني البقاعي
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 186
المشاهدات: 40824
تحميل: 8220

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40824 / تحميل: 8220
الحجم الحجم الحجم
دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والشمر يُركبها النياقَ تعديا

إنسان عيني يا حسين أخي يا

أملي وعقد جماني المنضودا

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد أيّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

نسألك اللّهمّ وندعوك باسمك العظيم الأعظم، الأعز الأجل الأكرم، يا محمود بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ علي، يا فاطر السماوات والأرض بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن، يا قديم الإحسان بحقّ الحسين (عليه السّلام)، عجّل فرج وليك الحجّة المنتظر المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه.

الإخوة الحاضرون تقبّل اللّهمّ عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحقّ محمّد وآل محمّد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذكر محمّد وآل محمّد، ارزقهم شفاعة محمّد وآل محمّد، اغفر لهم بحقّ محمّد وآل محمّد، واحشرهم مع محمّد وآل محمّد.

أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله).

١٠١

١٠٢

المجلس السادس

1 - القصيدة: كلّما تعذلان.

2 - الموضوع: الدنيا والآخرة مع حبيب بن مظاهر.

3 - ترجمة: كربلاء.

حبيب بن مظاهر.

4 - المصيبة: شهادة حبيب بن مظاهر وبقاء الحوراء وحيدة.

١٠٣

١٠٤

عظّم الله أجوركم يا بقيّة الله، يا صاحب العصر والزمان، بمصابكم بجدّكم أبي عبد الله الحسين وآل بيته وأصحابه.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي يا رسول الله، صلّى الله عليك وعلى آلك المظلومين، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساكبة، ويا عبرة كلّ مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتك لك الفدا، يا شهيد كربلا، ويا قتيل العدا، ومسلوب العامة والردا. ما خاب مَنْ تمسّك بكم وأمن مَنْ لجأ إليكم، يا ليتنا كنّا معكم سادتي فنفوز والله فوزاً عظيماً.

كلّما تعذلانِ زدتُ نحيبا

يا خليليَّ(1) إن ذكرتُ حبيبا

يا حبيبَ القلوبِ رزؤكَ (2) مهما

ذكرتهُ الراثون شقَّ القلوبا

يا وحيداً حاميتَ دونَ وحيد

حيث لا ناصراً يرى أو مُجيبا

بعت نفساً نفيسةً (3) فاشتراها

بارئ النفسِ منكَ والربح طوبا(4)

____________________

(1) يا صديقي.

(2) مصابك.

(3) غالية وعزيزة الوجود.

(4) شجرة في الجنة.

١٠٥

إن نصرتَ الحسينَ غير عجيبٍ

إن تخلّفتَ عنهُ كانَ عجيبا

يا وزيرَ الحسينِ حزتَ مقاماً

كُلّ آنٍ يزدادُ عرفاً وطيبا

كم عن السبطِ قد كشفتَ كروباً

بعدما قد لقيتَ يا حبيب حروبا

إنّ يوماً اُصبتَ فيهِ لَيوم

فيهِ طه والمرتضى قد اُصيبا

يا مصاباً أصابَ قلبَ حسينٍ

أيّ قلبٍ لذكره لن يذوبا(1)

وكأنّي بالحسين ينظر إلى أصحابه وهم مطروحون على أرض كربلاء، وقف بينهم وكأنّي به يقول:

تطلّبتم العليا فنلتم طلبكم

وأجزلكم ربّ العالمين ثوابكم

وإنّي وإن حاولت وجداً عتابكم

أحباي لو غير الحمام أصابكم

عتبت ولكن ما على الموت معتبُ

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

قال تعالى في كتابه العزيز:( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلمـُتَّقِينَ ) (2) .

سوف نتحدّث عن الدارين الأولى والآخرة مع المقارنة بينهما، وكيفية

____________________

(1) ديوان شعراء الحسين (عليه السّلام) / 118، مجمع المصائب 1 / 129.

(2) سورة القصص / 83.

١٠٦

الفوز بالآخرة كما حصل لحبيب بن مظاهر الأسدي وزير الحسين (عليه السّلام) في كربلاء(1) .

أوّلاً: الآية الكريمة يُستفاد منها أنّ الآخرة الّتي هي الجنّة لن تكون للمتكبّرين والمفسدين والظالمين أبداً، بل هي للمؤمنين الذين أنعم الله عليهم في النهاية إن شاء الله. ولكن نريد أن نُقارن بين دنيا الكافر والمنافق، ودنيا المؤمن العامل الصالح.

للإنسان واجبات في الدنيا

إنّ الدنيا هي دار يمكث بها الإنسان مدّة معينة، لكن لا يكون متروكاً بحيث لا توجد ضوابط وقوانين تحكمه، بل توجد قوانين وضوابط وهي الدين، فيكون الدين هو التكليف الواجب اتّباعه، من فعل الواجبات مثل الصلاة والصوم، والحج والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك المحرمات: القتل، الزنا، السرقة، الكذب.

فيكون الإنسان في هذه الدنيا عاملاً بلا حساب، أي مكلّفاً بالفعل الواجب وترك العمل المحرّم، ولكن بنفس الوقت هو ليس مُسيّراً للفعل أو الترك إنّما هو متروك مُخيّر من هذه الناحية، فالواجبات معروفة والمحرّمات أيضاً، ولا يستطيع فعل شيء وترك آخر.

____________________

(1) كربلاء العراق هو ذلك المكان الموعود من صعيد كربلاء الطيّب، الذي نزله الإمام الحسين (عليه السّلام) ليبقى فيه إلى الأبد، حيث وقعت أعظم مأساة اتسمت بقسوة القلوب وخيانة العهود والغدر، وسجّل التاريخ حادثة لها أعظم وأبلغ الأثر في النفوس، ألا وهي نهضة الحسين (عليه السّلام) وقيامه بالدفاع عن الحقّ والكرامة.

تقع الأرض الّتي نزلها الإمام الحسين (عليه السّلام) جنوب شرق مدينة كربلاء حالياً على بُعد 3 كم شرقاً، و 2 كم جنوباً. كربلاء في الذاكرة 9 / 154، معجم البلدان 4 / 424.

١٠٧

دنيا المؤمن

فالإنسان المؤمن مَن آمن بالله والرسول وما أنزل عليه، فلكي يكون عمله كاملاً في الدنيا فيجب الإطاعة والإيمان بكلّ ما اُنزل على الرسول، وإذا تخلّف عن ذلك عصى وأفسد في الأرض فسوف يستحق العقاب، هذا من ناحية، ومن ناحية اُخرى يجب على الإنسان أن يعمل في الدنيا؛ فإنّ الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة، وإنّ الدنيا عمل بلا حساب، والآخرة حساب بلا عمل، فينبغي للإنسان العاقل أن يتفكّر في هذه الدنيا وما فيها.

فعن علي بن إبراهيم قال: سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السّلام) عمّا يروي الناس:« إنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة » . قلتُ: كيف يتفكّر؟ قال:« يمرّ بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوكِ؟ أين بانوكِ؟ ما بالك لا تتكلّمين؟ » (1) .

على أنّها ممرّ ليست مقرّاً؛ فيعمل بها عمل إنسان راحل عنها، فيتّخذها ممرّاً لخير مستقر، فيخرج بروحه قبل بدنه كما جاء في خطبة أمير المؤمنين (عليه السّلام):« أيّها الناس، إنّ الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم؛ ففي الدنيا حييتم، وللآخرة خُلقتم » (2) .

ما جاء في كتاب الله عن وصف الدنيا

( اعْلمـُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ ) (3) ، فلا تلهكم أموالكم وأولادكم عن ذكر الله؛ فإنّ الإنسان

____________________

(1) الكافي 2 / 54، مشكاة الأنوار / 37، الزهد / 15، المحاسن 1 / 26.

(2) بحار الأنوار70 / 88، إرشاد القلوب 1 / 19، الأمالي - للصدوق / 219، عيون أخبار الرضا 1/ 298.

(3) سورة الحديد / 20.

١٠٨

نادراً ما يتمكن أن يجمع بين الدنيا والآخرة بالحلال وطاعة الله، فكما جاء في الحديث عن الإمام علي (عليه السّلام):« مثل الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا اقتربت من أحدهما بعدت عن الآخر » (1) .

فإنّ الإنسان لا يستطيع أن يقبل على الآخرة وهو مُتعلّق بالدنيا؛ لأنّهما لا يجتمعان، كما الليل والنهار، والإسلام والكفر، والإيمان والنفاق كما جاء عن النبي عيسى (عليه السّلام): « مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرّتان؛ إن أرضى إحداهما سخطت الاُخرى »(2) .

نعم، فإنّ الآخرة خير وأبقى كما قال تعالى للنبي (صلّى الله عليه وآله):( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولَى ) (3) .

مصير الإنسان قبل الحساب

مصير الإنسان حفرة صغيرة، إمّا أن تكون روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار، وكلّ ما قدّمه واكتسبه في الدنيا فسوف يُسأل عنه؛ سواء في الحلال أو في الحرام كما جاء عن الإمام علي (عليه السّلام) قال:« الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب » (4) . فيا أسفاه على كلّ كانز لغيره!

سؤال أهل القبور

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو يمرّ على مقبرة:« السلام عليكم يا أهل القبور،

____________________

(1) مجموعة ورام 2 / 24.

(2) روضة الواعظين 2 / 448.

(3) سورة الضحى / 4.

(4) الكافي 2 / 459، تحف العقول / 201، شرح نهج البلاغة 6 / 238، مشكاة الأنوار / 241.

١٠٩

أنتم لنا سلف ونحن لكم خلف، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون. أمّا المساكن فسُكنت، وأمّا الأزواج فنُكحت، وأمّا الأموال فقُسّمت، هذا خبر ما عندنا فليت شعري ما خبر ما عندكم؟ » . ثمّ قال:« أما إنّهم إن نطقوا لقالوا: وجدنا التقوى خير زاد » (1) . نعم، هذه الدنيا الّتي حبّها رأس كلّ خطيئة.

آخرة المؤمن

وأمّا الآخرة فهي دار مقرّ ولا يوجد فيها تكاليف، وإنّما هي دار جزاء تكون للذين آمنوا وعملوا الصالحات، للذين اخلصوا لله وعبدوه، للذين لم يستكبروا في الأرض ولم يُفسدوا، كمثال الفقيه الصالح حبيب بن مظاهر الأسدي(2) ، فقد كان من أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين والحسين (عليهما السّلام).

____________________

(1) بحار الأنوار 75 / 71 باب 16، شرح نهج البلاغة 18 / 322.

(2) حبيب بن مظاهر الأسدي، كُنيته أبو القاسم، من أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام)، استشهد في كربلاء في اليوم العاشر من المحرّم سنة 61 هـ، وكان عمره يوم استشهد (75 سنة)، دُفن في حرم الحسين (عليه السّلام) منفصلاً عن قبور الشهداء.

قيل: إنّه تشرّف بخدمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسمع منه أحاديث. روى عن أمير المؤمنين علي (عليه السّلام). كان يحفظ القرآن كلّه، وكان يختمه في كلّ ليلة من بعد صلاة العشاء حتّى طلوع الفجر. من خاصة أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) وحملة علومه ومن أصحابه.

كان من الذين كتبوا إلى الإمام (عليه السّلام) يدعونه إلى المجيء إليهم. جعله الإمام على الميسرة يوم الطفّ. هزّ مقتله الإمام (عليه السّلام).

قال الإمام السجّاد (عليه السّلام):« رحمك الله يا حبيب، فقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة » أعيان الشيعة 4 / 553 - 554، الإقبال / 51، الكامل في التاريخ 4 / 71، وقعة الطفّ / 230.

١١٠

الواجب الشرعي

فحبيب هذا الشيخ الكبير تخلّى عن كلّ حطام الدنيا الفانية، ورأى أنّ هناك واجباً بالإضافة إلى الصلاة والصوم، وهو الجهاد مع ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ فالجهاد ضدّ المفسدين الظالمين واجب، والدفاع عن حوزة الإسلام واجب، لكن مَنْ أحبُّ الدنيا وصارت أكبر همه لا يستطيع أن يتركها بسهولة، بينما حبيب عندما رأى أهل الكوفة يجمعون الخيل والأسلحة لقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) بكى وقال: والله لا تُصبغ هذه (وأشار إلى لحيته) إلاّ من دم منحري دون الحسين.

فدخل حبيب إلى بيته وجلس مع زوجته، وإذا بطارق يطرق الباب، فخرج حبيب وقال: مَنْ الطارق؟ قال: أنا رسول الحسين إليك. ففتح حبيب الباب وأخذ الكتاب، فإذا به:« أمّا بعد يا حبيب، فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله، وأنت أعرف بنا من غيرك، وأنت ذو شيمة وغيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يُجازيك جدّي رسول الله يوم القيامة » (1) .

فبكت زوجته وقالت: بالله يا حبيب، لا تقصّر عن نصر ابن فاطمة. فقال: أجل، حتّى اُقتل بين يديه وتُصبغ شيبتي من دم نحري. ثمّ قال حبيب لعبده: خذ الجواد وانتظرني في البستان في الليل. فأخذ العبد الجواد ومضى وبقي ينتظر، فلمـّا تأخّر حبيب قال العبد للجواد: يا جواد، إن لم يأت صاحبك لأعلونّك وأذهب لنصرة الإمام الحسين (عليه السّلام). فسمع حبيب خطاب الغلام، فقال: بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله!

____________________

(1) نَفَس المهموم - نهج الشهادة / 66، مصائب آل محمّد / 270، أسرار الشهادة / 39، معالي السبطين 1 / 369.

١١١

العبيد يتمنّون نصرتك، فكيف بالأحرار؟! فقال للغلام: اذهب أنت حرّ لوجه الله. فأبى الغلام الرحيل إلاّ مع حبيب.

وكان الإمام الحسين (عليه السّلام) قد عقد اثنتي عشرة راية، فوزّعها على أصحابه، فبقيت واحدة، فكان يأتي إليه بعض أصحابه ويقول: سيدي، مُنّ عليّ بحمل الراية. فيقول:« لا، سوف يأتي صاحبها » . حتّى علت غبرة من بعيد فقال:« أتى صاحبها » .

فنزل حبيب عن جواده وقبّل الأرض وقال: الحمد لله الذي جعلني أدركت الإمام الحسين. فسلّم على الإمام، فسمعت زينب فقالت: بُني علي الأكبر، مَنْ التحق بنا؟

فقال لها: عمّتي زينب، إنّ حبيباً قد وصل. فلمـّا سمعت باسم حبيب قالت: ولدي علي، بلّغ حبيباً عنّي السلام. فذهب إليه وقال: يا حبيب، إنّ عمّتي زينب تُقرئك السلام.

فجعل يلطم على وجهه ويقول: مَنْ أنا أكون حتّى تُسلّم عليّ زينب بنت أمير المؤمنين(2) . فاستأذن من الإمام الحسين ليسلّم على زينب فأذن له، فأقبل وقال: آه لوجهك يا زينب يوم تحملين على بعير ضالع، واليتامى من حولك والثكالى، ورؤوسنا على القنا!

قالت: نعم، بهذا أخبرني ابن اُمِّ. ثمّ أخذ حبيب الراية من يد الإمام الحسين (عليه السّلام):

(بحراني)

تناول حبيب العلم من كف الشفيه

أو هزّه ابيمنه وگال طابت المنيّه

____________________

(1) معالي السبطين 1 / 371، مصائب آل محمّد / 271.

١١٢

سمعتك تنادي بالحرب عندي الحرب عيد

انموت بمعزّه ولا نعيش بطاعة ايزيد

طاعتك يابن النبي فرضاً عليا

والله يا ابو السجاد لو خيروني

بسيف والخطي والنار احرگوني

وذروا عظامي بالهواء وتالي ينشروني

سبعين مرّة هالفعل يجري عليّ

والله يا ابو السجّاد ما فارق جمالك

روحي ومالي والأهل كلّهم فدا لك

كل شيعتك تفنى ولا تهتك عيالك

والتفت لاصحابه وقال وعبراته جاريه(1)

استأذن من الإمام وانطلق إلى الميدان يُقاتل، ثمّ عاد إلى الإمام باكياً، قال له الإمام:« لمَ تبكِ؟ لعلك تذكّرت الأهل والأوطان؟ » .

قال: لا سيدي، إنّي استبدلت عن أهلي أهلاً، وعن داري داراً.

-« إذاً لمَ تبكِ؟ » .

- أبكي لحال هذه الواقفة وما يجري عليها من بعدك. فالتفت الحسين (عليه السّلام) وراءه وإذا به يرى اُخته زينب (عليها السّلام).

ثمّ انطلق إلى الميدان وجعل يُقاتل قتال الأبطال، والإمام ينظر إليه، وإذا بحبيب: سيدي يا أبا عبد الله أدركني! فأقبل إليه الإمام ووضع رأسه في حجره وقال:« رحمك الله يا حبيب، فقد كنت فاضلاً تختم القرآن في

____________________

(1) الجمرات الودّية 1 / 41، المعتمد في العزاء / 257.

١١٣

ليلة واحدة، بلّغ رسول الله عنّي السلام، وقل له: إنّي في الأثر » (1) .

نعم سيدي أبا عبد الله، أنت رفعت رأس حبيب، وأنت مَنْ رفع رأسك؟ رفعته العقيلة زينب ووضعته في حجرها، وجعلت تُخاطبه: أخي حسين، نور عيني يا حسين، كلّمني بحقّ جدّنا رسول الله، بحقّ أمّنا فاطمة وأبينا علي.

ففتح الحسين عينه في وجهها وقال:« اُخيّه زينب، لقد كسرتي قلبي، وزدتيني كرباً فوق كربي؛ ارجعي إلى الخيام واحفظي العيال والأطفال » .

(دكسن)

اتگله أنا ابعيني لباريلك اعيالك

وبروحي لسكتلك أطفالك

والموت لو يرضه ابدالك

رحنا يبو اليمه فدا لك

فقامت الحوراء زينب (عليها السّلام) بجمع العيال والأطفال في مكان واحد، فلمـّا جمعتهم أخذ الأطفال ينظر بعضهم إلى بعض ودموعهم تتحادر على الخدود، وأخذوا يسألون الحوراء زينب، هذه تنادي: عمّه زينب، أين أبي؟ وذاك ينادي: أين عمّي؟ وآخر ينادي: عمّه، أين أخي؟ ماذا تجيبهم الحوراء زينب؟!

أتقول لهم: إنّهم صرعى على وجه الأرض، أم عندها جواب آخر؟ نعم، قامت إليهم، أخذت تضمّ الطفلة إلى صدرها لتهدئها عن البكاء والعويل، فإذا هدأت أخذت الاُخرى ضمّتها إلى صدرها، وكأنّي بها في تلك اللحظات، لحظات

____________________

(1) مقتل أبي مخنف / 108، معالي السبطين 1 / 374، نَفَس المهموم / 643.

١١٤

اللوعة والألم، تلتفت إلى أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) قائلة:

(نعي مجاريد)

خويه اتحيّرت والله ابيتاماك

ما ينحمل يحسين فرگاك

والمثل هذا الوكت ردناك

(عاشوري)

صاحت يبو اليمه ابدمع جاري آه آه

بناتك زيدن عگبك مراري

يخويه المن اسكت يو أباري آه آه

اوتدري اشچم طفل عگبك تيتم

ولكنّها لم تسمع من الحسين جواباً، وأنّى له بالجواب وقد فُرق بين رأسه وجسده؟ لهذا حوّلت بوجهها إلى الغري شاكية مصابها لأبيها أمير المؤمنين (عليه السّلام):

(نعي مجاريد)

بويه عليه الليل هوّد

وانا حُرمة أوغريبة اُومالي أحّد

بيمن يبويه الگلب يضمد

بالحسين هلعندي امدد

وابن والدي العباس ما رد

خلصوا هلي الله ولحد

١١٥

(فايزي)

امسه المسه والنار ما خلت لنا اخيام

صيوان ما ظل تلتجي ابفيه هاليتام

اگبل علينه الليل وزدادت الوحشه

اُوما شوف غير ايتام تتصارخ ابدهشه

أوشيخ العشيره احسين محّد شال نعشه

مطروح وابجنبه علي الأكبر اُوجسام

(أبو ذيّه)

يناعي حيل صيح ابصوت وليان

يحيدر يا امطوع الإنس والجان

ترى زينب بگت من غير وليان

تحشم وينكم يهل الحميه

(تخميس)

قم يا علي فما هذا القعود وما

عهدي تغضّ على الأقذاء أجفانا(1)

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. إنّا لله وإنّا إليه راجعون،

____________________

(1) مجمع المصائب 1 / 300.

١١٦

وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد أيّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

نسألك اللّهمّ وندعوك باسمك العظيم الأعظم، الأعز الأجل الأكرم، يا محمود بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ علي، يا فاطر السماوات والأرض بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن، يا قديم الإحسان بحقّ الحسين (عليه السّلام) عجّل فرج وليك الحجّة المنتظر المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه.

الإخوة الحاضرون تقبّل اللّهمّ عملهم بأحسن القبول، اقضِ حوائجهم بحقّ محمّد وآل محمّد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذكر محمّد وآل محمّد، ارزقهم شفاعة محمّد وآل محمّد، اغفر لهم بحقّ محمّد وآل محمّد، واحشرهم مع محمّد وآل محمّد.

أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله).

١١٧

١١٨

المجلس السابع

1 - القصيدة: عبست وجوه القوم.

2 - الموضوع: المؤمنون إخوة.

3 - [ الترجمة: ] العباس بن علي (عليه السّلام).

حكيم بن الطفيل.

زيد بن الرقاد.

4 - المصيبة: شهادة العباس بن علي (عليه السّلام).

١١٩

١٢٠