دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار0%

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 186

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد علي الحسيني البقاعي
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 186
المشاهدات: 40823
تحميل: 8220

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40823 / تحميل: 8220
الحجم الحجم الحجم
دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

دموع الأبرار على مصاب أبي الأحرار

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عظّم الله أجوركم يا بقيّة الله، يا صاحب العصر والزمان، بمصابكم بجدّكم أبي عبد الله الحسين وآل بيته وأصحابه.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي يا رسول الله، صلّى الله عليك وعلى آلك المظلومين، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساكبة، ويا عبرة كل مؤمن ومؤمنة، روحي وأرواح شيعتك لك الفدا، يا شهيد كربلا، ويا قتيل العدا، ومسلوب العمامة والردا. ما خاب مَنْ تمسّك بكم، وأمن مَنْ لجأ إليكم، يا ليتنا كنّا معكم سادتي فنفوز والله فوزاً عظيماً.

عبست وجوهُ القومِ خوفَ الموتِ والـ

عباسُ فيهم ضاحكٌ يتبسمُ

قلبَ اليمينَ على الشمالِ وغاصَ في الـ

أوساطِ يحصدُ في الرؤوسِ ويحطمُ

وثنى أبو الفضلِ الفوارسَ نكّصاً(1)

فرأوا أشدّ ثباتهم أن يُهزموا

____________________

(1) أي محجمين عمّا أقدموا عليه، وراجعين إلى الوراء رجوع القهقرى.

١٢١

ما كرّ ذو بأسٍ لهُ متقدّماً

إلاّ وفرّ ورأسه المتقدّمُ

بطلٌ تورّثَ من أبيهِ شجاعةً

فيها اُنوفُ بني الضلالةِ تُرغمُ (1)

أَوَ تشتكي العطشَ الفواطمُ عنده

وبصدرِ صعدتهِ الفراتُ المفعمُ

في كفّهِ اليسرى السقاءُ يقلّهُ

وبكفّهِ اليمنى الحسامُ (2) المخذّمُ

قسماً بصارمهِ(3) الصقيلِ وإنّني

في غيرِ صاعقةِ السما لا اُقسمُ

لولا القضا لمحى الوجودَ بسيفه

والله يقضي ما يشاءُ ويحكمُ

حسمت يديهِ المرهفاتُ (4) وإنّه

وحسامُهُ من حدّهنّ لأحسمُ

وهوى بجنبِ العلقمي فليتهُ

للشاربينَ بهِ يدافُ(5) العلقمُ

____________________

(1) أي تلصق بالتراب.

(2) أي السيف القاطع سريع القطع.

(3) أي السيف القاطع.

(4) أي السيوف الّتي رقت أطرافها، وهي السيوف الماضية القاطعة.

(5) أي يخلط العلقم ترابه مع مائه فلا يبقى ماء صافياً صالحاً للشرب. وهذا دعاء عليهم.

١٢٢

ومشى لمصرعهِ الحسينُ وطرفه

بينَ الخيامِ وبينهُ متقسّمُ

نادى وقد ملأ البوادي صيحةً

صمُّ (1) الصخور لهولها تتألمُ(2)

(بحراني)

طفح جواده أو وگف يمه ودمعه يهل

ينادي يبو فاضل علينا حاطت الخيل

يا هو اليباري هلحرم لو هوّد الليل

وأنا بعد ساعة على التربان لازم

لكن يخوي وين بَتّارك طرحته

گله يخويه انگطعت اكفوفي اوتركته

لو سلم كفي كان للبيرق نشرته

أو ردّيت للخيمة وجود الماي سالم

گله يخويه بو الفضل في وين الكفوف

گله يخوي اتوزّعت ما بين الطفوف

____________________

(1) الصخور الّتي لا تسمع.

(2) للسيد جعفر الحلّي - سفينة النجاة / 412، المعتمد في العزاء / 176، مثير الأحزان / 99، الدرّ النضيد / 288.

١٢٣

دمي على عيني جمد يحسين ما شوف

نشّف ادمومي يا بقية آل هاشم

اتخوصر على اعضيده‌يودعه‌أوصعّد أنفاس

يا جمرة الكون الذي ما قط تنداس

ظهري ترا هو انكسر من فقدك يا عباس

طاح العلم وتفللت منّي العزايم(1)

(أبو ذيّه)

الدهر عباس من بعدك لوانا

واتمنينا الفنا گبلك لوانا

الله واياك يا لشايل لوانا

بعدك مِن يشيل العلم ليّه

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

جاء في كتاب اُصول الكافي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) أنّه قال:« المؤمن أخو المؤمن؛ عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه، ولا يغشّه ولا يعده عدة فيخلفه » (2) .

الإسلام جاء وجعل بالتشريع اُخوّة بين المؤمنين غير أخوّة النسب الطبيعية الّتي تكون من خلال الأب والاُمّ؛ فالاُخوّة بين المؤمنين لها شروط وواجبات لا بدّ من مراعاتها

____________________

(1) مجمع المصائب 1 / 152.

(2) الكافي 2 / 166، وسائل الشيعة 12 / 205، بحار الأنوار 71 / 268.

١٢٤

كما حدّدها لنا أهل البيت (عليهم السّلام)، نذكر منها:

عدم هتك حرمة المؤمن

وهذا عند الله عظيم، والخبر ما رواه جابر قال: نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الكعبة فقال:« مرحباً بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والله إنّ المؤمن أعظم حرمة منك عند الله عزّ وجلّ؛ لأنّ الله حرّم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة؛ دمه وماله وأن يُظنّ به ظنّ السوء » (1) .

أي حرمة المؤمن أعظم من حرمة بيت الله الحرام الذي يحرم فيه القتال والفسوق وباقي المحرّمات، فيجب المحافظة على حرمة المؤمن.

عدم الأذيّة مطلقاً

من خيانة وتحقير وتتبّع عيوب وإخافة وغش المؤمن، كما جاء في رواية الإمام الصادق (عليه السّلام).

الأذيّة

عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السّلام) يقول:« جاء في الحديث القدسي: ليأذن بحرب منّي مَنْ آذى عبدي المؤمن » (2) ، فالذي يؤذي المؤمن فسوف يحاربه الله.

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 18 / 278، الخصال 1 / 27.

(2) الكافي 2 / 350، وسائل الشيعة 12 / 264، بحار الأنوار 72 / 152، ثواب الأعمال / 238.

١٢٥

التحقير

جاء عن الصادق (عليه السّلام):« مَنْ حقّر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين لم يزل الله عزّ وجلّ حاقراً ماقتاً له حتّى يرجع عن محقرته إيّاه » (1) .

تتبّع عيوب المؤمن

جاء في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السّلام) أنّه قال:« قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تتطلّبوا عثرات المؤمنين؛ فإنّ مَنْ تتبّع عثرات أخيه تتبّع الله عثراته، ومَنْ تتبّع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته » (2) .

إخافة المؤمن

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) أنّه قال:« قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مَنْ نظر إلى مؤمن نظرة ليُخيفه بها أخافه الله عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه » (3) .

غش المؤمن

عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) قال:« ليس منّا مَنْ غشنا » (4) .

____________________

(1) إرشاد القلوب 1 / 142، الكافي 2 / 311، بحار الأنوار 69 / 52، مشكاة الأنوار / 322.

(2) الكافي 2 / 355، وسائل الشيعة 12 / 275، مشكاة الأنوار.

(3) وسائل الشيعة 12 / 303، بحار الأنوار 72 / 151، إرشاد القلوب 1 / 142، مشكاة الأنوار / 100.

(4) التهذيب 7 / 12؛ الكافي 5 / 160، بحار الأنوار 72 / 363.

١٢٦

فهذه حقوق يجب مراعاتها كما جاء في رواية الإمام الصادق (عليه السّلام) أنّ:« المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه، ولا يغشّه ولا يعده عدة فيخلفه » (1) .

أمّا الواجبات الأخوية الّتي ينبغي للمؤمن مراعاتها كما جاء في روايات أهل البيت (عليهم السّلام)، فنذكر منها:

مُلاطفة المؤمن

التبسّم بوجهه ومزاحه كما جاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) أنّه قال:« مَنْ أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة كتب الله عزّ وجلّ له عشر حسنات، ومَنْ تبسّم في وجه أخيه كانت له حسنة » (2) .

ستر عورة المؤمن

فهذه لها فضل كبير، وأمّا الذين يحبّون كشف عورته فجزاؤهم كما قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (3) . وفي رواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال:« ومَنْ سمع فاحشة فأفشاها كان كمَنْ أتاها، ومنْ سمع خيراً فأفشاه كان كمَنْ عمله » (4) .

____________________

(1) الكافي 1 / 166.

(2) الكافي 2 / 205، وسائل الشيعة 12 / 120، مصادقة الإخوان / 53.

(3) سورة النور / 19.

(4) وسائل الشيعة 12 / 296.

١٢٧

تحب للمؤمن ما تحب لنفسك

فجاء في صحيح الأخبار:« حبّ لأخيك المؤمن كما تحبّ لنفسك، واكره له كما تكره لنفسك » (1) .

مصافحته

« مَنْ صافح محبّاً لعلي غفر الله له وأدخله الجنة بغير حساب » (2) .

زيارة المؤمن

جاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السّلام) قالا:« أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقّه، كتب الله له بكلّ خطوة حسنة، ومُحيت عنه سيئة، ورُفعت له درجة، وإذا طرق الباب فتُحت له أبواب السماء » (3) .

قضاء حوائج المؤمنين

ورد في الرواية عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) أنّه قال:« مَنْ مشى في حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات، ويرفع له عشر درجات، وحطّ عنه عشر سيئات، وأعطاه عشر شفاعات » (4) .

____________________

(1) منية المريد / 190، أعلام الدين / 417.

(2) إرشاد القلوب 2 / 257.

(3) الكافي 2 / 183، وسائل الشيعة 12 / 231، بحار الأنوار 73 / 34.

(4) بحار الأنوار 71 / 312 باب 20.

١٢٨

وفي رواية عن الكاظم (عليه السّلام) في حديث طويل:« إنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ مَنْ أسدى إلى أخيه معروفاً » (1) .

فمن أهم الحوائج الّتي ينبغي للإنسان أن يقضيها هي أن يقضي حوائج نسائه وعياله ومَنْ يتعلّق به، هذا في الحالة الطبيعية، فكيف إذا كان يراهم بتلك الحالة الّتي كان يتقطّع قلبه لها، ينظر إليهم تتلّوى قلوبهم وأكبادهم من العطش كما حصل مع أبي الفضل العباس(2) ، حيث كان منذ البداية يهتمّ بشؤون العيال والأطفال؛ من خروج الإمام من المدينة حتّى يوم العاشر، حيث كانت أصعب مهمّة يُكلّف بها العباس بعد أن استشهد كلّ الأصحاب، وكلّ أهل بيت الحسين، ولم يبق مع الحسين إلاّ أخوه أبو الفضل العباس.

فتقدّم العباس إلى أخيه الحسين مستأذناً للنزول إلى الميدان، إلاّ أنّ الحسين (عليه السّلام) بكى بكاءً شديداً، ثمّ قال (عليه السّلام):« يا أخي، أنت صاحب لوائي، وإذا قُتلت تفرّق عسكري » (3) .

____________________

(1) بحار الأنوار 71 / 313.

(2) العباس بن علي بن طالب (عليه السّلام)، ولد سنة 26 للهجرة، اُمّه فاطمة بنت حزام الكلابية. تزوّج العباس من لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وولد له منها ولدان: عبد الله والفضل، وبه يُكنى، فيُقال له: أبو الفضل.

عاش مع أبيه (عليه السّلام) (14) سنة، ومع أخيه الحسن (عليه السّلام) (24) سنة، ومع أخيه الحسين (عليه السّلام) (34) سنة، وذلك عمره.

كان لواء الحسين (عليه السّلام) معه يوم قُتل، ولقّب في كربلاء وبعد استشهاده بـ (السقّاء)؛ لأنّه خاطر بنفسه في سبيل تزويد معسكر الحسين بالماء، واستشهد في إحدى محاولاته هذه في يوم العاشر من المحرّم سنة 61 هـ بعد أن قُطعت يداه أثناء القتال.

قال الإمام السجّاد (عليه السّلام):« رحم الله عمّي العباس، فلقد آثر وأبلى، وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة » مقاتل الطالبيِّين / 89، منتهى الآمال 1 / 688، الخصال - للصدوق / 68.

(3) نَفَس المهموم / 336، بحار الأنوار / 45 / 41، مقتل العوالم / 94.

١٢٩

فقال العباس: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة، وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين.

فقال الحسين (عليه السّلام):« فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء » (1) .

فذهب العباس ووقف أمام الأعداء، وخطب فيهم وحذّرهم من غضب الجبّار، ثمّ طلب منهم قليلاً من الماء للنساء والأطفال، فكان الجواب على لسان الشمر اللعين: يابن أبي تراب، لو كان وجه الأرض كلّه ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناك منه قطرة إلاّ أن تدخلوا في بيعة يزيد(2) .

فعاد العباس إلى الحسين حزيناً وسمع صراخ الأطفال(3) ، ومن بينهم سكينة بنت الحسين، وهم ينادون: العطش، العطش!

يگله يا خوي يا زهرة زماني

يا خوي نحلّت سكنه عظامي

تخليني أريد الحك عمامي

أريد الثار گلبي دومه يفور

فأخذ العباس القربة بيده وحمل السيف بيمينه، وانطلق بجواده قاصداً المشرعة، كشف الأعداء الذين كانوا يحيطون بشاطئ الفرات، وصل إلى الماء مطمئناً، مدّ يده إلى الماء، اغترف غرفة لكنّه تذكّر عطش أخيه الحسين والنساء، هنا وقف العباس يُخاطب نفسه ويقول:

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت أن تكوني

هذا حسينٌ واردُ المنونِ

وتشربين باردَ المعينِ

تالله ما هذا فعال ديني

ولا فعال صادق اليقين(4)

____________________

(1) مقتل الحسين (عليه السّلام) - للمقرّم / 328، مصائب آل محمّد / 317.

(2) موسوعة النبي والعترة 6 / 300.

(3) تظلّم الزهراء / 118.

(4) رياض المصائب / 313.

١٣٠

فرمى الماء من يده ولم يذق منه قطرة، وقال: « والله لا أذوق الماء وسيدي الحسين عطشان »(1) . ثم ملأ القربة وعاد متوجهاً إلى مخيّم الحسين (عليه السّلام)، فقُطع عليه الطريق، فجعل يُقاتلهم ويقول:

إني أنا العباس أغدو بالسقا

ولا أخاف الموت يوم الملتقى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا

فلمـّا عجز الأعداء عن التغلّب على العباس (عليه السّلام) وجهاً لوجه راحوا يكمنون له وراء النخيل، فلمـّا مرّ العباس بنخلة كمن له وراءها لعين من الأعداء هو زيد بن الرقّاد(2) فضربه بالسيف على يمينه فقطعها، فخاطب العباس (عليه السّلام) اُولئك القوم قائلاً:

واللهِ إن قطعتموا يميني

إنّي أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقِ اليقينِ

نجلِ النبي الطاهرِ الأمين

وأخذ السيف بيساره، ووضع القربة على سرج فرسه ممسكاً طرفها بأسنانه، لكنّ لعيناً آخر وهو حكيم بن الطفيل(3) ضربه من وراء نخلة على

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 41، مقتل أبي مخنف / 90، منتخب التواريخ / 258.

(2) زيد بن الرقاد الحيتي، خرج مع جيش عمر بن سعد لقتال الإمام الحسين (عليه السّلام)، وكمن للعباس (عليه السّلام) من وراء نخلة، فضربه فقطع يده.

وقال ابن الأثير: إنّ المختار بعث إلى زيد بن الرقاد، فلمـّا أتاه أصحاب المختار خرج إليهم بالسيف، فقال لهم ابن كامل: لا تطعنوه ولا تضربوه بالسيف، ولكن ارموه بالنبل والحجارة. ففعلوا ذلك به، فسقط فأحرقوه حيّاً.

ورد لعنه في الزيارة:« لعن الله قاتله زيد بن رقاد » ورد الاختلاف في اسم أبيه؛ فقد جاء في الإرشاد - للشيخ المفيد: زيد بن ورقاء. الإقبال / 49، الكامل في التاريخ 2 / 243، الإرشاد 2 / 110، تاريخ الطبري 3 / 335.

(3) حكيم بن الطفيل الطائي السنبسي، خرج مع جيش عمر بن سعد لقتال الإمام الحسين (عليه السّلام) فقام بقطع يسار أبي الفضل العباس (عليه السّلام)، وقام بسلبه بعد استشهاده، وقام برمي الإمام (عليه السّلام) بسهم، وكان أحد العشرة الذين انتدبهم ابن سعد لرض الإمام (عليه السّلام).

بعث المختار بعبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطفيل، فأتاه ابن كامل فأخذه ثمّ أقبل به، فلمـّا انتهوا به إلى دار العنزيين وهو مكتوف، نصبوه غرضاً، ثمّ قالوا له: سلبت ابن علي (عليه السّلام) ثيابه! والله لنسلبنّ ثيابك وأنت حي تنظر.

فنزعوا ثيابه، ثمّ قالوا له: رميت حسيناً (عليه السّلام) واتّخذته غرضاً لنبلك! وأيم الله لنرمينّك كما رميته بنبال ما تعلّق بها أجزاك. فرموه رشقاً واحداً، فصار كأنّه قنفذ؛ لِما فيه من كثرة النبل.

ورد لعنه في الزيارة:« لعن الله قاتله... وحكيم بن الطفيل الطائي » الإقبال / 49، اللهوف / 58 - 59، مقتل الحسين - لأبي مخنف / 377 - 378.

١٣١

يساره فقطعها من الزند، الله أكبر، فخطب العباس (عليه السّلام) قائلاً:

يا نفس لا تخشي من الكفارِ

وابشري برحمةِ الجبّارِ

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربِّ حرّ النارِ

أصبح كلّ اهتمام العباس (عليه السّلام) أن يوصل القربة إلى المخيّم، صاح عمر بن سعد في جيشه: ويلكم! ارشقوا القربة بالنبال؛ فوالله إن وصل من هذا الماء شيء للحسين لأفناكم عن آخركم.

فتكاثر الأعداء على العباس (عليه السّلام)، وسقطت عليه السهام كالمطر، فأصابته في صدره(1) ، وسهم أصاب أحد عينيه فأطفأها، وتجمّد الدم على عينه الاُخرى فلم يبصر بها، وأصاب القربة سهم فاُريق ماؤها، عندها وقف العباس (عليه السّلام) حائراً، فليس لديه يدان يُقاتل بهما، ولا عينان يبصر بهما، ولا ماء يوصله إلى الأطفال والنساء.

وبينما هو كذلك إذ ضربه خبيث من الأعداء بعمود من الحديد على رأسه ففلق هامته المباركة(2) ، (استعدوا للخبر المفجع يا شيعة أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام)، انظروا بعين القلب)، وسقط على الأرض،

____________________

(1) رياض المصائب / 315.

(2) مناقب ابن شهر آشوب 2 / 221، منتهى الآمال 1 / 688، أعيان الشيعة 1 / 608، معالي السبطين 1 / 446.

١٣٢

ولكن بماذا يتلقّى الأرض مَنْ ليس له يدان، والسهم نابت بالعين، ورأسه مفلوق نصفين؟!

صاح: يا أخي أدركني! ويروى أنّ أبا الفضل العباس لأوّل مرّة يقول: يا أخي؛ فقد كان طوال حياته يناديه: يا سيّدي، يا أبا عبد الله، لكن في هذه اللحظة نادى: يا أخي أبا عبد الله.

لمـّا سمعه الحسين (عليه السّلام) أقبل نحوه مسرعاً فوجده بهذه الحالة، حينها وضع الإمام يده على ظهره وقال (عليه السّلام):« الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي » (1) ، يا أخي يا عباس.

وكأنّي بلسان حاله يقول:

(عاشوري)

يخوي انكسر ظهري ولا اگدر أگوم آه آه

صرت مركز يخويه لكل الهموم

يخوي استوحدوني بعدك الگوم آه آه

ولا واحد علينا بعد ينغر

(بحراني)

ظهري انكسر يا خوي وانت اللي كسرته

ماني أخوك اشلون اخوك اليوم عفته

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 42، فرسان الهيجاء 1 / 203، معالي السبطين 1 / 446، مصائب آل محمّد / 322.

١٣٣

انته التجيب الماي وانته الكافل انته

اتخلي العقيلة بلا ولي بين آل اُميّه

جلس (عليه السّلام) عند أخيه أبي الفضل ووضع رأسه في حجره، ومسح الدم والتراب عنه، لكن العباس (عليه السّلام) أعاد رأسه إلى التراب، فأعاده الحسين (عليه السّلام) إلى حجره ثانياً، فردّه العباس إلى الأرض وهكذا في الثالثة، عند ذلك قال له الحسين (عليه السّلام):« أخي أبا الفضل، ما لي كلّما أخذتُ برأسك رددته إلى التراب يابن والدي؟! » .

فقال العباس (عليه السّلام): أخي أبا عبد الله، أنت الآن تأخذ برأسي فبعد ساعة مَنْ يرفع رأسك عن التراب، ومَنْ يمسح التراب عن وجهك؟(1) .

أراد الحسين (عليه السّلام) أن يحمل أبا الفضل (عليه السّلام) إلاّ أنّ العباس (عليه السّلام) طلب منه أن يتركه في مكانه، فقال (عليه السّلام):« لماذا؟ » .

قال العباس (عليه السّلام): إنّي مستحي من سكينة وقد وعدتها بالماء ولم آتها به(2) .

(نعي)

يخوي احسين خليني ابمچاني

يگله ليش يا زهرة زماني

يخويه واعدت سكنه تراني

بماي واستحي منها من اسدر

عظّم الله أجوركم، وفاضت روح أبي الفضل العباس (عليه السّلام) بين يدي أخيه الحسين (عليه السّلام)، فقام من مصرعه حزيناً باكياً، منحني الظهر، يُكفكف دموعه بكمه وهو ينادي:« أما من مغيث يغيثنا! أما من مجير يجيرنا! أما من طالب حقّ

____________________

(1) مصائب آل محمّد / 325.

(2) تذكرة الشهداء / 272.

١٣٤

ينصرنا! » .

كانت سكينة واقفة في باب الخيمة تنتظر رجوع عمّها بالماء.

(دكسن)

يگلها ليش تبچي يا سكينه

تگله عمّي العباس وينه

شرب ماي ونسانا وما نسينه

العطش وگلوبنا تلهب من الحر

وخرت دمعة حسين وتنحّب

وگللها ونار الگلب تلهب

بشط العلگمي عمچ مترّب

قضا وفرّت تصيح الله واكبر

عندما تقدّم الحسين (عليه السّلام) إلى عمود خيمة أبي الفضل واقتلعه رأته العقيلة زينب، فبكت وصاحت: أخي حسين، هل اُصيب أخي أبي الفضل بمكروه؟!

أبو الفضل كفيل زينب كان صاحب غيرة على زينب، فقال لها الحسين:« عظّم الله لك الأجر بأخيك العباس يا زينب » . فصاحت: وا أخاه! وا عباساه! وا قلّة ناصراه! وا ضيعتنا بعدك(1) يا أبا الفضل! أخي أبا الفضل مَنْ يردّنا الآن إلى المدينة؟

يا عبّاس منتا اللي جبتني

وبيدك يخويه ركبتني

طول الدرب ما فارگتني

چيفن رحت عنّي وعفتني

اگعد يخوي وشوف متني

ترى سياط زجر الورّمتني

____________________

(1) الكبريت الأحمر / 162.

١٣٥

(تخميس)

ماذا أقولُ لو التقيتُ بشامتٍ

إنّي سُبيتُ وإخوتي بإزاءِ

لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد أيّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

نسألك اللّهمّ وندعوك باسمك العظيم الأعظم، الأعزّ الأجل الأكرم، يا محمود بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ علي، يا فاطر السماوات والأرض بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن، يا قديم لإحسان بحقّ الحسين (عليه السّلام) عجّل فرج وليك الحجّة المنتظر المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنجز له ما وعدته، واجعلنا من جنده وأنصاره والمستشهدين بين يديه.

الإخوة الحاضرون تقبّل اللّهمّ عملهم بأحسن القبول، اقض حوائجهم بحقّ محمّد وآل محمّد، اجعل قلوبهم وديارهم عامرة بذكر محمّد وآل محمّد، ارزقهم شفاعة محمّد وآل محمّد، اغفر لهم بحقّ محمّد وآل محمّد، واحشرهم مع محمّد وآل محمّد.

أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

الفاتحة لاستجابة الدعاء قبلها الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله).

١٣٦

المجلس الثامن

 - القصيدة: حجر على عيني

 - الموضوع: الدعاء والتوسّل بالأئمّة عليهم السّلام.

 - ترجمة: علي الأكبر

 ليلى

مرّة بن منقذ

 - المصيبة: شهادة علي الأكبر

١٣٧

١٣٨

عظّم الله أجوركم يا بقيّة الله، يا صاحب العصر والزمان، بمصابكم بجدّكم أبي عبد الله الحسين وآل بيته وأصحابه.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي يا رسول الله، صلّى الله عليك وعلى آلك المظلومين، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

صلّى الله عليك يا سيدي ومولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا صريع الدمعة الساكبة، ويا عبرة كلّ مؤمن ومؤمنة. روحي وأرواح شيعتك لك الفدا، يا شهيد كربلا، ويا قتيل العدا، ومسلوب العمامة والردا. ما خاب مَنْ تمسّك بكم وأمن مَنْ لجأ إليكم، يا ليتنا كنّا معكم سادتي فنفوز والله فوزاً عظيماً.

حجرٌ(1) على عيني يمرّ بها الكرى

من بعدِ نازلةٍ بعترةِ أحمدِ

شتى مصائبُهمْ فبينَ مكابدٍ(2)

سمّاً ومنحورٍ وبينَ مصفّدِ (3)

____________________

(1) أي منع على عينيه أن يأتي إليها النوم أو النعاس.

(2) المكابد للسمّ: المعاني من مشقّته.

(3) المصفّد: هو المشدود والذي أوثق بالأغلال.

١٣٩

(بحر طويل)

من هاشم شبل معلوم

لاح ابظهر خياله

طب الخطّة الحومه

اوگلب احسين يبراله

لمن حصّل (الرخصة)

اولاح ابظهر الكحيله

____________________

(1) استجذّت: قطعت واستؤصلت.

(2) ترقرقت عبراته: جرت جرياً سهلاً.

(3) ذؤابة هاشم: المراد بها أشراف هاشم، فهو من هاشم كالظفائر من الشعر القريبة من أعلى الرأس.

(4) ريحانة ريانة: المملوءة بطيب الرائحة.

(5) الأصيد: تُقال للملك الذي لا يلتفت يميناً ولا شمالاً.

(6) مثير الأحزان / 129، سفينة النجاة - للعاملي / 483، المعتمد في العزاء / 302.

١٤٠