كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)0%

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 330

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الشيرازي
الناشر: دار العلوم
تصنيف: الصفحات: 330
المشاهدات: 203305
تحميل: 6134

توضيحات:

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203305 / تحميل: 6134
الحجم الحجم الحجم
كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار العلوم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كلمةالإمامالحسينعليه‌السلام

١

٢

كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام

السيد حسن الشيرازي (قدّس سرّه)

دار العلوم

بيروت - لبنان

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

٤

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد كلّه لله، والشكر له دائماً وأبداً، والصلاة والسلام على سيّد البشر، ورسول الإنسانية محمّد وعلى آله الأطهار الأبرار، واللعنة على أعدائهم الأشرار، من عهد آدمعليه‌السلام وإلى اليوم الذي تُكشف فيه الأسرار.

وبعد، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى إخوة الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى كلّ مَنْ سار مسيرة الحسين، وانتهج نهجه، صادقاً في فعله، موقناً بربّه، ولا يشرك بربّه أحداً.

واللعنة الدائمة على كلّ مَنْ شارك، أو شايع، أو بايع، أو رضي بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدين.

٥

(1)

الكلمة

كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام كشخصيتهعليه‌السلام متميّزة وفريدة، وشخصية الإمام الحسين هي امتداد لشخصية أبيه وجدّهعليهم‌السلام .

وكلماته امتداد لتلك الكلمات النورانية التي كانت تخرج من بين ثنايا الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأمير عليعليه‌السلام أمير المؤمنين، وسلطان البلاغة والفصاحة والبيان.

وعندما ينطق الإمام الحسينعليه‌السلام تخال أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ينثر دُرراً وحكماً، وتحسب أنّ الأميرعليه‌السلام يبهر ببلاغته وفصاحته كلّما تقع الكلمات على سمعك.

ولا غرو في ذلك؛ فالإمام الحسينعليه‌السلام هو من تلك الشجرة المباركة الطيّبة، وشعاع من تلك الأنوار اللامعة في دنيا الإنسانية، فصار بكلّ ما فيه شخصاً وقوّةً، ونهجاً وقيمة إنسانية عظمى، وفضيلة من فضائل الدين الإسلامي الحنيف الذي يباهى به الدنيا، ولا أحد يستطيع أن يعترض.

فالكلمة ترجمان الضمير، ورسالة العقل، وخفقة القلب، وحركة اللسان. والإمام الحسينعليه‌السلام هو ضمير هذه الاُمّة الخالد، ووجدانها الحي، ويقظتها وثورتها التي لا تهادن الطغاة والجبّارين، بل وترفض حياة الذلّ والهوان، وتعمل بنهجه من أجل حياة كلّها كرامة وعزّة وإباء.

فأصبح الإمام الحسينعليه‌السلام كلمة من الكلمات المهمّة التي ترسّخت في أذهان هذه الاُمّة؛ ولذلك صارت كلماته شعارات لها في كلّ المجالات سلماً وحرباً، ثقافة وعبادة.

وفي هذا العصر العصيب على هذه الاُمّة المرحومة، لو عملت بكلمة واحدة من كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام لما تسلّط عليها أحد من هؤلاء الأعداء؛ سواء

٦

في الداخل من حكّام ظالمين وتابعين لدوائر الاستكبار العالمي، أو في الخارج من أنواع المستعمرين وأشكالهم المعروفة وغير المعروفة، وهمّهم جميعاً سلخنا عن هويتنا الإسلاميّة، وإذاقتنا شتى أنواع الذلّ والهوان.

وشعار الإمام الحسينعليه‌السلام يقول: «هيهات منّا الذلّة؛ يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون». فلو عملت الاُمّة بهذه الكلمة فقط لصار كلّ مَنْ ذكرنا في خبر كان.

والإمام الحسينعليه‌السلام هو منبثق من النور الأول انبثاق النور من النور، وعقله هو العقل الكامل في بني البشر؛ لأنّه الإمام المعصوم المسدّد من الله تعالى في جميع أفعاله وأقواله وتقريراته دون شك؛ فالعقل هو نور إلهي بذاته، وهو يكشف للإنسان مجاهل الطريق، ويرشده إلى الصحيح من السقيم، والحقّ من الباطل.

ألم يكن الإمام الحسينعليه‌السلام بشخصه وثورته واستشهاده كالعقل الذي أوضح الحقّ من الباطل، والظلمة من النور، والهدى من العمى لكلّ مَنْ يريد الحقّ لوجه الحقّ تعالى من هذه الاُمّة؟

فكان الإمام الحسينعليه‌السلام العقل الهادي من الضلال، وكلماته النورانية بقيت رسالة خالدة للأجيال المتعاقبة؛ لتثير العقول وتفتحها إلى النور، ولا تتركها غارقة في بحر الظلمات والديجور، وهذه بحدّ ذاتها رسالة السماء إلى الأرض.

والإمام الحسينعليه‌السلام هو القلب الكبير الذي استوعب هموم ومآسي الاُمّة الإسلاميّة من أقصاها إلى أقصاها، وحاول إصلاح أحوالها، وعندما استصعب عليه فداها، وفدى رسالتها الإسلاميّة بكلّ ما يملك من أبناء وأخوة، وأهل وأقرباء، وأحباب وأصحاب، وبالتالي قدّم نفسه الشريفة إلى سيوفها القاطعة ورماحها النافذة، ولكن ليبقى جرح الإمام الحسينعليه‌السلام في كلّ القلوب المؤمنة نافذ ونازف، أي ليتحوّل الإمام الحسينعليه‌السلام إلى قلب نابض بالحياة، يضخ الدم النقي الصافي في عروق الإسلام الحنيف، وشرايين الاُمّة التي قطعت شرايينه (روحي وأرواح العالمين له الفداء).

٧

وما صرخاته المدوّية، أو نداءاته الثورية، أو استغاثته الحزينة إلاّ لإيقاظ القلوب وتجلوها من الرين الذي يتراكم عليها عبر الأيام والآثام.

فكلمات الإمام الحسينعليه‌السلام ونداءاته: «أما من مغيث يغيثنا؟» و «أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟» و «أما من ناصر؟ أما من معين؟»، وغيرها هي كشرارة كهربائية تجبر القلوب على الخفقان، والعيون على الجريان بدموع حارّة وسخيّة على ذاك المصاب الإدّ الذي اُصيب به الإمام أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام على تراب الطفّ.

فـ (كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام ) هي ضرورة حضارية لهذه الاُمّة، وخاصّة في هذه الظروف المختلفة التي جعلت من الاُمّة أذلّ أمم الأرض قاطبة - والعياذ بالله - رغم كثرتها، واتّساع رقعتها، وغناها في ثرواتها، إلاّ إنّها غثاء كغثاء السيل، لا أحد يحسب لها حساباً، ولا يرعى لها إلاً ولا ذمّة.

نعم، نقرأ في التقارير والكتب المترجمة عن حساباتهم الحذر إذا فاقت، أو استيقظت هذه الاُمّة، ويعملون كلّ ما بوسعهم للحيلولة دون ذلك؛ لأنّها جبّارة بكلّ ما تعني هذه الكلمة، ومرعبة لهم في يقظتها.

وسرّ يقظتها وشفاء سقمها هو في كتابها المنزل، ودستورها الخالد، القرآن الكريم، وبشقيه (الصامت والناطق)، ولا يمكن للأمّة أن تستيقظ من سكرتها، أو تشفى من نعاسها إلاّ بعودتها إلى حظيرة القدس الإلهية.

هذه هي كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام باختصار شديد، وهي وبهذا الشكل مجموعة في هذا الكتاب القيّم الذي يشكّل جزءاً من الموسوعة الشيرازية (الكلمة) لسماحة السيّد الشهيد حسن الشيرازيرحمه‌الله ، شهيد الكلمة والمبدأ.

وبكلمة نقول: إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام هو كلمة ربّانية، وكلماته إصلاحية ومسؤولة ونورانية.

٨

(2)

جامع الكلمة

جامع هذه الكلمة (كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام ) وبقية الكلمات، هو سماحة السيّد الشهيد حسن الشيرازيرحمه‌الله . ذاك الشهيد السعيد الذي قضى نحبه على تراب لبنان فداءاً لأهل البيتعليهم‌السلام والقرآن، وهو بالحقيقة والواقع كان من تلك السلسلة الحمراء المباركة من الدماء الزكية، التي مازالت تحافظ على رسالات السماء إلى الأرض من الخالق إلى الخلق.

واعتباراً من الشهيد الأول للحقّ (ابن آدم) الذي قتله أخوه الغوي، وإلى حمزة، جعفر، وفاطمة، وعلي، والحسنعليهم‌السلام ، إلى أن يصل الركب إلى كربلاء، فكان العطاء أكثر، والدماء أغزر، والبلاء أشدّ وأعظم وأوسع؛ حيث قضى سيّد الشهداء، وسيّد شباب أهل الجنّة، الإمام الحسينعليه‌السلام على تراب كربلاء شهيداً وشاهداً.

ومنذ ذلك العصر - 61 هـ - وإلى اليوم تمثّل كربلاء (ثورة الحقّ)، و (نداء الضمير، وتطلّع الإنسانية إلى النور، وشوكة في العيون، وشجى في الحلوق)، ولكلّ من هؤلاء أهله.

فهي بالنسبة للمؤمنين والمصلحين (ثورة الحقّ) بما تمثّله من قيم ومبادئ إسلامية رائعة، وبما يمثّله الإمام الحسينعليه‌السلام من إمام وقدوة ولهذه الاُمّة.

وهي (نداء الضمير الإنساني) بما تحمله للإنسان من مبادئ وقيم عالية، والتي جعلت المصلحين والقادة في العالم أجمع يقفون بخشوع وخضوع أمام عظمة مبادئ وأخلاق الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فأصبح جامعة ومعهداً عالمياً للدراسات

٩

الأخلاقية، والقيم الثورية، والمبادئ النضالية، وقبلة الأحرار في الدنيا.

ومن هذا المنطلق أصبحت كربلاء (شوكة في العيون) الخبيثة أو الشوهاء التي تتطلّع إلى الاُمّة على أنّها بقرة حلوب لا تريد منها إلاّ لبنها، وربّما لحومها ولحوم أبنائها لتقتات عليه. فكربلاء كانت دائماً الشوكة التي تؤرّق تلك العيون ولا تجعلها تنام هانئة.

وكذلك هي (شجى في الحلوق) للطغاة والجبابرة الذين أرادوا أن يأكلوا أموال وحقوق الاُمّة، فكانت تمنعهم من ذلك برجالاتها وثوراتها المتلاحقة، فكم هوجمت، وكم اُحرقت، وكم قُطعت وتُهدمت حتّى أنّ حاكماً من حكّام بني العباس حرثها وزرعها، ودار عليها الماء من الفرات، فحار الماء حول قبر الإمام الحسينعليه‌السلام ولم تضرّ به، ومن ذلكم الوقت سُمّي بـ (الحائر الحسيني). فأرادوا كيداً فجعلناهم المكيدون، وخسر هنالك المبطلون.

ومن تلك الرحاب الثائرة الطاهرة، والجنّات المقدّسة، من كربلاء الإمام الحسينعليه‌السلام خرج الشهيد السعيد السيّد حسن الشيرازي (قدّس سرّه)، وفيها درج ونما، وفي مدارسها وحوزاتها تعلّم وتهذّب، فبان نبوغه وعبقريته منذ نعومة أظفاره وطفولته، إلاّ إنّ ولادة السيّد حسن كانت في جنبات جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام في النجف الأشرف، وهاجر مع أسرته العملاقة في مطلع حياته إلى كربلاء المقدّسة حيث العناء والتعب.

فكبر السيّد الشهيد في كربلاء في الجسم والعلم، وكبر معه الأمل والحلم، فراح يحارب الظلم والظالمين بالكلمة والموقف؛ شعراً، ونثراً، وخطاباً.

فحارب الاستعمار بكلّ أنواعه وأشكاله، وحارب الحكّام الظالمين، والفساد في البلاد الإسلاميّة عامّة، وفي العراق خاصّة؛ فسجنه حكّام العراق، وأجروا عليه عشرات الأنواع من العذاب، بحيث

١٠

إنّ والدته لم تعرفه حين ذهبت لكي تراه في السجن، ووقعت مغشياً عليها حين قال لها: أنا ولدك حسن.

ورغم ذلك لم يستطيعوا شراء قلمه وضميره، وحتّى ضمان سكوته على ظلمهم ومخازيهم، فتركهم وهاجر هجرة الرساليين إلى أرض لبنان المقاوم، وراح ينشط ويعمل في كلّ اتّجاه؛ لأجل إعلاء كلمة الله، ورفع راية أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ مكان حلّ فيه، فكان نموذجاً للمؤمن الحقّ، وللشيعي الذي تفتخر به وبأمثاله الطائفة.

وحديث الشهيد عن الشهيد أمر رائع؛ لأنّ الكلمات تكون صادقة وخارجة من القلب المتلهّف إلى الشهادة، وتحسّ بالشوق المفعم الذي ينطوي عليه المتحدّث عن الشهادة ومعناها، أو الشهيد ومغزاه، وأعظم الشهداء هم شهداء الحقّ والفضيلة الإلهية.

وليت سماحة السيّد الشهيد حسن الشيرازيرحمه‌الله قدم لنا بكلمته هذه (كلمة الإمام الحسينعليه‌السلام )؛ لأنّها ولا شك ستكون آية في الجمال والكمال، وهو كان يعمل لذلك، إلاّ إنّهم أبوا له ذلك، فعليهم ما على الظالمين من الإثم والعذاب، وله ما للشهداء من الرحمة والرضوان، والخلود والجنان.

١١

(3)

صاحب الكلمة

فرع أصيل من فروع الشجرة المحمديّة المباركة، الثابتة الأصل، والضاربة الجذور حتّى عمق الزمن الرسالي إلى أن تصل إلى أبي الأنبياء، وبطل التوحيد خليل الرحمن إبراهيمعليه‌السلام ، هذا في تفسير أهل البيتعليهم‌السلام للشجرة المباركة في القرآن الكريم (وفي أبياتهم نزل الكتاب )، وأهل البيت أدرى بالذي فيه.

والإمام الحسينعليه‌السلام نور وضّاء مشعّ من الأنوار الإلهية التي وصفها الباري تعالى في سورة النور، وضربهم مثلاً لنوره الأبدي والأزل، من شعاعه النوراني تتابع الأئمّة الكرام فكانوا (نوراً على نور)، أي إماماً بعد إمام؛ لتقوم الأرض بوجوده الشريف، وتستمر الحياة الدنيا ببركات أهل البيتعليهم‌السلام ، فـ «لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها»(1) كما في الحديث.

والإمام الحسينعليه‌السلام هو الصنو العزيز والأخ الحبيب للإمام الحسن الزكيعليه‌السلام ، فهما من أصل واحد، وتربيا برعاية كريمة لجدّهما الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحت عينيه الشريفتين، حيث كان يرعاهما ويراقبهما بكلّ اهتمام وإعظام، ويلاعبهما بكلّ عطف وحنان، وكأنّه يقرأ في أعينهما المستقبل المشرق للرسالة، والمفجع للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيضحك لحظة ويبكي لحظات، وفي بعض الأحيان تلاحظ أمّهما الزهراءعليها‌السلام ذلك من أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتسأله: «لماذا تبكي يا أبي؟».

____________________

(1) راجع بحار الأنوار 23 / 5، ب1، ح10، وص24، ب1، ح30، و51 / 112، ب2، ح8.

١٢

فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لما سيحلّ بأبنائك يا بُنيّتي من قتل وظلم وتشريد».

وتسألهعليها‌السلام متعجّبة: «ممّن يكون ذلك وأنت جدّهما؟».

فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله تفجعاً: «تقتلهم هذه الاُمّة، وتشرّدهم وتلاحقهم تحت كلّ شجر ومدر».

فتبكيعليها‌السلام وتقول ناحبة: «فإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل في الشدّة والرخاء، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب سينقلبون».

فالإمام الحسينعليه‌السلام هو خامس أصحاب الكساء، وأوّل داخل إلى حضن جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث الكساء المشهور، وهو خامس خمسة أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بآية سورة الأحزاب:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

وهناك آيات كثيرة وردت في شأن الإمام الحسين وأهل البيتعليهم‌السلام يمكن معرفتها بالرجوع إلى التفاسير؛ فهوعليه‌السلام نفر كريم من الجماعة التي اختارهم الله ورسول الإنسانيةصلى‌الله‌عليه‌وآله من أجل مباهلة نصارى نجران، وهو مازال طفلاً صغيراً، وعندما رأى كبير النصارى - وكان واعياً على ما يبدو - ونظر في وجوه هؤلاء الكرام ارتعدت فرائصه، وسأل مَنْ حوله من الأعراب، هل هم خاصّته وحامّته؟

فقيل له: نعم، هذه ابنته وبعلها وابناهما.

فقال لمَنْ حوله من النصارى: لا تباهلوهم؛ فإنّي أرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، وإن باهلتموهم سيفنى دين المسيح عن وجه الأرض.

وهذه لفتات فقط، إلاّ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام بحر لا ينضب من الفضائل.

____________________

(1) سورة الأحزاب / 33.

١٣

الولادة المباركة

هناك في عمق الزمن السحيق، وفي أعالي بحره المتلاطم الأمواج والأيام، حيث كانت تتعانق السماء مع الأرض، وتتطلّع الملائكة إلى صفحات الوجود وكأنّها تترقّب بزوغ نجم جديد ينير الكون، ويزيده بهجة وجمالاً.

هناك في مدينة الرسالة الإسلاميّة الفتيّة، وحيث كانت تلك المدينة شعلة من نور تحاول إضاءة حالك الليل الذي يعمّ جزيرة العرب والعالم أجمع، وبدت كأنّها خليّة نحل نشطة لا تكلّ ولا تملّ، تدأب في جني الرحيق، وتنقله بأمانة لصنع العسل (وفي العسل شفاء للناس)، وفي الرسالة حياة لبني البشر، وشفاء لهم كلّهم.

وكان النجم اللامع والنور الساطع الذي ينشر نوره على الربوع، ويغزر فيضه كالينبوع، فلا تكاد تسمع في المدينة المنوّرة حديثاً إلاّ بما قاله الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أو ما فعله، أو أمر بفعله، أو نهى عنه، حتّى اليهود والنصارى والأعراب لا حديث لهم إلاّ الرسالة الجديدة والرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يقود ويوجّه، ويعلّم ويهدي، ويصنع ويبني مجتمع المدينة المنوّرة؛ لتكون نواة الدولة الإسلاميّة المرتقبة، وعاصمة الرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الأولى، فتطلع إليها العيون، وتهفو لها القلوب والأرواح الطاهرة.

وفي السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة المباركة بينما كان القائد العظيم في محفل من أصحابه والأعراب، يتلو ويفسّر ويوضّح بعض آيات القرآن الكريم، وفي الثالث من شهره، شهر شعبان الذي كان يدأب في صيامه وقيامه، وحيث كان صائماً؛ لأنّ لشهر شعبان خصوصية عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبينما هو كذلك يأتي إليه بشير يبشّره بمولود جديد له من ابنته الوحيدة والغالية، زهراء الدنيا والآخرةعليها‌السلام .

١٤

فنظرصلى‌الله‌عليه‌وآله في العمق الزماني والمكاني، وكأن عينيه الوضاءتين تقرءان حوادث التاريخ، وتنظران إلى عمق المستقبل، أو إنّه كان ينصت إلى الروح الأمين جبرائيلعليه‌السلام وهو يبلّغه حوادث عظيمة ستقع على هذا المولود الاستثنائي.

واغرورقت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدمع، وارتسمت على شفاهه ابتسامة مشوبة بحزن عميق، عميق جدّاً، فذهل الجميع من هذا الذي رأوه من قائدهم، فمنهم مَنْ استبشر، ومنهم مَنْ فهم شطراً من المسألة فاغتم.

وربّما تفكّر الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت الولادة؛ لأنّ الزهراءعليها‌السلام في الشهر السادس من الحمل فقط. نعم، وهكذا ولد يحيى الهديّة الكريمة لنبي الله زكريّاعليه‌السلام ، وبروايات أن هكذا ولد عيسى المسيحعليه‌السلام بستة أشهر، إلاّ إنّ الأرجح كان حملة تسع ساعات فقط.

فهل يمكن الله يعيش وليداً ابن ستة أشهر فقط؟ نعم، بأمر الله وقدرته.

هكذا ولد الإمام الحسينعليه‌السلام لستة أشهر فقط، وبعد حوالي السنة من ولادة صنوه الأكبر الإمام الحسن السبطعليه‌السلام .

وذهب الجدّ العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى داره الفضلى ن والذي كان يسكنها الأمير علي وسيّدة نساء العالمين فاطمةعليهما‌السلام فرأى الجمع المبارك بما فيهم الأمير ينتظره، ويتطلّع إلى مقدمه الشريف.

وما إن وصل حتّى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اعطوني ولدي». فأعطوه ذاك الوليد المبارك، فتناوله (باسم الله)، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وأعاذه من الشيطان الرجيم، والتفت إلى الأميرعليه‌السلام قائلاً: «ما أسميته يا أبا الحسن؟».

فقال الأميرعليه‌السلام : «ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، فسمّه».

١٥

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما كنت لأسبق ربّي بذلك».

وإذا بالروح الأمين جبرائيلعليه‌السلام قد هبط بجمع من الملائكة مهنّئين مباركين للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الكرام بهذا المولود المبارك، وقال مخاطباً الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : السلام يُقرئك السلام ويقول لك: سمِّ هذا المولود باسم ولد هارون الثاني.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وما اسم ولد أخي هارون يا جبرائيل؟».

فقالعليه‌السلام : شبير.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ لساني عربي مبين يا جبرائيل».

فقالعليه‌السلام : سمّه إذاً الحسين.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم، إنّ هذا ولدي اسمه الحسين، رضيت بما رضي لي ربّي».

وتباشر القوم بالحسينعليه‌السلام وتباركوا، وراح الملائكة يصعدون وينزلون إلى ذاك البيت الطاهر، وإذا بالملاك (فطرس) الذي غضب عليه الرحمن في قصّة مفصّلة، فكسر جناحه ورمى به في مكان ما من ملكه العظيم، وعندما رأى فطرس أفواج الملائكة بهذه الكثافة والحركة الدائبة صعوداً ونزولاً سأل جبرائيلعليه‌السلام قائلاً: ما بالكم يا جبرائيل، هل حدث حدث بأهل الأرض، أم قامت القيامة؟

فقال له: يا فطرس، بل ولد مولود إلى النبي الخاتم محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ننزل لكي نبارك له ولده.

فقال: فطرس، خذني معك؛ لعل الله سبحانه ببركة هذا المولود أن يغفر لي، وبشفاعة جدّه ينقذني من هذا الذي أنا فيه.

فأخذه معه إلى الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وحكى له قصّته، وسبب

١٦

كسر جناحه، فأشار إليه لكي يتمسّح بمهد الإمام الحسينعليه‌السلام ، ففعل فطرس ما أشار به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فشفي ببركة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعاد إليه جناحه فطار فرحاً مسروراً مع ملائكة الرحمن، وكان يفتخر ويقول: مَنْ مثلي وأنا عتيق الحسينعليه‌السلام .

وكانت هذه أوّل فضيلة للإمام الحسينعليه‌السلام ، وشارك فيها عيسى المسيحعليه‌السلام حيث إنّه كان يشفي المرضى بمجرد التمسّح بمهده المبارك أو يده الشريفة، وهكذا كان الإمام الحسينعليه‌السلام إلاّ إنّه شفى وشفع لملاك مهيض الجناح، وليس لبشري مريض الجسد.

فاجتمع للإمام الحسينعليه‌السلام من الفضل والفضائل ما لم يجتمع لأحد من العالمين أبداً.

فأبوه: أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

واُمّه: سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

وأخوه: الإمام الحسن السبط الزكيعليه‌السلام .

وجدّه لأمّه: الرسول المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولأبيه: عبد مناف أبو طالب شيخ الأباطحعليه‌السلام .

وجدّته لأمّه: أمّ المؤمنين الأولى السيدة العظيمة خديجة بنت خويلدعليها‌السلام .

ولأبيه: السيّدة العظيمة فاطمة بنت أسدعليها‌السلام .

أمّا ولده فعلي الأكبر الشهيد الأول من الهاشميين، وعلي الأصغرعليه‌السلام ، والإمام زين العابدين وسيّد الساجدين، الأصل الذي تتّصل فيه الإمامة الإلهية، وتنتقل في عقبه الوصية للرسالة الخاتمة حتّى الإمام الحجّة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف).

فمَنْ كالحسينعليه‌السلام ؟

١٧

فالإمام الحسن وجبرائيل ناغياه، والرسول المصطفى وفاطمة الزهراء غذّياه، وأمير المؤمنين علّمه وربّاه، وربّ العالمين طهّره وزكّاه.

الإمام والعصر والخلفاء

عاش الإمام الحسينعليه‌السلام سبعاً وخمسين سنة، قضاها في طاعة الله وعبادته (لم يعص لله طرفة عين)؛ لأنّه الإمام المعصوم، والمفترض الطاعة بعد أخيه الإمام الحسن الزكيعليه‌السلام ، وطاعة جدّه العظيم المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيه المرتضى الإمام عليعليه‌السلام .

وعاصر الإمام الحسينعليه‌السلام مختلف أنواع الحكّام في الدولة الإسلاميّة وخلفائها، من أعظم وأعدل خلق الله وأطيبهم، إلى أظلم وأخبث الناس أبداً.

وما بين ذلك عاصر مختلف التيّارات التي عصفت في الدولة الإسلاميّة، وتقاذفتها يميناً وشمالاً. من (فلتة) إلى (تعيين) ومن (شورى محددة) إلى فتن متلاحقة حتّى انتهت إلى ملك عضوض، وراح يعضّ وينهش في جسد الاُمّة، وأجساد الأفراد فيها على أيدي أمويّة خبيثة ليس لها من الدين شيء، لا اسم ولا رسم حتّى.

فعاش الإمام الحسينعليه‌السلام ستة سنوات في ظلال وارفة لجدّه المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خير خلق الله، وأعدل البشر قاطبة، وهو القائد الأعلى، والحاكم العام للدولة الإسلاميّة التي كانت عاصمتها المدينة المنوّرة ن وهي في أوج عهدها، وأعظم تألّق لنجمها، وأكبر انتشار لنورها؛ وذلك بسبب الوجود المبارك للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والإمام الحسينعليه‌السلام في تلك الفترة الحساسة من عمره الشريف (السنوات الأولى) أحاطته الرعاية من كلّ جانب، حتّى بان فضله وتألّق نجمه في سماء المدينة المنوّرة.

فرعاية الله تحفظه، وملائكة من أعظم ملائكة الرحمن ترعاه، كيفما توجهعليه‌السلام وأينما تحرّك.

١٨

وتعزّزها رعاية ومحبّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى إنّه في اللحظات الأولى لولادته المباركة ألقمه لسانه الشريف يمتص منه لبناً سائغاً، وعسلاً مصفّى يغتذي به، فنبت لحم الإمام الحسينعليه‌السلام ونما جسده واشتدّ عظمه من الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا من معاني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً»( 1 ) . وفلسفة هذا الحديث عميقة، ومعانيه واسعة، وليس هنا مجال البحث المعمّق فيه.

فأوّل حاكم عاصره الإمام الحسينعليه‌السلام لدولة الإسلام الحنيف، هو الحاكم الأوّل والأعدل في دنيا الإنسانية كلّها جدّه المعظم الذي كان مؤسس وموجّه وقائد تلك الدولة الفتيّة في ربوع المدينة المنوّرة.

وعاش في بدايات عمره الشريف ألم فراق الأمّ الحنونة، والجدّ العطوف، وذلك خلال أشهر قليلة، وما أعظمها من مصيبة على قلب ذاك الفتى النوراني الذي فتح عينيه في صباح ذاك اليوم ليرى المدينة كلّها تضجّ وتعجّ، والناس بين باك وصارخ ومعول، ويدخل إلى جدّه الذي اعتاد على الاصطباح بوجهه الشريف وقبلاته الحارة يراه مسجّى ولا حراك فيه، واُمّه وأبوه والهاشميون بأشدّ البكاء والنحيب على فراق الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ليعيش بعدها بليلة واحدة ويوم واحد في دولة جديدة وحاكم جديد، وذلك بعد الانقلاب الذي أحدثوه على أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وما يزال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على فراشه لم يدفن بعد.

وحُمل مع أخيه الزكيعليهما‌السلام من قبل أبيه وأمّهعليهما‌السلام ، وداروا على المهاجرين والأنصار في محاولة لإحقاق الحقّ، وتصحيح العمل الذي اقترفوه بإبعاد أهل البيت الكرامعليهم‌السلام عن قيادة الاُمّة الإسلاميّة، وتولّى غيرهم

____________________

(1) بحار الأنوار 43 / 270، ب12، ح35.

١٩

الاُمور وهم أحقّ أهل الأرض بذلك المقام الذي خصّصه الله ورسوله لهم، وليس لأحد غيرهم أبداً.

ويرى الهجوم الكاسح الذي قادوه على دارهم، ويسمع التهديدات بإحراق المنزل وهم فيه، ومحاججة اُمّه الطيّبة للقوم، ويشاهد بأمّ عينيه عملية الاقتحام الغبية والعنيفة للمنزل، والتي أدّت بحياة أمّه الزهراءعليها‌السلام ، وجنينها الذي أسماه جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بـ (المحسن)، وكيف اُخذ أبوه المرتضى حامي الحمى مُكرهاً إلى المسجد الجامع؛ لكي يبايع.

ولذلك نرى الإمام الحسينعليه‌السلام ، وفي تلك السنّ المبكّرة، وعندما رأى الحاكم على منبر جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ركض إليه، وحاول إنزاله عنه على مرأى ومسمع كلّ مَنْ حضر المسجد، قائلاً: «انزل، هذا مكان جدّي وأبيعليهما‌السلام ».

وهكذا فقد الإمام الحسينعليه‌السلام اُمّه في ريعان شبابها، وقمّة عطائها، وهو أحوج ما يكون لها، وما في الوجود مَنْ يعوّض عن الزهراءعليها‌السلام في كلّ شيء على الإطلاق، إلاّ إنّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ناب عن الزهراءعليها‌السلام ، وعن أبي الزهراءصلى‌الله‌عليه‌وآله في تربية الحسنينعليهما‌السلام تربية إلهية خالصة.

وبعد انقضاء حكومة أبي بكر وعمر وعثمان جاء المسلمون إلى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام يبايعونه بالخلافة بعد أن كان جليس الدار طيلة (25) سنة، فلمّا حكم الإمام عليعليه‌السلام بالعدل، وعلى أساس كتاب الله وسنة رسوله الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، راح البعض يتطلّب القطائع والبلاد للحكم والأموال، وعندما رفض الإمام طلباتهم أعلنوا عليه الحرب؛ فنكث طلحة والزبير، وحاربهم في معركة الجمل الشهيرة، وقسط معاوية وأعلن خروجه ومناجزته لإمامه، وحاربه في صفين، وانتهت

٢٠