المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره0%

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره مؤلف:
المحقق: فارس حسون
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 126

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
المحقق: فارس حسون
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الصفحات: 126
المشاهدات: 16939
تحميل: 5807

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 126 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16939 / تحميل: 5807
الحجم الحجم الحجم
المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

تأليف

السيد عبد الحسين شرف الدين الموسويقدس‌سره

تحقيق

فارس الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

١

بسم الله الرحمن الرحيم

مُقدّمة المركز:

إنّ الحسينَعليه‌السلام ليس حُكراً على الشيعة فحسب، وإنّ مأتمهعليه‌السلام ليس من مختصّات الشيعة، كما قد يظنّ البعض ذلك، بل الحسينعليه‌السلام حسين جميع المسلمين، والأحرى أنْ يكون حسينُ جميع الإنسانيّة.

وإنّ مأتم الحسينعليه‌السلام ومأساته جرح ما زال لم يندمل، ومصاب لا زال المسلمون يأنّون من ألمه حتّى يأخذ الله تعالى بثأرهعليه‌السلام .

مِنَ الحسين عليه‌السلام ومأتمه استلهم الشيعة درس التضحية لأجل العقيدة والدفاع عنه.

مِنَ الحسين عليه‌السلام ومأتمه استلهم المسلمون درس التضحية في سبيل البحث عن العقيدة الحقّة ; لأنّ المأتم الحسيني يجعل النّفوس ملتهبة بالعواطف النقيّة، فتكون النّفوس عندئذٍ أقرب ما تكون لاستماع الحقيقة والتجرّد عن التعصّب.

٢

مِن الحسين عليه‌السلام ومأتمه استلهم جميع بني آدم درس الإنسانيّة والرجوع إلى الفطرة.

بالحسين عليه‌السلام ومأتمه يمكن تبديد غيوم العصبيّة وغبار الجهل والأفلات من الوقوع في براثن الفتن وتيّارات الضلال.

وبالحسين عليه‌السلام ومأتمه يمتلك الإنسان القدرة على اجتياز الطريق الشائك لمعرفة الحقّ، وتحطيم عقبة:( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) ؛ لأنّ الحسينَعليه‌السلام حسينُ الله، ومأتمَهُ مأتمُ أمر الله عزّ وجل بإحيائه.

لأنّ الحسينَعليه‌السلام حسينُ الحقِّ، ومأتمَهُ درسٌ للوصول إلى الحقِّ.

لأنّ الحسينَعليه‌السلام حسينُ المُصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومأتمَهُ مأتمُهُ.

لأنّ الحسينَعليه‌السلام حسينُ عليٍّ وفاطمة وأهلِ البيتعليهم‌السلام ، ومأتمَهُ مأتمُهُمْ.

لأنّ الحسينَعليه‌السلام حسينُ الأنبياءِ والمُرسَلينعليهم‌السلام ، ومأتمَهُ مأتمُهُمْ.

____________________

(١) سورة الزخرف / ٢٣.

٣

لأنّ الحسينَعليه‌السلام حُسينُنا جميعاً، ومأتمَهُ مأتمُنا.

وقسماً بالله الذي لا إله إلاّ هو، إنّ البشريّة لو عرفت الحسينعليه‌السلام على حقيقته لأسلمت عن بكرة أبيها، إلاّ مَن كان قد تخلّى منهم عن إنسانيّته.

وكذلك لو عرف المسلمون الحسينعليه‌السلام على حقيقته، لاهتدوا بهديه واتّبعوا نهجه وركبوا سفينة النّجاة وما تركوا أهل البيتعليهم‌السلام طرفة عين، إلاّ مَن كان منهم وفي قلبه مرض، وعليه؛ فإنّ مسؤوليّة أتباع الحسينعليه‌السلام تتضاعف في إيصال حقيقة الحسينعليه‌السلام وأهمّيّة إقامة مأتمه إلى الجميع؛ ليؤدّي كلّ منهم هذه المهمّة على قدر وسعِه.

وهذا الكتاب الماثل بين يدَي القارئ العزيز، وإنْ كان صغيراً في حجمه، إلاّ أنّه عظيم في محتواه، قد جمع بين دفّتيه على اختصاره زبدة ما يتعلّق بمشروعيّة المأتم وأسراره، وهو بقلم علَم الأعلام وسيّد السّادات - الذي اهتدى أكثر من اهتدى إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام بسبب كتابه

٤

( المراجعات ) - آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدِّين الموسوي (رضوان الله عليه).

وهذا الكتاب في الواقع هو مُقدّمة كتابه ( المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة )، الذي أحرقته الأيدي الأثيمة، وما بقي منه سوى المُقدّمة التي قمنا بتحقيقها والتعليق عليها، وإخراجها بهذا الكتاب الذي سمّيناه( المأتم الحسيني مشروعيّتُهُ وأسرارُه ) ؛ ليكون الكتاب الثاني من ( سلسلة الكتب الإهدائيّة ) المخصّصة لروّاد المركز من المشتركين والمساهمين في المسابقات الهادفة؛ وذلك لإيجاد ثقافة علميّة عقائديّة لمجتمعاتنا المؤمنة، التي نأمل منها كلّ الخير في نشر مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ودرء الشبهات عنه.

مركز الأبحاث العقائديّة

فارس الحسّون

٥

تمهيد:

الحمد لله على جميل بلائه وجليل عزائه، والصلاة والسّلام على اُسوة أنبيائه، وعلى الأئمّة المظلومين من أوصيائه، ورحمة الله وبركاته.

أمّا بعد، فهذا كتاب ( المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة )(١) وضعته تقرّباً إليهم في الدُّنيا، وتوسّلاً بهم في الآخرة،

____________________

(١) ألّفه في أربع مجلّدات ضخمة، تضمّنت سيرة النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترتهعليهم‌السلام ، وحياتهم وبعض خطبهم.

وقال عنه المؤلّفقدس‌سره : كتاباً اجتماعيّاً سياسيّاً عمرانيّاً، مِن أحسن ما كُتب في الإمامة والسّياسة.

وكانقدس‌سره قد كتب له مُقدّمة حول مشروعيّة أصل المأتم وأسراره، طُبعت قبل طبع الكتاب، وهذه المُقدّمة هي كتابنا الحاضر الذي سمّيناه ( المأتم الحسيني مشروعيّته وأسراره ).

وأمّا أصل الكتاب، فقد أعدّه المؤلّف للنشر، ولكنّ شعلة الحرب العالميّة الاُولى حالت المؤلّف عن طبعه حتّى أصبح هذا الكتاب ومؤلّفاته الاُخرى - ما يقرب من ثلاثين مُجلّداً مخطوطاً كلّها بقلمه الشريف - طعمة حريق سلطة الاحتلال الفرنسي؛ حيث سلّطت النّار على داره في ( شحور )، وبعده احتلّت داره الكبرى في ( صور ) واُبيحت للأيادي الأثيمة سلباً ونهباً.

٦

سائلاً من الله سبحانه أنْ يكون خالصاً لوجهه الكريم، إنّه الرؤوف الرحيم.

٧

المُقدّمة:

الأصل العملي يقتضي إباحة:

١ - البكاء على مطلق الموتى.

٢ - رثائهم بالقريض.

٣ - تلاوة مناقبهم ومصائبهم.

٤ - الجلوس حزناً عليهم.

٥ - الإنفاق عنهم في وجوه البرّ.

ولا دليل على خلاف هذا الأصل، بل السّيرة القطعيّة والأدلّة اللفظيّة حاكمان بمقتضاه، بل يُستفاد من بعضها استحباب هذه الاُمور إذا كان الميّت من أهل المزايا الفاضلة والآثار النافعة، وفقاً لقواعد المدنيّة وعملاً باُُصول العمران ; لأنّ تمييز المُصلحين يكون سبباً في تنشيط أمثالهم، وأداء حقوقهم يكون داعياً إلى كثرة الناسجين

٨

على منوالهم، وتلاوة أخبارهم ترشد العاملين إلى اقتفاء آثارهم.

وهنا مطالب:

٩

المطلب الأوّل: في البكاء

ولنا على ما اخترناه فيه - مضافاً إلى السّيرة القطعيّة - فِعل النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله وتقريره:

أمّا الأوّل ، فإنّه متواتر عنه في موارد عديدة منها: يوم اُحد، إذ علم النّاس كافّة بكاءه يومئذٍ على عمّه أسد الله وأسد رسوله، حتّى قال ابن عبد البرّ في ترجمة حمزة من استيعابه: لمّا رأى النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة قتيلاً بكى، فلمّا رأى ما مُثّل به شهق.

وذكر الواقدي، كما في أوائل الجزء الخامس عشر من شرح نهج البلاغة(١) للعلاّمة المعتزلي: أنّ النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) في أواخر صفحة ٣٨٧ من المُجلّد الثالث - طبعة مصر ( المؤلّف ).

١٠

كان يومئذٍ إذا بكت صفيّة يبكي، وإذا نشجت ينشج(١) . قال: وجعلت فاطمة تبكي لمّا بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

ومنها: يوم نعى زيداً وذا الجناحين وابن رواحة، فيما أخرجه البخاري في الصفحة الثالثة من أبواب الجنائز من صحيحه، وذكر ابن عبد البرّ في ترجمة زيد من استيعابه: أنّ النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على جعفر وزيد، وقال:« أخَواي ومُؤنساي ومُحَدّثاي » (٣) .

ومنها: يوم مات ولده إبراهيم، إذ بكى عليه، فقال له عبد الرحمن بن عوف، كما في صفحة ١٤٨ من الجزء

____________________

(١) قد اشتمل هذا الحديث على فعل النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقريره، فهو حجّة من جهتين، على أنّ بكاء سيّدة النّساءعليها‌السلام كافٍ كما لا يخفى. ( المؤلّف ).

(٢) وراجع أيضاً في بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمّه حمزة وتحريض النّساء على البكاء: مسند أحمد ٢ / ٤٠، الفصول المهمّة / ٩٢، شفاء الغرام ٢/٣٤٧، ذخائر العقبى / ١٨٠، السّيرة الحلبيّة ٢ / ٢٤٧، الروض الاُنف ٦ / ٢٤.

(٣) وراجع أيضاً: ذخائر العقبى / ٢١٨، أنساب الأشراف / ٤٣، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٦، تذكرة الخواصّ / ١٧٢، المعجم الكبير ٢ / ١٠٥.

١١

الأوّل من صحيح البخاري: وأنت يا رسول الله! قال:« يابنَ عَوف، إنّها رَحمَة » (١) . ثمّ أتبعها - يعني عبرته - باُخرى، فقال:« إنّ العَينَ تدمعُ، والقلبَ يَحزنُ، ولا نَقولُ (٢) إلاّ ما يُرضي ربنَّا، وإنّا بفراقِكَ يا إبراهيمُ لمَحزونون » (٣) .

ومنها: يوم ماتت إحدى بناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ جلس على قبرها، كما في صفحة ١٤٦ من الجزء الأوّل من صحيح البخاري، وعيناه تدمعان(٤) .

ومنها: يوم مات صبي لإحدى بناته، إذ فاضت عيناه يومئذٍ، كما في الصحيحين(٥) وغيرهما، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟!

____________________

(١) لا يخفى ما في تسميتها ( رحمة ) من الدلالة على حُسن البكاء في مثل المقام. ( المؤلّف ).

(٢) أراد بهذا: أنّ الملامة والإثم في المقام إنّما يكونان بالقول الذي يسخط الربّ عزّ وجل، كالاعتراض عليه والسّخط لقضائه، لا بمجرّد دمع العين وحزن القلب. ( المؤلف ).

(٣) وراجع أيضاً: ذخائر العقبى / ١٥٥، سيرة ابن إسحاق / ٢٧٠، العقد الفريد ٣/١٩٠.

(٤) وراجع أيضاً: ذخائر العقبى / ١٦٦، المُحلّى ٥ / ١٤٥.

(٥) راجع: صحيح البخاري ١ / ١٤٦، وصحيح مسلم - باب البكاء على الميّت. ( المؤلّف ).

١٢

قال:« هذه رَحمَةٌ جَعلَها اللهُ فِي قلوبِ عبادِه، وإنَّما يرحَم اللهُ مِن عِبادِه الرُّحَماء » (٢) .

ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحَين عن ابن عمر، قال: اشتكى سعد، فعاده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع جماعة من أصحابه، فوجده في غشية، فبكى. قال: فلمّا رأى القوم بكاءه بكوا. الحديث(٣) .

والأخبار في ذلك لا تُحصى ولا تُستقصى(٤) .

____________________

(١) دلالة قوله:« وإنّما يرحمُ اللهُ مِن عبادِه الرُّحماء » على استحباب البكاء في غاية الوضوح كما لا يخفى. ( المؤلّف ).

(٢) فراجعه في صحيح البخاري - باب البكاء عند المريض، وفي صحيح مسلم - باب البكاء على الميّت، ولا يخفى اشتماله على كلٍّ مِن فعل النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقريره، فهو حجّة من جهتين. ( المؤلّف ).

(٣) كبكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عترته من بعده، المُصنّف ٨ / ٦٩٧، الفصول المهمّة / ١٥٥.

وبكائه على عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام لِما سيلقاه من بعده، مناقب الخوارزمي / ٢٤، ٢٦، تذكرة الخواصّ / ٤٥.

وبكائه على الحسينعليه‌السلام لمّا أخبره جبرئيل بما سيجري عليه، كما سيأتي عن قريب.

وبكائه على شهداء فخ لمّا أخبره جبرئيل بالواقعة، مقاتل الطالبيِّين / ٤٣٦.

وبكائه على جدّه عبد المطّلب، تذكرة الخواصّ / ٧.

وبكائه على أبي طالب، الطبقات ١ / ١٠٥، تذكرة الخواصّ / ٨، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٥.

وبكائه على فاطمة بنت أسد، ذخائر العقبى / ٥٦، الفصول المهمّة / ١٣، مناقب ابن المغازلي / ٧٧، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤.

وبكائه على اُمّه عند قبرها، المستدرك على الصحيحين ١/٣٧٥، تاريخ المدينة المنوّرة ١ / ١١٨، ذخائر العقبى / ٢٥٨، المُصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٢٢٤.

وبكائه على عثمان بن مظعون، المستدرك على الصحيحين ١/٣٦١، سنن البيهقي ٣ / ٤٠٧.

وبكائه على سعد بن ربيع، المغازي ١ / ٣٢٩.

١٣

وأمّا قوله وتقريره فمستفيضان، ومواردهما كثيرة:

فمنها: ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة جعفر من استيعابه، قال: لمّا جاء النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله نعيُ جعفر(١) ، أتى

____________________

(١) هذا الحديث مشتمل على تقريرهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البكاء وأمره به، على أنّ مجرّد صدوره من سيّدة النّساءعليها‌السلام حجّة كما لا يخفى. ( المؤلف ).

١٤

امرأته أسماء بنت عميس فعزّاها.

قال: ودخلت فاطمةعليها‌السلام وهي تبكي، وتقول:« وا عَمّاه! » . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« عَلى مِثلِ جعفر فلتبكِ (١) البَواكِي » (٢) .

ومنها: ما ذكره ابن جرير وابن الأثير وصاحب العقد الفريد وجميع أهل السّيَر، وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث ابن عمر في صفحة ٤٠ من الجزء الثاني من مسنده، قال: رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اُحد، فجعلت نساء الأنصار يبكين على مَن قُتل من أزواجهنَّ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولكِنْ حَمزَةَ لا بَواكِيَ لَه » . قال: ثمّ نام فاستنبه وهُنَّ يبكين حمزة، قال: فهنّ اليوم إذا بكين يبدأن بحمزة.

وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب نقلاً عن الواقدي، قال: لم تبكِ امرأة من الأنصار على ميّت بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولكِنْ حَمزَةَ لا بَواكِيَ لَه » . إلى اليوم إلاّ بدأت بالبكاء على حمزة(١) .

____________________

(١) هذا أمرٌ منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبكاء ندباً على أمثال جعفر من رجال الاُمّة، وحسبك به حجّة على الاستحباب. ( المؤلّف ).

(٢) وراجع أيضاً: أنساب الأشراف / ٤٣، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٦.

(٣) وراجع أيضاً: شفاء الغرام ٢ / ٣٤٧، السّيرة النبويّة ٣ / ١٠٥، الروض الاُنف ٦ / ٢٤، ذخائر العقبى / ١٨٣، الفصول المهمّة / ٩٢.

١٥

وحسبك تلك السّيرة في رجحان البكاء على مَن هو كحمزة، وإنْ بَعُد العهد بموته.

ولا تنسَ ما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولكِنْ حَمزَةَ لا بَواكِيَ لَه » . من البعث على البكاء والملامة لهنّ على تركه، وحسبك به وبقوله:« على مِثل جعفر فلتَبكِ البَواكِي » . دليلاً على الاستحباب.

وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عبّاس، في صفحة ٣٣٥ من الجزء الأوّل، من مسنده من جملة حديث ذكر فيه موت رقيّة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبكاء النّساء عليها، قال: فجعل عمر يضربهنّ بسوطه، فقال النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله :« دَعهنَّ يبكينَ » . ثمّ قال:« مَهما يكُنْ مِن القلبِ والعَينِ فمِن اللهِ والرَّحمة ». وقعد على شفير القبر وفاطمةعليها‌السلام إلى جنبه تبكي، قال: فجعل النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح عين فاطمة بثوبه رحمةً لها.

١٦

وأخرج أحمد أيضاً من حديث أبي هريرة، الجزء الثاني صفحة ٣٣٣ من مسنده، حديثاً جاء فيه: إنّه مرّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة معها بواكي، فنهرهنّ عمر، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« دَعهُنَّ، فإنّ النَّفسَ مُصابةٌ والعَينَ دامِعةٌ » . إلى غير ذلك ممّا لا يسعنا استيفاؤه.

وقد بكى يعقوب إذ غيّب الله ولده:( وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزَنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (١) . حتّى قيل - كما في تفسير هذه الآية من الكشّاف -: ما جفّت عيناه من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عام، وما على وجه الأرض أكرم على الله منه.

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في تفسير هذه الآية من الكشّاف أيضاً -:« أنَّهُ سُئلَ جبرئيل عليه‌السلام : ما بلغ وَجدُ يعقوبَ على يُوسفَ؟ قال: وَجْدُ سبعينَ ثكلَى. قال: فما كانَ لهُ مِنَ الأجرِ؟

____________________

(١) سورة يوسف / ٨٤.

١٧

قال: أجرُ مئةِ شهيدٍ (١) ، وما ساء ظنُّه باللهِ قَط » .

قلتُ: أيّ عاقل يرغب عن مذهبنا في البكاء بعد ثبوته عن الأنبياء:( وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمُ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) (٢) .

وأمّا ما جاء في الصحيحين: منْ أنّ الميّت يُعذّب لبكاء أهله عليه. وفي رواية: ببعض بكاء أهله عليه. وفي رواية: ببكاء الحيّ. وفي رواية: يُعذّب في قبره بما نيح عليه. وفي رواية: مَن يبكِ عليه يُعذّب. فإنّه خطأ من الراوي بحكم العقل والنّقل.

قال الفاضل النّووي(٣) : هذه الروايات كلُّها من رواية عمر بن الخطّاب وابنه عبد الله.

____________________

(١) هذا كالصريح في استحباب البكاء، إذ ليس المستحب إلاّ ما يترتب الثواب على فعله كما هو واضح. ( المؤلّف ).

(٢) سورة البقرة / ١٣٠.

(٣) عند ذكر هذه الروايات في باب الميّت يُعذّب ببكاء أهله عليه، من شرح صحيح مسلم. ( المؤلّف ).

١٨

قال: وأنكرت عائشة عليهما، ونسبتهما إلى النّسيان والاشتباه، واحتجّت بقوله تعالى:( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (١) .

قلتُ: وأنكر هذه الروايات أيضاً عبد الله بن عبّاس، واحتجّ على خطأ راويه، والتفصيل في الصحيحَين وشروحهما.

وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض، حتّى أخرج الطبري(٢) في حوادث سنة ١٣ من تاريخه، بالإسناد إلى سعيد بن المسيّب، قال: لمّا تُوفّي أبو بكر، أقامت عليه عائشة النّوح، فأقبل عمر بن الخطّاب حتّى قام ببابها فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر، فأبين أنْ ينتهين، فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إليَّ ابنة أبي قُحافة. فقالت عائشة لهشام - حين سمعت ذلك من عمر: إنّي أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لك.

____________________

(١) سورة الأنعام / ١٦٤.

(٢) عند ذكر وفاة أبي بكر في الجزء الرابع من تاريخه. ( المؤلّف ).

١٩

فدخل هشام وأخرج اُمَّ فروة اُخت أبي بكر إلى عمر، فعلاها بالدرّة فضربها ضربات، فتفرّق النّوح حين سمعوا ذلك.

قلتُ: كأنّه لم يعلم تقريرَ النّبيِّ نساء الأنصار على البكاء على موتاهنَّ، ولم يبلغه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولكِنْ حَمزَةَ لا بَواكِيَ لَه » . وقوله:« على مِثل جعفر فلتَبكِ البَواكِي ». وقوله:« وإنّما يَرحم اللهُ مِن عِبادِه الرُّحماء ».

ولعلّه نسي نهي النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه عن ضرب البواكي يوم ماتت رقيّة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونسي نهيه إيّاه عن انتهارهنّ في مقام آخر مرّ عليك آنفاً.

ثمّ إذا كان البكاء على الميّت حراماً، فلماذا أباح لنساء بني مخزوم أنْ يبكين على خالد بن الوليد(١) ؟ حتّى ذكر

____________________

(١) وبكى هو على النّعمان بن مقرن واضعاً يده على رأسه، كما نصّ عليه ابن عبد البرّ في ترجمة النّعمان من استيعابه، وفي أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد قال: ولمّا نعي النّعمان بن مقرن إلى عمر بن الخطاب وضع يده على رأسه وصاح: يا أسفاً على النّعمان!... وبكائه على أخيه زيد معلوم بالتواتر. ( المؤلّف ).

٢٠