المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره0%

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره مؤلف:
المحقق: فارس حسون
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 126

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
المحقق: فارس حسون
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الصفحات: 126
المشاهدات: 16949
تحميل: 5808

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 126 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16949 / تحميل: 5808
الحجم الحجم الحجم
المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأخرج الملاّ، كما في الصواعق(١) أيضاً: أنّ عليّاً مرّ بموضع قبر الحسينعليهما‌السلام ، فقال:« ها هُنا مناخُ ركابِهمْ، وها هُنا موضِعُ رحالِهمْ، وها هُنا مِهراق دِمائِهمْ؛ فتيةٌ مِن آلِ مُحمّدٍ يُقتلون بهذهِ العرصة، تبكِي عليهم السّماءُ والأرضُ » (٢) .

ومن حديث اُمّ سلمة، كما نصّ عليه ابن عبد ربّه المالكي(٣) ، حيث ذكر مقتل الحسينعليه‌السلام في الجزء الثاني من العقد الفريد، قالت: كان عندي النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعي الحسينعليه‌السلام ، فدنا من النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذته فبكى فتركته،

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٦.

(٢) وهذا الحديث رواه أصحابنا بكيفيّة مشجية عن الباقر (عليه الصلاة والسّلام)، ورووه عن هرثمة وعن ابن عبّاس، وإنْ أردت الوقوف عليه فدونك الخصائص الحسينيّة / ١٠٨ - ١١٢ ( المؤلّف ).

(٣) في سطر ١٥ من ص٢٤٣ من جزئه الثاني، المطبوع سنة ١٣٠٥ هـ، وفي هامشه زهر الآداب. ( المؤلّف ).

٤١

فدنا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذته فبكى فتركته، فقال له جبرئيل: أتحبّهُ يا محمّد؟ قال:« نَعَم » . قال: أما إنّ اُمّتك ستقتله، وإنْ شئتَ أريتك الأرض التي يُقتل بها. فبكى النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وروى الماوردي الشافعي - في باب إنذار النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيحدث بعده(٢) ، من كتابه أعلام النبوّة - عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل الحسينُ بن عليٍّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه، فقال جبرائيل: إنّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك. ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء، وقال: في هذه يُقتل ابنك، اسمها الطفِّ. قال: فلمّا ذهب جبرائيل، خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه والتربة بيده، وفيهم: أبو بكر وعمر، وعليٌّعليه‌السلام وحذيفة، وعثمان وأبو ذر، وهو يبكي، فقالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟ فقال:« أخبَرني جِبرائيلُ: أنّ ابني الحسَينَ يُقتل بَعدي

____________________

(١) وأخرج البغوي في معجمه، وأبو حاتم في صحيحه من حديث أنس، كما في الصواعق، نحوه. ( المؤلّف ). راجع: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٤ - ٥٦٥.

(٢) وهو الباب الثاني عشر في ص٢٣ من ذلك الكتاب. ( المؤلّف ).

٤٢

بأرضِ الطَّفِّ، وجاءني بِهذهِ التُّربةِ، فأخبَرَنِي أنّ فيها مَضجَعهُ » .

وأخرج الترمذي، كما في الصواعق وغيرها: أنّ اُمّ سلمة رأت النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما يراه النائم، باكياً وبرأسه ولحيته التراب، فسألته، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« قُتلَ الحُسينُ آنفاً » (١) .

قال في الصواعق: وكذلك رآه ابن عبّاس نصف النّهار أشعثاً أغبراً، بيده قارورة فيها دم يلتقطه، فسأله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« دَمُ الحُسينِ وأصحابِهِ، لَم أزَلْ أتتبّعه مُنذُ اليومِ » (٢) . قال: فنظروا فوجدوه قد قُتل في ذلك اليوم(٣)(٤) .

____________________

(١) سنن الترمذي / ٣٧٧٤، الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٧، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٢) وأخرجه من حديث ابن عبّاس أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٢٨٣، وابن عبد البر والعسقلاني في ترجمة الحسينعليه‌السلام من الاستيعاب والإصابة، وخلق كثير. ( المؤلّف ).

(٣) وراجع أيضاً: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٧، المعجم الكبير / ٢٨٢٢، مختصر تاريخ ابن عساكر ٧ / ١٥٢، سِيَر أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥، البداية والنّهاية ٨ / ٢٠٠، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٤) وللمزيد حول بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مصادر أهل السُنّة راجع: مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٦ و ٤ / ٣٩٨، تاريخ الخميس ١ / ٣٠٠، ٤١٨، الأمالي للشجري / ١٦٥، كنز العمال ١٣ / ١١١ و ٦ / ٢٢٣، مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٥٨، ١٥٩، ١٦٣، وسيلة المآل / ١٨٣، الفصول المهمّة / ١٥٤، ينابيع المودّة / ٣١٨ و ٣٢٠، الفتح الكبير ١ / ٥٥، روض الأزهر / ١٠٤، الكواكب الدرّيّة ١ / ٥٦، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦، تاريخ الخلفاء / ١٠، التاج الجامع ٣ / ٣١٨، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٠٣، ذخائر المواريث ٤ / ٣٠٠، تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٠، كفاية الطالب / ٢٨٦، مصابيح السنَّة / ٢٠٧، تاريخ الرقّة / ٧٥، نظم درر السّمطين / ٢١٥، الغُنية لطالبي طريق الحقِّ ٢ / ٥٦، لسان العرب ١١ / ٣٤٩، النّهاية ٢ / ٢١٢.

وراجع أيضاً: كتاب سيرتنا وسنّتنا للعلاّمة الأميني، وكتاب أنباء السّماء برزيّة كربلاء للمحقّق الطباطبائي، وكتاب إحقاق الحق - المجلّد الحادي عشر.

٤٣

بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مصادر الشيعة:

وأمّا صحاحنا، فإنّها متواترة في بكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مقامات عديدة: يوم ولادته وقبله، ويوم السّابع من مولده، وبعده في بيت فاطمة، وفي حجرته،

٤٤

وعلى منبره، وفي بعض أسفاره.

تارة يبكيه وحده، يُقبّله في نحره ويبكي، ويُقبّله في شفتَيه ويبكي، وإذا رآه فَرِحاً يبكي، وإذا رآه حَزِناً يبكي؛ بل صحّ أنّه قد بكاه: آدم ونوح، وإبراهيم وإسماعيل، وموسى وعيسى، وزكريّا ويحيى، والخضر وسليمانعليهم‌السلام . وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانّه من كتب الحديث(١) .

إقامة الأئمّةعليهم‌السلام المأتم على الحسينعليه‌السلام وحث أولياؤهم على ذلك

وأمّا أئمّة العترة الطاهرةعليهم‌السلام الذين هم كسفينة نوح، وباب حطّة،

____________________

(١) فراجع: الخصائص الحسينيّة / ١٠٥ - ٢٣٢، وإنْ شئتَ فراجع: جلاء العيون، أو البحار، أو غيرهما. ( المؤلّف ).

وراجع: أمالي الصدوق - المجلس ٩٢، كامل الزيارات / ٦٧ - ٦٨، ٨٣ - ٨٤، ٩٢، ١١٥، ١٩٢، علل الشرائع ١ / ١٥٤، الكافي ١ / ٢٨٣، ٥٣٤، مناقب آل أبي طالب ٤ / ٥٥، المحتضر / ١٤٦ - ١٤٧، بحار الأنوار ٤٥ / ٢٢٠ - ٢٢٩، الباب ٤١.

٤٥

وأمان أهل الأرض، وأحد الثقلين اللذين لا يضلّ مَن تمسّك بهما ولا يهتدي إلى الله من صدّ عنهما، فقد استمرّت سيرتهم على النّدب والعويل، وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن، جيلاً بعد جيل.

فعن الصادقعليه‌السلام ، فيما رواه ابن قولويه في الكامل، وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما:« إنَّ عليَّ بنَ الحسين عليهما‌السلام بكى على أبيهِ مُدّةَ حياتِهِ، وما وُضِعَ بَينَ يدَيهِ طعامٌ إلاّ بكى، ولا اُتِيَ بشرابٍ إلاّ بكى حتّى قال له أحدُ مواليه: جُعلتُ فِداك يابن رسولِ الله، إنّي أخافُ أنْ تكون مِنَ الهالكين » . قالعليه‌السلام :« إنّما أشكو بثِّي وحُزني إلى الله، وأعلمُ مِن اللهِ ما لا تَعلمونَ » .

وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما: أنّه لمّا كثر بكاؤه، قال له مولاه: أما آنَ لحُزنك أنْ ينقضي؟ فقال:« وَيحَك! إنّ يعقوبَ عليه‌السلام كانَ لَه اثنا عَشرَ وَلداً، فَغيّبَ اللهُ واحداً مِنهُمْ فابيضّتْ عَيناهُ مِنْ كثرةِ بُكائِهِ عليهِ، واحدَودَب ظهرُه مِن الغَمِّ، وابنُه حَيٌّ في الدُّنيا، وأنا نَظرتُ إلى أبي وأخي، وعمومَتي وسبعةَ عشرَ مِن أهلِ بَيتي

٤٦

مقتولين حَولي، فَكيف ينقَضي حُزني؟! » .

وعن الباقرعليه‌السلام (١) قال:« كانَ أبي عليُّ بنُ الحسينِ (صَلواتُ اللهِ عليهِ) يقول: أيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه لِقتلِ الحسين بن عليٍّ عليه‌السلام دَمعةً حتّى تسيلُ على خَدّه، بوّأه اللهُ تعالى في الجنّةِ غُرفاً يسكنها أحقاباً.

وأيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه حتّى تَسيلَ على خدِّه فينا، لأذىً مَسّنا مِن عدوِّنا في الدُّنيا، بوّأه الله في الجنَّة مبوّأ صِدقٍ، وأيّما مُؤمنٍ مَسّهُ أذىً فينا فدمعت عيناه حتّى تسيلَ على خدِّه صرفَ اللهُ عن وجههِ الأذى، وآمنَهُ يومَ القيامةِ مِن سخطهِ والنّارِ » (٢) .

وقال الرضاعليه‌السلام (٣) ، وهو الثامن من أئمّة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم):« إنّ المُحرّمَ شهرٌ كان أهلُ الجاهليّة يُحرّمونَ فيه القتالَ، فاستُحلَّتْ فيه دِماؤنَا، وهُتكتْ فيه حُرمتُنَا،

____________________

(١) فيما أخرجه جماعة، منهم: ابن قولويه في كامله. ( المؤلّف ).

(٢) كامل الزيارات / ١٠٠. وراجع: تفسير القمّي / ٦١٦، ثواب الأعمال / ٤٧، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨١.

(٣) فيما أخرجه الصدوق في أماليه وغير واحد من أصحابنا. ( المؤلّف ).

٤٧

وسُبيتْ فيه ذرارينَا ونساؤنَا، واُضرِمتْ فيه النّارُ في مَضارِبنَا، وانتُهبَ ما فيها مِن ثقلِنا (١) ، ولَمْ ترعَ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حُرمةٌ في أمرِنا.

إنّ يومَ الحُسينِ أقرحَ جفونَنا، وأسبلَ دموعَنا، وأذلّ عزيزَنا.... فَعلى مثلِ الحسينِ فليبكِ الباكون؛ فإنّ البكاءَ عليه يحطّ الذنوبَ العِظام ». ثمّ قالعليه‌السلام :« كانَ أبي إذا دخلَ شهرُ المُحرّمِ، لا يُرى ضاحِكاً، وكانت الكآبةُ تغلبُ عليه حتّى يمضي منه عشرةُ أيّام، فإذا كانَ يوم العاشرِ كانَ ذلك اليوم يومَ مصيبتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ » (٢) . وقالعليه‌السلام (٣) :« مَنْ تذكَّرَ مُصابَنا وبكى لِما ارتُكِبَ منّا، كانَ معنا في درجتِنَا يومَ القيامةِ، ومَن ذكَر مُصابَنَا فَبكى

____________________

(١) الثقل: وزان سبب متاع المسافر، وكلّ شيء نفيس مصون. ( المؤلّف ).

(٢) أمالي الصدوق - المجلس السابع والعشرون - الرقم الثاني، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٣.

(٣) فيما أخرجه الصدوق في أماليه. ( المؤلّف ).

٤٨

وأبكى، لَم تبكِ عينُهُ يومَ تبكي العيونُ، ومَنْ جَلَس مَجلِساً يُحيَى فيهِ أمرُنا، لَم يمُتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ » (١) .

وعن الريّان بن شبيب، فيما أخرجه الشيخ الصدوق في العيون، قال: دخلتُ على الرِّضاعليه‌السلام في أوّل يوم من المُحرّم، فقال لي:« يابنَ شَبيب، إنّ المُحرّمَ هو الشّهرُ الذي كانَ أهلُ الجاهليّةِ فيما مَضى يُحرّمون فيهِ الظُّلمَ والقِتالَ لِحُرمَتِهِ، فَما عرفتْ هذه الاُمّةُ حُرمةَ شهرِها، ولا حُرمَةَ نبيِّها صلى‌الله‌عليه‌وآله ; إذ قَتلوا في هذا الشَّهرِ ذُرِّيَّتهُ، وسَبَوا نساءَه، وانتهبُوا ثِقلَهُ... يابنَ شَبيب، إنْ كُنتَ باكِياً لِشيءٍ فابكِ لِلحسينِ عليه‌السلام ؛ فإنّه ذُبِحَ كما يُذبَحُ الكَبشُ (٢) ،وقُتِل معه مِن أهلِ بيتهِ

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس السّابع عشر - الرقم الرابع، وراجع: عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٩٤، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨.

(٢) إنّ التعبير كهذا ممّا يدلّك على غاية همجيّة القوم، وشقائهم وبُعدهم عن العطف الإنساني، بالإضافة على قتلهم ريحانة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهتكهم حرمته في سبطه ( روحي فداه ).

وقد أجمل الإمام (عليه أفضل الصلاة والسّلام) لمّا أدى عن الفاجعة وأهمّيّتها بهذا الكلام القصير، وأشار به إلى معنى جسيم يُدركه الباحث المُتعمّق بعد التحليل والاختبار، ويندهش المجموع البشري لمثل هذه الرزيّة، عندما علم أنّه لَم يوجد بين تلك الجموع المحتشدة في كربلاء مَن يردعهم عن موقفهم البغيض، ولا أقل من تسائل بعضهم: لماذا نُقاتل الحسين؟ وبأيّ عمل استحقّ ذلك منّا؟ أو هل كان دمُ الحسينعليه‌السلام مُباحاً إلى حدّ إباحة دم الكبش، ويُذبح - بأبي هو واُمّي! - بلا ملامةٍ لآثم، ومِنْ دون خشية محاسب؟! ( المؤلّف ).

٤٩

ثمانيةَ عشرَ رجلاً، ما لَهُمْ في الأرضِ مِنْ شَبيهٍ، ولَقد بَكتْ السّماواتُ السَّبع لِقتلِه... » .

إلى أنْ قال:« يابنَ شَبيب، إنْ سَرّكَ أنْ تكونَ معنا في الدَّرجاتِ العُلا من الجنانِ، فاحزَنْ لِحُزنِنا وافرَحْ لِفَرحِنا، وعليكَ بولايَتِنا... » (١) .

وقالعليه‌السلام ، فيما أخرجه الصدوق في أماليه:« مَن تَركَ السَّعيَ في حوائِجِهِ يومَ عاشوراء قضَى اللهُ لهُ حوائجَ الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن كانَ يومُ عاشوراء يومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ،

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٩٩، وراجع: أمالي الصدوق - المجلس ٢٧، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٥.

٥٠

جعلَ اللهُ عزّ وجل يومَ القيامةِ يومَ فَرحِهِ وسرورِهِ وقرّت بنا في الجنانِ عينُه... » (١) .

وبكى (صلوات الله عليه) إذ أنشده دعبل بن عليٍّ الخُزاعي قصيدته التائيّة السائرة، التي اُغمي عليه في أثنائها مرّتين، كما نصّ عليه الفاضل العبّاسي في ترجمة دعبل من معاهد التنصيص، وغيره من أهل الأخبار.

وفي البحار وغيره: أنّهعليه‌السلام أمر - قبل إنشادها - بسترٍ فضُرب دون عقائله، فجلسنَ خلفه يسمعن الرثاء ويبكينَ على جدّهن سيد الشهداءعليه‌السلام ، وأنّه قال يومئذ:« يا دِعبلُ، مَن بَكى أو أبكَى على مُصابِنا ولَو واحداً كانَ أجرُهُ على اللهِ. يا دعبلُ، مَنْ ذرفتْ عَيناهُ على مُصابِنا حشرَه اللهُ مَعنا ».

وحدّث محمّد بن سهل، كما في ترجمة الكميت من معاهد التنصيص، قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس السّابع والعشرون - الرقم الرابع، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٤.

٥١

جعفر بن محمّد الصّادقعليه‌السلام في أيّام التشريق، فقال له: جُعلت فداك! ألا أنشدك؟ قال:« إنّها أيّامٌ عِظام » . قال: إنّها فيكم. قالعليه‌السلام :« هاتْ » . وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده، في رثاء الحسينعليه‌السلام ، فكثر البكاء حتّى أتى على هذا البيت:

يُصيبُ به الرَّامُونَ عَنْ قَوسِ غَيرِهِمْ

فَيَا آخِراً أسدَّى له الغَيَّ أوَّلُ

قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام يدَيهِ، فقال:« اللهمّ، اغفِرْ للكُميتْ ما قدَّمَ وما أخّرَ، وما أسرَّ وما أعلنَ حتّى يَرضَى » (١) .

____________________

(١) بخٍ بخٍ، هنيئاً لمَن نال من أئمّة الهُدىعليهم‌السلام بعضَ ذلك، وأنت تعلم أنّهعليه‌السلام لَم يبتهل بالدُّعاء للكميت هذا الابتهال إلاّ لِما دلّ عليه بيته هذا من معرفته بحقيقة الحال.

وقد أكثر الشعراء من نظم هذا المعنى، فنظمه المهيار في قصيدته اللاميّة، وقبل ذلك نظمه الشريف الرضي، فقال:

بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ هَذِهِ

فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ

إلى آخر ما قال.

وكأنّ سيدة نساء عصرها زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا المعنى بقولها مخاطبة ليزيد: وسيعلمُ مَنْ سوّل لك، ومكّنكَ من رقابِ المُسلمين.

بل أشار إليه معاوية إذ كتبَ إليه محمّد بن أبي بكر يلومه في تمرّده على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويذكر له فضله وسابقته، فكتب له معاوية في الجواب ما يتضمّن الإشارة إلى المعنى الذي نظمه الكميت، فراجع ذلك الجواب في كتاب: وقعة صفين لنصر بن مزاحم، أو شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، أو مروج الذهب للمسعودي.

وقد اعترف بذلك المعنى يزيد بن معاوية، إذ كتب إليه ابن عمر يلومه على قتل الحسينعليه‌السلام ، فأجابه: أمّا بعد، فإنّا أقبلنا على فُرش مُمهّدة ونمارق مُنضّدة... إلى آخر الكتاب.

وقد نقله البلاذري وغيره من أهل السير والأخبار، وفي كتابنا ( سبيل المؤمنين ) من هذا شيء كثير، فحقيق بالباحثين أنْ يقفوا عليه. ( المؤلّف ).

٥٢

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى عبد الله بن غالب، قال: دخلتُ على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأنشدتُه مرثيّة للحسينعليه‌السلام ، فلمّا انتهيتُ إلى قولي:

لبليّة تسقو حُسيناً

بمسقاةِ الثَّرى غير التُّرابِ

صاحت باكية من وراء الستر: يا أبتاه!(١) .

____________________

(١) كامل الزيارات / ١٠٥، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٦.

٥٣

وروى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال، وابن قولَويه، بأسانيد معتبرة عن أبي عمارة، قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :« يا أبا عُمارة، أنشِدْني في الحسين عليه‌السلام » . فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى. قال: فو الله. ما زِلتُ أنشده وهو يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار. قال: فقال لي:« يا أبا عُمارة، مَن أنشدَ في الحسينِ بن عليٍّ عليهما‌السلام فأبكى خمسينَ فلَهُ الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى ثلاثينَ فلَه الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرينَ فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرةً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى واحداً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فبكى فَلَهُ الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فتباكى فلَه الجنّة » (١) .

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس ٢٩ - الرقم ٦، ثواب الأعمال / ٤٧، كامل الزيارات / ١٠٥.

وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٢.

٥٤

وروى الصدوق في ثواب الأعمال بالإسناد إلى هارون المكفوف، قال: دخلتُ على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فقال لي:« يا أبا هارونَ، أنشِدْني في الحسين عليه‌السلام » . فأنشدته، فقال لي:« أنشِدْني كما تُنشدونَ » - يعني بالرقّة -. قال: فأنشدته:

اُمرُرْ على جَدثِ الحُسيـْ

ـنِ فقُلْ لأعظُمِهِ الزَّكيّهْ

قال: فبكى، ثمّ قال:« زدني » . فأنشدته القصيدة الاُخرى. قال: فبكى، وسمعتُ البكاء من خلف السّتر. قال: فلمّا فرغت، قال:« يا أبا هارونَ، مَن أنشدَ في الحُسينِ فبكَى وأبكَى عشرةً كُتبتْ لهُمْ الجنّة... إلى أنْ قال:ومَن ذُكر الحسينُ عندَه فخرجَ مِنْ عَينَيهِ مِنَ الدَّمعِ مقدارُ جناحِ ذبابةٍ، كانَ ثوابُهُ على اللهِ عزّ وجل، ولم يرضَ له بدونِ الجنّةِ » (١) .

____________________

(١) ثواب الأعمال / ٤٧، وراجع: كامل الزيارات / ١٠٠، ١٠٤، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٨.

٥٥

وروى الكشِّي بسند معتبر عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فدخل عليه جعفر بن عثمان، فقرّبه وأدناه، ثمّ قال:« يا جعفر » . قال: لبّيك، جعلني الله فداك. قال:« بلَغنِي أنّكَ تقولُ الشّعرَ في الحُسينِ عليه‌السلام وتُجيدُ » . فقال له: نعم، جعلني الله فداك. قال:« قُلْ » . فأنشدته، فبكى ومَن حوله حتّى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال:« يا جعفرُ، واللهِ، لقد شهَدتْ الملائكةُ المُقرَّبونَ ها هُنا يسمعون قولَك في الحسينِ عليه‌السلام ، ولقد بكَوا كَما بَكينا وأكثر ... إلى أنْ قال:ما مِن أحدٍ قالَ في الحُسينِ شعراً فبكَى وأبكَى بهِ إلاّ أوجب اللهُ لَه الجنّةَ، وغَفَرَ لَهُ » (١) .

وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر حديثاً عن الصادقعليه‌السلام جاء فيه:« وكانَ جدّي عليُّ بنُ الحُسينِ عليهما‌السلام إذا ذكرَه ( يعني: الحسينعليه‌السلام )بَكى حتّى تملأ عيناه لحيته، وحتّى يبكي لِبكائِهِ - رَحمةً لَه - مَنْ رآه، وأنّ الملائِكَةَ

____________________

(١) رجال الكشّي / ١٨٧.

٥٦

الذين عند قبرِهِ لَيبكون فيبكي لِبكائِهمْ كُلُّ مَن في الهواء والسّماء. وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصلَ فاطمةَ وأسعدَها، ووصلَ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأدّى حقّنا... » .

وفي قرب الإسناد عن بكر بن محمّد الأزدي، قال: قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام لفضيل بن يسار:« أتجلسون وتُحدّثون؟ » . قال: نعم، جعلتُ فداك. قالعليه‌السلام :« إنّ تلكَ المجالِسَ اُحبُّها، فأحيوا أمرَنا؛ فرَحمَ اللهُ مَن أحيا أمرَنا. يا فُضيلُ، مَن ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عندهُ فخرجَ مِن عَينِهِ مثلُ جناحِ الذُّباب غفرَ اللهُ له ذنوبَه » .

وفي خصال الصدوق، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال:« إنّ اللهَ تبارَك وتعالى اطّلَعَ إلى الأرضِ فاختارَنا، واختارَ لَنا شيعةً يَنصرونَنا، ويفرحونَ لِفَرَحِنا، ويَحزَنونَ لِحُزنِنا، ويَبذلون أموالَهُمْ وأنفُسَهمْ فِينا، أُولئِكَ مِنّا وإلَينا » .

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى أبي عمارة المنشد، قال: ما ذُكر الحسينُعليه‌السلام عند أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في يوم قط فرؤيَ مُتبسِّماً في ذلك اليوم إلى الليل.

٥٧

قال: وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول:« الحسينُ عليه‌السلام عَبرَةُ كُلِّ مُؤمنٍ » (١) .

وفيه بالإسناد إلى الصادقعليه‌السلام ، قال:« قال الحسينُ عليه‌السلام : أنا قتيلُ العَبرَة، لا يَذكُرنِي مُؤمِنٌ إلاّ استعبَرَ » (٢) .

إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة عن الأئمّة الأبرارعليهم‌السلام (٣) .

حجّية أقوال الأئمّةعليهم‌السلام في رجحان إقامة المأتم

وناهيك بها حجّة على رجحان هذه المآتم، واستحبابها شرعاً؛ فإنّ أقوالَ أئمّة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام وأفعالَهم وتقريرَهم حجّةٌ بالغة؛ لوجوب عصمتهم بحكم العقل والنقل، كما هو مُقرّر في مظانه من كتب المتكلّمين من أصحابنا، والتفصيل في كتابنا ( سبيل المؤمنين ).

____________________

كامل الزيارات / ١٠٨، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٠.

(٢) كامل الزيارات / ١٠٨، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٤.

(٣) راجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨ - ٢٩٦، الباب الرابع والثلاثون.

٥٨

على أنّ الاقتداء بهم في هذه المآتم وغيرها لا يتوقّف عند الخصم على عصمتهم، بل يكفينا فيه ما اتّفقت عليه الكلمة من إمامتهم في الفتوى، وأنّهم في أنفسهم لا يقصرون عن الفقهاء الأربعة والثوري والأوزاعي وأضرابهم علماً ولا عملاً.

وأنت تعلم أنّ هذه المآتم لَو ثبتت عن أبي حنيفة أو صاحبَيه أبي يوسف والشيباني مثلاً، لاستبق الخصم إليها وعكف أيّام حياته عليها، فلِمَ ينكرها علينا ويندّد بها بعد ثبوتها عن أئمّة أهل البيت يا منصفون؟!

أتراه يرى في أئمّة الثقلين أمراً يقتضي الإعراض عنهم، أو يجد فيهم شيئاً يستوجب الإنكار على الآخذين بمذهبهم، أو أنّ هناك أدلّة خاصّة تقصر الإمامة في الفتوى على أئمّة خصومنا ولا تبيح الرجوع إلى غيرهم، كلاّ إنّ واقع الأمر وحقيقة الحال بالعكس.

حديث الثقلين

هذا حديث الثقلين المجمع على صحّته واستفاضته،

٥٩

قد أنزل العترة منزلة الكتاب، وجعلها قدوةً لاُولي الألباب، فراجعه:

في باب فضائل عليعليه‌السلام من صحيح مسلم. أو في الجمع بين الصحيحين. أو الجمع بين الصحاح الستّة. أو في حديث أبي سعيد الخدري من مسند أحمد بن حنبل. أو خصائص عليعليه‌السلام للإمام النّسائي. أو في تفسيري الثعلبي والبيهقي. أو في حلية الحافظ الأصفهاني. أو كتب الحاكم والطبراني وغيرها من كتب الحديث(١) .

____________________

(١) حديث الثقلين حديث صحيح ثابت متواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخرجه الحفّاظ وأئمّة الحديث في الصحاح والمسانيد والسّنن والمعاجم بطرق كثيرة صحيحة عن بضع وعشرين صحابيّاً، فالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أحسّ بقرب أجله أوصى اُمّته بأهمّ الاُمور لدَيه وأعزّها عليه، وهما ثقلاه وخليفتاه، وحثّ على التمسّك بهما

٦٠