إنّ إلمام الخطيب بعلم الاتصال الجماهيري يمكّن من إعادة الترتيب لأساليبه الخطابية؛ لرفع أدائها في مجابهة الهجمة الثقافية التي يشهدها عالمنا الإسلامي اليوم. إلاّ إنّ ما يجب التأكيد عليه أنّ نجاح الخطيب في رفع كفاءته الخطابية بعلم الاتصال الجماهيري لا تتسنى إلاّ عبر معاهد أكاديمية للخطابة الحسينيّة، تتبنّى تدريس منهج مشتق من علم الاتصال الجماهيري، ويناسب حاجة الخطيب، ويوافق منهج الخطابة الحسينيّة.
2 - نقل تقنيات الاتصال الجماهيري إلى الخطابة الحسينيّة.
يمكن للخطابة الحسينيّة أن تحدّث من قدراتها، وتوسّع من دائرة تأثيرها بكثير من تقنيات الاتصال الجماهيري، ويمكن الإشارة إلى جانب منها.
يمكن للخطابة الحسينيّة أن توسّع من دائرة المستمعين لها باستغلال وسائل الاتصال الجماهيري، وقد أسهمت بعض الوسائل في توسيع دائرة المستمعين للمنبر مثل الراديو والتلفزيون والإنترنت، وقد ساعدت هذه الوسائل بالإضافة إلى دورها في توسيع دائرة المستمعين للمنبر إلى توثيق وحفظ كثير من الخطب الحسينيّة للخطباء المشهورين وإعادة بثها، إلاّ إنّ المنبر الحسيني ما زال بعيداً عن الاستفادة القصوى من وسائل الاتصال الجماهيري؛ خصوصاً وسائل البثّ المباشر عبر الراديو أو التلفزيون، أو من خلال استغلال القنوات الفضائية لذلك.
ويمكن بلورة شكل الفائدة التي يقدّمها البثّ المباشر عبر الأقمار الصناعية للمنبر الحسيني، عن طريق اقتراح محطّة فضائية مخصّصة تهتم بالمنبر الحسيني، تُبثّ فيها الخطب الحسينيّة، وتخصّص فيها برامج حوارية ووثائقية لمهام المنبر الحسيني، وسبل تحديثه وكلّ ما يمتّ له بعلاقة.
وقد قدّمت القنوات الفضائية للجمهورية الإسلاميّة الإيرانية صورة لا بأس بها لقيمة هذه الأدوات في دعم، وتحديث المنبر من خلال تبنيها لكثير من مواد المنبر الحسيني. وتعتبر التجربة الرائدة التي قدّمها تلفزيون المنار في إعداد خطب حسينية خاصّة لمحرم (1422 هـ) للخطيب البارع الشيخ الدكتور أحمد الوائلي أثراً بالغاً، وخطوة مهمّة في توسيع دائرة المستمعين للمنبر الحسيني، وإضافة بُعد ومهمّة جديدة لدور القنوات الفضائية في هذا المضمار، إلاّ إنّ انحصار ذلك في محرّم وصفر، والمناسبات الاُخرى يحدّ من الاستفادة القصوى من هذه الوسائل، بالإضافة إلى محدودية المادة الإعلامية التي تبثّها هذه الوسائل.
تعتبر الصحف والمجلات والدوريات المتخصّصة من أهم وسائل الاتصال الجماهيري التي تغطّي مساحة واسعة من الجمهور، وبها يستطيع المنبر الحسيني استغلال هذه الوسائل في تحديث وتطوير مناهجه وقدراته.
ومن أهم ما يمكن اقتراحه في استغلال هذه الوسائل هو إنشاء دورية علمية متخصّصة للمنبر الحسيني، يستطيع رواد المنبر والمهتمون بنشر بحوثهم العلمية، واقتراحاتهم في تطوير المنبر في هذه الدورية العلمية.
إنّ هذه الدورية العلمية، وسيلة مهمّة لتبادل الآراء، ونقل التجارب العلمية والخبرات الخطابية بين الخطباء والمهتمين، كما تعتبر نافذة مهمّة لمستوى التحديث الذي يناله المنبر؛ سواء في محتوى الأفكار المطروحة، أو في سرعة الحركة التحديثية وتوجهاتها.
مبررات الاستعانة بوسائل الاتصال الجماهيري لتطوير المنبر الحسيني
1 - رفع مستوى أداء المنبر؛ ليكون بمستوى الوسائل الحديثة في التأثير على الجمهور والساحة التي يغطّيها.
2 - توسيع دائرة المستفيدين من المنبر خارج الدائرة التقليدية من المستمعين.
3 - فسح المجال للأدوات العلمية؛ لتقوم بدورها في تحديث المنبر وتطويره على الأسس العلمية.
ثالثاً: منبر حسيني للطفل ضمان لحفظ الهوية ورعايتها
تولي الأمم والحضارات اهتماماً بالغاً بالطفل، وتخصّص له ساحة واسعة من أدبياتها وفنونها ونتاجها الفكري والحضاري؛ لحساسية الطفل المستفيضة من التأثر والتقمّص لما حوله.
وبرز شعراء وأدباء ومفكّرون خصّصوا جلّ نتاجهم للطفل، مثل أمير الشعراء أحمد شوقي، وطاغور شاعر الهند الكبير.
وقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بالطفل، وشدّد على ضرورة المبادرة إلى رعايته منذ انعقاد النطفة في رحم الأم، وينعكس هذا الاهتمام والحرص بالطفل جلياً في تراث أهل البيت النظري والتطبيقي.
والتاريخ حافل بالمآثر والمواقف المتميّزة لأطفال أهل البيت، الذين يعكسون أثر التربية والرعاية المبكّرة للطفل في الكشف عن مواهبه وقدراته المبكرة، ممّا يجعل دراسة أساليب أهل البيت في رعاية وتربية الأطفال مادة غنية للبحث العلمي لعلم النفس الحديث.
والمنبر الحسيني هذه القناة الإعلامية للنهضة الحسينيّة، التي تتصدّر مناهج التحديث والإحياء للفكر الإسلامي على مرّ العصور يتحمّل العبء الأكبر في رعاية الطفل وحمايته، لا سيما في هذا الوقت من التاريخ الذي تشهد فيه الأمّة الإسلاميّة هجمة ثقافية تسلّطية للسيطرة على أرض الحدث المسلم، واستغلالها كقاعدة انطلاق هجومها الشامل.
إنّ تأسيس منبر حسيني للطفل يُعدّ أحد الوسائل المهمّة في تسخير وحشد ما تملك من طاقات وذخائر؛ [ لا ] لصد الهجمة الثقافية فحسب، بل لإرساء القاعدة الصلبة التي منها تلتقط الأمّة أنفاسها لاسترداد دورها الاستشهادي على الناس.
يستطيع هذا المنبر أن يقدّم القيم المعنوية والمفاهيم والمبادئ التي تختزنها النهضة الحسينيّة للطفل باُسلوب سلس ومشوّق، من خلال ربط الطفل الحاضر بأطفال النهضة: القاسم بن الحسن، وعبد الله بن مسلم، وعبد الله بن الحسين، وغيرهم، ويتقمّص إخلاصهم ووعيهم، وإدراكهم لمبدئهم، وجلدهم وهممهم الوثّابة.
[ إن وجود ] منبر حسيني للطفل [ هو ] أداة ضرورية في تقديم النهضة الحسينيّة للطفل على هيئة مشاريع، ونظم للحياة التي يجب أن يصنعها الجيل الصاعد.
إنّ إحالة مفاهيم النهضة الحسينيّة إلى نظم وقواعد موضوعية في حياة الطفل هو الهدف الأساسي لهذا المنبر المقترح.
أهم الإعدادات الأساسيّة لتحقيق منبر حسيني للطفل
1 - إعداد خطباء شباب يتمتّعون بقدرة على محاكاة الطفل، وإدراك احتياجاته من خلال العرض السلس والمتين للنهضة الحسينيّة.
2 - ضرورة توفّر نتاج ثقافي للنهضة الحسينيّة موجه للأطفال من حيث الصيغة والاُسلوب والمنهج، ويتسنّى ذلك من خلال دعوة المثقفين والشعراء والأدباء والعلماء؛ لتخصيص نتاج أدبي ثقافي نستطيع أن نطلق عليه بـ (أدب النهضة الحسينيّة للطفل). هذا النتاج الثقافي يمثّل عوناً ومدداً ضرورياً لخطباء المنبر الحسيني للطفل.
رابعاً: توسيع دائرة المخاطَبين والممارسين للمنبر الحسيني؛ لتفعيل دوره الإسلامي والإنساني
الأول:
توسيع دائرة المخاطبين من قِبَل المنبر الحسيني.
نقصد بتوسيع دائرة المخاطبين من قبل المنبر الحسيني، تعريض قاعدة المستمعين خارج نطاق الموالين والتابعين لمدرسة أهل البيتعليهمالسلام
من المسلمين وغير المسلمين، مع التأكيد على تطويع المنبر الحسيني لإيصال رسالته عبر اللغات المختلفة غير اللغة العربية.
وأمّا الهدف الرئيس والمهم من الدعوة لهذا التوسيع يتمثّل في النقاط التالية:
1 - أنّ النهضة الحسينيّة حركة إصلاحية تستهدف إقامة الحياة على أسس الإسلام، وتفعيل منهج التوحيد في إدارتها وبنائها؛ فتوسيع دائرة المستمعين لرسالة النهضة الحسينيّة التي يتعهّد المنبر الحسيني بإبلاغها، هو الأمر الذي يجب أن يتحقّق؛ لإخراج انحصار المستمعين له من دائرة التشيع إلى دائرة الإسلام والعالم؛ كي تمدّ النهضة الأمّة والإنسانية بمفاهيمها وقيمها التي هي بأمسِّ الحاجة إليها للخروج من كبوتها الكؤود في هذا العصر.
2 - توسيع دائرة المستمعين للمنبر يجعل منه أداة فاعلة ونشطة في تحديد المسار الثقافي للأمّة، ومنافساً قويّاً لوسائل الإعلام، والمصادر الثقافية المختلفة التي تحدّد طبيعة الزاد الثقافي وعمقه للجيل الحاضر.
المنبر الحسيني في توسّعه المرجو يتحوّل من أداة سلبية متقوقعة في دائرة ضيقة من الجماهير المسلمة إلى أداء إيجابية تساهم وتشارك في صناعة القرار، وذلك أمر لا يتحقّق إلاّ من خلال إشراك كافة الطوائف الإسلاميّة وغير الإسلاميّة.
3 - تعاني الأمّة الإسلاميّة معاناة مزمنة وحافلة بالآلام من الفرقة والتناحر والصدود بين مختلف طوائفها وفرقها، وللمنبر القدرة على المساهمة في علاج هذا الداء العضال من خلال توسيع دائرة مستمعيه.
إنّ الحوار بين الطوائف الإسلاميّة وغير الإسلاميّة هو الحلّ الناجع لمعضلة العصبية والطائفية، والمنبر الحسيني إذا ما تمكّن من إبلاغ رسالته إلى أسماع جميع المسلمين وغير المسلمين، ساهم في إرساء التفاهم والتعارف الذي يعتبر أهم خطوة من خطوات الحوار.
إنّ توسيع دائرة المستمعين والمستفيدين من المنبر الحسيني أمر تعترضه كثير من العقبات والصعوبات، إلاّ إنّ تحقيق ذلك يمكن من خلال التخطيط المتقن، والإعداد الجيد مع حسن الاختيار للوسائل الفاعلة والناجحة، ومن أهم ما يمكن اقتراحه في هذا الصدد هو:
1 - وسائل الإعلام
تلعب وسائل الإعلام خصوصاً التلفزيون والراديو الإنترنت دوراً بارزاً في إيصال رسالة المنبر الحسيني للجماهير غير التقليدية، كما تلعب الصحف والمجلات دوراً مسانداً في إعداد ذهنية المستمع غير التقليدي للمنبر الحسيني، من خلال إزالة العوائق النفسية والصدود الناتج من الأفكار السلبية العالقة في ذهنه عن النهضة الحسينيّة ووسائل إحيائها.
2 - لغة الخطابة
إنّ لغة الحوار والانفتاح على الغير هو السبيل لإشاعة روح التقريب بين الطوائف الإسلاميّة المختلفة، أو بين المسلمين أو غير المسلمين. فإذا ما تمكّن المنبر من تقمّص خطاب يدعو إلى إشاعة روح الألفة والتعارف والتعاون بين المسلمين وغير المسلمين، والدعوى إلى شعار الوحدة الإسلاميّة والإنسانية، والحوار بين المسلمين وغير المسلمين يصبح ممكنا للمنبر أن يخترق الحواجز والحدود التقليدية من الجماهير التي ألف مخاطبتها.
3 - التخطيط والبرمجة
إنّ التخطيط والإعداد للنجاح في توسيع دائرة المستمعين للمنبر الحسيني لا يتمّ إلاّ من خلال هيئة ترعى المنبر وتتكفّل بإصلاحه، وذلك ميسور من خلال إقامة رابطة لخطباء المنبر على غرار ما هو شائع في أوساط التخصّصات العلمية، كرابطة الأطباء والمهندسين وغيرهم.
إنّ الرابطة المقترحة لخطباء المنبر تمثّل المقود الذي يتكفّل بهداية حركة التحديث للمنبر بشكل عام، وعملية توسيع دائرة المستمعين للمنبر بشكل خاص.
الثاني:
توسيع دائرة الممارسين للمنبر الحسيني
وضّحنا في معرض حديثنا عن الجوانب الفنيّة للخطابة الحسينيّة في الفصل الثاني عن المنهج الخطابي العام، وبيّنا إنّ هذا المنهج يمثّل باباً لمساهمة التخصّصات المختلفة لخدمة المنبر الحسيني.
إنّ المنهج الخطابي العام لا يقصر خدمة النهضة الحسينيّة على خطباء المنبر، بل يفسح المجال لذوي التخصّصات ذات العلاقة بالعلوم الإنسانية والإسلاميّة لإثراء المنبر الحسيني.
إنّ توسيع هذه القاعدة المهمّة في خدمة المنبر تتسنى من خلال مراعاة الأمور التالية:
1 - ضرورة الجمع بين الرثاء والموضوع لا يشترط في أدائهما من قبل شخص واحد، بل يمكن لصاحب الاختصاص من القيام بدوره، وصاحب الصوت العذب من أداء دوره.
إنّ توسيع دائرة الممارسين للمنبر الحسيني يجب - وبأيّ شكل من الأشكال - أن لا يكون على حساب الرثاء في المنبر الحسيني.
2 - ضرورة إلمام المتخصّص المتصدّي للخطابة بالقواعد والمفاهيم الإسلاميّة العامّة من فقه واُصول وفلسفة وتفسير، مع الإحاطة الجيدة بعلم المنطق واللغة العربية.
ويمكن إعداد الخطيب من خلال اجتيازه لدورة خاصّة تُعدّ من قبل المعاهد المتخصّصة للخطابة الحسينيّة أو المعاهد الإسلاميّة.
3 - أهمية المعرفة التامّة للمتخصّص الخطيب للتاريخ الإسلامي والتاريخ العالمي في مراحله المختلفة.