مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 43114
تحميل: 7089


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43114 / تحميل: 7089
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عدنه عليل من المرض ما يگدر يگوم

نايم طريح أوسادته بالخيم ياگوم

هو البجيه من نسل هاشم ومخزوم

وهو الشريده اللي بگه من نسل الحسين

هذا هو حال الخيام والعيال، ولكن سلني عن حال الحوراء زينبعليه‌السلام لمّا نظرت إلى جسد المولى أبي عبد اللهعليه‌السلام على رمضاء كربلاء، وكأنّي بها تخاطبه:

نايم إخوي إشلون نومه

أوحر الشمس غيّر ارسومه

أوعگب الذبح سلبوا هدومه

والغسل صارت له دمومه

(أبوذية)

لون بيدي اطر گبرك وسكنه

واضمّد جرحك اليسعر وسكنه

يبو السجّاد أنه إختك وسكنه

عليك إدموعنه انصبها سويه

* * *

١٢١

(تخميس)

منه دنت تهمي الدموع بثغره

وتضّج باكيةً تنوء بصبره

لمّا رأت رضَّ الجياد لصدره

وقعت عليه تشمُّ موضع نحره

وعيونُها تنهلُّ في عبراتها

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١٢٢

المجلس الثامن

في الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام

١٢٣

١٢٤

المجلس الثامن: في الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام

تبكي العُيونُ بدمعِها المتوّرد

حُزناً لثاوٍ في بَقيع الغرقدِ

تبكي العُيونُ دَماً لفقدِ مُبرّز

مِنْ آلِ أحمَد مثلُه لم يُفقدِ

أيُّ النواظرِ لا تفيضُ دُموعُها

حُزناً لمأتمِ جَعفرِ بنِ مُحَمّد

رُزءٌ لهُ أركانُ دِينِ مُحَمّد

هُدّتْ ونَابَ الحُزنُ قَلبَ مُحَمّدِ

رُزءٌ له تَبكي شريعةُ أحمد

وتنوحُ مُعولةً بقلبٍ مُكمدِ

رُزءٌ بقلبِ الدينِ أثبَتَ سَهَمهُ

ورمى حَشاشَةَ قَلبِ كُلِّ موحّدِ

ماذا جنت آلُ الطّليقِ وما الذي

جرّتْ على الإسلامِ مِن صُنعٍ ردي

كمْ أنْزَلتْ مُرَّ البلاءِ بجعفرٍ

نجمِ الهُدى مأمونِ شرعةِ أحمدِ

كم شرّدته عن مدينة جدّهِ

ظلماً تجشّمه السُرى في فدفِدِ

لم يحفظوا المختار في أولاده

وسواهم من أحمدٍ لم يولدِ(1)

* * *

حنّ الكاظم أو صبّ دمعة العين

ونينك صدّع اگلوب الخواتين

تحن إتلوج تتگلب أو تنهت

تراني الونتك گلبي تفتت

صد ليه إبرفج والعين حسّت

يبويه اوداعة الله اليوم ماشين

____________________

1- القصيدة للسيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله) (تقدّمت ترجمته راجع المجلس السابع).

١٢٥

مدّ إيده على إبنه وجذب حسره

يشم خدّه أويحبه أو يگت عبره

حنّ الكاظم أوطاح إعلى صدره

إشلون أوداع محزن بين الأثنين(1)

* * *

على المسموم يا گلبي تفطّر

أو ذوب امن الهظم لاجله أو تحسّر

تفطّر يا گلب لمصاب جعفر

وانته يا جفن هل دمعتك دم

ابد ما عفه المنصور عنّه

لمن بالسم تگاضه النذل منّه

گعد عنده أوليده أو جذب ونّه

أوسالت دمعته والدمع عندم

(أبوذية)

يالصادق يسمونك وتنصاب

أو مآتم شيعتك تبني وتنصاب

أوعليك ادموع تتجاره اوتنصاب

أوبسمك كل بلد نصبوا عزيه

* * *

____________________

1- مجمع المصائب 4 / 218.

١٢٦

عن أبي الصباح الكناني قال: نظر أبو جعفرعليه‌السلام إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام يمشي فقال: « ترى هذا؟ هذا من الذين قال الله (عزّ وجلّ):( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (1) ».

من المعروف بين العلماء، وخصوصاً المفسّرين منهم، أنّ القرآن، أعني آياته أو بعض آياته، لو نزلت في حادثة معينة، أو فسّرها المعصومعليه‌السلام لحادثة معينة، فهذا لا يمنع من سريانها وشمولها إلى مصاديق أُخرى، أو حوادث أُخرى دلّت القرائن على الشمول والسريان لها.

ومحلّ الكلام هذه الآية المباركة التي طبّقها الإمام الباقرعليه‌السلام على ولده الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ؛ فإنّ كلّ مَنْ له أدنى اطّلاع بأساليب لغة العرب يعرف أنّ قول الإمام الباقرعليه‌السلام : « هذا من الذين قال الله (عزّ وجلّ):( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) »، أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام مصداقٌ للآية الشريفة، وهناك مصاديق أُخرى غيرهعليه‌السلام تشملهم الآية المباركة، والقرينة على ذلك حرف التبعيض (من).

وممّا يدلّ على ذلك أنّ هذه الآية طُبِّقت على بعض الأئمّة الآخرينعليهم‌السلام ، ويكفيك أن تُراجع بعض الروايات التي ذكرها العلاّمة السيّد

____________________

1- الكافي 1 / 306، باب النصّ على الإمام الصادقعليه‌السلام ح1، الإرشاد 2 / 180، إعلام الورى 1 / 517، كشف الغمّة 2 / 380، الصراط المستقيم 2 / 162، بحار الأنوار 47 / 13 ح4، عن الإرشاد، والآية 5 من سورة القصص.

١٢٧

هاشم البحراني (رحمه الله) في تفسيره البرهان(1) ، فقد ذكر هناك مجموعة مهمّة من الروايات تنفع في المقام، أذكر بعضاً منها على سبيل المثال؛ لتتّضح لك حقيقة الحال.

منها: ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى علي والحسن والحسينعليهم‌السلام فبكى، وقال: أنتم المستضعفون بعدي».

قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك، يابن رسول الله؟

قال: « معناه أنتم الأئمّة بعدي؛ إنّ الله (عزّ وجلّ) يقول:( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) ، فهذه الآية فينا جارية إلى يوم القيامة»(2) .

ومنها: ما رُوِي عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قرأ هذه الآية، وقال: « لتعطفنّ هذه الدنيا على أهل البيت، كما تعطف الضروس على ولدها»(3) .

فالخلاصة: الإمام أبو عبد الله الصّادقعليه‌السلام صاحب الذكرى هو من الذين طُبِّقت فيهم هذه الآية الشريفة، ولكن لا يمكن لنا التعرّف على كيفية ذلك إلاّ بعد المرور سريعاً ببعض المظاهر من حياته الشريفةعليه‌السلام .

____________________

1- تفسير البرهان 6 / 53 - 60.

2- تفسير البرهان 6 / 53 ح2، معاني الأخبار / 79 ح1، شواهد التنزيل 1 / 555 ح589، بحار الأنوار 24 / 168 ح1، تفسير نور الثقلين 4 / 110 ح14.

3- نهج البلاغة 4 / 47 ح209، تفسير البرهان 6 / 53 ح2 وص58 ح11، تأويل الآيات 1 / 413 - 414 ح1، بحار الأنوار 24 / 170 ح5.

١٢٨

هو الإمام السادس من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام اسمه جعفر، وكنيته أبو عبد الله، ولقبه الصادق، وأبوه الإمام الباقرعليه‌السلام ، وأمُّه أمُّ فروة.

وُلِد في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عام 83 في المدينة، ورحل في عام 148 هجرية عن عمر 65 عاماً، ودُفِن في المقبرة المعروفة بالبقيع بجانب أبيه العظيم، وكانت وفاته في شهر شوال في الخامس والعشرين منه.

عاصر الإمام الصادقعليه‌السلام سبعة من خلفاء الظلم والجور، وسلاطين السيف والسوط، خمسة منهم من خلفاء بني أُميّة، وهم: (هشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد بن الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ومروان بن مُحَمّد المعروف بمروان الحمار، وكان الأخير هو آخر خلفاء بني أُميّة المنتهية ولايته سنة 132هـ)، واثنين من خلفاء بني العباس وهم: (عبد الله بن مُحَمّد المعروف بالسفّاح، وأبو جعفر المعروف بالمنصور الدوانيقي).

وأبرز مَعْلَم في حياته الشريفةعليه‌السلام هو العظمة العلمية، والنهضة التعليمية التي كان يعمل الإمام الصادقعليه‌السلام على تطويرها، ونشرها وإكمال مسيرتها التي بذر بذورها الأئمّة الذين سبقوه، خصوصاً الإمام الباقرعليه‌السلام حتى أصبح الفقهاء والعلماء والكبار يتواضعون أمام عظمته العلمية، ويمدحون تفوّقه العلمي.

فأبو حنيفة إمام المذهب الحنفي المعروف، كان يقول: ما رأيت أعلم

١٢٩

من جعفر بن مُحَمّد.

ويقول: بعث إليّ المنصور، فقال: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن مُحَمّد؛ فهيّئ له من مسائلك الشداد، فهيّأتُ له أربعين مسألة، ثُمَّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصُرتُ به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور، فسلّمت عليه، فأومأ إليَّ فجلست.

ثُمَّ التفت إليه، فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.

قالعليه‌السلام : « نعم أعرفه».

ثُمَّ التفت إليّ، فقال: يا أبا حنيفة، ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت أُلقِي عليه فيجيبني، فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلّ منها بشيء.

ثمّ قال أبو حنيفة - وبعد ما بلغ إلى هذا الموضع - أليس إنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟(1) .

وقال مالك إمام المذهب المالكي: اختلفت إلى جعفر بن مُحَمّد زماناً، فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال؛ إمّا مصلياً، وإمّا صائماً، وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته قطّ يحدّث عن رسول الله إلاّ على طهارة، ولا يتكلّم بما لا يعنيه، وكان من العلماء والعبّاد والزهاد الذين يخشون الله، وما رأت

____________________

1- مناقب آل طالب 3 / 379، الكامل 2 / 132، تهذيب الكمال 5 / 79 - 80، سير أعلام النبلاء 6 / 257 - 258، العدد القوية / 154 ح80، بحار الأنوار 47 / 217 - 218.

١٣٠

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، ولم يُنقَل عن أحدٍ من أهل بيته ما نُقل عنه من العلوم(1) .

ويكفيك ما يذكره المؤرّخون وأهل السير من أنّ عدد مَنْ تربّى وتعلّم في جامعة الإمام الصادقعليه‌السلام قد ناهز الأربعة آلاف، كان من هؤلاء بعض أئمّة المذاهب الأربعة وعلمائهم(2) .

ويكفيك أيضاً هشام بن الحكم، العالم والمتكلّم الذي طبّق صيته الخافقين، فقد كان هشام حاذقاً جدّاً في المناظرة، وكان يعدّ من أكبر تلامذة الإمامين الصادق والكاظمعليهما‌السلام (3) .

ومن المعالم البارزة في حياته الشريفة أيضاً اعتراف المخالف قبل الموافق بكثرة فضائله ومكارم مناقبه، وعلى نحو الاختصار نذكر بعضاً من ذلك:

منها: ما رُوِي عن الشقراني مولى رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: خرج العطاء أيام المنصور، وما لي شفيع، فوقفت على الباب متحيّراً، وإذا بجعفر بن مُحَمّد قد أقبل، فذكرت له حاجتي، فدخل وخرج وإذا بعطائي في كُمِّه، فناولني

____________________

1- الإرشاد 2 / 179.

2- انظر الإرشاد 2 / 179، مناقب آل أبي طالب 3 / 372، كشف الغمة 2 / 379 - 380، بحار الأنوار 47 / 27، وانظر كتاب الإمام الصادقعليه‌السلام والمذاهب الأربعة 1 / 67 - 73.

3- انظر سيرة الأئمّةعليهم‌السلام - للبيشوائي / 307 - 325.

١٣١

إيّاه، وقال: « إنّ الحسن من كلّ أحد حسن، وأنّه منك أحسن؛ لمكانك منّا، وأنّ القبيح من كلّ أحد قبيح، وأنّه منك أقبح؛ لمكانك منّا».

وإنّما قال له الإمام جعفرعليه‌السلام ذلك؛ لأنّ الشقراني كان يشرب الشراب، فمن مكارم أخلاق جعفرعليه‌السلام أنّه رحّب به، وقضى حاجته مع علمه بحاله، ووعظه على وجه التعريض، وهذا من أخلاق الأنبياء(1) .

ومنها: ما رُوِي من أنّ رجلاً أتى أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال: إنّ فلاناً ابن عمّك ذكرك، فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة إلاّ قاله فيك.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام للجارية: « آتيني بوضوء».

فتوضأ ودخل، فقلت في نفسي: يدعو عليه فصلّى ركعتين، فقال: « يا ربّ، هو حقّي قد وهبته، وأنت أجود منّي وأكرم فهبه لي، ولا تواخذه بي، ولا تقايسه».

ثُمَّ رقّ، فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجّب(2) .

ومنها: ما روي عن أبي بصير قال: كان لي جار يتّبع السلطان، فأصاب مالاً، فاتّخذ قياناً، وكان يجمع الجموع، ويشرب المسكر ويؤذيني، فشكوته إلى نفسه غير مرّة فلم ينته، فلمّا ألحَحْت عليه قال: يا هذا، أنا رجل مُبتلى، وأنت رجل مُعافى، فلو عرّفتني لصاحبك رجوت أن يستنقذني الله بك.

فوقع ذلك في قلبي، فلمّا صرت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ذكرت له حاله،

____________________

1- العدد القوية / 152 - 153، مناقب آل أبي طالب 3 / 362، شرح نهج البلاغة 18 / 205، بحار الأنوار 47 / 349 - 350 ح50.

2- مشكاة الأنوار / 380، عنه بحار الأنوار 88 / 385 ضمن ح 16.

١٣٢

فقال لي: « إذا رجعت إلى الكوفة فإنّه سيأتيك، فقل له: يقول لك جعفر بن مُحَمّد: دع ما أنت عليه، وأضمن لك على الله الجنّة».

قال: فلمّا رجعت إلى الكوفة أتاني فيمَنْ أتى فاحتبسته حتى خلا منزلي، فقلت: يا هذا، إنّي ذكرتك لأبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: « اقرأه السّلام، وقل له: يترك ما هو عليه وأضمن له على الله الجنّة».

فبكى ثُمَّ قال: الله، قال لك جعفر هذا؟

قال: فحلفت له أنّه قال لي ما قلت لك.

فقال لي: حسبك ومضى، فلمّا كان بعد أيام بعث إليّ ودعاني، فإذا هو خلف باب داره عريان، فقال: يا أبا بصير، ما بقي في منزلي شيء إلاّ وخرجت عنه، وأنا كما ترى.

فمشيت إلى إخواني فجمعت له ما كسوته به، ثُمَّ لم يأت عليه إلاّ أيام يسيرة حتى بعث إليّ أنّي عليل فأتني، فجعلت اختلف إليه وأعالجه حتى نزل به الموت، فكنت عنده جالساً، وهو يجود بنفسه، ثُمَّ غُشِيَ عليه غشية ثُمَّ أفاق، فقال: يا أبا بصير، قد وفى صاحبُك لنا ثُمَّ مات.

فحججت، فأتيت أبا عبد اللهعليه‌السلام فاستأذنت عليه، فلمّا دخلت قال مبتدئاً من داخل البيت، وإحدى رجلي في الصحن والأُخرى في دهليز داره: « يا أبا بصير، قد وفينا لصاحبك»(1) .

ومن المعالم البارزة في حياته الشريفة كثرة المعاجز الباهرة، والدلائل الظاهرة التي جرت على يديه، نذكر قطرة من هذا البحر المتلاطم:

____________________

1- الكافي 1 / 474 - 475 باب مولد أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ح5، كشف الغمّة 2 / 410 - 411، مدينة المعاجز 5 / 309 - 310 ح47، بحار الأنوار 47 / 145 - 146 ضمن ح 99 عن كشف الغمّة.

١٣٣

منها: ما رواه ابن شهر آشوب عن أبي حازم عبد الغفار بن الحسن أنّه قال: قَدِم إبراهيم بن أدهم الكوفة وأنا معه، وذلك على عهد المنصور، وقَدِمها جعفر بن مُحَمّد العلويعليه‌السلام ، فخرج جعفرعليه‌السلام يريد الرجوع إلى المدينة، فشيّعه العلماء وأهل الفضل من الكوفة.

وكان فيمَنْ شيّعه سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم، فتقدّم المشيّعون له، فإذا هم بأسد على الطريق، فقال لهم إبراهيم بن أدهم: قفوا حتى يأتي جعفر، فننظر ما يصنع.

فجاء جعفرعليه‌السلام فذكروا له الأسد، فأقبل حتى دنا من الأسد، فأخذ بأذنه فنحاه عن الطريق، ثُمَّ أقبل عليهم، فقال: « أما إنّ الناس لو أطاعوا الله حقَّ طاعته لحملوا عليه أثقالهم»(1) .

ومنها: ما رواه ابن شهر آشوب أيضاً، والقطب الراوندي عن الحسين بن أبي العلاء أنّه قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، إذ جاءه رجل أو مولى له، يشكو زوجته وسوء خلقها، قال: « فأتني بها».

فأتاه بها، فقال لها: « ما لزوجك يشكوك؟».

قالت: فعل الله به وفعل.

فقال لها: « إن ثبتّ على هذا لم تعيشي إلاّ ثلاثة أيام».

فقالت: لا أبالي أن لا أراه أبداً.

فقال له: « خذ بيد زوجتك، فليس بينك وبينها إلاّ ثلاثة أيام».

فلمّا كان اليوم الثالث دخل عليه الرجل، فقالعليه‌السلام : « ما فعلت زوجتك؟».

قال: قد والله دفنتها

____________________

1- مناقب آل أبي طالب 3 / 366 - 367، مدينة المعاجز 6 / 120 ح326، بحار الأنوار 47 / 139 ضمن ح 188 عن المناقب.

١٣٤

الساعة.

قلت: ما كان حالها؟

قال: « كانت معتدية فبتر الله عمرها وأراحه منها»(1) .

وغيرها من المعاجز الباهرة والكرامات الظاهرة.

ذكرنا في أوّل حديثنا أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام عاصر سبعة من أئمّة الظلم والجور، وكان آخر مَنْ عاصره المنصور الدوانيقي العباسي، وكان شديد العداوة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فقد تتّبع آثارهم، وقتل منهم وبنى آخرين منهم في الاسطوانات، لمّا بنى عاصمته بغداد، وأباد كثيراً من أبناء الحسن من الذين استضعفوا.

وكان يقول: لقد هلك من أولاد فاطمةعليها‌السلام مقدار مئة، وقد بقي سيّدهم وإمامهم.

فقيل له: مَنْ ذلك؟

قال: جعفر بن مُحَمّد الصادق.

وكان يبعث جلاوزته على الإمام فيُؤتَى به إلى العراق، وفي كلّ مرّة يهمّ بقتله، ولكنّ الله كان يحول بينه وبين قتل الإمامعليه‌السلام (2) .

وبلغ من حقده أنّه أمر عامله على المدينة مُحَمّد بن سليمان أن يحرق على أبي عبد الله الصادق داره، فجاء هو وجماعته بالحطب الجزل ووضعوه على باب الدار وأضرموه بالنار، فلمّا أخذت النار ما في الدهليز تصايحت العلويات داخل الدار، وارتفعت أصواتهنّ، وتذكّر ما جرى على سيّد

____________________

1- مناقب آل أبي طالب 3 / 351، دلائل الإمامة / 275 - 276 ح46، الخرائج والجرائح 2 / 610 - 611 ح6، مدينة المعاجز 5 / 446 - 447 ح211، بحار الأنوار 47 / 97 ح112 عن المناقب والخرائج.

2- انظر بحار الأنوار 47 / 201 - 202، ضمن ح 42.

١٣٥

الشهداءعليه‌السلام (1) ، وهكذا أصبح الإمامعليه‌السلام مضايقاً ومشدّداً عليه من قبل الدوانيقي.

وهكذا بقي اللعين يُرسِل خلف الإمام الصادقعليه‌السلام ، وفي كلّ مرّة يريد قتله، ولكن لم يتمكّن من قتله بنفسه؛ لذا بعث سمّاً قاتلاً إلى والي المدينة مُحَمّد بن سليمان، وأمره أن يعطيه السمّ بواسطة العنب، فأخذ عنباً ووضعه في السمّ حتى صار مسموماً، فقدّمه للإمام.

وفعلاً سُمَّ الإمامعليه‌السلام بذلك العنب المسموم، ومرض مرضاً شديداً، ووقع في فراشه.

قيل: فدخل عليه أحد أصحابه، فلمّا رأى الإمام مسجّى على فراش الموت، وقد ذبل فبكى، فقالعليه‌السلام : « لأيّ شيء تبكي؟».

فقال: لا أبكي، وأنا أراك على هذه الحالة؟

فقال: « لا تفعل، فإنّ المؤمن يعرض عليه كلّ خير إن قُطِّعت أعضاؤه كان خيراً له، وإن ملك ما بين المشرق والمغرب كان خيراً له»(2) .

ثمّ عرق جبينه، وسكن أنينه، وقضى نحبه، ولقي ربّه مسموماً شهيداً، صابراً محتسباً، أي وا إماماه! وا سيّداه! وا صادقاه!

ردّه اليثرب أو آمر بسمّه

عگب ذيچ الهظيمه أوفوگ همّه

گظه مسموم وابنه اينوح يمّه

أو نصب له للعزه ابفرگاه ماتم

ثمّ غسّله ولده الإمام الكاظم وحنّطه، وكفّنه في خمسة أثواب وصلّى

____________________

1- مجمع المصائب 1 / 47 - 48.

2- مشكاة الأنوار / 75.

١٣٦

عليه، ثُمَّ دفنه عند والده وجدّه في البقيع، وكان يوماً عظيماً على المسلمين.

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهلٍ من حامليه وعاتق

أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى

ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه

تراباً وأولى كان فوق المفارق(1)

يقول الراثي:

أيّها المشيعون أتحثون التراب على إمامكم وملاذكم وسيّدكم، لقد كان الأحرى بكم أن تحثوا التراب على رؤوسكم؛ لأنّكم دفنتم إمامكم بأيديكم، وواريتموه تحت أطباق الثرى.

يجفن العين هل إدموعك أبدم

على الصادق المات اليوم بالسم

ما أدري الرجس چان اشيطلبه

ابسمه آمر أولا خاف ربه

أويلي وأنمرد چبده وگلبه

إنحمس لمَنْ گرب ليه المحتم

خلص عمره ابحزن والآم وهموم

أورگد حيله أوغده ما يگدر يگوم

لمن مات هذا اليوم مسموم

اوركن الدين لفراگه تهدّم

ارتجّت بالبچه لجله المدينه

ولا ظل واحد الما بچت عينه

____________________

1- شرح الأخبار 3 / 308، مقتضب الأثر / 52، مناقب آل أبي طالب 3 / 398، بحار الأنوار 47 / 332 - 333 ح23 عن مقتضب الأثر.

والأبيات لأبي هريرة الآبار العجلي من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام ، ومن شعراء أهل البيتعليهم‌السلام المجاهرين، انظر هامش مقتضب الأثر / 52.

١٣٧

وابنه الكاظم اينادي ابونينه

الجرح فرگاك أبد ما يصح بلسم

إبلحده وَسّده والگلب مكسور

اونيران الحزن چانونها إيفور

بس احسين جدّه بيوم عاشور

بعد الچتل عاري على الترب تم(1)

(أبوذية)

الچتل احسين دوم الدمع ينسل

أوكل شيعي يحگله اعليه ينسل

متى سيفك يشبل الحسن ينسل

أوتاخذ ثارك امن اعلوج اميه

* * *

(تخميس)

أحسينُ يا بحرَ الفضائلِ والندى

أبكيتَ يومَ وُلدتَ جدَّكَ أحمدا

واليوم تنعاكَ الملائكُ والهدى

لهفي لجسمكَ في الصعيدِ مجرّدا

عريان تكسوهُ الدماءُ ثيابا

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

____________________

1- الأبيات لأستاذنا الشيخ محمد سعيد المنصوري (رحمه الله) في مفاتيح الدموع / 413.

١٣٨

المجلس التاسع

في الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام

١٣٩

١٤٠