مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 43126
تحميل: 7089


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43126 / تحميل: 7089
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال الله تبارك وتعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) .

يُبَشِّر الله تبارك وتعالى عبادَه الذين ابتعدوا عنه بالمغفرة، ويشترط عليهم شروطاً أربعة إذا جاؤوا بها حقّق لهم ما وعدهم به من المغفرة.

وهذه الآية المباركة فريدة من نوعها؛ والسبب في ذلك أنّها ذكرت شرطاً لم تتعرّض لهُ الآيات التي تناولت موضوع المغفرة والتوبة إطلاقاً.

والشروط الأربعة هي: (التوبة، والإيمان، والعمل الصالح، والاهتداء).

والثلاثة الأُوَل تعرّضت لها بعض الآيات المباركة، إمّا على نحو شرطين معاً، أو ثلاثة متفرّقة، أو غير ذلك.

والخلاصة: إنّها ليست جديدة في بحث المغفرة.

أمّا الشرط الأخير: فهو شرط لم تتعرّض له الآيات المباركة في القرآن الكريم سوى هذه الآية المباركة، وسيأتي الكلام فيه على نحو مفصّل إن شاء الله تعالى في آخر الحديث.

وقد وقع الكلام بين العلماء الأعلام في تحقيق حرف (ثُمَّ) في هذه الآية المباركة، هل هو على نحو الترتيب والتراخي، أو أنّها حرف عطف لا يفيد أكثر من ذلك؟

والسبب في هذا الاختلاف هو أنّ (ثُمَّ) لو كانت حرف ترتيب لما تمّ معنى الآية المباركة في نظر البعض؛ لأنّ الاهتداء قبل التوبة

____________________

1- سورة طه / 82.

١٦١

والإيمان والعمل الصالح؛ لأنّ الإنسان إذا هداه الله تبارك وتعالى أخذ بيده إلى أن يتوب، ويؤمن ويعمل صالحاً.

فالآية ليس فيها أكثر من بيان أنّ الاهتداء مع الشروط الثلاثة يحقّق ما وعده الله تبارك وتعالى من المغفرة الكبيرة للعبد، فالآية المباركة على وِزان قوله تعالى:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (1) ، فإنّ خلق العرش قبل خلق السماوات والأرض، فهكذا الاهتداء قبل التوبة وما إليها(2) .

وذهب الأكثر إلى أنّ الآية المباركة في صدد بيان أهمّية الشرط الرابع وهو (الاهتداء)، فذكرت أنّ الله تبارك وتعالى غفّار لِمَنْ تاب وآمن وعمل صالحاً، لكن هذا مشروط بشرط أن يهتدي، ويستمر بهدايته إلى ما يريده الله تبارك وتعالى.

وبعبارة أوضح: إنّ الإنسان لا تتحقّق منه التوبة والإيمان والعمل الصالح إلاّ أن يكون قد اهتدى، وأمّا بدون الاهتداء فالله تبارك وتعالى لا يغفر له، فضلاً عن أن يكون غفّاراً، والذي هو بمعنى كثير المغفرة.

والبحث الروائي من الفريقين يؤيد هذا المعنى.

فقد روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل عن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه سُئِل عن قوله تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ

____________________

1- سورة الأعراف / 54.

2- ذهب إليه المحقق الآبي في كشف الرموز 2 / 480.

١٦٢

صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) قال: « تاب من ظلمه، وآمن من كفره، وعمل صالحاً بعد إساءته، ثُمَّ اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت»(1) .

فالظاهر: هو أنّ الإنسان يتوب من ظلمه، ويؤمن ويعمل صالحاً، ولكن لا يكتفي بذلك، بل لا بدّ أن يهتدي بهذه الأعمال إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

ويؤيّده، بل يدلّ عليه ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) قال الإمامعليه‌السلام : « ألا ترى كيف اشترط، ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى؟! واللهِ، لو جهد أن يعملَ ما قُبِلَ منه حتى يهتدي».

قال: قلت: إلى مَنْ جعلني الله فداك؟

قال: « إلينا»(2) .

وهناك عشرات الروايات التي دلّت على ذلك، بعضها ذكرت الاهتداء إلينا، وأُخرى إلى ولايتنا، وثالثة إلى ولاية عليعليه‌السلام وأهل بيته الطيبين الطاهرينعليهم‌السلام .

لكنّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام لم يتركوا الناس وشأنهم، بل يقفون في طُرقاتِهم يصدّونهم عن الهدى.

ومن هنا روى الشيخ الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي عن سدير عن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال سدير: سمعت أبا جعفرٍعليه‌السلام ، وهو داخل وأنا

____________________

1- شواهد التنزيل 1 / 492، الكامل 3 / 190.

2- تفسير القمّي 2 / 61، التفسير الصافي 3 / 314، تفسير نور الثقلين 3 / 387 ح93، بحار الأنوار 27 / 168 - 169 ح7 عن تفسير القمّي.

١٦٣

خارج وأخذ بيدي ثُمَّ استقبل البيت فقال: « يا سدير، إنّما أُمِر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثُمَّ يأتونا فيُعلِمُونا ولايتَهم لنا، وهو قول الله تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) - ثُمَّ أومأ بيده إلى صدره - إلى ولايتنا».

ثمّ قال: « يا سدير، فأريك الصادّين عن دين الله؟».

ثُمَّ نظر إلى أبي حنيفة، وسفيان الثوري في ذلك الزمان، وهم خلق في المسجد، فقال: « هؤلاء الصادّون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب منير. إنّ هؤلاء الأخابيث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس، فلم يجدوا أحداً يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يأتونا، فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(1) .

وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: «... ثمّ اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت. فوَ اللهِ، لو أنّ رجلاً عَبَدَ اللهَ عمرَه ما بين الركنِ والمقامِ، ثُمَّ مات ولم يجئ بولايتنا لأكبّه الله في النار على وجهه»(2) .

ثمّ إنّ الآية ذكرت (غفّار) بدلاً عن التعبيرات الأُخرى، وكلمة (غفّار) صيغة مبالغة تُوحِي إلى أنّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل هؤلاء التائبين

____________________

1- الكافي 1 / 392 - 393 باب وجوب الإتيان إلى الإمام ح3، عنه بحار الأنوار 47 / 364 - 365 ح81، تفسير نور الثقلين 3 / 386 - 387 ح92.

2- شواهد التنزيل 1 / 492، تأويل الآيات 1 / 315 ح8، تفسير نور الثقلين 3 / 387 ح95، تفسير مجمع البيان 7 / 45، التفسير الصافي 3 / 314، بحار الأنوار 24 / 149.

١٦٤

ويشملهم برحمته مرّة واحدة فقط، بل سيعمّهم عفوه ومغفرته مرّات ومرّات.

والملفت للنظر أنّ الآية المباركة رتّبت الشروط، بحيث ابتدأت بالتوبة وترك المعصية، وبعد أن تتطهّر روح الإنسان من هذه التلوثات، فإنّ الشرط الثاني هو أن يغمرها نور الإيمان بالله والتوحيد، وفي المرحلة الثالثة يجب أن تَظهَرَ براعم الإيمان والتوحيد - والتي هي الأعمال الصالحة والمناسبة - على أغصان وجود الإنسان(1) .

فانظروا إلى أهمّية ولاية الأئمّةعليهم‌السلام ، بحيث جعلها الباري (عزّ وجلّ) من شروط المغفرة، وبدونها لا يُقبَل العبد بأيّ حال من الأحوال.

وكم ذكر الأئمّةعليهم‌السلام هذا الشرط في حلِّهم وترحالهم، وقاسَوا ما قاسَوا من أجلها، ورحّلوهم من بلادهم إلى البلدان الأُخرى التي تعتبر دار غربة ومضيعة بالنسبة لهم.

فهذا هو إمامنا الرضاعليه‌السلام يُرسِل إليه سلطان زمانه المأمون، ويأتي به من مدينة جدِّه الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومحلّ ولادته وولادة آبائه الطاهرين إلى خراسان.

قال السيد عبد الكريم بن طاووس (رحمه الله): إنّ الرضاعليه‌السلام لمّا طلبه المأمون من خراسان توجّهعليه‌السلام من المدينة إلى البصرة، ولم يصل الكوفة، ومنها توجّه على طريق الكوفة إلى بغداد، ثُمَّ إلى قم ودخلها، وتلقّاه أهلها وتخاصموا فيمَنْ يكون ضيفُه منهم، فذكرعليه‌السلام أنّ الناقة مأمورة، فما زالت حتى بركت على باب، وصاحب ذلك الباب رأى في منامه أنّ الرضاعليه‌السلام

____________________

1- تفسير الأمثل 10 / 48.

١٦٥

يكون ضيفه في غدٍ، فما مضى إلاّ يسيراً حتى صار ذلك الموضع مقاماً شامخاً(1) .

ثمّ تحرّكت قافلة ابن رسول الله وبضعته متوجّهاً نحو خراسان.

وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) أنّه لمّا وافى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام نيسابور، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يابن رسول الله، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟

وقد كان قعد في العامرية، فأطلع رأسه وقال: « سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن مُحَمّد يقول: سمعت أبي مُحَمّد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: سمعت جبرئيلعليه‌السلام يقول: سمعت الله (عزّ وجلّ) يقول: لا إله إلاّ الله حصني، فمَنْ دخل حصني أمن عذابي».

قال: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: « بشروطها، وأنا من شروطها»(2) .

فالتوحيد الحقيقي الذي يريده الله تبارك وتعالى لا يتمّ إلاّ بولاية الأئمّةعليهم‌السلام التي هي الامتداد الطبيعي لولاية النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

1- فرحة الغري / 130 - 131، الغارات 2 / 857 - 858.

2- عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 / 144 - 145 ح4، أمالي الشيخ الصدوق / 305 - 306 ح8، التوحيد / 25 ح23، ثواب الأعمال / 6، معاني الأخبار / 370 - 371 ح1، بشارة المصطفى / 413 ح12، تفسير نور الثقلين 5 / 39 ح49، بحار الأنوار 3 / 7 ح16 و49 / 123 ح4 عن الأمالي.

١٦٦

وصريح قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .

ولكن للأسف الشديد الكثير من أعداء أهل البيتعليهم‌السلام أصرّوا على عزلهم من مناصبهم الإلهية، وإذا لم ينفع ذلك هجّروهم من بلادهم، ومن ثُمَّ يقتلونهم.

وإلاّ ما صنعه الأعداء مع إمامنا الرضاعليه‌السلام من تهجير، وعناء السفر لا يصنعه إلاّ أعداء الله وأعداء رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله يعبّر عن الإمام الرضاعليه‌السلام بأنّه بضعة(2) ، والبضعة هي القطعة من اللحم، وأذيتها أذية للنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي يؤذي النبيَّ مصيره إلى جهنم وبئس المهاد.

قال الشيخ الحائري (رحمه الله) في نور الأبصار: رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رَجُلٌ من أهل خراسان، فلمّا انتبه من نومه جاء إلى الرضاعليه‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، رأيت رسول الله في المنام كأنّه يقول لي: « كيف أنتم إذا دُفن في أرضكم بضعتي، واستحفظكم وديعتي، وغُيِّب في ثراكم نجمي؟».

فقال له الإمام الرضاعليه‌السلام : « أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة نبيِّكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمَنْ زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقّي وطاعتي، فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومَنْ كنّا شفعاؤه يوم القيامة

____________________

1- سورة المائدة / 55.

2- إشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ستدفن بضعة منّي بخراسان، ما زارها مؤمن إلاّ أوجب الله له الجنّة، وحرّم جسده على النار»، وغيره.

١٦٧

نجا، ولو كان عليه وزر الثقلين - الإنس والجن -».

وقالعليه‌السلام : « واللهِ ما منّا إلاّ مقتول شهيد».

فقيل: فمَنْ يقتلك يابن رسول الله؟

قال: « شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسّم، ثُمَّ يدفنني في دار مضيعة، وبلاد غربةٍ، ألا فمَنْ زارني في غربتي كتب الله (عزّ وجلّ) له أجر مئة ألف شهيد، ومئة ألف حاج ومعتمر، ومئة ألف مجاهد، وحُشِر في زمرتِنا، وجُعِل في الدرجات العُلى رفيقنا»(1) .

يا أرضَ طوسٍ سَقاكِ اللهُ رحمتَهُ

ماذا جَنيتِ مِنَ الخيراتِ يا طوسُ

طابتْ بِقَاعُكِ في الدّنُيا وطَيِّبها

شخصٌ ثوى بِسَناآباد مرموسُ

شَخصٌ عَزيزٌ على الإسلامِ مَصرعُهُ

في رحمةِ اللهِ مغمورٌ ومغموسُ(2)

بلى والله، ما مرّت الأيام حتى أرسل اللعين ابن اللعين لإمامنا الرضاعليه‌السلام ، فلمّا أتاه وثب اللعين إلى الإمامعليه‌السلام وعانقه، وقبّله ما بين عينيه، وأجلسه معه، وناوله عنقود عنب كان بيده قد أكل بعضَهُ، وقال: يابن رسول الله، ما رأيتُ عنباً أحسن من هذا.

قال الإمامعليه‌السلام : « ربما كان عنباً حسناً فيكون في الجنّة».

فقال له: كُلْ منه.

فقال: « تعفيني منه».

قال: لا بدّ من ذلك، ما يمنعك منه؟

____________________

1- نور الأبصار / 238. والأحاديث بهذا المضمون كثيرة. منها ما رواه في من لا يحضره الفقيه 2 / 585 ح3192، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 / 287 ح9، أمالي الشيخ الصدوق / 120 ح8، مدينة المعاجز 7 / 181 - 182 ح153، بحار الأنوار 49 / 283 ح2.

2- عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 / 280 - 281، مقتضب الأثر / 47، مناقب آل أبي طالب 3 / 468 - 469، بحار الأنوار 49 / 317.

والأبيات لعلي بن محمد الخوافي، رثى بها مولانا الرضاعليه‌السلام ، وكان من أصحابهعليه‌السلام .

١٦٨

لعلّك تتّهمنا بشيء؟

فتناولعليه‌السلام العنقود، فأكل منه ثلاث حبّات، ثُمَّ رمى به وقام، فقال المأمون: إلى أين؟

قال: « إلى حيث وجّهتني».

وخرج حتى دخل الدار، وأمر أن تُغلَق الباب، ونام على فراشه.

يقول أبو الصلت الهروي: فمكثتُ واقفاً في صحن الدار، مهموماً محزوناً والإمام بين قائم وقاعد من شدّة السّم، إذ دخل عليَّ شابٌ حَسَنُ الوجه، أشبه الناس بالرضا، فقلت له: من أين دخلت، والباب مغلق؟

قال: « الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت، هو الذي أدخلني الدار».

فقلت: ومَنْ أنت؟

قال: « أنا حُجّةُ الله عليك. يا أبا الصلت، أنا مُحَمّد بن علي».

ثُمَّ مضى نحو أبيه فدخل، وأمرني بالدخول معه، فلمّا نظر إليه الرضاعليه‌السلام ، وثب إليه فعانقه، وضمّه إلى صدره، وقَبّل ما بين عينيه، ثُمَّ سحبه سحباً في فراشه، وجعل يكلّمه شيئاً لم أفهمه(1) .

وبينما ولده الجواد عنده، وإذا بإمامنا الرضا قد غمّض عينيه، وأسبل يديه، ومدّ رجليه، وعرق جبينُه، وسكن أنينُه، وفاضت روحه الطاهرة، رَحِمَ الله مَنْ نادى: وا إماماه! وا سيّداه! وا مسموماه!

أويلي اعلى الرضا من عدل رجليه

تشاهد ويل گلبي واسبل ايديه

روحه خلّصت أوما ظل نفس بيه

أثاري مات أويلي اوفرّگَ البين

____________________

1- انظر عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 / 272 - 273، أمالي الشيخ الصدوق / 769 - 770 ح17، مناقب آل أبي طالب 3 / 482، مدينة المعاجز 7 / 329 - 330 ح58، بحار الأنوار 49 / 300 - 301 ح10.

١٦٩

نهض عنّه الجواد اوجذب ونّه

حزين اوعگب ابوه النوح فنّه

بعد ما كفّنه أومن فرغ منه

اجوه أهل البلد كلهم محزنين

يويلي شلون ضجّه صارت ابطوس

اجتّ الناس بس تلطم على الروس

الله أوياك آيا شمس الشموس

رحت واحنه بعد نورك مظلمين

تگول من العزه انگلبت إخريسان

لفت له للگبر بثياب الأحزان

بس حسين ظل مطروح عريان

ظل إبكربله واهله مظعنين

(موشّح)

اسأل امن الناس من شالوا النعش

للگبر ما شين كل خده خمش

بالدمع گبره ابدال الماي رش

اورش ضريح احسين سجاد ابدموع

إسأل اعله احسين منهو الغسّله

من حفر گبره اوياهو النزّله

لو بگه مطروح عاري ابكربله

والعوادي هشّمت منّه الضلوع

* * *

نعم، بقى أبو عبد الله مطروحاً عارياً في كربلاء، والعوادي هشّمت منه الأضلع والصدر، أسفي عليك يا أبا عبد الله، لا ناعي عليك سوى الحوراء زينب، كأنّي بها وقفت مع حرمك قرب مصرعك:

وگفت عالچفيل الحرم وهوان

ما تدري اشعملنه هظم وهوان

يخويه اسهل علينه الموت وهوان

من افراگك امطبر عالوطيه

١٧٠

(تخميس)

وشهيداً فم الزمان قبّلته

وحواس الرسول قد رضَّعته

كيف تلك السيوف قد فرّقته

حرَّ قلبي لزينب مذ رأته

ترب الجسم مثخناً بالجراح(1)

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

____________________

1- مجمع المصائب 4 / 274.

١٧١

١٧٢

المجلس الحادي عشر

في الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

١٧٣

١٧٤

المجلس الحادي عشر: في الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

يا تاسعَ الأُمناء الغرِّ قد وَفِدتْ

إليكَ شيعةُ أهلِ البيت تَبتَدِرُ

فأنتَ مفزَعُها دُنياً وآخرةً

وفيك يُكْشَفُ عنها الضُرّ والضررُ

ألستَ أنتَ الذّي بانت معاجِزُهُ

كالشّمسِ آمنَ فيها البدوُ والحضرُ

أمسى ابنُ أكثمَ مذهولاً بما سَمِعَتْ

أُذُناه منَكَ وأعيى نُطقَه الحصرُ

لقد عَلِمتُم علومَ الأنبياءِ وما

تَظُمُّ في سرّها الآياتُ والسّورُ

منْ أينَ يُدرَكُ مَن كانت معارفُهُ

محدودةً عالِماً بالغيب يستَتِرُ

قد رامَ إطفاءَ نورَ اللهِ مُعتَصمُ

بمنهجٍ شقّه آباؤُه الغُدُرُ

فدسَّ سُمَّ الرّدى في كفِّ غاويةٍ

إليك كي تختفي آياتُك الغُررُ

لا عافتِ النارُ أُمَّ الفضلِ حيثُ بما

قامتْ بهِ يلتظي في رُوحِنا شَرَرُ

سمّتْ إمامَ الهُدى فالأرضُ راجفةٌ

منه ووجْهُ السّما من ذاك معتكرُ

يبقى ثلاثاً بلا غسلٍ ولا كفنٍ

كجدّه فهو فوقَ السّطحِ منعفِرُ(1)

* * *

(موشّح)

بالعنب سم الجواد المعتصم

والمجد شال أو نشف بحر العلم

____________________

1- القصيدة للسيد محمد جمال الهاشمي (رحمه الله)، ولد آية الله السيّد محمد جمال الهاشمي عام 1332هـ في النجف الأشرف، وتوفّي فيها عام 1397هـ في شهر ربيع الأوّل.

والده آية الله العظمى السيّد جمال الهاشمي. درس المترجم له الفقه والأصول وغيرهما من العلوم الإسلامية في النجف الأشرف.

ومن أساتذته الكبار والده، والشيخ ضياء الدين العراقي، والسيد أبو الحسن الأصفهاني وغيرهم.

له من الشعر ما يأخذ بالعقول، ويهيج القلوب، منها القصيدة أعلاه في الإمام الجوادعليه‌السلام .

١٧٥

نشف بحر الجود من مات الجواد

بأرض بغداد أو عليه سبع شداد

ناحت أولبست الإسلام السواد

والسمّه أظلم أو كِسف ضي النجم

اظلمت ونور البدر لاجله انخسف

يوم گوّض والشمس ضيها انكسف

والانس والجن غدت تصفج وسف

عگب أبو الهادي دمعهم منسجم

* * *

يعيني على الجواد ابچي ابدمع دم

يگلبي على ابو الهادي تلچّم

شباب اوصايم اويفطر على السّم

وحيد ابدار غربه مثل الحسين

يصيح الماي والسّم مرد چبده

طلعت من وكت ما بگت عنده

ظل نايم ابسطح الدار وحده

على افراش المرض يصفج الكفين

ثلث تيام ظل ميت إبداره

على افراشه بگه ليله او نهاره

مثل احسين ظل وسط المعاره

على الرمضه او محّد ينشد امنين

* * *

١٧٦

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (1) .

من السُّنَنِ الإلهية المؤثِّرة في حركة الإنسان ووجوده هي سُنّة الابتلاء والامتحان، وهي سُنّة عامّة وشاملة، أشار إليها الباري (عزّ وجلّ) في قوله تعالى:( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (2) .

وقال تعالى:( إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) (3) .

وتختلف هذه السُّنَّة (سُّنَّة الابتلاء والامتحان) بالكيفيات التي تتبلور بها، ومدى طول وقتها وسعته، فقد تكون هذه السُنّة عن طريق الابتلاء بالفقر أو القتال أو الشكوك وما شابه ذلك، وهكذا.

فالامتحان يسير مع الإنسان في حركته التكاملية، وعندما يصبح الإنسان مؤمناً أو مجاهداً يُبتَلى ويُمتحَن من أجل التمحيص والتمييز، كما أشارت إليه الآية التي افتتحنا بها المجلس.

وقد يسأل سائل: ما هي غاية الباري (عزّ وجلّ) من وراء الابتلاء والامتحان؟

والجواب: إنّ العلماء ذكروا بعض الغايات من وراء سُّنَّة الابتلاء

____________________

1- سورة آل عمران / 179.

2- سورة الملك / 2.

3- سورة الإنسان / 2.

١٧٧

والامتحان التي يبتلي بها الباري (عزّ وجلّ) عبادَه، استفادوها من الآيات القرآنية، والأحاديث المروّية عن أهل بيت العصمة والطهارةعليهم‌السلام .

نذكر بعضها:

منها: الكمال والتربية، أي لأجل أن يرقى الإنسان إلى أعلى مراتب الكمال، ويخلص كما يخلص الذهب من التراب والرمل.

ومنها: العقوبة والتذكير، وأشار إليها الباري (عزّ وجلّ) بقوله:( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (1) .

وغيرها من الأسباب(2) .

ولنعود للآية الشريفة، فالآية جاءت لتبيّن سُّنّة من السُّنَن الإلهية، وهي سُّنّة التمييز على طول التأريخ، بلا زمان ولا مكان خاص.

ولذا رُوي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « لا تمضي الأيام والليالي حتى ينادي منادٍ من السماء: يا أهل الحقّ اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء».

قال: قلت: أصلحك الله، يخالط هؤلاء بهؤلاء بعد ذلك النداء؟

قال: « كلا، إنّه يقول في الكتاب:( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) »(3) .

وهكذا كانت المسيرة ابتداء من أوّل الخلقة، والمهم فيما نحن فيه هو

____________________

1- سورة الأعراف / 130.

2- انظر كتاب القصص القرآني / 51 - 56.

3- تفسير البرهان 2 / 122 ح1، تفسير العياشي 1 / 207 ح157، عنه تفسير كنز الدقائق 2 / 294 - 295، بحار الأنوار 52 / 222 ح86 عن تفسير العياشي.

١٧٨

ابتداءً من عهد النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يومنا هذا، وما كان في ضمن عهد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام سُنَّة الابتلاء ليس بأقل من عصر جدّهم المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فابتدأت الفتن والابتلاءات تتراً، وتأتي بألوان مختلفة في الغالب.

وبما أنّ مجلسنا معقود للإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، فنشير في المقام إلى الفتنة التي صاحبت عصرهعليه‌السلام ، بعد أن نعرّف قليلاً بهويته (سلام الله عليه).

الإمام مُحَمّد بن علي بن موسى الرّضا، تاسع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، كُنيته أبو جعفر، ولقبه التقيّ والجواد.

ولد في شهر رجب، أو شهر رمضان من سنة 195هـ، أُمّه سبيكه(1) من آل مارية القبطية، وكانت تتمتّع بفضائل أخلاقية سامية، وكانت أفضل نساء عصرها، حتى قال عنها الإمام الرضاعليه‌السلام : « قُدِّست أُمٌّ ولدته، قد خُلِقت طاهرة مطهّرة»(2) .

ولما استشهد أبوه الإمام الرضاعليه‌السلام كانت سِنُّهُ ثمانية أعوام تقريباً، واستشهد وله خمس وعشرون سَنَة، ودُفِن في مقابر قريش في بغداد إلى جانب جدّه موسى بن جعفرعليهم‌السلام .

وقد عاصر إمامنا الجوادعليه‌السلام في كلّ فترة إمامته خليفتين من خلفاء

____________________

1- وقيل أيضاً إنّ اسمها خيزران، الكافي 1 / 492.

2- عيون المعجزات / 107 - 108 عنه بحار الأنوار 50 / 15 ضمن ح 19، مدينة المعاجز 7 / 399 - 400 ح100.

١٧٩

الظلم والجور، والنطع والسيف من ظلمة بني العباس، هما: المأمون والمعتصم.

وقد أجبراه كلاهما على القدوم إلى بغداد، ووضعاه تحت الرقابة، كما صنع المأمون بأبيه الرضاعليه‌السلام .

وقد تعرّض المؤمنون في عهد الإمام الرضاعليه‌السلام إلى سُّنّة الابتلاء والامتحان؛ والسبب في هذه السُّنَّة يعود إلى أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام بلغ من العمر أربع وأربعين سَنَة، ولم يُولَد له ولد، وكانت الروايات المنقولة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تقول: بأنّ الأئمّة اثنا عشر من ولد الإمام الحسينعليه‌السلام ، فأصبح عدم وجود الخليفة الابن للإمام، وإمامته وامتدادها مثاراً للتشكيك؛ فراحت تتّخذ الواقفية ذلك ذريعة لإنكار إمامة الإمام الرضاعليه‌السلام .

بالإضافة إلى الدوافع المادية في أخذ الأموال التي كانت بأيدي وكلاء الإمام الكاظمعليه‌السلام ، والاستيلاء عليها.

وممّا يدلّ على ذلك اعتراض حسين بن قياما الواسطي على الإمام الرضاعليه‌السلام في ذلك، فقد كتب ابن قياما (وهو من رؤساء الواقفية) رسالة إلى الإمام الرضاعليه‌السلام يتّهمه فيها بالعُقم.

فكتب الإمام في جوابه: « وما علمُك أنّه لا يكون لي ولد، واللهِ لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني اللهُ ولداً ذكراً يفرّق بين الحقّ والباطل»(1) .

____________________

1- الكافي 1 / 320، باب النصّ على الإمام الجوادعليه‌السلام ح4، مدينة المعاجز 7 / 274 ح6، بحار الأنوار 50 / 22 ح10.

١٨٠