مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)0%

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
تصنيف: الصفحات: 272
المشاهدات: 43138
تحميل: 7098


توضيحات:

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام) المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43138 / تحميل: 7098
الحجم الحجم الحجم
مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مجالس المؤمنين في الأربعة عشر المعصومين (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المجلس الثالث: في الصدّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام

الواثبينَ لظُلمِ آلِ مُحَمّد

ومُحمّدٌ ملقىً بِلا تكفينِ

والقائلينَ لفاطمٍ آذيتِنا

في طُولِ نوحٍ دائمٍ وحنينِ

والقاطعينَ أراكةً كي ما تقيل

بظلِّ أوراقٍ لها وغُصونِ

ومجمّعي حطبٍ على البيت الذّي

لم يجتمع لولاه شملُ الدينِ

والداخلينَ على البتولةِ بيتَها

والمُسقطينَ لها أعزَّ جنينِ

والقائدينَ إمامَهم بنجادهِ

والطُّهرُ تعدو خلفَهم برنينِ

خلّوا ابن عمّي أو لأكشفَ للدُعا

رأسي وأشكو للإلهِ شُجوني

ما كان ناقةُ صالحٍ وفصيلُها

بالفضلِ عِندَ اللهِ إلاّ دوني

ورنت إلى القبرِ الشريفِ بمُقلةٍ

عبرى وقلبٍ مُكمَدٍ محزونِ

قالت وأظفارُ المُصاب بقلبِها

غوثاه قلَّ على العِداةِ مُعيني

أيُّ الرزايا اتّقي بتجلُّدي

هي في النوائب ما حَييِتُ قريني

فقدي أبي أم غصبَ بعلي حقَّه

أم كسرَ ضلَعي أم سقوطَ جنيني

أم أخذَهم إرثي وفاضلَ نِحلتي

أم جهلَهم حقّي وقدْ عرفوني(1)

* * *

____________________

1- القصيدة للشيخ صالح الكواز الحلّي (رحمه الله)، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ:

الشيخ صالح الكواز هو أبو المهدي ابن الحاج حمزة عربي المحتد، يرجع في الأصل إلى قبيلة (الخضيرات) إحدى عشائر شمّر المعروفة في نجد والعراق، ولد سنة 1233 هـ وتوفّي في شوال سنة 1290هـ، فيكون عمره 57 سنة، ودفن في النجف الاشرف.

كان على جانبٍ عظيمٍ من الفضل والتضلّع في علمي النحو والأدب. كان يتعاطى مهنة أبيه، وهي بيع (الكيزان) والجرار والأواني الخزفية؛ ولذلك اشتهر بالكواز.

ومع رقّة حاله، وضعف ذات يده يترفّع عن التكسّب بشعره

=

٤١

(بحراني)

يا ليت عينك شاهدتني وشافت الصار

يا والدي من اختارك الواحّد القّهار

هجموا عليَّ ونبّتوا بالصدر مسمار

وسياط قنفذ سوّت بمتني الرسوم

* * *

يبويه الگوم بعدك لوعوني

إجو للباب بويه أوروعوني

وره الباب يا بويه اعصروني

وطحت بويه وتجري منّي العين

* * *

____________________

=

سُئل الحاج جواد بَذقت - أبرع شعراء كربلاء المشهورين في عصر الكواز - عن أشعر من رثى الإمام الحسينعليه‌السلام .

فقال: أشعرهم مَنْ شبّه الحسين بنبيّين من أولى العزم في بيت واحد، وهو الشيخ صالح الكواز بقوله:

كأنَّ جسمَك موسى مذ هوى صعقا

وأنَّ رأسك روح الله مذ رُفعا

(أدب الطفّ 7 / 214 - 217).

٤٢

قال تعالى في محكم كتابه الكريم:( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) (1) .

السبب المذكور في نزول هذه الآية المباركة هو: أنّ نفراً من اليهود ومعهم (حي بن أخطب) وأخوه جاؤوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتجّوا بالحروف المقطّعة (الم) وقالوا: بموجب حساب الحروف الأبجدية، فإنّ الألف في الحساب الأبجدي تساوي الواحد، واللام تساوي الثلاثين، والميم تساوي الأربعين، وبهذه فإنّ فترة بقاء أُمّتك لا تزيد على إحدى وسبعين سنة.

ومن أجل أن يلجمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسائل، وقال ما معناه: لماذا حسبتم (ألم) وحدها؟ ألم تروا أنّ في القرآن (المص) و (الر) ونظائرها من الحروف المقطّعة، فإذا كانت هذه الحروف تدلّ على مدّة بقاء أُمّتي فلماذا لا تحسبونها؟ وعندئذٍ نزلت هذه الآية تردّ عليهم(2) .

والخطاب موجّه للنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتقول الآية:( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ) أي آيات صريحة وواضحة، والتي تعتبر الأساس والأصل لهذا الكتاب السماوي( هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، ثُمَّ إنّ هناك آيات أُخرى غامضة بسبب علوّ مفاهيمها وعمق معارفها، أو جهات أُخرى

____________________

1- سورة آل عمران / 7.

2- معاني الأخبار / 23 - 24. عنه تفسير الأمثل 2 / 385 - 395.

٤٣

( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) .

والمُلفت للنظر أنَّ هناك آية قرآنية دلّت على أنَّ القُرآنَ بكلّيته محكم، وأُخرى دلّت على أنّه بكلّيته متشابه، وثالثة دلّت على أنَّ بعضَه مُحكم وبعضَه مُتشابه.

أمّا التي دلّت على أنَّ القُرآنَ بكلّيته مُحكم فهي قوله تعالى:( الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ) (1) ، وهو ظاهر في أنّ جميعه محكم.

وأمّا التي دلّت على أنَّ جميع القرآن متشابه، فهي قوله تعالى:( كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ ) (2) ، وهي ظاهرة في كون القُرآن الكريم متشابهاً يشبه بعضه بعضاً.

أمّا الآية التي دلّت على أن بعضه محكم، وبعضه متشابه فهي الآية محلّ البحث.

وللجمع بين الآيتين والآية محلّ البحث يُقال: أنّ الآية التي بيّنت أنّ القرآن جميعه محكم، معناها أنّ القرآن فصيح الألفاظ، صحيح المعاني، ولا يتمكّن أحد من الإتيان بكلام يُساويه مهما بلغت رتبته، فهذا معنى وصفه جميعاً بأنّه محكم.

والآية التي ذكرت أنّ القرآن متشابه، أنّه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصدق، وإليه الإشارة بقوله تعالى:( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيه

____________________

1- سورة هود / 1.

2- سورة الزمر / 23.

٤٤

اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (1) ، أي لكان بعضه وارداً على نقض الآخر، ولتفاوت نسق الكلام في الفصاحة والركاكة(2) .

ما المقصود بالآيات المحكمة والمتشابهة؟

المحكم: من الإحكام وهو المنع؛ ولهذا يُقال للمواضع الثابتة القويّة: (محكمة)، أي أنّها تمنع عن نفسها عوامل الزوال، كما أنّ كلّ قولٍ واضح وصريح لا يعتريه أيّ احتمال للخلاف يُقال له (قول محكم).

وعليه فالآيات المحكمات هي الآيات ذات المفاهيم الواضحة التي لا مجال للجدل والخلاف بشأنها، كآية:( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وغيرها.

وهذه الآيات المحكمات تسمّى في القرآن الكريم (أُمّ الكتاب)، أي هي الأصل والمرجع، والمفسِّرة والموضِّحة للآيات الأُخرى.

(والمتشابه): هو ما تشابهت أجزاؤه المختلفة؛ ولذلك فالجُمَل والكلمات التي تكون معانيها معقّدة، وتنطوي على احتمالات مختلفة توصف بأنّها (متشابهة)، وهذا هو المقصود من وصف بعض آيات القرآن بأنّها (متشابهات)، أي الآيات التي تبدو معانيها لأوّل وهلة معقّدة، وذات احتمالات متعدّدة، ولكنّها تتّضح معانيها بعرضها على الآيات المحكمات،

____________________

1- سورة النساء / 82.

2- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 7 / 179.

٤٥

ومن أمثلة الآيات المتشابهة قوله تبارك وتعالى:( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (1) .

وتعتبر الآيات المحكمات بمثابة الطريق الرئيسي، والمتشابهات أشبه بالشوارع الفرعية، ولا شك أنّ الإنسان إذا ضلّ في طريق فرعي يسعى جاهداً للوصول إلى الطريق الرئيسي؛ ليتبيّن طريقه الصحيح فيسلكه.

ومن هنا عبّر القرآن عن المحكمات بـ (أُمّ الكتاب)؛ إذ أنّ لفظة (أُمّ) في اللغة تعني الأصل والأساس، وإطلاق الكلمة على (الأُمّ) أي الوالدة؛ لأنّها أصل الأسرة والعائلة، والملجأ الذي يفزع إليه أبناؤها لحلّ مشاكلهم، وعلى هذا فالمحكمات هي الأساس الجذر، والأُمّ بالنسبة للآيات الأُخرى(2) .

لماذا تشابهت بعض آيات القرآن؟

إنّ القرآن جاء نوراً لهداية عموم الناس، فما سبب احتوائه على آيات متشابهات فيها إبهام وتعقيد بحيث يستغلها المفسدون لإثارة الفتنة؟

ويمكن الجواب عن هذا التساؤل بالوجوه التالية:

أوّلاً: أنّ الألفاظ والكلمات التي يستعملها الإنسان للحوار هي لرفع حاجته اليومية في التفاهم، ولكن ما إن نخرج من نطاق حياتنا المادية وحدودها، كأن نتحدث عن الخالق الذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود، نجد

____________________

1- سورة الفتح / 10.

2- تفسير الأمثل 2 / 396 - 398. باختصار وتصرّفٍ يسير جدّاً.

٤٦

بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني، فنضطر إلى استخدام ألفاظ أُخرى، وإن كانت قاصرة لا تفي بالغرض تماماً من مختلف الجهات، وهذا القصور في الألفاظ عندنا هو منشأ الكثير من متشابهات القرآن.

ثانياً: أنّ كثيراً من الحقائق تختصّ بالعالَم الآخر، أو بعالَم ما وراء الطبيعة ممّا هو بعيد عن أفق تفكيرنا، وإنّنا بحكم وجودنا ضمن حدود سجن الزمان والمكان غير قادرين على إدراك كُنهها العميق؛ لقصور أفق تفكيرنا من جهة، وسموّ تلك المعاني من جهة أُخرى.

وهذا سبب آخر من أسباب التشابه في بعض الآيات كالتي تتعلّق بيوم القيامة مثلاً.

وهذا أشبه بالذي يريد أن يشرح لجنين في بطن أُمّه مسائل هذا العالم الذي لم يره بعد، فهو إذا لم يقل شيئاً يكون مقصِّراً، وإذا قال كان لا بدّ له أن يتحدّث بأسلوب يتناسب مع إدراكه.

ثالثاً: من أسرار وجود المتشابهات في القرآن إثارة الحركة في الأذهان والعقول، وإيجاد نهضة فكرية بين الناس.

وهذا أشبه بالمسائل الفكرية المعقّدة التي يعالجها العلماء؛ لتقوية أفكارهم، ولتعميق دقتهم في المسائل.

رابعاً: النقطة الأُخرى التي ترد بشأن وجود المتشابهات في القرآن وتؤيّدها أخبار أهل البيتعليهم‌السلام هي: أنّ وجود هذه الآيات في القرآن يُصوّر حاجة الناس إلى القادة الإلهيين والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأوصياء، فتكون سبباً يدعو الناس إلى البحث عن هؤلاء، واعتراف بقيادتهم عملياً، والاستفادة من

٤٧

علومهم الأُخرى أيضاً، وهذا أشبه ببعض الكتب المدرسية التي أُنِيطَ فيها شرح بعض المواضيع إلى المدرّس نفسه؛ لكي لا تنقطع علاقة التلاميذ بأستاذهم، ولكن يستمروا بسبب حاجاتهم هذه في التزوّد منه على مختلف الأصعدة.

وهذا أيضاً مصداق وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث قال: « إنّي تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وأهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(1) .

ثمّ انتقلت الآية المباركة بعد هذا التفصيل للآيات بأنّ منها محكم ومنها متشابه، فذكرت أنّ الذين في قلوبهم زيغ لا يتّبعون الآيات المحكمة؛ لوضوحها وعدم انطلائها على الناس، فيتّخذون أسلوباً آخر وهو ما أشارت إليه الآية، حيث قالت:( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) .

فهذه الآيات المتشابهة إنّما ذُكِرت لاختبار العلماء الحقيقيين، وتميّزهم عن الأشخاص المعاندين اللجوجين، الذين يطلبون الفتنة؛ فلذا يفسّرون هذه الآيات المتشابهة وفقاً لأهوائهم، ويضلّون الناس ويشبّهون عليهم، بسبب الانحراف عن الخطّ المستقيم والتمايل إلى جهة.

والزيغ في القلب: بمعنى الانحراف العقائدي عن الصراط المستقيم.

____________________

1- الإرشاد 1 / 176، كنز الفوائد / 152، أمالي الشيخ الطوسي / 255 ح52، الطبقات الكبرى 2 / 194، الكامل 6 / 67، تاريخ مدينة دمشق 54 / 92، سير أعلام النبلاء 9 / 365، مناقب الخوارزمي / 154، فضائل الصحابة / 15، مسند أحمد 5 / 182، والحديث متواتر، وانظر تفسير الأمثل 2 / 398 - 400.

٤٨

فهم بعقولهم المنحرفة يحاولون أن يؤوّلوا الآيات بصورة تخالف حقيقتها، وكما ذكرنا في سبب نزول هذه الآية أنّ بعض اليهود أوّلوا تلك الحروف المقطّعة في القرآن تأويلاً لا يتّفق مع الحقيقة، فقالوا إنّها تحدّد عمر الإسلام.

وما هذا التأويل إلاّ لأجل إثارة الفتنة بين الناس، غير أنّ الله تبارك وتعالى والراسخين في العلم - وهم خلفاء الله في الأرض - يعرفون أسرار هذه الآيات ويشرحونها للناس، فهم بعلمهم الواسع يفهمون المتشابهات، كما يفهمون المحكمات؛ ولذ انتقلت الآية وقالت:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) .

وهناك نقاش بين المفسّرين والعلماء حول الواو في هذه الآية في قوله (والراسخون) هل هي حرف عطف، أم حرف استئناف وتكون الجملة مستقلة؟

ولكلِّ واحد من الفريقين أدلّته وشواهده، غير أنَّ الروايات المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ذكرت أنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويله، وأوضحت مصداقهم وأنّهم مُحَمّد وآلُ مُحَمّدعليهم‌السلام ، كما في رواية أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « نحن قوم فرض الله (عزّ وجلّ) طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم».

وفي رواية أُخرى أنّهعليه‌السلام قال: « آل مُحَمّد الراسخون في العلم»(1) .

____________________

1- انظر تفسير البرهان 2 / 8 - 9 ح5 وح7، تفسير كنز الدقائق 2 / 17.

٤٩

ويمكن الاستدلال على ذلك:

أوّلاً: يستبعد كثيراً أن تكون في القرآن آيات لا يعلم أسرارها إلاّ الله وحده، ألم تنزل هذه الآيات لهداية البشر وتربيتهم؟ فكيف يمكن أن لا يعلم بمعانيها وتأويلها حتى النبيّ الذي نزلت عليه؟

وثانياً: إذا كان القصد هو أنّ الراسخين في العلم يسلّمون لما لا يعرفونه، لكان الأولى أن يُقال: والراسخون في الإيمان يقولون آمنّا به؛ لأنّ الرسوخ في العلم يتناسب مع العلم بتأويل القرآن، ولا يتناسب مع عدم العلم به والتسليم له.

ثمّ انتقلت الآية وختمت ذلك بقوله تعالى:( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) تشير هذه الجملة في ختام الآية إلى أنّ هذه الحقائق يعرفها المفكّرون وحدهم، فهم الذين يدركون لماذا ينبغي أن يكون في القرآن (محكمات) و (متشابهات)، وهم الذين يعلمون أنّه يجب وضع المتشابهات إلى جانب المحكمات لكشفها؛ لذلك روي عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أنّه قال: « مَنْ ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدِيَ إلى صراط مستقيم».

ثمّ قال: « إنّ في أخبارنا متشابهاً كتشابه القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتّبعوا متشابهها فتضلّوا»(1) .

لكن للأسف ترى بعض مَنْ يدّعي

____________________

1- عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 / 261 ح39، وسائل الشيعة 27 / 115 ح22، الاحتجاج 2 / 192، بحار الأنوار 2 / 185 ح9.

٥٠

الصحبة للنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله سلك هذه المسالك، ومسالك أُخرى؛ لأجل التعمية على عوام الناس بحجج واهية، كما فعل الأوّل في حديث: « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة»(1) ؛ لأجل أخذ فدك من الزهراءعليها‌السلام .

وروى هذا مدّعياً أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله، والنبيّ منه بريء؛ إذ كيف يخالف رسولُ الله كتابَ الله (عزّ وجلّ) أيعقل ذلك؟

ولذا جاءت الزهراءعليها‌السلام - وهي من الراسخين في العلم - وبيّنت له مواريث الأنبياء من كتاب الله، كقوله تعالى:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) (2) ، وغيرها فلم يحر جواباً، وكيف يستطيع الجواب وقد أوقع نفسه في التهافت؛ إذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (ونحن معاشر الأنبياء نورّث العلم)(3) ، والزهراء قد ورثت ذلك العلم فهي أعلم بموارد الإرث من هذا المدّعي، وأمّا الإرث بما هو مال فقد ورثت نساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله منه، ولم يُحرِّم الله تبارك وتعالى عليهنّ ذلك.

نعم، ورثت الزهراءعليها‌السلام من أبيها الآلام والأحزان من بعض مَنْ يدّعي الصحبة؛ ولذا يقول ابن عباس: لمّا حضرت رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة بكى حتى بلّت دموعُهُ لحَيَته، فقيل له: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما يبكيك؟

فقال: « أبكي لذريّتي، وما تصنع بهم شرارُ أُمّتي من بعدي! كأنّي بفاطمة بنتي وقد ظُلِمتْ بعدي، وهي تنادي: يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أُمّتي».

فسمعت ذلك فاطمةعليها‌السلام

____________________

1- التعجب / 51، انظر رسالة الشيخ المفيد حول الحديث / 4 - 30 ففيها الكفاية والهداية.

2- سورة النمل / 16.

3- انظر الاحتجاج 1 / 142، بحار الأنوار 29 / 231 وما في المتن مضمون الحديث.

٥١

فبكت، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تبكيَنَّ يا بُنية «.

فقالت: لست أبكي لما يُصنَعُ بي من بعدِك، ولكنّي أبكي لفراقك يا رسول الله.

فقال لها: « ابشري يا بنت مُحَمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بسرعة اللحاق بي؛ فإنّك أوّل مَنْ يلحق بي من أهل بيتي»(1) .

وفعلاً كانت مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام أوّل مَنْ مات شهيداً من أهل بيت مُحَمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد أن كانت دائمة الحزن والبكاء على فقد خير الأنبياء؛ ولذا روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: « غَسَّلتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قميصه، فكانت فاطمةعليها‌السلام تقول: أرني القميص، فإذا شمّته غُشِيَ عليها، فلمّا رأيتُ ذلك غيَّبتُه»(2) .

وروي أنّه لمّا قُبِض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله امتنع بلال من الأذان، قال: لا أُأَذّن لأحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن فاطمةعليها‌السلام قالت ذات يوم: « إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأذان».

فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان، فلمّا قال: الله أكبر الله أكبر، ذكرتعليها‌السلام أباها وأيّامه، فلم تتمالك من البكاء، فلمّا بلغ إلى قوله: أشهد أنّ مُحَمّداً رسول الله، شهقت فاطمةعليها‌السلام وسقطت لوجهها وغُشِيَ عليها.

فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال(3) .

وهكذا بقيت بنت رسول الله إلى أن دنت منها الوفاة، ولكن بأيِّ حالٍ رحلت من هذه الدنيا؟

يصف ذلك الشيخ الأصفهاني (رحمه الله)، حيث يقول:

____________________

1- أمالي الشيخ الطوسي / 188 ح18، عنه بحار الأنوار 28 / 41 ح4، 31 / 620 - 621 ح103، 43 / 156 ح2.

2- بحار الأنوار 43 / 157 ح6.

3- من لا يحضره الفقيه 1 / 297 - 298 ح907، عنه بحار الأنوار 43 / 157 ح7، الدرجات الرفيعة / 365.

٥٢

وللسياط رنةٌ صداها

في مَسمَعِ الدهرِ فما أشجاها

والأثرُ الباقي كمثلِ الدُمْلُجِ

في عَضُدِ الزهراءِ أقوى الحججِ

ومن سوادِ متنها اسودَّ الفضا

يا ساعَدَ اللهُ الإمامَ المرتضى

ووكزُ نعلَ السيف في جنبيها

أتى بكلِّ ما أتى عليها

إلى أن يقول أكثر من ذلك:

وجاوزوا الحدَّ بلطمِ الخدِّ

شُلَّتْ يدُ الطغيانِ والتعدّي

فاحمرّتِ العينُ وعينُ المعرفه

تذرفُ بالدمعِ على تلك الصفه

ولا يُزيلُ حمرةَ العينِ سوى

بيضُ السيوفِ يومَ يُنشَرُ اللوى(1)

يا مولاي يا فرج الله اظهر لتأخذ بثارات جدّك وجدّتك.

يا بدر آل المصطفى عجّل بالظهور

عجّل تره الدنيا امتلت بالظلم والجور

عجّل ولا تنسه غريب الغاضريه

والصدر اللي رضرضتَه الأعوجيه

والشيخه اللي دخلت المجلس هديه

مجلس يزيد بن الخنه شراب الخمور

متى يشع إعله العوالم نور طيبه

يمحو الظلم والجور نور الله وحبيبه

عجّل يبو صالح تره طالت الغيبه

عجّل وأخذ ثار اللي انذبح بالغاضريه

* * *

____________________

1- الأنوار القدسية / 21 - 22.

٥٣

أفاطمُ لو خلتِ الحسينَ مُجدّلا

وقد ماتَ عُطشاناً بشطِ فراتِ

إذن للطمتِ الخدَ فاطمُ عنده

وأجريتِ دمعَ العينِ بالوجناتِ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل مُحَمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

٥٤

المجلس الرابع

في الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

٥٥

٥٦

المجلس الرابع: في الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

جَحدوا ولاءَ المُرتضى ولَكَم وعَى

منهم له قلبٌ وأصغى مسمعُ

وبما جَرى من حِقدِهم ونفاقِهم

في بيتهِ كُسِرَتْ لِفاطمَ أضلُعُ

وعَدوا على الحَسن الزكّي بسالفِ الـ

أحقادِ حِينَ تألّبوا وتجمّعوا

ما زال مُضطَهداً يُقاسِي مِنهُمُ

غُصصاً بها كأسُ الرّدى يتجرّعُ

حتّى إذا نفذَ القَضاءُ مُحتّماً

أضحى يُدسُّ إليه سُمٌ مُنقعُ

وتفتّتَ بالسُّمِ مِن أحشائِه

كَبِدٌ لها حتّى الصفا يتصدّعُ

وقضى بعينِ اللهِ يَقذِفُ قلبَه

قِطعَاً غدتْ ممّا بها تتقطّعُ

للهِ أيّ رزيةٍ كادتْ لَها

أركانُ شامخةِ الهُدى تَتَضَعضَعُ

رُزءٌ بكتْ عينُ الحُسينِ لهُ ومِنْ

ذَوبِ الحشا عبراتُه تتدَفّعُ

يومَ انثنى يدعو ولكنْ قلبُهُ

ذاوٍ ومُقلتُه تفيضُ وتدمعُ

أترى يطيفُ بيَ السّلُو وناظري

مِنْ بعدِ فقدِك بالكَرى لا يُجمَعُ

خلفّتني مرمَى النوائبِ ليس لي

عَضُدٌ أردُّ به الخُطوبَ وأدفعُ

وتركتني أسفاً أردَّدُ بالشجى

نَفَساً تُصعِّده الدموعُ الهُمّعُ(1)

* * *

____________________

1- القصيدة للسيّد محمد حسين الشهير بالكيشوان، قال عنه السيّد جواد شبّر (رحمه الله) في أدب الطفّ: السيّد محمد حسين ابن السيّد كاظم ابن السيّد علي بن أحمد الموسوي القزويني، الشهير بالكيشوان النجفي. ولد في النجف عام 1295 هـ. مشهور بعلمه وتحقيقه، ذو نظر صائب وفكر وقّاد، أديب له الصدارة في المجالس، والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين.

ذكره صاحب (الحصون المنيعة) فقال: فاضل مشارك في العلوم، سابق في المنثور والمنظوم، له فكرة تخرق الحجب، وهمّة دونها الشهب، وشعر يسيل رقّة، وخطّ يشبه العذار دقّة، إلى حسن أخلاق وطيب أعراق، وحلو محاضرة مع الرفاق، ونسك وتُقى بعيد عن الرياء والنفاق، وله شعر كثير بديع التركيب.

=

٥٧

(فائزي)

واحسين نادى عيشتي گشره بلياك

خذني يخويه للگبر روحي فداياك

ايذوب گلبي لو بچت حولي يتاماك

ما أوحش الدنيا عگب عينك يمسموم

ويلاه يوم احسين ودّع للشفيه

أونادى يخويه اتشمت العدوان بيه

انته بأرض طيبه وأنا في الغاضريه

جسمي امجدّل والغسل من فيض الدموم

خويه بهوادي الليل تنعاك المحاريب

خويه المنابر عگب عينك شگت الجيب

يا خويه عيشي من بعد عينك فلا يطيب

أو عيني عگب عينك أبد ما تگبل النوم

* * *

____________________

=

أمّا رسائله وأدبه النثري، ونوادره وملحه: فمنها يتألّف مؤلّف قائم بنفسه. توفّي ليلة الأحد 28 ذي القعدة الحرام سنة 1356 هـ. ودُفن في الصحن العلوي في الجهة الغربية الشمالية (رحمه الله رحمة واسعة) وبقيت روائعه تردّدها ألسنة الخطباء. (أدب الطفّ 9 / 164 - 166).

٥٨

قال تعالى:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

لقد حاول أعداء الإسلام محاولات عديدة لإطفاء نور الله وإخفاض كلمته، وجعل يده تحت أيديهم، متغافلين أنّ نورَه (عزّ وجلّ) لا يُطفَأ، وكلمتُه هي العليا، ويده فوقَ أيديهم.

لقد حاول هؤلاء مرّات عديدة، وبأشكال مختلفة من عهد النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يومنا هذا، ومن أوّل معصوم وحُجّة إلى آخر معصوم وحُجّة.

فحاولوا إطفاءَ نور الإسلام المحمّدي الأصيل، فوجّهوا للنبيّ الخاتم مُحَمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله اتّهامات عديدة.

منها: أنّه ساحر، وأنّه كذَّاب، وأنّه مُعلَّم، وأنّه مجنون - نستعيذ بالله من كلّ ما قالوه - إلى غير ذلك.

وهكذا اعترضوا على القرآن الكريم باعتراضات متعدّدة.

منها: أنّه يُكذِّب بعضه بعضاً، وأنّه يمكن أن يُؤتَى بمثله، وليس بمعجز، وإلى يومنا هذا يُقال هذا الكلام، بل يقول البعض من المعاصرين: إنّ الإتيان بآية من القرآن الكريم، أو سورة قصيرة في تناول الفضلاء فضلاً عن

____________________

1- سورة التوبة / 32.

٥٩

العلماء(1) .

إذاً، المشكلة ليست قديمة وانتهت، بل هي مستمرة إلى يوم القيامة، فالمحاولات كانت ولا زالت قائمة على إطفاء النور.

وهذه المحاولات البائسة الواهية، منشؤها الأوّل هو اليهود، ومَنْ حام حولهم، ووضع يده بأيديهم.

وهذه الآية التي افتتحنا بها المجلس جاءت ضمن آيات عديدة تتحدّث عن أسلوب اليهود والنصارى، ومَنْ معهم في التضليل والإضلال، فلو رجعنا إلى الآيات التي قبل هذه الآية من سورة التوبة نجد أنَّ الباري (عزّ وجلّ) يذكر ذلك، حيث قال تعالى في الآيتين الثلاثين والحادية والثلاثين من سورة التوبة:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

ثمّ قال تعالى:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) .

نعود للآية المباركة فقد عبرّت بـ (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم).

وهذا المعنى موجود في آية أُخرى من القرآن بتغيير يسير يأتي التعرّض له لاحقاً.

____________________

1- مشرعة بحار الأنوار 1 / 323.

٦٠