ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم0%

ما منا إلا مقتول أو مسموم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

ما منا إلا مقتول أو مسموم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 181
المشاهدات: 29787
تحميل: 6571

توضيحات:

ما منا إلا مقتول أو مسموم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29787 / تحميل: 6571
الحجم الحجم الحجم
ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم

تأليف: الاُستاذ جعفر البياتي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

الإهداء

إليك يا حبيب اللّه.

أيّها المصطفى المظلوم المسموم؛ حيث امتدّتْ إليك يد الكفر الموتور، فدسّت إليك السمّ، فمازلتَ تعانيه حتّى قضيت شهيداً عن حياةٍ حافلة عشتها، فقلت: «ما أُوذي نبيّ مثلَ ما اُوذيت».

أجل يا مولاي، اُوذيت في نفسك فصبرت، فما كان من أصحاب اللؤم إلاّ أن قتلوك، ثمّ اُوذيت في أهل بيتك، فما أسرع أن قُتلت ابنتُك وبضعتُك الطاهرة فالتحقت بك. ثمّ ورد عليك أخوك المرتضى وأبناؤه الأطياب واحداً بعد واحد، منهم مَنْ قتلوه بالسيف، ومنهم بالسمّ، ومنهم بكليهما.

فما أشدَّ ما آذَوك بذلك يا رسول اللّه! وما زلت تنظر إلى ما جرى ويجري على أهل بيتك وعلى شيعتهم ومحبّيهم من السبي والأسر، ومن القتل والإقصاء والحبس. فإنّا لله، وإنّا إليه راجعون.

٤

تمهيد

الحمد للَّه ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على النبيّ المصطفى الأمين وعلى آله الميامين.

لا يخفى أنّ رسول اللَّه وأهل بيته (صلوات اللَّه عليه وعليهم) هم أحبُّ الخلقِ إلى اللَّه تبارك وتعالى، وقد وهبهم اللَّه (جلّ وعلا) جميع الفضائل والكمالات والمبرّات، ومنها: القتل في سبيل اللَّه (عزّ وجلّ)، فذاك رزقٌ كريم لا يُلقّاه إلاّ ذو حظٍّ عظيم.

يقول النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فوق كلّ ذي بِرٍّ بِرٌّ حتّى يُقتَل الرجل في سبيل اللَّه، فإذا قُتل في سبيل اللَّه (عزّ وجلّ) فليس فوقه برّ»(1) . ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً: «أشرفُ الموت قتلُ الشهادة»(2) .

بعد هذا، لا يُتَصوَّر أن يوهب هذا الخير وذاك الفضل كثيرٌ من الناس، ثمّ يُحرم منه أشرفُ الخلق عند اللَّه وأعزّهم عنده محمّدٌ وآله (صلوات اللَّه عليه وعليهم).

ومن البيّن أنّ شهادتهمعليهم‌السلام

____________________

(1) الكافي - للشيخ الكلينيّ 2 / 348 - باب العقوق ح 4.

(2) أمالي الصدوق / 395 - الباب 74، ح 1. عنه: بحار الأنوار - للشيخ المجلسيّ 100 / 8 ح 4.

٥

هي أعلى مقامات الشهادة في عالم الإمكان وأخلصها وأصفاها، تبعاً لعلوّ منازلهم عند اللَّه (عزّ وجلّ).

ولكي نقف على المحجّة الواضحة في توثيق الأمر حاولنا إقامة الأدلّة على ذلك، وعرض البراهين التي تكفي إن شاء اللَّه تعالى في إقناع مَنْ ضاعت عليه هذه الحقيقة.

وقد ذكرنا في هذه الوريقات جملةً صالحة من النصوص على شهادة كلّ معصوم، غير مدّعين الاستقصاء؛ لأنّ استقصاء الروايات في هذا المضمار، وبحثها متناً وسنداً يحتاج إلى بيان بعض مباني الاستدلال، وأحوال كثير من الرجال، والجمع بين وجوه المداليل، وذلك يحتاج إلى مجال واسع جدّاً، وهو غير ما عُقد له هذا الكتاب؛ فإنّ المتوخّى منه هو دفع شُبهةِ بعض المنكِرين الذين حدا بهم جهلهم، أو حقدهم إلى إنكار شهادة مَن سوى عليّ والحسينعليهما‌السلام ، خالِطاً - جهلاً أو تجاهلاً - بين حُكْم الشهيد من عدم التغسيل والتكفين، وبين حقيقة الشهادة التي هي معنىً إلهيّ خاصّ يُحبى به قومٌ خاصُّون.

وهذا المعنى مشتقّ من أحد المعاني اللغويّة التي تنطبق كلّها على المعصومين، بل هم رأسها وعينها ولبُّ لبابها. قال الشيخ الأديب فخر الدين الطريحيّ: وفي حديث ذِكْر الشهيد «وهو مَنْ مات بين يدَي نبيٍّ أو إمامٍ معصوم، أو قُتل في جهاد سائغ»، قيل: سُمّي بذلك لأنّ ملائكة الرحمة تشهده، فهو شهيد بمعنى مَشْهُود.

وقيل: لأنّ اللَّه وملائكته شهودٌ له في الجنّة.

وقيل: لأنّه ممّن استُشهد يوم القيامة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأمم الخالية. ومن ذلك قوله تعالى:( لِتكونوا شُهداءَ على

٦

النّاسِ ) ، حيث رُوي أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغَ الأنبياء، فيطلب اللَّهُ الأنبياءَ بالبيّنة على أنّهم قد بلّغوا، فيُؤتى بأمّة محمّد فيشهدون لهمعليهم‌السلام ، وهو يزكّيهم.

وروي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: «إيّانا عنى؛ فرسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد علينا، ونحنُ شهداءُ اللَّه على خلقه، وحجّته في أرضه».

وقيل: لأنّه لم يمت؛ كأنّه شاهد، أي حاضر، أو لقيامه بشهادة الحقّ في اللَّه حتّى قُتل، أو لأنّه يشهدُ ما أعدّ اللَّهُ له من الكرامة، وغيره لا يشهدها إلى يوم القيامة، فهو على هذه المعاني (فعيل) بمعنى (فاعل)(1) .

والمعصومون الأربعة عشر كلّهم شهداء بتصريحات تفاسير النبيّ وأهل البيت (صلوات اللَّه عليهم) للآيات القرآنيّة، وكلمات رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناصّة على ذلك، وبإخباراتهم همعليهم‌السلام بذلك، وبتأكيدات الوقائع التاريخيّة؛ فإنّهم جميعاً قُتلوا وسُمُّوا فذهبوا إلى اللَّه تعالى وكلٌّ منهم (شهيد).

فالشهيد إذاً مأخوذ من أحد المعاني الاشتقاقيّة اللغويّة آنفة الذِّكْر، وهي منطبقة تماماً على المعصومينعليهم‌السلام ، وعلى مَنْ قُتل بين أيديهم بشروط خاصّة، غاية الأمر اختصاص المقتول بين أيديهم ببعض الأحكام - مثل عدم التغسيل والتكفين - التي لا

____________________

(1) انظر مجمع البحرين 3 / 77 و 81.

٧

مدخليّة لها في أصل ماهيّة الشهادة.

وهناك رهطٌ آخرون حُبُوا من اللَّه بثواب الشهيد لا بحقيقة الشهادة(1) ، وذلك في مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ مات على حُبِّ آل محمّد مات شهيداً»(2) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات شهيداً»(3) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له: «فإنّه مَنْ مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربِّه وحقِّ رسوله وأهلِ بيته مات شهيداً، ووقع أجره على اللَّه»(4) .

وذكر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شهداء أمّته - غير الشهيد الذي قُتل في سبيل اللَّه مُقبِلاً غير مُدْبر - الطعين، والمبطون، وصاحب الهدم، والغرق، والمرأة يعترض ولدها في بطنها فتموت...(5) .

وعلى كلّ حال، فمَنْ نُصّ على أنّه يموت شهيداً حُملت شهادته على الحقيقة - كما في شهادات المعصومينعليهم‌السلام - وإلاّ حملت على المجاز كما في المذكورين آنفاً.

وفي هذا الكتاب - على صغر حجمه - ستقف أخي القارئ إن شاء اللَّه على حقيقة ناصعة مفادها أنّهم قُتلوا بالسيف، أو سُمّوا من

____________________

(1) أعمّ من كونها ذات أحكام مخصوصة أو ليست لها تلك الأحكام.

(2) تفسير الكشّاف 3 / 303، وتفسير الفخر الرازي 7 / 405.

(3) بحار الأنوار 1 / 186.

(4) نهج البلاغة / 204 - خ 190.

(5) انظر دعائم الإسلام 1 / 225 - 226، بأدنىتصرّف.

٨

قِبَل ظالمي عصورهم وأزمنتهم، وكثير من الروايات المذكورة هنا معتبرة، ومنها الصحاح والحسان والموثّقة، والبواقي تعتضد بها، هذا كلّه في جانب.

وفي جانب آخر نرى النصوص التاريخيّة متظافرةً متوافرة، وليس هناك دواعٍ ماديّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة تحدو بالمؤرّخين لِذكْر مثل هذه المواضيع الخطيرة في أزمنة العسف والإرهاب، والتي يكفي واحدٌ منها - لو عثرَت عليه السلطة - لأنْ يُودِي بحياة كاتبه، أو يزيله عن منصبه واعتباره على أقلّ تقدير. ومع ذلك نرى جمهرة من المؤرّخين الشافعيّين والحنفيّين وغيرهم من أتباع المذاهب يؤكّدون حقيقةَ شهادة المعصومينعليهم‌السلام .

ومع كلّ ما ذكرناه، نؤكّد للقارئ الكريم أنّ ما نقَلْناه هنا هو أقلّ القليل، وغيض من فيض، توخّينا من خلاله الإشارة إلى حقيقة أنّهمعليهم‌السلام قُتلوا بالسيف أو بالسمّ، ولا أظنّ منصفاً يشكّ في هذه الحقيقة بعد وقوفه على هذا النزر اليسير.

وفي نهاية المطاف نودّ التنبيه على أنّنا ذكرنا بشيء من التركيز بعضَ الشهادات لجهاتٍ خاصّة، فما تراه من إخبارات نبويّة بشهادة أمير المؤمنين والحسينعليهما‌السلام إنّما ذكرناه لعِظَم هاتينِ الفاجعتين اللّتَين أرّقتا عينَيْ رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومثل ذلك صنعنا في شهادة اُمّ أبيها الزهراء البتولعليها‌السلام ؛ وذلك لحساسيّة هذا الموضوع، وارتباطه بنسف أصل قواعد حكومة الظالمين الغاصبين؛ ولأنّ ناعِقة نعقت مشكّكة بهذه الحقيقة الصارخة.

٩

وقبل كلّ ذلك، أطَلْنا بعض الشيء في ذكر شهادة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحلنا التفاصيل على الكتب والأبواب والفصول التي عُنِيت بذلك على الخصوص.

وفي ختام هذه التقدمة، أرجو أن لا أكون قد حفتُ على أحد برأي أو فكرة، كما أرجو أن لا يحيف أحدٌ عليَّ بذلك، متقبّلاً كلَّ نقدٍ واعتراض شريطة أن يكون نقداً نزيهاً مطابقاً لموازين العلم.

والآن ننقل اليراع إلى أدلّة الشهادة، فإلى هناك:

١٠

أدلّة الشهادة

مَنْ تتبّع موضوع وفاة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووفاة الأئمّة الأطهار من أهل بيته (صلوات اللّه عليهم أجمعين) عثر على جملةٍ وافرة من الأخبار والروايات القائلة بشهادتهم.

وإذا أردنا تصنيفها استطعنا أن نجعلها في قسمين:

الأوّل : الروايات العامّة التي تذكر أنّ الأنبياء والأوصياء (صلوات اللّه عليهم جميعاً) قد خُتمت حياتهم الشريفة بـ (الشهادة)، منها: قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما مِن نبيّ ولا وصيّ إلاّ شهيد»(1) .

وقول الإمام الحسن بن عليّعليهما‌السلام حين صعد المنبر بعد استشهاد والده أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال في جملة خطبته الشريفة: «ولقد حدّثني حبيبي جدّي رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما مِنّا إلاّ مقتول أو مسموم»(2) .

____________________

(1) بصائر الدرجات - للصفّار القمّيّ 10 / 523 - الباب 17،ح 5. عنه: بحار الأنوار - للمجلسي 22 / 516، ح 21.

(2) كفاية الأثر / 160 - 162، رواه بهذا السند: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن

١١

وجاء عن العالم الفاضل ابن شهر آشوبرحمه‌الله : وذهب كثير مِن أصحابنا إلى أنّ الأئمّة خرجوا مِن الدنيا على الشهادة، واستدلّوا بقول الصادقعليه‌السلام : «واللّهِ ما منّا إلاّ مقتول شهيد»(1) .

____________________

محمّد بن سعيد الخزاعيّ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ، قال: حدّثنا محمّد بن زكريّا الغلاّبي، قال: حدّثنا عتبة بن الضحّاك، عن هشام بن محمّد، عن أبيه، قال: لمّا قُتل أمير المؤمنينعليه‌السلام رَقَى الحسنُ بن عليعليهما‌السلام المِنبر...

وقد روى الخزّاز أيضاً في ص 227 من كفاية الأثر مِثْل هذا المضمون، فقال: حدّثني محمّد بن وهبان البصريّ، قال: حدّثني داود بن الهيثم بن إسحاق النحويّ، قال: حدّثني جدّي إسحاق بن البهلول بن حسّان، قال: حدّثني طلحة بن زيد الرَّقيّ، عن الزبير بن عطاء، عن عمير بن هاني العبسيّ، عن جُنادة بن أبي أُميّة، قال: دخلتُ على الحسن بن عليّعليهما‌السلام في مرضه الذي تُوفّي فيه... فقلت: يا مولاي، ما لك لا تُعالج نفسَك؟ فقال: «يا عبد الله، بماذا أُعالج الموت؟!».

قلت: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون.

ثمّ التفتَ إليّ وقال: «واللهِ، إنّه لعهدٌ عَهِده إلينا رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ هذا الأمر يملكُه اثنا عشر إماماً... ما منّا إلاّ مسمومٌ أو مقتول».

وأخرجه النباطيّ البياضيّ في (الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم 2 / 128). ولا يفوتك أنّ المراد من كلمة (مقتول) تعني القتلَ بالسُّمّ.

(1) مناقب آل أبي طالب 2 / 51.

وصرّح بمثل ذلك أمين الإسلام الطبرسيّ في إعلام الورى بأعلام الهدى 2 / 131 - 132، حيث قال في ترجمة أحوال الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ما هذا نصّه: وذهب كثيرٌ من أصحابنا إلى أنّهعليه‌السلام مضى مسموماً، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّةعليهم‌السلام خرجوا من الدنيا

١٢

التفاتة

نصّ الحديث السابق لمولانا الإمام أبي محمّد الحسن المجتبى (سلام اللّه عليه) على هذه العبارة: «واللّهِ إنّه لَعَهْدٌ عَهده إلينا رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وآله) أنّ...»(1) .

وفي الرواية الأولى عن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام : «لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الأمر يملكه اثنا عشر إماماً مِن أهل بيته وصفوته ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم»(2) .

أمّا النصّ الصادقيّ الذي رواه ابن شهر آشوب فيبدأ بـ «واللّهِ ما منّا...».

وهنا يلفت القسَمُ والتأكيد اللفظيّ والمعنويّ اهتمامنا، فنرى كأنّ الأئمّةعليهم‌السلام أرادوا تأكيد حقيقة يُراد لها يوماً ما أنْ تخفى أو تُطمس، وهي شهادتُهم ومظلوميّتُهم.

أمّا صورة التأكيد فهي القسَم، وذكْر الأمر على صيغة الجمع (ما مِنّا إلاّ) مقدَّماً له بالنفي بـ (ما) والاستثناء بـ (إلاّ) وهي هنا أداة حصر، تثبيتاً لحقيقة أنّ وفاتهم لا تكون بغير الشهادة: (قتلاً بالسيف، أو بالسمّ).

وكذا إسناد الأمر إلى نبوءة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

بالشهادة، واستدلّوا في ذلك بما رُويَ عن الصادقعليه‌السلام من قوله: «واللهِ، ما منّا إلاّ مقتولٌ شهيد». انتهى كلامه.

وبمثل ذلك صرّح ابن الصبّاغ المالكيّ في فصوله المهمّة / 290 ناسباً ذلك إلى كثير من الشيعة، ممّا يعني اشتهار هذا الاعتقاد عند الشيعة.

(1) كفاية الأثر / 227.

(2) كفاية الأثر / 162.

١٣

المُخبر عن اللّهِ حقّاً وصدقاً. ولم يخلُ الأمر من الإشارة إلى أنّهم جميعاً أولياء، وأنّهم جميعاً شهداء.

وعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (صلوات اللّه عليه) قال: «ما منّا إلاّ مقتول»(1) ، أي بالسيف أو بالسم.

هذا ما يُثبت أنّهم (صلوات اللّه عليهم أجمعين) قضَوا شهداءَ مظلومين(2) . أمّا تبيان ذلك فإنّه يتطلّب الاطّلاع على القسم الثاني من الأخبار،وهي الروايات الخاصّة التي تذكر :

أوّلاً: أسماء الأئمّة الأبرارعليهم‌السلام .

وثانياً: أسماءَ قتَلتهم (عليهم لعائنُ اللّه المتّصلة).

قال الشيخ الصدوق (رضوانُ اللّه تعالى عليه): اعتقادنا في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سُمّ في غزاة خيبر، فما زالت هذه الأُكلةُ تعاودُه حتّى قطعت أبهرَه فمات منها، وأمير المؤمنينعليه‌السلام قتله عبد الرحمن بن ملجم (لعنه اللّه)، ودُفن بالغري، والحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام سمّته

____________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام - للشيخ الصدوق 2 / 203 ح 5، عن تميم القرشيّ، عن أبيه، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن أبي الصلت الهرويّ، عن الرضاعليه‌السلام .

(2) وسيأتيك المزيد عن تصريحات الأعلام بأنّ الأحاديث والروايات بهذا المضمون متكثّرة جدّاً كما ستعلم، وقد تبلغ بمجموعها حدَّ التواتر المعنويّ، فتأمّل.

١٤

امرأته جِعدةُ بنت الأشعث الكنديّ (لعنهما اللّه)، فمات من ذلك، والحسين بن عليّعليهما‌السلام قُتل بكربلاء، قتله سنانُ بن أنس النخعيّ (لعنه اللّه)، وعليّ بن الحسين سيّد العابدينعليه‌السلام سمّه الوليد بن عبد الملك فقتله، والباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام سمَّه إبراهيم بن الوليد فقتله، والصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام سمَّه أبو جعفر المنصور فقتله، وموسى بن جعفرعليه‌السلام سمّه هارون الرشيد فقتله، والرضا عليّ بن موسىعليه‌السلام قتله المأمون بالسمّ، وأبو جعفر محمّد بن عليّ الثانيعليه‌السلام قتله المعتصم بالسمّ، وعليّ بن محمّدعليه‌السلام قتله المتوكّل، والحسن بن عليّعليه‌السلام قتله المعتضد بالسمّ....

ثمّ قال الشيخ الصدوقرحمه‌الله : واعتقادنا أنّ ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحّة لا على الحسبان والحيلولة، ولا على الشكّ والشبهة، فمَنْ زعم أنّهم شُبّهوا أو واحد منهم فليس مِن ديننا على شيء، ونحن منه بُراء.

وقد أخبر النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام أنّهم مقتولون، ومَنْ قال: إنّهم لم يُقتلوا فقد كذّبهم، ومَنْ كذّبهم فقد كذّب اللّه، ومَنْ كذّب اللّه فقد كفرَ به، وخرج بهِ عن الإسلام،( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (1) .

____________________

(1) اعتقادات الصدوق / 109 - 110. والآية في سورة آل عمران / 85. وانظر عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 / 170 - الباب 19، ح 2، ففيه

١٥

نقل ذلك عنه الشيخ المجلسيرحمه‌الله ، ثمّ علّق عليه بهذا البيان:

أقول: رأيتُ في بعض الكتب المعتبرة أنّه رُوي عن الصدوقرحمه‌الله مثلُه، إلاّ أنّه قال: وسَمّ المعتزُّ عليَّ بنَ محمّدٍ الهاديعليه‌السلام ، وسمّ المعتمدُ الحسنَ بنَ عليٍّ العسكريّعليه‌السلام ، وهو أظهر في الأوّل؛ لأنّه يشهد بعضُ الروايات بأنّ المتوكّلَ (لعنه اللّه) قُتل في زمان الهاديعليه‌السلام ، إلاّ أن يُقال: إنّه فُعِلَ ذلك بأمره بعده، وهو بعيد.

وكذا في الثاني، المعتَمَدُ هو المعتمِدُ، لِما سيأتي من قول أكثر العلماء والمؤرّخين أنّهعليه‌السلام تُوفّي في زمانه.

وقال ابنُ طاووسرحمه‌الله في كتاب (الإقبال) في الصلوات عليهم في كلّ يوم مِن شهر رمضان عند ذكرهعليه‌السلام : (وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِكَ في دمِه)، وهو المعتمد، والمعتضد برواية ابن بابويهِ القمّي، انتهى(1) .

____________________

في ذِكره لعلامات الإمام: وجميع الأئمّة الأحد عشر بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام قُتلوا؛ منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسينعليهما‌السلام ، والباقون قُتلوا بالسمّ، قَتلَ كلَّ واحدٍ منهم طاغيةُ زمانه.

(1) بحار الأنوار 27 / 215 - 216. وانظر أسماء من سمّهمعليهم‌السلام في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 2 / 59، وفيه: (فقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسمّ، وخرج عليّعليه‌السلام مُضَرّجاً بالدم... وضُربت فاطمة الزهراءعليها‌السلام على ظهرها وجَنْبها حتّى ألقَتْ =

١٦

إذاً، فالسيّد ابن طاووس (أعلى اللّه مقامه) يرى أنّ الأئمّةَعليهم‌السلام هم شهداءُ كلُّهم، فيذكر دعاء الصلوات الذي يُقرأ كلَّ يوم مِن أيّام شهر رمضان، وأوّله: إنّ اللّه وملائكته يُصلّون على النّبيّ، يا أيُّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما، لبّيك يا ربِّ وسعدَيكَ وسبحانك. اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد، وبارك على محمّدٍ وآلِ محمّد...

إلى أنْ يذكر الأئمّة (صلوات اللّه عليهم) مصلّياً عليهم، وذاكراً ظليمتهم: اللّهمّ صلّ على عليٍّ أمير المؤمنين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعف العذابَ على مَنْ شرِك في دمه.اللّهمّ صلِّ على فاطمة بنت نبيّك محمّدعليها‌السلام ، ووالِ مَنْ والاها، وعادِ مَنْ عاداها، وضاعف العذابَ على مَنْ ظلمَها، والعنْ مَنْ آذى نبيّك فيها.

اللّهمّ صَلِّ على الحسن والحسين إمامَيِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاهما، وعادِ مَنْ عاداهما، وضاعف العذابَ على مَنْ شرِك في دمائهما (دمِهما خ ل). اللّهمّ صلّ على عليّ بن الحسين إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه. اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليٍّ إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه،

____________________

= جنينَهامُحَسِّناً، ولُطِمَ خدُّها، وغُصب حقّها، واُوذيت في ذريّتها... والحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ... مات بالسمّ كما مات جدّهرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلى آخر كلامه.

وقد عقد المجلسيّ في البحار 27 / 207 - 217 باباً في شدّة مِحَنهم، وأنّهم أعظم الناس مصيبةً، وأنّهم لا يموتون إلاّ بالشهادة.

١٧

وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه. اللّهمّ صلّ على جعفر بن محمّدٍ إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه. اللّهمّ صلّ على موسى بن جعفر إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه.

اللّهمّ صلّ على عليّ بن موسى إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه.اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليٍّ إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه. اللّهمّ صلّ على عليّ بن محمّدٍ إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه. اللّهمّ صلّ على الحسن بن عليٍّ إمامِ المسلمين، ووالِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وضاعفِ العذابَ على مَنْ شرِك في دمه...(1) .

ويظهر أنّ علماءَ الإماميّة (رضوان اللّه تعالى عليهم) يكادون يُجمعون على أنّ النبيّ وآله (صلوات اللّه عليهم) قد ماتوا قتلى شهداء، هذا هو اعتقادُهم، إلاّ مَنْ توقّف في مقدار دلالة روايات شهادتهم (سلام اللّه عليهم)؛ لأنّه يراها غير قاطعة، فلا يذهب إلى يقين الشهادة، كما لا يردّها.

ومنهم الشيخ المفيدرحمه‌الله حيث قال: أمّا ما ذكره الشيخ أبو جعفر (الصدوق) مِن مضيّ نبيّنا والأئمّةعليهم‌السلام

____________________

(1) الإقبال / 97.

١٨

بالسمّ والقتل، فمِنه ما ثبت، ومنه ما لم يثبت. والمقطوع به أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين (صلوت اللّه عليهم) خرجوا من الدنيا بالقتل، ولم يمت أحدُهم حتفَ أنفه، ومِن بَعدِهم مسموماً: موسى بن جعفرعليه‌السلام ، ويقوى في النفس أمرُ الرضاعليه‌السلام وإنْ كان فيه شكّ، فلا طريق إلى الحكم فيمَنْ عداهم بأنّهم سُمُّوا واغتِيلوا، أو قُتلوا صبراً، فالخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف وليس إلى تيقّنه سبيل(1) .

نقل ذلك الشيخ المجلسي (قُدّس سرُّه) ثمّ علّق عليه بقوله: أقول: مع ورود الأخبار الكثيرة الدالّة عموماً على هذا الأمر، والأخبار المخصوصة الدالّة على شهادة أكثرهم وكيفيّتها - كما سيأتي في أبواب تواريخ وفاتهمعليهم‌السلام - لا سبيلَ إلى الحكم بردّه وكونه من الإرجاف.

نعم، ليس فيمَنْ سوى أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وموسى بن جعفر وعليّ بن موسىعليهم‌السلام أخبار متواترة تُوجب القطع بوقوعه، بل إنّما تُورث الظنّ القويَّ بذلك، ولم يقمْ دليل على نفيهِ، وقرائنُ أحوالهم وأحوال مخالفيهم شاهدة بذلك، لا سيّما فيمَنْ مات في حبسهم وتحت يدهم. ولعلّ مراده [أي الشيخ المفيد]رحمه‌الله أيضاً نفيُ التواتر والقطع، لا ردّ الأخبار.

ثمّ بعد ذكر خبرَي مولانا الإمام الحسن المجتبى (عليه أفضل الصلاةِ والسلام): «ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم»، و «ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول».

____________________

(1) تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد، أو شرح عقائد الصدوق / 110 - 111.

١٩

قال الشيخ المجلسيّ (رضوان اللّه عليه): سيأتي تمام الخبرين في أبواب تاريخهعليه‌السلام إن شاء اللّه تعالى، وسيأتي في أبواب وفاة كلٍّ منهمعليهم‌السلام ما يدلّ على شهادتهم(1) .

* * *

نعم، فالأخبار التي تذكر شهادات الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام على وجه التفصيل والبيان زاخرة، ذكرها السنّة في صحاح كتبهم فضلاً عن الشيعة؛ فقد جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام قوله في حديث طويل في وصف الأئمّةعليهم‌السلام : «... وإنّهم يُقتلون بالسيف أو السمِّ...»(2) .

وجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام الهاديعليه‌السلام : «وبذلتم أنفسكم في مرضاته...»(3) .

قال الشيخ أحمد الإحسائي في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة في بيان العبارة الشريفة هذه: «وبَذَلْتُم أنفسَكم في مَرضاتِه» بالمداومة على العبادات، أو بإظهار الشريعة وإن أصابهم ما أصابهم من الشهادة سرّاً أو جهراً؛ فإنّه رُويَ في الأخبار المتكثّرة أنّهم قالوا: «ما مِنّا إلاّ وهو شهيد»، ونُقل

____________________

(1) بحار الأنوار 27: 216 - 217.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 / 170 - الباب 19، ح 2.

(3) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 / 278، وهيمعتبرة السند كما صرّح بذلك الفقيه الشيخ خضر بن شلاّل في (أبوابالجنان - المخطوط / الورقة 206).

٢٠