ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم0%

ما منا إلا مقتول أو مسموم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

ما منا إلا مقتول أو مسموم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 181
المشاهدات: 29772
تحميل: 6571

توضيحات:

ما منا إلا مقتول أو مسموم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29772 / تحميل: 6571
الحجم الحجم الحجم
ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رسول اللَّه اللّتَين قال اللَّه تعالى:( إنْ تتوبا إلى اللّه فقد صغَتْ قلوبُكما ) ، حتّى حجّ عمر وحججتُ معه، فقلت: يا أمير المؤمنين، مَنْ المرأتان من أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اللتان قال اللَّه تعالى:( إنْ تتوبا إلى اللّه فقد صغَتْ قلوبُكما ) ؟

فقال عمر: واعجباً لك يابن عبّاس! - قال الزهري: كَرِه واللَّهِ ما سأله ولم يكتمه - ثمّ قال: هما حفصة وعائشة...(1) .

كيف نعالجُ التعارض؟

إنّ كثيراً من الروايات تبدو متعارضةً في الظاهر، ولكنّها بقرائن زمنيّة أو مكانيّة أو حاليّة تتبيّن أنّها متوافقة، ومنها الرواياتُ المُتعددة بأنّ رسولَ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد استُشهد وقُتل، ولكنّ القتلَ مرّةً منسوب إلى اليهوديّة بعد واقعة خيبر، ومرّةً إلى غيرها.

وهذا قد يترك البعضَ في شكٍّ وحيرة؛ إذ واقعة خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة النبويّة الشريفة، بينما وفاة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت في السنة الحادية عشرة منها.

إذاً فمَنْ نظنّ أنّه القاتل؟ وبأيّ الروايات نصدّق ونثق؟ وهل

____________________

(1) الكشف والبيان للثعلبيّ 9 / 346، وتفسير ابن كثير 4 / 638، والدرّ المنثور للسيوطيّ 6 / 243، حيث نقل الخبر عن عبد الرزّاق، وابن سعد، وأحمد بن حنبل، والعَدَنيّ، وعبد بن حميد، والبخاريّ، ومسلم، والترمذيّ، وابن حبّان، وابن المنذر، وابن مردويه، بأسانيدهم جميعاً عن ابن عبّاس.

٤١

الاختلاف الظاهريّ في الأخبار يجعلنا نتردّد في أمر الشهادة، أو نفسّر القتل بأنّه موت مثلاً؟

لا بأس هنا أنْ نحيل الأمرَ إلى الشيخ المجلسي (رضوان اللّه عليه)، وقد أورد ثلاث روايات على صفحةٍ واحدة، في باب وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وغُسله والصلاة عليه.

الروايتان الأولى والثانية نقلهما عن الشيخ الصفّار القمّي من كتابه (بصائر الدرجات) - وقد أوردناهما - وهما قائلتان بشهادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أثرِ سمٍ دسّتْه له يهوديّةُ خيبر في ذراع الشاة التي أكل شيئاً منها، ولم يزل ينتقض به ذلك السمّ حتّى تُوفّيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا الرواية الثالثة فقد نقلها الشيخ المجلسي عن العيّاشي من تفسيره، وفيها يقول الإمام الصادق (صلوات اللّه وسلامُه عليه): «فسُمَّ قبل الموت، إنّهما سقَتاه»، وفي لفظ ثانٍ: «فبِسُمٍّ قبل الموت، إنّهما سقتاه»، وفي لفظ ثالثٍ: «إنّهما سمّتاه».

وكان جواب الحضور - وهم خواصُّ الإمام الصادقعليه‌السلام - على لسان الراوي، وهو (عبدُ الصمد بن بشير)، فقلنا: إنّهما وأبوهما شرُّ مَنْ خلَقَ اللّه، وفي رواية اُخرى: إنّهما وأبوَيهِما شرُّ مَنْ خلق اللّه(1) .

بعد هذا كان لا بُدّ من بيان علّة تعدّد الروايات في تعيين القاتل..

____________________

(1) تفسير العياشيّ 1 / 224، ح 152.

٤٢

كتب الشيخُ المجلسي (أعلى اللّهُ مَقامَه): بيان: يُحتَمل أن يكون كلا السُّمَّينِ دخيلَينِ في شهادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وهذا أمرٌ وارد؛ فالمرءُ يُطعَنُ طعنةً يعاني منها ثمّ لا يموت، فتأتي طعنةٌ ثانيةٌ أو ثالثة فتكون هي القاتلة، ويكون هو المقتول بها.

وعلى سبيل المثال: يذكر أصحاب السير وأرباب المقاتل أنّ السهمَ المثلّث هو الذي كان السببَ في شهادة سيّدنا الإمام الحسين (صلوات اللّه عليه)، أو أنّ سنان بن أنس النخعيّ (عليه لعائنُ اللّه) هو القاتل؛ لأنّ رميتَه أو ضربته أو طعنته كانت هي القاتلة؛ إذْ بها وبسببها المباشر فاضت الروح القدسيّةُ الشريفة لسيّد الشهداء (سلامُ اللّه عليه).

وكذا السمُّ اللاّحق، فقد جاء على أثر سمٍّ سابقٍ تناول منه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد غَزاة خيبر، فما زال ينتقض به، وكان يعاني منه، لكنّه لم يكنْ - ربما - سبباً لوفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى جاء السمُّ الأخير فكانت فيه شهادته، فكلاهما - على أقلّ الفروض - شكّل جزء العلّة في قتل المولى سيّد الأنام (صلّى اللّه عليه وآله الكرام).

إذاً، فنحن نميل إلى أنّ القتل هو الذي وقع، وليس القتلُ موتاً، ولا بالعكس؛ وذلك يتّضح بهذه الرواية:

____________________

(1) بحار الأنوار 22 / 516.

٤٣

عن الإمام الباقر (عليه الصلاةُ والسلام) وقد سُئل عمّنْ قُتل، أمات؟ فقال له: «لا، الموتُ موت، والقتل قتل». فقيل له: ما أحدٌ يُقتَلُ إلاّ وقد مات. فقالعليه‌السلام لمَنْ قال هذا: «قول اللّه أصدقُ مِن قولك، فرّق بينهما في القرآن، فقال:( أفَإنْ مات أو قُتل ... ) (1) ، وقال:( ولئنْ مُتُّم أو قُتلتُم َلإلى اللّهِ تُحشَرون ) (2) ، وليس كما قلت، الموتُ موت، والقتل قتل».

قال الراوي - وهو زرارة (رضوان اللّه تعالى عليه) كما في بعض الأخبار -: قلتُ: فإنّ اللّه يقول:( كُلُّ نفسٍ ذائقة الموت ) (3) . قال: «مَنْ قُتل لم يذقِ الموت». ثمّ قال: «لا بدّ مِن أنْ يرجع حتّى يذوقَ الموت»(4) .

وللشيخ محمد رضا إمامي خواتون آبادي (رحمه اللّه تعالى) رأي في موضوع الموت والقتل في ظلّ الآية 144 من سورة آل عمران المباركة، فهو يقول ما ترجمته باللّغة العربيّة: ويقول المحقّقون: كانت وفاته بعُنوانَي الموت والقتل بالسمّ؛ ليحصلَ على ثوابيَ الوفاتين. والشاهد على هذا المُدّعى هو الآية( أفإنْ مات أو قُتل ) ؛ لأنّ وفاته هنا مردّدةٌ بين الموتتَين(5) .

____________________

(1) سورة آل عمران / 144.

(2) سورة آل عمران / 158.

(3) سورة آل عمران / 185.

(4) تفسير العيّاشيّ 1 / 202، ح 160، وتفسير الصافي 1 / 357، وتفسير البرهان 1 / 323.

(5) جنّات الخلود / 15 - باب علّة وفاته، وفيها إشارة إلى القتَلة.

٤٤

شهادة أمير المؤمنين

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

وهي على حدٍّ من الشهرة بمكان، لم يُختلفْ فيها أبداً، بل هي ممّا عُلم بالضرورة؛ فلذلك رأينا أن نكتفي بما أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله به: روى الجويني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر طويل قال فيه: «وأمّا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي... وإنّي بكيت حين أقبل؛ لأنّي ذكرتُ غدر الأمّة به بعدي، حتّى إنّه يُزال عن مقعدي وقد جعله اللَّه له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يُضرَب على قرنه ضربة تُخضَب منها لحيته في أفضل الشهور؛ شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن...»(1) .

قال أنس بن مالك: مرِض عليّ بن أبي طالب فدخل عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتحوّلتُ عن مجلسي فجلس حيث كنتُ

____________________

(1) فرائد السمطين 2 / 34 - 35، ح 371.

٤٥

جالساً، وذكر كلاماً فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ هذا لا يموت حتّى يُملأَ غيظاً، ولن يموت إلاّ مقتولاً»(1) .

وعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري، قال: خرجت مع أبي عائداً لعليّ بن أبي طالب، وعليٌّ يومئذ بأرض يُقال لها: (ينبع)، وهو مريض، فقال له أبي: ما يُقيمك بهذا المنزل؟ لو أصابَك أجَلُك ولِيَكَ أعرابُ جهينة، فادخل المدينة؛ فإن أصابك أجَلُك وليَكَ أصحابُك وصلَّوا عليك.

فقال له عليّعليه‌السلام : «إنّي لستُ بميّت مِن مرضي هذا؛ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عهِد إليّ أنْ لا أموتَ حتّى أُدمى، ثمّ تُخضَبُ هذه - يعني لحيتَه - مِن دم هذه - يعني هامته -»(2) .

عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، عن سلمان الفارسي قال: قلنا يوماً: يا رسول اللَّه، مَنْ الخليفة بعدك حتّى نعلمه؟ قال لي: «يا سلمان، أدخل عَليّ أبا ذرّ والمقداد وأبا أيّوب الأنصاري، وأمّ سلمة زوجة النبيّ من وراء الباب، ثمّ قال: اشهدوا وافهموا عنّي أنّ عليَّ بن أبي طالب وصيّي ووارثي، وقاضي ديني وعِداتي.

وهو الفاروق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغُرّ المحجّلين، والحامل غداً لواءَ ربّ العالمين، هو وولدُه من بعده، ثمّ من الحسين ابني أئمّةٌ تسعة هداة مهديّون إلى يوم القيامة. أشكو إلى اللَّه جحودَ اُمّتي لأخي، وتظاهرَهم عليه، وظلمَهم له، وأخْذَهم حقَّه».

____________________

(1) ترجمة الإمام عليّ من تاريخ دمشق - لابن عساكر 3 / 74 - الرقم 1118، وص 267 - الرقم 1343.

(2) أخبار إصبهان - لأبي نعيم 2 / 212.

٤٦

قال: فقلنا له: يا رسول اللَّه، ويكون ذلك؟! قال:«نعم، يُقتَل مظلوماً مِن بعد أن يُملأ غيظاً، ويُوجَد عند ذلك صابراً»(1) .

وفي كتاب سُليم: كتب أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى معاوية: «يا معاوية، إنّ رسول اللّه قد أخبرني أنّ اُمّته سيخضبون لحيتي مِن دم رأسي، وإنّي مُستشهَد، وستلي الأمةَ بعدي، وإنّك ستقتل ابنيَ الحسنَ غدراً بالسمّ، وإنّ ابنك يزيد (لعنه اللّه) سيقتل ابنيَ الحسين، يلي ذلك منه ابن زانية، وإنّ الاُمّة سيليها مِن بعدك سبعة من ولْد أبي العاص، وولْد مروان بن الحكم، وخمسة من ولده، قد رآهم رسول اللّه يتواثبون على منبره تواثبَ القردة، يردّون أمّته عن دين اللّه على أدبارهم القهقرى»(2) .

وفيه أيضاً: ثمّ أقبل رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّعليه‌السلام فقال: «يا أخي، إنّ قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك... أما إنّ الشهادة من ورائك، لعن اللَّه قاتلك...»(3) .

وعن عليّ بن موسى الرضا، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: «إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) اليقين في إمرة أمير المؤمنينعليه‌السلام - لابن طاووس / 188 - 189، الباب الخامس والتسعون بعد المئة.

(2) كتاب سليم 2 / 774، ح25، عنه: بحار الأنوار 33 / 157.

(3) كتاب سليم 2 / 907، ح61.

٤٧

خطبَنا ذات يومٍ فقال: أيُّها الناس، إنّه قد أقبلَ إليكم شهرُ اللّه بالبركة والرحمة والمغفرة»... إلى أن قال أميرُ المؤمنينعليه‌السلام : «فقمتُ فقلت: يا رسولَ اللّه، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ [أي شهر رمضان] فقال: يا أبا الحسن، أفضلُ الأعمال في هذا الشهر الورعُ عن محارم اللّه».

ثمّ بكىصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عليّعليه‌السلام : «ما يُبكيك؟». فقال: «يا عليّ، أبكي لِما يُستحلّ منك في هذا الشهر؛ كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخِرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربةً على قرنك فخضب منها لحيتك». فقال الإمام عليّعليه‌السلام : «وذلك في سلامةٍ مِن ديني؟». قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «في سلامةٍ مِن دينك»(1) .

وفي كتاب فرحة الغري، قال: رأيت في كتابٍ عن الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي، قال: روى الخلف عن السلف، عن ابن عبّاس:أنّ رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : «... ثمّ أرض كوفان، فشرّفها [اللَّه تبارك وتعالى] بقبرك يا عليّ».

فقال: «يا رسول اللَّه، اُقبَرُ بكوفان العراق؟!». قال: «نعم يا علي، تُقبَرُ بظاهرها قتلاً بين الغريَّين والذكوات البِيض، يقتلك شقيُّ هذه الأمّة عبد الرحمان بن ملجم...»(2) .

____________________

(1) وسائل الشيعة - للحرّ العامليّ 4 / 227 - كتاب الصوم.

(2) فرحة الغري / 27 - 28.

٤٨

أحاديث عليّ بن الجعد، عن شعبة، عن قتادة، ومجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «... إنّ السماء والأرض لَيبكيان على الرسول أربعين سنة، وإنّ السماء والأرض لَيبكيانِ عليك يا عليّ إذا قُتِلتَ أربعين سنة»(1) .

وفي اشتراط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليٍّعليه‌السلام عند تسليمه الوصيّة، بسند معتبر عن عيسى بن المستفاد، عن الإمام الكاظمعليه‌السلام في حديث طويل يقول فيه جبرئيلعليه‌السلام للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمّد، أفهِمْه أنّه منتهَكُ الحرمة - وهي حرمة اللَّه وحرمة رسوله - وعلى أن تُخضَب لحيته من رأسه بدم عبيط.

قال عليّعليه‌السلام : «فصُعِق بي حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيلعليه‌السلام ... وقلت: نعم، رضِيتُ وإن انتُهِكتِ الحُرَم... وخُضبت لحيتي من رأسي بدمٍ عبيط، صابراً محتسباً أبداً حتّى أقْدِمَ عليك». ثمّ دعا رسولُ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةَ والحسن والحسين فأعلمهم بمِثْل ما أعلم به أميرَ المؤمنينعليه‌السلام ، فقالوا مِثْلَ ذلك(2) .

وفي كتاب سليم بن قيس قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : «تُقتَل شهيداً، تُخضَب لحيتك من دم رأسك...»(3) .

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب 2 / 346.

(2) الطُّرَف / 155 - 156.

(3) كتاب سليم بن قيس الهلاليّ 2 / 602، ح6.

٤٩

وفي كشف الغمّة، عن عليّعليه‌السلام ، قال: «إنّي سمعتُ رسولَ اللَّه الصادقَ المصدَّقصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّك ستُضرَب ها هنا - وأشار إلى صدغَيْه - فيسيل دمها حتّى تُخْضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود»(1) .

____________________

(1) كشف الغمّة 1 / 427.

وانظر أمالي الصدوق / 99، وروضة الواعظين / 288، والخرائج والجرائح / 115 و 176، وأمالي الطوسيّ / 66، والخصال / 300 و 377، ومناقب ابن شهر آشوب 1 / 272، 2 / 118، وإرشاد المفيد / 168، وإرشاد القلوب / 358، وبشارة المصطفى / 198، ومقاتل الطالبيّين / 31، وشرح النهج 4 / 369، واُسد الغابة 4 / 34 - 35، وتذكرة الخواص / 172 - 175، ومناقب الخوارزميّ / 275، ومسند أحمد 4 / 263، ومستدرك الحاكم 3 / 113 و 140، وخصائص النسائيّ / 129 - 130، ونُزُل الأبرار / 61 - 62، وكفاية الطالب / 463، وتاريخ مدينة دمشق 3 / 270 و 279 و 285، وأنساب الأشراف 2 / 499.

٥٠

شهادة مولاتنا الصدّيقة فاطمة الزهراء

(صلوات اللّه عليها )

أكّدتها الأخبار، فإنّها اعتلّت بعد الهجوم على دارها، وعصرِها بين الباب والجدار حتّى كُسر ضلعها وأُسقط جنينها، فظلّتْ تعاني ذلك مدّة - تفاوت أصحاب السير في تحديدها - حتّى تُوفّيت شهيدةً مظلومة.

والموضوع خضع للتحقيق، فخرج بنتيجة قاطعة أنّها تُوفّيت على إثر عصرة الباب وإسقاطها محسناً، وإثر ذلك المسمار الذي ضغطه (فلان) في صدرها القدسي، فمرضت حتّى وافاها الأجل.

وهنا نشير إلى أبواب التحقيق فقط: روى ابن قولويه بسنده عن حمّاد بن عثمان، عن الصادقعليه‌السلام قال: «لمّا أُسري بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء، قيل له: إنّ اللَّه تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك...، وأمّا الثالثة فما يلقى أهل بيتك مِن بعدك من القتل؛ أمّا أخوك عليّ فيَلقى من أُمّتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم، وآخر ذلك القتل...؛ وأمّا ابنتك فتُظلم وتُحرم ويُؤخذ حقّها غصباً الذي تجعله لها،

٥١

وتُضرَب وهي حامل، ويُدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن، ثمّ يمَسُّها هوانٌ وذُلّ، ثمّ لا تجد مانعاً، وتَطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب...»(1) .

وروى الجويني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر طويل، أنّه قال: «وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي، وهي نورُ عيني، وهي ثمرة فؤادي... وإنّي لمّا رأيتُها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذُلّ بيتَها، وانتُهكتْ حرمتُها، وغُصب حقّها، ومُنعتْ إرثها، وكُسر جنْبُها، وأسقطَتْ جنينها، وهي تنادي: يا محمّداه! فلا تُجاب، وتستغيث فلا تُغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبةً باكية... وعند ذلك يؤنسها اللّه تعالى، فيناديها بما نادى به مريمَ ابنة عمران، فيقول: يا فاطمة، إنّ اللّه اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين. يا فاطمةُ، اقنتي لربّكِ واسجدي واركعي مع الراكعين.

ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث اللّهُ (عزّ وجلّ) إليها مريمَ ابنة عمران تُمرّضها وتُؤنسها في علّتها، فتقول عند ذاك: يا ربّ، إنّي قد سئمتُ الحياة، وتبرّمتُ بأهل الدنيا، فألحِقْني بأبي. فيُلحقها اللّه (عزّ وجلّ)، فتكون أوّل مَنْ يلحقُني مِن أهل بيتي، فتَقْدِم عَليَّ محزونةً

____________________

(1) كامل الزيارات / 332.

٥٢

مكروبة، مغمومةً مغصوبة مقتولة». يقول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك: «اللّهمّ العنْ مَنْ ظَلَمها، وعاقِبْ مَنْ غصبها، وذلّل مَنْ أذلّها، وخلّدْ في نارِكَ مَنْ ضرب جنبها حتّى ألقتْ ولَدَها». فتقول الملائكةُ عند ذلك: آمين(1) .

وعن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، قال: سمعتُ سيّدتي فاطمة (عليها الصلاة والسلام) تقول: «سمعتُ رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّكِ المظلومة المغصوبة المقتولة بعدي، فلعن اللَّه مَنْ يظلمك ويغصبك ويقتلك. يا فاطمة، البشرى، فلكِ عند اللَّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبّيكِ وشيعتك.

يا فاطمة، إذا كان يومُ القيامة أقبلتِ على نجيب من نور، شيّعتكِ المؤمناتُ، فيهنّ حوّاء، ومريمُ بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وكلثم أخت موسى ومَنْ دونهنّ، وجبرئيلُ آخذ بخطام النجيب، وميكائيلُ عن يمينك، وإسرافيلُ عن يساركِ، مع كلّ واحد منهم سبعون ألفَ ملَك، فينادي منادٍ: يا معشرَ الخلائق، طأطِئوا رؤوسكم، وغضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمةُ بنتُ محمّد.

فيقول أهل الجمع: مَنْ هذه الأَمَةُ الكريمة على اللَّه؟!

فينادي المنادي: هذه الصدّيقة الشهيدة التي عزّت على أبيها، وهانت على اُمّته مِن بعده حتّى ظُلمتْ حقَّها، وغُصبت إرثَها، ولُطم خدُّها، وقُتل جنينها، وفارقت الدنيا

____________________

(1) فرائد السمطين - للجوينيّ 2 / 35، ح371. (وهو مِن علماء السنّة)

٥٣

بحسرتها. أقسم الجليلُ بعزّته أن ينتقم مِن أعدائها، ويحلَّهم دارَ البوار في ناره»(1) .

وفي كتاب سُلَيم، في حديث قال ابن عبّاس فيه: لقد دخلت على عليّعليه‌السلام بذي قار، فأخرج إليَّ صحيفة... فقرأها... فكان فيما قرأه عَلَيَّ كيف يُصنع به، وكيف تستشهد فاطمةعليها‌السلام ، وكيف يستشهد الحسن ابنه، وكيف تغدر به الأمّة، فلمّا أن قرأ كيف يُقتل الحسينعليه‌السلام ومَنْ يقتله أكثَرَ البكاءَ...(2) .

وروى سليم أيضاً: فألجأها (قنفذ) إلى عضادة بيتها ودفعها، فكسر ضلعاً في جَنْبها، فألقت جنيناً من بطنها...(3) .

وروى الشهرستاني الشافعي عن النظّام أنّه قال: إنّ عمرَ ضرب بطنَ فاطمة يوم البيعة حتّى ألقتِ الجنين مِن بطنها(4) .

وروى مقاتل بن عطيّة: إنّ أبا بكر بعد ما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف والقوّة، أرسل عمرَ وقنفذاً وجماعة إلى دار عليٍّ وفاطمةعليهما‌السلام ، وجمع عمرُ الحطبَ على دار فاطمة وأحرق باب الدار، ولمّا جاءت فاطمة خلف الباب لتردّ عمرَ

____________________

(1) أسرار الإمامة / 467 - فصل ما ورد في فضل فاطمة (سلام الله عليها). وانظرْ هذا الحديث في إثبات الهداة 2 / 2 لكنْ عن غير جابر بن عبد الله الأنصاريّ.

(2) كتاب سليم بن قيس الهلاليّ 2 / 915، ح66.

(3) كتاب سليم بن قيس الهلاليّ 2 / 588، ح4.

(4) الملل والنحل 1 / 57.

٥٤

وأصحابَه، عصرَ عمرُ فاطمةَ خلف الباب حتّى أسقطت جنينها، ونبت مسمار الباب في صدرها، وسقطت مريضة حتّى ماتت(1) .

وورد ذلك أيضاً في: (الإمامة والسياسة 1 / 31 - 32) لابن قتيبة، و(شرح نهج البلاغة 14 / 193) لابن أبي الحديد، و(الفَرق بين الفِرق / 107) للإسفرائيني، و(لسان الميزان 1 / 293) لابن حجر العسقلاني، و(العقد الفريد 2 / 197) لابن عبد ربّه. وانظر تهديدَهمُ الزهراءَعليها‌السلام بحرق دارها في: (تاريخ الأمم والملوك 3 / 198 - 199) للطبري، وفيه روايتان: الأولى بسنده عن زياد بن كليب، والثانية عن حميد الحِمْيري.

وإضافة إلى وفرة المصادر السُنيّة تتضاعف عليها الكتب الشيعيّة... كـ (الشافي) للشريف المرتضى / 240، و(الطرائف) للسيّد ابن طاووس / 64، و(مرآة العقول) للشيخ المجلسي 5 / 318، و(كتاب سليم بن قيس) 2 / 585 - 588 و675 و864، وموارد اُخرى فيه، وغيرها(2) ، وهُنّ كثار، حتّى قال الشيخ المجلسيرحمه‌الله : إنّ شهادة فاطمة من المتواترات(3) .

____________________

(1) الإمامة والخلافة / 160 - 161.

(2) يراجع تحقيق ذلك تفصيلاً في كتاب وفاة الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام للسيّد عبد الرزّاق المقرم، ومن أفضل البحوث العلميّة التي خرجت إلى النور هو كتاب مأساة الزهراءعليها‌السلام للسيّد جعفر مرتضى العامليّ في جزءين، وكتاب حوار حول الزهراءعليها‌السلام للسيّد هاشم الهاشمي.

(3) مرآة العقول 1 / 383.

٥٥

أمّا الأخبار الخاصّة الأخرى من طرقنا في شهادتها (سلام اللّه عليها) فهي كثيرة أيضاً، ومنها: عن أبي بصير، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى الرجل(1) لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت (محسناً)، ومرضتْ من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدَع أحداً ممّنْ آذاها يدخل عليها...»(2) .

وقال السيّد تاج الدين بن علي الحسيني العاملي: سبب وفاتها من الضرب الذي أصابها، وأسقطت بعده الجنين(3) .

ثمّ بيّن ذلك بشيءٍ من التفصيل في قوله: فجمع عمر جماعةً وأتى بهم إلى منزل عليّعليه‌السلام ، فوجدوا البابَ مغلقاً، فنادوه فلم يُجبْهم أحد... فاستدعى عمر بحطبٍ وقال: واللّهِ لئن لم تفتحوه لنحرقنّه بالنار، فلمّا سمعت فاطمةعليها‌السلام ذلك خرجت وفتحت الباب، فدفعه عمر، فاختفتْ هي مِن وراءِ الباب، فعصرها بالباب، فكان ذلك سبب إسقاطها، ونُقل أنّه سببُ موتهاعليها‌السلام .

وجاء تفصيل ذلك في (كتاب سُليم بن قيس) 2 / 584 - 588، ح4 وفيه: فلم تزل صاحبةَ فراشٍ حتّى ماتت (صلّى اللَّه عليها) من ذلك شهيدةً.

____________________

(1) أي عمر.

(2) دلائل الإمامة للطبريّ / 45.

(3) التتمّة في تواريخ الأئمّةعليهم‌السلام / 43، و 52.

٥٦

وفي (ملتقى البحرين)(1) : علّة وفاة فاطمة أنّ عمر بن الخطّاب هجم مع ثلاثمئة رجلٍ على بيتها (سلام اللّه عليها).

وقال الشيخ عبّاس القمّي (طاب ثراه): وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر نكزها(2) بنعل السيف بأمره(3) .

وأمّا الأخبار العامّة في شهادتها (صلوات اللّه عليها) فمنها: ما رواه الشيخ الكلينيرحمه‌الله عن مولانا الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام أنّه قال: «إنّ فاطمةعليها‌السلام صدّيقة شهيدة»(4) .

قال المولى محمّد صالح المازندراني المتوفّى سنة 1081هـ في شرحه على الكافي: والشهيد مَنْ قُتل من المسلمين في معركة القتال المأمور به شرعاً، ثمّ اتّسع فأُطلق على كلّ مَنْ قُتل منهم ظلماً، كفاطمةعليها‌السلام ؛ إذ قتلوها بضرب الباب على بطنها وهي حامل، فسقط حملها فماتت لذلك(5) .

وقد علّق على هذا الخبر أيضاً العلاّمة المجلسي (رضوان اللّه تعالى عليه) قائلاً: ثمّ إنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ فاطمة (صلوات اللّه عليها) كانت شهيدة، وهو من المتواترات.

____________________

(1) الصفحة 81.

(2) النكز: الدفع والضرب، والطعن بطرف سنان الرمح.

(3) بيت الأحزان / 273.

(4) الكافي 1 / 458، وكذا رواه المجلسيّ في مرآة العقول 5 / 315.

(5) شرح الكافي 7 / 207.

٥٧

وكان سبب ذلك أنّهم لمّا غصبوا الخلافةَ وبايعهم أكثر الناس، بعثوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ليحضر البيعة، فأبى، فبعث عمر بنارٍ ليحرق على أهل البيت بيتهم، وأرادوا الدخول عليه قهراً فمنعتهم فاطمة عند الباب، فضرب قنفذ - غلامُ عمر - البابَ على بطن فاطمةعليها‌السلام فكسر جَنْبَها، وأسقطتْ لذلك جنيناً كان سمّاه رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (محسناً)، فمرِضتْ لذلك، وتُوفّيت (صلوات اللّه عليها) في ذلك المرض(1) .

وروى الشيخ الصدوق (أعلى اللّه مقامه) في زيارة مولاتنا الزهراء (سلام اللّه عليها) هذه العبارة في صريح شهادتها: السلام عليكِ أيّتُها الصدّيقةُ الشهيدة...(2) .

وذكر الشيخ المفيد في كتابه (المزار): وقد روي أنّ قبرهاعليها‌السلام عند أبيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا أردتَ زيارتها فقف بالروضة وقل: السلام عليكَ يا رسول اللَّه، السلام على ابنتكَ الصدّيقة الطاهرة، السلام عليكِ يا فاطمةُ يا سيّدةَ نساءِ العالمين، أيّتها البتول الشهيدة الطاهرة(3) .

وحدّث ابن قولويه بسند معتبر، بإسناده عن عبد اللَّه بن بُكَير الأرّجاني، قال: صحبتُ أبا عبد اللَّهعليه‌السلام في طريق مكّة [وساق حديثاً طويلاً ذكر فيه الصادقُعليه‌السلام جَبَل الكَمَد،

____________________

(1) مرآة العقول 5 / 318، الطبعة الأولى.

(2) مَن لا يحضره الفقيه 2 / 342.

(3) كتاب المزار / 156.

٥٨

وأنّ فيه الغاصبَينِ لحقّ آل محمّد، وكلَّ فرعون عتا على اللَّه، وكلَّ مَن عَلَّم العباد الكفر]، وقاتِلَ أمير المؤمنين، وقاتِلَ فاطمة ومحسن، وقاتِلَ الحسن والحسينعليهم‌السلام ...(1) .

____________________

(1) كامل الزيارات / 541.

٥٩

٦٠