ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم0%

ما منا إلا مقتول أو مسموم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

ما منا إلا مقتول أو مسموم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 181
المشاهدات: 29782
تحميل: 6571

توضيحات:

ما منا إلا مقتول أو مسموم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29782 / تحميل: 6571
الحجم الحجم الحجم
ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شهادة الإمام الحسن المجتبى (سلام اللّه عليه)

وهي معلومةٌ معروفة، أكّدتها الأخبار، ولم يتردّد فيها أصحاب السير والتواريخ: روى الجويني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر طويل، قال فيه: «وأمّا الحسنعليه‌السلام فإنّه ابني وولدي ومنّي، وقرّة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وحجّة اللَّه على الأمّة؛ أمره أمري، وقوله قَولي، مَنْ تبعه فإنّه منّي، ومَنْ عصاه فإنّه ليس منّي.

وإنّي إذا نظرت إليه تذكّرتُ ما يجري عليه من الذلّ بعدي، ولا يزال الأمر به حتّى يُقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته... فمَنْ بكاه لم تَعْمَ عينه يوم تعمى العيون، ومَنْ حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومَنْ زاره في بقعته ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام...»(1) .

وروى الصدوق خبراً في وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن

____________________

(1) فرائد السمطين 2 / 35 - 36، ح371.

٦١

ابن عبّاس قال فيه:... ثمّ أُغمي عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء الحسن والحسينعليهما‌السلام يصيحانِ ويبكيان حتّى وقعا على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأراد عليّعليه‌السلام أنْ يُنحّيهما عنه، فأفاق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال:«يا عليّ، دعْني أشمَّهما ويشمّاني، وأتزوّدْ منهما ويتزوّدان منّي؛ أما إنّهما سيُظلمانِ بعدي ويُقتلانِ ظلماً، فلعنة اللّه على مَنْ يظلمهما - يقول ذلك ثلاثاً -»(1) .

وروى الخزّاز بسنده عن جُنادة بن أبي أُميّة، قال:دخلتُ على الحسن بن عليّعليهما‌السلام في مرضه الذي تُوفّي فيه، وبين يَديه طشتٌ يقذف فيه الدم، ويخرج كبده قطعةً قطعة من السمّ الذي سقاه معاوية (لعنه اللَّه)، فقلت: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: «يا عبد اللَّه، بماذا اُعالج الموت؟!». قلت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

ثمّ التفتعليه‌السلام إليّ وقال: «واللَّهِ إنّه لَعهدٌ عَهِده إلينا رسولُ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّ هذا الأمر يملكه أحد عشر إماماً من ولْد عليٍّ وفاطمةعليهما‌السلام ، ما مِنّا إلاّ مسموم أو مقتول».

ثمّ انقطع نَفَسُه، واصفرّ لونه، حتّى خشيتُ عليه، ودخل عليه الحسينعليه‌السلام والأسود بن أبي الأسود، فانكبّ عليه [الحسينعليه‌السلام ] حتّى قبّل رأسه وبين عينيه، ثمّ قعد عنده وتسارّا جميعاً، فقال الأسود بن أبي الأسود: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون،

____________________

(1) أمالي الصدوق / 508 - 509، المجلس 92 - آخر الحديث 6.

٦٢

إنّ الحسن قد نُعِيت إليه نفسُه، وقد أوصى إلى الحسينعليه‌السلام (1) .

وفي حديث للإمام الحسنعليه‌السلام رواه بعض أصحابه، قال فيه: بينا هو يكلّمني إذ تنخّع الدم، فدعا بطشتٍ، فحُمل من بين يديه مليان ممّا خرج من جوفه من الدم، فقلت له: ما هذا يابن رسول اللَّه، إنّي أراك وَجِعاً؟!

قالعليه‌السلام : «أجل، دَسّ إليّ هذا الطاغيةُ مَنْ سقاني سمّاً، فقد وقع على كبِدي فهو يخرج قِطعاً كما ترى».

قلت: أفَلا تتداوى؟

قال: «قد سقاني مرّتين، وهذه الثالثة لا أجد لها دواءً، ولقد رُقيَ إليّ أنّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجّه إليه من السمّ القتّال شربةً، فكتب إليه ملك الروم: إنّه لا يصلح لنا في ديننا أن نُعين على قتال مَنْ لا يقاتلنا.فكتب إليه [معاوية]: إنّ هذا ابنُ الرجل الذي خرج بأرض تُهامة قد خرج يطلب مُلْكَ أبيه، وأنا اُريد أن أدسّ إليه مَنْ يسقيه ذلك فاُريح العباد والبلاد منه. ووجّه [معاوية] إليه بهدايا وألطاف، فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دسّ بها فسُقيتُها، واشترط عليه في ذلك شروطاً».

ورُوي أنّ معاوية دفع السمَّ إلى امرأة الحسن بن عليّعليهما‌السلام جعدة بنت الأشعث، فقال لها: اسقيه، فإذا مات زوّجتكِ

____________________

(1) كفاية الأثر / 226 - 229.

٦٣

ابني يزيد. فلمّا سقته السمَّ ومات جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون، فقالت: زوّجْني يزيد.

فقال: اذهبي؛ فإنّ امرأةً لم تصلح للحسن بن عليّ لا تصلح لابني يزيد(1) .

وروي عن الإمام الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، أنّ الحسنعليه‌السلام قال لأهل بيته: «إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

فقالوا: ومَن يفعل ذلك؟

قال: «امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس؛ فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك».

قالوا: أخرِجْها من منزلك، وباعدْها من نفسك.

قال: «كيف اُخرجها ولم تفعل بعدُ شيئاً؟! ولو أخرجتها ما قتلني غيرها، وكان لها عذرٌ عند الناس».

فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالاً جسيماً، وجعل يُمنّيها بأن يُعطيَها مئة ألف درهم أيضاً، ويزوّجها من يزيد، وحمل إليها شربةَ سمٍّ لتسقيَها الحسنَعليه‌السلام .

وفي بعض الأّيام انصرفعليه‌السلام إلى منزله وهو صائم، فأخرجت له وقت الإفطار - وكان يوماً حارّاً - شربةً من لبن، وقد ألقت فيها ذلك السمّ، فشربها وقال: «يا عدوّةَ اللَّه، قتلتيني قتَلَكِ اللَّه! واللَّهِ لا تُصيبين منّي خَلَفاً، ولقد غرّكِ وسخر منكِ، واللَّهُ يُخزيكِ ويخزيه».

فمكثعليه‌السلام يومين، ثمّ مضى(2) .

____________________

(1) الاحتجاج / 291 - 292.

(2) الخرائج والجرائح 1 / 241 - 242، ح7.

٦٤

وفي إرشاد المفيد: ما رواه عيسى بن مهران، قال: حدّثنا عبيد اللَّه بن الصبّاح، قال: حدّثنا جرير، عن مُغيرة قال: أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث أنّي مزوّجكِ ابني يزيد على أن تَسُمّي الحسن، وبعث إليها مئة ألف درهم، ففعلت وسمّت الحسنَعليه‌السلام ، فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، وكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا: يا بني مُسِمّة الأزواج!(1)

وفي إعلام الورى: عبد اللَّه بن إبراهيم، عن زياد المحاربي قال: لمّا حضرت الحسنعليه‌السلام الوفاةُ استدعى الحسينَعليه‌السلام وقال له: «يا أخي، إنّني مفارقك ولاحقٌ بربّي، وقد سُقيتُ السمَّ، ورميت بكبدي في الطست، وإنّي لَعارف بمَنْ سقاني، ومن أين دُهِيت، وأنا اُخاصمه إلى اللَّه (عزّ وجلّ)؛ فإذا قضيتُ فغسّلْني وكفّنّي، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاُجدّد به عهداً، ثمّ رُدّني إلى قبر جدّتي فاطمة [بنت أسد] فادفنّي هناك».

فلمّا مضى لسبيله وغسّله الحسينعليه‌السلام وكفّنه، لم يشكّ بنو مروان وبنو أُميّة أنّهم سيدفنونه عند رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتجمّعوا ولبسوا السلاح، ولحقَتْهم عائشة على بغل وهي تقول: نحّوا ابنكم عن بيتي؛ فإنّه لا يُدفن فيه ويُهتك عليه حجابه.

____________________

(1) الإرشاد / 192، مقاتل الطالبيين / 73، شرح نهج البلاغة 16 / 49.

٦٥

وفي رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : فقال لها الحسينعليه‌السلام : «قديماً أنتِ هتكتِ حجابَ رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدخلتِ بيتَه مَنْ أبغضه، واللَّهُ سائلكِ عن ذلك»(1) .

وفي إقبال الأعمال في حديث طويل جدّاً في المباهلة، ذكر فيه أنّ في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح ذِكْرَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصفته، قال: نسلُه من مباركةٍ صدّيقة يكون له منها ابنة، لها فرخان سيّدانِ يُستشهَدان، أجعلُ نسلَ أحمدَ منهما(2) .

وروى الحاكم النيسابوري، بإسناده عن أمّ بكر بنت المسوّر، قالت: كان الحسن بن عليّ سُمّ مراراً، كلّ ذلك يفلت حتّى كانت المرّةُ الأخيرة التي مات فيها؛ فإنّه كان يختلف كبِدَه(3) .

وروى ابن عساكر بإسناده عن محمّد بن سلاّم الجمحي، قال: كانت جِعدة بنت الأشعث تحت الحسن بن عليّ، فدسّ إليها يزيد أنْ (سمّي حسناً إنّي مُتَزَوّجك) ففعلت، فلمّا مات الحسن بعثت إليه جعدة تسأل يزيد الوفاءَ بما وعدها، فقال: إنّا واللّه لم نرضكِ للحسن، فنرضاكِ لأنفسنا؟!(4) .

____________________

(1) إعلام الورى 1 / 414 - 415. وانظر كشف الغمّة 1 / 585، ودلائل الإمامة / 61، والكافي 1 / 240 ضمن ح 3.

(2) إقبال الأعمال 2 / 341. وانظر قريباً منه في مشارق أنوار اليقين / 72.

(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 173.

(4) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق / 211، الرقم 341، ويراجع أيضاً الصفحات: 207، 209، 238، 239.

٦٦

وروى ابن عساكر أيضاً بإسناده عن يعقوب، عن أمّ موسى:أنّ جعدة بنت الأشعث سقتِ الحسنَ السمّ، فاشتكى منه شكاة، فكان يُوضَع تحته طستٌ وتُرفع أخرى نحواً مِن أربعين يوماً(1) .

وروى محبُّ الدين الطبري، عن قتادة، قال: دخل الحسين على الحسنعليهما‌السلام فقال: «يا أخي، إنّي سُقيتُ السمّ ثلاثَ مرّات لم أُسقَ مثلَ هذه المرّة، إنّي لأضع كبِدي»(2) .

وقال ابن كثير: كان معاوية قد تلطّف لبعض خدمه أنْ يسقي الحسنَ سمّاً(3) ، ثمّ قال: فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قطّع السمُّ أمعاءه(4) .

وقال السيد تاج الدين بن عليّ الحسينيّ: سبب موته،سمّته جعدة(5) .

وإلى هذا ذهب الإصبهاني في مقاتل الطالبيّين / 31، والشيخ المفيد في الإرشاد / 192، وابن قدامة المقدسي في التبيين في أنساب القرشيّين / 128، وغيرهم.

وقال عماد الدين الطبري: تُوفّي لليلتين بقيتا من صفر سنة

____________________

(1) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق / 210، الرقم 340.

(2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / 141.

(3) البداية والنهاية 8 / 43.

(4) المصدر السابق. وأكّد خبر شهادتهعليه‌السلام الشيخ المفيد في (الإرشاد)، وابن شهر آشوب في (المناقب 2 / 163)، والنيسابوريّ في (روضة الواعظين / 143)، والطبرسيّ في (إعلام الورى / 125) وغيرهم.

(5) التتمّة في تواريخ الأئمّةعليهم‌السلام / 70.

٦٧

خمسين مسموماً، سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بأمر معاوية، وبعث إليها لذلك بمئة ألف درهم(1) .

بل كان سمّ جعدة (لعنها اللَّه) للإمام الحسنعليه‌السلام ممّا عرفه أهل ذلك الزمان حتّى سار على ألسنة الشعراء، فقال النجاشي الحارثي:

جعدةُ بَكِّيه ولا تسأمي

بكاءَ حقٍّ ليس بالباطلِ

على ابن بنتِ الطاهر المصطفى

وابنِ ابنِ عمِّ المصطفى الفاضلِ

لم يسلِ السمُّ على مِثْله

في الأرض من حافٍ ومن ناعِلِ

نِعْمَ فتى الهيجاء يومَ الوغى

والسيِّد القائل والفاعل

أعني الذي أسلَمَنا هُلكُه

للزمن المستحرِجِ الماحلِ(2)

وفي دلائل الإمامة / 61، قال الطبري الإمامي: كان سبب وفاته أنّ معاوية سمّه سبعين مرّة [أي محاولاً ذلك مرّات كثيرة]، فلم يعمل فيه السمّ، فأرسل إلى امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ... وضمِنَ لها أن يزوّجَها يزيدَ ابنه، فسقت الحسنَ السمَّ في برادة من الذهب في السَّويق المقنّد، فلمّا استحكم فيه السمُّ قاءَ كبِدَه.

وفي روضة الواعظين / 143، قال الحسن لأخيه الحسينعليهما‌السلام : «يا أخي، إنّي مفارقك ولاحقٌ بربّي، وقد سُقيتُ السمَّ، ورَميتُ

____________________

(1) أسرار الإمامة / 76.

(2) ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام في تاريخ دمشق / 211، الطليعة 2 / 123، ونظم درر السمطين / 206. وانظر ديوان النجاشيّ / 53 - 54.

٦٨

بكبدي في الطشت، وإنّي لَعارفٌ بمَنْ سقاني السمَّ ومِن أين دُهيت، وأنا أُخاصمه إلَى اللَّه (عزّ وجلّ)».

وفي حلية الأولياء 2 / 38، روى الحافظ أبو نعيم أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام قال لعمير بن إسحاق: «لقد ألقيتُ طائفةً من كبِدي، وإنّي سُقيت السمَّ مراراً، فلم أُسقَ مثل هذه المرّة».

وفي مقاتل الطالبيّين / 73، روى أبو الفرج الإصفهاني عن عمير بن إسحاق أنّهعليه‌السلام قال: «لقد سُقيتُ السمَّ مراراً ما سُقيته مثل هذه المرّة، ولقد لفظتُ قطعةً من كبدي فجعلت اُقلّبها بعودٍ معي».

وفي تذكرة خواصّ الأمّة / 211 - 213، قال سبط ابن الجوزي: قال علماء السِّير، منهم ابن عبد البرّ: سمّتْه زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ. وقال السدي: دسّ إليها يزيد بن معاوية أن سمّي الحسن وأتزوّجك. فسمّته.

وقال الشعبي: إنّما دسّ إليها معاوية، فقال: سمّي الحسنَ وأُزوّجكِ يزيد. ومصداق هذا القول أنّ الحسن كان يقول عند موته - وقد بلغه ما صنع معاوية -:«لقد عمِلتْ شربته، وبلغ أُمنيّته، واللَّهِ لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول».

وقال ابن سعد في (الطبقات الكبرى): سمّه معاوية مراراً؛ لأنّه كان يَقْدم عليه الشام هو وأخوه الحسينعليهما‌السلام .

وفي أُسد الغابة في معرفة الصحابة 2 / 14، كتب ابن الأثير: توفّي سنة 49، وكان سبب موته أنّ زوجته جعدةَ بنت الأشعث بن قيس

٦٩

سقته السمّ، فكانت تُوضَع له طست وتُرفع أخرى نحو أربعين يوماً، فمات منه.

وفي الاستيعاب 1 / 389، كتب ابن عبد البَرّ، قال قتادة وأبو بكر بن حفص: سُمَّ الحسن بن عليّ، سمّته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها، وما بذل لها في ذلك.

وفي شرح نهج البلاغة 16 / 10، روى ابن أبي الحديد، عن أبي الحسن المدائني أنّه قال: سُقيَ الحسنعليه‌السلام السمَّ أربعَ مرّات، فقال: «لقد سُقيته مراراً فما شقّ علَيّ مثل مشقّته هذه المرّة».

٧٠

شهادة ريحانة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وسبطه الإمام الحسين (سلامُ اللّه عليه)

وهي أشهر من نار على علم؛ فإنّ مقتلهعليه‌السلام أفظع فاجعة في تاريخ البشريّة، لأعظم شخصيّة في زمانها، فهو سبط الرسول الكريم، وابن عليّ أمير المؤمنين وفاطمة سيّدة نساء العالمينعليهما‌السلام ، وهو ريحانة النبيّ، وسيّد شباب أهل الجنّة، والمنادي الأعظم بالنهضة الإسلاميّة.

وهنا سنسلّط الضوء على بعض إخبارات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام ، والأنبياء السابقينعليهم‌السلام بمصرعه واستشهاده في أرض كربلاء.

روى الحسين بن أحمد بن المغيرة - تلميذ ابن قولويه - عن أبي القاسم بن قولويه بسنده عن قُدامة بن زائدة، عن أبيه، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وفيه أنّ زينب بنت عليّعليه‌السلام حدّثت عن اُمّ أيمن حديثاً طويلاً عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه قول جبرئيلعليه‌السلام له: «وإنّ سبطك هذا - وأومأ بيده إلى الحسينعليه‌السلام - مقتولٌ في عصابة من ذرّيّتك وأهل

٧١

بيتك وأخيار من أُمّتك، بضفّة الفرات، بأرضٍ يُقال لها: كربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذرّيّتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تَفنى حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض، وأعظمها حرمة، وإنّها من بطحاء الجنّة...

ثمّ يبعث اللَّه قوماً من أُمّتك... فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء... وسيجهد أُناس ممّن حقّت عليهم اللعنة من اللَّه والسخط أن يعفوا رَسْمَ ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل اللَّه تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً». ثمّ قال رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فهذا أبكاني وأحزنني»(1) .

وروى ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده عن أبي عبد اللَّه الصادقعليه‌السلام ، قال: «كان الحسينعليه‌السلام مع أُمّه تحمله، فأخذه رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: لعن اللَّهُ قاتليك، ولعن اللَّه سالبيك، وأهلك اللَّه المتوازرين عليك، وحكم اللَّه بيني وبين مَنْ أعان عليك.

فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا أبه، أيَّ شيء تقول؟!

قال: يا بنتاه، ذكرتُ ما يصيبه بعدي وبعدَكِ من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم.

فقالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟

____________________

(1) كامل الزيارات / 444 - 448.

٧٢

قال: موضع يُقال له (كربلاء)، وهي ذات كرب وبلاء علينا(1) وعلى الأُمّة(2) ، يخرجُ عليهم شرار أُمّتي، ولو أنّ أحدهم شَفَعَ له مَن في السماوات والأرضين ما شُفَّعوا فيهم، وهم المخلّدون في النار.

قالت: يا أبه، فيُقتل؟!

قال: نعم يا بنتاه، وما قُتل قَتْلَتَهُ أحدٌ كان قبله، وتبكيه السماوات والأرضون، والملائكة والوحش، والحيتان في البحار، والجبال، لو يُؤذن لها ما بقي على الأرض مُتَنَفِّس.ويأتيه قوم مِن محبّينا ليس في الأرض أعلم باللَّه ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحدٌ يُلتفت إليه غيرهم...»(3) .

وفي كامل الزيارات بسنده عن سليمان الغنوي الكوفي، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: «وهل بقي في السماوات مَلَكٌ لم ينزل إلى رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعزِّيه بولده الحسينعليه‌السلام ، ويخبره بثواب اللَّه إيّاه، ويحمل إليه تربته مصروعاً عليها، مذبوحاً مقتولاً، جريحاً طريحاً مخذولاً، فقال رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ اخذلْ مَنْ خذله، واقتل مَنْ قتله، واذبح مَنْ ذبحه، ولا تمتّعْه بما طلب»(4) .

وفي الإرشاد: روى سماك، عن ابن مخارق، عن اُمّ سَلَمة (رضي اللَّه عنها)

____________________

(1) في الدنيا؛ لأنّها تُحزنهم (صلوات الله عليهم).

(2) لما يصيبها من الذل والتفرق في الدنيا، ومن العذاب والخزي في الآخرة.

(3) كامل الزيارات / 144 - 145. وانظره في تفسير فرات الكوفيّ / 171.

(4) كامل الزيارات / 131 - 132.

٧٣

قالت: بينا رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالس والحسينعليه‌السلام في حِجْره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت له: يا رسول اللَّه، ما لي أراك تبكي جُعِلت فداك؟! فقال: «جاءني جبرئيلعليه‌السلام فعزّاني بابني الحسين، وأخبرني أنّ طائفة من أُمّتي تقتله، لا أنالهم اللَّهُ شفاعتي»(1) .

وفيه: روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذاتَ يوم جالساً وحوله عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال لهم: «كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتّى؟».

فقال له الحسينعليه‌السلام : «أنموت موتاً أو نُقتل؟».

فقال: «بل تُقتل يا بُنيَّ ظلماً، ويُقتل أخوك ظلماً، وتُشرّد ذراريكم في الأرض».

فقال الحسينعليه‌السلام : «ومَنْ يقتلنا يا رسول اللَّه؟».

قال: «شرار الناس».

قال: «فهل يزورنا بعد قتلنا أحد؟».

قال: «نعم، طائفة من أُمّتي يريدون بزيارتكم بِرِّي وصِلتي، فإذا كان يومُ القيامة جئتُهم إلى الموقف حتّى آخذَ بأعضادهم فاُخلّصهم من أهواله وشدائده»(2) .

وروى الشريف ابن الشجريّ بسنده عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهم‌السلام ، عن اُمّ سَلَمة، قالت: أخبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةَ بقتل الحسينعليه‌السلام ، فبكت، فقال: «يا فاطمة، اصبري

____________________

(1) الإرشاد / 250.

(2) الإرشاد / 251. وانظر كتاب نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسينعليه‌السلام / 67 - 97 للشيخ محمّد حسن الإصطهباناتيّ، فهو من أروع ما كُتب في مجاله وبابه.

٧٤

وسلّمي».

قالت: «صبرتُ وسلّمت يا رسول اللَّه، فأين يكون قتلُه؟».

قال: «يُقتل بأرض يُقال لها:كربلاء، في غربة من الأهل والعشيرة، يزوره يا فاطمة قومٌ(1) من أُمّتي يريدون بذلك برّي وصلتي، أتَعاهدهم في الموقف فآخذ أعضادهم فاُنجيهم من أهواله وشدائده»(2) .

وروى الجويني بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، حديثاً طويلاً، قال فيه رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأمّا الحسينعليه‌السلام فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، وخليفة ربّ العالمين...

وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يُصنَع به بعدي؛ كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يُجار، فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كربلاء، موضع قتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، اُولئك سادةُ شهداء أمّتي يوم القيامة. كأنّي أنظر إليه وقد رُمي بسهمٍ فخرّ عن فرسه صريعاً، ثمّ يُذبَح كما يُذبح الكبش مظلوماً».

ثمّ بكى رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبكى مَنْ حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قال رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(1) فضل زيارة الحسينعليه‌السلام / 34 - 35.

(2) فضل زيارة الحسينعليه‌السلام / 29.

٧٥

«اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يَلقى أهلُ بيتي بعدي». ثمّ دخلصلى‌الله‌عليه‌وآله منزله(1) .

وروى الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن اُمّ سَلَمة حديثاً فيه قول جبرئيلعليه‌السلام للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أُمّتك ستقتل هذا [الحسينعليه‌السلام ] بأرض يُقال لها: كربلاء.فتناول جبرئيل من تربتها فأراها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا اُحيط بالحسينعليه‌السلام حين قُتل قال: «ما اسم هذه الأرض؟».

قالوا: كربلاء.

قال: «صدق اللَّه ورسوله، أرضُ كربٍ وبلاء»(2) .

وفي مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: عن المسور بن مخرمة قال: ولقد أتى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله مَلَكٌ من ملائكة الصفيح الأعلى... أوحى اللَّه (عزّ وجلّ) إليه: «أيّها المَلَك، أخبِرْ محمّداً بأنّ رجلاً من أُمّته يُقال له: يزيد، يقتل فرخك الطاهر وابن الطاهرة...».

فجاء وقد نشر أجنحته حتّى وقف بين يديهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:... اعلمْ أنّ رجلاً من أُمّتك يُقال له: يزيد، يقتل فرخك الطاهر ابن فرختك الطاهرة نظيرة البتول مريم ابنة عمران، ولا يُمتّع مِن بعد وَلَدك، وسيأخذه اللَّه مغافصةً على أسوأ عمله فيكون من أصحاب النار.

ولمّا أتت على الحسينعليه‌السلام من مولده سنتان كاملتان، خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) فرائد السمطين 2 / 36.

(2) المعجم الكبير - ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

٧٦

في سفر، فلمّا كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسُئل عن ذلك، فقال: «هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يُقال لها: كربلاء، يُقتل فيها وَلَدي ابنُ فاطمة». فقيل: مَنْ يقتله يا رسول اللَّه؟ فقال: «رجل يُقال له: يزيد، لا بارك اللَّه في نفسه.وكأنّي أنظر إلى مصرعه ومدفنه بها وقد أهدي رأسه. واللَّهِ ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلاّ خالف اللَّه بين قلبه ولسانه». يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة.

قال: ثمّ رجع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من سفره ذلك مغموماً فصعد المنبر، فخطب ووعظ، والحسين بين يديه مع الحسن، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين، ورفع رأسه إلى السماء وقال:«اللّهمّ إنّي محمّد عبدك ونبيّك، وهذان أطائبُ عترتي، وخيار ذرّيّتي وأُرومتي، ومَنْ اُخلّفهما في أُمّتي. اللّهمّ وقد أخبرني جبرئيل بأنّ ولدي هذا مقتول مخذول. اللهمّ فبارك لي في قتله، واجعله من سادات الشهداء إنّك على كلّ شيءٍ قدير. اللهمّ ولا تباركْ في قاتله وخاذله».

قال: فَضَجَّ الناس في المسجد بالبكاء، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٧٧

«أتبكونه ولا تنصرونه؟! اللّهمّ فكنْ له أنت وليّاً وناصراً»(1) .

وأخرج ابن عساكر عن محمّد بن عمرو بن حسن، قال: كنّا مع الحسينعليه‌السلام بنهر كربلاء فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن، فقال:«صدق اللَّه ورسوله؛ قال رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كأنّي أنظر إلى كلبٍ أبقع يلغ في دماء أهل بيتي». وكان شمر أبرص(2) .

وروى الحاكم النيسابوري بسنده عن ابن عبّاس، قال: ما كنّا نشكّ وأهلُ البيت متوافرون أنّ الحسين بن عليّعليه‌السلام يُقتل بالطفّ(3) .

وروى إمام الحنابلة في مسنده، بسنده عن عبد اللَّه بن نجيّ، عن أبيه: أنّه سار مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفّين، فنادى عليّعليه‌السلام : «اصبر أبا عبد اللَّه، اصبر أبا عبد اللَّه بشطّ الفرات». قلت: وماذا؟ قال: «دخلتُ على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزميّ 1 / 162.

(2) ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 179.

وقد روى جمع من الصحابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إخباره بشهادة الحسينعليه‌السلام وقتله في كربلاء، منهم: اُمّ المؤمنين اُمّ سَلَمة، وزينب بنت جحش، وعائشة بنت أبي بكر، واُمّ أيمن، واُم الفضل بنت الحارث، وأسماء بنت عُمَيس، وعبد الله بن عبّاس، وأنس بن الحارث، ومُعاذ بن جبل، وأبو اُمامة، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكنانيّ، والمسور بن مخرمة، وسعيد بن جمهان، وخالد بن عرفطة. انظر ملحقات إحقاق الحق 11 / 339 - 416، وسيرتنا وسنّتنا للشيخ الأمينيّ (قدّس سرّه).

٧٨

ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت:يا نبيّ اللَّه، أغضبك أحد؟ ما شأن عينَيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل قبلُ فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات. قال: فقال: هل لك إلى أن أُشهدك تربته؟ قال: قلت: نعم. فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عَينيَّ أن فاضتا»(1) .

وروى نصر بسنده عن هرثمة بن سليم، قال: غزونا مع عليّ بن أبي طالب غزوة صفّين، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاة، فلمّا سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها، ثمّ قال: «واهاً لكِ أيّتها التربة! ليُحشرنّ منكِ قوم يدخلون الجنّة بغير حساب».

فلمّا بعث عبيد اللَّه بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليّعليه‌السلام وأصحابه، قال: كنتُ فيهم في الخيل التي بعث إليهم، فلمّا انتهيت إلى القوم وحسينٍ وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا عليّعليه‌السلام فيه، والبقعةَ التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلتُ على فرسي حتّى وقفت على الحسينعليه‌السلام فسلّمت عليه، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسينعليه‌السلام : «معنا أنت أو علينا؟».

فقلت: يابن رسول اللَّه، لا معك ولا عليك، تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : «فولِّ هرباً حتّى لا ترى لنا مقتلاً؛ فوالذي نفسُ محمّدٍ

____________________

(1) مسند أحمد 2 / 60 - 61، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف / 12، وفيه (صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله).

٧٩

بيده لا يرى مقتلَنا اليومَ رجُلٌ ولا يغيثنا إلاّ أدخله اللَّه النار».

قال: فأقبلتُ في الأرض هارباً حتّى خفي عليَّ مقتله(1) .

وفي كتاب الملاحم والفتن للسيّد ابن طاووس: عن كتاب الفتن للسّليلي، عن شيبان، قال: أقبلنا مع عليّ بن أبي طالب من صفّين حتّى نزلنا كربلاء وهو على بغلة له، فنزل عن البغلة فأخذ كفّاً من تحت حافر البغلة فشمّها، ثمّ قبّلها ووضعها على عينيه وبكى، وقال: «وأيّ حبيب يُقتل في هذا الموضع! كأنّي أنظر إلى ثقل من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أناخوا بهذا الوادي فخرجتم إليهم فقتلتموهم، ويلٌ لكم منهم! وويلٌ لهم منكم!».

ثمّ قال: «ائتوني برِجْل حمار أو فكّ حمار». فأتيته برِجْل حمار ميّت فأوتَدَه في موضع حافر البغلة، فلمّا قُتل الحسينعليه‌السلام جئت فاستخرجتُ رجل الحمار من موضع دمهعليه‌السلام وإنّ أصحابه لربُضٌ حوله(2) .

ولو أردنا استقصاء الأخبار في الإخبارات النبويّة والعلويّة لاحتاج ذلك إلى تصنيف مجلّد ضخم في ذلك، وفيما ذكرناه كفاية في المقام.

وإليك زيارة الأنبياءعليهم‌السلام لأرض كربلاء قبل أن يولد الحسينعليه‌السلام في هذه النشأة.

____________________

(1) وقعة صفّين / 140 - 141.

(2) الملاحم والفتن / 115.

٨٠