لمعات الحسين (عليه السلام)

لمعات الحسين (عليه السلام)0%

لمعات الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام

لمعات الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد حسين الحسيني
تصنيف: المشاهدات: 4860
تحميل: 4958

توضيحات:

لمعات الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 12 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 4860 / تحميل: 4958
الحجم الحجم الحجم
لمعات الحسين (عليه السلام)

لمعات الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لمعات الحسينعليه‌السلام

تأليف: السيد محمّد حسين الحسيني (قُدّس سرّه)

القسم الأوّل:

- خطب ومواعظ سيد الشهداءعليه‌السلام

- مناشدتهعليه‌السلام للأصحاب

- أشعاره في جواب الفرزدق

- کلامهعليه‌السلام عند مو...

المقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والحمدُ للَّه ربّ العالَمين، ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللَه العَليِّ العظيم

صلاةً وسلاماً لا حدّ له على الروح الطاهرة المطهّرة لخاتم الأنبياء محمّد المصطفى، ووصيّه ذي المحتد الكريم عليٍّ المرتضي، وأولاده الأماجد الأحد عشر، وخاصّة وليِّ دائرة عالم الإمكان، إمام الزمان محمّد بن الحسن قائم آل محمّد الذين يقودون قافلة عالم الوجود بالمحبّة والجاذبيّة في الحركة إلى عالم الإطلاق والتوحيد لحضرة الحقّ (جلّ وعلا):( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (1) .

ونظراً لأنّ فترة إمامة الإمامين الحسن المجتبى وسيّد الشهداءعليهما‌السلام من أصعب الفترات وأحلكها؛ من جهة تسلّط وضغط الحكم الاُمويّ الجائر؛ بحيث وصل الاختناق والمدالسة والتزييف، والجهل والرياء، والكذب والخداع إلى أقصاه كما هو مشهود من خطبة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أواخر عمره الشريف؛ حيث يقول: «وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللَهُ - أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ، واللاَزِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ. أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُصْطَلِحُونَ عَلَى الإدْهَانِ. فَتَاهُمْ عَارِمٌ، وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ، وَعَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ، وَقَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ. لاَ يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَلاَ يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ»(2) .

وبالرغم من طول مدّة حياة هذين الإمامَين الهمامين، وعلاوة على أنّ مدّة إمامة وولاية كلّ منهما قد دامت لوحدها حدود عشر سنوات؛ بحيث كان ينبغي بالطبع أن يكون قد وصلنا منهما آلاف الروايات والأحاديث، والخطب والمواعظ في تفسير القرآن وغير ذلك، إلاّ أنّه لم يصلنا منهما أكثر من حديث أو حديثَين في الفقه، وعدّة أحاديث في التفسير.

وكانت خطبهما ومواعظهما وكلماتهما هي الاُخرى في غاية الاختصار والإيجاز والقلّة؛ وذلك على الرغم من أنّ آلاف الأحاديث المختلقة والكاذبة من تجّار الحديث من أمثال أبي هريرة وغيره التي يحكي مضمونها عن مسايرة سياسة ذلك الوقت، قد ملأت الكتب والدفاتر وصفحات التاريخ.

ومن الجليّ أنّه مع وجود تلك الظلمة والإبهام والضغط فإنّه لم يكن ليُرجع - أُصولاً - إلى أُولئك الأجلّة، أو يُستفاد من بحر علومهم الموّاج الزاخر، أو أنّ الروايات المرويّة عنهم قد أُصيبت بالزوال والاضمحلال نتيجة رعب وخوف واضطراب الرواة؛ فلم تنتقل إلى الطبقات التالية منهم.

وقد وصل من سيّد الشهداءعليه‌السلام القليل من الخطب والمواعظ، الذي هو معلّم درس الحريّة والحكمة، والإيمان والإيقان، وجليّ أنّها رشحت من مصدر الولاية: «وَإِنَّا لاَمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ»(3) .

وتبعاً لذلك فإنّهم هم الذين يمتلكون أصل الكلام وفرعه، الممثّلينِ لاُصول المعاني والحقائق وفروعها.

وكم كان جميلاً أن تُكتب كلماتهعليه‌السلام الحاوية لعالمٍ من العزّة والشرف، والشموخ والاستقلال، والإيمان والإيقان، والصبر والثبات والفتوّة في اللوحات واللافتات، وتُنصب في مجالس العزاء كما يُفعل بأشعار المحتشم (القاساني)؛ ليفيد الواردون إلى تلك المجالس، والمشاركون فيها استفادة بصريّة مقترنة بالاستفادة السمعيّة من الخطباء والمتكلّمين ذوي الصدق والاستقامة؛ فيحفظوا نصوص تلك الكلمات ويجعلوها أُنموذج حياتهم وعملهم.

والكرّاسة التي يطالعها القرّاء الأعزّاء فعلاً هي نصوص بعض كلمات الإمام سيّد الشهداءعليه‌السلام ، نقلها هذا الحقير عن الكتب المعتبرة مع ذكر تلك المصادر، متجنّباً شرحها وبسطها؛ ليمكّن الإيجاز والاختصار من كتابتها على اللوحات واللافتات، ووضعها في المجالس والمحافل بمرأى من الحاضرين، ولتكون في الوقت نفسه قابلةً ببساطتها لاستفادة عموم الإخوة في الدين.

والمنتظَر من طلاّب العلوم الدينيّة وطلبة الجامعات الملتزمين أن يحفظوا نصوص هذه الكلمات والخطب، ويُنيروا أذهان عامّة الناس في خطبهم وأحاديثهم باللمعات الوهّاجة للأنوار الساطعة للحسينعليه‌السلام ، وينقلوا إلى الأجيال اللاحقة هذا الميراث الثمين الذي وصلنا من مداد العلماء ودماء الشهداء السَّلَف.

شَكَرَ اللهُ مَساعِيَهُمُ الْجَميلَةَ، وَزادَهُمْ إيماناً وتقوى، وعِلْماً وعَمَلاً. والسَّلام عَلينا وعَليهم وعلى عِباد الله الصَّالحين ورحمة الله وبركاته.

السيِّد محمّد الحُسين الحُسينيّ الطهرانيّ

أذان ظهر يوم عاشوراء / 1402 هجريّة قمريّة

في مشهد الرضويّة المقدّسة (على ساكنها السّلام)

لَمَعاتُ الحُسَيْنِعليه‌السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلَّى اللهُ على محمّد وآله الطّاهرينَ، ولعنةُ الله على أَعدائهم أجمعين من الآن إلى يَوْمِ الدين، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللهِ العليِّ العَظِيمِ

كلام سيّد الشهداءعليه‌السلام في لزوم معرفة الله

* من كلامٍ للإمام سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام خطب به أصحابه يوماً: «أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَهَ مَا خَلَقَ خَلْقَ اللَهِ إلاَّ لِيَعْرِفُوهُ، فَإذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، وَاسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِواهُ».

فَقَالَ رَجُلٌ: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ، فَمَا مَعْرِفَةُ اللَهِ (عَزّ وَجَلَّ)؟

فَقَالَ: «مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ إمَامَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ»(4) .

خطبتهعليه‌السلام لإصلاح الناس

* وقال في نهاية الخطبة التي أنشأهاعليه‌السلام وتطرّق فيها إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى الثورة على الظَّلَمة وحكّام الجور، وتحدّث فيها مفصّلاً عن محروميّة المظلومين والتفرّق عن الحقّ، وذكّر ضمناً بأنّ مَجَارِي الاُمورِ وَالأحكَامِ عَلَى أَيدِي العُلَمَاءِ بِاللَهِ، الاُمَنَاءِ عَلَى حَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ.

قال: «اللَهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أَنَّهُ لَم يَكُن مَا كَانَ مِنَّا(5) تَنَافُساً فِي سُلطَانٍ، وَلاَ التِمَاساً مِن فُضُولِ الحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرَى الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الإصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَيُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَسُنَنِكَ وَأَحْكَامِكَ. فَإنْ لَمْ تَنْصُرُونَا(6) وَتُنْصِفُونَا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَعَمِلُوا فِي إطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ؛ وَحَسْبُنَا اللَهُ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإلَيْهِ أَنَبْنَا وَإلَيْهِ الْمَصِيرُ»(7) .

وصيّتهعليه‌السلام إلى محمّد بن الحنفيّة

* وحين عَزَمعليه‌السلام على الخروج من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة، كتب وصيّةً وطواها، وختمها بخاتمه، ودفعها إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة، ثمّ ودّعه وسار في جوف الليل بجميع أهل بيته إلى مكّة ليلة الثالث من شعبان لسنة ستّين هجريّة.

وتلك الوصيّة هي: «بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ.

إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً، وَلاَ مُفْسِداً وَلاَ ظَالِماً، وَإنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍعليه‌السلام ؛ فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.

وَهَذِهِ وَصِيَّتِي إلَيْكَ يَا أَخِي، وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ»(8) .

الحثّ على المكارم

* ومن جملة خطبهعليه‌السلام التي أوردها عليّ بن عيسى الإربلي:

خَطَبَ الْحُسَيْنُعليه‌السلام فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، نَافِسُوا فِي الْمَكَارِمِ، وَسَارِعُوا فِي الْمَغَانِمِ، وَلاَ تَحْتَسِبُوا بِمَعْرُوفٍ لَمْ تَعْجَلُوا، وَاكْسِبُوا الْحَمْدَ بِالنُّجْحِ، وَلاَ تَكْتَسِبُوا بِالْمَطْلِ ذَمّاً؛ فَمَهْمَا يَكُنْ لأحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ صَنِيعَةٌ لَهُ رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقُومُ بِشُكْرِهَا فَاللَهُ لَهُ بِمُكَافَأَتِهِ؛ فَإنَّهُ أَجْزَلُ عَطَاءً وَأَعْظَمُ أَجْراً(9) .

وَاعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَهِ عَلَيْكُمْ؛ فَلاَ تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَماً(10) . وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مُكْسِبٌ حَمْداً، وَمُعْقِبٌ أَجْراً. فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلاً رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلاً يَسُرُّ النَّاظِرِينَ، وَلَوْ رَأَيْتُمُ اللُؤْمَ رَأَيْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَنَفَّرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَتَغُضُّ دُونَهُ الأبْصَارُ(11) .

أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ جَادَ سَادَ، وَ مَنْ بَخِلَ رَذِلَ. وَإنَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لاَ يَرْجُوهُ، وَإنَّ أَعْفَى النَّاسِ مَنْ عَفَا عَنْ قُدْرَةٍ، وَإنَّ أَوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ. وَالاُصُولُ عَلَى مَغَارِسِهَا بِفُرُوعِهَا تَسْمُو؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ لأخِيهِ خَيْراً وَجَدَهُ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ غَداً، وَمَنْ أَرَادَ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالصَّنِيعَةِ إلى أَخِيهِ كَافَأَهُ بِهَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ، وَصَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلاَءِ الدُّنْيَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَمَنْ نَفَّسَ كُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَهُ عَنْهُ كُرَبَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ أَحْسَنَ أَحْسَنَ اللَهُ إلَيْهِ، وَاللَهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(12) .

اُسلوب اجتناب المعاصي

* و من جملة مواعظهعليه‌السلام :

رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّعليهما‌السلام جَاءَهُ رَجُلٌ وَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ، وَلاَ أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ.

فَقَالَعليه‌السلام : «افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. فَأَوَّلُ ذَلِكَ: لاَ تَأْكُلْ رِزْقَ اللَهِ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. وَالثَّانِي: اخْرُجْ مِنْ وِلاَيَةِ اللَهِ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. وَالثَّالِثُ: اطْلُبْ مَوْضِعاً لاَ يَرَاكَ اللَهُ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. وَالرَّابِعُ: إذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. وَالْخَامِسُ: إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ فَلاَ تَدْخُلْ فِي النَّارِ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ»(13) .

مواعظ سيّد الشهداءعليه‌السلام

* وورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِعليهما‌السلام أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَتَبَ إلى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّعليهما‌السلام : يَا سَيِّدِي، أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَكَتَبَ (صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ): بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَا اللَهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَهُ أُمُورَ النَّاسِ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَهِ، وَكَلَهُ اللَهُ إلى النَّاسِ. وَالسَّلاَمُ»(14) .

* ورُوي عن كتاب «أعلام الدين»: قَالَعليه‌السلام : «دِرَاسَةُ الْعِلْمِ لِقَاحُ الْمَعْرِفَةِ، وَطُولُ التَّجَارِبِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَالشَّرَفُ التَّقْوَى، والْقُنُوعُ رَاحَةُ الاْبْدَانِ. وَمَنْ أَحَبَّكَ نَهَاكَ، وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَغْرَاكَ»(15) .

* ومن مواعظهعليه‌السلام : وَقَالَعليه‌السلام : «إيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ؛ فَإنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُسِيءُ وَلاَ يَعْتَذِرُ، وَالْمُنَافِقُ كُلَّ يَوْمٍ يُسِيءُ وَيَعْتَذِرُ»(16) .

* ومن مواعظهعليه‌السلام : وَقَالَ لاِبْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِعليهما‌السلام : «أَيْ بُنَيَّ، إيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لاَ يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إلاَّ اللَهَ (جَلَّ وَعَزَّ)»(17).

خطبتهعليه‌السلام بمنى، وتنوير الأذهان في زمن معاوية

* وفي كتاب سليم بن قيس: لمّا مات الحسن بن عليّعليهما‌السلام (استشهد الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام بالسمّ في سنة (49) هجريّة على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، بإيعاز من معاوية(18) ) لم تزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدّان (على الشيعة)، فلم يبقَ وليّ للّه إلاّ خائفاً على دمه، (وفي رواية أُخرى: إلاّ خائفاً على دمه أنّه مقتول)، وإلاّ طريداً، وإلاّ شريداً، ولم يبق عدوّ للّه إلاّ مظهراً حجّته، غير مستتر ببدعته وضلالته.

فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة(19) حجّ الحسينُ بنُ عليّ (صلوات الله عليه)، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن جعفر معه، فجمع الحسينُعليه‌السلام بني هاشم؛ رجالهم ونساءهم ومواليهم، ومن الأنصار ممّن يعرفه الحسينعليه‌السلام وأهل بيته، ثمّ أرسل رسلاً: «لا تَدَعوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمعهم(20) لي».

فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمئة رجل، وهم في سرادقه، عامّتهم من التابعين، ونحو من مئتي رجل من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً، فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ(21) قَدْ فَعَلَ بِنَا وَبِشِيعَتِنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَعَلِمْتُمْ وَشَهِدْتُمْ، وَإنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكُمْ عَنْ شَيْءٍ؛ فَإِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُونِي، وَإِنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُونِي.

وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللَهِ عَلَيْكُمْ، وَحَقِّ رَسُولِ اللَهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وَقَرَابَتِي مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامِي هَذَا، وَوَصَفْتُمْ مَقَالَتِي، وَدَعَوْتُمْ أَجْمَعِينَ فِي أَمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بَعْدَ قَوْلِهِ: فَكَذِّبُونِي: اسْمَعُوا مَقَالَتِي وَاكْتُبُوا قَوْلِي، ثُمَّ ارْجِعُوا إلى أَمْصَارِكُمْ وَقَبَائِلِكُمْ؛ فَمَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ)، وَوَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلى مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا؛ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَدْرُسَ هَذَا الاْمْرُ، وَيَذْهَبَ الْحَقُّ وَيُغْلَبَ،( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ».

وَمَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ اللَهُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرآنِ إلاَّ تَلاَهُ وَفَسَّرَهُ، وَلاَ شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فِي أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأُمِّهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِعليهم‌السلام إلاَّ رَوَاهُ. وَكُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُهُ: اللَهُمَّ نَعَمْ، وَقَدْ سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا. وَيَقُولُ التَّابِعِيُّ: اللَهُمَّ قَدْ حَدَّثَنِي بِهِ مَنْ أُصَدِّقُهُ وَأَئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.

مناشدتهعليه‌السلام للأصحاب والتابعين

فَقَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللَهَ إلاَّ حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَبِدِينِهِ».

قَالَ سُلَيْمٌ: فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُعليه‌السلام وَذَكَّرَهُمْ أَنْ قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللَهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَخَا رَسُولِ اللَهِصلى‌الله‌عليه‌وآله حِينَ آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَآخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟».

قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ.

قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللَهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِصلى‌الله‌عليه‌وآله نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَى لَهُ بِالْوِلاَيَةِ، وَقَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؟».

قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ.

قَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللَهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِصلى‌الله‌عليه‌وآله قَالَ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ؛ كِتَابَ اللَهِ وَأَهْلَ بَيْتِي، فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا؟».

قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ.

وبعد نقل فِقْرات كثيرة من هذه المناشدة، قال: ثُمَّ نَاشَدَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ يَقُولُ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ، لَيْسَ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ عَلِيّاً. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَهِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لأنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ؛ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَهَ، وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَهَ؟».

فَقَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ، قَدْ سَمِعْنَا. وَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلَكَ(22) .

خطبتهعليه‌السلام عند خروجه من مكّة

* خطبتهعليه‌السلام في مكّة المكرّمة حين عزم على الخروج إلى كربلاء: وَرُوِيَ أَنَّهُعليه‌السلام لَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إلى الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً، فَقَال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا شَاءَ اللَهُ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ، وَصَلَّى اللَهُ عَلَى رَسُولِهِ. خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلاَدَةِ على جِيدِ الْفَتَاةِ. وَمَا أَوْلَهَنِي إلى أَسْلاَفِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلى يُوسُفَ. وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لاَقِيهِ؛ كَأَنِّي بَأَوْصَالِي تَتَقَطَّعُهَا عُسْلاَنُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ؛ فَيَمْلاَنَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَأَجْرِبَةً سُغْباً.

لاَ مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ. رِضَا اللَهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ نَصْبِرُ على بَلاَئِهِ وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ. لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لُحْمَتُهُ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ؛ تَقِرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ. مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلاً مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً على لِقَاءِ اللَهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا؛ فَإنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَى»(23) .

أشعارهعليه‌السلام في جواب الفرزدق ومحادثته معه

* وقد التقاهعليه‌السلام وهو متوجّه إلى الكوفة الفرزدقُ بن غالب (الشاعر المعروف في ذلك العصر)، وقال له: يابنَ رسولِ الله، كيفَ تَركَنُ إلى أهل الكوفةِ وهم الذين قَتلوا ابنَ عَمِّك مسلمَ بنَ عقيل وشيعته؟

فترحّمَ (الحسينُ) على مُسلمٍ وقال: «صار إلى رَوْحِ اللَهِ ورِضوانِهِ. أما إنَّهُ قَضَى مَا عَلَيهِ وبَقِي مَا عَلَيْنَا».

وأنشده:

وَإنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً

فَدَارُ ثَوَابِ اللَهِ أَعْلى وَأَنْبَلُ

وَإنْ تَكُنِ الاْبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ

فَقَتْلُ امْرِئٍ بِالسَّيْفِ فِي اللَهِ أَفْضَلُ

وَإنْ تَكُنِ الاْرْزَاقُ قِسْماً مُقَدَّر

فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ فِي الْكَسْبِ أَجْمَلُ

وَإنْ تَكُنِ الأمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَ

فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ(24)

وقال الكثير من أصحاب المقاتل؛ مثل المحدّث القمّي في «نفسالمهموم»، والشيخ سليمان القندوزي في «ينابيع المودّة»(25) : إنّهعليه‌السلام كان يرتجز يوم عاشوراء ويقاتل بسيفه، ويتمثّل في رجزه بهذه الأشعار.

* يقول عليّ بن عيسى الإربِلي: قَالَ الْفَرَزْدَقُ: لَقِيَنِي الْحُسَيْنُعليه‌السلام فِي مُنْصَرَفِي مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: «مَا وَرَاكَ يَا أَبَا فِرَاسٍ؟».

قُلْتُ: أَصْدُقُكَ؟

قَالَعليه‌السلام : «الصِّدْقَ أُرِيدُ».

قُلْتُ: أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ؛ وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ؛ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَهِ.

قَالَ: «مَا أَرَاكَ إلاَّ صَدَقْتَ؛ النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَغْوٌ على أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ، فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ»(26) .

خطبة الإمامعليه‌السلام عند ممانعة الحرّ إيّاه

* وحين اعترض الحرُّ بن يزيد الرياحيّ الإمامَعليه‌السلام ومنعه بشدّة من التوجّه إلى الكوفة أو الرجوع إلى المدينة، فقامعليه‌السلام في «ذي حَسَم» - وفق رواية الطبريّ في تأريخه عن عَقَبة بن أبي العيزار -، فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، إنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الأمْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ، وَإنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتَمَرَّتْ حَذَّاءَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ، وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ.

أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ لاَ يُتَنَاهَي عَنْهُ؟! لِيَرْغَبِ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَهِ مُحِقّاً؛ فَإنِّي لاَ أَرَى المَوتَ إلاَّ سَعَادَةً، وَلاَ الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إلاَّ بَرَماً»(27) .

وزاد في كتاب «تحف العقول» هذه الجملة بعد ذكره لهذه الجملات من الخطبة: قالعليه‌السلام : «إنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ على أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ، فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ»(28) .

فقام آنذاك زُهَيْر بن القَيْن، ونافِع بن هِلال، وبُرَيْر بن خُضير، كلاً بدوره، فتكلّموا وأظهروا موالاتهم ومساندتهم للإمامعليه‌السلام .

* وأقبل الحرّ بن يزيد يُساير الإمامعليه‌السلام ولا يُفارقه، وهو يقول له: يَا حسين، إنّي أُذكِّركَ اللهَ في نفسكَ؛ فإنّي أشهَد لَئن قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ.