موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٣

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 311
المشاهدات: 9582
تحميل: 5510


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9582 / تحميل: 5510
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكان شابّاً حديث السنّ نحيفاً، ثمّ أقبل عليه فقال: أ أنت تعلّمني الحقّ وقد قرأتُ كتاب الله وأنتَ في صُلْب رجلٍ مشرك؟

فقال له كعب: إنّ إمارة المؤمنين إنّما كانت لك بما أوجبَتْه الشُورى حين عاهدتَ الله على نفسك لتسيرنّ بسيرة نبيّه لا تُقصّر عنها، وإنْ يشاورونا فيك ثانيةً نقلناها عنك.

يا عثمان! إنّ كتاب الله لمن بلغه وقرأه، وقد شركناك في قراءته، ومتى لم يعمل القارئ بما فيه كان حجّةً عليه.

فقال عثمان: والله، ما أظنّك تدري أين ربُّك؟

فقال: هو بالمرصاد.

فقال مروان: حلمُك أغرى مثل هذا بك وجرّأه عليك.

فأمر عثمان بكعب فجُرّد وضرب عشرين سوطاً وسيّره إلى (دَباوَنْد (1) )، ويقال: إلى (جبل الدُّخان).

فلمّا ورد على سعيد حمله مع بُكير بن حُمران الأحمري، فقال الدهقان الذي ورد عليه: لِمَ فُعِل بهذا الرجل ما أرى؟

قال بُكير: لأنّه شرير! فقال: إنّ قوماً هذا من شرارهم لَخيارٌ.

ثمّ إنّ طلحة والزبير وبّخا عثمان في أمر كعب وغيره، وقال طلحة: عند غِبّ الصَّدَرِ تُحْمَدُ عاقبة الوِرْد، فكتب في ردّ كعب وحمله إليه، فلمّا قدِم عليه نزع

____________________

(1) مدينة دَبَاوَنْد وهو المشهور الآن بـ دماوند. قرب طهران عاصمة إيران وهي تقطع على صفح جبل دماوند أعظم جبل في إيران.

٢٠١

ثوبه وقال: يا كعب اقتصّ، فعفا (1).

4 / 7 - 7

تسيير جماعة من صُلحَاء الأُمّة

1176 - تاريخ الطبري عن الشعبي: قدِم سعيد بن العاص الكوفة، فجعَل يختار وجوه الناس يدخلون عليه ويسمُرون عنده؛ وإنّه سمر عنده ليلةً وجوه أهل الكوفة، منهم: مالك بن كعب الأرحبيّ، والأسود بن يزيد، وعلقمة بن قيس النخعيّان، وفيهم: مالك الأشتر في رجال.

فقال سعيد: إنّما هذا السواد بستانٌ لقريش!

فقال الأشتر: أتزعم أنّ السواد الذي أفاءهُ الله علينا بأسيافنا بستان لكَ ولقومِك؟! والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيباً إلاّ أنْ يكون كأحدِنا، وتكلّم معه القوم.

فقال عبد الرحمان الأسَدي - وكان على شَرَطة سعيد -: أ تردّون على الأمير مقالته؟ وأغلَظ لهم.

فقال الأشتر: مَن هاهنا؟ لا يفوتنّكم الرجل، فوثبوا عليه فوطؤوه وطْأً شديداً، حتى غُشي عليه، ثمّ جُرّ برجله فاُلقِيَ...

فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك ويقول: إنّ رهطاً من أهل الكوفة - سمّاهم له عشرة - يؤلّبون ويجتمعون على عيبك وعيبي والطعن في ديننا، وقد خشيت إنْ ثبت أمرهم أنْ يكثروا.

فكتب عثمان إلى سعيد: أنْ سيّرهم إلى معاوية - ومعاوية يومئذٍ على الشام

____________________

(1) أنساب الأشراف: 6 / 153 وراجع الفتوح: 2 / 390 - 394.

٢٠٢

فسيّرهم - وهم تسعةُ نفَر - إلى معاوية، فيهم: مالكُ الأشتر، وثابت بن قيس بن منقع، وكُمَيل بن زياد النخعي، وصعصعة بن صوحان (1) .

1177 - أنساب الأشراف: لمّا خرَج المسيَّرون من قُرّاء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزَلوا مع عمرو بن زُرارة، فبرّهم معاوية وأكرمهم، ثمّ إنّه جرى بينه وبين الأشتر قول حتى تغالظا، فحبَسه معاوية...

وبلَغ معاوية أنّ قوماً من أهل دمشق يُجالُسون الأشتر وأصحابه، فكتب إلى عثمان: إنّك بعثت إليّ قوماً أفسَدوا مصرهم وأنغلوه (2) ، ولا آمنُ أنْ يفسدوا طاعة من قِبَلي ويعلّموهم ما لا يُحسنونه حتى تعود سلامتهم غائلةً، واستقامتهم اعوجاجاً.

فكتب إلى معاوية يأمره أنْ يسيّرهم إلى حِمْص (3) ففَعَل، وكان واليها عبد الرحمان بن خالد بن الوليد بن المغيرة. ويقال: إنّ عثمان كتب في ردّهم إلى الكوفة، فضجّ منهم سعيد ثانية، فكتب في تسييرهم إلى حمص، فنزلوا الساحل (4) .

1178 - تاريخ الطبري عن الشعبي - في خبر مسيّرة الكوفة -: كتب [معاوية ] إلى عثمان: لستُ آمن إنْ أقاموا وسط أهل الشام أنْ يغرّوهم بسحرهم

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 322، الكامل في التاريخ: 2 / 267، الفتوح: 2 / 384 كلاهما نحوه.

(2) من النَّغل؛ الفساد، وقد نَغِل الأديم، إذا عَفِن وتهرّى في الدِّباغ، فينفسد ويهلِك (النهاية: 5 / 88).

(3) حِمْص: أحد قواعد الشام، وتقع إلى الشمال من مدينة دمشق تبعد عنها150 كيلو متراً، وهي ذات بساتين، وشربها من نهر العاصي. دخلت هذه المدينة تحت سيطرة المسلمين في سنة 15 للهجرة (راجع تقويم البلدان: 261).

(4) أنساب الأشراف: 6 / 155.

٢٠٣

وفجورهم! فاردُدهم إلى مصرهم؛ فلتكن دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم، والسلام.

فكتب إليه عثمان يأمره أنْ يردّهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة، فردّهم إليه، فلم يكونوا إلاّ أطلق ألسنةً منهم حين رجعوا.

وكتب سعيد إلى عثمان يضجّ منهم؛ فكتَب عثمان إلى سعيد أنْ سيِّرْهم إلى عبد الرحمان بن خالد بن الوليد؛ وكان أميراً على حمص.

وكتب إلى الأشتر وأصحابه: أمّا بعد؛ فإنّي قد سيّرتكم إلى حمص، فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها؛ فإنّكم لستم تأْلون (1) الإسلام وأهله شرّاً، والسلام.

فلمّا قرأ الأشتر الكتاب، قال: اللهمّ! أسوأنا نظراً للرعيّة، وأعملنا فيهم بالمعصية، فعجِّل له النقمة.

فكتب بذلك سعيد إلى عثمان، وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص؛ فأنزلهم عبد الرحمان بن خالد الساحل، وأجرى عليهم رزقاً (2) .

____________________

(1) يقال: فُلانٌ لا يألوا خيراً؛ أي لا يدعه ولا يزال يفعله (لسان العرب: 14 / 40).

(2) تاريخ الطبري: 4 / 325 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 271.

٢٠٤

  الفصل الخامس

  الثورة على عثمان

قام عثمان بن عفّان من بين أعضاء الشورى التي كان عمر بن الخطّاب قد شكّلها، فتربّع على أريكة الحكم. وأرسى دعائم حكومته منذ البداية على قواعد مخالفة للسيرة النبويّة (1). وكانت ممارساته، سواءً في تعامله مع الناس والصحابة، أم كانت في موقفه من أحكام الدين مَدْعاةً لاحتجاج الأُمّة عليه، فوُصِم بمعارضة السنّة النبويّة وانتهاك حُرمة الدين. وكان مُنقاداً لبِطانةِ سقيمةِ الفكر زائغةِ النهج قد حاقت به، فلَم تدعه يأخذ الخطَر المُحْدِق به مأخَذ الجدّ، ولا يكترِث بالاحتجاجات والانتقادات الموجّهة إليه.

تدلّ النصوص المذكورة في الصفَحات المتقدّمة على اتّساع نطاق الشذوذ في حكومة عثمان، كما تدلّ على زيغه عن الحقّ وإلغائه للمعايير السليمة. ويرى بعض المؤرّخين أنّ السنين الستّ الأُولى من حكومته كانت هادئة لم تطرأ فيها

____________________

(1) راجع: مبادئ الثورة على عثمان / العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة.

٢٠٥

حادثة تُذكَر ولم يعترض عليها أحدٌ يومئذ، ثمّ حدثت تبدّلات متنوّعة (1) ، ولكن هذا الرأي لم يكن صحيحاً، إذ بدأ عثمان انحرافه منذ الأيّام الأُولى لتبلوِر حكومته، بإرجاعه الحكَم بن العاص ومروان، وتسليطهما على الأُمّة، وزاد في ذلك أيضاً بتأمير أقاربه على الأمصار، وإسرافه الفاضح من بيت المال. فأثار عمله هذا صحابة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) منذ البداية، بَيْد أنّ المعارضة العامّة والنهوض والتحرّك الجماعي ضدّه حدثت في السنين الستّ الأخيرة من حكومته (2) .

في سنة (33 هـ) أقدَم عثمان على نفي ثلّة من كبار أهل الكوفة وصالحيهم، وكان فيهم بعض الصحابة أيضاً (3) . وبعد مدّة ثار الكوفيّون في سنة (34 هـ) مطالبين بعزل سعيد بن العاص والي الكوفة، فلم يُصغِ عثمان إلى طلبِهم، فحالوا دون دخوله مدينتهم مقاوِمين. فاضطرّ عثمان بعدئذ إلى عزله راضخاً لمطالبهم - وكان سعيد مِن أقربائه - وعيّن مكانه أبا موسى الأشعري الذي كان يرتضيه أهل الكوفة. وفي تلك السنة تراسل الصحابة وخطّطوا للثورة على عثمان طاعنين بتصرّفاته الشاذّة. وممّا جاء في مراسلاتهم قولهم:

(إن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد).

وبلّغ أمير المؤمنين (عليه السلام) عثمان احتجاجات الصحابة، ووعظَه بأُسلوبٍ ليّنٍ لعلّه يثوب إلى رشده، ويغيّر منهجه في الحُكم، ويستقيم على الطريقة، لكنّه لم يستجِب وخطَب خطبةً شديدة اللهجة عنّف فيها المعترضين ولجأ فيها إلى التهديد.

____________________

(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 431.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 163.

(3) راجع: مبادئ الثورة على عثمان / تسيير جماعة من صُلحاء الأُمّة.

٢٠٦

وكتب طلحة وبعض الصحابة الآخرين كتاباً إلى أهل مصر (و غيرها من الأمصار الإسلاميّة) يَدْعونهم فيها إلى الثورة على عثمان. وفي أعقاب هذه الدعوة وسِواها، ونتيجةً لجميع ضروب الشذوذ، وعدَم اعتناء عثمان باحتجاجات الناس وانتقاداتهم تقاطر على المدينة جماعات مختلفة من مصر، والكوفة، والبصرة، وحاصروا عثمان يؤازرهم عدد من الصحابة، وطالبوه بكلّ حزم أنْ يعتزل الحُكُم. وكان لعائشة، وطلحة بن عبيد الله، وعمرو بن العاص دور مهمّ في إلهاب الثورة عليه. وقالت عائشة قولها المشهور فيه إبّان تلك الأحداث:

(اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً) .

وتناقلت الألسن قولها هذا، واشتهر في الآفاق بعد ذلك التاريخ.

ويبدو أنّ عثمان قد أفاق بعدئذ من نومه الثقيل الذي كانت بطانته قد فرضته عليه من قبل، وشعر بالخطر. من هنا، طلب من الإمام (عليه السلام) أنْ يصرف الثوّار عن أهدافهم، وعاهده على تغيير سياسته، والعمَل كما يريدون، فتكلّم الإمام (عليه السلام) معهم وأقنعهم بفكّ الحصار عنه، ووعدهم عثمان بتلبية طلباتهم وألاّ يكرّر النهج الذي كان قد سلَكه من قبل وأنْ يعمل بكتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله)...

وخطَب عثمان خطبةً أعلَن فيها صراحةً توبته من فعلاته السابقة، وقال أمام الحشد الغفير من المسلمين: (أستغفر الله ممّا فعلتُ وأتوب إليه).

وقال نادماً، وهو غارق في حيرته:

(فو الله، لئن ردّني الحقّ عبداً لاَستنّ بسنّة العبد، ولأذلنّ ذلّ العبد، ولأكوننّ كالمرقوق...) .

وانتهى الحصار، وعاد المصريّون إلى بلادهم مع واليهم الجديد محمّد بن

٢٠٧

أبي بكر، وعزَم سائر المسلمين على الرجوع إلى مدائنهم، وآبَ أهل المدينة إلى دورهم وحياتهم اليوميّة...

لكن المؤسف أنّ هذه التوبة لم تدُم طويلاً، فقد تدخّلت البطانة الأمويّة المريضةُ الفكرِ والعمل - لا سيّما مروان - وجعلته يعدِل عن قراره، وافتعلت ضجّةً ضيّقت عليه الأرض بما رحُبَت، فتراجع ونقَض جميع وعوده، والثوّار لمّا يصلوا إلى أمصارهم بعد. وكان هذا التغيّر في الموقف على درجة من القُبح حتى صاحت نائلة زوجته قائلةً:

(إنّهم والله قاتلوه ومؤثّموه، إنّه قال مقالةً لا ينبغي أنْ ينزع عنها).

وحين كان المصريّون في طريق عودتهم إلى مصر - بعد وعود عثمان - تفطّنوا في أحد المواضع إلى أنّ غلاماً لعثمان متوجّه إلى مصر أيضاً، فشكّوا فيه واستوقفوه، فاستبان أنّه رسوله إلى مصر، وفتّشوه فوجدوا عنده حكم عثمان إلى واليه على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح يأمره فيه بقتل عدد من الثوّار.

وكان الكتاب بخطّ كاتب عثمان وعليه ختمه، وعندئذ عاد الثوّار إلى المدينة وحاصروا عثمان مرّة أُخرى... فلم يُجْدِ نفعاً حينئذ كلام وسيط، ولم تُقبل توبة...

واستغاث عثمان هذه المرّة بمعاوية يستنجده لإنقاذه بشكل من الأشكال. بَيْد أنّ معاوية الذي كان متعطّشاً للسلطة والتسلّط وجد الفرصة مؤاتية لركوب الموجة والقفز على أريكة الحُكم. من هنا لم يُسارع إلى إغاثة عثمان والذبّ عنه وإنقاذه حتى يُقتل، ومن ثمّ يتربّع على العرش بذريعة المطالبة بدمه.

ودام الحصار أربعين يوماً. وفيها طلب عثمان من الإمام (عليه السلام) مرّتين أنْ يخرج

٢٠٨

من المدينة، فاستجاب (عليه السلام) لذلك. كما طلب منه في كلّ منهما أنْ يرجع، وفعل (عليه السلام) أيضاً. وأعان كبار الصحابة الثوّار في هذا الحصار. والقلّة الباقية منهم كانوا إمّا مؤيّدين لعثمان، أو لم يبدوا معارضة علنيّة له.

وهكذا قُتل عثمان في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة (35 هـ) بفعل اقتحام الثوّار داره - بعد أنْ كان أحدُهم قد قُتِل بسيف مروان. وسنتحدّث في بداية الفصول القادمة عن العوامل التي مهّدت لثورة المسلمين على عثمان ومقتله.

5 / 1

التمرّد في الكوفة

1179 - أنساب الأشراف: كتب عثمان إلى أُمرائه في القدوم عليه للذي رأى من ضجيج الناس وشكيّتهم، فقدِم عليه معاوية من الشام، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح من المغرب، وعبد الله بن عامر بن كريز من البصرة، وسعيد بن العاص من الكوفة....

واغتنم أهل الكوفة غيبة معاوية عن الشام فكتبوا إلى إخوانهم الذين بحُمص مع هانئ بن خطّاب الأرحبي يدعونهم إلى القدوم، ويشجّعونهم عليه، ويعلمونهم أنّه لا طاعة لعثمان مع إقامته على ما يُنكَر منه.

فسار إليهم هانئ بن خطّاب مُغِذّاً (1) للسير راكباً للفلاة، فلمّا قرؤوا كتاب أصحابهم أقبل الأشتر والقوم المسيَّرون حتى قَدِموا الكوفة، فأعطاه القُرّاء والوجوه جميعاً مواثيقهم وعهودهم أنْ لا يدعوا سعيد بن العاص يدخل الكوفة

____________________

(1) أغذّ: إذا أسرع في السَّير (النهاية: 3 / 347).

٢٠٩

والياً أبداً... وقام مالك بن الحارث الأشتر يوماً فقال: إنّ عثمان قد غيّر وبدّل، وحضّ الناس على منْع سعيد من دخول الكوفة.

فقال له قبيصة بن جابر بن وهَب الأسدي - من ولد عميرة بن جدار -: يا أشتر! دام شترك، وعفا أثرك، أطلت الغيبة، وجئت بالخيبة، أ تأمرنا بالفرقة والفتنة ونكث البيعة وخلْع الخليفة؟

فقال الأشتر: يا قبيصة بن جابر! وما أنت وهذا، فو الله ما أسلَم قومك إلاّ كُرهاً، ولا هاجروا إلاّ فقراً، ثمّ وثَب الناس على قبيصة فضربوه وجرحوه فوق حاجبه.

وجعل الأشتر يقول: لا حُرَّ بوادي عَوْف (1) ، من لا يذُد عن حوضه يُهَدَّم (2) . ثمّ صلّى بالناس الجمعة وقال لزياد بن النضر: صلِّ بالناس سائر صلواتهم، والزم القصر، وأمَر كُميل بن زياد فأخرج ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري من القصر، وكان سعيد بن العاص خلّفه على الكوفة حين شخَص إلى عثمان.

وعسكر الأشتر بين الكوفة والحيرة وبعث عائذ بن حملة في خمسمِئة إلى أسفل كَسْكَر (3) مَسلَحة (4) بينه وبين البصرة، وبعث جمرة بن سنان الأسدي في خمسمِئة إلى عين التمر (5) ليكون مسلحة بينه وبين الشام، وبعث هانئ بن

____________________

(1) أي أنّه يَقهَر مَن حلّ بواديه، فكلّ مَن فيه كالعبد له لطاعتهم إيّاه (مجمع الأمثال: 3 / 194).

(2) إشارة إلى قول زهير بن أبي سلمى في معلّقته:

ومَن لا يذُد عن حوضه بسلاحه

يهدّم ومَن لا يظلِم الناس يُظلَم

(3) هي كورة واسعة قصبتها واسط التي بين الكوفة والبصرة (معجم البلدان: 4 / 461).

(4) المَسْلَحة: قوم في عدّة بموضع رصَد قد وكِّلوا به بإزاء ثغر، واحدهم مسلحيّ (لسان العرب: 2/487).

(5) هي بلدة قريبة من الأنبار غربيّ الكوفة (معجم البلدان: 4 / 176).

٢١٠

أبي حيّة بن علقمة الهمداني ثمّ الوادعي إلى حلوان (1) في ألف فارس ليحفظ الطريق بالجبل، فلقي الأكراد بناحية الدَّيْنَوَر (2) وقد أفسَدوا، فأوقَع بهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة.

وبعث الأشتر أيضاً يزيد بن حجيّة التيمي إلى المدائن وأرض جُوْخا (3) وولّى عروة بن زيد الخيل الطائيّ ما دون المدائن، وتقدّم إلى عمّاله أنْ لا يجبوا درهماً، وأنْ يسكّنوا الناس، وأنْ يضبطوا النواحي.

وبعث مالك بن كعب الأرحبي في خمسمِئة فارس ومعه عبد الله بن كباثة - أحد بني عائذ الله بن سعد العشيرة بن مالك بن أُدد بن زيد - إلى العُذيب ليلقى سعيد بن العاص ويردّه، فلقيَ مالك بن كعب الأرحَبي سعيداً فردّه وقال: لا والله، لا تشرب من ماء الفرات قطرة، فرجع إلى المدينة.

فقال له عثمان: ما وراءك؟

قال: الشرّ.

فقال عثمان: هذا كلّه عمل هؤلاء؛ يعني عليّاً والزبير وطلحة.

وأنهب الأشتر دار الوليد بن عقبة وكان فيها مال سعيد ومتاعه حتى قُلِعَت أبوابها. ودخل الأشتر الكوفة فقال لأبي موسى: تولَّ الصلاة بأهل الكوفة وليتولَّ حُذيفة السواد والخراج.

____________________

(1) حُلْوَان: من مدن العراق المهمّة بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسامرّاء. وهي آخر مُدن العراق، ومنها يُصعد إلى الجبال، وبينها وبين بغداد خَمسُ مراحل. فتحت سنة 16 أو 19 للهجرة (راجع تقويم البلدان: 307).

(2) الدَّيْنَوَر: بلدة من بلاد الجبل عند قرميسين، وبينها وبين الموصل أربعون فرسخاً (تقويم البلدان: 415).

(3) هواسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد، وهو بين خانقين وخوزستان (معجم البلدان: 2 / 179).

٢١١

وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه مع عبد الرحمان بن أبي بكر، والمسوَر بن مخرمة يدعوهم إلى الطاعة، ويعلمهم أنّهم أوّل من سَنّ الفرقة، ويأمرهم بتقوى الله ومراجعة الحقّ والكتاب إليه بالذي يحبّون.

فكتب إليه الأشتر: من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنّة نبيّه، النابذ لحُكم القرآن وراء ظهره.

أمّا بعد، فقد قرأنا كتابك فانْهَ نفسَك وعمّالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمحْ لك بطاعتنا، وزعمتَ أنّا قد ظلمنا أنفسنا وذلك ظنّك الذي أرداك، فأراك الجور عدلاً، والباطل حقّاً، وأمّا محبّتنا فأنْ تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنّيك على خيارنا، وتسييرك صلحاءَنا، وإخراجك إيّانا من ديارنا، وتوليتك الأحداث علينا، وأنْ تولّي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحذيفة فقد رضيناهما، واحبس عنّا وليدَك وسعيدك ومَن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إنْ شاء الله، والسلام.

وخرَج بكتابهم يزيد بن قيس الأرحبي، ومسروق بن الأجدَع الهمداني، وعبد الله بن أبي سبرة الجعفي - واسم أبي سبرة يزيد - وعلقمة بن قيس أبو شبل النخعي، وخارجة بن الصلت البرجمي - من بني تميم - في آخرين.

فلمّا قرأ عثمان الكتاب قال: اللهمّ إنّي تائب، وكتب إلى أبي موسى وحذيفة: أنتما لأهل الكوفة رضىً، ولنا ثقة، فتولّيا أمرهم، وقوما به بالحقّ، غفر الله لنا ولكما.

فتولّى أبو موسى وحذيفة الأمر وسكّن أبو موسى الناس (1) .

____________________

(1) أنساب الأشراف: 6 / 156، ولمزيد الاطّلاع على مسيّري الكوفة وقصّتهم راجع الفتوح: 2 / 384 - 402.

٢١٢

1180 - مروج الذهب: لمّا اتّصلت أيّام سعيد [بن العاص] بالكوفة ظهرت منه أُمور منكَرة، فاستبدّ بالأموال، وقال في بعض الأيّام أو كتب به عثمان: إنّما هذا السواد قَطين (1) لقريش.

فقال له الأشتر - وهو مالك بن الحارث النخعي -: أ تجعل ما أفاء الله علينا بظلال سيوفِنا ومراكز رماحنا بستاناً لك ولقومِك؟

ثمّ خرَج إلى عثمان في سبعين راكباً من أهل الكوفة فذكروا سوء سيرة سعيد بن العاص، وسألوا عزلَه عنهم.

فمكَث الأشتر وأصحابه أيّاماً لا يخرج لهم من عثمان في سعيد شيء، وامتدّت أيّامهم بالمدينة، وقدِم على عثمان أُمراؤه من الأمصار، منهم: عبد الله ابن سعد بن أبي سرح من مصر، ومعاوية من الشام، وعبد الله بن عامر من البصرة، وسعيد بن العاص من الكوفة، فأقاموا بالمدينة أيّاماً لا يردّهم إلى أمصارهم، وكراهة أنْ يردّ سعيداً إلى الكوفة، وكره أنْ يعزله، حتى كتب إليه من بأمصارهم يشكون كثرة الخراج وتعطيل الثغور.

فجمعهم عثمان وقال: ما ترون؟

فقال معاوية: أمّا أنا فراض بي جندي.

وقال عبد الله بن عامر بن كريز: ليكفك امرؤ ما قبله أكفِك ما قبلي.

وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح: ليس بكثير عزل عامل للعامّة وتولية غيره.

____________________

(1) القَطِين: تُبّاع المَلكِ ومماليكه، والخدم والحشَمَ (لسان العرب: 13 / 343).

٢١٣

وقال سعيد بن العاص: إنّك إنْ فعلْتَ هذا كان أهل الكوفة هم الذين يولّون ويعزلون، وقد صاروا حلَقاً في المسجد ليس لهم غير الأحاديث والخوض، فجهّزهم في البعوث حتى يكون همُّ أحدهم أنْ يموت على ظهر دابّته.

قال: فسمِع مقالته عمرو بن العاص فخرَج إلى المسجد، فإذا طلحة والزبير جالسان في ناحية منه، فقالا له: تعالَ إلينا، فصار إليهما، فقالا: ما وراءك؟ قال: الشرّ، ما ترك شيئاً من المنكر إلاّ أتى به وأمره به.

وجاء الأشتر فقالا له: إنّ عاملكم الذي قمتم فيه خطباء قد ردّ عليكم وأمر بتجهيزكم في البعوث وبكذا وبكذا.

فقال الأشتر: والله، لقد كنّا نشكو سوء سيرته وما قمنا فيه خطباء، فكيف وقد قمنا؟! وايمُ الله على ذلك، لولا أنّي أنفدت النفقة وأنضيت الظهر لسبقته إلى الكوفة حتى أمنعه دخولها.

فقالا له: فعندنا حاجتك التي تقوم بك في سفرك.

قال: فأسلفاني إذاً مِئة ألف درهم.

قال: فأسلفه كلّ واحد منهما خمسين ألف درهم، فقسمها بين أصحابه، وخرج إلى الكوفة فسبَق سعيداً، وصعد المنبر وسيفه في عنقه ما وضعه بعد.

ثمّ قال: أمّا بعد؛ فإنّ عاملكم الذي أنكرتم تعدّيه وسوء سيرته قد رُدّ عليكم، وأمر بتجهيزكم في البعوث، فبايِعوني على أنْ لا يدخلها، فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة، وخرَج راكباً متخفّياً يريد المدينة أو مكّة، فلقي سعيداً بواقصة فأخبره بالخبَر، فانصرف إلى المدينة.

وكتب الأشتر إلى عثمان: إنّا والله ما منعنا عاملك الدخول لنفسِد عليك

٢١٤

عملك، ولكن لسوء سيرته فينا وشدّة عذابه، فابعث إلى عملك مَن أحببت.

فكتب إليهم: انظروا من كان عاملكم أيّام عمر بن الخطّاب فولّوه، فنظروا فإذا هو أبو موسى الأشعري، فولّوه (1) .

5 / 2

إشخاص عثمان عمّاله من جميع البلاد

1181 - الفتوح: أرسل عثمان إلى جميع عمّاله، فأشخصهم إليه من جميع البلاد، ثمّ أحضرهم وأقبل على أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أيّها الناس! هؤلاء عمّالي الذين أعتمدهم؛ فإنْ أحببتم عزلتُهم وولّيت مَن تحبّون.

قال: فتكلّم عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) وقال: (يا عثمان! إنّ الحقّ ثقيلٌ مرّ، وإنّ الباطلَ خفيفٌ، وأنتَ رجلٌ إذا صُدِقت سخَطت وإذا كُذِبت رضيت، وقد بلَغ الناسَ عنك أُمورٌ تركُها خيرٌ لك من الإقامة عليها، فاتّقِ الله يا عثمان، وتُب إليه ممّا يكرهَهُ الناس منك).

قال: ثمّ تكلّم طلحة بن عبيد الله فقال: يا عثمان! إنّ الناس قد سفّهوك وكرهوك لهذه البدَع والأحداث التي أحدثتَها ولم يكونوا يَعهدونها، فإنْ تستقِم فهو خيرٌ لك، وإنْ أبيت لم يكن أحدٌ أضرَّ بذلك في الدنيا والآخرة منك.

قال: فغضب عثمان ثمّ قال: ما تدعوني ولا تدعون عتبي، ما أحدثتُ حدَثاً، ولكنّكم تُفسدون عليَّ الناس، هلُمَّ يابن الحضرميّة! ما هذه الأحداث التي أحدَثت؟

____________________

(1) مروج الذهب: 2 / 346.

٢١٥

فقال طلحة: إنّه قد كلّمك عليٌّ من قبلي، فهلاّ سألته عن هذه الأحوال التي أحدثت فيُخبرَك بها.

ثمّ قام طلحة فخرج من عند عثمان، وجعَل يدبّر رأيه بينه وبين نفسه أ يردّ عمّاله إلى أعمالهم أم يعزلهم ويولّي غيرهم؟ (1) .

5 / 3

الدعوة إلى الخروج

5 / 3 - 1

دعوة أصحاب النبيّ من الآفاق

1182 - تاريخ الطبري عن عبد الرحمان بن يسار: لمّا رأى الناس ما صنَع عثمان كتب مَن بالمدينة من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى مَن بالآفاق منهم - وكانوا قد تفرّقوا في الثغور -: إنّكم إنّما خرجتم أنْ تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ تطلبون دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)؛ فإنّ دين محمّد قد أُفسِد من خلفكم وتُرك، فهلمّوا فأقيموا دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فأقبلوا من كلّ أُفق حتى قتلوه (2) .

5 / 3 - 2

كتاب طلحة إلى أهل مصر

1183 - الإمامة والسياسة - في ذكر كتاب طلحة إلى أهل مصر لاجتماعهم لقتل عثمان -:

____________________

(1) الفتوح: 2 / 395 وراجع أنساب الأشراف: 6 / 156.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 367، الكامل في التاريخ: 2 / 287، شرح نهج البلاغة: 2 / 149 كلاهما نحوه.

٢١٦

بسم الله الرحمن الرحيم،

من المهاجرين الأوّلين وبقيّة الشورى، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين.

أمّا بعد: أنْ تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أنْ يُسَلبها أهلُها؛ فإنّ كتاب الله قد بُدِّل، وسنّة رسوله قد غُيّرت، وأحكام الخليفتين قد بُدِّلت.

فننشد الله مَن قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب رسول الله، والتابعين بإحسان إلاّ أقبَل إلينا، وأخذَ الحقّ لنا، وأعطاناه.

فأقبِلوا إلينا إنْ كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وأقيموا الحقّ على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيّكم، وفارقكم عليه الخلفاء.

غُلبنا على حقّنا واستُولي على فيئنا، وحِيل بيننا وبين أمرِنا، وكانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة ورحمة، وهي اليوم مُلكٌ عضوض، مَن غلَب على شيءٍ أكَلَه (1) .

5 / 3 - 3

تحريض عائشة

1184 - تاريخ اليعقوبي: كان بين عثمان وعائشة منافرة؛ وذلك أنّه نقّصها ممّا كان يُعطيها عمر بن الخطّاب، وصيّرها أُسوةَ غيرِها من نساء رسول الله، فإنّ عثمان يوماً لَيخطب، إذ دلّت عائشة قميص رسول الله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يَبلَ، وقد أبلى عثمان سنّته! فقال عثمان: (ربّ اصرف عنّي كيدهنُّ إنّ كيدهُنَّ عظيم) (2) .

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 53.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 175.

٢١٧

1185 - الفتوح: كانت عائشة تحرّض على قتْلِ عثمان جهدها وطاقتها، وتقول: أيّها الناس! هذا قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يبلَ وبلِيت سنّته، اقتلوا نَعْثَلاً (1) ، قتل الله نعثلاً (2) .

1186 - الجمَل عن الحسن بن سعد: رفَعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجلتها، وعثمان قائم، ثمّ قالت: يا عثمان! أقِم ما في هذا الكتاب. فقال: لتنتهِنّ عمّا أنتِ عليه أو لأُدخِلنّ عليك جمر النار. فقالت له عائشة: أما والله، لئن فعلت ذلك بنساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لَيَلعنك الله ورسوله، وهذا قميص رسول الله لم يتغيّر، وقد غيّرت سنّته يا نعثل (3) .

1187 - الجمَل عن حكيم بن عبد الله: دخلتُ يوماً بالمدينة المسجدَ، فإذا كفٌّ مرتفعة وصاحب الكفّ يقول: أيّها الناس! العهدُ قريب، هاتان نعلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقميصه، كأنّي أرى ذلك القميص يلوح وإنّ فيكم فرعون هذه الأُمّة؛ فإذا هي عائشة، وعثمان يقول لها: اسكتي، ثمّ يقول للناس: إنّها امرأة، وعقلُها عقلُ النساء؛ فلا تصغوا إلى قولها (4) .

1188 - المصنّف عن أبي كعب الحارثي: أُقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان فصلّى، فلمّا كبّر قامت امرأة من حُجْرتها، فقالت: أيّها الناس! اسمعوا. قال: ثمّ تكلّمَت،

____________________

(1) النَّعْثَل: الشيخ الأحمق. وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً. وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً. تعني عثمان، وكان هذا منها لمّا غاضبته وذهبت إلى مكّة (لسان العرب: 11 / 669 و670).

(2) الفتوح: 2 / 421، شرح نهج البلاغة: 20 / 22 وراجع الأمالي للطوسي: 714 / 1517 والمسترشد: 222 / 64.

(3) الجمَل: 147.

(4) الجمَل: 147.

٢١٨

فذكرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما بعثه اللهُ به، ثمّ قالت: تركتم أمر الله، وخالفتم رسوله - أو نحو هذا - ثمّ صمتَت فتكلّمت أُخرى مثل ذلك، فإذا هي عائشة وحفصة.

قال: فلمّا سلّم عثمان أقبل على الناس، فقال: إنْ هاتان الفتّانتان فتنتا الناس في صلاتهم، وإلاّ تنتهيان أو لأسبّنّكما ما حلّ ليَ السباب، وإنّي لأَصلِكُما لَعالِمٌ.

قال: فقال له سعد بن أبي وقّاص: أ تقول هذا لحبائب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟! قال: وفيما أنت! وما هاهنا؟ ثمّ أقبل على سعد عامداً إليه. قال: وانسلّ سعد (1) .

1189 - شرح نهج البلاغة: أقوال عائشة فيه [أي في عثمان] معروفة ومعلومة، وإخراجها قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهيَ تقول: هذا قميصه لم يبلَ وقد أبلى عثمان سنّته، إلى غير ذلك ممّا لا يُحصى كثرة (2) .

1190 - العقد الفريد: دخل المغيرة بن شعبة على عائشة، فقالت: يا أبا عبد الله! لو رأيتني يوم الجمَل وقد نفذتِ النصالُ هَوْدَجي حتى وصل بعضها إلى جلدي.

قال لها المغيرة: وددتُ والله أنّ بعضها كان قتلَك.

قالتْ: يرحمك الله، ولم تقول هذا؟

قال: لعلّها تكون كفّارة في سعيك على عثمان (3) .

. راجع: حجّ عائشة في حصر عثمان

____________________

(1) المصنّف لعبد الرزّاق: 11 / 355 / 20732، شرح نهج البلاغة: 9 / 5.

(2) شرح نهج البلاغة: 3 / 9.

(3) العقد الفريد: 3 / 300 وراجع الجمل: 381.

٢١٩

5 / 3 - 4

تحريض طلحة

1191 - تاريخ المدينة عن عوف: كان أشدّ الصحابة علي عثمان، طلحة بن عبيد الله (1) .

1192 - العقد الفريد عن ابن سيرين: لم يكن أحد من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أشدّ على عثمان من طلحة (2) .

1193 - شرح نهج البلاغة عن عبيد بن حارثة: سمِعت عثمان وهو يخطب، فأكبّ الناس حوله، فقال: اجلسوا يا أعداء الله! فصاح به طلحة: إنّهم ليسوا بأعداء الله، لكنّهم عباده، وقد قرؤوا كتابه (3) .

1194 - شرح نهج البلاغة عن محمّد بن سليمان: كان [طلحة] لا يشكّ أنّ الأمر له من بعده لوجوه، منها: سابقته. ومنها: أنّه ابن عمّ لأبي بكر، وكان لأبي بكر في نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة أعظم منها الآن. ومنها: أنّه كان سمِحاً جواداً، وقد كان نازَع عمر في حياة أبي بكر، وأحبّ أنْ يفوّض أبو بكر الأمر إليه من بعده، فما زال يفتل في الذروة والغارب (4) في أمر عثمان، وينكّر له القلوب، ويكدّر عليه النفوس، ويغري أهل المدينة والأعراب وأهل الأمصار به.

____________________

(1) تاريخ المدينة: 4 / 1169 وراجع الجمل: 306.

(2) العقد الفريد: 3 / 303، أنساب الأشراف: 6 / 201، شرح نهج البلاغة: 3 / 9 وزاد في صدره: (الظاهر المعروف أنّه...).

(3) شرح نهج البلاغة: 9 / 17.

(4) ما زال فلان يَفْتل من فلان في الذِروة والغارب: أي يدور من وراء خديعته؛ وهو مثل في المخادعة (لسان العرب: 11 / 514).

٢٢٠