موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٣

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 311
المشاهدات: 10038
تحميل: 6521


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10038 / تحميل: 6521
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: مَِن أجل صاحبك يابن عبّاس، وقد أُعطيَ ما لم يُعطَه أحدٌ من آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر من أحدٍ سِواه!!

قلت: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟

قال: كثرة دعابته، وبُغض قريشٍ له، وصغرُ سنّه!!

قال: فما رددتَ عليه؟

قال: داخلني ما يدخل ابن العمّ لابن عمّه، فقلت: يا أمير المؤمنين! أمّا كثرة دعابته: فقد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يُداعب فلا يقول إلاّ حقّاً، وأين أنت حيث كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول - ونحن حوله صبيان وكهول وشيوخ وشبّان ويقول - للصبيّ: (سناقاً، سناقاً)، ولكلّ ما يعلمه الله يشتمل على قلبه!

وأمّا بُغض قريش له، فوَ الله ما يُبالي ببغضهم له بعد أنْ جاهدهم في الله حين أظهَر الله دينه، فقصَم أقرانها، وكسَر آلهتها، وأثكل نساءها؛ لامَهُ مَن لامه.

وأمّا صغر سنّه، فقد علِمتُ أنّ الله تعالى حيث أنزل عليه: ( بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) (1) فوجّه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) صاحبه ليبلّغ عنه، فأمره الله أنْ لا يبلّغ عنه إلاّ رجلٌ مِن أهله، فوجّهه به، فهل استصغر الله سنّه!!

فقال عمر لابن عبّاس: أمسك علَيَّ، واكتم، فإنْ سمِعتها من غيرك لم أنَم بين لابَتيها (2) .

ب: الحسَد

1019 - الأخبار الموفّقيّات عن ابن عبّاس - في جواب عثمان -: أمّا صرف قومنا عنّا الأمر فعَن حسَدٍ قد والله عرفته، وبغيٍ قد والله علِمته، فالله بيننا وبين قومنا!

____________________

(1) التوبة: 1.

(2) فرائد السمطين: 1 / 334 / 258.

٨١

وأمّا قولك: إنّك لا تدري أدَفعوه عنّا أم دفعونا عنه! فلعمري إنّك لتعرف أنّه لو صار إلينا هذا الأمر ما زدنا به فضلاً إلى فضلنا، ولا قدْراً إلى قدرنا، وإنّا لأهل الفضل، وأهل القدر، وما فضَلَ فاضلٌ إلاّ بفضلنا، ولا سبَق سابقٌ إلاّ بسبقنا، ولولا هدينا ما اهتدى أحد، ولا أبصروا من عمىً، ولا قصَدوا من جور (1) .

1020 - الأمالي للمفيد عن أبي الهيثم بن التيّهان - قبل حرب الجمل -: يا أمير المؤمنين، إنّ حسَد قريش إيّاك على وجهين: أمّا خيارهم فحسَدوك منافسةً في الفضل، وارتفاعاً في الدرجة. وأمّا أشرارهم فحسَدوك حسَداً، أحبَط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم. وما رضوا أنْ يساووك حتى أرادوا أنْ يتقدّموك، فبعُدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحقّ قريش بقريش، نصرتَ نبيّهم حيّاً، وقضيتَ عنه الحقوق ميّتاً، والله ما بغيهم إلاّ على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمُرْنا بأمرك (2) .

. راجع: مبادئ خلافة عثمان / رأي عمر فيمَن رشّحهم للخلافة

. القسم الخامس عشر / قبائل تبغضه/ قريش

1 / 18

بيعة أبي بكر من وجهة نظر عمر

1021 - تاريخ اليعقوبي عن عمر بن الخطّاب: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرّها، فمَن عاد لمثلها فاقتلوه (3) .

____________________

(1) الأخبار الموفّقيّات: 606، شرح نهج البلاغة: 9 / 9.

(2) الأمالي للمفيد: 155 / 6.

(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 158، المسترشد: 213 وفيه (ثمّ أمر بقتل من عاد لمثل فعله) بدل (فمن عاد لمثلها فاقتلوه)؛ الملل والنحل: 1 / 32 وراجع شرح نهج البلاغة: 2 / 30.

٨٢

1022 - صحيح البخاري عن ابن عبّاس: كنت أُقرِئ رجالاً من المهاجرين، منهم عبد الرحمان بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطّاب في آخِر حجّة حجّها إذ رجَع إليّ عبد الرحمان فقال: لو رأيتَ رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان، يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوَ الله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة فتمّت! فغضب عمر، ثمّ قال: إنّي إنْ شاء الله لقائم العشيّة في الناس؛ فمحذِّرهم هؤلاء الذي يريدون أنْ يغصبوهم أُمورهم.

قال عبد الرحمان: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل؛ فإنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنّهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أنْ تقوم فتقول مقالة يطيِّرها، عنك كل مطيِّر، وأنْ لا يعوها، وأنْ لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنّها دار الهجرة والسنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكِّناً؛ فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها.

فقال عمر: أما والله - إنْ شاء الله - لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.

قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلتُ الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجدَ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر، فجلستُ حوله (1) تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب (2) أنْ خرج عمر بن الخطّاب، فلمّا رأيته مُقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقُلها منذ استُخلف! فأنكر عليَّ، وقال: ما عسيتَ أنْ يقول

____________________

(1) كذا، وفي مسند ابن حنبل: (حَذاءه).

(2) لم ينشَبْ أنْ فعل كذا: أي لم يلبَث وحقيقته: لم يتعلّق بشيء غيره، ولا اشتغل بسواه (النهاية: 5/52).

٨٣

ما لم يَقُل قبله!!

فجلس عمر على المنبر، فلمّا سكَت المؤذِّنون قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي قائلٌ لكم مقالة قد قُدِّر لي أنْ أقولها، لا أدرى لعلّها بين يدي أجلي، فمَن عقلها ووعاها فليُحدِّث بها حيث انتهت به راحلتُه، ومَن خشيَ أنْ لا يعقلها فلا اُحلّ لأحدٍ أنْ يكذِب عليّ:

إنّ الله بعَث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها؛ رجم (1) رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ورجمنا بعده، فأخشى إنْ طال بالناس زمان أنْ يقول قائل: (و الله ما نجد آية الرجم في كتاب الله)، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حقّ على مَن زنى إذا أُحصِن؛ من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.

ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله (أنْ لا ترغبوا عن آبائكم) (2) ؛ فإنّه كفرٌ بكم أنْ ترغبوا عن آبائكم، أو إنّ كُفراً بكم أنْ ترغبوا عن آبائكم، ألا ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (لا تُطروني كما أُطري عيسى بن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله).

ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعتُ فلاناً، فلا يغترّنّ امرؤ أنْ يقول: إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت! ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم مَن تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. مَن بايع

____________________

(1 و2) من الواضح عدم وجود نصّ قرآني بهذا التعبير.

٨٤

رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يُبايع هو ولا الذي تابعه تَغِرّة أنْ يُقتلا (1) .

قال ابن أبي الحديد بعد نقل خطبة عمر عن الطبري: هذا حديث متّفق عليه من أهل السيرة، وقد وردت الروايات فيه بزيادات؛ روى المدائني قال: لمّا أخذ أبو بكر بيد عمر وأبي عبيدة وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، قال أبو عبيدة لعمر: امدُد يدك نبايعك. فقال عمر: ما لك في الإسلام فَهَّةٌ (2) غيرها! أ تقول هذا وأبو بكر حاضر!! ثمّ قال للناس: أيّكم يطيب نفساً أنْ يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للصلاة!! رضيَك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا!! ثمّ مدّ يده إلى أبي بكر فبايعه.

وهذه الرواية هي التي ذكرها قاضي القضاة في كتاب المغني.

وقال الواقدي في روايته في حكاية كلام عمر: والله لأنْ اُقدّم فاُنحر كما يُنحر البعير، أحبُّ إليّ مِن أنْ أتقدّم على أبي بكر.

وقال شيخنا أبو القاسم البلخي: قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إنّ الرجل الذي قال: (لو قد مات عمر لبايعت فلاناً) عمّار بن ياسر، قال: لو قد مات عمر لبايعتُ عليّاً (عليه السلام)، فهذا القولُ هو الذي هاج عمرَ أنْ خطَب بما خطَب به.

____________________

(1) صحيح البخاري: 6 / 2503 / 6442، مسند ابن حنبل: 1 / 121 / 391، صحيح ابن حبّان: 2 / 146 / 413 وص 155 / 414، المصنّف لابن أبي شيبة: 7 / 615 / 5، المصنّف لعبد الرزّاق: 5 / 439 / 9758، السيرة النبويّة لابن هشام: 4 / 307، أنساب الأشراف: 2 / 265 وفيه (إنّ عمر بن الخطّاب خطَب خطبة، قال فيها...)، تاريخ الطبري: 3 / 203 - 205، الكامل في التاريخ: 2 / 11، تاريخ دمشق: 30 / 280 - 284، شرح نهج البلاغة: 2 / 22، السيرة النبويّة لابن كثير: 4 / 486 كلّها نحوه.

(2) الفَهَّة: السَّقْطَة والجهلة (النهاية: 3 / 482).

٨٥

وقال غيره من أهل الحديث: إنّما كان المعزوم على بيعته لو مات عمر طلحة ابن عبيد الله.

فأمّا حديث الفَلتة، فقد كان سبَق من عمر أنْ قال: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها؛ فمَن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

وهذا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عبّاس وعبد الرحمان بن عوف فيه حديث الفلتة؛ ولكنّه منسوق على ما قاله أوّلاً، أ لا تراه يقول: فلا يغرّنّ امرأً أنْ يقول: (إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، فلقد كانت كذلك)، فهذا يُشعر بأنّه قد كان قال من قبل: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة... (1) .

. راجع: كتاب (شرح نهج البلاغة): 2 / 26 - 37، في نقل كلام السيّد المرتضى ونقده

1 / 19

مكان الإمام في الحكومة

1023 - تاريخ اليعقوبي: أراد أبو بكر أنْ يغزو الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله، فقدّموا وأخّروا، فاستشار علىّ بن أبى طالب، فأشار أن يفعل، فقال: إنْ فعلتَ ظفرت. فقال: بشّرت بخير.

فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرَهم أن يتجهّزوا إلى الروم، فسكت الناس. فقام عمر فقال: ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً ) (2) لانتدبتموه! فقام عمرو بن سعيد فقال: لنا تضرب أمثال المنافقين يابن الخطّاب، فما يمنعك أنت ما عِبتَ

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 25.

(2) التوبة: 42.

٨٦

علينا فيه؟! (1)

1024 - الفتوح - بعد ذكر قضيّة ارتداد الأشعَث وعزَم أبي بكر على توجيه الإمام عليّ (عليه السلام) لقتاله -: قال عمر: أخاف أنْ يأبى لقتال القوم، فلا يقاتلهم، فإنْ أبى ذلك فلَم تجِد أحداً يسير إليهم إلاّ على المكروه منه. ولكن ذر عليّاً يكون عندك بالمدينة؛ فإنّك لا تستغني عنه وعن مشورته (2) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 132 وراجع الفتوح: 1 / 80.

(2) الفتوح: 1 / 57، الردّة: 197.

٨٧

٨٨

الفصل الثاني

عهد عمر بن الخطّاب

2 / 1

مكانة عمر عند أبي بكر

1025 - تاريخ الإسلام عن أبي بكر: والله، ما على ظهر الأرض رجلٌ أحبّ إليّ مِن عمر (1) .

1026 - غريب الحديث: قال أبو عبيد في حديث أبي بكر: والله، إنّ عمر لأحبّ الناس إليّ (2) .

1027 - تاريخ دمشق عن نافع: إنّ أبا بكر أقطَعَ الأقرع بن حابس والزِّبْرِقان قطيعةً وكتَب لهما كتاباً. فقال لهما عثمان: أشهِدا عمر؛ فإنّه حرزكما وهو الخليفة

____________________

(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 265، تاريخ دمشق: 44 / 247، الرياض النضرة: 2 / 399.

(2) غريب الحديث للهروي: 2 / 10، النهاية في غريب الحديث: 4 / 277، كنز العمّال: 12 / 545 / 35736.

٨٩

بعده. قال: فأتَيا عمر، فقال لهما: مَن كتب لكما هذا الكتاب؟ قالا: أبو بكر. قال: لا والله ولا كرامة! والله، ليفلقنّ وجوه المسلمين بالسيوف والحجارة ثمّ تكون لكما هذا! قال: فتفل فيه فمحاه. فأتَيا أبا بكر فقالا: ما ندري أنت الخليفة أم عمر! قال: ثمّ أخبَراه، فقال: فإنّا لا نُجيز إلاّ ما أجازه عمر (1) .

1028 - الإمام عليّ (عليه السلام) - يصف استعمال عمر بن الخطّاب -: (ولولا خاصّة ما كان بينه [أبي بكر] وبين عمر، لظننتُ أنّه لا يدفعها عنّي) (2) .

2 / 2

استعمال عمر بن الخطّاب

1029 - تاريخ اليعقوبي: اعتلّ أبو بكر في جمادي الآخرة سنة (13). فلمّا اشتدّت به العلّة عهد إلى عمر بن الخطّاب، فأمر عثمانَ أنْ يكتب عهده، وكتب:

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) . هذا ما عهَد أبو بكر خليفة رسول الله إلى المؤمنين والمسلمين: سلامٌ عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله؛ أمّا بعدُ فإنّي قد استعملت عليكم عُمر بن الخطّاب، فاسمعوا وأطيعوا، وإنّي ما ألَوْتكم (3) نُصحاً. والسلام (4) .

____________________

(1) تاريخ دمشق: 9 / 196 وص 194 نحوه وفيه (فقال: أنت الأمير أم عمر؟ فقال: عمر، غير أنّ الطاعة لي فسكت) بدل (ما ندري أنت الخليفة...) وص 196 نحوه وفيه (فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنّك أقوى على هذا الأمر منّي ولكنّك غلبتني)، كنز العمّال: 12 / 583 / 35813.

(2) الغارات: 1 / 307 عن جندب، المسترشد: 413 عن شريح بن هاني وزاد فيه (و أمر قد عقداه بينهما) بعد (بين عمر)؛ شرح نهج البلاغة: 6 / 95 عن جندب.

(3) يقال: إنّي لا آلُوكَ نُصْحاً، أي لا أفْتُرُ ولا اُقَصِّر (لسان العرب: 14 / 40).

(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 136.

٩٠

1030 - تاريخ الطبري عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث: دعا أبو بكر عثمانَ خالياً (1)، فقال: اكتب:

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) . هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين؛ أمّا بعدُ.

قال: ثمّ أُغميَ عليه، فذهب عنه، فكتب عثمان: أمّا بعدُ؛ فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب، ولم آلُكم خيراً منه.

ثمّ أفاق أبو بكر فقال: اقرأْ عليّ، فقرأ عليه، فكبّر أبو بكر وقال: أراك خِفتَ أنْ يختلف الناس إنْ افتُلِتَتْ (2) نفسي في غَشْيتي! قال: نعم. قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله! وأقرّها أبو بكر من هذا الموضع (3) .

1031 - تاريخ المدينة عن أسلم: كتب عثمان عهد الخليفة بعد أبي بكر، وأمره ألاّ يسمّي أحداً، وترك اسم الرجل، فاُغمى علي أبى بكر إغماءة، فأخذ عثمان العهد فكتب فيه اسم عمر. قال: فأفاق أبو بكر فقال: أرِني العهد، فإذا فيه اسم عمر. قال: من كتب هذا؟ فقال عثمان: أنا. فقال: رحمك الله وجزاك خيراً! فو الله لو كتبتَ نفسَك لكنتَ لذلك أهلاً (4) .

____________________

(1) الخِلْو: المُنْفَرِد (النهاية: 2 / 74).

(2) افْتُلِتَ فلانٌ: أي ماتَ فجْأَةً (لسان العرب: 2 / 68).

(3) تاريخ الطبري: 3 / 429، الكامل في التاريخ: 2 / 79، نهاية الأرب: 19 / 152، الطبقات الكبرى: 3 / 200، تاريخ دمشق: 30 / 411، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 117 والثلاثة الأخيرة نحوه وراجع تاريخ المدينة: 2 / 668.

(4) تاريخ المدينة: 2 / 667، تاريخ دمشق: 44 / 252 عن عبد الله بن عمر، الأوائل لأبي هلال: 102 عن المدائني وكلاهما نحوه.

٩١

1032 - تاريخ الطبري عن قيس: رأيتُ عمر بن الخطّاب وهو يجلس والناس معه، وبيده جَريدة، وهو يقول: أيّها الناس! اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ إنّه يقول: إنّي لم آلُكم نُصحاً. قال: ومعه مولىً لأبي بكر يُقال له شديد، معه الصحيفة التي فيها استخلاف عمر (1).

1033 - الإمامة والسياسة - في ذكر كتابة استخلاف عمر -: خرج عمر بالكتاب وأعلمهم، فقالوا: سمعاً وطاعة، فقال له رجل: ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري، ولكنّي أوّل من سمِع وأطاع. قال: لكنّي والله أدري ما فيه؛ أمّرتَه عام أوّل، وأمّرك العام! (2)

1034 - شرح نهج البلاغة: إنّ أبا بكر لمّا نزَل به الموت دعا عبد الرحمان بن عوف، فقال: أخبِرني عن عمر. فقال: إنّه أفضل مَن رأيك فيه، إلاّ أنّ فيه غلظة. فقال أبو بكر: ذاك لأنّه يراني رقيقاً، ولو قد أفضي الأمرُ إليه لترك كثيراً ممّا هو عليه، وقد رمقتُه؛ إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لِنْت له أراني الشدّة عليه.

ثمّ دعا عثمان بن عفّان فقال: أخبرني عن عمر، فقال: سريرته خيرٌ من علانيته، وليس فينا مثله. فقال لهما: لا تذكرا ممّا قلت لكما شيئاً، ولو تركتُ عمر لما عَدَوتك يا عثمان، والخيرة لك ألاّ تَلي من أُمورهم شيئاً، ولوددت أنّي كنت من أُمورِكم خِلْواً، وكنت فيمن مضى من سلَفكم.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 3 / 429، مسند ابن حنبل: 1 / 88 / 259 نحوه. وفي معالم الفِتَن: 1 / 326 (يا ليت الفاروق قال ذلك يوم أنْ أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنْ يأتوه بصحيفة ليكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً).

(2) الإمامة والسياسة: 1 / 38.

٩٢

ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال: إنّه بلغني أنّك يا خليفة رسول الله، استخلفتَ على الناس عمر، وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم! وأنت غداً لاقٍ ربّك؛ فيسألك عن رعيّتك.

فقال أبو بكر: أجلسوني، ثمّ قال: أ بالله تخوّفني؟! إذا لقيت ربّي فسألني قلت: استخلفت عليهم خير أهلك.

فقال طلحة: أعُمر خيرُ الناس يا خليفة رسول الله؟! فاشتدّ غضبه وقال: إي والله، هو خيرهم وأنت شرّهم! أما والله لو ولّيتُك لجعلتَ أنفك في قَفاك، ولرفعتَ نفسك فوق قدرها، حتى يكون الله هو الذي يضعها! أتيتني وقد دَلَكت عينك؛ تريد أنْ تفتنني عن ديني، وتزيلني عن رأيي! قُم، لا أقام الله رجليك! أما والله لئنْ عشتُ فُواقَ ناقة (1) وبلغني أنّك غَمَصتَه (2) فيها أو ذكرتَه بسوء لاُلحقنّك بمحْمضات قُنّة (3) ، حيث كنتم تُسقون ولا تَرْوَون، وتَرْعَون ولا تشبعون، وأنتم بذلك بَجِحُون (4) راضون فقام طلحة فخرج (5) .

____________________

(1) أي قَدْرَ فُواق ناقة، وهو ما بين الحَلْبَتَين من الراحَة (النهاية: 3 / 479).

(2) غَمَصَه: حَقَّرَه واستَصْغَره ولم يَرَهُ شيئاً (لسان العرب: 7 / 61).

(3) قال ابن منظور: المَحْمَض: الموضع الذي ترعى فيه الإبل الحَمْض. والحَمْض من النبات: كلّ نَبت مالِح أو حامض يقوم على سُوق ولا أصل له (لسان العرب: 7 / 139 و138). وقال ياقوت: قُنَّةُ: منزل قريب من حومانة الدرّاج في طريق المدينة من البصرة. وقُنَّةُ: جبل في ديار بني أسد متّصل بالقنان (معجم البلدان: 4 / 409). ولعلّه قَصَد موضعاً بعينه.

(4) البَجَح: الفَرَح (تاج العروس: 4 / 5).

(5) شرح نهج البلاغة: 1 / 164، الطبقات الكبرى: 3 / 199، تاريخ المدينة: 2 / 667، تاريخ الطبري: 3 / 428 وص 433 إلى (خير اهلك) كُلّها نحوه.

٩٣

2 / 3

موقف الإمام من خلافته

1035 - الإمام عليّ (عليه السلام) - في ذكر السقيفة وما بعدها -: (فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجَى (1) ، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلْقِ شجاً، أرى تُراثي (2) نَهباً، حتى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى فلانٍ بعده.

شَتّانَ ما يَومِي على كُورها

ويومُ حَيّانَ أخي جابِرِ (3)

فيا عجباً!! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقَدها لآخر بعد وفاته - لَشدّ ما تَشطَّرا ضرعيها! - فصيّرها في حوزةٍ خَشناء يغلظ كَلْمُها (4) ، ويخشن مسُّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصَّعبة إنْ أشنَق لها خَرَم، وإنْ أسْلس لها تقحّم (5) فمُني الناس - لعمر الله - بخَبط وشِماس (6) ، وتلوُّن واعتراض) (7) .

____________________

(1) أي أجدَر وأولى وأحقَّ (النهاية: 1 / 348).

(2) التراث: ما يُخَلِّفه الرجل لورثته (النهاية: 1 / 186).

(3) هذا البيت هو للأعشى، وقد تمثّل به (عليه السلام).

(4) الكَلْم: الجَرْح (النهاية: 4 / 199).

(5) قال الشريف الرضي - في ذيل الخطبة-: قوله (عليه السلام): (كراكب الصعبة إنْ أشنق لها خرم، وإنْ أسلَس لها تقحّم) يريد: أنّه إذا شدّد عليها في جذْب الزمام وهي تُنازعه رأسَها خرم أنفها، وإنْ أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحّمت به فلم يملكها، يقال: أشنَقَ الناقةَ: إذا جذَب رأسَها بالزمام فرفعه، وشنَقَها أيضاً. ذكر ذلك ابن السكّيت في (إصلاح المنطق)، وإنّما قال: (أشنق لها) ولم يقل: (أشنقها)؛ لأنّه جعله في مقابلة قوله: (أسلَس لها)، فكأنّه (عليه السلام) قال: إنّْ رفَع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام.

(6) شَمَسَت الدابَّةُ والفَرس: شَرَدتْ وجَمَحَتْ ومَنَعتْ ظَهْرَها (لسان العرب: 6 / 113).

(7) نهج البلاغة: الخطبة 3، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 204، معاني الأخبار: 361 / 1، علل الشرائع: 150 / 12، الإرشاد: 1 / 287، الاحتجاج: 1 / 452 / 105 والأربعة الأخيره عن ابن عبّاس، الأمالي للطوسي: 373 / 803 عن زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام)، نثر الدرّ: 1 / 275؛ تذكرة الخواصّ: 124 والسبعة الأخيرة نحوه.

٩٤

2 / 4

استشارة عمر الإمامَ في المعضلات

1036 - تاريخ الإسلام عن عمر: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن! (1)

1037 - المستدرك على الصحيحين عن عمر: أعوذ بالله أنْ أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا حسن (2) .

1038 - فضائل الصحابة عن سعيد بن المسيّب: كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن (3) .

1039 - الكافي عن عمر: لولا علىّ لهَلَك عمر! (4)

____________________

(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 638، تاريخ دمشق: 42 / 406، البداية والنهاية: 7 / 360.

(2) المستدرك على الصحيحين: 1 / 628 / 1682، شعب الإيمان: 3 / 451 / 4040، تاريخ دمشق: 42 / 405، الرياض النضرة: 3 / 166؛ شرح الأخبار: 2 / 317 / 652.

(3) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 647 / 1100، الطبقات الكبرى: 2 / 339، تاريخ دمشق: 42/406، الإصابة: 4/467/5704، أُسد الغابة: 4/96/3789، الاستيعاب: 3 / 206 / 1875، الصواعق المحرقة: 127، تاريخ الخلفاء: 203.

(4) الكافي: 7 / 424 / 6، تهذيب الأحكام: 6 / 306 / 849 وج 10 / 50 / 186، من لا يحضره الفقيه: 4 / 36 / 5025، خصائص الأئمّة (عليهم السلام): 85، الإيضاح: 191 و192، تفسير العيّاشي: 1 / 75 / 155، الفضائل لابن شاذان: 95، شرح الأخبار: 2 / 319 / 655، المسترشد: 583 / 253، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 31؛ الاستيعاب: 3 / 206 / 1875 وفيه (فكان عمر يقول...)، ذخائر العقبى: 149.

٩٥

بيان: كان الإمام عليّ (عليه السلام) يقّدم آراءه الاستشاريّة في الميادين العلميّة أو في المشاكل السياسيّة بعدما يحرز أنّها تعود بالفائدة على المجتمع الإسلامي، ولا يبدي رأيه إذا عاد بالنفع الشخصي على الخليفة ولم يعد على المجتمع بشيء.

يقول ابن عبّاس: خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته، فانفرد يوماً يسير على بعيره فاتّبعته، فقال لي: يابن عبّاس، أشكو إليك ابن عمّك! سألته أن يخرج معي فلم يفعل (1) .

. راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان أصحاب النبيّ / عمر بن الخطّاب

2 / 5

استنجاد عمر برأي الإمام

أ: مبدأ التأريخ

1040 - المستدرك على الصحيحين عن سعيد بن المسيّب: جمع عمر الناس فسألهم: من أيّ يوم يُكتب التأريخ؟ فقال عليّ بن أبي طالب: (من يوم هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك). ففعله عمر (2) .

1041 - تاريخ اليعقوبي: أرّخ عمر الكتب، وأراد أنْ يكتب التأريخ منذ مولد رسول الله، ثمّ قال: من المبعث. فأشار عليه عليّ بن أبي طالب أنْ يكتبه من الهجرة، فكتبه من الهجرة (3) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 78.

(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 15 / 4287، التاريخ الكبير: 1 / 9، تاريخ الطبري: 4 / 39، تاريخ المدينة: 2 / 758؛ الإقبال: 3 / 22، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 144 كلّها نحوه وراجع التنبيه والإشراف: 252.

(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 145؛ البداية والنهاية: 7 / 74 نحوه.

٩٦

ب: الخروج بنفسه إلى غزو الروم

1042 - الإمام عليّ (عليه السلام) - من كلام له وقد شاوره عمر بن الخطّاب في الخروج إلى غزو الروم -: (وقد تَوكَّل اللهُ لأهل هذا الدين بإعزاز الحَوزة، وستر العورة، والذي نصَرهم وهم قليل لا ينتصرون، ومنَعهم وهم قليل لا يمتنعون، حيّ لا يموت.

إنّك متى تَسِر إلى هذا العدوّ بنفسك فتَلْقَهم فتُنْكَب؛ لا تكن للمسلمين كانِفة (1) دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مِحْرَباً، واحفِز معه أهل البلاء والنصيحة؛ فإنْ أظهر الله فذاك ما تحبّ، وإنْ تكن الأُخرى كنتَ رِدْءاً (2) للناس ومَثابةً للمسلمين) (3) .

ج: الخروج بنفسه إلى غزو الفرس

1043 - الإمام عليّ (عليه السلام) - في كلام له وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسه -: (إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتى بلَغ ما بلَغ، وطلع حيث طلَع، ونحن على موعودٍ من الله، والله منجزٌ وعده، وناصرٌ جنده.

ومكان القيّم بالأمر مكان النِّظام (4) من الخرز؛ يجمعه ويضمّه، فإنْ انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع. فكن قطباً، واستَدِر الرَّحى

____________________

(1) أي ساترة. والهاء للمبالغة (النهاية: 4 / 205).

(2) الرِّدْء: العَوْن والناصِر (النهاية: 2 / 213).

(3) نهج البلاغة: الخطبة 134، شرح المائة كلمة: 231.

(4) النظام: ما نَظَمْتَ فيه الشيء من خيط وغيره (لسان العرب: 12 / 578).

٩٧

بالعرب، واصْلِهم دونك نار الحرب؛ فإنّك إنْ شَخَصت من هذه الأرض انتَقَضتْ عليك العرب مِن أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدَع وراءك مِن العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك.

إنّ الأعاجم إنْ ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم؛ فيكون ذلك أشدّ لكَلَبهم (1) عليك وطمعهم فيك. فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإنّ الله سُبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره! وأمّا ما ذكرت مِن عددهم، فإنّا لم نكن نُقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنّما كنّا نقاتل بالنصر والمعونة!) (2)

1044 - الإمام عليّ (عليه السلام) - لعمر لمّا استشار الناس في أنْ يسير فيمن معه لقتال الفرس -: (إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا قلّة؛ هو دينه الذي أظهرَ، وجنده الذي أعزَّ وأيّده بالملائكة، حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعودٍ من الله، والله منجزٌ وعده، وناصرٌ جنده.

ومكانك منهم مكان النظام من الخرز؛ يجمعه ويُمسكه، فإنْ انحلّ تفرّق ما فيه وذهَب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم وإنْ كانوا قليلاً فهي كثير عزيزٌ بالإسلام؛ فأقِم، واكتب إلى أهل الكوفة - فهم أعلام العرب ورؤساؤهم - ومَن لم يَحفِل (3) بمَن هو أجمَعُ وأحَدُّ وأجَدُّ من هؤلاء: فليأتهم الثلثان وليُقِم الثلث، واكتب إلى أهل البصرة أنْ يمدّوهم ببعضٍ من عندهم) (4) .

____________________

(1) كَلِبَ على الشيء: إذا اشتدّ حِرْصُه على طلب شيء (تاج العروس: 2 / 381).

(2) نهج البلاغة: الخطبة 146، بحار الأنوار: 40 / 193 / 79.

(3) الحَفْل: المُبالاة. يقال: ما أحْفِلُ بفلان؛ أي ما أُبالي به (لسان العرب: 11 / 159).

(4) تاريخ الطبري: 4 / 123 عن أبي طعمة، البداية والنهاية: 7 / 107.

٩٨

1045 - الإرشاد عن أبي بكر الهذلي: سمِعت رجالاً من علمائنا يقولون: تكاتَبَت الأعاجم من أهل همذان وأهل الريّ وأهل أصفهان وقُومس (1) ونهاوند (2) ، وأرسَل بعضهم إلى بعض أنّ ملِك العرب الذي جاء بدينهم وأخرَج كتابهم قد هلَك - يعنون النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - وأنّه ملَكَهم من بعده رجلٌ مُلكاً يسيراً ثمّ هلَك - يعنون أبا بكر - وقام بعده آخر قد طال عمره حتى تناولكم في بلادكم وأغزاكم جنودَه - يعنون عمر بن الخطّاب - وإنّه غير منتهٍ عنكم حتى تُخرِجوا مَن في بلادكم من جنوده، وتَخرجوا إليه فتغزوه في بلاده. فتعاقدوا على هذا وتعاهدوا عليه.

فلمّا انتهى الخبَر إلى مَن بالكوفة من المسلمين أنهوه إلى عُمر بن الخطّاب، فلمّا انتهى إليه الخبر فزع عمر لذلك فزَعاً شديداً، ثمّ أتى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: معاشر المهاجرين والأنصار! إنّ الشيطان قد جمَع لكم جموعاً، وأقبل بها ليطفئ نور الله، ألا إنّ أهل همذان وأهل أصفهان والريّ وقومس ونهاوند مختلفةٌ ألسنتها وألوانها وأديانها، قد تعاهدوا وتعاقدوا أنْ يُخرجوا من بلادهم إخوانكم من المسلمين، ويخرجوا إليكم فيغزوكم في بلادكم، فأشيروا عليّ وأوجِزوا ولا تُطنبوا في القول، فإنّ هذا يوم له ما بعده من الأيّام.

فتكلّموا، فقام طلحة بن عبيد الله - وكان من خطباء قريش - فحمد الله وأثنى

____________________

(1) قُومِس: تعريب كومس، واسمها هذا اليوم (سمنان)، وتقع وسط إيران في الجنوب الشرقي من طهران، وهي مركز محافظة سمنان.

(2) نُهَاوَنْد: تقع في جنوبي همذان وشرق كرمانشاه على بعد 130 كيلو متراً، وجنوب غربي ملاير على بعد 64 كيلو متراً، طولها: 48 درجة و22 دقيقة، وعرضها: 34 درجة و12 دقيقة. وهي مدينة على جبل، وفيها أنهار وبساتين. قيل: إنّ نوحاً (عليه السلام) بناها. وكانت وقعة عظيمة للمسلمين زمن عمر بن الخطّاب (راجع تقويم البلدان: 416).

٩٩

عليه، ثمّ قال:

يا أمير المؤمنين، قد حَنكتْك الأُمور، وجَرَّستْك (1) الدهور، وعَجمتْك (2) البلايا، وأحكمتك التجارب، وأنت مبارك الأمر، ميمون النَّقِيبة (3) ، قد وليتَ فخَبَرت، واختبرت وخُبِرت، فلم تنكشف من عواقب قضاء الله إلاّ عن خيار، فاحضر هذا الأمر برأيك ولا تغِب عنه! ثمّ جلَس.

فقال عمر: تكلّموا. فقام عثمان بن عفّان، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعدُ يا أمير المؤمنين، فإنّي أري أنْ تُشخِص أهل الشام من شامهم، وأهل اليمن مِن يمنهم، وتسير أنت في أهل هذين الحرَمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة، فتلقى جمع المشركين بجمع المؤمنين، فإنّك يا أمير المؤمنين لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقيةً، ولا تُمتَّع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز، فاحضره برأيك ولا تغِب عنه! ثمّ جلَس.

فقال عمر: تكلّموا. فقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

(الحمد لله - حتى تمّ التحميد والثناء على الله، والصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)) - ثمّ قال: (أمّا بعدُ، فإنّك إنْ أشخصت أهل الشام مِن شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإنْ أشخَصت أهل اليمن مِن يمنهم سارت الحبَشة إلى ذراريهم، وإنْ أشخصت مَن بهذين الحرَمين انتقضت العرب عليك مِن أطرافها وأكنافها، حتى يكون ما تدع وراء ظهرك مِن عيالات العرَب أهمّ إليك ممّا بين يديك.

____________________

(1) أي حَنَكَتْك وأحْكَمتْك، وجَعلتْك خبيراً بالأمور مُجرّباً (النهاية: 1 / 261).

(2) أي خَبَرتْك؛ من العَجْم: العَضِّ. يقال: عَجَمْتُ العُودَ؛ إذا عَضَضْتَه لتنظُر أ صُلْبٌ هو أم رِخْوٌ (النهاية: 3 / 188).

(3) أي مُنَجَّحُ الفِعال، مُظَفَّر المَطالِب. والنَّقيبة: النَّفْس. وقيل: الطَّبيعة والخَليقة (النهاية: 5 / 102).

١٠٠