الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة واسوة
0%
مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 65
مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف: الصفحات: 65
المشاهدات: 9957
تحميل: 5786
توضيحات:
مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 65
مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
الإمام الحسينعليهالسلام
قدوةٌ واُسوة
تأليف
السيد محمد تقي المدرسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
انبعث من ضمير الإنسانيّة رجالٌ، كانوا المعجزة في أقرب مفاهيمها وأصدق معاييرها، وفي أسنى تألّقها وأبهى تجلّيها. لا شكّ في أنّها كانت آية ظاهرة، تهدي إلى قوّة قاهرة وراء الغيب لتنير الكون، وتدفعه إلى سُبله المستقيمة، تدعو إلى التصديق الواعي بحقيقة اُخرى غير هذه المادّة، وغير ملابساتها الظاهريّة، تلك هي حقيقة الخالق العليم:« بِنا عُرفَ اللهُ » (١) .
وليس من شكٍّ في أنّ للمسلمين أحظى نصيب من هذا النّمط، البالغ في سنائه وبهائه حدّ المعجزة الخارقة من الأبطال البارعين؛ فالنّبيُّ محمّدصلىاللهعليهوآله وأهل بيتهعليهمالسلام قممٌ لاشكّ في مجدها وسموِّها، لِسِلسلة شاهقة من جبال لا يرقى إليها الطير، وسامقات متأصّلات كانت تحمل همّ وشرف الحقيقة، وأوتاد صعيد الفكر، ولولاهم لتزلزل وماد؛ إذ أنّهم سفن محيط الشكّ الذي لولاهم لغمر كلّ حي ونزل القعر البعيد.
ومِن قممِ هذه السّلسلة المباركة الإمامُ عليٌّعليهالسلام الذي هو - بلا ريب - ثاني الرسول العظيمصلىاللهعليهوآله ،
_____________________________
(١) حديث مأثور عن الأئمّةعليهمالسلام .
ومنها الإمام الحسنُعليهالسلام ، الذي حفظ الله به الدِّين حين أصلح الله به بين فئتَين متنازعتَين من المسلمين، ومنها الإمام الحسينُعليهالسلام ، الذي استقرّ في أشمخ وأروع قمّة بعد النّبيِّصلىاللهعليهوآله ، وبعد الوصيِّعليهالسلام .
ولا اُحبّ أنْ اُفاتحك الحديث قبل أوانه، فهذا الكتاب بين يدَيك سوف نفتح فيه أسرار المعجزة في هذه القمّة المجيدة، وسوف نُعالج كلَّ موضوع ولو كانت معالجة بتراء، إلاّ أنّي آملها معالجة واعية إنْ شاء الله. غير إنّي اُريد أنْ اُقدِّم شيئاً ممّا يجب أنْ أصبر عليه إلى أوانه القريب؛ لندخل فصول الكتاب في تفتّحٍ ذكري بالغ، وها هو بين يدَيك:
أصبح المسلمون اليوم أحوج إلى النّور من أيّ يوم آخر؛ لأنّهم أصبحوا وسط زوابع هادرة تلفّهم من كلِّ جانب، في ليل مظلم، وفي قفر لا يملكون هادياً أو رائداً. قد ظلَّت بهم السّبُل، واختلفت في وجههم التيّارات، وهم لا يدرون ما يعملون.
أقول: إنّهم اليوم أحوج ما يكونون إلى النّور، في حين أنّهم أبعد ما كانوا عنه؛ لأنّهم - كما نراهم - مُجرّدون عن الوعي الكافي الذي يجب أنْ يكفل غذاءهم الفكري المستمرّ في خِضمّ هذه الأفكار الواردة، فلا يعرفون تعاليم دينهم، ولا يُميّزون معالمه الوضيئة التي دلَّت تجارب السّنين العديدة على أنّها الوحيدة
من نوعها التي تستطيع أنْ تنتشل الاُمّة من قعرها العميق إلى قمّتها المأمولة.
وإنّ هذا نموذج حيٌّ اُريد أنْ اُقدّمه إليك - أيّها القارئ - هنا ومن خلال السّطور التي نمرّ عليها، وسوف لا اُوقفك طويلاً لاُمهّد لك، فلنقطع الحديث للنّظر في سطور الكتاب، لنرى أحفل حياة بالمكرمات الرائعة.
الفصل الأول: الوليدُ السّعيد
كان ذلك الفجر آلف وأبهى فجر من السَّنة الثالثة للهجرة، حيث استقبل بأصابع من نورٍ وليداً، ما أسعده وما أعظمه.
في الثالث من شعبان غمر بيت الرسالة نور سنيٌّ متألّقٌ؛ إذ جاء ذلك الوليد المبارك واصطفاه الله ليكون امتداداً للرسالة، وقدوة للاُمّة، ومنقذاً للإنسان من أغلال الجهل والعبوديّة، ولا ريب أنّنا سوف ننبهر إذا لاحظنا بيت الرسالة وهو يستقبل الوليد الجديد، فهذا البيت البسيط الذي يستقرّ على مرفوعته الاُولى الرسولصلىاللهعليهوآله ، الجدّ الرؤوف والوالد الحنون (صلوات الله عليهما وآلهما).
وأتاه الخبر: إنّه وُلِد لفاطمةعليهاالسلام وليدٌ، فإذا بهصلىاللهعليهوآله يغمره مزيج من السّرور والحزن، ويطلب الوليد بكلّ رغبة ولهفة. فماذا دهاك يا رسول الله، بأبي أنت واُمّي! هل تخشى على الوليد نقصاً أو عيباً؟! كلاّ، إنّ تفكير صاحب الرسالة يبلغ به مسافات أوسع وأبعد ممّا يفكّر فيه أيّ رجل آخر، ومسؤوليّته أعظم من مسوؤليّة أب أو واجبات جدٍّ أو وظائف قائد، إنّه مُكوِّن اُمّة، وصانع تاريخ، ونذير الخالق تعالى إلى العالمين.
إنّه يذهب بعيداً في تفكيره الصائب فيقول: لا بدّ للمنيّة أنْ توافيه في يوم من الأيّام، ولا بدّ لجهوده أنْ تفسح أمامها مجالات أوسع ممّا بلغتها اليوم، فسوف تكون هناك اُمّة تُدعى ( بالاُمّة الإسلاميّة ) تتّخذ من شخص الرسولصلىاللهعليهوآله اُسوة وقدوة صالحتَين.
ولا بدّ لهذه الاُمّة من هداة طاهرين، وقادة معصومين يهدون الاُمّة إلى الصراط المستقيم، إلى الله العزيز الحكيم، وسوف لا يكونون - كما أخبرته الرسالة مراراً - إلاّ ذرِّيّته هؤلاء؛ عليُّ ابنُ عمِّه، وولداهعليهمالسلام ، ثمّ ذُرِّيّتهم الطيّبة من بعدهم.
ولكن هل تجري الاُمور كما يريدها الرسولصلىاللهعليهوآله في المستقبل؟
إنّ وجود العناصر المنحرفة بين المسلمين نذيرٌ لا يرتاح له الرسولصلىاللهعليهوآله على مستقبل الاُمّة، وإنّ الوحي قد نزل عليه غير مرّة يخبره بأنّ المصير الذي رآه الحقُّ المتمثّل في شخص الرسولصلىاللهعليهوآله هو نفس المصير الذي يترقّبه الحقّ المتمثّل في آلهعليهمالسلام ؛ وإنّ العناصر التي قاومت الرسالة في عهده سوف تكون نفس العناصر التي تقاوم - بنفس العنف والإصرار - امتداد الرسالة في عهد أبنائه الطيّبين (صلوات الله عليه وعليهم).
فقد علم أنّه سوف تبلغ الموجة مركزها الجائش، وسوف يقف أنصار الحقّ والباطل موقفهم الفاصل في عهد الإمام الحسينعليهالسلام ، هذا الوليد الرضيع الذي يُقلِّب وجهه فيظهر مستقبله على ملامح الرسول وهو يضطرب على ساعدَيه المباركتَين.
والنّبيُّصلىاللهعليهوآله يلقي نظرةً على المستقبل البعيد ويعرج فيه، فيلقي نظرة اُخرى على هذا الرضيع الميمون فيهزّه البُشر حيناً، ويهيج به الحزن أحياناً، ولا يزال كذلك حتّى تنهمر من عينَيه
الوضيئتَين دموع ودموع. يبكي رسول اللهصلىاللهعليهوآله وما أشجعه! وهو الذي يلوذ بعريشه أشجع قريش وأبسلها عليُّ بن أبي طالبعليهالسلام حينما يشتدّ به الروع، فيكون أقرب المحاربين إلى العدو، ثمّ لايفلُّ ذلك من عزمه ومضائه قدر أنملة، لكنّه الآن يبكي وحوله نسوة في حفلة ميلاد، فما أعجبه من حادث!
تقول أسماء فقلتُ: فداك أبي واُمّي، ممَّ بكاؤك؟ قالصلىاللهعليهوآله :« على ابنِي هذا ». فقلتُ: إنّه وُلِد السّاعة يا رسول الله! فقال:« تقتله الاُمّة الباغية من بعدي. لا أنالهم الله شفاعتي » (١) .
إنّ القضيّة التي تختلج في صدر رسول اللهصلىاللهعليهوآله ليست عاطفة إنسانيّة، أو شهوة بشريّة حتّى تُغريه عاطفة إعلاء ذكره وبقاء أثره في آله، كلاّ، بل هي قضيّة رسول اصطفاه الله واختاره على علم منه، بعزمه ومضائه، وصدقه وإيمانه. قضيّة مَن تَحمَّل مسؤوليّةً أشفقت من حملها السّماوات والأرض والجبال الرواسي، إنّها مسؤوليّة الرسالة العامّة إلى العالمين جميعاً.
والحسينُعليهالسلام ليس ابنه فقط، بل هو قدوة واُسوة لمن ينذر
_____________________________
(١) بحار الأنوار / المجلّد العاشر.
من بعده، فنبأ مصرعه - هو بالذات - نبأ مصرع الحقّ بالباطل، والصدق بالكذب، والعدالة بالظلم، وهكذا.
فيبكي النّبيُّصلىاللهعليهوآله لذلك، ويحقّ له البكاء، إنّها ظاهرة ميلادٍ غريبة نجدها السّاعة في بيت الرسالة، تمتزج المسرَّة بالدموع، والابتسامة بالكآبة، فهي حفلة الصّالحين تدوم في رحلة مستمرّة بين الخوف والرجاء، والضحك والبكاء.
لنصغ قليلاً لنسمع السّماء هل تشارك المحتفلين في هذا البيت الهادئ البسيط؟ نعم، نسمع حفيفاً يقترب ونظنّه حفيف الملائكة، فإذا بهم ملأوا رحاب البيت. يتقدّم جبرائيلعليهالسلام فيقول: يا محمّد، العليُّ الأعلى يُقرؤك السّلام، ويقول:« عليٌّ منك بمنزلةِ هارونَ منْ مُوسى، ولا نبيّ بعدَك. سمِّ ابنكَ هذا باسمِ ابنِ هارونَ ». فيقول النّبيُّصلىاللهعليهوآله :« وما اسم ابن هارون؟ ». فيُجيب: شُبَير. فيقول النّبيُّصلىاللهعليهوآله :« لساني عربي ». فيُجيب جبرائيل: سَمِّه الحسين. فيُسميه الحسين(١) .
_____________________________
(١) انظر: كتاب قاموس اللغة في مادة ( شبر )، وكتاب بحار الأنوار ١٠٤ / ١١١.
ويتقدّم فطرس، ومَن هو هذا الملك المهيضة جناحاه يحمله رفاقه؟ إنَه مطرود من باب الله، لم يزل في السّجن يُعذب حتّى واتته أفواج من الملائكة، فقال لهم: مالي أراكم تعرجون وتهبطون، أقامت السّاعة؟ فقال جبرائيل: كلاّ، وإنّما وُلِد للنّبيِّ الخاتمصلىاللهعليهوآله وليدٌ، فنحن ذاهبون إلى تهنئته السّاعة. فقال: أفلا يمكن أنْ تحملوني إليه علّه يشفع لي فيُشفّع؟ فجاء به جبرائيلعليهالسلام .
فها هو ذا يتقدم إلى الرسولصلىاللهعليهوآله يتوسّل به إلى الله، فأومأصلىاللهعليهوآله إلى مهد الحسينعليهالسلام وهو يهتزّ في وداعة، فراح الملك يلمس جوانب المهد بجناحيه المكسورتَين، فإذا هو وقد ردَّهما الله عليه؛ إكراماً منه لوجه الحسينعليهالسلام عنده.
وتنتهي الحفلة، ويأخذ النّبيصلىاللهعليهوآله الرضيع الميمون بيدَيه ويحتضنه، ويؤذِّن في إحدى أُذنَيه ويُقيم في الاُخرى، ثمّ يجعل لسانه في فم الوليد فيغذّيه من رضابه الشريف ما شاء، ثمّ يعقُّ عنه بعد اُسبوع بكبشَين أملحَين، ويتصدَّق بزنة شعر رأسه بعد أنْ حلقه دراهم، ثمّ يُعطِّره ويومئ إلى أسماء فيقول:« الدَّم من الجاهليّة ».
وهكذا ينقلب الجدّ الحنون إلى اُسوة حسنة للمسلمين، فلا يكتفي بإجراء الآداب الإسلاميّة، وهي في روعتها ونضارتها عملاً، وإنّما ينسخ بالقول أيضاً لعنة الجاهليّة؛ حيث كانوا
يضمّخون رؤوس ولدانهم بالدَّم إعلاناً لتوحّشهم، وإيذاناً لطلب تِراتِهم.
ولَم يزل ذلك الوليد المبارك يترعرع في أحضان الرسالة، ويعتني به صاحبها محمّدصلىاللهعليهوآله ، وربيبها عليعليهالسلام حتّى بلغ من العمر زهاء سنتَين، ولكن لم يتفتّح لسانه عن أداء الكلام أبداً. عجباً! إنّ ملامح الوليد تدلّ على ذكاء مفرط، ومضاء جديد، ومع ذلك فَلِم لَم يتكلَّم بعد، أيمكن أنْ يكون ذلك لثقل في لسانه؟!
وذات يوم إذ اصطفّ المسلمون لإقامة صلاة الجماعة يَؤمُّهم الرسول الأعظم، وإلى جانبه حفيده الحبيب الحسينعليهالسلام ، ولما تهيّأ القوم للتحريم، كان الخشوع مستولياً على القلوب، والهدوء سائداً على الجو، والكلّ ينتظرون أنْ يُكَبِّر الرسولصلىاللهعليهوآله فَيُكَبِّروا معه، فإذا هم بصوته الخاشع الوديع يكسر سلطان السكوت ويقول:« اللهُ أكبر ».
وإذا بصوت ناعم خافت يشبه تماماً صوت النّبيِّصلىاللهعليهوآله بكلّ نغماته ونبراته، وما فيه من خشوع ووداعة يقول:« اللهُ أكبر ». إنّه صوت الحسينعليهالسلام .
فكرّر الرسولصلىاللهعليهوآله :« اللهُ أكبر ». فأرجع الحسينعليهالسلام :« اللهُ أكبر ». والمسلمون يستمعون ويُكبِّرون ويتعجّبون، فردّد الرسولصلىاللهعليهوآله ذلك سبعاً، ورجعه الحسينعليهالسلام سبعاً، ثمّ استمرّ النّبيصلىاللهعليهوآله في صلاته والحسينعليهالسلام يسترجع منه،
فقد كانت أوّل كلمة لفظها فم الحسينعليهالسلام كلمة التوحيد:« اللهُ أكبر ».
وفيما نخطوا مع التاريخ بعض الخطوات الفاصلة، ننظر إلى هذا الوليد بالذات - ذلك الذي لم يفتح فمه إلاّ على كلمة ( الله أكبر ) - ننظر إليه بعد خمس وخمسين سنة وهو يمارس آخر خطوات الجهاد المقدّس، ويعالج آخر لحظات الألم وقد طُرح على الرمضاء تلفحه حرارة الشمس، ويمزّق كبده الشريف حرُّ العطش، ويلفّه حرّ السّلاح المصلصل.
فنستمع إليه وهو يحرّك شفَتَين طالما لمستهما شَفَتا رسول اللهصلىاللهعليهوآله يتضرّع إلى بارئه، يقول:« إلهِي، رِضاً بِرضَاكَ، لا مَعْبُودَ سِواكَ ». ولا يزال يتمتّع حتّى يُعرَج بروحه الطاهرة المقدّسة إلى السّماء (عليه أفضل الصلاة والسّلام).
وإذا ثبت بالتجارب الحديثة أنّ للوراثة آثارها البالغة، وأنّ للتربية حظّها الكبير في إنماء خُلق الطفل وتكييف صفاته، فلا نشكّ في أنّ أبوي الحسين (عليه وعليهما السّلام) كانا من أرفع الآباء خُلقاً، وأكرمهم نسباً، وإنّ تربيتهما كانت أحسن تربية وأشرفها وأقدرها على إنماء الأخلاق الفاضلة، والسّجايا الحميدة في نفس الإنسان.
وهل نشكّ في ربيب الرسولصلىاللهعليهوآله ذاته، وربيب مَن ربّاهما الرسول، فاطمة وعلي (عليهم جميعاً صلوات الله وتحياته)؟
أفلا نرضى من الله العزيز كلمته العظيمة في القرآن، حيث يقول:( مرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) (١) ؟
فالبحران: هما بحر النبوّة ومنبعه فاطمةعليهاالسلام عن الرسولصلىاللهعليهوآله ، وبحر الوصاية من قِبَلِ عليٍّعليهالسلام . فلا بدّ لهذين البحرَين - إذا التقيا - أنْ يخرج منهما اللؤلؤ ( الحسنُ )، والمرجان ( الحسينُ )عليهماالسلام . هذه هي الوراثة، إنّها أقدس وأرفع ممّا يُتصوّر.
ولا تسأل عن التربيّة، فلقد كانت أنصع وأروع من كلّ تربية، كان شخص الرسولصلىاللهعليهوآله يهتمّ بالحسينعليهالسلام وتربيته بصورة مباشرة. وبين يديك حديثان تعرف منهما مدى رعاية الرسولصلىاللهعليهوآله لشأن الحسينعليهالسلام ، ممّا يؤكّد لك أنّ الحسينعليهالسلام لَم يكن ربيب عليٍّ وفاطمةعليهماالسلام فقط، بل تربّى على يد جدِّه النّبيِّصلىاللهعليهوآله ذاته.
عن يعلى العامري: إنّه خرج من عند رسول اللهصلىاللهعليهوآله إلى طعام دُعي له، فإذا هو بالحسينعليهالسلام يلعب مع الصبيان، فاستقبل النّبيّصلىاللهعليهوآله أمام القوم، ثمّ بسط يدَيه فطفر الصبيُّ ها هنا مرّة وها هنا مرّة، وجعل رسول اللهصلىاللهعليهوآله يُضاحكه حتّى أخذه، فجعل إحدى يدَيه تحت ذقنه والاُخرى تحت قفاه، ووضع فاه إلى فيه وقبّله(٢) .
_____________________________
(١) سورة الرَّحْمن / ١٩ - ٢٢.
(٢) مستدرك ٢ / ٦٢٦.
واستسقى الحسنعليهالسلام ، فقام رسول اللهصلىاللهعليهوآله فجدع له في غمر كان لهم(١) ثمّ أتاه به، فقام الحسينعليهالسلام فقال:« اسقنيه يا أبه ». فأعطاه الحسن، ثمّ جرَّع للحسينعليهالسلام فسقاه، فقالت فاطمةعليهاالسلام :« كأنّ الحسن أَحبَّهما إليك ». قالصلىاللهعليهوآله :« إنّه استسقى قبله، وإنّي وإيّاك وهما وهذا الراقد - وأومأ إلى عليٍّ أمير المؤمنينعليهالسلام -في مكان من الجنّة » (٢) .
وظلّ الوليد النّبيه يشبّ في كنف الرسولصلىاللهعليهوآله وظلِّ الوالدَين الطاهرَينعليهماالسلام ، والرسولصلىاللهعليهوآله يُوليه من العناية والرعاية ما يبهر ألباب الصحابة ويحيِّزهم. ولطالما بعث الرسولصلىاللهعليهوآله بكلماته النيِّرة على مسمع المئات المحتشدة من المسلمين، يقول:« الحَسنُ والحُسينُ سَيِّدا شبابِ أهلِ الجَنَّة ». و« الحَسنُ والحُسينُ إمامانِ قامَا أو قعدَا ». ويقول:« حُسينٌ منِّي وأنا مِنْ حُسينٍ ». ويرفعه بين النّاس - وهم ينظرون - فيُنادي:« أيّها النّاسُ، هذا الحُسينُ بنُ عليٍّ فاعْرِفُوه ». ثمّ يُردف قائلاً:« والذي نفسِي بيدِهِ، إنّهُ في الجَنَّةِ ومعَهُ أحبَّاؤهُ ». و قد يتبوّأ له مقعداً في حضنه المبارك ويشير إليه، فيقول:
_____________________________
(١) أي: غرف لهم من قدح ماء.
(٢) معالم الزلفى / ٢٥٩.
(( اللهمّ، إنِّي أُحبُّه فأَحبّه ». ولطالما يحمله هو وأخاه على كاهله الكريم وينقلهما من هنا إلى هناك، والملأ من المسلمين يشهدون.
وهكذا ترعرع الوليد الحبيب في ظلّ الرسالة وفي كنف الرسولصلىاللهعليهوآله ، وأخذ منهما حظّاً وافراً من المجد والسّناء.
الفصل الثاني: بعد الرسولِصلىاللهعليهوآله