الخصائص العباسية

الخصائص العباسية0%

الخصائص العباسية مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 378

الخصائص العباسية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد إبراهيم الكلباسي النجفي
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الصفحات: 378
المشاهدات: 296547
تحميل: 10624

توضيحات:

الخصائص العباسية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296547 / تحميل: 10624
الحجم الحجم الحجم
الخصائص العباسية

الخصائص العباسية

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخصّيصة الرابعة

مميزات ولادتهعليه‌السلام

لقد امتاز أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام في ولادته على سائر الناس بما يمتاز به العظماء من أولياء الله في ولادتهم، حيث كانت ولادته محفوفة بالإرهاصات، ومشحونة بالقرائن والمقدّمات الدالّة على عظم منزلة المولود عند الله تعالى، ومقامه الشامخ لديه.

فهذا الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قبل أن يولد له العبّاسعليه‌السلام ، بل وقبل أن يتزوّج باُمّه اُمّ البنين ينبئ عن ولادته ويخبر عن مواصفاته، ويشير إلى ما يتحلّى به من قوّة الإيمان، وطهارة النفس، وشجاعة القلب، ورحابة الصدر، ومكارم الأخلاق، وأنه سوف يعضد أخاه الإمام الحسينعليه‌السلام في مهمّته، ويفديه بنفسه ويضحي بما لديه من أجله، ويستشهد في كربلاء بين يديه.

وصرّحعليه‌السلام بذلك كلّه عندما أفضى بأمره إلى أخيه عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يستشيره بقضية زواجه، بعد استشهاد سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث قال له: ((انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها؛ فتلد لي ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي الحسين، ويواسيه في طفّ كربلاء)).

هذا مضافاً إلى أنّ أنباء ما سيأتي ويتحقق في المستقبل من واقعة عاشوراء، وأخبار طفّ كربلاء، والتي من أظهرها وأبرزها وفاء العبّاسعليه‌السلام

٦١

ومواساته لأخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحراسته لخيام النساء ومَنْ فيها من بنات الرسالة وودائع النبوّة، وسقايته لأطفال أخيه، وتقديم يديه من أجل إيصال الماء إليهم، وتعويض الله تعالى له عنهما بجناحين يطير بهما في الجنّة، كلّ ذلك ممّا نزل به جبرائيل عن الله تبارك وتعالى على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخبر بها علياًعليه‌السلام وبقية أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وذلك قبل أن يولد أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام .

وعليه فهذه نبذة من مميزات ولادة العبّاسعليه‌السلام ، والمقدّمات التي احتفت بولادته من جهة أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأمّا المميزات التي امتازت بها ولادة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام من جهة اُمّ البنينعليها‌السلام فقد مرّ سابقاً الإشارة إلى شيء منها، حيث إنّه قبل ولادة اُمّه اُمّ البنين يرى أبوها حزام، وهو جدّ أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام لاُمّه، تلك الرؤيا التي تبشّره بولادة اُمّ البنين.

وبعد ولادة اُمّ البنين وترعرعها وبلوغها سنّ الرشد ومرحلة الزواج ترى هي بنفسها تلك الرؤيا المباركة المبشّرة بزواجها من رجل عظيم، والمنبئة عن حصولها على أنجال أربعة: أوّلهم كالقمر المنير، والثلاثة الباقون كالأنجم الزُهر، وذلك كلّه قبل زواجها، بل وحتّى قبل أن يخطبها عقيل من أبيها حزام للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كلّ ذلك وغيره ممّا يدلّ على امتياز أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام في ولادته المنبئ عن عظمته، ورفيع مقامه، ومنزلته عند الله تبارك وتعالى، والشهداء السعداء وعباد الله الصالحون لديه (عزّ وجلّ).

٦٢

بشـرى الولادة

هذا وقد روي أنّ قنبراً مولى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قال ما مضمونه: بينما كنّا ذات يوم من الأيام مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة وهو يعظنا ويرشدنا ويحذّرنا من النار ويرغّبنا بالجنة، إذا بأعرابي قد أقبل نحو المسجد، فأناخ راحلته على باب المسجد ودخل متّجهاً نحونا، حتّى إذا وصل إلينا سلّم علينا وخصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بالتحية والسّلام، وقبّل يده الكريمة، ووقف بين يديه وكأنه يطلب إليه حاجة، فقال له الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام برأفة وحنان: ((يا أخا العرب، كأنّك جئتنا في حاجة، فما هي حاجتك؟ فإنّها منقضية إن شاء الله تعالى)).

فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم بها منّي.

قال قنبر: عندها التفت إليّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: ((يا قنبر، امض إلى المنزل وقل لمولاتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تناولك السّفط الفلاني في موضع كذا وكذا)).

فقلت: سمعاً وطاعة، وحبّاً وكرامة لله تعالى ولسيّدي ومولاي الإمام أمير المؤمنين.

قال قنبر: فقمت مسرعاً ومضيت إلى منزل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وطرقت الباب مرّتين، وفي الثالثة جاءت فضة وراء الباب وقالت: مَنْ الطارق؟

أجبتها قائلاً: أنا قنبر مولى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وخادم أهل البيتعليهم‌السلام .

فقالت فضة: أهلاً ومرحباً بك، وما حاجتك يا قنبر؟

فأخبرتها بما قال لي سيّدي ومولاي وما يريده.

٦٣

فقالت فضة: مكانك حتّى آتيك به. فوقفت بالباب انتظر مجيئها، وإذا بي أسمع جلبة الفرح وصخب السرور يعلو من داخل المنزل، فتعجّبت، وانتظرت حتّى إذا رجعت إليّ فضة وأتتني بالسفط سألتها عن سبب ذلك، فقالت فضة: لقد ولد الساعة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام غلام أزهر كأنّه فلقة قمر.

فقلتُ لها، وقد امتلأت أنا الآخر فرحاً وسروراً: وممّن هذا المولود الأغر؟

فقالت فضة: إنّه من اُمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة، ثمّ أضافت قائلة: وقد أوصتني سيّدتي وسيّدتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقول لك: إذا رجعت إلى مولاي ومولاك الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فبشّره بولادة هذا المولود الأغر، واسأله عن اسمه وكنيته ولقبه.

فقلت، وأنا لا أمتلك نفسي بهجة وفرحاً: حبّاً وكرامة، وسمعاً وطاعة، ثمّ هنّأتها وودّعتها. وأقبلت بالسفط مع البشارة بالمولود الجديد مسرعاً إلى سيّدي ومولاي الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا سلّمته السفط وقفت بين يديه لأُبشّره بما عندي من خبر الولادة، غير أنّي بقيت أترصّد الفرصة المناسبة لإعلان هذا الخبر وتقديم هذه البشارة السّارة، حتّى إذا فرغ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام من حاجة الأعرابي وأعطاه ذلك السفط التفت إليّ وقال مبادراً: ((ما وراءك يا قنبر، فإنّي أرى أثر البهجة والسرور طافحاً على أسارير وجهك؟)).

فقلت، وقد رأيت الفرصة مناسبة: نعم يا سيّدي ومولاي، لقد جئتك ببشارة.

فقالعليه‌السلام : ((وما هي تلك البشارة يا قنبر؟ بشّرك الله بالجنّة)).

قلت: لقد وُلد لك يا سيّدي ومولاي غلام أغر.

فقالعليه‌السلام : ((وممّنْ هذا المولود الجديد؟)).

٦٤

قلت: لقد سألت عن ذلك فضّة عندما أخرجت إليّ السفط، فقالت: إنّه من اُمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة، كما وأنها قالت لي: بأنّ سيّدتي السيّدة زينبعليها‌السلام أوصتني أن اُبشّرك بهذا المولود عندما أرجع إليك وأن أسألك عن اسمه وكنيته ولقبه.

فلمّا سمع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ذلك تهلّل وجهه فرحاً وسروراً وشكرني على هذه البشارة، وقال: ((يا قنبر، إنّ لهذا المولود شأناً كبيراً عند الله ومنزلة عظيمة لديه، وأسماؤه وكناه وألقابه كثيرة، وسأمضي أنا بنفسي إلى المنزل لإنجاز ما سنّه لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمولود عند الولادة، وبعدها من سنن الإسلام، فهيّا بنا إلى ذلك يا قنبر)).

الولادة وسننها

ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قام من مجلسه ذلك وودّع أصحابه ومَنْ كان معه، ثمّ خرج من مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متّجهاً نحو البيت، فلمّا دخل المنزل سلّم - على عادته ولاستحبابه - على مَنْ كان في المنزل من أهله واُسرته الذين كانوا بانتظار قدومه، وحيّاهم بتحيّة الإسلام ثمّ قال: ((ائتوني بولدي)).

فقوبلعليه‌السلام بالتحية والبشارة، ثمّ جيء بولده إليه ملفوفاً في خرقة بيضاء ومقمّطاً بها، فأخذه وضمّه إلى صدره، ونثر قبلاته الحارّة على وجهه وخدّيه، ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وبعدها أخذ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يطيل النظر إليه.

وهنا تمطّى المولود الجديد لاُمّ البنين في قماطه حتّى قطعه، وأخرج كلتا يديه من القماط؛ ممّا أثار بذلك ذكريات الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام التي كانت في

٦٥

ذاكرته ممّا نزل بها جبرائيل في حقّ هذا الوليد الجديد من عند الله تبارك وتعالى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخبره بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كيفية شهادته في نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام في طفّ كربلاء.

عندها اغرورقت عينا الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالدموع، وتناثرت قطرات الدمع على خدّيه كالدرر ورطّبت كريمته الشريفة، فنظرت إليه إحدى النسوة وقالت: ما يبكيك يا أبا الحسن ونحن في هذه الساعة من فرح وسرور، وابتهاج وحبور؟!

فالتفت إليها أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يكفكف دموعه بيديه الكريمتين وقال لها ما مضمونه: ((لا تلوموني، فإنّي لمّا نظرت إلى هاتين اليدين وتمطّيه في القماط تذكّرت تمطّيه على جواده في كربلاء، وانفصال يديه عن جسمه يوم عاشوراء)). ثمّ أخذ يبكي ويكثر من قولهعليه‌السلام : ((ما لي وليزيد؟)).

تاريخ ولادة أبي الفضل العبّاس عليه‌السلام

هذا، ولا يخفى أنّ ولادة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام - على المشهور وذلك حسب بعض الكتب التاريخية - كانت في المدينة المنورة، وبتاريخ اليوم الرابع من شهر شعبان المعظّم سنة ست وعشرين هجرية (على هاجرها آلاف التحية والسّلام).

وعلى هذا فإنّ أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام قمر بني هاشم تلا في ولادته ولادة أخيه شمس الكونين الإمام أبي عبد الله الحسين من حيث اليوم والشهر بيوم واحد وفي نفس الشهر، ومن حيث السنين والأعوام بثلاث وعشرين سنة وكان - على ذلك - له من العمر حين استشهد أربعة وثلاثون عاماً.

٦٦

الخصّيصة الخامسة

في تسميتهعليه‌السلام

لقد سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنناً ندب إليها الإسلام وحبّذها؛ وذلك لِما فيها من زكاة ورشد للطفل، وطهارة وبركة لروحه وجسمه، وفائدة ومنفعة لدنياه وآخرته.

ففي حديث شريف عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال: ((سبع خصال في الصبي إذا ولد من السنّة:

أُولاهن: يُسمّى.

والثانية: يُحلق رأسه.

والثالثة: يُتصدّق بوزن شعره ورقاً وذهباً إن قدر عليه.

والرابعة: يُعتق عنه.

والخامسة: يُلطخ رأسه بالزعفران.

والسادسة: يُطهّر بالختان.

والسابعة: يُطعم الجيران من عقيقته)).

وفي أحاديث مباركة اُخرى تؤكّد إجراء بعض هذه السنن الإسلاميّة المباركة في اليوم السابع من الولادة، كالتسمية والحلق، والختان والعقيقة والوليمة.

٦٧

كما إنّ هناك روايات كريمة اُخرى تؤكّد - في خصوص التسمية من بين بقية السنن - على تقديم الاسم على الولادة، وتحبّذ أن يسمّى الجنين وهو حمل في بطن اُمّه.

ولم تكتفِ تلك الروايات بالتسمية في أيام الحمل فحسب وإنّما حبّذت أن يوضع للحمل حتّى الكنية واللقب أيضاً؛ وذلك - على ما في الرواية - كي لا يسمّى الطفل فيما بعد ولا يكنّى، وكذلك لا يلقّب بما يكرهه وما هو شين عليه، حتّى أنّه - لا سمح الله - لو سقط ذلك الحمل قبل تمامه وكماله كان له اسم يدعى به يوم القيامة.

ولهذا كان أهل البيتعليهم‌السلام يسمّون أولادهم في أيام الحمل ويكنّونهم ويلقّبونهم، كما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك حيث سمّى حمل ابنته فاطمة الزهراءعليها‌السلام - الذي أسقطه الغاصبون للخلافة - محسناًعليه‌السلام .

هذا ولا يخفى أنّه لا منافاة بين هذه الطوائف الثلاث من الأحاديث الشريفة، إذ يوضع الاسم على الجنين وهو حمل في بطن اُمّه، وكذلك الكنية واللقب في اليوم الأوّل من ولادة ذلك الطفل، وفي اليوم السابع من ولادته. كما أن للأبوين إذا رأيا تغيير الاسم أو الكنية واللقب من الحسن إلى الأحسن كان لهما ذلك، وغيّرا في اليوم الأوّل وفي اليوم السابع من ولادة طفلهما.

إذاً فالتسمية وأخويها - اللقب والكنية - تكون جميعاً على الحمل في أيام حمله، ثمّ تجدّد نفسها للطفل، وتبدّل إلى غيرها في اليوم الأوّل، واليوم السابع من ولادته وذلك حسب إرادة الوالدين التثبيت والتغيير.

٦٨

تسمية الوليد الجديد

وكيف كان، فإنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام كما كان هو أوّل مَنْ آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكذلك كان هو أوّل مَنْ سار بسيرته واتّبع طريقته؛ ولذلك لم يكن ليتعدّ عن نهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنن الولادة ومستحباتها؛ فإنّهعليه‌السلام لمّا أجرى المستحبات المأثورة على مولوده الجديد التفتت إليه - على ما قيل - ابنته عقيلة بني هاشم، وربيبة الوحي والعصمة السيّدة زينب الكبرىعليها‌السلام وقالت له: يا أبه، هل اخترت لهذا المولود اسماً، وانتخبت له كنية ولقباً؟

فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بعطف وإقبال: ((نعم يا بُنيّة، لقد اخترت له كلّ ذلك)).

فقالتعليها‌السلام بلهفة وتعطّش: وما هي؟

فقالعليه‌السلام : ((أمّا الاسم، فاسمه العبّاس؛ وأمّا الكنية، فكنيته أبو الفضل؛ وأمّا اللقب، فلقبه قمر بني هاشم، وقمر العشيرة، والسقّاء)).

فأعجب السيّدة زينب ذلك وقالت متفائلة: يا أبه، أمّا أنّ اسمه عبّاس فعلامة البسالة والشجاعة؛ وأمّا كنيته أبو الفضل ففيها علامة الشهامة والنبالة؛ وأمّا لقبه قمر بني هاشم وقمر العشيرة فهو علامة الجمال والكمال والهيبة والجلال، ولكن يا أبه، ما معنى أنّه السقّاء؟

فالتفت إليها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبعد أن توسّم في الوليد الجديد شريط المستقبل، وتصفّح في ملامح وجهه سجلّ الواقع القريب، وقال وهوعليه‌السلام يستعرض على ابنته بعض ما في ذلك السجلّ من أنباء وأخبار، ويحدّثها عن بعض ما فيه من حوادث وملاحم، وذلك بزفرات متواصلة، ونبرات متقطّعة

٦٩

وخافتة: ((يا بُنيّة، إنّه ساقي عطاشى كربلاء)).

وما أن سمعت السيّدة زينبعليها‌السلام من أبيها هذا الجواب، ورأته مختنقاً بعبرته إلاّ وانخطف لونها، وانصدع قلبها، وأجهشت بالبكاء، فلقد ذكّرها أبوها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بما حدّثته به اُمّ أيمن عن جدّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قصة كربلاء وفاجعتها الأليمة، فلم تتمالك نفسها.

عندها رقّ لها أبوها أمير المؤمنينعليه‌السلام فعطف عليها، وأخذ يسلّيها ويخفّف عنها وطأة الخبر المفجع، ووقعة النبأ العظيم نبأ كربلاء وسقاية العطاشى، قائلاً: ((بنية زينب، تجلّدي واصبري، وكفكفي دموعك، وخذي أخاك إلى اُمّه؛ فإنّ له معك لموقف مشرّف، وشأن عظيم)).

وهنا سكنت السيّدة زينبعليها‌السلام من بكائها وهدأت من فورتها، وكفكفت دموعها، ثمّ تناولت أخاها الوليد من يدي أبيها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذت تنثر على وجهه لثماتها الحارّة وقبلاتها الساخنة، وأقبلت به إلى اُمّه اُمّ البنين التي بقيت بانتظارها.

نعم، كانت اُمّ البنين تنتظر السيّدة زينبعليها‌السلام بفارغ الصبر؛ لتطّلع عبرها على اسم وليدها الجديد وكنيته ولقبه؛ لذلك لمّا رأتها مقبلة به استقبلتها بنظراتها الحانية، وقالت متسائلة: وهل انتخب مولاي الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لولدنا اسماً، واختار له كنية ولقباً؟

فأجابتها السيّدة زينبعليها‌السلام بانطلاق وحبور: نعم يا اُمّاه، لقد انتخب له أحسنها وأجملها.

عندها قالت اُمّ البنين بلهفة واشتياق: تفضّلي يا سيّدتي عليّ ببيانها.

فقالت السيّدة زينبعليها‌السلام : أمّا اسمه فهو عبّاس؛ وأمّا كنيته فهي أبو الفضل؛ وأمّا لقبه فهو قمر بني هاشم.

٧٠

وما أن سمعت اُمّ البنين بلقب وليدها الجديد قمر بني هاشم الذي لقّبه به أبوه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ وتذكّرت رؤياها التي رأتها قبل زواجها؛ فتهلّل وجهها وانشرح صدرها، وانطلق لسانها بالحمد والشكر على الله سبحانه وتعالى، وأخذت تقول: الحمد لله الذي صدقني الرؤيا وحقّق لي وعده.

عندها سألتها السيّدة زينبعليها‌السلام عن منامها وعن قصة رؤياها، فقصّت عليها اُمّ البنين رؤياها التي كانت قد رأتها قبيل زواجها من الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكيف انقضّ القمر من كبد السماء في حجرها.

فقالت السيّدة زينبعليها‌السلام وهي تلثم أخاها الرضيع وتقبّله: نعم، لقد صدقت رؤياك، إنّ وليدك هذا قمر بني هاشم، وهو أجلّ من القمر وأفضل، إنّه قمر العشيرة أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام .

التسمية برواية اُخرى

وجاء في بعض الكتب المعتبرة أنّ اُمّ البنين يوم وضعت حملها، وولدت أوّل أشبالها قمّطته بقماط أبيض، وقدّمته إلى أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ليجري عليه سنن الولادة من التسمية وغير ذلك، فلمّا أخذه أمير المؤمنينعليه‌السلام قرّبه إلى فمه ومسح على عينيه وفمه بلسانه الشريف - ولعلّه حتّى يكون ممّن يرى الحقّ ويسمع الحقّ وينطق بالحقّ - ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ التفت إلى زوجته الوفيّة اُمّ البنين ومَنْ حولها وقال: ((ما سمّيتموه؟)).

فأجابته اُمّ البنين بتأدّب واحترام قائلة: وما كنّا لنسبقك في شيء يا أمير المؤمنين.

فشكر الإمام أمير المؤمنين شعورها الطيّب ووفائها الجميل، ثمّ قال: ((إنّي سمّيته باسم عمّي العبّاس عباساً)). ثمّ ضمّه إلى صدره، وأخذ بيديه الصغيرتين

٧١

ورفعهما إلى فمه ولثمهما بقبلاته الساخنة، واستعبر باكياً وهو يقول: ((كأنّي بيديه هاتين تقطعان يوم الطفّ عند مشرعة الفرات في نصرة أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام )). فاستعبرت اُمّه ومَنْ كان معها، وفوّضت أمره وأمرها إلى الله تعالى.

استنباط واستنتاج

لا يخفى أنّ من قصّة تقبيل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يدي ولده الرضيع أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام يعلم - بالإضافة إلى ما فيه من بيان عظمة مقام الوليد وشرف منزلته عند الله تعالى - أنّ تقبيل الإنسان يدي أولاده من باب المحبّة لهم والشفقة عليهم جائز، كما كان يفعل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من باب المحبّة، ومن باب التعظيم والتشريف، وبيان المقام والمنزلة مع ابنته فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام ؛ حيث كان يقبّل يديها، ويقوم لها من مقامه ويجلسها في مجلسه.

كما إنّه يعلم من تقبيل أمير المؤمنينعليه‌السلام يدي ولده العبّاسعليه‌السلام ، ومن تسميته باسم عمّه العبّاس شدّة محبّته لابنه هذا، وكبير احترامه، وعلقته بعمّه ذاك، كيف لا وقد أوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعمّه العبّاس خيراً، وقال على ما روي: ((لا تؤذوني في عمّي العبّاس))؟

سؤال وجواب

قيل: إنّه لمّا مضت أيام على ولادة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام جاءت السيّدة زينبعليها‌السلام إلى أبيها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يوماً وهي تحمل أخاها العبّاسعليه‌السلام ، وقد ضمّته إلى صدرها، وقالت له: أبه يا أمير المؤمنين، ما لي أرى قلبي متعلّقاً بهذا الوليد أشدّ التعلّق، ونفسي منشدّة إليه أكبر الانشداد؟

٧٢

فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بلطف وحنان قائلاً: ((وكيف لا تكونين يا أبه كذلك وهو كفيلك وحاميك؟)).

فقالت السيّدة زينبعليها‌السلام بتعجّب: إنّه كفيلي وحاميني؟!

فأجابهاعليه‌السلام بعطف وشفقة: ((نعم يا بُنيّة، ولكن ستفارقينه ويفارقك)).

فقالت السيّدة زينبعليها‌السلام باستغراب: يا أبتاه، أيتركني هو أم أتركه أنا؟

فقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يجيبها بلهفة ولوعة: ((بل تتركينه يا بُنيّة وهو صريع على رمضاء كربلاء، مقطوع اليدين من الزندين، مفضوخ الهامة بعمد الحديد، ضامٍ إلى جنب الفرات)).

فلم تتمالك السيّدة زينبعليها‌السلام لمّا سمعت ذلك حتّى أعولت وصاحت: وا أخاه! وا عبّاساه! وإلى هذا أشار الشاعر حيث يقول:

جـاءتْ بهِ الحوراءُ تحملُه وقد

شـغـفـتْ بهِ وبهِ الفؤادُ تعلّقا

تـحـنو عـليهِ وتنثني لأبيهما

مَـنْ كانَ كالاُمِّ الرؤومِ وأشفقا

حـلو الشّمائلِ مذ رآهُ وفيهِ من

معنى البسالةِ والجمالِ مع التّقى

سمّـاه عـبّـاساً وقالَ ملقّباً

قـمراً فقل أسمى وأجمل رونقا

٧٣

الخصّيصة السادسة

في بعض خصائص اسمهعليه‌السلام

واسـمهُ العبّاسُ وهو اسمُ الأسدْ

بل هو الأشجعُ إنْ في الحربِ شدْ

العبّاس في اللغة

جاء في لسان العرب: العبّاس: الأسد الذي تهرب منه الأسود، وبه سمّي الرجل عبّاساً.

وفي كتاب آخر: العبّاس والعبوس، كثير العبس، وهما من أسماء الأسد.

وفي منتهى الأرب: العبّاس بصيغة المبالغة يقال: للشجاع المقدام، والشديد البأس، وعظيم الكرّ، وهو بمعنى الأسد أيضاً؛ ولهذا عبّر عنه الأكثر - وهو يصف العبّاس في ساحة الحرب - بالأسد الغضبان.

قيل أيضاً العبّاس: بفتح العين وتشديد الباء يعني: الأسد، وهو اسم عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واسم نجل أمير المؤمنينعليه‌السلام من زوجته الوحيديّة الكلابيّة التي تزوّجها بعد فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وحيث كان العبّاس هذا شجاعاً مقداماً، يكرّ على الأعداء في الحروب كالأسد الغضبان سمّي بالعبّاس.

وعن منتخب الطريحي: كان العبّاس بن عليعليه‌السلام كالجبل العظيم، وقلبه

٧٤

كالطود الجسيم؛ لأنّه كان فارساً هماماً، وبطلاً ضرغاماً، وكان جسوراً على الطعن والضرب في ميدان الكفاح والحرب.

وفي مصدر آخر: وسمّاه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالعبّاس لعلمه بشجاعته وشهامته، وسطوته وصولته، فلقد كانت الأعداء ترتجف أبدانهم وترتعد فرائصهم، وتعبس وجوههم خوفاً من العبّاسعليه‌السلام إذا برز، وكان في الحروب والغزوات يحارب الشجعان وينازلهم كالأسد الضاري حتّى يجدّلهم صرعى.

وفي مقاتل الطالبيِّين: كان العبّاس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض خطّاً.

وفي كتاب آخر: الذين قُتلوا مع الإمام الحسينعليه‌السلام كانوا جميعاً في أعلى درجات الشجاعة، وأرفع مراتب الشهامة، إلاّ أنّ العبّاس بن عليعليه‌السلام كان له من قداحها المعلى، ورتبته أنبل وأعلى، يقتبس أنوارها، ويقتطف ثمرها ونورها، وناهيك بمَنْ كان ضلعاً من أضلاع أشجع البريّة، ودوحة من الروضة العلويّة، وغصناً من أغصان الشجرة المباركة الزيتونة النورانية.

أبوه الإمام أمير المؤمنين سيّد البريّة، وأخوه الإمام الحسن والإمام الحسينعليها‌السلام سيّدا أهل الإباء وأهل الحميّة، ولا يقاس بشجاعته إلاّ شجاعة أبيه وأخويه، ولقد ادّخره أبوه لينصر أخاه الإمام الحسينعليه‌السلام بمهجته ويواسيه بنفسه.

من بركات اسم أبي الفضل عليه‌السلام

جاء في كتاب منتخب التواريخ ما مضمونه: أنّ اسم العبّاس من حيث حساب الأبجد يساوي عدد حروف اسمه بالجُمل ما عدا الألف واللام: (133)، كما إنّ عدد حروف لقبه (باب الحسينعليه‌السلام ) بالجمل ما عدا الألف واللام أيضاً يساوي (133).

٧٥

ومن الختومات المجرّبة لتسهيل الحوائج وقضائها، وإنجاحها وإمضائها هو مخاطبة العبّاسعليه‌السلام بعدد حروف اسمه (133) بما يلي:يا كاشف الكرب عن وجه أخيه الحسين عليه‌السلام ، اكشف كربي بحقّ أخيك الحسين عليه‌السلام .

ولعلّه إلى هذا المعنى أشار الشاعر حيث يقول:

يومٌ أبو الفضلِ استجارَ بهِ الهدى

والشمسُ من كدرِ العجاجِ لثامُها

العبّاس يجير مَنْ استجار به

وجاء في كتاب (الكبريت الأحمر) للعلاّمة النحرير الشيخ البيرجندي أنّه قال وهو يتحدّث عن نفسه، ويقصّ بعض خواطره: أنّه كان قد توسّل بأبي الفضل العبّاسعليه‌السلام إلى الله تعالى في إنجاز بعض مهمّاته، ووسّطه في حلّ شيء من مشكلاته، ولكنه لم يرَ أثراً من الإجابة.

فرأى ذات ليلة رؤيا صادقة في منامه أنّه رأى شخصاً يقول له: كلّ مَنْ كانت له حاجة إلى الله تعالى فليقرأ هذه العبارة متوسّلاً بأبي الفضل العبّاسعليه‌السلام إلى الله؛ فإنّ الله تعالى يقضي له حاجته بوجاهة أبي الفضلعليه‌السلام عنده، والعبارة هي كالتالي:عبد الله، أبا الفضل، دخيلك .

قال الشيخ البيرجندي: فما توسّلت إلى الله تعالى بعد ذلك بأبي الفضلعليه‌السلام وقرأت هذه العبارة إلاّ وقضى الله تعالى حاجتي، وكشف عنّي همّي وغمّي، وبلغني مناي وأملي.

٧٦

إغاثة العبّاس عليه‌السلام المستغيثين به

ونقل عن أحد المراجع العظام نقلاً عن بعض العلماء المقيمين في قم المقدّسة أنّه قال: عرضت لي مشكلة فتوسّلت بإمام العصر الحجة بن الحسن العسكريعليه‌السلام إلى الله تعالى في حلّها، وكنت أذهب في ذلك إلى مسجد جمكران المعروف في قم المقدّسة.

مضت على ذلك مدّة من الزمان ولم أرَ أثراً من الإجابة، فانكسر قلبي ذات مرّة وأنا في الصلاة المستحبة التي تُصلّى في مسجد جمكران، وأخذت أُخاطب سيّدي ومولاي الإمام الحجةعليه‌السلام وأقول: سيّدي ومولاي، لقد توسّلت بك إلى الله تعالى في حلّ مشكلتي وقضاء حاجتي فلم أرَ أثراً للإجابة، فهل يسوغ لي أن أتوسّل بغيرك وأنت إمامي، ومَنْ له حق الطاعة عليّ في عنقي؟!

ثمّ قلت: فإنّي لا أسمح لنفسي أن أتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد سواك حتّى لو كان وجيهاً عند الله مثل باب الحوائج أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام .

ثمّ قال: وهنا غلبني الحزن والبكاء وانكسار القلب والخاطر، وبينما أنا كذلك إذ سمعت مَنْ يقول لي: لا بأس عليك بالتوسّل إلى الله تعالى بعمّنا أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام ، ونحن ندلّك على ما تقوله عند التوسّل إلى الله تعالى به، فإذا كانت لك حاجة فتوسّل به إلى الله تعالى بهذه العبارة وقل:يا أبا الغوث أغثني .

التوسّل إلى الله بالعباس عليه‌السلام

ونقل عن العلاّمة المازندراني صاحب كتاب معالي السبطين أنّه قال: مَنْ كانت له حاجة ويشكو مشكلة فليتوسّل إلى الله تعالى بأبي الفضل

٧٧

العبّاسعليه‌السلام ، وليكرّر هذا التوسّل أياماً حتّى تُقضى حاجته، وترتفع مشكلته، وذلك بأن يصلّي على محمّد وآل محمّد (133)، ثمّ يقول: يا عبّاس (133) مرّة، ثمّ يعود فيصلّي على النبي وآله (133) مرّة، فإنّ الله تعالى يقضي له حاجته، ويفرّج عنه مشكلته.

وجاء في كتاب معالي السبطين أيضاً: أنّ مَنْ كان في الصحراء، وفي مكان قفر لا ماء فيه، وأضرّ به العطش وخاف الهلاك، فليتوسّل إلى الله تعالى بالعباسعليه‌السلام ولينادي:يا أبا القربة ، فإنّه يروى من العطش، ويرفع عنه الظمأ بإذن الله تعالى.

٧٨

الخصّيصة السـابعة

في نشـأتهعليه‌السلام

ارتضع أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام من اُمّ وفيّة، ووالدة كريمة منتمية إلى بيت كريم، وأسرة نجيبة، وذات عراقة وأصالة، ومجد وسؤدد، ألا وهي - كما عرفت - فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة المكنّاة بـ (اُمّ البنين)عليها‌السلام ، وتربّى في أحضانها، وتروّى من إيمانها وولائها، وعلمها ومعرفتها؛ حيث إنّها كانت من الفاضلات العالمات.

كما وترعرع في حجر والد كريم وسيّد عظيم، نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه، وخليفته من بعده، وارث علم النبيِّين وسيّد الوصيِّين، وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنات النعيم، الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

لقد كان أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام ملازماً لأبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أيام إقامته في المدينة المنورة، ثمّ هاجر معهعليه‌السلام إلى العراق وأقام معه في الكوفة، وهو في كلّ ذلك تحت عنايته الشفيقة، ورعايته التربوية الحكيمة، فاكتسب من هذين الأبوين الكريمين كلّ مكرمة وفضيلة، وورث منهما بالتربية والوراثة المكارم والأخلاق الحميدة، والعلم الجمّ والمعارف الإلهية النبيلة.

٧٩

قُل: واحـد

ففي التاريخ: أنّ أباه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام دعاه يوماً وهو بعد في سنّ الطفولة وقد انطلق لسانه، وتعلّم النطق ببعض الكلمات، فأخذه وضمّه إليه، ثمّ أجلسه في حجره وقال له: ((بُني عبّاس، قل: واحد)).

فقال العبّاسعليه‌السلام : واحد.

فقال لهعليه‌السلام : ((يا ولدي، قل: اثنين)).

فأبى وامتنع من أن يقول اثنين، ثمّ التفت إلى أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: إنّي يا أبه أستحي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحداً.

وكان هذا الجواب هو الذي ينتظره الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام من ولده العبّاسعليه‌السلام ؛ لذلك التفت إليه وقال: ((أحسنت يا ولدي، وبارك الله فيك)). ثمّ أخذه وضمّه إلى صدره ثانية وقبّل ما بين عينيه.

ملازمة السّبطيـن عليهما‌السلام

ثمّ إنّ أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام بقي بعد أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ملازماً لأخويه السّبطين الإمامين الهمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وهما اللذان قد أثنى عليهما وعلى ابن عمّهما عبد الله بن جعفر حتّى مثل عثمان بن عفان؛ فإنّه قال للسائل الذي سأله فأعطاه هو خمسة دراهم فقط، فسألهم فأغدقوا عليه المال: ومَنْ لك بمثل هؤلاء الفتية؟ اُولئك فطموا العلم فطماً، وحازوا الخير والحكمة.

نعم، لقد لازم أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام بعد أبيه أخويهعليهما‌السلام ، ورجع معهما إلى المدينة المنورة، وبقي في خدمتهما مدّة إقامتهما فيها، وتعلّم منهما أيضاً معالم

٨٠