الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم0%

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 289

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ جعفر التستري
تصنيف: الصفحات: 289
المشاهدات: 39328
تحميل: 7830

توضيحات:

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 289 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39328 / تحميل: 7830
الحجم الحجم الحجم
الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأيضاً:( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاّهَا ) ، الشمس: هي وجه الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّه الشمس حقيقة، فإنّ الشمس يذهب شعاعها بقطعة سحاب، وهو قد تضمخ وجهه الكريم بالدم والتراب والجراح تلو الجراح ولم ينقص من نوره، بل كان جسده في الليالي الثلاث يُضيء كالشمس.

وأيضاً:( وَالْمُرْسَلاتِ ) ، الملائكة المرسلة لما يتعلّق بالحسينعليه‌السلام .

وأيضاً:( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً ) ، وما بعده الأرواح المطهّرة للحسينعليه‌السلام وأصحابه.

أيضاً:( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً ) لهما في بعض التفاسير تطبيق على أصحابه وجهادهم يوم الطفّ.

أيضاً:( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) قد ورد أنّ الزيتون هو الحسينعليه‌السلام .

أيضاً:( وَالْعَادِيَاتِ ) لخيلهم حين تركض.

سورة القيامة: كلّها منطبقة على قيامة أهل البيتعليه‌السلام التي قامت يوم عاشوراء، فهي الواقعة العظيمة، وهي ( الحاقة )، و ( الصاخة ) حقيقة، وهي ( الطامة الكبرى ) حقيقة ؛ فإنّها قد علت على كلّ مصيبة، وهي ( القارعة ) التي قرعت قلوب الأبرار والفجّار وكلّ شيء، وهي التي ( زلزلت الأرض زلزالها )، وهي الغاشية التي يُقال فيها( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ! ) ، فهل أتاكم حديثها ؟ وهي التي تحقّق فيها( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ) ، و( إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ) حين ضُرب بالسيف على رأسه الشريف، وقوله تعالى:( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) منطبق على يوم عاشوراء، والتكوير للشمس الظاهرية، والشمس الباطنية ظاهراً وباطناً.

ولكلّ من هذه تفصيل ذكرته في كتاب روضات الجنات في المواعظ بالقرآن الكريم، وفّقني الله تعالى لإتمامه بمنّه وحوله وقوّته.

سورة القدر: قد ثبتت للحسينعليه‌السلام فضائل ليلة القدر كما سيجيء في عنوان خصائصه المتعلّقة بالأزمنة الشريفة.

سورة الإخلاص أو التوحيد: هو قد أظهر في الخارج التوحيد الحقيقي، وهو توحيد علاقة القلب، أي تجريد العلائق القلبية من كلّ ما سوى الله تعالى، وله بيان وتفصيل في عنوانه.

سورة الجحد: أي الجحد لدين الكفّار ،

وهو قد أظهر الجحد لأهل النفاق والخلاف وتبّرأ منهم، وقال( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) صلوات الله تعالى عليه.

سورتا المعوذتين: عوذتان له ولأخيه كما في روايات الخاصة والعامة.

انتهى العنوان الثامن

٢٢١

العنوان التاسع

في خصوصياته المتعلّقة ببيت الله الحرام

وفيه مطالب :

الأوّل: أنّه بيت الله حقيقة.

الثاني: أنّه عظّم الكعبة المكرّمة تعظيماً خاصاً، فجعل الله له بذلك احترامات خاصة على طبق احترامات الكعبة وفضائلها، وخصّه بزيادات في ذلك على البيت.

الثالث: أنّه قد جعل الله تعالى لزيارته تأثيراً خاصاً في المعادلة للحج والعمرة، وذلك لسرٌ معنوي، ونكتة عجيبة لطيفة.

فنقول، بعون الله تعالى :

المقصد الأوّل: أنّه بيت الله الحقيقي

اعلم أنّ الله تعالى يُجلّ عن المكان والحلول، والسكنى والمسكن، واتصاف بعض الأمكنة بكونه بيتاً لله تعالى، إنّما هو لشرافة خاصة له من حيث جعله محلّ عبادة الله تعالى، أو كثرة العبادة فيه، أو الأمر بالتوجّه إليه حين العبادة، أو كونه محاذياً لمحلّ عبادة، أو لنزول فيض خاص، أو لكونه صعب المنازل ؛ فيخلص فيه القصد إلى الله، كما اجتمع ذلك كلّه في مكّة المعظّمة، وتحقّق بعض ذلك في المساجد، وفي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وهذه كلّها بيوت الله ظاهراً.

وأما بيت الله الحقيقي فهو ما في الحديث القدسي: (( لا تسعني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن )) وقد أوحى الله تعالى إلى نبيّه داودعليه‌السلام : (( فرّغ لي بيتاً أسكن فيه )) فقال: يا ربّ، إنّك تُجلّ عن المسكن ! فأوحى إليه: (( فرّغ لي قلبك )) وأيضاً جاء (( القلب حرم الله تعالى فلا تسكنوا حرم الله إلا الله تعالى )) فكلّ قلب لم تكن فيه سوى محبّة الله تعالى وذكره فهو بيت الله تعالى حقّاً.

فقلب المؤمن الكامل بيت الله حقيقة ؛ لأنّه خال عن التعلّق بغيره، فليس فيه فكر ولا ذكر ولا همّ إلاّ الله تعالى.

وقد ينتهي الأمر إلى أنّه لا يبصر إلاّ بالله تعالى، ولا يسمع إلاّ بالله، وهذا أحد معاني قوله تعالى في الحديث القدسي: (( حتّى أكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به )).

وإذا تحقّق ذلك وتأمّلت حق التأمّل، ظهر لك أنّ بيت الله الحقيقي

٢٢٢

الأكبر هو قلب الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه فرّغه تفريغاً حقيقياً صادقاً خالصاً، إذ لم تبقَ فيه علاقة لغير الله (عزّوجلّ)، حتّى العلائق التي لا تنافي العلاقة مع الله تعالى، وذلك لأنّ قطع العلاقة عن كلّ شيء لله ـ خصوصاً مع شدّة العلقة به ـ دليل على شدّة العلقة مع الله تعالى.

وقطعها كلّها دليل انحصارها، والشرائع مبتنية على ذلك، والتديّن بالدين إنّما بمقدار قطع العلاقة عن غير الله لله تعالى.

والدرجات المختلفة إنّما هي باختلاف العلائق شدّة وضعفاً، ومقدار تركها زماناً، وكيفية امتثال أمر الله تعالى.

إذا تحقّق ذلك، فاعلم أنّ الحسينعليه‌السلام حين توجّه إليه الأمر في الصحيفة الإلهية بخطاب: (( اشرِ نفسك لله))، قد قصد من أوّل هجرته من المدينة إلى مكّة، ثمّ إلى كربلاء، امتثال هذا الأمر متقرّباً بجميع ما سيقع عليه.

فكان جميع ذلك منويّاً له موطّناً عليه نفسه الزكية حتّى تقطيع أوصاله وطّن نفسه عليه وهو في مكّة المكرّمة، كما نوىعليه‌السلام التقرّب بتحّمل ذبح أصحابه، وأولاده، وأهل بيته (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين).

بل أكثر من ذلك، فقد وطّن نفسه بتحّمل ذبح طفله الرضيع على يديه، بل وطفل رضيع آخر له، بل اُري صورة الواقعة ومحلّها لأم سلمة مشاهدة بالعين.

فقد أخلى قلبه من التعلّق بالوطن، والديار والمساكن، ومن التعلّق بالأموال حتّى اللباس والسلطنة، والراحة والرئاسة.

ومن التعلّق بالعيال والأطفال، والأولاد والإخوان، والعشيرة والأصحاب، فقدّمهم أمامه ذبحاً وأسراً، ومن التعلّق بجميع ما في الدنيا حتّى الماء، وحتى قطرة منه للمحتضر الغريب.

ومن تعلّق الرأس بأجزاء البدن وعظامه ولحمه ودمه، ومن اتصاله وبقاء صورته وتركيبه وهيئته، حتّى إنّه قطع علاقة قلبه المبارك مع صورة القلب التي في الصدور، ومع مهجة القلب التي هي دم القلب.

فشبك قلبه سهم مسموم ذو ثلاث شعب، وقع عليه وسال دمه جارياً خارجاً كالميزاب يتدفّق، فأخذه بيده المباركة وخضّب به رأسه ولحيته، ففي الزيار ة: (( وبذل مهجته فيك )).

فلمّا بذل فيه قلبه الظاهري ومهجته، وجميع علائق قلبه، تمحّض القلب المعنوي لله تعالى، وصار خالياً عن غير الله، وفارغاً عن جميع ما سوى الله تعالى، وصار بيت الله الحقيقي التحقيقي الذي ليس فيه سوى الله تعالى( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ،

٢٢٣

ومن ذلك يظهر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( مَنْ زار الحسينعليه‌السلام كان كمَنْ زار الله تعالى في عرشه )).

المقصد الثاني: إنّ هذا البيت الحقيقي قد خُصّ كالكعبة بتعظيم خاص

فخصّه الله تعالى بخصائص الكعبة، مع تفصيل فيها :

تفصيل ذلك: إنّهعليه‌السلام لمّا ورد مكّة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان، وبقي فيها إلى موسم الحج، وأحرم بحج أو بعمرة التمتع على اختلاف الروايات، بلغه بأنّ يزيد قد بعث ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة ليقتلوه غيلة، ووجّه جيشاً مع عمر بن سعد بن العاص لقبضه.

فأحلّ من إحرامه بعمرة مفردة، وعزم على الخروج يوم التروية، أو يوم عرفة، فأتاه محمّد بن الحنفيّة في تلك الليلة فقال له: يا أخي، إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال مَنْ مضى، فإن رأيت أن تُقيم فإنّك أعزّ مَنْ في الحرم وأمنعه.

فقالعليه‌السلام له: (( يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون أنا الذي يُستباح بي حرمة هذا البيت )).

فقال ابن الحنفيّة: فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن، أو بعض نواحي البرّ ؛ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد.

فقالعليه‌السلام : (( أنظر فيما قلت )).

فلمّا كان وقت السحر ارتحل الحسينعليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفيّة، فأتاه وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها.

فقال: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟

قالعليه‌السلام : (( بلى )).

قال: فما حداك على الخروج عاجلاً ؟

فقالعليه‌السلام : (( أتاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما فارقتك، فقال: اخرج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً )).

فقال ابن الحنفيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك ؟ وأنت بمخرج على مثل هذا الحال ؟

فقالعليه‌السلام : (( إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا )).

وقال أيضاً لأخيه ابن الحنفيّة: (( يا أخي، لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني )).

ثمّ جاء عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمر، فمنعوه ذلك.

فأجاب ابن الزبير بأنّي لا أحبّ أن تُهتك بسببي حرمة البيت.

وأجاب ابن عمر بكلام ذكر فيه هوان الدنيا، وقتل يحيىعليه‌السلام ، وقتل

٢٢٤

بني إسرائيل كلّ يوم سبعين نبيّاً ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقد ذكرناها فيما سبق.

وأجاب ابن عباس: بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرني بأمر أنا ماضٍ فيه، فسلّم الكلّ عليه، وودعوه وبكوا.

فقال ابن عمر: اكشف عن الموضع الذي كان يُقبّله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكشف عن سرّته فقبّلها وبكى وودّعه، وخرج (صلوات الله تعالى عليه) مقبلاً إلى العراق.

أقول: أيّها العارف البصير، تأمّل في فعل هذا الإمام الجليل، وقوله (صلوات الله عليه): أخاف أن تُستباح بي حرمة البيت الحرام، وكيف عظّم جلال ربّه، وتأدّب حيث رضي بما يجري على نفسه الشريفة.

ولم يرضَ بأن يكون ذلك بقرب البيت الذي عظمّه الله تعالى فجعله محترماً، فبسط احترامه في الأنظار، مع أنّهعليه‌السلام أعظم من البيت وأشرف وأجلّ.

ولهذا ينظر الله تعالى يوم عرفة إلى زوّاره قبل أن ينظر إلى أهل عرفات، ولأجل تعظيمه بهذا التعظيم ثبتت له جميع الخصائص التي خصّ الله تعالى بها الكعبة، والكرامات التي أكرمها الله بها.

ولنعدّ منها خمسين فضيلة، ثمّ نبين كيفية الموازنة والتطابق بعون الله تعالى (جلّ جلاله)، وله الحمد على هذا الإلهام :

الأولى: إنّه أوّل بيت وضع للناس دون غيره من المساجد والمقامات والحسينعليه‌السلام حيث إنّه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبي منه فهو أوّل بيت وضع للناس ؛ فإنّ أوّل المخلوقات نور النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان الحسينعليه‌السلام مع نور جدّه وأبيه وأُمّه وأخيه مخلوقاً قبل السماوات والأرضين فهو أوّل بيت وضع للناس والملائكة وجميع المخلوقات.

الثانية: كونه ببكة، وهو أشرف المواضع والحسينعليه‌السلام بأشرف المواضع نسباً، وفي كربلاء مدفنا ،

ومن حديثِ كربلا والكعبه

لكربلا بانَ علوِّ الرتبه

الثالثة: إنّ الله تعالى أمر خليلهعليه‌السلام ببنائه بيده، فهو بناء يد الخليل والحسينعليه‌السلام قد نبت لحمه ودمه من لحم الحبيب ودمه كما مرّ تفصيله، والحبيب رتبته

٢٢٥

أعلى من الخليل.

الرابعة: إنّ الله تعالى جعله مباركاً لزوّاره ومجاوريه.

وهوعليه‌السلام : ذو بركة إلهية من جهة الفيوضات الواردة على الناس بسببه، فمنهم مَنْ دخل الجنة بالشهادة بين يديه، ومنهم بالبكاء عليه، ومنهم بإقامة العزاء عليه، ومنهم بالإبكاء عليه، ومنهم بالتباكي عليه، ومنهم بتذكّره حين شرب الماء، أو حين الجوع، أو حين الكربات والبلايا الطارئة على النفوس في هذه الدنيا، ومنهم بالتحسّر القلبي على عدم استشهاده ونصرته حين استنصاره لمحبّيه وشيعته، ومنهم بزيارته، ومنهم بإعانة زوّاره، ومنهم بالدفن في تربته، ومنهم بتأليف الكتب وإظهار فضائله للناس، ومنهم بسقي الماء ويا لها من عبادة كبرى حبيبة إلى الله تعالى وأولياءه، أو بنحو أعمّ تأليف كتباً إيمانية وأخلاقية وعقائدية تنشر الفكر الإسلامي القويم، ومنهم بخدمته بشتى أنواع الخدمة إلى غير ذلك من وجوه بركته في الأرزاق والفيوضات الواردة بسببه على مَنْ له نسبة إليه بمجاورة، أو قراءة تعزية، أو حضور مجلس ونحو ذلك.

الخامسة: جعله تعالى هُدى للعالمين كما في الآية الشريفة،( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) .

والحسينعليه‌السلام أيضاً هُدى للعالمين، وسبب هدايته ؛ لأنّهعليه‌السلام قد فدى بنفسه دين محمّد المصطفى (صلوات الله عليه وآله)، وأنّه جاء في الحديث النبوي المبارك أنّ الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يأتي عصر حكومة يزيد الفسق فيقضي على كلّ بذروة من بذور الإسلام، وأن يكون تجدد ذكر الإسلام وبزوغه بسبب حجّته على خلقه آنذاك الإمام الحسينعليه‌السلام .

ولا ننسى الحديث المبارك ما مضمونه: إنّ الله تعالى أبى أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها، وأيضاً قد ورد في زيارة الأربعين عن الصادقعليه‌السلام في حقّ الإمام الحسين الشهيدعليه‌السلام : (( وبذل مهجته فيك ؛ ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة )).

السادسة: جعل سبحانه له حرماً من أطرافه، لا يصطاد صيده بل لا ينفر، ولا يعضد شجره ( أي يُقطع شحره ) ولا يُختلى خلاله، ولا يُلتقط لقيطه إلاّ المنشد.

وهوعليه‌السلام : قد جعل الله تعالى لمدفنه حرماً من أطرافه، فجعل تربته المباركة محترمة، وأحلّ أكلها بمقدار خاص للشفاء، وجعل حرمه المبارك فرسخ.

وفي رواية أربعة فراسخ من جوانبه، وفي رواية خمسة، وحملت على الاختلاف في الفضيلة.

ولكن قد اختلفت كلماتهم في التحديد بالنسبة إلى جواز الأكل فقيل: بجواز كلّ تربة الحرم مطلقاً وقيل: تربة نفس القبر الشريف، وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً، وهو المناسب لقاعدة الاقتصار على المتيقّن.

وربما استظهر من بعض الروايات، وفي بعض الأخبار التحديد بالميل ،

٢٢٦

وبأربعة أميال، وبسبعين ذراعاً.

وللاستشفاء آداب وشروط مذكورة في محلّها، بل ذكر بعضهم أنّ الاستشفاء بها في غاية الصعوبة ؛ وذلك لأجل كثرة ما اعتبر فيه، وكأنّه فهم الشرطية، ولعلّ الأظهر أنّها آداب.

السابعة: جعله الله تعالى مأمنا لا يحلّ دم مَنْ يأوي إليه.

وهوعليه‌السلام أيضاً: لا يحلّ دم مَنْ يأوي إليه، لكن هتك بنو أُميّة حرمة البيت بالنسبة إلى ذلك، وهتكوا حرمته بالنسبة إلى مَنْ آوى إليه حتّى بالنسبة إلى الصغيرين (صلوات الله عليهما)، اللذان كان أحدهما في يده فآواه من العطش، والآخر على صدرهعليه‌السلام حين قطعوا يده فاستغاث بعمّه، فآواه إلى صدره فضُرب بسهم وقُتل على صدره.

وكما نفرت طيور الحرم عنه حين دارت عليه للنوح، فضُربت سكينةعليه‌السلام وجُرّت عنه، واصطيدت من هذا الحرم ورُبطت بالسلاسل، ورُكّبت على أقتاب المطايا.

الثامنة: جعله قبلة حبيبه المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلواته التي هي أشرف وأفضل عباداته،( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ، فهو قبلة وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن مولاي الحسينعليه‌السلام مهجة قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثمرة فؤاده، وريحانته كما وصفه هو بذلك، بل هو نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال: (( حسين منّي وأنا من حسين )).

ومع هذا فهو أيضاً قبلة وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد كان يتوجّه إليه ويلاحظه كلّما جاء إليه أو نظر إليه وإن كان في أثناء الخطبة، أو في الصلاة حتّى يحمله حينها.

التاسعة: جعل طوافه ركناً من أركان الإسلام فقال:( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) ، ومَنْ لم يأت به فقد نقص ركناً من أركان الإسلام، بل قد جاء إنّ مَنْ لم يحجّ بعد الاستطاعة تهاوناً منه، أو تكاسلاً، أو تسويفاً وما إلى ذلك ؛ فإنّه عند الممات يُقال له: مت إن شئت يهودياً أو نصرانياً.

والحسينعليه‌السلام : قد جُعلت زيارته ركناً من أركان الإسلام والإيمان، فقد قيل في الحديث: إنّ تارك زيارته منتقص الإيمان، قاطع لحرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد عقّ رسول الله المصطفى.

وفي رواية: (( ليس بشيعة ))، وفي رواية: (( إن كان من أهل الجنّة فهو من ضيفانهم ))، وفي رواية: (( تارك حقّاً من حقوق الله تعالى ولو حج ألف حجة ))، وفي رواية: (( محروم من الخير )) ،

٢٢٧

وفي رواية بعد أن سمع أحدهم أنّ جماعة من الشيعة تأتي عليهم السنة والسنتان لا يزورونه، قالعليه‌السلام : (( حظّهم أخطؤوا، وعن ثواب الله تعالى زاغوا، وعن جوار محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله تباعدوا )).

ولكن قد ذكرنا هناك أمور معوّضة لمَنْ لا يستطيع الذهاب للزيارة راجعوها في ما سبق من هذا الكتاب.

نذكر منها: أنّ الزيارة من بعد مجزية ومانعة من هذه الآثار المهلكة، إن لم يكن بالاستطاعة زيارتهعليه‌السلام .

العاشرة: جعله الله تعالى مغناطيس الأفئدة، يجذب القلوب إليه من المواضع البعيدة، فالقلوب مشتاقة دائماً إليه وإلى أهله، توّاقة إلى النزول في رحابه ؛ لقوله تعالى:( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) ، والحسينعليه‌السلام مغناطيس قلوب الشيعة والمحبّين الصادقين المتّبعين، ولا يقلّ عن مقدار جذب القلوب للبيت الحرام، بل قد يزيد بكثير.

ولا ننسى أنّ حرمة المؤمن عند الله تعالى أعظم من حرمة الكعبة، فترى لقلوبهم الطاهرة الزكية ميلاً مخصوصاً بهعليه‌السلام والى ذكره وزيارته وخدمته بل ممتازاً عن محبّة غيره من الأئمّةعليهم‌السلام ، وهذا أمر وجداني.

وقد عثرت على رواية كاشفة عن ذلك ؛ فقد روي في البحار وغيرها عن المقداد بن الأسود الكندي: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في طلب الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وقد خرجا من البيت، وأنا معه، فرأيت أفعى على الأرض، فلمّا أحسّت بوطء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قامت ونظرت، وكانت أعلى من النخلة، وأضخم من البَكر ( أي الفتى من الإبل ) يخرج فيها من النار، فهالني ذلك، فلمّا رأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صارت كأنّها خيط، فالتفت إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: (( أتدري ما تقول هذه يا أخا كندة ؟ )).

قلت: الله تعالى ورسوله أعلم. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( قالت: الحمد لله الذي لم يمتني حتّى جعلني حارسة لابني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )). وجرَت في الرمل، رمل الشعاب، فنظرت إلى شجرة لا أعرفها ولا رأيتها قبل ولم أرها بعد ذلك حين طلبتها، وكانت الشجرة أظّلتهما، وجلس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهما، فبدأ بالحسينعليه‌السلام فوضع رأسه على فخذه الأيمن ثمّ وضع رأس الحسنعليه‌السلام على فخذه الأيسر، ثمّ جعل يُرخي لسانه في فم الحسينعليه‌السلام ، فانتبه الحسينعليه‌السلام وقال: (( يا أبه )) وعاد في نومه. وانتبه الحسنعليه‌السلام وقال: (( يا أبه )) وعاد في نومه.

فقلت: كأن الحسين أكبر.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( إنّ للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة، سل أُمّه عنه )).

فلمّا انتبها حملهما على منكبيه والحديث طويل(١) .

الحادية عشرة: أنّ فيه مقام إبراهيم الخليلعليه‌السلام أي موضع قدمه، وقد أثّر في الصخرة والحسينعليه‌السلام قد أثّر فيه فم الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ

____________________

(١) انظر بحار الأنوار ٤٣ / ٢٧١.

٢٢٨

جبينه ونحره كانا يُضيئان لكثرة ما يُقبّلهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في الروايات.

وأيضاً إن كان مقام بدن الخليلعليه‌السلام عند البيت، فكان مقام الحسينعليه‌السلام كتف النبي المصطفى (صلوات الله عليه وآله).

وأيضاً ظهره وصدره إلخ فبدن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو مقام الحسينعليه‌السلام .

ومَنْ تتبّع الروايات الواردة في كيفية حمله ماشياً على كتفه، ونائماً على الصدر، وساجداً على الظهر، ومطيلاً للسجود لأجل ذلك، وماشياً على اليدين والرجلين وهو على ظهره.

لوجد دلالة على محبّة عجيبة، وعلاقة غريبة لم تتّفق لغيره كما يظهر بالتأمّل والتدبّر.

الثانية عشرة: جعل له كرامة ظاهرة، وآية بيّنة وهي: أنّ الطير لا يطير فوقه، ولا يقع على حيطانه المباركة.

والحسينعليه‌السلام جُعلت له كرامة ظاهرة، حيث إنّ الماء لم يقع في قبره، ولم تمش الثيران حين أرادوا حرثه ؛ ليمحو أثره ونوره القدسي.

وقد أمر المتوكّل (لعنه الله) بمحو أثر قبره في عشرين سنة بالنبش والحرث وإجراء الماء عليه، فنبشوا قبره الشريف مرّة فوجدوا بدنه المطهّر كأنّه مدفون الآن فجعلوه على حاله، ثمّ أداروا الماء عليه فارتفع القبر ولم يصل إليه الماء.

وأرادوا حرثه بالبقر والفدان فكان كلّما ضربوا البقر لم تحرث القبر الشريف، وكانوا يرون جماعة يرمونهم بالسهام بعض الأوقات، وإذا رموهم رُدّ السهم إلى الرامي.

نعم، وقعت طيور على بدنه الشريف، وتفصيل ذلك ما روي من أنّه لمّا قُتل وبقي جسده مطروحاً، فإذا بطائر قد أتى وتمسّح بدمه الزاكي وذهب، والدم يقطر منه فرأى طيوراً تحت الظلال على الغصون والأشجار، فقال لها: أيّتها الطيور تأكلين وتتنعّمين والحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ على الرمضاء طريح، ظامٍ، والنحر دامٍ، ورأسه مقطوع وعلى الرمح مرفوع، والنساء سبايا حفاة عراة !

فتطايرت إلى كربلاء، فرأته ملقى على الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن قد سفت عليه السوافي، وبدنه

٢٢٩

قد هشّمته الخيول بحوافرها، زوّاره وحوش القفار، وندَبَته جنّ السهول والأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجو من إزهاره وهيبته، فتصايحت وتواقعت على دمه الشريف تتمرّغ فيه، وطار كلّ واحد منها إلى ناحية، وقصد طير منها مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجاء يرفرف والدم منه يتقاطر دائراً حول قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قائلاً بلسانه :

ألا قُتل الحسينُ بكربلا

ألا ذُبح الحسينُ بكربلا

واجتمعت الطيور عليه وكان من أمره شفاء ابنة يهودية، وقد ركضت طيور البرّ وهي بنات الأعوجية والسكوت أولى :

عُقرت بناتُ الأعوجيةِ هل درت

ما يُستباحُ بها وماذا يُصنعُ

الثالثة عشرة: جعله مطافاً للناس، وجعل ثواب الطواف جزيلاً بالنسبة إلى أشواطه وخطواته.

وقد زادت زيارة الحسينعليه‌السلام على ذلك أضعافاً كثيرة، كما تبيّن في عنوان الزيارة.

الرابعة عشرة: جعله مطافاً للملائكة، فقد ورد أنّه لمّا بنى جبرئيلعليه‌السلام الكعبة بأمر من الله تعالى، طافت حولها الملائكة، وهم سبعون ألف ملك كانوا يحرسون الخيمة التي أُنزلت من الجنّة، وبُنيت على قواعد البيت التي بناها الملائكة قبل خلق آدمعليه‌السلام .

ورفعت قواعدها بإزاء الأضرحة والبيت المعمور والعرش، ولمّا نحيت الخيمة وبنى جبرئيل البناء الثاني طافت تلك الملائكة حوله، فنظر آدم وحواءعليهما‌السلام إليهم فانطلقا وطافا سبعة أشواط.

والحسينعليه‌السلام كان مطافاً للملائكة حين كان نوراً مع الأنوار المحدقة بالعرش، وكان شفيعاً للملائكة كما في حديث صلصائيل ودردائيل اللذين دعا لهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رافعاً الحسينعليه‌السلام على يده، وفطرس الذي تمسّح به أو بمهده وكان مخدوماً

٢٣٠

لأفضل الملائكة كجبرئيل وميكائيلعليه‌السلام حين ناغاه في المهد.

وقد كافأه فطرس له بأن لا يزوره زائر، ولا يسلّم عليه بسلام، ولا يصلّي عليه إلاّ أبلغه إياه، كما في الحديث، ومع ذلك فقبره مطاف للملائكة، ومزارهم.

وهم بالنسبة إلى ذلك أصناف، منهم: أربعة آلاف ملك شعث غبر موكّلين بقبره، شغلهم البكاء لا يفترون عن ذلك، وهم يستقبلون زائره، وإذا مرض يعودونه، وإذا مات شهدوا جنازته، وهؤلاء لا يبرحون، وقد كانوا نزلوا يوم عاشوراء لنصرته فرأوه قد قُتل، فأوحى الله تعالى إليهم ابكوا عليه لِما فاتكم من نصرته، وانصروه عند خروجه للرجعة، واسم رئيسهم منصور، كما جاء في كامل الزيارات والبحار وأيضاً العوالم.

ومنهم: سبعون ألف ملك وكلّهم الله بقبره يصلّون عليه كلّ يوم منذ قُتل إلى يوم قيام القائم (عجّل فرجه وصلوات الله عليه).

ومنهم: أربعة آلاف ملك يبكون عليه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، وإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف وصعد أربعة آلاف، ولا يزالون يبكون حتّى يطلع الفجر.

ومنهم: ملائكة الليل والنهار والحفظة، فإنّهم يحضرون الحائر كلّما هبطوا ويصافحون ملائكة الحائر، ويحفون زوّاره بأجنحتهم، ويدعون لهم، ويباركون عليهم بأمر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والأئمّةعليهم‌السلام ، وكلّ ذلك ثابت في الأخبار، بل الأخبار ببعضه مستفيضة.

ومنهم: خمسون ألف ملك كما عن الصادقعليه‌السلام قد مرّوا به وهو يُقاتل، فرجعوا إلى السماء فأوحى الله تعالى إليهم مررتم بابن حبيبي وهو يُقتل فلم تنصروه ؛ فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثاً غبراً إلى أن تقوم الساعة.

ومنهم: المذكورون في الحديث النبوي برواية زينبعليها‌السلام عن أُمّ أيمن، وعن أبيها والحديث طويل، وفيه أنّه تحفّه ملائكة من كلّ سماء مئة ألف ملك في كلّ يوم وليلة، ويصلّون عليه، ويُسبّحون الله تعالى عنده، ويستغفرون الله لزوّاره، ويكتبون أسماء مَنْ يأتيه متقرّباً إلى الله تعالى ورسوله بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله تعالى، هذا زائر قبر خير الشهداء، وابن خير الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا

٢٣١

كان يوم القيامة سطع من وجوههم من أثر ذلك الميسم ما تغشى منه الأبصار، ويدلّ عليه ويُعرفون به.

قال جبرئلعليه‌السلام للنبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( وكأنّي بك يا محمّد بيني وبين ميكائيل وعليعليه‌السلام أمامنا، ومعنا من ملائكة الله ما لا يُحصى عدده، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتّى يُنجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمَنْ زار قبرك يا محمّد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك ))، الحديث.

ومنهم: سبعون ألف ملك في وقت كلّ صلاة، ثمّ لا تصل إليهم النوبة إلى يوم القيامة، رواه في البحار عن كامل الزيارة عن الرضاعليه‌السلام .

الخامسة عشرة: إنّ الكعبة منزلة من السماء فقد قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (( إنّ الله أنزل البيت من السماء وله أربعة أبواب، على كلّ باب قنديل من ذهب معلّق )).

وأقول: إن كانت الكعبة قد شُرّفت بنزولها، فالحسينعليه‌السلام مع إنّه كان قبل أن تُخلق السماء، بل في الحديث أنّ اللوح والكرسي خُلقا من نوره، وهو أجّل منهما، قد اُصعد إلى السماء حين قُتل، ففي الرواية أنّه صُعد بجسمه متشحّطاً بدمه واُوقف مع صورة عليعليه‌السلام التي في السماء الخامسة، وعليها أثر ضربة ابن ملجم (لعنه الله)، ونزلت الملائكة من فوقها وهم ينظرون إليه.

وفي رواية أنّ الحسينعليه‌السلام عن يمين العرش ينظر إلى مصرعه ومدفنه، وزوّاره والباكين عليه، وقد ذكرناها في خواصّ البكاء.

السادسة عشرة: جعله مُعظّماً مُجلّلاً في الجاهلية والإسلام، بل من لدن آدم إلى هذا اليوم، وقد عظّمه وقصده وزاره وتقرّب به أهل الملل كلّها حتّى أهل الكفر والشرك والحسينعليه‌السلام أيضاً كان مُعظّماً مٌبجّلاً حتّى عند أعدائه والمنافقين وعند الأشقياء، وأهل الملل الأُخرى من النصارى أو اليهود.

وكما يظهر من رواية فيها أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام قُذف حبّهما في قلوب المنافقين والكافرين.

ومن حديث تكلّمه مع أبي بكر في طفولته، ومن تكلّمه مع معاوية وغلظته عليه، وعلى ابن العاص واحترامهما له، ووصية معاوية به، ومكالمة عتبة بن الوليد معه، وقوله حين أمر يزيد بقلته، ونزول سعد بن الوقّاص، والحجّاج

٢٣٢

حين نزل يمشي في طريق مكة إلى يوم عاشوراء، وركوب عمر بن سعد حين نزل الحسينعليه‌السلام ، ووزّع مطروحاً، ثمّ أمر بركوب العشرة الراضّة(١) .

السابعة عشرة: إنّ الكعبة باقية مادامت السماوات والأرض، وهي من أعلام الدين، وقبر الحسينعليه‌السلام كذلك كما في رواية زينب عن أُمّ أيمن، وعن أبيها، وقد ذكرناها في أوائل الكتاب.

الثامنة عشرة: إنّه يجوز الإتمام في الصلاة للمسافر إذا صلّى فيما أحاط به، أعني المسجد الحرام على الأقوى والأشهر.

وكذلك يجوز الإتيان بالنوافل الساقطة في السفر فيه، وذلك تشريفاً للكعبة وامتيازاً لها، والحسينعليه‌السلام أيضاً تجوز الصلاة عنده تماماً للمسافر إذا صلّى فيما أحاط بقبره الشريف من الحائر على الأقوى، وقيل: بسريان هذا الحكم إلى حرم الحسينعليه‌السلام وقد مرّ الكلام فيه، وقيل: في البلد وكذلك تجوز النوافل الساقطة في السفر هناك.

وقد اختلف أصحابنا في تحديد الحائر، فقال ابن إدريس: المراد به ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه ؛ لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة، لأنّ الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يُحار فيه الماء.

وقد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الإرشاد في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام لمّا ذكر مَنْ قُتِل معه من أهله، والحائر محيط بهم، إلاّ العباس (صلوات الله عليه) ؛ فإنّه قُتل على المسناة(٢) واحتجّ عليه أيضاً بالاحتياط ؛ لأنه المجمع عليه.

وذكر الشهيدان في هذا الموضع أنّ الماء حار لمّا أمر المتوكّل (لعنه الله) بإطلاقه على قبر الحسينعليه‌السلام ؛ ليعفيه فكان لا يبلغه وذهب بعضهم إلى أنّ الحائر مجموع الصحن المقدس، وبعضهم إلى أنّه القبّة السامية، وبعضهم إلى أنّه الروضة المقدّسة وما أحاط بها من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها.

وقال المجلسي (رضوان الله عليه): الأشهر عندي أنّه مجموع الصحن القديم، لا ما تجدّد منه في الدولة الصفوية.

واحتجّ على ذلك بالأخبار الدالّة على

____________________

(١) ملاحظة من المحقق: غير أنّ ركوب عمر بن سعد والعشرة (لعنهم الله) ليس من التعظيم في شيء فكان على المؤلّف أن لا يذكره.

(٢) المسناة: أي تراب عالٍ يحجز بين النهر والأرض الزراعية.

٢٣٣

أنّك إذا دخلت الحائر فقف وقل واذكر الدعاء، ثمّ تمشي قليلاً وتكبّر سبع تكبيرات، ثمّ تقوم بحيال القبر وتقول: إلى أن قال: ثمّ تمشي قليلاً وتقول: إلى قوله ثمّ ترفع يديك، ثمّ تضعهما على القبر، ونحو ذلك ممّا فيه الأمر بالمشي مرّتين، وتقصير الخُطى بعد دخوله ؛ فإنّها تدلّ على نوع سعة في الحائر.

وهذا قوي ويدلّ عليه أصل مسألة الصلاة هناك وعنوانها ؛ فإنّها تدلّ على نوع سعة، لكنّ الضبط والتحديد غير معلوم، والأحوط الاقتصار على الروضة المقدّسة.

التاسعة عشرة: إنّ الكعبة مطاف الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما دلّت عليه الروايات الكثيرة المتواترة.

وقد ثبت مثل ذلك للحسينعليه‌السلام ، بالنسبة إلى جسده الطاهر تارة، وبالنسبة إلى رأسه الشريف تارة، وبالنسبة إلى قبره المنيف تارة، بل ورد أنّ مَنْ زاره ليلة النصف من شعبان صافحه مئة وأربعة وعشرون ألف نبي.

وعن كعب الأحبار ما من نبي إلاّ وقد زار أرض كربلاء.

وقال: فيكِ يُدفن القمر الأزهر، وتفصيل كلّ في محلّه من العناوين.

العشرون: إنّه قد زيّنها الله تعالى بالحجر الأسود، الذي هو ياقوتة من يواقيت الجنّة، وقد كان أشدّ بياضاً من اللبن، فاسودّ من مسّ الكفّار وأهل الذنوب والحسينعليه‌السلام قد زُينت الجنّة به تارة، وما هو أجلّ من الجنّة، أعني العرش أُخرى.

ففي الحديث عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سألت الجنّة ربّها أن يزيّنها، فأوحى الله تعالى إليها: (( إنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين فماست كما تميس العروس فرحاً )) وفي رواية: (( فزادت الجنّة سروراً بذلك )) كما في البحار.

وفي خبر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( إذا كان يوم القيامة زُيّن عرش الرحمن بكلّ زينة، ثمّ يؤتى بمنبرين من نور ؛ طولهما مئة ميل، فيوضع أحدهما عن يمين العرش، والآخر عن يسار العرش، ثمّ يؤتى بالحسن والحسينعليهما‌السلام فيُزين الربّ تبارك وتعالى بهما عرشه كما يُزين المرأة قرطاها )).

٢٣٤

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( الحسن والحسين شنّفا العرش وليسا بمعلّقين )).

هذا ومن فضائل الحجر الأسود أنّه اُلقم ميثاق الخلائق ؛ لأنّه أوّل ملك أقرّ بما أخذ عليه من الميثاق، ولم يكن فيهم أشدّ حبّاً لمحمد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله منه ؛ فجُعل جوهرة وأُنزل إلى آدمعليه‌السلام ، وكان أنيسه، يحمله آدم على عاتقه لمّا جاء إلى مكّة المكرّمة.

ولا يخفى أنّ الميثاق هو الإقرار لله بالربوبية، وللنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة، ولعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) بالوصية.

بل أقول: إنّه نفس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( إنّي كنت أوّل مَنْ آمن بربّي، وأوّل مَنْ أجاب حين أخذ الله تعالى ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم، فقد نال الحجر ما نال ببركة الحسينعليه‌السلام )).

الواحدة والعشرون: إنّه أوجب لطوافه صلاة عند المقام، فقال:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) ؛ فتجب عند مقام الخليلعليه‌السلام ركعتان احتراماً للخليلعليه‌السلام وللبيت الحرام.

وقد صلّى الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين شكراً عند ولادة الحسينعليه‌السلام بعد المغرب، وصلّى كذلك عند ولادة الحسن المجتبىعليه‌السلام نافلة للمغرب، وسنّة إلى يوم القيامة.

فكان الناس كلّهم يصلّون هاتين الركعتين شكراً لوجودهما واحتراما لهماعليهما‌السلام .

وفي رواية معتبرة في الكافي بإسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (( لمّا عرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بالصلاة عشر ركعات ؛ ركعتين ركعتين، فلمّا ولد الحسن والحسينعليه‌السلام زاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبع ركعات شكراً لله، فأجاز الله له ذلك )).

الثانية والعشرون: إنّ الكعبة كانت مضيئة كضوء الشمس والقمر كما في رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

٢٣٥

(( حتى قتل أبناء آدم أحدهما صاحبه فاسودّت )).

وفي رواية: كان موضعها ياقوتة حمراء يبلغ ضوؤها موضع الأعلام فعلمت الأعلام على ضوئها فجعلها تعالى حرماً.

أقول: فإن كانت الكعبة مضيئة ونقص ضوؤها، فقد كان الحسينعليه‌السلام نورانياً يُضيء وجهه وجبينه، بل وجسده كالشمس، ولم يؤثّر عليه شيء في نقص ذلك النور الأزهر البهي ؛ فقد قال هلال بن نافع: كنت في عسكر عمر بن سعد، إذ صرخ صارخ أبشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين، فبرزت بين الصفين، وإنّه ليجود بنفسه فوالله، ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أنور وجهاً منه، ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، وكان يستسقي في ذلك الوقت ماء.

وإن كان قد أضاء نور الكعبة من نور الياقوتة فبلغ ضوؤها الأعلام، فقد أضاءت كربلاء من نور التجلّي في الشجرة المباركة ؛ فإنّها الوادي الأيمن، والبقعة المباركة التي رآى موسىعليه‌السلام فيها نوراً، فبلغ ضوؤها عنان السماء، وأقطار العالم.

وأيضاً فقد كان بدنهعليه‌السلام يُضيء بالليل كالشمس كما في رواية الأسدي، بل وحوله فتية تدمي نحورهم مثل المصابيح يملؤون الدجى نوراً وإشعاعاً.

الثالثة والعشرون: إنّ مكة المكرّمة أُمّ القرى والحسينعليه‌السلام أبو الأئمّة النجباءعليه‌السلام ، وقد عوّضه الله تعالى بذلك عن قتله في جملة ما أعطاه، كما في الروايات الكثيرة.

الرابعة والعشرون: إنّ الكعبة سيدة البيوت، والحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنّة، مع أنّهم شباب كلّهم.

وقد رويت هذه العبارة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله متواترة في أحاديث العامّة والخاصّة، حتّى إنّ عمر بن الخطاب قد رواها أيضاً عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الخامسة العشرون: إنّها تُجبى إليها ثمرات كلّ شيء، مع أنّها في واد غير ذي زرع ؛ ببركة دعاء إبراهيمعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام تُجبى إليه أعظم الثمرات، أعني ثمرات الجنّة كما ورد في روايات عديدة.

منها: ما رواه في البحار عن ابن شاذان، عن سلمان قال: أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّمت عليه ،

٢٣٦

ثمّ دخلت على فاطمةعليها‌السلام فقالت: (( يا أبا عبد الله، هذان الحسن والحسين جائعان يبكيان، فخذ بأيديهما واخرج بهما إلى جدّهما )).

فأخذت بأيديهما فحملتهما حتّى أتيت بهما إلى النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: (( ما لكما يا حسناي ؟ )) قالا: (( نشتهي طعاماً يا رسول الله )) فقال النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( اللّهمّ اطعمهما )) ثلاثاً.

قال: فنظرت فإذا بسفرجلة في يدهصلى‌الله‌عليه‌وآله شبيهة بقُلة من قلال هجر، أشدّ بياضاً من الثلج، ففركها بيده وصيّرها نصفين، ثمّ دفع إلى الحسنعليه‌السلام نصفاً وإلى الحسينعليه‌السلام نصفاً، فجعلت أنظر إلى النصفين في أيديهما وأنا أشتهيهما

قال: (( يا سلمان، لعلّك تشتهيهما ؟ )).

قلت: نعم.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( هذا من طعام الجنّة لا يأكله أحد حتّى ينجو من الحساب، وإنّك لعلى خير إن شاء الله )).

ومنها: حديث الرطب الذي اشتهاه الحسينعليه‌السلام فأُتي في طبق بلور مُغطّى بمنديل من السندس الأخضر، وهو حديث طويل مشهود ذكره في البحار وجلاء العيون.

ومنها: ما رواه في البحار عن الحسن البصري، وأُمّ سلمة من أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام دخلا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين يديه جبرئيلعليه‌السلام فجعلا يدوران حوله، يُشبّهانه بدحية الكلبي، فجعل جبرئيل يومئ بيده كالمتناول شيئاً فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة فناولهما، وتهلّلت وجوههما وسعيا إلى جدّهما فأخذ منهما وشمّهما.

ثمّ قال: (( سيرا إلى أُمّكما بما معكما، وبدؤكما بأبيكما أعجب )) فصارا كما أمرهما، فلم يأكلوا حتّى صار النبي (صلوات الله عليه وآله) إليهم، فأكلوا جميعاً، فلم يزل كلّما أُكل منه عاد إلى ما كان حتّى قُُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال الحسينعليه‌السلام : (( فلم يلحقه التغير والنقصان أيّام فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا توفيتعليها‌السلام فقدنا الرمانة ،

٢٣٧

فلمّا استشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام فقدنا السفرجلة، وبقي التفاح على هيئته للحسنعليه‌السلام ، وبقيت التفاحة إلى وقت الذي حوصرت فيه عن الماء، فكنت أشمّها إذا عطشت فيسكن لهيب عطشي، فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء )).

قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : (( سمعت أبي يقول ذلك قبل مقتله بساعة، فلمّا قضى نحبه وجِد ريحها في مصرعه، فاُلتِمسَت فلم ير لها أثر، فبقي ريحها بعد الحسينعليه‌السلام ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره، فمَنْ أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر ؛ فإنّه يجده إذا كان مخلصاً )).

السادسة والعشرون: إنّه من عظمة حرمة البيت أن جعل إسماعيل بن إبراهيمعليه‌السلام موكّلاً بكسوة البيت وزينته، فكانت العرب تهدي وأُمّه وامرأته تصلحان ذلك ثوباً وكان هو يكسو البيت، ثمّ كساه سليمان بن داوودعليه‌السلام ثمّ الملوك في كلّ زمان.

وقد عظمت حرمة الحسينعليه‌السلام في هذه المرتبة الخاصة ؛ إذ كان الله تعالى هو المُهدي، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المُكسي.

كما في رواية أُمّ سلمة قالت: رأيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُلبس الحسينعليه‌السلام ثوباً من ثياب الدنيا، فسألته، فقال: (( هذا هدية أهداها ربّي للحسين، وإنّ لحمته من زغب جناح جبرئيل )).

وحينما طلبعليه‌السلام جديداً للزينة ليلة العيد كان رضوان يهدي، وفاطمة تُلبسه وأخاه، كما في حديث مشهور ذكرته في بعض الفصول السابقة.

وفي حديث آخر أنّه طلب الثوب ليلة العيد فكان الله تعالى يهدي، وجبرئيل يصبغ بالحمرة في الطشت، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبسه، ثمّ يبكي جبرئيل.

وأخيراً: فقد طلب ثوباً، ولكن لم يجد جديداً ليتزيّن له، ولا في العيد، بل كان عتيقاً في عاشوراء ؛ كي لا يرغب فيه أحد.

وقد أتته به أُختهعليها‌السلام ، فكان يخرّقه ويلبسه، ثمّ صبغته دماؤه الطاهرة باللون الذي صبغ به جبرئيل ثوبه.

وكان تراب كربلاء يعفّره، والرماح والسيوف، مطروحاً بالعراء ،

٢٣٨

فرأته بعد ذلك أُختهعليها‌السلام فنادت: هذا حسين مرمل بالدماء.

السابعة والعشرون:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) حين أرادوا تخريب البيت،( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ) أتى بها من جهنم، وكانت كلّ واحدة بقدر عدسة، تصيب أدمغتهم فتخرج من أدبارهم،( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) .

وقد أراد أصحاب الكلب والخنزير تخريب بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل الحسينعليه‌السلام ، فإن كان الله تعالى قد أمهلهم قليلاً لمصالح عديدة، فقد جعل بعد ذلك كيدهم في تضليل، فأرسل عليهم في الدنيا مَنْ يتتبعهم ويقتلهم أشدّ قتلة، ويُمثّل بهم أعظم مثلة.

فأحرق المختار بالنار كثيرا منهم فأصبحوا كعصف مأكول، وحرّق أجسادهم كما صنع بجسد ابن زياد، وأحرقهم بالزيت أيضاً، وبنار العطش كما في حكاية أخنس بن زيد.

وروي عن حاجب ابن زياد أنّه كان يشتعل وجهه في بعض الأوقات فيطفئه، وروي أنّ يزيد بات سكران فأصبح ميّتاً كأنّه مُطلى بالقار، بل واحترق كلّ ما نهبوه فصار كلحم الإبل والورس(١) والزعفران، فلتلاحظ تفاصيل ذلك إن شاء الله تعالى، وإنّ جميع ما سبق ذكره قد جاء في الروايات وكتب الحديث.

الثامنة والعشرون: إنّ النظر إلى الكعبة المكرّمة ممّن عرف حقّ الأئمّةعليهم‌السلام يوجب مغفرة الذنوب كلّها، وكفاية همّ الدنيا والآخرة.

وكذلك النظر إلى الحسين (صلوات الله عليه) من أعظم العبادات ؛ فإنّ النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينظر إلى الحسينعليه‌السلام متعمداً، بل كان في بعض الأوقات إذا جاع يقول: (( أذهب فأنظر إلى الحسن والحسينعليهما‌السلام فيذهب ما بي من الجوع )) وكذلك كان.

وكان لمجرد النظر إليه في غلبة البكاء والرقّة، وكذلك النظر إلى قبره الشريف عبادة، ويوجب غلبة الرقّة ،

____________________

(١) والورس: هو نبات أصغر، يزرع باليمن ويتخذ للصبغ.

٢٣٩

فيرحمه مَنْ نظر إلى قبر ابنه عند رجليه كما ورد كلّ ذلك في الرواية.

التاسعة والعشرون: إنّه قد ورد في الحج أنّه يُحسب له بكلّ درهم أنفقه ألف، وقد سأل ابن سنان الصادقعليه‌السلام : أنّه يُحسب كلّ درهم في الحج بألف درهم، فكم يُحسب لمَنْ يُنفق في المسير إلى قبر أبيك الحسينعليه‌السلام ؟

فقال: (( يابن سنان، يُحسب له بالدرهم ألف ألف ـ حتّى عدّ عشراً ـ، ويُرفع له من الدرجات مثلها، ورضا الله تعالى خير )).

الثلاثون: إنّ الله تعالى خلق مكة حرماً قبل دحو الأرض، ولكن قد ورد في كربلاء عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) أنّه قال: (( اتّخذ الله تعالى كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وأنّه حين زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رُفعت كما هي بتربتها نورانية صافية، فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة، وأفضل مسكن في الجنّة، لا يسكنها إلاّ النبيّون والمرسلون ـ أو قال: اُولوا العزم من الرسل ـ وإنّها لتزهر بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدرّي بين الكواكب لأهل الأرض، يغشى نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدّسة الطيّبة المباركة التي تضمّنت سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة )).

الواحدة والثلاثون: إنّ مكة المكرّمة قد تكلّمت وتفاخرت بكرامة الله تعالى لها، فقالت: مَنْ مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كلّ فجّ عميق ؟

ولكربلاء فضل على مكة ؛ فإنّ مكة لمّا تفاخرت أوحى الله تعالى إليها: (( أن كفّي وقرّي، ما فُضّلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غُمست في البحر فحملت ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمّه أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت ؛ فقرّي واستقري، وكوني أرضاً متواضعة ذليلة مهينة، غير مستنكفة ولا مستكبرة لأرض كربلاء ،

٢٤٠