الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم0%

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 289

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ جعفر التستري
تصنيف: الصفحات: 289
المشاهدات: 39311
تحميل: 7822

توضيحات:

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 289 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39311 / تحميل: 7822
الحجم الحجم الحجم
الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك ؟

فقالعليه‌السلام : (( لا سبيل لهم عليّ، ولا يأتوني بكريهة أو أصل بقعتي )).

الثاني: في مكة، كما عن الواقدي وزرارة بن صالح، قالا: لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السّماء ففتحت أبواب السّماء، ونزل من الملائكة عدد لا يحصيهم إلاّ الله تعالى.

فقالعليه‌السلام : (( لولا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي، ولا ينجو منهم إلاّ ولدي علي )).

الثالث: في كربلاء، فإنّه لمّا ضاق الأمر أتوه، ورفرف النصر على رأسهعليه‌السلام ، فخُيّر بين النصر ولقاء الله تعالى، فاختار لقاء الله تعالى.

الصنف الثالث: المشتغلون بخدماته والأمور المتعلّقة به عند قبره الطاهر، ولهم أعمال ومشاغل مختلفة، وهم في ذلك فرق عديدة :

الفرقة الأولى: المجاورون لقبره الشريف شُعثاً غُبراً، الذين شغلهم البكاء عليه، فهم يبكونه الليل والنهار لا يفترون، وهم أربعة آلاف.

الفرقة الثانية: المنادون على قبره كلّ صباح: يا باغي الخير أقبل إلى خالصة الله، ترحل بالكرامة، وتأمن الندامة، فتنعطف عليه الملائكة.

الفرقة الرابعة: المنادون لزائره إذا انقلب من عنده: طوبى لك أيّها العبد، قد غنمت وسلمت، وقد غُفر لك فاستأنف العمل.

الفرقة الخامسة: زوّاره وبُكاته الذين يأتون إليه ويبقون عنده ثمّ يصعدون، وهم أيضاً أربعة آلاف في كلّ يوم غير السابقين لهم.

الفرقة السادسة: المصلّون عليه وهم مئة ألف ملك من كلّ سماء في كلّ يوم وليلة.

الفرقة السابعة: الذين شغلهم الاستغفار لزوّاره.

٢٦١

الفرقة الثامنة: المصافحون لملائكة الحائر، وهم ملائكة الليل والنهار من الحفظة، يحضر ملائكة الحائر فيصافحونهم ثمّ يصعدون.

الفرقة التاسعة: المبلّغ لسلام البعيد إليه، وهو فطرس قد خصّه الله تعالى بذلك من يوم عاذ بمهده.

الفرقة العاشرة: المصلّون على زوّاره.

الفرقة الحادية عشر: الموسمة لزوّاره بميسم نور الله تعالى هذا زائر قبر خير الشهداء، فيُعرفون يوم القيامة بهذا النور، فيأخذ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وجبرئيلعليه‌السلام بأعضادهم.

الفرقة الثانية عشر: الآخذون بدموع الباكين عليهعليه‌السلام ؛ ففي الحديث إنّ الملائكة يتلقون الدموع المصبوبة فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبته.

الفرقة الثالثة عشر: القائمون المرتعدة مفاصلهم إلى يوم القيامة فزعاً من مرور الحسينعليه‌السلام ، وهم في كلّ سماء سبعون ألفاً على ما في حديث أبي ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه).

الفرقة الرابعة عشر: الأنصار له في رجعته، وهم الذين استأذنوا الله تعالى في نصرته لمّا اشتدّ الأمر عليه فأذن لهم، فمكثوا يستعدون ويتأهّبون، فلمّا نزلوا رأوه قتيلاً، فقالت الملائكة: يا ربّ، أذنت لنا في الانحدار ونصرته فاعذرنا وقد قبضته.

فأوحى الله تعالى إليهم: (( ألزموا قبّته حتّى توارونه، وإذا خرج فانصروه، وابكوا عليه على ما فاتكم من نصرته)) فمكثوا هناك يبكون، فإذا خرج كانوا من أنصاره.

أقول: إذا بكى أحد من شيعته فالبكاء نصرة له ؛ لذا أرجو أن يكون الباكي من هذه الملائكة.

الفرقة الخامسة عشر: الذين يبلّغون السّلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الزائر له، كما في الرواية.

الفرقة السادسة عشر: ما في رواية عقبة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: (( وكّل الله تعالى بقبر الحسينعليه‌السلام سبعين ألف ملك يعبدون

٢٦٢

الله عنده ؛ الصلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين، يكون ثواب صلاتهم لزوّار الإمام الحسينعليه‌السلام )).

الفرقة السابعة عشر: الذين يشيّعون زوّاره بأمر من الله تعالى، ثمّ يقولون: ربّنا هذا عبدك قد وصل داره، فيؤمرون بأن يكونوا عند باب داره يعبدون الله عنه، فيفعلون ذلك حتّى إذا مات ذلك الزائر يقولون: ربّنا إنّ عبدك قد مات، فيوحي الله تعالى إليهم أن زوروا الحسينعليه‌السلام عنه إلى يوم القيامة.

الفرقة الثامنة عشر: الذين يبقون بعد وفاة الزائر مجاورين لقبره الشريف يستغفرون له إلى يوم القيامة.

الفرقة التاسعة عشر: الحافّون حول حرمه المبارك، وهم كلّ يوم ألف ملك إلى يوم القيامة.

الفرقة العشرون: الضاجّون إلى الله تعالى في أمره، وهم جميع الملائكة دفعة بضجيج واحد ؛ وذلك لمّا وقع (صلوات الله تعالى عليه) وكان طريحاً، ثمّ قُطع رأسه الشريف ؛ فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (( إنّه لمّا ضجّت الملائكة كلّهم ضجّة واحدة بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا، هذا الحسين صفّيك وابن نبيك وخيرتك من خلقك فأوحى الله إليهم: قرّوا ملائكتي ؛ فوعزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين ثمّ كشف الله تعالى عن الأئمة من وُلد الحسينعليه‌السلام ، فأقام الله لهم ظل القائم عُجّل فرجه وصلوات الله عليه، وهو قائم يصلي، فقال الله لذلك القائم: انتقم منهم )).

الفرقة الحادية والعشرون: الذين حملوا تربته المباركة بعد قتله إلى السماوات، وذلك إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس نزل على البحر، ونشر أجنحته على كلّ البحار، ثمّ صاح يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن ؛ فإنّ فرخ الرسول مذبوح، ثمّ حمل من تربته على أجنحته إلى السماوات، فلم يبقى ملك إلاّ شمّها وصار عنده منها أثر.

الفرقة الثانية والعشرون: الملائكة الذين نزلوا لتجهيزه وغسله وحنوطه وتكفينه، على ما سنذكره في عنوان إقامة التجهيز لهعليه‌السلام إن شاء الله تعالى.

المطلب الثاني: فيما اتّصف بهعليه‌السلام من صفات الملائكة

وليس المقصود

٢٦٣

إنّه اتّصف بصفة واحدة منهم، فإنّ ذلك ليس بفضيلة بالنسبة إليهعليه‌السلام ، بل إنّ المراد أنّك إذا لاحظت مجموع الملائكة الذين هم أكثر من جميع المخلوقات، ولاحظت مجموع عباداتهم بأنحائها المختلفة التي لا تُحصى، من أوّل خلقهم إلى أبد الدهر، تجد أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد جمع أعمال ملائكة الله تعالى في يوم واحد.

فاستمع لبعض صفات الملائكة كما بيّنها الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في بيان أصناف الملائكة: (( منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافّون لا يتزايلون، ومسبّحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم )).

فأقول: إذا لاحظت السيد المظلوم، الإمام الغريب الشهيد، وجدته عابداً بعبادة جميع الملائكة الذين لكلّ منهم مقام معلوم، ونوع واحد من العبادة، فجمعهاعليه‌السلام كلّها.

فقد سجد لله تعالى سجوداً لم ينتصب منه، وركع لله تعالى ركوعاً بقي على هيئته لا يتزايل، وقام في ليلة عاشوراء يعبد ربّه تعالى لا يغشاه نوم العيون، ولا سهو العقول، وأتعب نفسه يوم عاشوراء بمتاعب أعمال وأفعال، وذهاب وإياب، وحرب وضرب، وكرّ وحملات، ونداءات وإغاثات واستغاثات، بالإضافة على إلقاء الحجّة للقوم، ولم يعرضهعليه‌السلام في ذلك فترة الأبدان، كأنّ هذا البدن ليس من عالم هذه الأجسام.

وإذا لاحظتهعليه‌السلام وأصحابه ـ من وصفهم في طاعته على ما ذكرناه في إشارة سورة الصافات ـ علمت أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه هم الصافّون لا يتزايلون.

وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في بيان صفات الملائكة أيضاً: (( قَدْ ذَاقُوا حَلاوَةَ مَعْرِفَتِهِ، وَشَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ

٢٦٤

خِيفَتِهِ ؛ فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ، وَلَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ، وَلا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ، وَلَمْ يَتَوَلَّهُمُ الإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَلا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الإِجْلالِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ، وَلَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ، وَلَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ، وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلاتُ أَلْسِنَتِهِمْ، وَلا مَلَكَتْهُمُ الأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ، وَلَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ.

وَلا تَعْدُو عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلادَةُ الْغَفَلاتِ )) إلخ.

أقول: إذا نظرت بعين الحقيقة وجدت أنّ حلاوة المعرفة هي التي ذاقها الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكأس المحبّة هي التي شربها إمامنا الحسين (صلوات الله تعالى عليه).

فقد ذاقعليه‌السلام حلاوة معرفة لم يجد معها مرارة ما اجتمع عليه من جميع مرارات الدنيا ؛ قلباً وروحاً وجسداً، ظاهراً وباطناً، فقالعليه‌السلام : (( قد طاب لي الموت )).

وقد شرب كأساً روية من محبّته، فلم يؤثّر في حبّة قلبه الطاهر العطش المؤثّر في شفتيه حتّى يبّسهما، وفي لسانه حتّى حصل اللوك فيه فتجرّح من كثرة اللوك، وفي كبده حتّى تفتّت، وفي عينيه حتّى حال بينه وبين السماء كالدخان، فكانعليه‌السلام بيد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله معدّاً له، على ما خابره به ولده علي الأكبرعليه‌السلام ، كان من نوع ماء هذا الكأس الروية، أو جمعاً للماء الظاهري والباطني.

وإذا تأمّلت بعين البصيرة قولهعليه‌السلام في صفة الملائكة: (( فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ ))، لعلمت أفراده وأحقّ مصاديقه الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه الذي قد حنا بطاعة في ضمن ساعة اعتدال ظهره، وهو الذي حنى قامته بتحمّل سهم مثلث مسموم نفذ من قلبه وأخرجه من ظهره حتّى خرج الدم المبارك الطاهر منه كالميزاب، وأضاف إلى حنو ظهره في طاعته فصل أوصاله وتقطّعها جميعاً.

وإذا تدبّرت حقّ التدبر وجدت

٢٦٥

أنّ أعظم مصاديق قولهعليه‌السلام : (( ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم )) هو الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّ معناه أنّهم لا يُلاحظون حصول مطلبهم لتقطع مادة تضرّعهم كسائر أهل المطالب، وإنّما يريدون التضرّع ويحبّونه لنفسه ماداموا أحياء. وللحسينعليه‌السلام خصوصية في هذه الصفة الخاصة فاقت الملائكة، وهي أنّه لم يُرِد انقطاع تضرّعه مادام حياً، بل قد تحمّل لله تعالى حصول المصائب حتّى بعد وفاته بجسده بأنواع المصائب، وبرأسه بأنواعها، وبقبره بأنواعها، وقد نوى ذلك في حياته. فلاحظ الرضّ لجسده، وقطع يديه منه بعد وفاته، والقرع على شفتيه ولسانه، والإدارة برأسه في البلدان، وجعل كلّ ذلك من عباداته كما يظهر من كلماته، وهذه ذرّة في المقام من المقال، وبقي الباقي في الخيال، والله المتعال.

المطلب الثالث: فيما أُعطي الملائكة منه (صلوات الله تعالى عليه)

وهي أمور: الأوّل: إنّه جُعل شفيع مَنْ أذنب منهم، فشفّعه في فطرس ودردائيل. الثاني: إنّه جعل قبره معراجاً لهم، كما في الرواية. الثالث: إنّه جُعل منبع فيض لهم، ينالون بخدماته ما لا ينالونه في تسبيحهم وتقديسهم. ولذا قال لهم تبارك وتعالى:( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) لمّا قالوا:( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ، فكان حصول الفيض لهم ـ أيضاً ـ ممّا خفي عنهم ثمّ علموه بعد ذلك. ثمّ إنّه سبحانه وتعالى قد جعل لهم أسباباً لعلوّ درجتهم ممّا يتعلّق بالإمام الحسينعليه‌السلام بطرق مختلفة بالنسبة إلى البكاء عليهعليه‌السلام وزيارته وزوّاره ومزاره، كما عُلم من تفاصيل ما أعطاه للملائكة. وأخيراً: توجد هناك ملاحظة لا بدّ من تبيانها، وهو أن لا ننسى بعد ما تقدّم أنّ هناك حديثاً ما مضمونه: إنّ الإنسان بإمكانه أن يكون أفضل من الملائكة، أو أن يكون دون البهائم ؛ وهو لأنّه يمتلك عقلاً وشهوة والملائكة لا يمتلكون الشهوة إنّما خُلقوا من النور، والحيوانات تمتلك الشهوة فقط، فإذا غلبت الشهوة على عقل الإنسان فإنّه دون البهائم، والبهائم تمتاز عليه، فإذا غلب عقل الإنسان على شهوته فإنّه أفضل من الملائكة ؛ حيث الملائكة في طاعة الله تعالى ولا شهوة لها، فكيف بمَنْ هم معصومون مطهّرون بنصّ من القرآن المجيد والسنّة النبويّة، وصلّى الله على محمد المصطفى وآله الأطهار.

انتهى العنوان التاسع

العنوان العاشر

في خصائصه ممّا يتعلّق بأنبياء الله تعالى العظام

وفيه مقاصد :

الأوّل: فيما أعطاه من صفاتهم.

الثاني: فيما أعطاهم منهم عموماً.

الثالث: فيما خصّه من فضائلهم الخاصة وابتلاءاتهم المخصوصة، وفي هذا المقصد أبواب.

الرابع: فيما أعطاهم من الحسينعليه‌السلام .

٢٦٦

المقصد الأوّل: فيما أعطاه من صفاتهم

من صفاتهم في الروايات أنّ الله تعالى قد خصّ أنبياءه بإثتني عشرة صفة، وقد ذكرنا في صفات الحسينعليه‌السلام أنّها ثابتة له على أكمل وجه.

ومن جملة صفات الأنبياء أنّ الله قد ابتلى عباده، بأن جعلهم ضعفاء فيما يرون من حالات ابتلاءاتهم، ولم يجعل معهم أوضاعاً دنيوية، وقد اجتمعت جميع حالات ابتلاءاتهم في وقوف الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء بتلك الحالات، وقد تقابل هذا الابتلاء للناس باجتماع حالات في الحسينعليه‌السلام يتبيّن فيها حقيقة الإخلاص لله تعالى، وأنّه لا يشوبه شائبة من غير الله تعالى ؛ ولذا اتّصف أتباعه بأنّهم سادات الشهداء، وأولياء الله وأصفياؤه وأودّاؤه.

ومن جملة خصائص الأنبياء أنّه ما عاش أي منهم إلاّ وقد ابتُلي بفقر أو جوع، أو عطش أو عُري، أو ضرب أو قتل، أو أذى أو استخفاف، وقد ابتُلي كلّ واحد بواحدة من هذه الصفات ؛ ففيهم مَنْ مات جوعاً، وفيهم مَنْ مات عطشاً.

وقد اجتمعت جميع هذه الصفات في الحسينعليه‌السلام ولم تجتمع في غيره، ولو اجتمع في بعضهم أكثرها فقد سلم من بعضها الآخر، وقد اختص الحسينعليه‌السلام بأنّه لم تكن له صفة سلامة من بلاء أبداً.

ومن صفات الأنبياء جميعهم أنّه لم يُستشمّ من أبدانهم رائحة السفرجل كما في الحديث، والحسينعليه‌السلام كانت رائحته التفاح ؛ لحديث التفاحة التي كانت معه إلى أوان شهادته، وإلى الآن تستشمّ من قبره المبارك رائحة التفاح، يجدها المخلص من شيعته، خصوصاً وقت السحر، كما في الرواية.

المقصد الثاني: فيما أعطاه منهم عموماً

وهو من وجوه :

الأوّل: إنّهم زاروا مدفنه، ففي الحديث أنّه ما من نبي إلاّ وقد زار كربلاء، ومَنْ لم يذهب هناك فقد أُسري به إليه، كما قال النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( أُسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يُقال له: كربلاء، فاُريت فيه مصرع الحسين بن علي )).

الثاني: إنّ لهم في جميع الدهر أوقاتاً مخصوصة، يزورونه جميعهم إلى يوم القيامة، منها ليلة القدر، ومنها ليلة النصف من شعبان.

المقصد الثالث: فيما خصّه به من فضائل الأنبياء، وابتلاءاتهم واحداً واحداً

وفيه أبواب :

٢٦٧

اعلم أنّه قد خوطب في زيارتهعليه‌السلام بكونه وارثاً لبعض الأنبياء مع ذكر أسمائهم، وزيارة الوارث مشهورة، وقد ورد في بعض زيارته، السّلام على الأنبياء بأسمائهم، وصفاتهم الممتازة.

فإذا شرعنا في تفصيل هذا العنوان، فسنذكر في بعضهم وجوه الإرث وكيفيته، ونذكر في بعض عنوان السّلام على ذلك النبي الخاص، ونبيّن أنّه يمكن أن يُراد بهذا الاسم ذلك النبي، ويمكن أن يُقصد به الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه لكثرة مناسبته له صار كأنّه ثانٍ له، ويُسمّى باسمه.

مثلاً: إذا سلّمنا على أيوب الصابر، يمكن أن يُراد به النبي المعهود أيوبعليه‌السلام ، ويمكن أن يُراد به الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه أيوب صابر أيضاً بلا شك.

وإذا سلّمت على يحيى المظلومعليه‌السلام ، فيمكن أن تقصده بنفسه، ويمكن أن تقصد الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه يحيى مظلوم أيضاً، وهكذا فنقول.

إرث الإمام الحسين من النبي آدمعليهما‌السلام

آدمعليه‌السلام سجد له الملائكة كلّهم أجمعون، يعني أنّه كان قبلتهم، والحسينعليه‌السلام صلّت عليه الملائكة، وطافت حول قبره، وقبره معراجهم.

آدمعليه‌السلام : أسكنه الله تعالى الجنّة، والحسينعليه‌السلام خلق من نوره الجنة والحور العين.

آدمعليه‌السلام تزين بلباس الجنّة، والحسينعليه‌السلام زينة الجنّة.

آدمعليه‌السلام قد اجتباه الله تعالى، والحسينعليه‌السلام قد اصطفاه الله تعالى.

آدمعليه‌السلام ابتُلي بقتل ولده هابيل، فرأى منه دماً قد شربته الأرض، والحسينعليه‌السلام مبتلى بتقطيع ولده الأكبر إرباً إرباً، وابنه الرضيع وهو بين يديه المباركة محمولاً، وغيرها من الفجائع العظام.

آدمعليه‌السلام ابتُلي عن أكل شجرة فنسي ولم يُرَ له عزم، والحسينعليه‌السلام ابتُلي بالنهي عن كلّ علاقة ومأكل ومشرب، ولم ينس ووُجد له عزم لم يوجد في غيره.

آدمعليه‌السلام صفوة الله تعالى من خليقته في الصور ؛ فإنّ بني آدم صفوة، والحسينعليه‌السلام صفوة هذه الصفوة في عالم المعاني ؛ فإنّه من الصفوة والصفوة منه.

آدمعليه‌السلام افتخر عليه الشيطان بقوله: أنا خير منه لمّا رأى خلقه من الطين اللين المنخفض الساكن، والحسينعليه‌السلام افتخر عليه يزيد (لعنه الله تعالى) لمّا رأى نفسه على كرسي المُلك ورأى

٢٦٨

أتباعه متزينين بألوان من اللباس، ورأي عياله في القصور وراء الستور يرفلون في الذهب والحرير، وعيال الحسينعليه‌السلام في المجلس بلباس مقطّع خلق مقرّنون في الحبال.

وافتخر (لعنه الله تعالى) أيضاً لمّا رأى ولديه خالداً ومعاوية جالسين حوله في أحسن زينة وبهاء مع الأسلحة والجواهر، ورأى ولدي الحسينعليه‌السلام علي الأكبر وعلي زين العابدينعليهما‌السلام قدّامه، أحدهما رأس بلا جثة، والآخر مغلول مريض.

ورأى نفسه والتاج على رأسه وهو على السرير، والإمام الحسينعليه‌السلام في مجلسه وهو رأس بلا جثة موضوعاً على الأرض قدّامه رؤوس إخوته وأصحابه، والمجلس غاص بأعداء الحسينعليه‌السلام ومشايخ بني أُميّة على الكراسي، فأقبل في مثل هذه الحالة على أهل مجلسه وأخذ يشمت به ويذمّه ويفتخر عليه، فقال وهو يشير إلى الرأس الشريف المبارك: إنّ هذا كان يفتخر عليّ، ويقول: أبي خير من أبي يزيد، وأُمّي خير من أُمّه، وجدّي خير من جدّه، وأنا خير منه فهذا الذي قتلته.

وأمّا قوله: أبي خير من أبي يزيد فلقد حاجّ أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه وأمّا قوله: أُمّي خير من أُمّ يزيد، فلعمري لقد صدق فإنّ فاطمة بنت رسول الله خير من أُمّي وأمّا قوله: جدّي خير من جدّه فليس لأحد يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر أن يقول بأنّه خير من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا قوله: بأنّه خير فلعله لم يقرأ هذه الآية( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ) فتأمّل يا صاحب الغيرة في قوله هذا وكيف أراد إذلاله في تلك الحالة.

فعزّوه يا شيعة، يا أرباب الهمّة والحميّة، والغيرة والمروّة ؛ فقد أحرق القلب قوله المقصود به التحقير، نقول: هذا زينة السماوات والأرض، هذا زينة عرش الله تعالى، هذا عزيز الله تعالى وعزيز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعزيز أولياء الله تعالى، هذا الذي صعد به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر وقال: (( هذا الحسين بن علي فاعرفوه )) هذا عزيز الزهراءعليها‌السلام ، لكنّ القائل إنّما يقول هذا الكلام هنا لا هناك.

نعم، قد قاله شخص هناك، فقال الحبر اليهودي ما قال، وقال رسول الروم ما قال، وقالت زينب الكبرى (سلام الله عليها) ما قالت، وتفصيله في محلّه إن شاء الله تعالى.

٢٦٩

ثمّ انظر إلى تطابق عمل إبليس ويزيد في أنّ إبليس لاحظ تواضع الطين ولينه وذلّته الظاهرية، وحدّة النار وحرارتها واستعلائها وإحراقها ؛ فتخيّل فضله عليه، ولم يلحظ ما في الطين من كونه منبت الزهور والورود، والرياحين والحبوب، والثمار والأشجار، ومعدن كلّ الفلزات وأنواع الجواهر، وخازن الماء الذي به قوام الحياة وغير ذلك.

ويزيد أيضاً رأى نفسه جالساً على السرير ورأس الحسينعليه‌السلام مقطوعاً موضوعاً على الطشت قد خمدت أنفاسه وسكنت حركاته، ورأى أتباعه مزينين بأنواع الزينة والألبسة الفاخرة، مسلّحين بكامل أسلحتهم، واقفين لخدمته، فتخيّل فضله عليه، واحتج بذلك على أنّ الله تعالى قد آتاه الملك، وأنّه قد أعزّه بذلك، وأنّه قد أذلّ الحسينعليه‌السلام .

ولذا قرأ هذا الآية ولم يلتفت اللعين إلى أنّه بهذه الحالة هو الذليل، وأنّ الحسينعليه‌السلام بهذه الحالة هو العزيز، وأنّ الله تعالى قد أتى الملك للحسينعليه‌السلام بحالته هذه، ونزع الملك من يزيد بفعله ما فعل ؛ ولذا أجاز سبّه كلّ المخالفين الذين لا يجوّزون سبّ أيّ واحد من الخلفاء.

وقد ملك الحسينعليه‌السلام قلوب أهل الدنيا كلّهم بما جرى عليه، فترى قلوب الكفّار منكسرة عليه، وراغبة إليه، فإذا أردت أن تعرف مصداق( وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ) فانظر إلى قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام واحترامه، وزيادة زينته وأوضاعه وعمارته في كلّ يوم، من يوم قتله وإلى أبد الدهر.

وانظر إلى قبر يزيد في الشام من يوم قُبر فيه وإلى الآن، فكلّ مَنْ يمرّ عليه لا بدّ أن يرجمه بالحجارة، وكلّ مَنْ يريد المرور عليه يحمل الحجارة من بعيد يفعل ذلك الشيعة والسنّة واليهود والنصارى، وقد جُرّب أنّ كلّ مَنْ لم يضربه بحجر لم تقض حاجته وقد صار تلاً عظيماً من أحجار الرجم.

وقد نبّهته على بطلان تخيّله هذا زينب بنت علي بن أبي طالبعليهما‌السلام في كلامها معه، وكلامها عجيب قد ذكر له المؤلّف عنواناً مستقلاً في كتابه هذا وهو الخصائص الحسينيّة.

٢٧٠

آدمعليه‌السلام ابتلي بمفارقة الجنّة بغتة ودفعة لا تدريجاً، فخرج من ذلك الأُنس ورياض القدس إلى أرض المقبرة معدن الآفات والشرور والسباع والمؤذيات فقال :

تغيّرتِ البلادُ ومَنْ عليها

فوجهُ الأرضِ مغبرٌّ قبيحُ

تغيّر كلّ ذي طعمٍ ولونٍ

وقلّ بشاشةُ الوجـهِ المليح !

الحسينعليه‌السلام : قد ابتلي بمثل ذلك، فخرج دفعة واحدة من جنة اجتماع الأحباب والأولاد والإخوان، ففي الرواية أنّه لمّا لم يبقَ أحد خرج غلام من الأبنية وفي أُذنيه درّتان، وهو مذعور يلتفّت يميناً وشمالاً، فجاء هانئ بن ثبيت فضربه بالسيف فقتله، ولم يبقَ أحد يستأنس به ؛ لذا قال لأُخته: (( آتيني بولدي )) فأتته به وجرى ما جرى.

ولمّا لم يبقَ حتّى هذا الولد أيضاً، لم يجد أحداً يتكلّم معه إلاّ النساء فيناديهنّ، ولمّا خرج من عندهنّ ومشى وحده، ورأى البلاد مغبرة لا أحد معه وحيداً فريداً أنشأ كما أنشأ آدمعليهما‌السلام وأنشد كما أنشد، ودعا ربّه تعالى كما دعا آدمعليه‌السلام عند فراق الجنّة.

آدمعليه‌السلام بكى كثيراً فروي أنّه بكى ٢٠٠ سنة، والحسينعليه‌السلام بكى في يوم واحد، وهو يوم عاشوراء في مواضع خاصة، ولكنّ بكاءه لا يُقاس ببكاء آدم ؛ فإنّ بكاء آدم بكاء فراق لأجل نفسه، وبكاؤهعليه‌السلام بكاء رقّة وترحّم على حال مَنْ كان يبكي عليه، لا لأجل نفسه.

بكاء آدمعليه‌السلام كثير طويل، جرت الأنهار من دموعه، وبكاء الحسينعليه‌السلام كان قصيراً لكن بالدم من ينبوع قلبه.

بكاء آدمعليه‌السلام كان مقروناً بالتسلية، وبكاء الحسينعليه‌السلام كان مجرواً عنها.

بكاء آدمعليه‌السلام لولد واحد قتيل، وبكاء الحسينعليه‌السلام لإخوته وأولاده وبني أعمامه وأصحابه وأهل بيته وعياله وأطفاله، وضياع الإسلام وجهل أُمّة جدّه المصطفى (صلوات الله تعالى عليه وآله).

آدمعليه‌السلام قد ابتُلي بتحصيل القوت لزوجته ولنفسه بما لم يبتلِ به أحد، إذ لم يكن في الأرض من أسباب تحصيله شيء، فكان يجهد في تحصيل علم أسبابه وعملها بلا معاون من أبناء جنسه، وهذا شيء متعسّر نهاية العسر، ولولا تأييد من قبل الله تعالى لكان متعذراً، والحسينعليه‌السلام ابتُلي بتحصيل أسباب الماء لدفع

٢٧١

عطش عياله وأطفاله لمّا منعوهم الماء المبذول الجاري الموجود، فتعب في ذلك أشدّ التعب، وتحمّل أنواع المشقّة البدنية والنفسية، فتارة يعظهم بنفسه، وتارة بغيره، وتارة بإرسال مَنْ يطلب الماء منهم، وتارة بالإرسال ستراً ليلاً، وتارة بحفر الماء، وتارة بالاستسقاء لعياله النساء فقط، وتارة بالاستسقاء لطفله فقط، وتارة بإراءته إيّاهم وهو يتلظّى عطشاً، وتارة باستسقائه لنفسه وهو محتضر يجود بنفسه.

آدمعليه‌السلام قد حصل بعد التعب على الطعام، والحسينعليه‌السلام مع هذه المتاعب والصعاب قُتل عطشان (أرواح العالمين له الفداء).

آدمعليه‌السلام ابتُلي بأن قتل قابيل هابيل ودفنه ولم يرَ دمه ؛ لأن الأرض شربت دمه، والحسينعليه‌السلام رأى علياً إرباً إرباً غير مدفون ولا مكفّن ؛ فهدمت قواه.

آدمعليه‌السلام بكى على هابيل أربعين يوماً وليلة فأوحى الله تعالى إليه أخلفك عنه هبة الله فولد له، والحسينعليه‌السلام بكى على ولده نصف ساعة إلاّ إنّها تعدل أربعين سنة في هدم قواه، ثمّ أُصيب بعد ذلك بعلي آخر ثمّ فارق بعد ذلك علياً آخر.

إرث الإمام الحسينعليه‌السلام من نبي الله إدريسعليهما‌السلام

إدريسعليه‌السلام رفعه الله تعالى مكاناً عليّاً بين السماء الخامسة والرابعة، والحسينعليه‌السلام رُفع جسده مكاناً عليّاً، وروحه مكاناً عليّاً، ودمه مكاناً عليّاً، ومثاله مكاناً عليّاً، وتربته مكاناً عليّاً ولكلّ له تفصيل في كتابه هذا الخصائص الحسينيّة.

إدريسعليه‌السلام شفع في ملك واحد، والحسينعليه‌السلام شفع في ملكين فطرس ودردائيل.

إدريسعليه‌السلام قد ابتُلي بالفرار من السلطان، وتفرّق الأعوان، وجوعه ثلاثة أيام، والحسينعليه‌السلام قد امتُحن بالفرار ؛ لكي لا يُقتل في الحرم احتراماً له، وامتُحن بالقتال أيضاً، وابتُلي بالعطش ثلاثة أيام حتّى ندبته أُختهعليهما‌السلام : بأبي العطشان حتّى مضى.

باب نبي الله تعالى نوحعليه‌السلام

نوحعليه‌السلام شيخ امرسلين، والحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنّة أجمعين.

نوحعليه‌السلام شرّف الله تعالى بيته وهو مسجد الكوفة

٢٧٢

والحسينعليه‌السلام شرّف الله تعالى مدفنه على مسجد الكوفة من جهات.

نوحعليه‌السلام قال الله تعالى فيه: ( سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) ؛ فإنّ نجاة الناس من الطوفان بسببه، والحسينعليه‌السلام سلام على الحسين في العالمين ؛ فإنّ نجاة الناس من النيران بسببه.

نوحعليه‌السلام صاحب السفينة الجارية على أمواج الماء، والحسينعليه‌السلام صاحب السفينة الناجية الجارية التي مَنْ ركبها نجا من طبقات النار.

نوحعليه‌السلام لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، فكانوا يضربونه حتّى يُغمى عليه ثلاثة أيام، ويجري الدم من أُذنه، والحسينعليه‌السلام لبث في قومه نصف نهار يدعوهم، فضربوه في نصف النهار حتّى بقي ثلاثة أيام مطروحاً بلا رأس، يسيل الدم من جميع أعضائه، وكان ضربه في ساعة أكثر من ضرب ألف سنة إلاّ خمسين عاماً.

باب إبراهيمعليه‌السلام

إبراهيمعليه‌السلام إذا قلت السّلام على إبراهيم خليل الله تعالى، فإذا شئت قصدت الخليل الذي قرّب نفسه لله تعالى وعرضها لنار علوها فرسخ، ولم يقبل إعانة الملائكة، ولم يدعو ربّه تعالى أيضاً للخلاص منها، وقال حسبي من سؤالي علمه بحالي، وإن شئت قصدت الخليل، أي الحسينعليه‌السلام الذي قرّب نفسه وعرضها لفراسخ من السيوف والرماح، ولم يقبل إعانة الملائكة فجعل النار على أُمّة كثيرة برداً وسلاماً.

وإن شئت قصدت الخليل الذي قرّب ولده إسماعيل وتلّه للجبين، أو قصدت الحسين الخليلعليه‌السلام الذي قرّب ولده علي الأكبر وتلّه مقطّع الأعضاء على الأرض، وباقي أولاده وأبناء إخوته [ عمومته ]، وإخوته وأصحابه وأنصاره.

إن شئت قصدت الخليل الذي أرادت سارة منه دقيقاً فاستحيى من أن يردّ الحمل خالياً فملأ العدل رملاً وحوّله الله تعالى دقيقاً، أو اقصد الخليل الحسينعليه‌السلام الذي أرادت منه سكينة ماء فخرج ورجع خالياً ولم يقل لها إلاّ يعزّ عليّ تلهّفك وعطشك.

إن شئت قصدت الخليل الذي أسكن أهله بوادٍ غير ذي زرع وعندهم قبّة ماء فقط، فرجع وأخذ باب الكعبة وقال:( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) ، ثمّ دعا لهم بقوله:( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) ، أو اقصد الخليل الذي

٢٧٣

خلى نساءه وعيالاته بوادٍ لا ماء فيه ولا طعام عطاشى حيارى، وقال عند مفارقتهنّ: (( تهيّأنّ للأسر وتقنعنّ)).

إن شئت اقصد الخليل صاحب الملّة، أو الخليل منبع الرحمة.

إن شئت قصدت الخليل محبّ الضيفان، أو الخليل الرؤوف بأهل العصيان الذي ما خاب مَنْ تمسّك به، والذي يبكي لأُمّة (جماعة) خرجت لقتاله تدخل النار بسببه.

باب النبي يعقوبعليه‌السلام

في زيارة الحسينعليه‌السلام السّلام على يعقوب الذي ردّ الله تعالى عليه بصره برحمته، فإن شئت فاقصد يعقوبعليه‌السلام ابن إسحاق أبا اثني عشر ولداً، وقد نادوه كلّهم وهم أصحّاء احياء واقفون في خدمته فقالوا: يا أبانا إنّ واحداً منّا أكله الذئب فتقوّس ظهره، وذهبت عيناه من الحزن، وإن شئت اقصد يعقوب أبا ولد وحيد ليس له مثيل، فهو أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسول الله تعالىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد سمع نداءه وهو يقول: يا أبتاه عليك منّي السّلام، سلام مودعٍ، يعني إنّي قد فارقتك، فلمّا أتاه إمامنا الحسينعليه‌السلام وجده وقد فارقت روحه الدنيا.

إن شئت اقصد يعقوب الذي رأى ثوب يوسف ملطّخا بالدم غير مخرّق فقال: لقد كان ذئباً رفيقاً، وإن شئت اقصد يعقوب الذي رأى ولده إرباً إرباً لم يبقَ من ثوبه ولا جسده موضع سالم أبداً.

يعقوبعليه‌السلام أرادوا منه يوسف ليرتع ويلعب معهم، فمنعهم وقال:( قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ) ، والحسينعليه‌السلام لمّا مشى ولده علي منعته النساء، وتعلّقنَ بهعليه‌السلام ، فقال الإمام الحسينعليه‌السلام : (( دعنه ؛ فإنّه قد اشتاق إلى جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله )) ساعد الله قلبك يا أبا عبد الله يعقوبعليه‌السلام جاءه البشير بثوب يوسف فارتدّ بصيراً، والحسينعليه‌السلام سمع صوت ابنه فأظلمت عيناه.

باب النبي يوسفعليه‌السلام

يوسفعليه‌السلام أرادوا إهلاكه بعد أن فرّقوا بينه وبين أبيه، فقالوا لا تقتلوه،( وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ) فأُلقي فيه، والحسينعليه‌السلام بعد قتل أصحابه وأولاده وإخوته، وأبناء إخوته وأبناء أُخته وأبناء عمومته، وبعد جراحات السهام والرماح والسيوف في بدنه التي كانت كافية في قتله، لا بل كان بعضها كافياً في قتله، بل كان واحد من جملة السهام كافياً في قتله، نادوا عليه بصوت عال: اقتلوه ثكلتكم أُمّهاتكم ! فحمل جماعة لقتل المقتول، لذبح المذبوح، لنحر المنحور، وبطريقة لا يجري لوصفها قلم التحرير، ولا يطيقها التصوير.

٢٧٤

يوسفعليه‌السلام بعد الإلقاء في غيابة الجبّ التقطه بعض السيارة، وأُخذ أسيراً، وداروا به سوق مصر لبيعه، والحسينعليه‌السلام بعد الإلقاء طريحاً مضرّجاً بدمه المبارك التقط السيارة رأسه المبارك ونصبوه على الرمح أسيراً، داروا به أسواق الكوفة والشام وأزقتها.

يوسفعليه‌السلام أدخلوه قهراً على العزيز، لكن جعله عنده عزيزاً مكيناً أميناً، والحسينعليه‌السلام أدخلوا الرأس المبارك المرتّل لآيات ربّه تعالى أدخلوه على يزيد فجعل يشمت ويستهزئ ويضرب ثناياه.

باب النبي صالحعليه‌السلام

صالحعليه‌السلام صاحب الناقة المُبتلى بسقياها، والحسينعليه‌السلام صاحب العيال والأطفال، والأبناء والأهل، والأصحاب والنساء المُبتلى بسقياهم.

صالحعليه‌السلام أراد للناقة شرب يوم كامل بحيث لا يشرب غيرها ففعلوا ذلك أياماً، كان لهم شرب يوم ولها شرب يوم، والحسينعليه‌السلام أراد للأطفال والنساء والأصحاب والعيال عدّة قرب، ثمّ أراد قربة، ثمّ أراد للطفل جرعة، ثمّ لكبده قطرة فمنعوه من أوّل الأمر.

صالحعليه‌السلام لمّا عقروا ناقته زاغ فصيلها وصعد الجبل وإلى الآن يتوحّش المار على ذلك الجبل، والحسينعليه‌السلام لمّا أُصيب طفله بالسهم صاح صيحة كانت نفسه فيها، قائلاًعليه‌السلام : (( اللّهمّ لا يكون هذا أهون عليك من فصيل ناقة النبي صالحعليه‌السلام فانتقم لنا اللّهمّ إن كنت حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا )).

تبيان: طبعاً هنا المقصود من النصر النصر الآني الظاهري الذي يراه الجاهل في حينه هزيمة لأولياء الله تعالى، وإنّما هو في الحقيقة والباطن والظاهر نصر وعزّة وخلوداً وتأييداً لأولياء الله تعالى، ومنهم آنذاك الحسينعليه‌السلام وأهل بيته والثلة المباركة الذين هم معه.

ويقول المؤلف الشيخ جعفر التستري: خير من الانتقام العاجل ما منحه الله تعالى وأعطاه من إغاثة الضاجّين في المحشر، والضاجّين في المواقف، والضاجّين في النار، خصوصاً إذا علا الضجيج الآن على صياح هذا الطفل ومصيبته العظمى.

٢٧٥

باب نبي الله تعالى شعيبعليه‌السلام

شعيبعليه‌السلام أبو البنتين اللتين رآهما موسىعليه‌السلام على ماء مدين ومعهما غنمهما، فـ( وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) ، يعني لِمَ لا تسقيان أغنامكما ؟( قَالَتَا لا نَسْقِي حتّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ) ، ولا قوّة لنا على السقي مع الناس،( وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) لا يقدر على المجيء معنا فرحمهما موسىعليه‌السلام لما رأى من منع الماء عنهما، وعلم بضعف أبيهما، وأنّه شيخ كبير، ( فَسَقَى لَهُمَا )، فجزاه الله تعالى خيراً كبيراً.

والحسينعليه‌السلام له بنات وأخوات كثيرات، وهنّ بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو الأطفال الصغار، وصاحب الإخوان والأولاد، ورد ماء الفرات فوجد عليه الناس يسقون، والحيوانات تشرب، واليهود والنصارى، والكلاب والخنازير ترد الماء ولا تُمنع، ورأى أطفاله وعياله يُمنعون حتّى بعد صدور هؤلاء كلّهم، وقد صرعهم العطش وأبوهم سيد كبير أفضل من كلّ العالمين.

باب النبي أيوبعليه‌السلام

قال الله تعالى فيه:( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ، وهو النبي أيوبعليه‌السلام ، والحسينعليه‌السلام قد وجده الله تعالى صابراً، بل شاكراً، بل راضياً ؛ ولذا وصفه بالنفس المطمئنة الراضية، ولم يكتف بوصفه بأنّه نعم العبد، بل وصفه الله بقوله: (( بورك من مولود ))(١) ، وأدخله في عباده المخصوصين، بل جعله من عبده الذي قال تعالى في حقه:( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) .

والحسينعليه‌السلام هو الأوّاب إلى الله حقيقة ؛ فإنّه كلّما امتثل طاعة شرع في أُخرى أشقّ منها وأشوق، والأوّاب حقيقة هو أيوب كربلاء.

____________________

(١) كما جاء في كامل الزيارات / ٦٧، ونقله العلاّمة المجلسي في البحار ٤٤ / ٢٣٨.

٢٧٦

باب النبي يحيىعليه‌السلام

اعلم أنّ ليحيىعليه‌السلام خصوصية من ثلاثة وجوه :

الأوّل: إنّه قد ورد بالخصوص أنّ للحسينعليه‌السلام موازاةً مع يحيىعليه‌السلام في أشياء كثيرة(١) .

الثاني: إنّه ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ في النار منزلة لا يستحقها أحد من المخلوقين إلاّ قاتل يحيى بن زكريا وقاتل الحسين (صلوات الله عليهما).

الثالث: إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام في سفره إلى كربلاء كان يذكر النبي يحيى كلّما حلّ في منزل، وكلّما ارتحل عنه.

ولأجل هذه الخصوصيات نذكر في التطبيق أموراً ثلاثة :

الأمر الأوّل: في بيان ما ساواه به.

الأمر الثاني: ما كان يذكر منه في حلّه وترحاله.

الأمر الثالث: في بيان ما زاد عليه من خصوصيات مصائبه، وذلك بذكر يحيى بن زكريا المظلوم أوّلا، ثمّ يحيى بن الزهراء المظلوم ثانياً.

الأمر الأوّل: في بيان المساواة الواردة في الروايات، فنقول في بيانها :

يحيى والحسينعليهما‌السلام قد بُشّر بهما قبل ولادتهما، فبشارة الأوّل:( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ) ، وبشارة الثاني: (( يا محمّد، إنّ الله تعالى يبشرك بمولود من فاطمة )) ولكنّ البشارة بالنبي يحيىعليه‌السلام أوجبت فرحاً، والبشارة بالإمام الحسينعليه‌السلام أوجبت حزناً ؛ فإنّ أُمّه حملته كرها ووضعته كرهاً، إذ في الحديث المراد بالأُمّ هي الزهراءعليها‌السلام .

يحيى والحسينعليهما‌السلام قد ولدا لستة أشهر.

يحيى والحسينعليهما‌السلام قد سمّاهما الله تعالى بنفسه، فقال في يحيىعليه‌السلام :( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ) ، وقال في الحسينعليه‌السلام على لسان الملك جبرئيلعليه‌السلام : (( إنّي قد سمّيته الحسين )).

يحيى والحسينعليهما‌السلام لم يرتضعا من الثدي غالباً، فيحيىعليه‌السلام أُرضع من السماء، والحسينعليه‌السلام أُرضع من العرش العظيم، أعني لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي بعض الروايات من إبهام المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يحيى والحسينعليهما‌السلام كان جبينهما يضيئان.

يحيى والحسينعليهما‌السلام لم يريا فرحين طول عمرهما، ولو اتفق لهما تبدّل حزناً.

يحيى والحسينعليهما‌السلام قاتلاهما ولدا زنى.

يحيى والحسينعليهما‌السلام ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ قاتليهما: (( إنّ في النار منزلاً لا يستحقها

____________________

(١) بحار الأنوار ١٤ / ١٦٨، وأيضاً في مرجع قرب الإسناد / ٤٨.

٢٧٧

أحد إلاّ قاتلا يحيى والحسينعليهما‌السلام )).

يحيى والحسينعليهما‌السلام بكت السماء عليهما دماً.

يحيى والحسينعليهما‌السلام بكت الأرض عليهما دماً.

يحيى والحسينعليهما‌السلام تكلّم رأساهما بعد القتل، فيحيى قال للملك: اتقِ الله تعالى والحسينعليه‌السلام قرأ القرآن مكرّراً، وسُمع منه: (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )).

يحيىعليه‌السلام قُتل صبراً، والحسينعليه‌السلام مع أنّه في ميدان القتال فقد قُتل صبراً ؛ ولذا قال الإمام السجّاد (صلوات الله عليه): (( أنا ابن المقتول صبراً )).

الأمر الثاني: إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان يذكر قتل يحيى في كلّ منزل، ويذكر بالخصوص إهداء الرأس، ولو تأمّلت بعين البصيرة وجدت ذلك أصعب مصيبة ؛ فإنّ شماتة العدو من بُعد، أي لو اتّفق بأنّ عدوّاً قد شمت بك وهو بعيد عنك فإنّك سوف تتأثّر لا محالة، وإذا كان عن قرب وأنت في حالة ضعف جسدي فيكون التأثير أعظم من الأوّل.

ولكن كيف تكون المصيبة برؤية الرأس مقطوعاً موضوعاً بين يدي العدو يقلّبه كيف يشاء، كما اتّفق ذلك لإمامنا المظلوم، وقد صعب ذلك على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخصوص فدعا على مَنْ نظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام وفرح بذلك.

الأمر الثالث: في خصائص عظمة مصيبة هذا المظلوم على ذلك المظلوم، ولنجعل ذلك في ضمن السّلام على يحيىعليه‌السلام ؛ فإنّ الحسينعليه‌السلام كان يسلّم عليه حين يذكره في كلّ منزل يحلّ فيه ويرتحل عنه، ولنا فيه أُسوة حسنة، فلنسلّم عليه في منازل التطبيق فتقول، كما في زيارة الحسينعليه‌السلام : السّلام على يحيى الذي أزلفه الله تعالى بشهادته.

فإن شئت اقصد به يحيى الذي قُتل صبراً، أي الذي مُسك حين القتل فقُطع رأسه، أو اقصد به يحيى الذي لم يبقَ له حراك من الجراح وانبعاث الدم حينما قطعوا رأسه المبارك.

إن شئت اقصد به يحيى الذي وضِع رأسه بين الأيدي برفق فقُطع، أو اقصد يحيى الذي وقع من الفرس على الأرض في حرّ الظهيرة بطعن الرمح على خاصرته ثمّ قطع رأسه.

إن شئت اقصد به يحيى الذي سكنت عداوة قاتليه بذبحه، وإن شئت اقصد يحيى

٢٧٨

الذي لم يكتفوا بإصابته بأربعة آلاف رمية، ومئة وبضع ضربة، ومئة وبضع طعنة، فكانت الطعنة فوق الطعنة، والرمح على الرمح، وضرب السيف على ضربة السيف إلخ، وما أُصيب من القطع والنحر والرمي، وما أصاب الجسد الشريف بعد القتل من الرض والمثلة، بل ظهرت العداوة بالنسبة إلى الرأس بعد رفعه وإدارته وصلبه، ولم يكتفوا بذلك كلّه، بل جعلوا يضربون ثناياه وشفتيه في مجالس عديدة.

إن شئت اقصد يحيى الذي أُهدي رأسه من بيت إلى بيت مرّة واحدة، أو اقصد يحيى الذي أُدير رأسه في بلاد كثيرة، واُهدي تارة ثمّ أُخرى ثمّ أُخرى وابكي عليه.

إن شئت اقصد يحيى حين قُطع رأسه ورأى الظالم لأمره فتغيّرت حالاته، وإن شئت اقصد يحيى الحسينعليه‌السلام المظلوم حين وضِع رأسه بين يدي اللعين يزيد وهو يبتسم شماتة، فكان تبسّمه هذا أعظم من جميع جروحه، عميت عين لن تبكِ عند رؤية هذا التبسّم.

إن شئت اقصد مظلوماً اسمه يحيى اُخرج من المسجد حين أرادوا قتله وهو حصور، أي مبالغ عن حبس نفسه عن اللذائذ الدنيوية، لا علاقة له ولا عيال ولا أطفال، وإن شئت اقصد مظلوماً اسمه اُخرج من الخيام، وفيها نساء حائرات عطاشى منفردات وأطفال ومؤمنات، في برية الأعداء كلّ واحدة تنادي وتقول: إلى مَنْ تكلنا، ثمّ يسكنهنّ فيخرج، فتلحقه بنت صغيرة تقع على رجليه وتقبّل يديه، وتصيح: وا وحدتاه ! وا غوثاه ! وانتهاك ستراه ! ......، فيرجع ويجلسها في حجره ويقول لها :

لا تحـرقي قلبي بدمعكِ حسرةً

ما دام منّي الروحُ في جثماني

فإذا قُتـــلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيــرةَ النسـوانِ

إن شئت اقصد يحيى الذي قُتل وهو ريّان، أو اقصد يحيى الذي قُتل وهو عطشان.

إن شئت اقصد بالسّلام يحيى الذي ذُبح في الطشت ولم يقع من دمه على الأرض إلاّ قطرة كانت تغلي سنين حتّى أفنت بني إسرائيل فسكنت من الغليان، أو يحيى الذي ذُبح على حرّ التراب، وترمّل بالتراب دمه، وأُهريق كلّ دمه على الأرض إلاّ قطرات منه أخذها بيده ومسح بها على وجهه، ثمّ مرّة أُخرى فرمى بها إلى السماء ولم

٢٧٩

ترجع، ولو وقعت على الأرض لانقلبت بأهلها.

إن شئت اقصد يحيى المظلوم الذي ذُبح من أوداجه، أو اقصد يحيى الذي ذُبح من القفا غريباً مظلوماً خلّف وراءه النسوة والأطفال.

إن شئت اقصد يحيى الذي حزّ رأسه المبارك بضربة واحدة من المدية، أو اقصد يحيى الذي حزّ رأسه باثنتي عشرة ضربة بالسيف.

إن شئت فاقصد بيحيى الذي قُطع رأسه وبدنه صحيح، أو الذي قُطع رأسه وبدنه مرضّض مشبّك جريح.

السّلام على يحيى الذي اُهدي رأسه مرّات، وضُرب على رأسه بالخيزران والقضيب مرّات.

السّلام على يحيى الذي وضِع رأسه.

السّلام على يحي الذي رُفع رأسه، ونُصب رأسه، وخُفِض رأسه، وصُلب رأسه، وعلّق رأسه، ووضِع في أمكنة عديدة، ونُصب في أمكنة عديدة، وصُلب في أمكنة عديدة، وعُلّق في أمكنة عديدة، ولعلّه دُفن في أمكنة عديدة، وإن كانت العاقبة أن دُفن الرأس مع البدن.

باب النبي موسىعليه‌السلام

لمّا خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة قرأ بعض الآيات المتعلّقة بموسىعليه‌السلام ، ولمّا دخل مكة قرأ بعضها (سورة القصص ٢١ و٢٢ الآية).

موسىعليه‌السلام كليم الله تعالى، والحسينعليه‌السلام قد ثبت له شرف كونه كليماً لله تعالى في حياته، كما في الرواية التي ذكرناها في عيون المجالس عن أنس بن مالك.

وكذلك قد صار كليماً لله تعالى عند وفاته بمخاطبته إيّاه بقوله:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ) إلى آخر الآية كما في الرواية.

موسىعليه‌السلام صاحب اليد البيضاء، أي كانت يده أحياناً مضيئة نورانية، والحسينعليه‌السلام له أضعاف ذلك ؛ فإنّ جبينهعليه‌السلام كان يُضيء، ونحره كان يُضيء لكثرة ما كان يُقبّلهما رسول الله المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووجهه حين ضمّخ بالدم والتراب كان يُضيء حتّى إنّه شغل نور وجهه الظالم عن النظر في كيفية قتله.

والرأس حين كان على الرمح كان يُضيء كما رواه زيد بن أرقم حين مرّ حامل الرأس على غرفته، والبدن كان يُضيء كما في رواية الأسدي الزارع على نهر العلقمي.

موسىعليه‌السلام انفجر له الماء من الصخرة، وقد أثّر ضرب موسىعليه‌السلام للحجر بالعصا حتّى انفجر منه

٢٨٠