الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم0%

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 289

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ جعفر التستري
تصنيف: الصفحات: 289
المشاهدات: 39321
تحميل: 7822

توضيحات:

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 289 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39321 / تحميل: 7822
الحجم الحجم الحجم
الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

باب ما أعطاه من الماء

اعلم أنّه حيث منع من الماء الذي له فيه حقّ الشرب كسائر الناس قد أعطاه الله تعالى من المياه أربعة أنواع :

الأوّل: الكوثر جعله حقّاً له لعطشه وعطش شهدائه، أرواهم منه في الطفّ حين وقوعهم على الأرض، بل قبل خروج أرواحهم كما في رواية علي الأكبرعليه‌السلام حين وقع طريحاً: يا أبت هذا جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً.

وجعله حقّاً لِمَنْ بكى عليه يرويه منه يوم العطش الأكبر، كما في رواية مسمع، وهذا في كثير من الأعمال الحسنة، لكنّ خصوصية الحسينعليه‌السلام أنّ الكوثر ليفرح بشرب الباكي عليه منه.

الثاني: ماء الحيوان في الجنان يُمزج بدموع الباكين عليه فيزيد عذوبته كما في الرواية المعتبرة.

الثالث: ماء الدموع جعله الله تعالى له ؛ فإنّه صريع الدمعة، وإنّه قتيل العبرة، فهو على أثر اسمه، وعلى أثر ما هو باسمه، وعلى ذكر مصيبته، وعلى أثر نظره، وعلى أثر شمّ تربته، كما ذكر تفصيل ذلك في الفصول السابقة.

الرابع: كلّ ماء بارد عذب يشربه أحبته فإنّ للحسينعليه‌السلام فيه حقّ الذكر ؛ فإنّهعليه‌السلام قال: (( شيعتي، شيعتي، ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني )).

وقال الصادقعليه‌السلام : (( إنّي ما شربت ماء بارداً إلاّ وذكرت الحسينعليه‌السلام )).

والحكمة في تربيع الحقوق المتعلّقة بالماء له يمكن أن تكون على أحد وجهين :

فأوّلاً: إنّه مُنع عن حقوق أربعة في الماء :

الأوّل: من حيث الاشتراك مع الناس في حقّ الماء ؛ فإنّ الناس كلّهم في الماء والكلأ، ولا جاز الشرب من الأنهار المملوكة وإن لم يأذن المالك، بل لعلّ من ذلك استحباب سقي الكفّار إذا كانوا عُطاشى، كما في رواية مصادف عن الصادقعليه‌السلام في طريق مكة.

الثاني: من حيث الاشتراك مع ذوات الأرواح في حقّ الماء ؛ فإنّ لكلّ ذات روح حقّاً فيه، ولذا يلزم التيمم مع الخوف من العطش على الحيوانات المملوكة وغيرها.

الثالث: من حيث ثبوت حقّ السقي لهعليه‌السلام على أهل الكوفة بالخصوص ؛ فإنّه قد سقاهم ثلاث مرّات ؛ في الكوفة مرّة حين الجدب، وفي صفين تارة ،

٦١

وفي القادسية تارة حين الملاقاة مع عسكر الحرّ والتفصيل في كتاب المراثي.

الرابع: من حيث ثبوت حقّ لهعليه‌السلام في الفرات بخصوصه ؛ فإنّه من نحلة الله تعالى لفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، حين تزويجها بعليعليه‌السلام .

فلم يرعوا واحداً من هذه الحقوق، حتّى سألهم عن ذلك قطرة لطفله، وأراهم الطفل يتلظّى في الرمضاء فلم يرحموه، ثمّ سألهم ذلك لنفسه فلم يعطوه، ومات عطشان ومَنْ معه (صلوات الله تعالى عليهم وعلى شيعتهم الصادقون أصحاب الإيمان المستقر لا المستودع).

ما خلتُ قبلك بحراً مات من ظمأ

كلاّ ولا أسداً ترديه أجمالُ

وثانياً: إنّ عطشهعليه‌السلام قد أثّر في أربعة أعضاء ؛ فالشفة ذابلة من حرّ الظمأ، والكبد مفتّت لعدم الماء، كما قال هو (صلوات الله عليه) حين كان واقفاً وقد يئس من حياته بحيث علِم أنّهم يعلمون أنّه لا يعيش بعد ذلك، فأظهر عطشه وقالعليه‌السلام : (( الآن اسقوني قطرة من الماء فقد تفتت كبدي من الظمأ )) واللسان مجروح من شدّة اللوك، آه وا إماماه ! وا مظلوماه ! وهو قد جاء في الحديث.

والعين مظلمة من العطش كما في حديث جبرئيل لآدمعليهما‌السلام (١) : ولو تراه يا آدم وهو يقول: (( وا عطشـاه ! [وا قلّة ناصراه !] ))، حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان )) فقد أُعطي الماء لأجل كلّ عضو قد أثّر العطش فيه، فلا يبخل عليه بالماء الذي هو بأيدينا :

ابكوا شهيـداً بالدماءِ مزمّلاً

بدمٍ بكته أعينُ المدّثرِ

ابكوا لمظلومٍ مدحه لم يُحصَ لو(*)

كانت له جرياً مياهُ الأبحرِ

باب الأشجار

وأفضل الأشجار الشجرة التي نودي منها النبي موسىعليه‌السلام ( إِنِّي أَنَا اللَّهُ ) ، وقد ورد في الروايات أنّها كانت محلّ قبر الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأفضل النخل نخلة مريم المقدّسة (سلام الله عليها)، وولد عندها عيسى النبيعليه‌السلام ، وقد ورد أنّها كانت في كربلاء.

باب البحار

له منها خصوصية وهي أنّهعليه‌السلام لمّا قُتل نادى ملك البحار على أهلها: يا أهل البحار، البسوا ثوب الحزن ؛ فإنّ فرخ الرسول المصطفى مذبوح.

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٢٤٤.

(*) لا يخفى ما في البيت من خللٍ عروضي واضح (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٦٢

باب الجبال

أشرفها طور سيناء، وقد روي أنّه محلّ قبر الحسينعليه‌السلام ، وهو الجودي الذي استوت عليه سفينة نجاة العالمين.

فإذا تأمّلت حالنا الآن وجدتها كما قال الأمير عليعليه‌السلام : (( أُحذّركم الدنيا ؛ تميد بأهلها ميدان السفينة، تقصفها العواصف في لجج البحار ؛ فمنهم الغرق الوبق، ومنهم الناجي على بطون الأمواج، فما غرق منها فليس بمُستدرك، وما نجا منها فإلى مهلك )) وما ندري إنّا إذا اُغرقنا أن نكون من الذين اُغرقوا فاُدخلوا ناراً ! فهذه السفينة المائدة، أي المتحركة المضطربة، إذا قُضي الأمر ما ندري ما حالها ! لكن إذا استوت على جودي الحسينعليه‌السلام بأحد وجوه الاستواء رجونا السلامة والنجاة، يا الله.

باب الجنّ والإنس

أمّا الأنس فقد أعطاه بالخصوص، منهم أصحاب قد وصفهم هوعليه‌السلام لا أحد أبّر ولا أوفى منهم، كما يظهر من ملاحظة حالهم واستيناسهم بالمنية استيناس الطفل لثدي أُمّه وأعطاه منهم شيعة، لهم بالنسبة إليهعليه‌السلام محبّة خاصّة اضطرارية لا تدخل تحت ملاحظة التقرّب إلى الله تعالى أيضاً، بل لو قلت لهم: إنّ هذا معصية لله لم يصغوا إلى ذلك، كما يظهر من بعض حالاتهم في اللطم والجرح لأنفسهم في حياتهم وفي عاشوراء خاصة.بل في الخدمة للأئمّة عموماً وللحسين خصوصاً من بعض الشيعة ممّا يراها غير المحبّ تعباً ونصباً لا داعي له، ولكن عند الشيعي الصادق لذّة لا يفوقها شيء.

وقد حكى لي بعض مَنْ يوثق به أنّ في بعض بلاد ماجين طائفة من الشيعة، لهم كيفية خاصة في اللطم والضرب على الصدور في عاشوراء، وذلك بأنّهم يحفرون أخدوداً يملؤونه حطباً ويضرمون فيه النار، ثمّ يخوضون فيها عند الضرب على الصدور بالمرور مكرّراً، ويقولون: إنا لا نحس بحرارة النار.

وهذا واقع ؛ حيث نار الحزن والغمّ لمصاب أهل البيت وحبيب المصطفى (صلوات الله عليه وآله) هو أشدّ من أيّ نار مادية أو معنوية، وهو لا يتحقّق إلاّ لِمَنْ فُني في حبّهم واتّباع نهجهم فكان وليّاً لله تعالى في السرّ والعلن.وأمّا الجنّ، فقد أُعطي منهم الحسينعليه‌السلام أنصاراً جاؤوا إليه يوم خروجه من المدينة، فقال لهمعليه‌السلام : (( الموعد حفرتي وبقعتي، فإذا وردتها فأتوني زوّراً )).

ومنهم مَنْ جاؤوا إليه يوم عاشوراء فاختار لقاء الله تعالى ولم يأذن لهم في المحاربة.

ومنهم أنصار جاؤوا إليه ليلة الحادي عشر، فرأوه قتيلاً، وكان منهم راثين وناعين عليه رجالهم ونساءهم وبناتهم، ولهم عليه مراثٍ ونثراً في كربلاء حول جسده، وفي المدينة وفي البصرة، وفي الكوفة وفي بيت المقدس، وتحت العوسجة(١) ، وكان منهم منادون بقتله، ناعون له في جميع الأقطار والجهات.

____________________

(١) انظر قصّتها في البحار ٤٥ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

٦٣

وكانت نساء الجنّ نائحات حول جسده المبارك ليلاً حينما كان مطروحاً فسمع منهنّ :

نساء الجنّ يبكينَ

من الحزنِ شجياتِ

ويندبنَ حسينا ع

ـظُمت تلكَ المصيباتِ

ويلبسنَ الثياب السو

دَ بعد القصبيّاتِ

وأيضاً كانت الجنّ تنوح :

مسحَ الرسولُ جبينَه

فلهُ بريقٌ في الخدودِ

أبواه من عُليا قريـ

شٍ جدّهُ خيرُ الجدودِ

باب خصائص الوحوش

قد جعل الله تعالى الوحوش راثية لهعليه‌السلام في كربلاء قبل دفنه، كما في رواية الظباء التي كلّمت النبي عيسى بن مريمعليهما‌السلام في كربلاء، والسبع الذي رآه النبي عيسىعليه‌السلام كما سيجيء، وجعلها في ليالي طرحه مادة أعناقها على جسده يبكينه حتّى الصباح.

باب خصائص الطيور

قد جعل الله تبارك وتعالى الطيور نائحة عليهعليه‌السلام ، وناشرة أجنحتها على جسده المبارك، ونائحة له في المدينة عند قبر جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومخبرة لغيرها من الطيور بشهادته.

باب ما خصّه من الخيل والإبل

قد خصّه الله تعالى بفرس رسوله الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله المرتجز، ولعلّه المسمّى بذي الجناح، والذي كان متأسّياً بصاحبه في العطش، مؤثراً له على نفسه في ذلك ؛ فإنّه لمّا ورد الماء عند التحام القتال وضع ذو الجناح فمه في الماء، وقال له: (( أنا عطشان وأنت عطشان، والله لا أشرب حتّى تشرب )) فرفع رأسه يعني يا مولاي لا أشربه حتّى تشربه، فقال الإمام الحسينعليه‌السلام : (( اشرب فأنا أشرب )).

ثمّ مدّ يده إلى الماء وصار ما صار ممّا يأتي في محلّه، وجعله متظلّماً من قتلته، مناديا: الظليمة الظليمة ! من أمّة قتلت ابن بنت نبيها وجعله ناعياً له إلى أهله وأطفاله، مجاهداً عنه بعد قتله كما في الرواية.

وخصّه من الإبل بناقة له قد ركبها صبح عاشوراء، وخطب عليها ثمّ نزل عنها، وقال لعقبة بن سمعان: (( اعقلها )) فظلّت معقولة إلى أن قُتل، فضربت رأسها على

٦٤

الأرض حتّى ماتت.

باب ما خصّه سبحانه وتعالى من الأوضاع الدنيوية

لم يرد الله تعالى الدنيا لأوليائه، ولكن قد خصّ الحسينعليه‌السلام ـ حيث منعوا عنه الماء والطعام، وتركوه مطروحاً بلا دفن ـ بإعطاء ثلاثة أشياء من جنس ما منعوه ؛ فجعل الله تعالى له سقاية، وإطعاماً، وعمارة متصلة دائمة إلى يوم القيامة.

أمّا السقاية: فإنّه جعل ثواباً خاصّاً للسقي عند قبره ليلة عاشوراء، فقد ورد: (( أنّ مَنْ سقى الماء ليلة عاشوراء عند قبره كان كمَنْ سقى عسكر الحسينعليه‌السلام )).

وقد استنبط من ذلك أنّ معظم أجر سقي الماء الذي هو أوّل أجر يُعطى يوم القيامة إنّما يكون للحسين المظلوم العطشانعليه‌السلام ؛ ولذا فقد سبّل شيعته الماء في كلّ مكان وجعلوه باسم الحسين، فقامت السقايات طوال السنة في كلّ مكان، خصوصاً في عاشوراء باسم الحسين، أي ثوابه للحسين، وجعل تسبيل الماء كأنّه مختصّ بما كان للحسينعليه‌السلام .

وكذلك الإطعام: في تعزيته قد استمر دائماً خصوصاً في شهر محرّم، فلعلّ أيام السنة إذا لاحظتها يصل مصرف الإطعام في مجالس عزائه، لو قُسّمت على الأيام كلّ يوم أكراراً الحساب المتعارف، وأكراراً أي جمع كرّ، وهو كيل معروف مقداره بالوزن ٢١٦٠ كغم تقريباً كما يُفهم من أهل اللغة.

وأمّا العمارة: فإنّه حيث طرحوه على الأرض عوضه الله العلي القدير، كما أخبر به جبرئيلعليه‌السلام عن الله سبحانه، وروته زينبعليها‌السلام عن السجّاد (صلوات الله عليهم)(١) : (( وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يندرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام )).

فجعل تبارك وتعالى عوض هذه قبّة عالية تزداد علوّاً ورفعة دائماً، تزدهر بنور الله تعالى إلى يوم القيامة، فترى بيت الله والمشاهد كلّها قد تمّت عمارتها لكنّ حرم الحسينعليه‌السلام من يوم بُني إلى أن هدمه المتوكّل، ثمّ بناه الهادم بنفسه، قد اشتغل الخلفاء والسلاطين ببنائه.

ولا ينتهي عمل البنّائين والنقّاشين والمزيّنين بالذهب والبلور ؛ فهم مشغولون دائماً، وإنّي من أوّل مقامي هناك وأنا عمري خمس سنين ـ إلى الآن ـ وأنا ابن ستين سنة ـ لم أرَ ولم أسمع بعدم الاشتغال فيه ؛ إمّا بالعمارة أو الزينة ولو يوماً واحداً والظاهر استمرار ذلك إلى يوم القيامة ؛ للنكتة التي ذكرناها.

____________________

(١) لا يخفى ما في العبارة من لُبسٍ أو خطأ ؛ فإنّ الإمام السجادعليه‌السلام هو الذي روى هذا الحديث عن عمّته زينبعليها‌السلام لا كما ذُكر، والسياق دالّ عليه (راجع بحار الأنوار ٢٨ / ٥٧ ح٢٣) (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٦٥

القسم الثامن: الاحترامات الخاصّة بهعليه‌السلام وبجميع ما يتعلّق به من الحمل إلى يوم القيامة

فأوّلها: الاحترام الخاصّ للزهراءعليها‌السلام أثناء الحمل بهعليه‌السلام ، وقول النبي (صلوات الله عليه وآله) لها: (( إنّي أرى في مقدّم وجهك نوراً، وستلدين حجّة لهذا الخلق )) والقراءة عليها مكرراً، والقراءة على الماء ورشّه.

وقولهاعليها‌السلام : (( كنت لا أحتاج أيام حملي به في البيت المظلم إلى مصباح )) وقولهاعليه‌السلام : (( كنت أسمع التقديس والتسبيح منه في بطني )) وقولها: (( إنّي كلّما نمت رأيت في المنام شخصين نورانيين يقرآن عليّ )).

وثانيها: الاحترام الخاصّ للتهنئة بولادته، فقد صدرت خمسة أقسام من الوحي عندها، فأوحى الله إلى رضوان خازن الجنان: (( أن زخرف الجنة وطيّبها ؛ كرامة لمولود ولد لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله )) وأوحى الله إلى الملائكة: (( أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد، والتمجيد والتكبير ؛ كرامة لمولود ولد لمحمد (صلوات الله عليه وآله) )).

وأوحى الله تعالى إلى جبرئيلعليه‌السلام : (( أن اهبط إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ألف قبيل ـ والقبيل ألف ألف ملك ـ على خيول بُلق مسرجة، عليها قباب الدرّ والياقوت، معهم الروحانيون، بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بمولوده )) فتأمّل في هذه الكيفية والجمعية الخاصّة لهذه التهنئة.

ثالثها: الاحترام الخاصّ لتسميته ؛ فإنّه قال تعالى لجبرئيلعليه‌السلام بعد ذلك، واخبره: (( إنّي سمّيته الحسين ))، فالتسمية منه تعالى بالخصوص، وقد سمّاه في كتابه المجيد ووصفه بأوصاف خاصّة، وجعل تعالى لهعليه‌السلام في السماوات أسماء خاصّة كما في الروايات.

رابعها: الاحترام الخاصّ لتعزيته ؛ فإنّه قال تعالى بعد التسمية بالحسينعليه‌السلام لجبرئيلعليه‌السلام بعد التهنئة: (( عزّه وقل له: إنّ أُمّتك ستقتله )).

خامسها: الاحترام الخاصّ لقابلته ؛ فإنّه تعالى قد أرسل حورية خاصّة، فائقة على الحور عند ولادته، فكانت قابلة له هي ومَنْ معها من الحور العين.

سادسها: الاحترام الخاصّ لمهده ؛ فقد عاذ الملك فطرس بمهدهعليه‌السلام .

سابعها: الاحترام الخاصّ لتحريك مهده، حرّكت مهده الملائكة، وميكائيل.

ثامنها: احترام خاصّ لمناغاته في المهد، فجعل يناغيه في المهد جبرئيلعليه‌السلام .

تاسعها: احترام

٦٦

خاصّ لرضاعه ؛ فجعله من لسان نبيّه وإبهامه، مع إنّ لثدي الزهراءعليها‌السلام شرافة لا أشرف منها لكن حيث إنّ النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف وأفضل تحقّق له بالنسبة إليه مصداق ما في زيارة جابر له حين قال: غذّتك يد الرحمة، ورضعت من ثدي الإيمان، ورُبيت في حجر الإسلام.

عاشرها: احترام خاصّ للباسه ؛ فأهدى إليه بالخصوص لباساً، قال فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين ألبسه: (( هذه هدية أهداها إليّ ربّي تعالى للحسين، وأنا اُلبسه إيّاها، وإنّ لحمتها من زغب جناح جبرئيل )).

حادي عشرها: احترام خاصّ لقبره المبارك ؛ فزاره قبل دفنه كلّ نبي من آدم إلى الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يُسمع أبداً بقبر قبل دفن صاحبه فيه.

ثاني عشرها: الاحترام الخاصّ لدمعه، كما في رواية الخشف من الغزالة، وسنذكرها.

ثالث عشرها: احترام خاصّ لدمه، فجعل الله تعالى حبيبه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء فيلتقطه ويجمعه في قارورة خضراء، قد جاء بها ملك من الملأ الأعلى لأجل ذلك.

رابع عشرها: الاحترام الخاصّ للدمع الجاري عليه ؛ فجعل الملائكة يجمعونه ويدفعونه إلى خزنة الجنان، ثمّ خزنة يمزجونه بماء الحيوان.

خامس عشرها: الاحترام الخاصّ لمحلّ سيلان الدمع، فلا يرهقه قتر ولا ذلّة.

سادس عشرها: الاحترام الخاصّ لمجلسه، كما سيجيء ذكره عند خواص المجلس المبارك.

سابع عشرها: احترام خاصّ من الله تعالى لشفاعته ؛ بأن جعله شفيع الملائكة، وجعل وقتها يوم ولادته، وشفاعة غيره إنّما هي للناس يوم القيامة، فأعطاه هذه علاوة على تلك.

ثامن عشرها: الاحترام الخاصّ للتربة المحيطة بقبره الشريف بتفاوت القرب إليه ؛ من خمسة وعشرين ذراعاً إلى أربعة فراسخ، فلها فضائل متفاوتة بتفاوت القرب إلى موضع مرقده، وقد اختارها لمدفنه يوم دحي الأرض كما قال ذلكعليه‌السلام حين أراد الخروج من المدينة المنورة، فجعل الله تعالى لها خصوصيات.

الأولى: إنّها شرُفت على الكعبة المكرّمة(١) .

فمِن حديثِ كربلا والكعبهْ

لكربلا بانَ علو الرتبـــهْ

وقد يُقال: إنّها أفضل من أرض الغري وإن لم تكن أفضل من أصل

____________________

(١) كما ورد في بحار الأنوار ٤٤ / ٣٣١.

٦٧

مرقد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

الثانية: إنّه ورد عن الباقرعليه‌السلام بأسانيد معتبرة أنّه خلق الله تعالى هذه الأرض قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها.

الثالثة: روي عنهعليه‌السلام أيضاً بأسانيد كثيرة أنّه ما زالت كربلاء قبل خلق الله تعالى الخلق مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله تعالى فيه أولياءه في الجنة.

الرابعة: إنّه جعل هذه التربة ترعة من ترع الجنة.

الخامسة: عن السجّاد (صلوات الله عليه): (( أنّه إذا زلزلت الأرض زلزالها وسيّرها، رفعت كربلاء كما هي بتربتها نورانية صافية، فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنة، وإنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدريّ بين الكواكب ؛ يغشى نورها أبصار أهل الجنة، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدّسة الطيّبة المباركة التي تضمّنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة )).

السادسة: إنّ التسبيح والاستغفار بحبات صُنعت من تربته موجبان لتضاعف ثواب التسبيح لسبيعين.

السابعة: إنّ إدارة السبحة المباركة من تربة كربلاء بلا تسبيح توجب ثواب التسبيح.

أكرم بها من سبحة لحامل يحملها مسبّحهِ.

الثامنة: إنّه إذا أخذ السبحة منها وقال صباحاً: (( اللّهمّ إنّي أصبحت أُسبّحك واُهللك وأحمدك عدد ما اُدير به سبحتي )) كتب ذلك ما دامت في يده، وكذا إذا قال حين نومه، واضعاً لها تحت رأسه كما في الرواية عن الإمام السجّاد (صلوات الله تعالى عليه).

التاسعة: إنّ السجود على ترابها يخرق الحجب السبعة، ومعنى هذا الحديث ؛ إمّا خرق السماوات للصعود، أو المراد بالحجب المعاصي السبع التي تمنع قبول الأعمال، على ما في رواية معاذ بن جبل، وإنّ السجود عليها ينوّر الأرضين السبع.

مسألة: هل الفضل في السجود على التراب منها، أو يشمل المصنوعة من الطين المتعارفة ؟ روى معاوية بن عمار أنّ الصادقعليه‌السلام كانت له خريطة، أي كيس أو هميان، فيها تراب كان يفرشه ويسجد عليه، وهذا يدلّ على أفضلية التراب، ويدلّ عليها غيره من العمومات.

العاشرة: إنّ أكل كلّ طين حرام، وفي الرواية

٦٨

عن الصادقعليه‌السلام : (( إنّه كلحم الخنزير، ومَنْ أكل فمات فلا يُصلّى عليه )) إلاّ مَنْ أكل طين قبر الحسين (صلوات الله عليه) للشفاء، والذي له شروط وآداب بالنسبة إلى مكان أخذه وأخذه، وموضع إمساكه وأكله، والنيّة فيه وعمدة ذلك النيّة.

وفي الحديث عن أبي يعفور بأسانيد كثيرة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يأخذ الإنسان من طين قبر الحسينعليه‌السلام فينتفع به، ويأخذه غيره فلا ينتفع به ! قالعليه‌السلام : (( لا والله الذي لا إله إلاّ هو، ما يأخذه أحد وهو يرى أنّ الله تعالى ينفعه به إلاّ نفعه الله تعالى به )) وكذا يذهب أثره عدم الختم عليه فيتمسح به الجنّ والشياطين ويذهب أثره، كما في الروايات، وللختم عليه طرق.

الحادية عشرة: إنّ حمل طينه عوذة وحرز للمخاوف إذا حمله بهذه النيّة كما في الحديث.

الثانية عشرة: إنّ جعل طينه في المتاع للتجارة موجب للبركة فيها(١) .

الثالثة عشرة: إنّه ورد: (( حنّكوا أولادكم بتربة قبر الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّها أمان ))(٢) .

الرابعة عشرة: إنّه إذا جُعل مع الميّت في قبره كان له أماناً، كما ورد، وقد ورد أنّ امرأة كانت تزني وتحرق أولادها، فلمّا ماتت ودُفنت قذفتها الأرض مراراً، فجُعل معها بتعليم أحد الأئمّة تربة الحسينعليه‌السلام ، فلم يقذفها المدفن بعد ذلك.

الخامسة عشرة: إنّه يستحبّ خلط الحنوط بتربة كربلاء(٣) .

السادسة عشرة: إنّ الدفن فيها موجب لدخول الجنة بغير حساب.

السابعة عشرة: إنّ الحور العين تستهدي التربة من الملائكة النازلين إلى الأرض للتبرك بها.

الثامنة عشرة: إنّ هذه التربة قد حملها كلّ ملك وأهداها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أخذ النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله منها بنفسه، وقد أخذ الحسينعليه‌السلام منها بنفسه أيضاً كما سنذكره.

التاسعة عشرة: إنّه قد دُفن فيها قبل الحسينعليه‌السلام مئتا نبي ومئتا وصي ومئتا سبط كلّهم شهداء(٤) .

العشرون: إنّ شمّها موجب لإراقة الدموع والعبرات، وقد تحقّق ذلك قبل دفنه أيضاً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبالنسبة إلى الحسين نفسهعليه‌السلام ، كما سنذكره في بيان أسباب البكاء.

الحادية والعشرون: إنّ هذه

____________________

(١) كما في الرواية في كامل الزيارات / ٢٧٨.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) كما في تهذيب الأحكام ٦ / ٧٦.

(٤) كما في الرواية المعتبرة في كامل الزيارات / ٢٧٠.

٦٩

التربة قد انقلبت دماً أينما كانت عند انصباب دم الحسين (صلوات الله عليه) كما يظهر من روايات كثيرة، منها رواية التربة التي كانت عند أُمّ سلمة والتي رواها العامّة والخاصّة، وقد أعطاها النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله لها حين أتى بها جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحين اُسري بهصلى‌الله‌عليه‌وآله هناك.

فأتى بهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده الشريفة وأعطاها إلى أُمّ سلمة وهي تربة حمراء، فقال لهاصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( احتفظي بها، فإذا صارت دماً فإنّ ابني قد قُتل )) قالت: فوضعتها في قارورة، وكنت أنظر إليها كلّ يوم وأبكي حتّى صار يوم العاشر من المحرّم، نظرت إليها وقت الصبح فوجدتها على حالها، ثمّ عُدت إليها بعد الزوال فإذا هي دم عبيط ؛ فصحت وصرخت.

قالت [بنت أو اُخت] أُمّ سلمة: رأيت القارورة بين يديها ودمها يغلي.

وقد روي أنّ أُمّ سلمة (صلوات الله تعالى عليها) ماتت يوم العاشر من المحرّم حزناً على ولدها الحسين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، وذلك بعد أن أقامت العزاء عليه مع جمع من نساء المدينة المنوّرة.

الثانية والعشرون: إنّ دخوله موجب للحزن الشديد كما هو مُشاهد بالوجدان، خصوصاً إذا دنوت من القبر، خصوصاً إذا نظرت إلى قبر ابنه عند رجليه في الرواية إنّه يرحمه مَنْ نظر إلى قبر ابنه عند رجليه(١) ، فهل ترحمه كذلك إذا تصوّرت حالهما.

الثالث والعشرون: إنّ هذه التربة مقبوضة بيد كلّ ملك زار النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي الرواية إنّ كلّ ملك أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معه شيء من تربة كربلاء، وكلّ نبي زار كربلاء فقد قبض منها وشمّها ومسّ جلده ترابها المبارك، فهي مقام كلّ الأنبياءعليهم‌السلام إلى يوم القيامة.

الرابعة والعشرون: من الاحترامات الاحترام الخاصّ الذي قدّره الله تعالى لها مقارناً مع هتك حرمته من كلّ هاتك أراد إذلاله فقرنه بإعزاز واحترام ؛ إمّا من الهاتك نفسه، وإمّا من غيره مقارناً لهتكه بحيث يغلب على هتكه.

وقد لاحظت هذا المعنى من قضايا عديدة تقرب إلى أربعين قضية، والحمد لله على إلهامه ذلك، وإن أردت تصديق ذلك فلاحظ قضايا هاتكي حرمته والمجترئين عليه (صلوات الله تعالى عليه).

فنقول: إنّ الإذلال والهتك للحرمة عنوان، والقتل والجرح عنوان آخر، وحيث إنّ من اللطف الواجب على الله تعالى أن لا يذلّ أولياءه ذلاً ينفر عنهم القلوب، فقد جعلهم مع

____________________

(١) كما جاء في كامل الزيارات / ٦١.

٧٠

الضعف والفقر والخصاصة الظاهرية يملؤون العيون غنى وصولة، وهيبة ووقاراً وتمكيناً في القلوب.

وقد جعل لسيدنا المظلوم في ذلك خصوصية ؛ فأوّل مَنْ أحبّ قتله ـ وهو معاوية ـ أمر باحترامه ؛ وذلك عند وصيته ليزيد وقوله له: إنّي أخاف عليك من الحسين، لكن إذا ظفرت به فراعِ حقّه ؛ فإنّه فلذة كبد رسول الله تعالىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأوّل مَنْ اُمر بقتله، وهو الوليد حاكم المدينة، قال: أعوذ بالله تعالى أن أبتلي بدمه.

وقد احترمه ابن سعد (عليه اللعنة) حين عزم على حربه، فأنشد أبياتاً منها :

أأتركُ ملكَ الريّ والريّ منيتي

أو أصبح مأثوماً بقتلِ حسينِ

وقي قتلهِ النارُ التي ليسَ دونها

حجابٌ [وملك] الريِّ قرّةُ عينِ

وقد احترمه شمر حين أمر الناس بالهجوم عليه، فقال: إنّه كفء كريم، ليس القتل عنده عاراً.

وقد احترمه مَنْ اشتغل بقتله بأقوال، منها: أقتلك وأعلم أنّ الخصم العليُّ الأعلى.

وقد احترمه حامل رأسه إلى ابن زياد (لعنه الله تعالى)، فقال :

املأ ركابي فضةً أو ذهبا

إنّي قتلتُ السيدَ المهذبا

قتلتُ خيرَ الناسِ أُمّاً وأبا

وخيرَهم إذا يُنسبون نسبا

فأمر ابن زياد بقتله.

وقد احترمه الراضّون لجسده بأبيات عظّموه فيها(١) .

وقد احترمه يزيد (لعنه الله تعالى) بمدحه لهعليه‌السلام ورأسه المبارك بين يديه.

وإنّ الاحترامات المقارنة للهتك إذا لم تحصل من الهاتك نفسه ففي قضايا كثيرة من الذين هتكوا حرمته بألسنتهم، منها: قول مَنْ قال له يوم عاشوراء: يا حسين، أبشر بالنار فقارنه الله تعالى بأن عثرت فرسه فتعلّقت رجله بالركاب فجرّته الفرس إلى خندق النار في ساعته.

ومنها: قول مَنْ قال له ذلك اليوم: يا حسين، أي حرمة لك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فابتلى تلك الساعة بأن خرج للحدث فلدغته حيّة وهو يتغوّط، وتلوّث بحدثه ومات في ساعته.

ومنها: قول مَنْ قال له: انظر إلى الماء حتّى تموت عطشاً فقال الحسينعليه‌السلام : (( اللّهمّ أمته عطشاً )) فعرضت له حالة

____________________

(١) انظر اللهوف / ٥٩.

٧١

كان ينادي: العطش العطش ! فيُسقى قربة، ثمّ ينادي: العطش العطش ! حتّى انقدّت بطنه ومات عطشاً.

الخامسة والعشرون: الاحترام الخاصّ لأكله فإنّه قد أُتحف من الجنة بثمرات حين اشتهاها، وهي في مواضع، منها: حديث الرطب، والسفرجلة، والتفاحة، وكل طعام أُهدي من الجنة إلى جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيه وأُمّه وأخيهعليهم‌السلام ، كانت عمدة استدعائه منه أو لأجله.

السادسة والعشرون: التشريفات الخاصّة للباسه قد خصّ الله تعالى الحسن والحسينعليهما‌السلام بأن اُهدي إليهما من ألبسة الجنة مراراً، واختلاف اللونين في لباسهما والسرّ فيه مشهور، وعلى كلّ لسان مذكور، لكن خصّ الله تعالى الحسينعليه‌السلام بلباس خاصّ به.

قالت أُمّ سلمة: رأيت رسول الله (صلوات الله عليه وآله) يُلبس ثوباً للحسينعليه‌السلام لم أرَ مثله في الدنيا، فسألته فقال: (( هذه هدية أهداها ربّي تعالى للحسين، وأنا اُلبسه إيّاها، وإنّ لحمتها من زغب جناح جبرئيلعليه‌السلام )).

ثمّ ألبسه الله تعالى بعد ذلك عند عرائه ألبسه من حلل الجنة بيد الملائكة كما سيجيء تفصيلها إن شاء الله تعالى.

انتهـى العنوان الرابـع

العنوان الخامس

في بيان اللطف الرباني الخاص بالإمام الحسينعليه‌السلام

الذي عبّر عنه بقوله: (( فوضع الله تعالى يده على رأس الحسينعليه‌السلام )) وحيث إنّه كناية عن نهاية نظر الرحمة إليه فقد ظهر هذا في شيئين كما في الروايات الصحيحة :

الأوّل: ما ناله هو في نفسه

الثاني: ما ينال الناس به

أمّا الأوّل: فإنّه مرتبة خاصة من القرب لا نقدر على تقريرها، بل ولا على تصوّرها، ومن فروعها جعل الإمامة في ذرّيته.

وأمّا الثاني: فاُمور كثيرة: منها جعل الشفاء في تربته، والإجابة تحت قبته، وعمدتها وأجّلها وأعظمها، إنّ الله تعالى قد خصّه بصيرورته سبباً عاماً لرحمته على عباده وقد خلقهم لها فجعله بذلك عمدة التسبّب، وحيث كان نبيّه رحمة للعالمين جعل الحسين من النبي وجعل النبي المصطفى منه ؛ ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( حسين منّي وأنا من حسين )).

فهو محلّ وضع يد الرحمة، ومن الرحمة ،

٧٢

وغذّته يد الرحمة، ورُبّي في حجر الرحمة، ورضع من لسان الرحمة، ونبت لحمه ودمه وذاته روحه الزاكية من الرحمة، ونور بصر الرحمة، وهو جلدة ما بين عيني الرحمة، وريحانة الرحمة، ومجلسه صدر الرحمة، ومركبه كتف الرحمة، ومرتحله ظهر الرحمة، ومسيره إلى الرحمة، ومعدن خاص للرحمة، ومجمع لأسباب الرحمة، وجامع وسائل الرحمة، ومنبع عيون الرحمة، ومشرع الواردين للرحمة، ومترع مناهل الرحمة، ومغرس حدائق الرحمة، ومظهر ثمرات الرحمة، ومنبت أغصان الرحمة، ومحرّك مواد الرحمة، وسحائب فيوض الرحمة.

وبه يتحصّل الكون في موضع العفو والرحمة، والدخول في سعة دائرة الرحمة، وبالرحمة عليه يتحقّق كتب واسع الرحمة، وهو الرحمة الموصولة، والرحمة المرحومة، فهل في قلبك لهعليه‌السلام رحمة فتكون من الباكين عليه رحمة، فيصلّي عليك ربّ الرحمة تبارك وتعالى، ويُقال لك: صلّى الله تعالى عليك يا صاحب الرحمة ؟

وهذا العنوان لبيان وسائل الرحمة به إجمالا وكثرتها وعمومها، وبيان معادلتها مع كلّ الأعمال الشرعية والصفات الدينية.

ولنذكر أوّلاً مقدّمتين :

المقدّمة الأوّلى

( أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) لا تحسب أيّها الإنسان أنّك جئت سُدى، ولا تحسب أنّك تُترك سُدى، ولا تحسب أنّك تذهب سُدى ؛ فإنّ خالقك حكيم، قادر غني، منزّه عن العبث واللهو، وقد وجدت بخطابات تكوينية بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، فكنت تراباً بخطاب، ثمّ نطفة بخطاب، ثمّ علقة بخطاب، ثمّ عظاماً بخطاب، ثمّ مكسوّاً بلحم بخطاب، ثمّ إنساناً بخطاب، ثمّ أُفيض عليك العقل والقوى بخطاب من الله تعالى.

وهذه كلّها خطابات تكوين منه تعالى لك، فلمّا تكونت بمقتضاها توجّهت إليك أقسام من الخطابات التكليفية، وتفرّعت عليها أقسام خطابات لك، وأقسام خطابات بالنسبة إليك.

بيان ذلك: إنّك مخاطب الآن باعتقادات، وبصفات، وبفعل واجبات

٧٣

ومندوبات، بدنيات وماليّات، وبترك صفات وأفعال وأقوال وأموال، وبخطابات تعلمها أوّلاً ثمّ تعمل بها ثمّ إنّه قد توجّهت إليك بعد ذلك خطابات إرشادية بالطاعات، والاستباق إلى الخيرات ؛ ابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى، واتخاذ السبيل إلى الله، وإجابة داعي الله تعالى، والتزوّد إلى الله، وإقراض الله، وتقوى الله، والمجاهدة في سبيل الله، والمسارعة إلى مغفرة الله تعالى ونحو ذلك.

وبعد توجّه هذه الخطابات إليك تتوجّه إليك خطابات تكوينية يتحقّق مؤدّاها بمجرّد توجّهها عند انقضاء أجلك، فتُخاطب روحك ممّن له الأمر بالمفارقة، وجسدك بالوقوع، وقواك بالسقوط، وعينك بالظلام، وسمعك بالصم، ولسانك بالخرس، ويُقال لك: اترك كلّ ما في يدك ومالك، وما تراه بعينك كلّه دفعة واحدة، فيتحقّق كلٌ بمجرّد الخطاب بهما، ولا تقدر على عدم إجابة هذا الداعي الإلهي.

وإذا تحقّق ذلك فتصير معرضا لخطابات هي آثار الخطابات التكليفية الموتجّهة إليك، وتختلف حالتك فيها باختلاف حالاتك في امتثالها فمنها: خطابات تتوجّه إليك بعد تفرّق أجزاء وجودك من روحك وجسمك باجتماع أجزاء جسدك وعود الروح كما أنت الآن، وهذه أيضاً تتحقّق الإجابة عليها بمجرّد النداء بها.

ومنها: خطابات تتوجّه إليك بـ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) فتأخذه إمّا بيمينك أو بشمالك أو وراء ظهرك فتقرأه ؛ فإمّا أن تقول:( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ) ؛ وإمّا أن تقول:( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ) .

ومنها: خطابات تتوجّه من الله تعالى ؛ فمنهم مَنْ يُخاطب:( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) ، ومنهم مَنْ يُخاطب:( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) .

ومنها: خطابات تتوجّه إلى ملائكة المحشر بالنسبة إلى أهلها ؛ فمنها:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) ، ومنها بالنسبة إلى المؤمنين حين تتلقّاهم الملائكة( أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) .

ومنها: بالنسبة إلى بعض المذنبين:( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا أهله !

ومنها:( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) .

٧٤

ومنها:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) ، وما أدراك بمعنى( فَاسْلُكُوهُ ) ؟! إنّ معناه أن يُسلك الشخص في حلقات السلسلة، لا كسلاسل يشدّ بها الشخص على ما هو المتعارف.

ومنها: خطابات إلى الملائكة بالنسبة إليك ؛ إمّا:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) أو( خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ) .

ومنها: خطابات تتوجّه إليك تعجيزيّة، منها:( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا ) .

ومنها:( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ) .

ومنها: خطابات تهكميّة: منها:( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ) .

ومنها:( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) .

فهذه الخطابات السبعة الأخيرة فروع للخطابين الأوّلين التكليفي والإرشادي، فلاحظ نفسك أيّها امتثالاً أو تهيّؤاً لها.

المقدمة الثانية

اعلم أنّك الآن مصاب بمصيبة عظيمة ما أعظمها لو تصوّرتها، وذلك من جهات :

الأوّلى: إنّك رمية المصائب العارضة، وأسير المنايا، وهدف البلايا في حلقوم الرحى الدائرة، مُساق إلى الموت كلّ ساعة في النزع، وفي سفينة طوفانية ما تدري أيّ ساعة تغرق، قد أحاط بك الأخلاط التي لا بدّ أن تُقتل بأحدها، وأحدق بك الأعداء كلّ يجرّك إلى طرف.

الثانية: مصيبة لك لا تحسّ بها أبداً ولكن كان علياًعليه‌السلام إذا ذكرها يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الثكلى، وهي أنّ السفر بعيد، والمنازل مخوفة مهولة، والمورد عظيم خطير، والزاد قليل، والرجل حافية، وما لك موكب، والكفّ صفر، والطريق مخوف.

الثالثة: قد عظم بلاؤك، وأفرط سوء حالك، فأنت المحترق بالنيران المتعدّدة، أنت الذي اشتغل قلبك وبدنك ولسانك ويدك ورجلك بشعلات المعاصي، أنت المقتول في معركة الذنوب، أنت المأسور للنفس الأمارة والشيطان، أعضاؤك مشتعلة النيران، قد توقّدت على الظهور والبطون، والقلوب قد تقطّعت أجزاء إنسانيتها، وقد جُرحت بمئة ألف جرح من المعاصي، وقد وطأت خيول الضلال أعضاء هدايتك.

٧٥

الرابعة: بلية عظيمة لا مناص عنها ولا خلاص، وهي أنّه إن بقيت هنا فأنت الآن إمّا فقير أو غني ؛ فإن كنت فقيراً وكبرت سقطت قواك، وإن كنت غنيّاً لم تلتذّ بما عندك، فاجتمعت عليك مصائب الفقر إلى مَنْ كان فقيراً إليك، وتأذّى أحبّ الناس إليك منك، فيرجو موتك مَنْ ترجو حياته، وينزعج كلّ واحد لاستبطاء موتك.

فإن ذهبت من هنا فإلى قبر لم تمهّده لرقدتك، ولم تفرشه للعمل الصالح لضجعتك، فإذا دخلته وبقيت فيه فوجه كالح ـ والكالح: هو التكشّر في عبوس أو التعبّس المفرط ـ وجسد خاوٍ، وأعضاء معطّلة مسودّة، ومصاحبة للنمل والدود، والعقارب والخنافس، وإن خرجت فإلى محشر أرضه نار، وسقفه نار من الشمس، والجوانب نار من المعاصي، فإن بقيت فكيف تبقى ؟! وإن ذهبت فإلى أين ؟!

فلو عرفت أنّك مصاب بهذه المصائب للبست السواد، وفرشت الرماد، وتركت الأهل والمال والأولاد قال عليعليه‌السلام : (( وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَتَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لا حَارِسَ لَهَا، وَلا خَالِفَ عَلَيْهَا، وَلَهَمَّتْ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ نَفْسُهُ )). فأشغلتكم هذه المصيبة عن كلّ مصيبة، ولو كانت في نفسك وولدك وإخوانك.

تبيان: المراد بالصعداء هنا: الصحاري والالتدام: ضرب النساء صدورهنّ، أو وجوههنّ للنياحة وهمّته أي شغلته.

وإذا تمهّدت المقدّمات، فاعلم: أنّ خامس أهل الكساء، وسيد الشهداء، أبا عبد الله الحسين (عليه التحية والثناء) قد امتثل لله تعالى خطاباً خوطب به في صحيفة مكتوبة له خاصّة، جاء بها جبرئيلعليه‌السلام من الله تعالى وأودعها عند نبيّه محمّد (صلوات الله عليه وآله)، ثمّ سلّمهاصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليعليه‌السلام ، ثمّ علي إلى الحسنعليهما‌السلام ، ثمّ سلّمها الحسن المجتبى إلى أخيه الحسينعليهما‌السلام عند وصيّته فامتثل خطاباً خاصّاً من تكاليفه الخاصّة، والخطاب الخاص هو: (( اخرج بقوم إلى الشهادة ؛ فلا شهادة لهم إلاّ معك، واشتر نفسك لله )) نعم، فامتثلعليه‌السلام خطاباً خاصّاً من تكاليفه الخاصّة.

حصل لمَنْ توسّل بوسائله، إطاعة التكاليف الإرشادية، وامتثال الخطابات التكليفية، وتحمّل مصيبة اُعطي بها أجر حصل لمَنْ تمسّك به ارتفاع جميع المصيبات، وتفرّع على ذلك النجاة من

٧٦

العقبات خوطب عند امتثاله ذلك التكليف الخاصّ بخطاب ارتفع به عن المتوسّل به التهكميّة، والتعييرية من الخطابات.

ففي وسائله يحصل امتثال الأمر بالطاعات، والأمر بالصّلاة والصّيام، والصّدقات والحج، والعمرة والجهاد والرباط ويحصل ثوابها، ويحصل لك أعلى أفرادها الذي يتصوّر وقوعه منك.

وزيادة على ذلك إنّه قد يحصل لك أعلى أفراد ما لا يتصوّر وقوعه منك، مثل الصّلاة والحج والجهاد مع النبي محمد (صلوات الله عليه وآله)، وزيادة على ذلك إنّه قد يحصل لك بحسب العدد والكم ما يستحيل وقوعه منك، مثل: أن تحجّ مئة حجّة.

وفي الوسائل الحسينيّة ما تحصل لك مئة ألف حجّة، وقد يحصل لك ما يستحيل وقوعه في نفسه لا منك خاصة، فالتشحّط بالدم قتيلاً لا يمكن إلاّ دفعة واحدة، وفي الوسائل ما تكون ألف مرّة متشحّطاً بدمك في سبيل الله تعالى، فبها ترتفع المصيبات المتحقّقة فيك الآن وأنت لا تشعر بها، وتندفع البليات التي أنت معرض لورودها، وبها يحصل تسهيل العقبات التي أنت مُشرف عليها، وبها يحصل الأمن من الأهوال والمخاوف في جادتك التي أنت الآن ماشٍ عليها، وبها يحصل امتثال التكليفية والإرشادية من الخطابات، وتحصل المحمودة من الصّفات، وترفع تأثيرات المهلكات من الصّفات، وبها تحصل المغفرة للعصيان الحاصل بارتكاب المنهيّات، والفتح لِما سدّ الشخص على نفسه من أبواب الجنان، وسدّ ما فتحه من أبواب النيران، وإطفاء ما أحاط به الآن من النيران، وبها حصول الدرجات، وبها ارتفاع الدرجات، وبها أرفع الدرجات، وفيها ما لا يُتصوّر من الدرجات.

ولتوضيح هذا المطلب نذكر عائدة( تَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ، فيها عود وتكرّر وتوضيح، فاحضر قلبك واستمع واحترس ؛ فإنّه قد توجّهت إليك الآن من ربّك خطابات كثيرة أنت في عهدتها ؛ فالإفاقة الإفاقة ! فلك بعد أيام حالة قيامة صغرى عليك، تتوجّه بالنسبة إليك خطابات تجري عليك ما أصعبها !

الحذر الحذر !

٧٧

فلك بعد ذلك حالة تجري عليك ما أصعبها الحذر ! الحذر ! فلك بعد ذلك حالة وهي القيامة الكبرى تقوم عليها تتوجّه بالنسبة إليك خطابات ما أعظمها وأفظعها وأهولها.

فبالحسينعليه‌السلام يحصل امتثال خطابات لك، وبالحسينعليه‌السلام يسهل جريان خطابات، وبالحسينعليه‌السلام دفع ورفع لخطابات، فهنا ثلاث كيفيّات :

الكيفية الأوّلى

تفصيل لتحصيل امتثال الخطابات، وهي على أقسام :

الخطاب الأوّل: خطاب العبادة

قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .

وهذا خطاب ورد على لسان مئة [ وأربع ] وعشرين ألف نبي، وعلى لسان الأوصياء والصّلحاء، والملائكة والحكماء، والعرفاء وأهل الملل، فلاحظ نفسك هل عبدته بعبادة مطابقة لإحدى الملل السابقة، أو لهذه الملّة التي تدّعيها الآن ؟

ثمّ لاحظ زماناً لها، فهل عبدته في طول عمرك، أو نصف عمرك، أو بعض عمرك، أو سنة من عمرك، أو شهر أو يوم أو ساعة.

ثمّ لاحظ نفسك من أيّ عبّاده أنت، فلست من عباده المكرمين، ولا من عباده المصطفين، ولا من عباده المخلَصين، ولا من الذين قال تعالى فيهم:( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ، ولا من عباده المؤمنين ؛ إذ لا صفة لك من صفاتهم، ولا من عباده المتقين ؛ إذ لا علامة فيك من التقوى، ولا من عباده المسرفين الذين قال تعالى فيهم:( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) ؛ فإنّه قال:( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ) ، ولست من المنيبين المخاطبين، بـ( لا تقنطوا ) .

ثمّ لاحظ عبادتك له تعالى، وليست عبادتك عبادة الإخلاص الخاصّ، بل ولا كعبادة العبيد تكون خوفاً من ناره، بل ولا عبادة الاُجراء تكون طمعاً في جنّته.

وليتنا اكتفينا بعدم عبادته تبارك وتعالى بقسم من الأقسام، بل عبدنا من دونه عدوّنا وعدوّه، ولسنا اكتفينا بواحد، بل عبدنا الهوى، وعبدنا الدينار والدرهم، وعبدنا ما لا يُحصى عدده، وليتنا اكتفينا بقسم من أقسام العبادة، بل عبدناه بجميع ما يُتصوّر من أقسامها.

فإذا عرفت حالتك بالنسبة إلى عبادة ربّك تعالى، فاعلم أنّه يمكن أن تنال بالحسين الشهيدعليه‌السلام دخولك في جميع

٧٨

أقسام العبادات، وعبادتك طول عمرك، ويمكنك أن تنال بهعليه‌السلام مرتبة العبودية بجميع أنواعها وأقسامها.

وبيان ذلك فيه مطالب :

الأوّل: إذا زرت الحسينعليه‌السلام حصلت لك من مراتب عبادة المكرمين، وهم الملائكة، وذلك إنّ علوّ مراتبهم إنّما هو بمراتب عبادتهم، وقد يحصل لزائر الحسينعليه‌السلام صلاة الملائكة وتسبيحهم وتقدسيهم وطول عبادتهم إلى يوم القيامة، وفوق ذلك تكون الملائكة نوّاباً عنه في زيارة الحسينعليه‌السلام إلى يوم القيامة، وسنذكر الروايات بعد ذلك إن شاء الله.

وبهذا يظهر لك معنى الروايات: إنّ مَنْ زار الحسينعليه‌السلام كان من عبّاد الله تعالى المكرمين.

الثاني: إذا زرت الحسينعليه‌السلام حصلت لك من مراتب عباده المصطفين، وهم الأنبياء (سلام الله عليهم أجمعين) ؛ فإنّ من بعض خواصها الكون مع النبي (صلوات الله عليه وآله)، والأوصياء في درجاتهم والأكل معهم على موائدهم، ومصافحتهم ودعاءهم لك وحديثهم معك وسلامهم عليك، وسنذكر تفصيل الروايات في ذلك.

الثالث: بخصوصيات وسائل الحسينعليه‌السلام تحصل لك من مراتب عبادة الصالحين والمخلّصين، والمؤمنين والزاهدين والخائفين، كما سيظهر تفصيلها من الروايات الخاصة، وكما يحصل بها لك من مراتب العباد كلّهم يحصل لك ثواب العبادات كلّها من خطابات الصّلاة والزكاة، والحج والعمرة، والجهاد، والمرابطة، والوقوف والصدقات والمستحبّات، وثواب أعلى الدرجات والنيّات، وثواب عبادة العمر كلّه، لا بل الدهر كلّه، كما يتبيّن ذلك عند ذكر التفصيلات.

الرابع: من الوسائل الحسينيّة ما يحصل لك منها خصوصية نداء العباد المسرفين المنيبين المخاطبين بقوله تعالى:( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) ؛ فإنّه تحصل بالبكاء عليه (سلام الله عليه)، ويحصل من الزيارة له مغفرة الذنوب جميعاً، لا الذنوب الماضية فقط، بل قد تحصل مغفرة الذنوب المستقبلة، لا ذنوبك جميعاً، بل قد تحصل مغفرة جميع ذنوب والديك، لا ذنوب والديك معاً، بل قد تحصل مغفرة ذنوب مَنْ أحببت جميعاً(١) .

____________________ ـــــ

(١) كما جاء في كتاب كامل الزيارات / ١٥٢و١٥٤و١٦٦، وبحار الأنوار ٩٨ / ٢٦.

٧٩

وسيُعلم هذا عند ذكر الروايات في التفصيل إن شاء الله تعالى.

الخطاب الثاني :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ )

وهذا كالخطاب الأوّل، خلاصة كلام كلّ نبي، بل هو وصيّة كلّ نبي، ومضمون كلّ كتاب سماوي، وهو على أقسام، وتحصل بوسائل الحسينعليه‌السلام ثمرات جميع أقسامه وأعلاها، أي خطاب المتقين يوم القيامة بقوله تعالى:( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) ؛ إذ بمثل هذا يُخاطب مَنْ زار الإمام الحسينعليه‌السلام عارفاً كما سيجيء بيانه عند التفصيل في العنوان الآتي.

الخطاب الثالث: الإنفاق في سبيل الله تعالى( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ )

وقد يحصل بالحسينعليه‌السلام جميع أفراد الإنفاق، من الإعطاء والإطعام والسقي، والزكوات والصّدقات، وكل معروف هو صدقة، بل يحصل منه ما يستحيل حصوله بغيرهعليه‌السلام ؛ ففي بعض خصوصيات وسائله ما يُكتب لك بها ثواب سقي عسكر الحسين المظلوم (صلوات الله تعالى عليه) وفي يوم عاشوراء، وذلك بالنسبة لِمَنْ سقى الماء في عاشوراء عند قبره المبارك.

فهل تحبّون أن تسقوا عسكر العطشان الآن، وإن لم تكونوا عند قبره، ولم يكن ليل عاشوراء :

في كلّ موضعٍ يرى قبره

وكربلا في كلّ مكانٍ يُرى

فإذا تصورته واحترق قلبك على حالاته صار قلبك موقفه ومدفنه، فاسقِ عنده الماء من عينيك، وبذلك تكون قد سقيته وسقيت عسكره وعياله وأطفاله ومَنْ كان معه.

الخطاب الرابع: خطابات الجهاد( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ )

وهو قسمان: أكبر وأصغر، والقاتل سعيد فيهما، فالمقتول في الأوّل شهيد، لكنّ المقتول في الثاني طريد، ولست بقاتل ولا مقتول في الأوّل ولا في الثاني، ولكن يمكن إدراك ذلك بالحسين الشهيدعليه‌السلام ، وفيه مطالب :

الأوّل: إذا تمنيت أن تكون شهيداً مع الإمام الحسينعليه‌السلام وقُلت: يا ليتني كنت معكم، كان لك من الثواب مثل مَنْ استشهد معه(١) .

أقول: هنا يتحقّق هذا الأمر مع الحبّ والاتّباع والتأثّر الصادق بولائهمعليهم‌السلام ، والناس في هذا مراتب ودرجات متفاوتة كلٌ بحسب قابليته وتعلّمه وإيمانه، وقبل كلّ شيء توفيق الله تعالى له ولطفه عليه، وليس حديثاً نجريه على اللسان.

الثاني: إذا أحببت عمل الشهداء شاركتهم، كما في رواية جابر قال: نعم، أشهد لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

____________________

(١) كما جاء في أمالي الصدوق / ١١٢و١١٣، وكذلك في بحار الأنوار.

٨٠