• البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11597 / تحميل: 5340
الحجم الحجم الحجم
عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني

مؤلف:
العربية

ولعل ابن أبي أوفى قد فهم ذلك خطأً ..

أو أنه أراد أن يساير الجو الضاغط والسياسة المتبعة منذ منع عمر بن الخطاب وأبو بكر السيدةَ فاطمة الزهراءعليها‌السلام من البكاء على ما أصابها بمجرد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله . حيث صارت السياسة تقضي بالمنع من البكاء على الميت مدة من الزمن كما هو مذكور في كتابنا «الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله »، وذلك حين الحديث عن شهداء غزوة أحد، وبكاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمّه حمزةعليه‌السلام ، فراجع.

ما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام هو الحجة:

وأخيراً نقول: إنّه حتّى لو لم يكن أهل السنة قد ذكروا ذلك وسواه في مصادرهم، فإنّ ما روي عن أهل البيتعليهم‌السلام من طرق شيعتهم الأبرار كافٍ في إثبات جواز، بل رجحان ما يقومون به في مناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، من لطم وبكاء(1) ، وهو الحجة لهم.

وإنما هم يذكرون ما روي من طرق سائر الفرق، انطلاقاً من قاعدة: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ».

ويدل على صحة مسلك الشيعة الإماميّة في ذلك حديث الثقلين الذي اعتبر أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن الحجةَ على أهل

____________________

(1) راجع مراسم عاشوراء - لجعفر مرتضى العاملي.

١٢١

الدنيا إلى يوم القيامة، وأوجب على الاُمّة التمسك بهما إلى يوم القيامة(1) .

ويدل على ذلك أيضاً حديث: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى»(2) .

ولأجل ذلك، ولأجل أنّ اُصول المناظرة تفرض ذلك، نقول: إنه ليس من حق الآخرين أن يستدلوا على الشيعة بما ليس في كتب الشيعة، بل اللازم هو أن يبحثوا معهم أولاً موضوع الإمامة، ودلالات حديث الثقلين وغيره، فإذا ظهر الحق فيها فإنّ على الجميع أن يلتزم به وبما يقتضيه.

وأمّا الاحتجاج بروايات سفيانيّة على مَن لا يؤمن بنهج آل أبي سفيان، فهو ظلم قبيح، وجبرية ظاهرة الفظاظة والغلظة، أعاذنا الله منها ومن شرورها.

لماذا المأتم للحسين دون عليعليهما‌السلام

بقي أن نشير إلى السؤال الذي ورد في المنشور، من أنه: لماذا لا يفعل الشيعة في مناسبة قتل الإمام عليعليه‌السلام ، أو يحيى بن زكريا

____________________

(1) راجع حديث الثقلين - للشيخ قوام الدين الوشنوي للاطلاع على بعض مصادر هذا الحديث الشريف.

(2) راجع المعجم الصغير للطبراني 1 / 139، وج2 / 22، والمعجم الأوسط 4 / 10، والمعجم الكبير 3 / 246، وكنز العمال 12 / 298 ط مؤسسة الرسالة، وتفسير ابن كثير 4 / 123، وينابيع المودة 1 / 94، وج2 / 327، 443.

١٢٢

كفعلهم في عاشوراء؟

ولماذا لا يفعل السنة مثل ذلك في مناسبة قتل عمر بن الخطاب أو عثمان؟

ونقول:

أوّلاً: إنّ الشيعة يحيون مناسبة ذكرى استشهاد الإمام عليعليه‌السلام ، ويلطمون صدورهم فيها أيضاً.

ثانياً: إنّ هناك فرقاً بين ما جرى للإمام عليعليه‌السلام وبين ما جرى للإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء، فإنّ الإمام علياًعليه‌السلام قتله شخص أنكرت عليه ذلك الاُمّة بأسرها، وأعلنت بالبراءة منه ومن فعله، ولم تلتزم بتبرئته، ولم ترتض نهجه، ولا خطّأت الإمام علياًعليه‌السلام ، ولا شككت فيه.

ولكن الذي قتل الإمام الحسينعليه‌السلام هو من يضع نفسه في موقع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويسعى أتباع السفياني والسفيانيّة باسم العلم والدين ليس فقط لتبرئته من دم الإمام الحسينعليه‌السلام ، بل هم قد تعدوا ذلك إلى محاولات التلويح والتصريح بإدانة الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه، واعتباره هو الباغي، والطالب للدنيا، والذي لا يعرف المصالح من المفاسد، و و كما تقدم.

وليتمكنوا بذلك من إسقاط الإمامة بإسقاط الإمام رغم الاعتراف بأنه ليس على وجه الأرض أحد يساويه أو يساميه.

ثالثاً: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقام للإمام الحسينعليه‌السلام

١٢٣

المآتم، وعقد له مجالس البكاء، ولم يفعل ذلك بالنسبة للإمام عليعليه‌السلام ، ولا بالنسبة للنبي يحيى بن زكرياعليهما‌السلام ، فراجع كتاب «سيرتنا وسنّتنا » للعلامة الإميني للاطلاع على جانب من النصوص والمصادر.

لماذا لا يُقام المأتم لعمر بن الخطاب وعثمان؟

وأمّا لماذا لا يقيم أهل السنة مأتماً لعمر وعثمان، فإننا نقول في جوابه:

أوّلاً: أمّا عمر بن الخطاب فإنّ قاتله رجل يزعم البعض أنه مجوسي - وإن كنّا نحن نشك في صحة هذا الإدعاء - لأنه رأى نفسه في موقع المظلوم.

والمطالَب بإقامة العزاء لعمر إنما هم أهل السنة، فلعل سبب إحجامهم عن هذا هو حتّى لا تنكشف اُمور لا يحبون كشفها.

ثانياً: أمّا عثمان فإنه قد قُتل برضاً من الصحابة، وبمشاركة منهم، فإقامة الذكرى له سوف تكشف أيضاً أموراً يحرص محبوه على التستر عليها، وعلى أن ينساها الناس.

ثالثاً: لعل أهل السنة لا يقيمون العزاء لعثمان لأنهم ملتزمون بحرمة إقامة مثل هذه الشعائر، لأنهم فهموا بعض الأحاديث خطأً كما أوضحناه، أو لأنهم ملتزمون بسياسات خلفائهم حسبما أشرنا إليه ..

١٢٤

١٢٥

الفصل الثالث:

عاشوراء

عيد أم مأتم؟!

١٢٦

١٢٧

عاشوراء عيد الشامتين بأهل البيتعليهم‌السلام

وإذا أردنا أن نسلّم بما يقال من أنّ عمل السلف حجة وإن لم يكن المعصوم داخلاً فيهم.

وإذا فرضنا صحة قولهم: إنّ عصر الصحابة والتابعين هو العصر الذي تنعقد فيه الإجماعات، وتصير حجة، وتشريعاً متّبعاً.

وإذا كان الإجماع معصوماً، ونبوّة بعد نبوّة حسبما يدّعون(1) .

وإذا كان يحلّ لمسلم أن يدّعي وجود نبوّة بعد نبوّة خاتم النبيّين، خلافاً لنص القرآن الكريم:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (2) .

وإذا كان يجوز عند هؤلاء اطّراح القرآن، وكل ما قاله النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لمجرد أنه انعقد الإجماع بعد عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على

____________________

(1) راجع المنتظم - لابن الجوزي 9 / 210، والإلمام 6 / 123، والأحكام في اُصول الأحكام 1 / 204، 205.

(2) الآية 40 من سورة الأحزاب.

١٢٨

خلافهما، مع التصريح بأن الأمة معصومة(1) .

إذا جاز كل ذلك جاز أن يقال لهؤلاء: لقد سُبَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على اُلوف المنابر في جميع أقطار العالم الإسلامي من قبل وعّاظ السلاطين طيلة عشرات السنين، وشارك في ذلك العديد بل العشرات من الصحابة ..

فهل يجوِّز هؤلاء العودة إلى سبه، وهل يعتبرون ذلك شريعة مرضية لله ولرسوله؟!

كما أن بني اُميّة وكلّ أتباعهم، ومَن كان تحت سيطرتهم، وكذلك بنو أيّوب، ولمدة عشرات السنين قد اتخذوا يوم عاشوراء عيداً، وأوّل من فعل ذلك الحجاج برضا وبمرأى ومسمع من الخليفة عبد الملك بن مروان، وبمرأى ومسمع من بقايا الصحابة وجميع التابعين.

ولم نجد اعتراضاً من أحدٍ منهم، ولا من أيٍّ من علماء الاُمّة وصلحائها - باستثناء أهل البيتعليهم‌السلام الذين كانوا يعملون بمبدأ التقية آنئذٍ - لا في تلك الفترة في عهد الاُمويّين، ولا في زمان بني أيوب وبعده.

____________________

(1) راجع تهذيب الأسماء 1 / 42، وراجع الإلمام 6 / 123، والباعث الحثيث / 35، وشرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري 1 / 28، ونهاية السول 3 / 325، وسلم الوصول 3 / 326، وعلوم الحديث - لابن الصلاح / 24، وإرشاد الفحول / 82، 80، والإحكام في اُصول الأحكام - للآمدي 4 / 188، 189.

١٢٩

ثمّ إنّهم يؤكّدون لزوم السرور في هذا اليوم بما يروونه من حوادث عظيمة اتّفق وقوعها فيه، من قبيل: توبة الله فيه على آدم، واستواء السفينة على الجودي، وإنجاء النبي إبراهيمعليه‌السلام من النار، وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك(1) .

ويا ليتهم اكتفوا بذلك، بل لقد تعدّو ذلك إلى الإفتاء بحرمة لعن يزيد (لعنه الله)، وعدم جواز تكفيره، وقالوا: إنّه من جملة المؤمنين(2) .

بل لقد قال ابن الصلاح: «وأمّا سب يزيد ولعنه فليس ذلك من شأن المؤمنين وإن صحّ أنه قتله أو أمر بقتله»(3) ، زاعمين أنه يجوز لعن قتلة الأنبياء ومَن عُلم موته على الكفر.

وتقدّمت بعض محاولاتهم في الدفاع عنه.

كما أن الجمهور قد خالفوا في جواز لعنه بالتعيين(4) .

____________________

(1) راجع على سبيل المثال عجائب المخلوقات، بهامش حياة الحيوان 1 / 114، والصواعق المحرقة 2 / 535.

(2) الصواعق المحرقة 2 / 639، وإحياء علوم الدين 3 / 125، وقيد الشريد / 61 عن مال الدين الأردبيلي، وراجع / 63، 70، 80، وراجع العواصم من القواصم / 232، 233، وهوامشه لترى دفاعهم المستميت عن يزيد (لعنه الله) تعالى. وراجع البداية والنهاية 8، وذكر في كتاب (يزيد بن معاوية الخليفة المُفترى عليه) طائفة من هؤلاء، فراجع / 124 وغير ذلك.

(3) الصواعق المحرقة 2 / 639، وقيد الشريد / 59.

(4) الإتحاف بحب الأشراف / 62، والصواعق المحرقة 2 / 638.

١٣٠

وقال عبد الغني سرور المقدسي: إنّما يمنع من التعرّض للوقوع فيه خوفاً من التسلق إلى أبيه، وشكَّاً لباب الفتنة(1) ! بل قال الشبراوي الشافعي، عن الغزالي وابن العربي: فإنّ كلاهما قد بالغ في تحريم سبّه ولعنه، لكن كلاهما مردود(2) .

تحريم رواية المقتل

ثمّ زادوا في الطنبور نغمة، فقالوا: «يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته».

قال ذلك الغزالي وغيره(3) .

وليس ذلك ببعيد على من لا يرى بأساً بالسكوت حتّى عن لعن إبليس كما عن ابن أبي شريف، بل قال الرملي: «ينبغي لنا أن لا نلعنه»(4) !

وقال الغزالي: «بل ولو لم يلعن إبليس طول عمره، مع جواز اللعن عليه، لا يُقال له يوم القيامة: لمَ لا تلعن إبليس؟»!

وقال: «وأما الترحم عليه (أي على يزيد) فجائز، بل مستحب، وهو داخل في قولنا: اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمناً»(5) !

____________________

(1) قيد الشريد / 70.

(2) الإتحاف بحب الأشراف / 68.

(3) الصواعق المحرقة 2 / 640، وأغاليط المؤرّخين / 131، وقيد الشريد / 61.

(4) الإتحاف بحب الأشراف / 67، 68، وإحياء العلوم 3 / 125، 126.

(5) إحياء العلوم 3 / 126 فما بعدها، وقيد الشريد / 57.

١٣١

تحريم التحزّن والتفجّع في عاشوراء

أمّا تحريم التحزّن والتجمع في يوم عاشوراء(1) فلعله أهون تلكم الشرور بعد أن كانوا وما زالوا يهاجمون مجالس عزاء الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويقتلون مَن يقدرون عليه من المشاركين فيها، بل ويحرقون المساجد، ويفعلون الأفاعيل في سبيل ذلك(2) .

وتلك هي تطبيقات ذلك في باكستان، وفي غيرها من البلاد ماثلة للعيان، يراها ويسمع الناس بها في كل عام.

المزيد من الشواهد

ومن أجل التأكيد على حقيقة اعتبارهم عاشوراء عيداً، التي ألمحنا إليها فيما سبق، نزيد في توضيح ذلك من خلال إيراد النصوص التالية:

قال زكريا القزويني: زعم بنو اُميّة أنهم اتخذوه عيداً، فتزيّنوا فيه، وأقاموا الضيافات.

والشيعة اتخذوه يوم عزاء، ينوحون فيه ويجتنبون الزينة.

وأهل السنّة يزعمون: أنّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد

____________________

(1) إقتضاء الصراط المستقيم / 299، 300، ونظم درر السمطين / 228.

(2) راجع كتاب صراع الحرية في عصر الشيخ المفيد، والمنتظم، وشذرات الذهب، والكامل - لابن الأثير، والبداية والنهاية، وهم يتحدّثون عن الفتن في بغداد بين أهل السنّة والرافضة في مطلع كل عام بمناسبة عاشوراء.

١٣٢

في تلك السنة(1) .

ومَن اغتسل فيه لم يمرض ذلك العام، ومَن وسّع على عياله وسّع الله عليه سائر سنته(2) .

وقال عن شهر صفر: اليوم الأول منه عيد بني اُميّة، أدخلت فيه رأس الحسين رضي الله عنه بدمشق(3) .

وقال البيروني بعد ذكر ما جرى على الإمام الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء:

فأمّا بنو اُميّة فقد لبسوا فيه ما تجدّد، وتزيّنوا، واكتحلوا، وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات، وأطعموا الحلاوات والطيّبات، وجرى الرسم في العامّة على ذلك أيّام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.

وأمّا الشيعة فإنّهم ينوحون ويبكون، أسفا لقتل سيد الشهداء فيه(4) .

____________________

(1) عجائب المخلوقات، بهامش حياة الحيوان 1 / 115، ونظم درر السمطين / 230، والصواعق المحرقة 2 / 534، والحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري 1 / 138.

(2) نظم درر السمطين / 230، والصواعق المحرقة 2 / 535، 536، وراجع المعجم الكبير 10 / 94، والكامل - لابن عدي 5 / 211، والعلل المتناهية 2 / 62، 63، والضعفاء - للعقيلي 4 / 65، ومعجم الزوائد 3 / 89 وغير ذلك كثير.

(3) نظم درر السمطين / 230.

(4) الكنى والألقاب 1 / 431، وراجع الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري 1 / 137، والآثار الباقية - للبيروني / 329 ط أوربا.

١٣٣

ويقول المقريزي: ... فلمّا زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه على عيالهم، وينبسطون في المطاعم، ويتّخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام التي سنّها الحجّاج في أيّام عبد الملك بن مروان، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي، لأنه قُتل فيه.

وقال: وقد أدركنا بقايا ممّا عمله بنو أيّوب من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسّط(1) .

أمّا ابن حجر الهيثمي والزرندي فقد أشارا إلى هذا الأمر في معرض نهيهما عن الندب والنياحة، والحزن يوم عاشوراء الذي هو من بدع الرافضة بزعمهما، ثم أشار إلى ما يقابل ذلك، فنهيا عن العمل ببدع الناصبة «المتعصبين على أهل البيت »، أو الجهّال المقابلين الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة، والشر بالشر، من إظهار غاية الفرح، واتخاذه عيداً، وإظهار الزينة فيه، كالخضاب والاكتحال، ولبس جديد الثياب، وتوسيع النفقات، وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات، واعتقادهم أنّ ذلك من السنة والمعتاد(2) .

____________________

(1) الخطط والآثار 1 / 490، والحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري 1 / 138 عنه.

(2) الصواعق المحرقة 2 / 534، ونظم درر السمطين / 228، 229، 230.

١٣٤

هذا .. وقد ورد في زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقرعليه‌السلام قوله: «اللهمَّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو اُميّة، وابنُ آكلة الأكباد ...»(1) .

وحتّى ابن تيمية، وهو المتعصب المتحامل على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم، لم يستطع أن يظهر الرضا بهذا الأمر، فهو يقول: ...

«وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة »(2) .

التزلّف الوقح

وأضاف ابن تيمية إلى عبارته الآنفة الذكر قوله:

... وقد وُضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه، من الاغتسال والاكتحال إلخ(3) .

وقال: ... وأحدث فيه بعض الناس أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها، مثل فضل الاغتسال فيه، أو التكحّل، أو المصافحة.

وهذه الأشياء ونحوها من الاُمور المبتدعة، كلها مكروهة، وإنما المستحب صومه.

وقد روي في التوسع على العيال آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث

____________________

(1) مصابيح الجنان / 291.

(2) إقتضاء الصراط المستقيم / 301.

(3) إقتضاء الصراط المستقيم / 301، وراجع نظم درر السمطين / 230.

١٣٥

إبراهيم بن محمّد بن المنتشر، عن أبيه قال: بلغنا أنه مَن وسّع على أهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته. رواه ابن عيينة.

وهذا بلاغ منقطع لا يُعرف قائله.

والأشبه أنّ هذا وُضع لمّا ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة، فإنّ هؤلاء عدّوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع اُولئك فيه آثاراً تقتضي التوسّع فيه، واتخاذه عيداً(1) .

ونقول: قد عرفت أنّ صومه مكذوب أيضاً.

بل لقد بلغ بهم الأمر: أن رووا عن ابن عباس في تفسير آية:( مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ) .

أنه قال: يوم الزينة يوم عاشوراء(2) .

وعن ابن عمر، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة، ومَن تصدّق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة. يعني يوم عاشوراء(3) .

____________________

(1) إقتضاء الصراط المستقيم / 300، وللاطلاع على بعض هذه الأحاديث راجع نوادر الاُصول / 246، والسيرة الحلبية 2 / 134، واللآلئ المصنوعة 1 / 108 - 116، وتذكرة الموضوعات / 118، ونظم درر السمطين / 230.

(2) الدر المنثور 4 / 303 عن سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر. وراجع عجائب المخلوقات، بهامش حياة الحيوان 1 / 114.

(3) الدر المنثور 4 / 303 عن ابن المنذر.

١٣٦

بل تقدّم أنّ أهل السنّة يزعمون: «أنّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة» ..

أمّا ابن الحاج فذكر عن يوم عاشوراء: «أنه يستحب التوسعة فيه على الأهل والأقارب، واليتامى والمساكين، وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها، بحيث لا يجهل ذلك»(1) .

وبعد أن ذكر أشياء تُفعل في هذا اليوم لم تُعرف عن السلف، كذبح الدجاج، وطبخ الحبوب، وزيارة القبور، ودخول النساء الجامع العتيق بمصر وهنّ في حال الزينة الحسنة، والتحلّي، والتبرّج للرجال، وكشف بعض أبدانهنّ، ويقمن فيه من أول النهار إلى الزوال، بعد أن ذكر ذلك قال:

ومن البدع أيضاً محرهن فيه الكتان، وتسريحه، وغزله، وتبييضه في ذلك اليوم بعينه، ويشلنه ليخطن به الكفن، ويزعمن أنّ منكراً ونكيراً لا يأتيان من كفنها مخيط بذلك الغزل.

إلى أن قال:

وممّا أحدثوه فيه من البدع: البخورُ، فمن لم يشتره منهم في ذلك اليوم ويتبخّر به فكأنه ارتكب أمراً عظيماً. وكونه سنّة عندهن لا بدّ من فعلها، وادخارهن له طول السنة يتبركن به، ويتبخّرن إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني.

ويزعمون أنه إذا بخّر به المسجون خرج من سجنه، وأنه يبرئ من

____________________

(1) المدخل - لابن الحاج 1 / 289.

١٣٧

العين، والنظرة، والمصاب، والموعوك إلخ(1) .

نعم، هذه هي أقاويلهم، وتلك هي أفاعيلهم في يوم مصاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بولده الإمام الحسينعليه‌السلام ، فاضحك من ذلك، أو فابكِ، فإنك حقيق بهذا أو بذاك، بل بهما معاً ..

فإلى الله المشتكى من اُمّة قتلت ابن بنت نبيها، ثمّ لم يزل يسعى هؤلاء المتحذلقون، ليس فقط إلى تبرئة قاتله، بل هم قد لا يرضيهم إلاّ أن يرفعوه إلى درجات القدّيسين، وإعطائه مقامات الأنبياء والمرسلين لو وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

ولكن يأبى الله إلاّ أن يتم نوره، وينصر دينه، ويعزّ أولياءه، إنه قوي عزيز.

____________________

(1) المدخل 1 / 291، وراجع ص 290.

١٣٨

١٣٩

كلمة أخيرة

وبعد ..

فإننا نحسب أنّ ما ذكرناه في هذه الإطلالة كافٍ ووافٍ لإعطاء الانطباع الصحيح عن الحقِّ والحقيقة في أمر يعتبر من البديهيات التي لا تحتاج لاكتشافها والتعرف عليها إلى هذا الحشد الكثير، ولا إلى ذلك جهد كبير.

ولكن التجارب والأيام قد علّمتنا أنّ هؤلاء الناس لا يقتنعون بالمنطق وبالعلم الصحيح، ولا يريدون أن يقنعوا الناس به. ثمَّ هم يريدون أن يصدّوهم عنه، ولو بأن يتلاعبوا بعواطفهم ومشاعرهم، وأن يشحنوهم بالكراهية والضغينة على إخوانهم، وأن تكون الأحقاد التي يغذيها الكذب والتزوير هي سيدة الموقف، وهي التي تحكم الحركة والسلوك والعلاقات بين المسلمين.

إنّهم يريدون أن يزيّنوا آراءهم الباطلة وضلالاتهم للناس بترّهات خادعة، وبشعارات لامعة، وإثارات بارعة ومائعة، حتّى إذا فشلت في التضليل وفي التجهيل، كان البديل عنها لديهم هو أساليب القمع الفظة

١٤٠