• البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11593 / تحميل: 5340
الحجم الحجم الحجم
عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني

مؤلف:
العربية

قضية بصورة متناقضة تماماً مع سائر الحقائق التي سجّلها لنا التاريخ!

وسوف نقتصر في بحثنا المقتضب هذا على أقل القليل من الشواهد ومن المصادر على حد سواء.

ونعتبر هذا الذي نذكره هنا بمثابة إطلالة سريعة تهدف إلى مجرّد الإشارة إلى مدى تجنّي الممهّدين للسفياني على الحقيقة وعلى أهلها.

فإلى ما يلي من فصول ومطالب:

٢١

القسم الأول:

يزيد (لعنه الله)

هو الباغي بجميع المعايير

٢٢

٢٣

الفصل الأوّل:

سياسات ونتائج

٢٤

٢٥

الكذبة الكبيرة

إنّ الملاحظ هو:

أنّ بداية الكلام في المنشور وفي السطرين الأوّلين منه بالذات تضمّنت كذبة كبيرة، مفادها:

أنّ يزيد (لعنه الله) قد بويع ولم يبايع الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ، ولا عبد الله بن الزبير.

قد جاءت هذه الكذبة لتعطي الانطباع بأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد خرج على إمام قد تمّت بيعته، وصحَّت إمامته، ممّا يعني أنّه هو الباغي على إمام زمانه، وأن يزيد (لعنه الله) كان في موقع الدفاع!

مع أنّ الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، وقد كان عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار اُموراً كثيرة كلها تدحض هذا المنطق وتدينه، نسوق في هذه العجالة بعضاً منها، وذلك ضمن ما يلي من مطالب:

الحسن والحسينعليهما‌السلام إمامان:

1 - إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن الحسن والحسينعليهما‌السلام :

٢٦

«ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(1) .

وفي نص آخر: «الحسن والحسين إماما اُمّتي بعد أبيهما»(2) .

وهناك حديث الخلفاء أو الأئمة بعدي اثنا عشر، والأحاديث الدالة على أنهم من ذرّيتهعليه‌السلام (3) .

فإمامة الحسن والحسينعليهما‌السلام مجعولة من قبل الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا ينطق عن الهوى، وليس لأحد الحقّ في الافتئات عليهما في ذلك ..

فما معنى تصدّي معاوية للإمام الحسنعليه‌السلام ، ثمّ تصدّي يزيد (لعنه الله) للإمام الحسينعليه‌السلام ، واغتصاب مقام جعله الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهماعليهما‌السلام دون ابن آكلة الأكباد وولده؟!

الصلح الحسني العظيم

ثمّ إنّ الصلح الحسني العظيم قد ضمن لحركة الإمام الحسينعليه‌السلام الجهادية صفاءها ونقاءها، وأبطل كل محاولات النيل منها،

____________________

(1) علل الشرايع 1 / 211، والإرشاد 2 / 30، ومناقب آل أبي طالب 3 / 367، ط مكتبة مصطفوي - قم - إيران، والبحار 36 / 289، 325، وج43 / 278، وج44 / 2، وج21 / 279، وج37 / 7، وج16 / 307، واللمعة البيضاء / 40.

(2) فرائد السمطين للحمويني 1 / 55، وإحقاق الحق 5 / 55 عنه.

(3) راجع إحقاق الحقِّ وملحقاته للسيد المرعشي النجفي تجد أحاديث كثيرة مروية عن أهل السنة، كلها تصب في هذا الاتجاه.

٢٧

وتوضيح ذلك يحتاج إلى بسط في القول وفنون من البيان.

فنقول:

عظمة عمر بن الخطاب في العرب

لقد كان لعمر بن الخطاب مكانة عظيمة وهيمنة على قلوب العرب، فكان قوله فيهم كالشرع المتبع، حتّى لقد رووا أنّ القرآن قد نزل بموافقته مرات عديدة، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك(1) .

ومحبتهم له ترجع إلى عدة أسباب، منها: ما قام به من فتوحات استفادوا منها الأموال والمقامات والرياسات، وحصلوا على الحسناوات، ومنها سياسة تفضيل العرب على غيرهم التي انتهجها وتوسّع فيها لتشمل مختلف الجهات والحالات، وقطع فيها شوطاً بعيداً، فسقطت منزلة غير العرب لصالح العرب كما أوضحناه في كتابنا «سلمان الفارسي في مواجهة التحدّي ».

معاوية الرجل المفضّل عند عمر:

وكان معاوية بن أبي سفيان عاملاً على الشام لعمر بن الخطاب، فكان هو الرجل المفضّل والمدلل عنده، حتّى إنه كان طيلة فترة حكمه يحاسب جميع عماله في كل عام، ويقاسمهم أموالهم، ويُبقي مَن يُبقي ويعزل مَن يعزل منهم، ولا يبقي عاملاً أكثر من عامين(2) ، باستثناء

____________________

(1) شرح النهج 6 / 328، وج12 / 57، وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي / 32، وتهذيب الكمال 21 / 324، وتهذيب التهذيب 7 / 387.

(2) راجع التراتيب الإدارية 1 / 269.

٢٨

معاوية، فإنه أبقاه وأطلق يده، وقال له: لا آمرك ولا أنهاك(1) . ليتصرف كيف يشاء من دون حساب ولا كتاب، ولا سؤال ولا جواب.

فهو بعمله هذا تجاه عمّاله يشكّكهم في أنفسهم، ويشكك الناس بهم، ويجعلهم مظنّة للخيانة، ويواجههم بما يضعف شخصيتهم، ولكنه يرفع شأن معاوية، ويعزز مقامه، ويزيده شوكة وعظمة ونفوذاً، بل هو قد كان إذا نظر إليه يقول: هذا كسرى العرب(2) .

ويقول عن عمرو بن العاص:

ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلاّ أميراً(3) .

بل هو قد قال لأهل الشورى: يا أصحاب محمّد، تناصحوا فإنّكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان(4) .

____________________

(1) البداية والنهاية 8 / 133، وتاريخ مدينة دمشق 59 / 112، وسير أعلام النبلاء 3 / 133، وشرح النهج - للمعتزلي 8 / 300، وراجع دلائل الصدق 3 قسم 1 / 212 عن الطبري 6 / 184 وعن الاستيعاب.

(2) البداية والنهاية 8 / 134، 135، وتاريخ مدينة دمشق 59 / 114، واُسد الغابة 4 / 386، والإصابة 3 / 434، والاستيعاب بهامش الإصابة 3 / 396 - 397، وسير أعلام النبلاء 3 / 134، وراجع الفخري في الآداب السلطانية / 105.

(3) فتوح مصر وأخبارها / 180، والإصابة 3 / 2، وسير أعلام النبلاء 3 / 70، وفي هامشه عن ابن عساكر 13 / 257.

(4) شرح النهج - لابن أبي الحديد المعتزلي 3 / 99، وراجع 1 / 187، وكنز العمال 11 / 267 ط مؤسسة الرسالة، وراجع أيضاً 5 / 436 ط سنة 1384 هـ

٢٩

ومدائح عمر لمعاوية كثيرة( 1 ) .

وقد صرح معاوية نفسه بأنه قد دبّر الأمر من زمن عمر(2) ، وما إلى ذلك.

مع أن معاوية وعمرو بن العاص لم يكن لهما ذلك الشأن بين المسلمين، كما فقد أبو سفيان زعيم الشرك وقائد جيوشه ضد الإسلام قد فقد موقعه وأهميته ونفوذه.

عمر يمهّد لمعاوية وبني اُميّة

ولعل سبب محبة عمر لمعاوية هو أنه وجد فيه الرجل المناسب، إذ اعتمد على بني اُميّة ومَن تابعهم لإنجاز أمر هام طالما كان عمر يفكّر فيه.

وهذا الأمر هو أنه قد كانت لدى عمر بن الخطاب رغبة بإبعاد أمر الخلافة عن الإمام عليعليه‌السلام وبني هاشم، وكان يعلم أن أيّاً من أبنائه غير قادر على التصدي لهذا الأمر، كما كان يدرك أن بني اُميّة هم الأكثر جرأة على اقتحام الصعاب في هذا السبيل. ولكنه كان يعلم أيضاً أنّ نقل الأمر لمعاوية مباشرة لن يكون مقبولاً ولا معقولاً مع وجود الإمام عليعليه‌السلام وغيره من وجوه ومشاهير الصحابة، وذوي [الشأن] منهم، خصوصاً أنّ معاوية من أبناء الطلقاء، فآثر من أجل هذه

____________________

وتاريخ مدينة دمشق 46 / 175، والإصابة 3 / 434 فإنّ النصوص وإن اختلفت لكنها تؤكّد على معنى واحد.

(1) راجع كتابنا «الحياة السياسيّة للإمام الحسنعليه‌السلام » / 73 - 74.

(2) راجع الأذكياء - لابن الجوزي / 28.

٣٠

الأسباب وسواها أن يكون ثمة همزة وصل وسبب نقل.

فكان عثمان بن عفان - الشيخ الاُموي - هو المؤهّل بنظره لذلك، فإذا تولّى الأمر فسوف يبقي معاوية على الشام ما دام حياً، وسيزيد ذلك معاوية قوة، أمّا بعد موته فإنّ معاوية لن يستسلم للإمام عليعليه‌السلام ولا لغيره بعد أن يكون قد حكم بلاد الشام حوالي عشرين سنة، وربّاهم على يديه، وثقَّفهم بمفاهيمه، ونشَّأهم على محبته والارتباط به، ومحبة من أحب، والعداء لمن عادى حتّى لو كان الإمام علياًعليه‌السلام . لأنّ أهل الشام لم يعرفوا الإمام علياًعليه‌السلام ، ولا جهاده، ولا زهده، ولا علمه، ولا ولا ..، بل عرفوا وتربّوا على إسلام معاوية، وإسلام الأطماع والغدر، والخيانات والظلم، والاستئثار والاحتيال، والبحث عن الشهوات، وارتكاب الجرائم، والتزام مفاهيم الجاهليّة الملبّسة بلباس الدين.

فرسم الخطة في الشورى، واختار الأشخاص، وأصدر قرارات تجعل من تولّي عثمان من بعده أمراً يقينياً وحتمياً ..

فقد روي أن عمر حين طُعن قال:

ادعوا لي أبا طلحة الأنصاري. فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلاً من الأنصار، حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم.

فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ..

٣١

وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ...

وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرّت الثلاثة الاُخرى على خلافها فاضرب أعناقها ...

وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم(1) .

وفي نص آخر:

حدّثنا موسى بن هارون، عن قتيبة بن سعيد، عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه:

أن عمر قال للستة: هم الذين خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الدنيا وهو عنهم راض، بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فإذا بايعتم لمن بايع له عبد الرحمن، فمن أبى فاضربوا عنقه(2) .

وسارت الاُمور بالاتجاه الذي رسمه عمر لها. فإنه كان يعرف ميول ابن عوف، ويعرف طبيعة التركيبة التي اختارها لأركان الشورى أيضاً. وانتهت الاُمور بقتل عثمان، وبغى معاوية على الإمام عليعليه‌السلام

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 1 / 187، التنبيه والإشراف / 253.

(2) المعجم الأوسط 8 / 95، وكنز العمال 5 / 743، ومجمع الزوائد 5 / 184، وتاريخ اليعقوبي 2 / 160، وتاريخ مدينة دمشق 35 / 289، وج39 / 190، سبل الهدى والرشاد 11 / 273.

٣٢

وحاربه، وأثار الشبهات، واستفاد من سياسات عمر ومن غيرها لإحكام قبضته على ما في يده، والتوثّب على ما في يد الإمام عليعليه‌السلام ، إلى أن استشهد الإمامعليه‌السلام ، وأمسك الإمام الحسنعليه‌السلام بأزمة الاُمور بعد وفاة أبيه، فتحرك معاوية بعد ثمانية عشر يوماً(1) بجيشه نحو العراق ليحاربه كما حارب أباه من قبل.

وكان جيش معاوية يتّفق معه في الأهداف وفي السلوك، وفي النهج السياسي وفي الولاء وغير ذلك ...

أمّا الإمام الحسنعليه‌السلام فلم يكن جيشه يتفق معه في شيء من ذلك، بل هو إلى معاوية أقرب وأكثر انسجاماً معه. كما أن العراقيِّين أنفسهم إنما يعرفون إسلام معاوية لا إسلام الإمام عليعليه‌السلام ، ولا الإمام الحسنعليه‌السلام ، ولم يكن بينه وبينهم علاقة مصالح، ولا علاقة عاطفية، بل كانوا يرون أن مصالحهم مع المناوئين له، وهم لا يقاتلون على نفس الشيء الذي كان الإمام علي والإمام الحسنعليهما‌السلام يقاتلون من أجله، فهم كانوا في وادٍ والإمامانعليهما‌السلام في وادٍ آخر. بل كانوا منسجمين في فكرهم وعقائدهم، وسلوكهم وأهدافهم وارتباطاتهم العاطفية مع معاوية أكثر ممّا هم منسجمون مع الإمام علي والحسنعليهما‌السلام .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 214.

٣٣

التأسيس في الخمسين سنة الاُولى

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ التأمّل في الاُمور يعطي أنّ الخمسين سنة التي تلت استشهاد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت هي فترة التأسيس لبقاء هذا الدين، وإرساء قواعده العقديّة والفكريّة والسياسيّة لتجد سبيلها إلى فكر ووعي الاُمم والأجيال المتعاقبة.

فكل ما يقال ويمارس في هذه الفترة لا بدّ أن يكون له صدى وحضور في الفكر والعقيدة، والسياسة والممارسة الدينية عبر الدهور والعصور المتعاقبة، فغياب الحق وأهله في هذه الفترة معناه غيابهما في المراحل التي تليها، وبمقدار ما يكون لهما حضور في فترة التأسيس فسيكون لهما حضور في المراحل التالية، وذلك لأنّ الأجيال والاُمم سوف تستقي من فترة التأسيس المشار إليها، حيث ستصبح المنبع والرافد للناس في جميع العصور والدهور في فكرهم وعقائدهم، ودينهم ومفردات إيمانهم.

الحسنانعليهما‌السلام في فترة التأسيس:

وقد عاش الإمامان الحسن والحسينعليهما‌السلام في هذه الفترة بالذات، وكان لا بدّ لهما فيها من التعاطي مع الاُمور بصورة تحقّق أمرين:

أحدهما: حفظ الشيعة.

والثاني: حفظ جهود الأنبياء بحفظ الدين الذي جاؤوا به، وبحفظ معالمه واُسسه ومبانيه في سياساته، وفي عقائده ومفاهيمه، ومن أهمها وأخطرها موضوع الإمامة في مبانيها الفكرية والإيمانية

٣٤

والعقديّة، وتحديد مفهومها، وبيان شؤونها وحالاتها، ومواصفات وشرائط وحالات الإمام الحق، وليتميَّز بذلك عن المزيفين والمدّعين للباطل.

٣٥

الفصل الثاني:

الإمام الحسنعليه‌السلام

بين خياري السلم والحرب

٣٦

٣٧

بعد استشهاد الإمامعليه‌السلام

لقد استشهد الإمام عليعليه‌السلام في سنة أربعين للهجرة بعد معاناة طويلة وحروب دامية له ضد الظالمين والطامعين وطلاب اللبانات، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.

وكانت الإمامة والخلافة من بعد الإمام عليعليه‌السلام للإمام الحسنعليه‌السلام ، في الوقت الذي كان لا يزال معاوية مصراً على موقفه، رافضاً التخلّي عن حكم الشام والدخول فيما دخل فيه المسلمون.

بل هو بمجرد أن سمع باستشهاد الإمام عليعليه‌السلام ، وبعد ثمانية عشر يوماً فقط جرَّد جيشاً قوامه ستون ألفاً، وقصد العراق ليحارب الإمام الحسن (صلوات الله وسلامه عليه).

الإمام الحسنعليه‌السلام بين خياري السلم والحرب:

وقد قلنا: إنه كان لا بدّ للإمام الحسنعليه‌السلام من السعي لتحقيق هدفين:

أحدهما: حفظ الشيعة.

والثاني: حفظ جهود الأنبياء بحفظ الدين في عقائده وسياساته،

٣٨

ومفاهيمه وقيمه، وفي أحكامه وشرائعه.

وقد كان أمام الإمام الحسنعليه‌السلام خياران للوصول إلى هذين الهدفين:

أحدهما: الحرب.

الثاني: السلم.

خيار الحرب:

أمّا خيار الحرب فإنه يجعله أمام ثلاثة احتمالات لا بدّ في كل واحد منها من الموازنة بين التضحيات وبين النتائج، ثمّ اختيار الخيار الذي يحقق الأتم والأفضل والأصلح منها، حيث إنّ موقع الإمامة يفرض على الإمام التفكير في جميع الجوانب والحالات التي تواجهه في سياسة الاُمّة من أجل حفظ دينها، ووجودها ومصالحها.

ومهما يكن من أمر فإنّ الخيارات الثلاثة هي التالية:

الأوّل: أن يتمكن من تحقيق النصر ولا بدّ في هذه الحالة من دفع ثمن لهذا النصر، وهو:

أولاً - أرواح المئات والاُلوف من المسلمين(1)، وفيهم المخلصون، والأطياب الأطهار من أهل الإيمان، ومن شيعته الذين هم خلاصة جهود

___________________

(1) يلاحظ أنهم يقولون: إن الذين قتلوا في حرب صفّين قد بلغوا سبعين ألفاً، منهم خمسة وعشرون ألفاً من جيش الإمام عليعليه‌السلام ، وخمسة وعشرون ألفاً من جيش معاوية. راجع صفّين - للمنقري / 558.

٣٩

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن قبله الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذين كان معاوية نفسه قد قتل قسماً منهم في حرب صفّين، وقُتل قسم آخر منهم في حرب الجمل قبل ذلك.

ثانياً - ما ينشأ عن الحرب من سلبيات وأخطار اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وغيرها.

أمّا نتائج الحرب: فقد لا تكون في قيمتها وأهمّيتها في مستوى تلك الخسائر، لأنّ هزيمة أتباع الخط المناوئ لأهل البيتعليهم‌السلام لا تعني القضاء عليهم، لأن انتصار الإمام الحسنعليه‌السلام ليس مثل انتصار معاوية - كما بيّنّاه - لأنّ انتصار الإمامعليه‌السلام يقتصر على وأد الفتنة، وإسقاط القدرة القتالية للطرف الآخر، وسوف يصبح الجميع بعد الحرب في أمن وأمان. ثمّ البدء في عملية إصلاح واستصلاح مع حفظ سلامة الجميع، تماماً كما حصل في حرب الجمل، فإنّه بعد أن وضعت الحرب أوزارها عومل اُولئك المحاربون - حتّى زعماء الحرب وأركانها مثل ابن الزبير ومروان وأضرابهما - بالرفق واللين، حتّى وكأن شيئاً لم يكن، كما أنّ علياً في النهروان قد داوى جرحى الخوارج ولم يتعرض لهم بالأذى، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فتح مكة قد عفا عنهم، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء ».

أمّا انتصار معاوية فإنّه لا يكون إلاّ بقتل الحسن ثمّ الحسينعليهما‌السلام ، وبني هاشم وشيعتهم، فضلاً عمّن يُقتل من سائر الناس. فنصر معاوية نصر إبادة، ونصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام علي والإمام الحسن والأئمةعليهم‌السلام نصر حقن الدماء وإصلاح واستصلاح.

٤٠