كربلاء الثورة والمأساة

كربلاء الثورة والمأساة0%

كربلاء الثورة والمأساة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 346

كربلاء الثورة والمأساة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد حسين يعقوب
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 346
المشاهدات: 25044
تحميل: 6119

توضيحات:

كربلاء الثورة والمأساة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 346 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25044 / تحميل: 6119
الحجم الحجم الحجم
كربلاء الثورة والمأساة

كربلاء الثورة والمأساة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين... »(1) .

فالوصية مصاغة ومعدّة لتكون بمثابة رسالة خاصة لكلِّ واحد من أبناء الاُمّة تبيّن له وبمنتهى الإيجاز الغاية من خروج الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي بمثابة سؤال موجّه لكلِّ فرد من أفراد الاُمّة مفاده: هل تقبل هذا الحقَّ أو تردّه على صاحبه؟ وهي بمثابة دعوة لكل من بلغ لينصر هذا الحقّ.

وهذه الوصية التي سمعت بها الاُمّة بالضرورة هي بمثابة الحجة التي يقيمها الإمام الحسينعليه‌السلام على الاُمّة. ولم يتوقف الإمام الحسينعليه‌السلام عند الوصية، بل كشف للاُمّة حقيقة الخليفة ونظامه، فأعلن أمام الاُمّة أنّ الخليفة ومن والاه قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين(2) .

وصعّد الإمامعليه‌السلام هجومه على النظام؛ إمعاناً بكشف زيفه وإظهاره على حقيقته، فقال في خطبة له: «... فبعداً وسحقاً لطواغيت هذه الاُمّة، وبقية الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومطفئ السنن، ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، وعصاة الإمام، وملحقي العهرة بالنسب، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون!... »(3) .

ثمّ كشف ابن النبي حال الخليفة وأركان دولته، فقال أمام فرقة من فرقهم: «... لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبُعداً للقوم الظالمين!... »(4) .

وطلب الإمامعليه‌السلام من الاُمّة أن ترجع إلى نفسها أبجديات الفهم، فقال:

____________________

(1) بحار الأنوار 44 / 329، والمناقب لابن شهر آشوب 4 / 89، والعوالم 17 / 179، وأشار إلى بعض الوصية ابن أعثم الكوفي [في] الفتوح 5 / 23، وراجع الموسوعة / 361.

(2) راجع تذكرة الخواصّ / 217، والموسوعة / 326.

(3) الاحتجاج / 336، والمناقب لابن شهر آشوب 4 / 11 مختصراً، وبحار الأنوار 45 / 83.

(4) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 251، والمناقب لابن شهر آشوب 4 / 100، وبحار الأنوار 45 / 5، والعوالم 17 / 249.

١٦١

«... فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب، والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحق، ولا يهدي ولا يهتدى »(1) .

لقد استغل الإمامعليه‌السلام فترة مطاردة دولة الخلافة له أحسن استغلال، وكل ليلة قضاها الإمام الحسينعليه‌السلام مطارداً، وكل تصريح أدلى به ما هو إلاّ صرخة مدويّة لتستفيق الاُمّة من غفوتها وترهّلها ونومها العميق، ولوناً من ألوان الحجة البالغة التي أمر الإمام الحسينعليه‌السلام على إقامتها كاملة على الاُمّة.

مضمون وصية الإمام الحسينعليه‌السلام التي كتبها لأخيه محمّد بن الحنفيّة قد عرف من العامة والخاصة على السواء، وعرفته دولة الخلافة، وعرفته رعايا دولة الخلافة بالضرورة؛ فهو يبرر امتناع الإمام الحسينعليه‌السلام عن البيعة، ويبرر أسباب خروجه من جوار جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكل فرد من أفراد الاُمّة عرف بالضرورة أن الخليفة وأركان دولته يطاردون الإمام الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام ليقبضوا عليهم، ويُكرهونهم على البيعة أو يقتلونهم.

وكل فرد من أفراد الاُمّة كان يعلم علم اليقين أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يبحث عمّن ينصره، ويحميه ويحمي أهل بيته، ويحمي دعوة الحق التي ينادي بها.

وكل فرد من أفراد الاُمّة سمع بكل التصريحات التي أدلى بها الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تصريحات واضحة لا تحتاج إلى توضيح، وهي تفيض بأنبل مشاعر الإخلاص للإسلام وقضيّته، وتضع بين يدي أفراد الاُمّة قراءة موضوعية لواقع دولة الخلافة المناقض تماماً للشرع الحنيف.

وكل الاُمّة كانت تعرف بأن الإمام الحسينعليه‌السلام لن يتراجع عن موقفه لنصرة الحق، وأنّه بانتظار المخلصين من الاُمّة ليشاركوه نصرة الحق.

وانتظر الإمام الحسينعليه‌السلام اُولئك المخلصين مدة طويلة، وصمد من شهر رجب حتّى العاشر من محرم بوجه مطاردة دولة عظمى في زمانها، وطال انتظاره ولم يأتِ المخلصون، واخترقت نداءاته القدسية طبلة اُذن كل فرد من أفراد الاُمّة.

وتجاهلت الاُمّة نداءات الإمامعليه‌السلام ، وخذلته الاُمّة بالفعل. كان الإمام سلفاً يعلم بأن الاُمّة ستخذله وستضيعه، ولن تحفظه، بدليل شكواه أمام قبر جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل خروجه من المدينة، حيث قال: « السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن

____________________

(1) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 35، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 195.

١٦٢

فرختك، وسبطك في الخلف الذي خلّفت على اُمّتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم خذلوني وضيّعوني، وأنهم لم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك »(1) .

فقبل أن يخرج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة كان يعلم علم اليقين أن الاُمّة ستخذله وستضيعه، ولن تحفظه، وستتفرج على الفرعون وجنوده وهم يطاردون آل محمّد وأهل بيته وذوي قرباه، وستشترك بالمطاردة، ولكن الإمام يريد أن يقيم الحجة عملياً عليها. يريدها أن تكتشف ذات يوم بأنه قد ضحّى بروحه الطاهرة، وبأرواح آل البيت وأهل البيت وذوي القربى ليخرج من هذه المذبحة دوي هائل يجبر الاُمّة على الصحوة من نومها.

أراد الإمام الحسينعليه‌السلام أن يكون دمه ودم أهل البيت زيتاً يضيء الدرب أمام الاُمّة ذات يوم عندما تكتشف كم فرّطت في جنب الله يوم خذلت الإمام وأهل بيتهعليهم‌السلام . ونجح الإمام الحسينعليه‌السلام بالفعل بإقامة الحجة على الاُمّة، فاتّبعه أقل من مئة رجل، وخذلته البقية منها مع سبق الترصد والإصرار.

لقد جرت العادة على أن يقاتل أبناء الاُمم والشعوب الأقل أهمية أمام السادات الأكثريّة أهمية؛ دفاعاً عنهم وعن قيم وشرف تلك الشعوب والاُمم التي يمثّلها اُولئك السادات.

وجاء الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكان من المفترض أن يتقدّم أبناء الاُمّة ويقاتلوا بين يديه دفاعاً عن ابن النبي، وآل النبي، وأهل بيت النبي وذوي قرباه. كان المفترض أن يموت الألف المؤلفة من أبناء الاُمّة قبل أن يضطرّوا الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيته للقتال، لكن أبناء الاُمّة لم يفعلوا ذلك؛ فقد أجبروا الإمام وأهل بيتهعليهم‌السلام على القتال بين يدي الاُمّة دفاعاً عن الإسلام ورموزه الخالدة.

وطالما أن أبناء الاُمّة لم يقاتلوا بين يدي الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيت النبوة رموز الإسلام الخالدة، ليتهم لم يقاتلوهم على الأقل، ليتهم وقفوا يتفرجون، لكان ذلك أقل عاراً وأخف غباراً.

____________________

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 19، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 186، والعوالم 17 / 177، والموسوعة 286.

١٦٣

وباختصار، لقد نالت الاُمّة من الحسينعليه‌السلام وأهل بيت النبوة ونالوا منها، وما أشبه هذا القول بقول الإمام عليعليه‌السلام : « فويل لهم منكم، وويل لكم منهم »(1) .

لقد قامت الحجة على الاُمّة بالفعل ولم تنصر الإمام الحسين وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام ، إنما خذلتهم مع سبق الإصرار وبعد قيام الحجة. واكتشف الإمام الحسينعليه‌السلام أن أفراد اُمّة جده والأكثريّة الساحقة جداً منهم كاره للموت وقيمه بالحياة، حتّى إنهم ليكادون أن يموتوا من الرعب حذر الموت؛ لذلك صمم وبكلِّ قواه أن يكسر حاجز الخوف، وأن يعطي الاُمّة دروساً من الموت وعن الموت ليشفيها من مرضها القاتل «الرعب من الموت».

فسار الإمام الحسينعليه‌السلام أمام أفراد الاُمّة كلها في رحلة الموت، ثمَّ خاض بحار الموت شرقاً ومغرباً على حدِّ تعبيره، وطارد الموت مطاردة ساخنة حثيثة، وكلمّا مر منه الموت لاحقه، حتّى ليخال الناظر - وهو مصيب - بأن الآية قد انقلبت، وأنّ الموت صار يخشى الإمامَ وأهل بيته ومن والاهم بدلاً من أن يخشونه.

وبدأ الإمام رحلة الموت ومطاردة الموت أمام الاُمّة، وبخطوات واثقة متّزنة كأنها بالتصوير الفني البطيء ليحررهم من عقدة الخوف من الموت؛ فالإمام مصرٌّ إصراراً بالغاً على أن يكشف حقيقة نظام يزيد للعالم، فهو بالظاهر والادّعاء خليفة رسول الله، وفي الحقيقة والممارسة هو الفرعون وجنوده.

وكما أنّ الإمام مصرٌّ على إقامة الحجة على الاُمّة، هو مصرٌّ أيضاً على تحريرها من عقدة الخوف، ومصرٌّ على إجبارها على معرفة الواقع، ومقارنته بالشرعيّة الإلهية لتعرف البون الشاسع بين النقيضين.

لقد توصّل الإمام الحسينعليه‌السلام إلى نتيجة مفادها أن أهل المدينة لن ينصروه، ولن يحموه، بل سيسلمونه للفرعون وجنوده، وأنّ الاُمّة ستخذله؛ لذلك كلّه قرر أن يكشف هذا الغيب للاُمّة، وأن يترجمه إلى وقائع، وأن يبدأ رحلة الموت والشهادة بمغادرة المدينة وترك جوار جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله كارهاً.

إلى أين يابن رسول الله؟

فأقاليم دولة الخلافة المترامية الأطراف هي عبارة عن ضيعات كبيرة يملكها

____________________

(1) أوردنا النص كاملاً، ووثّقناه وبيّنا معناه في الفصول السابقة.

١٦٤

الخليفة، ويتصرّف بها كما يتصرّف الأقطاعي بممتلكاته الخاصة.

وسكان تلك الأقاليم ليسوا أكثر من أقنان أو عبيد للخليفة يعملون لديه في ضيعاته مقابل جُعل أو عطاء شهري، واُمراء تلك الأقاليم ليسوا أكثر من موظفين وكبراء عمال يتقاضون رواتبهم شهرياً مقابل الطاعة والإشراف على تنفيذ رغبات الخليفة وأوامره.

والجيوش المجنّدة تحت تصرف الخليفة يتقاضى أفرادها وقادتها رواتبهم الشهرية من الخليفة مقابل الولاء له، وحفظ الأمن في أرجاء الأقاليم، وتنفيذ أوامر الخليفة بالقوة، أو تحقيق أمجاد الخليفة الشخصية إن رغب بالفتوحات.

فأنت يا مولاي تسير في مملكة الفرعون، وعلى مرأى من فرعون وجنوده، فإلى أين عساك أن تذهب يابن رسول الله إن خرجت من المدينة وتركت جوار جدك العظيم؟ ولكن ما هو البديل؟ هل يجلس الحسين وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام في بيوتهم وينتظرون فرعون وجنوده حتّى يأتوا فيذبحونه كما تُذبح الأضاحي؟ أو يجبرونه على البيعة كأقنان « لأمير المؤمنين » يزيد؟

مثل الحسينعليه‌السلام ، ومثل أهل بيت النبوة لن يقبلوا هذا الخيار المرّ، ولا نواميس الكون تُقِرّ مثل هذا التوجه، فعلى الإمام الحسينعليه‌السلام أن يتحرك سريعاً، وأن يخرج من المدينة فاراً بدينه وموقفه وأهله من فرعون وجنوده، ولكن إلى أين؟ هذا هو السؤال الكبير!

١٦٥

١٦٦

الفصل الثاني

اقتراحات المشفقين على الإمام الحسينعليه‌السلام

الاقتراح الأوّل

لما شعر محمّد بن الحنفيّة أن الحسينعليه‌السلام مصمم على الخروج من المدينة اقترح عليه « تخرج إلى مكّة؛ فإن اطمأنت بك الدار فذاك، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن؛ فإنهم أنصار جدك وأبيك، وهم أرأف الناس عليك، وأرقهم قلوباً؛ فإن اطمأنت بك الدار وإلاّ لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وجزت من بلد إلى بلد حتّى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين ».

فقال الحسينعليه‌السلام : « يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ».

فقطع محمّد بن الحنفيّة الكلام وبكى، فبكى معه الحسينعليه‌السلام ساعة... ثمَّ قال الحسينعليه‌السلام : « أنا عازم على الخروج إلى مكّة »(1) .

الاقتراح الثاني

لما سار الحسينعليه‌السلام إلى مكّة لقيه عبد الله بن المطيع العدوي، وقال له:... غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني.

فقال له الحسينعليه‌السلام : « وما هي يابن مطيع؟ ».

فقال:... الزم الحرم، فأنت سيد العرب في دهرك هذا، فوالله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك(2) .

فقال له الحسينعليه‌السلام : « أمّا الآن فمكّة، وأمّا بعد فإني استخير الله »(3) .

____________________

(1) راجع الفتوح 5 / 23، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 188، وبحار الأنوار 44 / 329، والعوالم 17 / 178، وأعيان الشيعة 1 / 588، والموسوعة / 289.

(2) راجع الفتوح لابن أعثم 5 / 25، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 189، وأنساب الأشراف 3 / 155.

(3) راجع تاريخ الطبري 3 / 276، والكامل في التاريخ 2 / 533، وأعيان الشيعة 1 / 588، ووقعة الطف / 87، والموسوعة / 302.

١٦٧

الاقتراح الثالث

قال عبد الله بن عمر بن الخطاب:... وارجع إلى المدينة، ولا تغب عن وطنك وحرم جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاف لهم على نفسك حجةً وسبيلاً(1) .

الاقتراح الرابع

قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام:... يابن عم، لا أدري كيف أنا عندك بالنصيحة؟

فقال الحسينعليه‌السلام : « يا أبا بكر، ما أنت ممّن يُستغش ولا يُتّهم فقل ».

فقال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فياقتلك مَن قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممّن ينصره(2) !

وقال له ابن عياش: أتخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك(3) ؟ !

الجهة التي قرّر الإمامعليه‌السلام التوجّه إليها

إنّي أميل إلى القناعة التامة أنه لم تكن في ذهن الإمام الحسينعليه‌السلام جهة معينة عندما خرج من المدينة، إنه يشعر بأنه مطارد مطاردة تامّة من الخليفة وأركان دولته، وبوقت يطول أو يقصر، وإن بني اُميّة يلاحقونه ويريدون قتله.

فغاية ما يطلبه الإمام الحسينعليه‌السلام مكان يأويه وأهل بيت النبوة ومَن خرج معهم، وجماعة من الناس تنصرهم وتحميهم من بني اُميّة، وليس مهمّاً أين يكون هذا المكان، ولا من هي تلك الجماعة التي ستتولّى نصره وأهله ومَن معه وحمايتهم.

لقد كان شعور الإمام الحسينعليه‌السلام حقيقياً وعميقاً بأن فرعون «المسلمين» وجنوده يطلبونه حثيثاً، وأنه يتنقّل داخل مملكة الاُمويِّين، وكان عنده بصيص من الأمل في قلّة من قوم فرعون تكتم إيمانها، ولكنه لا يدري أين هي تلك القلّة.

والدليل على ذلك

____________________

(1) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 26، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 19، ومثير الأحزان / 41، والموسوعة / 309.

(2) راجع تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / 202.

(3) راجع تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / 200، والموسوعة / 304.

١٦٨

هو تمثّله بما تمثّل به موسى عند خروجه من المدينة؛ إذ تلا قوله تعالى:( فخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (القصص/21 )(1) .

فالقوم الظالمون الذين عناهم موسىعليه‌السلام هم فرعون وجنوده ومن أطاعهم، والقوم الظالمون الذين عناهم الإمام الحسينعليه‌السلام هم الخليفة وجنوده ومن أطاعهم، وهذا معلوم بالضرورة، وكلاهما كان مطارداً، وكلاهما يريد النجاة، وكلاهما يمثل الشرعيّة الإلهية في مجتمعَين أدارا ظهرهما بالكامل لهذه الشرعيّة.

فعندما خرج موسى فراراً بدينه وبحياته لم يكن يعلم أين سيتّجه؛ فهو طالب للمأوى والمأمن والمنعة من فرعون وجنوده، أينما وجد المأوى، وأينما وجد المنعة. كذلك فإني أجزم بأن الحسينعليه‌السلام لم يكن يعلم إلى أين سيتّجه، ولا بأي جهة سيجد المأوى والأمن والمنعة له ولأهل البيت ومَن معهم، بدليل قول الإمام الحسينعليه‌السلام لابن مطيع: « أمّا في وقتي هذا اُريد مكّة، فإن صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك »(2) .

وقد أكمل الإمام الحسينعليه‌السلام رسم الصورة كاملة، فلما وصل إلى مكّة أخذ يتلو قوله تعالى:( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل ) (القصص / 22 )(3) . فالحسينعليه‌السلام موقن أن مكّة له بمثابة مَدين بالنسبة لموسى، وكما أدرك موسى الهدى الرباني فإن الله سيهدي حسيناً إلى الجهة التي ينبغي المسير إليها.

فأقام في مكّة باقي شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة، خلال هذه المدة هداه ربّه إلى السبيل الواجب اتّباعه، والجهة التي ينبغي الذهاب إليها.

____________________

(1) راجع وقعة الطف / 85، والإرشاد للمفيد / 202، وتاريخ الطبري 3 / 272، والكامل لابن الأثير 2 / 531، والعوالم 17 / 181، وينابيع المودة / 402، وأعيان الشيعة 1 / 588.

(2) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 25، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 189، وأنساب الأشراف 3 / 155.

(3) راجع الإرشاد للمفيد / 202، وبحار الأنوار 44 / 332، والعوالم 17 / 181، والكامل لابن الأثير 2 / 531، وتاريخ الطبري 3 / 272، والفتوح لابن أعثم 5 / 25، وأعيان الشيعة 1 / 588، ووقعة الطفِّ / 86.

١٦٩

الجهة التي صمّم الإمام الحسينعليه‌السلام على الذهاب إليها

قلنا: إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يريد مكاناً يأويه وأهلَ بيته ومن معهم، ويريد جماعة من الناس تلتزم بحمايته ونصرته، ولا فرق عنده أين يقع هذا المكان، وأين تكون هذه الجماعة؛ فهو لا يريد أن يبقى مكشوفاً من دون أمن ولا حماية حتّى لا يُكره على ما لا يريد، وحتّى لا يُذبح هو وأهل بيته في مكانهم دون أن يأخذ بالأسباب.

بهذا الوقت بالذات كتب له جماعة من أهل الكوفة كتاباً جاء فيه: الحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد - يعنون موت معاوية - الذي انتزى على هذه الاُمّة، فابتزها وغصبها فيأها، وتأمر عليها بغير رضاً منها، ثمَّ قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود!

وقالوا: إنه ليس علينا إمام فاقبل لعلّ الله أن يجمعنا. وبيّنوا أنهم لا يجتمعون مع واليهم النعمان بن بشير؛ لا في جمعة ولا في عيد، وأكّدوا له أنه إن بلغهم أنه سيأتي إليهم فسيخرجون الوالي من الكوفة.

وجاءت رسالة اُخرى من بعض شخصيات الكوفة جاء فيها: أمّا بعد، فحي هلاّ، فإن الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، والسّلام.

وجاءته رسالة ثالثة: أمّا بعد، فقد أخضرّ الجنان، وأينعت الثمار، وطم الجمام، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجنّدة.

ولما وصلت هذه الرسائل وأمثالها كتب الإمام الحسينعليه‌السلام رسالة جاء فيها: « إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر مَن قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلَّ الذي اقتصصتم وذكرتم، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم؛ فإن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملتكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم، وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله »(1) .

____________________

(1) راجع تاريخ الطبري 3 / 278، والكامل لابن الأثير 2 / 524، وبحار الأنوار - باب «ما جرى على الحسينعليه‌السلام بعد بيعة الناس ليزيد» 44 / 334، والعوالم 17 / 183.

١٧٠

وقال ابن أعثم الكوفي: إنّ الإمام كتب لهم « فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم، وقرأت كتبكم، فقوموا مع ابن عمي وانصروه ولا تخذلوه... »(1) .

ثم طوى الكتاب، وقال لمسلم: « إني موجهك إلى أهل الكوفة، وهذه كتبهم... وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض على بركة الله... »(2) .

وهكذا عثر الإمام الحسينعليه‌السلام على المكان الذي يأوي إليه، والجماعة التي ستنصره وتحميه وتمنعه؛ فقد بايع أهل الكوفة مسلم بن عقيل حتّى أحصى ديوانه ثمانية عشر ألفاً(3) ، وقيل: خمساً وعشرين ألفاً(4) ، وقيل: أربعين ألفاً(5) .

فكتب مسلم بن عقيل إلى الحسينعليه‌السلام مع عابس بن شبيب الشاكري يخبره باجتماع أهل الكوفة على طاعته، وانتظارهم لقدومه، وجاء في كتاب مسلم: الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي(6) .

تقويم الاقتراحات والمكان الذي اختاره الإمامعليه‌السلام

عرفنا أربعة نماذج من اقتراحات المشفقين على الحسينعليه‌السلام للبحث عن المأوى والحماية، فبعضهم نصح الإمام بالبقاء بالمدينة، وبعضهم نصحه بالبقاء في مكّة، وبعضهم الآخر نصحه بالذهاب إلى اليمن، وبعضهم حذّره من الذهاب إلى العراق.

وقد أصغى الإمامعليه‌السلام لأصحاب المقترحات الأربعة، وشكرهم دون الإفصاح عن رأيه بتلك المقترحات، وقد رأينا بالدليل القاطع أن البقاء في المدينة بمثل ظروفها كارثة؛ فإن أهل المدينة لن يحموا الحسينعليه‌السلام .

____________________

(1) راجع الفتوح لابن أعثم 5 / 35، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 195.

(2) راجع الفتوح لابن أعثم 5 / 36، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 196.

(3) راجع تاريخ الطبري 6 / 211، وتذكرة الخواصّ / 138.

(4) راجع المناقب لابن شهر آشوب 2 / 240.

(5) راجع ابن نما / 11.

(6) راجع تاريخ الطبري 6 / 210، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم / 468.

١٧١

وأمّا البقاء في مكّة فغير معقول أيضاً؛ فالحسين ليس أعظم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع هذا أخرجته مكّة، وحاربه سكانها 23 عاماً، فمكّة ليست المأوى ولا المقام الآمن لسيد شباب أهل الجنةعليه‌السلام .

كذلك فإنّ فكرة الذهاب إلى اليمن فكرة غير معقولة، ولا تصلح أن تكون المأوى والمقام الآمن، وما فعله بسر بن أرطأة خير دليل.

معقولية قرار الإمام الحسينعليه‌السلام

لقد سمعت جماعات الاُمّة الإسلاميّة كلها بامتناع الإمام الحسينعليه‌السلام عن البيعة، وبخرجونه من المدينة، وباستقراره مؤقتاً في مكّة، وعرفت كذلك أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يبحث عن مأوى ومكان آمن، وجماعات تحميه وتحمي أهل بيت النبوة من الاُمويِّين وأذنابهم، فأغمضت كلَّ تلك الجماعات عيونها، وأغلقت آذانها، وتجاهلت بالكامل محنة الإمام الحسين وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام .

وأهل الكوفة هم وحدهم الذين كتبوا للإمام الحسينعليه‌السلام وأرسلوا له رسلاً، ودعوه لا ليحموه فحسب، بل دعوه ليكون إماماً وقائداً لهم. وليس في ذلك غرابة؛ فالكوفة كانت عاصمة دولة الخلافة في زمن الإمام عليعليه‌السلام ، والأكثريّة الساحقة من أهل الكوفة عرفوا فضل عليعليه‌السلام خاصة وأهل بيت النبوة، وقارنوا بين حكم الإمام عليعليه‌السلام وسيرته وبين حكم الجبابرة وسيرهم، وأدركوا البون الشاسع بين هذين الخطين من الحكم.

فليس عجيباً بعد أن هلك معاوية أن يدركوا أنّ الفرصة مؤاتية لإعادة الحق إلى أهله، خاصة بعد أن سمعوا بامتناع الحسينعليه‌السلام عن البيعة وخروجه من المدينة، وبحثه عن المأوى الآمن له ولأهل بيته، فالمعقول أن يصدقهم الناس، والمعقول أيضاً أن يصدقهم الإمام الحسينعليه‌السلام .

ثمَّ إنه ليس أمام الحسينعليه‌السلام أي خيار آخر، فإلى أين عساه أن يلجأ، وممّن سيطلب الحماية والمنعة؟ والأهم أن ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة قد بايعوه، فإن كانوا صادقين بالفعل فإنّ قائداً مثل الإمام الحسينعليه‌السلام له القدرة على أن يفتح بهم العالم كله.

وفكرة المؤامرة بإرسال الرسل والكتب، وفكرة الاختراق الاُموي لعملية إرسال الرسل والكتب لم تكن ببال عاقل.

١٧٢

إذاً فإن اختيار الإمام الحسينعليه‌السلام للكوفة كان اختياراً معقولاً في مثل ظروف الحسينعليه‌السلام وخياراته المحدودة.

الحسينعليه‌السلام وتصديق أهل الكوفة

لقد رأينا من كتاب مسلم بن عقيل أن ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة قد بايعوه، ومسلم بن عقيل صادق في ما قال، وهذا يعادل 181 ضعفاً للعدد الذي بايع الرسول في العقبة؛ وبناءً على تلك البيعة هاجر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهله من مكّة إلى المدينة.

لقد تعهّد الذين بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العقبة حماية الرسول وأهله كما يحمون إزرهم، فلم يطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير ذلك، ولم يطلب ضمانات؛ لأنّ فكرة طلب الضمانات في مثل هذه الحالات غير معقولة.

ثمَّ ما نوع تلك الضمانات؟ قد يقال: إن أهل المدينة ليسوا كأهل العراق أو كأهل الكوفة، لكن هذا القول ليس علمياً؛ فقد شرع الخلفاء بإحراق بيت فاطمة بنت محمّد على مَن فيه، وفيه الحسن والحسينعليهما‌السلام طفلان، وعلي وفاطمةعليهما‌السلام ، أمام سمع أهل المدينة وبصرهم كما وثّقنا.

ولم يروِ لنا مؤرّخ قط بأن أحداً من أهل المدينة استنكر ذلك، أو نهى عنه، بل كان أهل المدينة يتفرّجون وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أنهم بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أن يحمونه ويحمون أهل بيته كما يحمون أنفسهم وذراريهم. فتصديق الحسينعليه‌السلام لأهل الكوفة وتعامله مع ظاهر الاُمور هو المتّفق مع المنطق والمعقول والمنقول.

الحسينعليه‌السلام وحمل أطفاله وأهل بيته

قال أبو الفرج الأصفهاني: بعد خروج الحسين أمر عمرو بن سعيد بن العاص صاحب شرطته على المدينة أن يهدم دور بني هاشم، وبلغ منهم كل مبلغ(1) .

لقد وصلنا هذا الخبر المختصر بالرغم من سيطرة دولة الخلافة على وسائل الإعلام وكتابة التاريخ، وحرصها على أن لا يسمع الناس إلاّ بما تعتزّ به، ولا يظهر عن جرائمها أي دليل.

وعملية هدم دور بني هاشم والبلوغ منهم كل مبلغ عمل خطير جداً، ومن غير المعقول أن يتولّى أمير المدينة القيام به على

____________________

(1) راجع الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 4 / 155.

١٧٣

مسؤوليته، مما يجعلنا نقطع بأن أمير المدينة قد تلقّى أمراً مباشراً من يزيد في دمشق.

فإذا كان الخليفة وأركان دولته يهدمون دور الهاشميِّين الذين بقوا في المدينة، فماذا عسى يزيد وجنوده أن يفعلوا بإخوة الحسين، وأبناء الحسين، وبنات الرسول لو ظفروا بهم؟ فمن المؤكد أنه سيذبح الرجال والأبناء، ويستحي النساء.

ويزيد وأبوه اخترعا هدم الدور كفنٍّ من فنون التنكيل بخصومهم، وقد رأينا أنّ معاوية أصدر أمراً لكلِّ ولاة أقاليم مملكته جاء فيه، وبالحرف: «من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم - يعني أهل بيت النبوة - فنكّلوا به واهدموا داره»(1) . بمعنى أن الحسينعليه‌السلام إن ترك ذرّيته وأطفاله خلفه فإنّ كلّ الاحتمالات الرهيبة واردة.

ثمَّ إنّ الشخص من عامة الناس لا يقبل أن ينجو بنفسه وأن يترك أولاده من خلفه تحت رحمة عدوه، فكيف بالإمام الحسينعليه‌السلام الذي يحمل أكبر القلوب وأنبل العواطف، كيف يتركهم تحت رحمة الاُمويِّين وأتباعهم؟!

وما الذي يمنعهم من أن يهدّوا دار الحسينعليه‌السلام ودور إخوته على رؤوس من فيها وهم أحياء؟! وما الذي يمنع يزيد من أن يعلن بأنه سيقتل كل يوم واحداً من أبناء الحسين أو إخوته أو أبناء إخوته ما لم يأت الحسين صاغراً ويسلّم نفسه؟! وما الذي يمنعه من أن يسبي بنات الرسول؟!

فكل شنيع، وكل قبيح، وكل رذيلٍ من الأعمال محتمل جداً من الطاغية وجنوده؛ فيزيد مدمن بالعنف وبالرعب، تربى في بيئة الإدمان على العنف والرعب. إنك لا تستطيع أن تتصور أن آكلة لحوم البشر يمكن أن يفعلوا كما فعلت هند جدته، بمعنى أنهم رضعوا الإدمان على العنف والقتل والرعب فصار هذا الإدمان مظهراً عادياً من مظاهر حياتهم.

ثمَّ أي عار في الدنيا يمكن أن يلحق بمَن يتخلّى عن فلذات كبده وأحب الناس إلى قلبه لينجو بنفسه؟ وكيف يتقوّل الناس عندما يعلمون أنّ ابن بنت

____________________

(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد 3 / 595 - 596 نقلاً عن كتاب الأحداث للمدائني.

١٧٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام الشرعي الذي اختاره الله، وابن عليعليه‌السلام ، وحفيد أبي طالب (رض) قد ترك إخوته وأبناءه وأبناء إخوته تحت رحمة عدوه وعدوهم ونجا بنفسه! إن نفسه القدسية الشريفة وعواطفه العميقة النبيلة تترفع عن مجرّد تصوّر هذا.

ثمَّ إنّه ليس في الدنيا كلِّها عاقل واحد يمكن أن يترك ذرّية خلفه تحت رحمة خصمه، وفي ظروف كظروف الحسينعليه‌السلام ، وخيارات محدودة كخياراته. فكان قراره بإخراج ذرّيته معه قراراً حكيماً ومنطقياً، وفطرياً ومنسجماً مع طبيعة تركيبة النفس البشرية، ومع الفطرة النقية السليمة التي لم تمسّها تعقيدات الحياة، ولم يدنسها مرض المكر والالتواء والأنانية.

ثمَّ إن ذرّيته الطيبة كنفسه التي بين جنبيه؛ يصونها ويحميها بكل وسائل الحماية التي ألهمه الله إياها، فأينما حلّت تلك النفس الزكية تحلّ تلك الذرّية الطاهرة، وأينما رحلت ترحل؛ يغدق عليها أقدس عواطفه، ويحبوها بعظيم رعايته، ومَن ساواك بنفسه ما ظلمك.

عندما خرج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكّة ومعه إخوته وذراريهم، وأبناء عمومته وذراريهم، قال له أهل بيته: لو سلكت الطريق الأقرع لكان أصلح.

فقال لهم الإمام الحسينعليه‌السلام : « أتخافون الطلب؟ ».

قالوا: أجل.

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : « لن أحِد الطريق حذر الموت ». وأنشأ يقول:

إذا المرء لا يحمي بنيه وعرضَهُ

وعـترتَه كان اللئيمَ المسبّبا(1)

هذه طبيعة الرجل الذي خرج وأخرج ذرّيته معه.

وأخال إخوته وأبناء عمومته قد حلّلوا الموقف كما حلّله الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتوصّلوا إلى ذات النتائج التي توصّل إليها الإمام الحسينعليه‌السلام .

وأخال النسيج النفسي لكل واحد منهم يتشابه مع النسيج النفسي لذات الإمام الحسينعليه‌السلام . ولِمَ لا؟ فهم أحفاد شيخ البطاح أبي طالب، وأبناء فارس الإسلام، وسيد العرب والعجم والمسلمين عامة عليعليه‌السلام (2) .

____________________

(1) راجع مقتل الحسين لأبي مخنف / 25، وينابيع المودة / 402، والموسوعة / 300.

(2) راجع تاريخ دمشق لابن عساكر - ترجمة الإمام علي 2 / 772، والرياض النضرة للطبري 2 / 234، =

١٧٥

ثمَّ من جهة اُخرى فإن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه عاش هذه المحنة، فليلة هجرته تآمرت بطون قريش الـ 23 على قتله، وشرعت بتنفيذ المؤامرة، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرف أنها ستطارده إن نجا من الموت؛ ومن هذا فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر علي بن أبي طالبعليه‌السلام بأن يحمل ذرّيته ويلتحق به في اليوم التالي لهجرته.

ثمّ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يريد من الاُمّة أن تستفيق من غفوتها القاتلة، وأن تصحو، ويريد أن يقيم الحجة عليها. وخروج الإمام بأهل بيته وذرّيته كلها أبلغ بالحجة وأعمق تأثيراً؛ فعندما تسمع الاُمّة وتعلم بأن عميد أهل بيت النبوة، وأهل البيت، وآل محمّد قد أُخرجوا؛ كبيراً وصغيراً، ذكراً واُنثى.

وأنّ الخليفة قد خيّرهم بين الموت أو البيعة، وأنه وجنوده في أثرهم يطاردونهم، وأن أهل بيت النبوة يبحثون عمّن ينصرهم ويحميهم فلن يبقى أمامها إلاّ أن تستجيب، أو تغلق أسماعها، وتغمض عيونها، وتتابع سباتها المذل، وتتجاهل نداء إمامها الشرعي، وتعيش بذل تحت حكم يزيد الظالم، وتفعل ذلك مع سبق الترصد والإصرار، وبعد إقامة الحجة القاطعة عليها.

لماذا لم ينسحب الإمام الحسينعليه‌السلام ؟

من المؤكد أن الإمام الحسينعليه‌السلام قد تلقّى رسالة من ابن عمّه مسلم بن عقيل أخبره فيها أن ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة قد بايعوه(1) ، ومن المؤكد أن مئات الكتب والرسائل قد وصلته من أهل الكوفة تدعوه للقدوم، وتعد بالنصرة والحماية والمنعة(2) . ومن المجمع عليه أن العديد من الرسل جاؤوه وطلبوا منه القدوم إلى الكوفة(3) .

ولا خلاف بأن الإمام الحسينعليه‌السلام قد وعدهم بالقدوم عليهم؛ وعلى هذا

____________________

= وكنز العمال 5 / 157 ح443، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 / 70، واُسد الغابة 1 / 19 و3 / 116، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي / 107، وكنز العمال 15 / 126.

(1) راجع تاريخ الطبري 6 / 116، وتذكرة الخواصّ / 138، والمناقب لابن شهر آشوب 2 / 240.

(2) راجع تاريخ الطبري 6 / 210، ومقتل الخوارزمي / 468.

(3) راجع تاريخ الطبري 3 / 278، والكامل لابن الأثير 2 / 524، وبحار الأنوار 44 / 324، والعوالم 17 / 183.

١٧٦

الأساس أرسل ابن عمّه مسلم بن عقيل ليأخذ له البيعة عليهم، وعلى هذا الأساس توجّه الإمام الحسينعليه‌السلام إلى العراق؛ لأنه يقدم على جند مجندة له كما وصف أحدهم في رسالته(1) .

ونسفُ كلِّ هذه الاُمور المجمع على صحتها، وتجاهل وقوعها أمر غير معقول؛ فلم يثبت للإمام الحسينعليه‌السلام أن ثمانية عشر ألفاً الذين بايعوا مسلم بن عقيل قد نكثوا بيعتهم إلاّ يوم المذبحة عندما اكتشف أنه لا ناصر له منهم ولا معين! ولو أنه تراجع قبل تأكّده من ذلك لكان ملوماً.

وعلى هذا الأساس رفض الإمام الحسينعليه‌السلام عرض الطرماح بن عدي عندما قال له: فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع، فسِر حتّى اُنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى أجا، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحِمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر.

والله، ما إن دخل علينا ذلٌّ قط، فأسير معك حتّى اُنزلك القرية، ثمَّ نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طيء، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى تأتيك طيء رجالاً وركباناً، ثمَّ أقم فينا ما بدا لك؛ فإن هاجمك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم...

فقال له الحسينعليه‌السلام : « جزاك الله خيراً، إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الاُمور في عاقبة »(2) .

ثمّ إنّ الطرماح بن عدي ليس أكثر من رجل واحد، ومن المحال أن تكون له القدرة على جمع عشرين ألفاً بعشرة أيام، ومن جهة اُخرى فإن قومه قد علموا بخروج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة، وبامتناعه عن البيعة منذ أكثر من شهرين، فما الذي منعهم خلال هذه المدة من الالتحاق بالحسينعليه‌السلام ومن نصره وحمايته؟!

فلو وقف من عشرين ألف الطرماح ألفين مع الإمام الحسينعليه‌السلام لكان بإمكان الحسين أن

____________________

(1) وقعة الطف / 89، والموسوعة / 312.

(2) راجع مصادر لقاء الإمام الحسينعليه‌السلام مع الحر في تاريخ الطبري 6 / 237، وابن الأثير 4 / 9 - 21، وابن كثير 8 / 172 - 174، والأخبار الطوال للدينوري / 348 - 253، وأنساب الأشراف / 169 - 176، وإرشاد المفيد / 305 - 310.

١٧٧

يهزم جيش الفرعون، وأن يغيّر موازين القوى وحركة التاريخ، وهذا ما يؤكّد لنا بأن أقوال الطرماح ليست أكثر من تصورات شاعر، وما كان ينبغي للإمام الحسينعليه‌السلام أو لأي عاقل مقامه أن يترك ما بينه وبين القوم ويتبع تلك التصورات النظرية دون أن يعرف عاقبة أو مآل ما تمّ عليه الاتفاق بينه وبين أهل الكوفة.

ومع هذا فإن الإمام الحسينعليه‌السلام لم يتجاهل هذه الناحية، بل كانت محور حجته؛ فقد خطب الإمام بجيش الخليفة الذي كان يقوده الحر قائلاً: « إنها معذرة إلى الله وإلى مَن حضر من المسلمين، إنّي لم أقدم على هذا البلد حتّى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم أن اقدم إلينا. فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم؛ فإن تعطوني ما يثق به قلبي من عهودكم ومن مواثيقكم دخلت معكم إلى مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي انصرفت إلى المكان الذي أقبلت منه عليكم »(1) .

ومثل قول الإمام الحسينعليه‌السلام مخاطباً بعض القتلة: «... فإنكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقنا، وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم »(2) .

ومن الواضح أيضاً أن الإمام الحسينعليه‌السلام قد قال لعمر بن سعد بن أبي وقاص قائد جيش الفرعون نفس الذي قاله للحر وجيشه، بدليل أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قد كتب إلى عبيد الله بن زياد ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا أمامه، وماذا يطلب ويسأل، فقال: «كتب إليَّ أهل هذه البلاد، وأتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت؛ فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم».

فلما قرأ الكتاب على ابن زياد قال:

____________________

(1) راجع الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 85، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 231، والإرشاد للمفيد / 224، وانظر النص في الطبعة المحققة من تاريخ الطبري 5 / 406، ط دار المعارف - مصر، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرم / 187.

(2) راجع الإرشاد للمفيد / 224، والكامل لابن الأثير 2 / 552، وأعيان الشيعة 1 / 596، وبحار الأنوار 44 / 377، ووقعة الطف / 170، والموسوعة / 350.

١٧٨

الآن إذ عـلقت مـخالبنا بـه

يرجو النجاةَ ولات حين مناصِ

وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإن فعل ذلك رأينا رأينا، والسلام.

أنت تلاحظ أن عبيد الله بن زياد قد أجاب عمر بن سعد بغير ما صمّم عليه، وأنّه كلّف عمر بأخذ البيعة من الإمام الحسينعليه‌السلام ومَن معه، ثمَّ يرى رأيه في الحسين، فلو كان الحسين يريد بيعة يزيد لبايعه في المدينة، ولكان في غنى عن رحلته المليئة بالمكاره والمتاعب. ولو أراد أن ينزل على حكم لنزل على حكم الفرعون نفسه يزيد بن معاوية بدلاً من النزول على حكم عبد تافه من عبيده كابن زياد.

مثلما نلاحظ بأن الإمام الحسينعليه‌السلام لو اقتنع بالعاقبة المفجعة بينه وبين القوم وأراد الانسحاب والرجوع لما وجد إلى ذلك سبيلاً؛ فجيش الفرعون لن يسمح له بذلك؛ إنه مصمم على ارتكاب المذبحة.

انظر إلى قول عبيد الله بن زياد: «يرجو النجاةَ ولات حين مناصِ»، ويؤكد ذلك ما رواه الطبري عن أبي مخنف؛ لإنّ عبيد الله بن زياد بعث برسالة إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص جاء فيها: أمّا بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شفيعاً.

انظر، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم؛ فإنهم لذلك مستحقون. فإن قُتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره... وإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر؛ فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسّلام(2) .

والخلاصة: إنّه لما قامت البيّنة الشرعيّة على نكث القوم وغدرهم صار انسحاب الحسينعليه‌السلام ورجوعه من أعظم المستحيلات؛ لأنّ يزيد وجنوده قد خطّطوا للمذبحة، وخططوا لتنفيذها. ولم تعد بيعة الإمام الحسينعليه‌السلام مهمة، بل الأهم منها

____________________

(1) راجع تاريخ الطبري 6 / 235 وما بعدها.

(2) راجع تاريخ الطبري 6 / 238 وما بعد.

١٧٩

هو القتل، والمذبجة لإبادة أهل بيت النبوةعليهم‌السلام ، ومَن تجرّأ على إعلان ولايته لهم، ووضع حدٍّ لخطرهم على دولة الخلافة.

الموت هو الخيار الوحيد للإمام الحسينعليه‌السلام

عندما أمر يزيد واليه على المدينة أن يأخذ بيعة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإن أبى يضرب عنقه(1) ، وعندما أعلن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه لن يبايع ليزيد أبداً(2) ، انحصرت كلّ الخيارات أمام الحسينعليه‌السلام بخيار واحد هو الموت، بمعنى أنّ على الإمام الحسينعليه‌السلام أن يستعد للموت؛ فالمواجهة مع يزيد وجنوده آتية لا ريب فيها؛ وبما أنه لا طاقة له بمواجهة جيش الخلافة لذلك فإنهم سيقتلونه. أما متى يموت؟ وكيف يموت؟ فهذا الذي لا يعرفه أحد.

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام بذل جهده لحماية نفسه وإخوته وذراريهم، وحماية موقفه، واغتنم الفسحة المتبقية فأقام الحجة البالغة على الاُمّة التي تدّعي الإسلام، وناداها لتفيق من غفلتها، ولتنفض عن هامات رجالها غبار الذل والهوان، وتستعيد انسانيتها وكرامتها المهدورة.

لقد اختار الإمام الحسينعليه‌السلام وصمّم على الموت بعزٍّ وكبرياء، فهو يقول لأهل بيته:

ومـن دون ما ينعى يزيد بنا غداً

نخوض بحار الموت شرقا ً ومغربا

ونـضرب ضرباً كالحريقِ مقدّماً

إذا مـا رآه ضـيغمٌ فـرَّ مهربا

فالإمام الحسينعليه‌السلام لن تكون ميتته إلاّ بشرف، وبرونق خاص يليق بمقام النبوة والإمام. فقبل أن يموت على يد يزيد غداً فإنه يريد أن يخوض بحار الموت شرقاً ومغرباً، ويضرب أو لا ضرباً كأنه الحريق، إذا ما رأته العمالقة الأبطال فرّت هاربة.

____________________

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 10، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 180 - 185، ومثير الأحزان / 14 - 15، واللهوف / 9 - 10.

(2) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 14 و23، ومقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 1 / 184، ومثير الأحزان / 24، وبحار الأنوار 44 / 325، والموسوعة / 283، ومقتل الحسينعليه‌السلام 1 / 188، وبحار الأنوار 44 / 329، والعوالم 17 / 178، وأعيان الشيعة 1 / 588.

١٨٠