كربلاء الثورة والمأساة

كربلاء الثورة والمأساة0%

كربلاء الثورة والمأساة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 346

كربلاء الثورة والمأساة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد حسين يعقوب
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 346
المشاهدات: 25038
تحميل: 6119

توضيحات:

كربلاء الثورة والمأساة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 346 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25038 / تحميل: 6119
الحجم الحجم الحجم
كربلاء الثورة والمأساة

كربلاء الثورة والمأساة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وخيمه بالفعل، ولو استطاعت تنفيذ هذا الأمر لنفّذته؛ لأنه لا قيادة جيش الخلافة ولا جيشه لديهم أيّ ذرة من الدين أو الخلق ليرعوا في مؤمن إلاّ ولا ذمة.

11 - لقيادة جيش الخلافة هدف محدد وواضح، وهو قتل الإمام الحسينعليه‌السلام وإبادة أهل بيت النبوة، وهذه القيادة على استعداد لقتل كلّ مَن يحول بينها وبين تحقيق هذا الهدف؛ فقادة الجيش وأفراده مندفعون نحو هدفهم كالوحوش الكاسرة، وقد طلّقوا دينهم وأخلاقهم وإنسانيّتهم طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، وهم مصمّمون على تحقيق هدفهم، فكلّما رُدّوا عادوا.

12 - وهدف الإمامعليه‌السلام ، وأهل بيت النبوة، وأصحاب الإمام منحصر بالدفاع عن دينهم، وعن حرمات الإسلام، وعن أنفسهم، ونيل رضوان الله بجهاد أعدائه الذين يحكمون باسم الإسلام، ويتاجرون به وهم أعداؤه.

وأغلى ما يملكه الإمامعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه الحياة، وقد صمّموا على تركها، وعلى لقاء الله؛ لأن الحياة تحت حكم الظالمين ذل وشقاء، والموت في سبيل الله سعادة مطلقة.

ولكن قبل أن يموت الإمامعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه يتوجّب عليهم أن يذيقوا الذين أجرموا وبال أمرهم، وأن يرغموا اُنوفهم، ويمرغوا كبرياءهم القذر، ويجاهدوا في الله حق جهاده، وكان عليهم أن يخوضوا بحار الموت شرقاً ومغرباً كما وعد الإمامعليه‌السلام ، وأن يضربوا ضربات كالحريق، تولي الضياغم من هولها مدبرة.

13 - خلال الكر والفرّ والهجمات المتكررة من الجانبين قُتل أكثر أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، فمن بُعيد الفجر إلى صلاة العصر، وأقل من مئة يتصدّون لجيش دولة عظمى قوامه ثلاثون ألف مقاتل.

وحسب المقاييس والموازين الموضوعية كان من المفترض أن يتمكّن الجيش من سحق الإمامعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه خلال ربع ساعة من الزمن، ومن دون خسائر تُذكر في صفوفه. لقد بدأ القتال بُعيد صلاة الفجر، وجاءت صلاة الظهر، وجاء العصر والوطيس في أوجه، فأيّ قائد أنت يا مولاي! وأي رجال رجالك!

قتْلُ مَن تبقّى من الأصحاب

لا نعرف على وجه التحديد عدد الأصحاب، ولا الكثير من سيرهم

٣٢١

الشخصية؛ لأن السجلاّت الرسمية كانت بيد دولة الخلافة، وهذه الدولة تعتبر الإمامعليه‌السلام ، وأهل بيت النبوة، وآل محمّد، وذوي قرباه، ومَن والاهم (فئة مجرمة) - حاشاهم -؛ لذلك تعمّدت طمس أخبارهم والتعتيم عليهم، ومنعت أولياءها من ذكرهم، وحاولت أن تشوّه قدسية عدالة قضيتهم.

لكن الباحث تكاد تتوفر لديه القناعة المطلقة ليجزم بأن أهل البيت وأصحاب الإمامعليهم‌السلام الذين خاضوا غمار الحرب في كربلاء كانوا مئة رجل، ينقصون قليلاً أو يزيدون قليلاً؛ فكل مراجع دولة الخلافة رسمياً تتطابق على أنّ العدد أقل من المئة، ومراجع أهل بيت النبوة تجزم بأنه ربما كان أقل من المئة قليلاً أو أكثر قليلاً.

فإذا أخرجنا من العدد ثمانية عشر مقاتلاً ( الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام )، فإنّ عدد أصحاب الحسين سيكون 82 رجلاً، ينقصون قليلاً أو يزيدون قليلاً، فإذا عرفت إصرار اُولئك الأصحاب على أن يفدوا الإمامعليه‌السلام بمهجهم وأرواحهم، وأن يحولوا بين جيش الخلافة وبين الاقتراب من الإمامعليه‌السلام .

وإذا أخذنا بعين الاعتبار عدد جيش الفرعون وعدته، وفساد عقيدة قادته وأفراده، وانعدام الخلق عندهم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ المعركة مستمرة من بُعيد الفجر وحتّى العصر، وكانت وما زالت مستمرة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام كانوا كما وصفهم عدوهم (فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين...)، فإنّنا نكاد نجزم أنه لم يقترب وقت العصر ومن أصحاب الإمامعليه‌السلام على قيد الحياة إلاّ عدد لا يتجاوز العشرة كانوا متحلّقين حول الإمام وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام ، يدافعون عنهم دفاع المستقتل المستميت.

وكان دورهم دفاعياً مقتصراً على البقاء في مكان واحد، والذبّ عن الإمام الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام ، بالوقت الذي كانت تتدفّق فيه نحو مكان الإمامعليه‌السلام الآلاف من جيش الخلافة، ولا غاية لتلك الآلاف إلاّ قتل الإمامعليه‌السلام ، وإبادة أهل بيت محمّد وذوي قرباه.

طريقة للاستعجال بالشهادة: الخروج

جيش الخلافة يقترب من الإمام وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام ، وما تبقّى من الأصحاب عاجز عن مواجهة الجموع المتدفقة نحو موقع الإمام وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام ، ولا بدّ من خروج عناصر لتعترض سبيل جند الخلافة فتعيق حركته إنْ لم تستطع أن تغيّر مجراه.

٣٢٢

ما تبقّى من الأصحاب

يجالد بين يدي الإمام وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام

زهير بن القين وابن عمه

قال سلمان بن مضارب البجلي، ابن عم زهير بن القين: ائذن لي بالخروج يابن رسول الله. فأذن له الإمامعليه‌السلام ، فقاتل الجموع الزاحفة نحو الإمامعليه‌السلام حتّى قُتل، واستأذن بعده زهير بن القين، ووضع يده على منكب الإمامعليه‌السلام وقال مستأذناً:

أقـدم هُديت هادياً مهديّا

فـاليوم ألقى جدّك النبيّا

وحـسناً والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسـدَ الله الشهيد الحيّا

فقال الحسينعليه‌السلام : « وأنا ألقاهم على إثرك ».

فحمل زهير على القوم وقتل منهم مئة وعشرون، وكان يقول في حملاته:

أنـا زهيرٌ وأنا ابنُ القينِ

أذودكم بالسيفِ عن حسينِ

وتربّص به كثير بن عبد الله الصمي، والمهاجر بن أوس فقتلاه، فوقف الحسينعليه‌السلام وقال: « لا يبعدنك الله يا زهير، ولعن قاتليك لعن الذين مُسخوا قردة وخنازير »(1) .

حبيب بن مظاهر

واستأذن حبيب بن مظاهر، وقاتل قتال الأبطال، وتربّص به رجل من بني تميم يقال له: بديل بن صريم، فطعنه فوقع، وحاول حبيب أن ينهض فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع نهائياً، ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه.

قال أبو مخنف: لمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً، وقال: « [عند الله] احتسب نفسي وحماة أصحابي »(2) .

____________________

(1) بحار الأنوار 45 / 26، والعوالم 17 / 269، وأعيان الشيعة 1 / 606، وتاريخ الطبري 6 / 253، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 20.

(2) تاريخ الطبري 3 / 327، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 19، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 567، وأعيان الشيعة 1 / 606، والبداية والنهاية 8 / 198، وبحار الأنوار 45 / 27، والعوالم 17 / 270.

٣٢٣

عبد الله وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريان

جاءا إلى الإمام الحسينعليه‌السلام فقالا: يا أبا عبد الله، عليك السّلام، حازنا العدو إليك فأحببنا أن نُقاتل بين يديك؛ نمنعك وندافع عنك.

قال الإمامعليه‌السلام : « مرحباً بكما، ادنوا منّي ». فدنوا منه وقاتلا بين يديه قتالاً شديداً حتّى قُتلا(1) .

وورد أنهما بكيا، ولمّا سألهما الإمامعليه‌السلام قالا: والله، ما نبكي على أنفسنا، ولكن نبكي عليك؛ نراك قد اُحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك...(2) .

أبناء العم الجابريان

جاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عم، وأخوان لاُمٍّ، إلى الإمام الحسينعليه‌السلام وهما يبكيان، فقال لهما الإمامعليه‌السلام : « أي ابنيَ أخي، ما يبكيكما؟ فوالله أنا لأرجو أن تكونا قريرَي العين بعد ساعة ».

قالا: لا، جُعلنا فداك! لا والله ما على أنفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك؛ نراك قد اُحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك.

فقال الإمامعليه‌السلام : « فجزاكما الله يابنَي أخي بوجدكما من ذلك، ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين ».

والتفت الجابريان إلى الإمام الحسينعليه‌السلام فقالا: السّلام عليك يابن رسول الله.

فقال الإمامعليه‌السلام : « وعليكما السّلام ورحمة الله ». وقاتلا حتّى قُتل.

حنظلة بن أسعد الشبامي

قام بين يدي الإمامعليه‌السلام ونادى بأعلى صوته:( يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 328، ووقعة الطفِّ 234، والبداية والنهاية 8 / 200.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 23، والكامل لابن الأثير 2 / 568، والبحار 45 / 29، والعوالم 17 / 273.

(3) تاريخ الطبري 3 / 328، وأعيان الشيعة 1 / 701، ووقعة الطفِّ / 234، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 24، وبحار الأنوار 45 / 31، والعوالم 17 / 274.

٣٢٤

للعبادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) ( غافر / 30 - 33 )، يا قوم، لا تقتلوا حسيناً( فيسحتكمْ بعذابٍ وقد خاب مَن افترى ) (طه / 61 ).

فقال الإمام الحسينعليه‌السلام : « يابن أسعد، رحمك الله، إنهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا اُخوانك الصالحين؟! ».

قال: صدقت جُعلت فداك! أنت أفقه منّي وأحق بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق باُخواننا؟

فقال الإمامعليه‌السلام : « رح إلى خير من الدنيا وما فيها، وإلى ملك لا يبلى ».

فقال: السلام عليك أبا عبد الله، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعرّف بيننا وبينك في جنته.

فقال الإمامعليه‌السلام : « آمين آمين ».

فتقدم حنظلة وقاتل حتّى قُتل(1) .

عمرو بن خالد الصيداوي

قال عمرو بن خالد الصيداوي: يا أبا عبد الله، جُعلت فداك! قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيداً من أهلك قتيلاً.

فقال له الحسينعليه‌السلام : « تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة ».

فتقدّم فقاتل حتّى قُتل(2) .

أسلم بن عمرو مولى الإمام الحسينعليه‌السلام

غلام تركي، كان قارئاً للقرآن، ومجيداً للغة العربية، خرج فصال وجال،

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 329، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 24، والكامل لابن الأثير 2 / 568 ذكر إلى قوله: «الصالحين»، واللهوف / 47، وبحار الأنوار 45 / 23، والعوالم 17 / 267، وأعيان الشيعة 1 / 605، ووقعة الطفِّ / 235.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 24، واللهوف / 47، ومثير الأحزان / 64، وبحار الأنوار 45 / 23، والعوالم 17 / 266.

٣٢٥

وتحاشاه القوم، فتربّصوا به وقتلوه، فجاء الحسينعليه‌السلام ووضع خدّه على خدّه، ففتح عينه ورآه فتبسم، وفارق الحياة(1) .

شهد بدر وحنين وصفّين واستشهد في كربلاء

عروة الغفاري، صحابي جليل، وشيخ كبير، شهد بدراً وحنين، وقاتل مع الإمام عليعليه‌السلام في صفّين. استأذن الإمامعليه‌السلام في الخروج للقتال، فقال له الإمام: «شكر الله أفعالك يا شيخ»(2) ، وأذن له، فقاتل الشيخ بين يدي الإمامعليه‌السلام حتّى قُتل.

معرفة أصحاب الإمامعليه‌السلام من غير أهله، والذين قُتلوا معه في كربلاء

في الدراسة العلمية القيمة التي قام بها الشيخ محمّد مهدي شمس الدين بعنوان «أنصار الحسين»، تمّ تحديد وتعيين كافة أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام من غير أهله الذين قُتلوا معه في كربلاء.

ومن خلال مجموعة من الجداول مستقاة من كافة المراجع بيّن الشيخ في دراسته أسماءهم، وساق كافة المعلومات التي وردت عنهم، فمن أراد الوقوف على أسماء كل اُولئك الأبطال فعليه بذلك الكتاب. وقد أوردنا من أسماء الشهداء ومواقفهم في هذه الدراسة ما رأينا أنه يفي بالغرض الذي توخّيناه.

____________________

(1) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 24، وبحار الأنوار 45 / 30، والعوالم 17 / 273، وأعيان الشيعة 1 / 607.

(2) ينابيع المودة / 412، وأدب الحسين / 214، والموسوعة / 458.

٣٢٦

الفصل السادس

مصرع الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام

تمكّن جيش بني اُميّة من قتل وإبادة أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام إبادة تامة كما رأينا، ومَن قُطعت يده أو رجله منهم وسقط بينهم، ووقع أسيراً بأيديهم ذبحوه صبراً كما تُذبح الأضاحي، وجزّوا رأسه.

والجرم الذي ارتكبه أصحاب الإمامعليهم‌السلام أنهم بذلوا كلَّ جهودهم للحيلولة بين جيش بني اُميّة وبين هدفه الرامي إلى قتل الإمام الحسين بن فاطمة بنت محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى إبادة آل محمّد وأهل بيته وذوي قرباه.

أمّا وقد قُتل أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام عن بكرة أبيهم فإنّ الجيش الاُموي وجد نفسه وجهاً لوجه أمام الإمام الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام الذين صمّموا تصميماً نهائياً على أن يخوضوا لُجج المنايا؛ جهاداً في سبيل الله، وإعلاء لكلمته، وطمعاً برضوانه.

علي الأكبر أوّل البارزين للقتال

كان أوّل البارزين للقتال من أهل بيت الحسينعليه‌السلام بعد مقتل أصحابه ابنه الأكبر علي، وكان له من العمر يومئذ سبع وعشرون سنة، وكان من أكثر أهل البيت شبهاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان شجاعاً مهاباً، وجواداً معدوداً في أسخياء العرب، وكانت داره موئلاً للضيوف وأصحاب الحاجات.

يقول الشاعر في مدحه:

لم تـرَ عينٌ نظرت مثلَه

من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ

٣٢٧

يـغلي بـنيء الـلحمِ حتّى إذا

أُنـضج لـمْ يـغلِ عـلى الآكلِ

كان إذا شـبّـت لـه نـارُه

أوقـدهـا بـالـشرفِ الـقـابلِ

كـيـما يـراها بـائسٌ مُـرملٌ

أو فردُ حـيٍّ لـيس بالآهلِ

لا يـؤثـر الـدنيا عـلى ديـنهِ

و لا يـبيع الـحقَّ بـا لـباطلِ

أعني ابنَ ليلى ذا الندى والسَّدى

أعـني ابنَ بنت الحسب الفاضلِ

وبعد أن أذن له الإمامعليه‌السلام بالخروج، تقدّم صوب العدو وهو يرتجز قائلاً:

أنـا عليُّ بنُ الحسين بن علي

نـحنُ و بيتِ الله أولى بالنبي

واللهِ لا يـحكم فينا ابنُ الدعي

أضربُ بالسيفِ اُحامي عن أبي

ضـربَ غُـلامٍ هاشميٍّ علوي

ولمّا رآه الإمام الحسينعليه‌السلام رفع شيبته نحو السماء وقال: « اللّهمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه. اللّهمَّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائقَ قِدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً؛ فإنهم دعونا لينصرونا، ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا ».

وصاح الإمام الحسينعليه‌السلام بأعلى صوته: « يا عمر بن سعد، ما لك؟! قطع الله رحمك، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ».

ولمح الإمامعليه‌السلام ابنه عليّاً وهو يصول ويجول، فرفع الحسينعليه‌السلام صوته بقوله تعالى: «( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) »(آل عمران / 33 - 34 ).

ورجع علي بن الحسين إلى أبيهعليه‌السلام فقال: يا أبتِ، العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟

فبكى الإمام الحسينعليه‌السلام ، ثمَّ قال: « يا بُني، يعزّ على محمّد، وعلى علي، وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يُجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك! يا بُني، هات لسانك ».

فأخذ بلسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه وقال: « خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال

٣٢٨

عدوك؛ فإنّي أرجو أنك لا تُمسي حتّى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً »(1) .

وقال أبو الفرج الأصفهاني: إنّ أوّل قتيل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه عليعليه‌السلام .

وقال: لما برز علي بن الحسين إليهم أرخى الحسين عينيه وبكى، وقال: « اللّهمَّ أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الخلق برسول الله ». فجعل يشدّ عليهم، ثمَّ يرجع إلى أبيه فيقول: يا أبه، العطش! فيقول له الحسينعليه‌السلام : « اصبر حبيبي؛ فإنك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله بكأسه ».

وجعل يكرّ كرّة بعد كرة حتّى رُمي بسهم في حلقه فمزّقها، وأقبل يتقلّب في دمه، ثمَّ نادى: يا أبتاه! عليك السّلام، هذا جدي رسول الله يُقرئك السّلام ويقول: « عجّل القدوم علينا ». ثمَّ شهق ومات(2) .

قال الطبري: قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور، وتقول: وا حبيباه! يا ثمرة فؤاداه! يا نور عيناه! فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت علي. وجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسينعليه‌السلام وأخذ بيدها إلى الفسطاط، وأقبل على فتيانه وقال: « احملوا أخاكم ». فحملوه من مصرعه، فجاؤوا به حتّى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه(3) .

قال أبو مخنف: ثمَّ إنه وضع ولده في حجره، وجعل يمسح الدم عن ثناياه، وجعل يلثمه ويقول: « أمّا أنت فقد استرحت من همِّ الدنيا وغمِّها وشدائدها،

____________________

(1) راجع الفتوح 5 / 13، ومقتل الخوارزمي 2 / 30، وأعيان الشيعة 1 / 607، وبحار الأنوار 45 / 42، والعوالم 17 / 285، ومثير الأحزان / 69، واللهوف / 49، والفتوح لابن أعثم 5 / 131، والموسوعة / 460 - 461.

(2) مقاتل الطالبيِّين / 115 لأبي الفرج الأصفهاني، وبحار الأنوار 5 / 45، وأعيان الشيعة 1 / 907، والموسوعة / 462.

(3) تاريخ الطبري 3 / 331، والإرشاد / 239، وذريعة النجاة / 128، ومقتل الحسين لأبي مخنف / 129، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 31، وبحار الأنوار 45 / 43، والعوالم 17 / 285، ووقعة الطفِّ / 241، والبداية والنهاية 8 / 201، ومثير الأحزان / 69 واللهوف / 49، وأعيان الشيعة 1 / 607.

٣٢٩

وصرت إلى رَوحٍ وريحان، وبقي أبوك، وما أسرع اللحوق بك »(1) .

قال القندوزي: إنّ الإمامعليه‌السلام قال: « لعن الله قوماً قتلوك يا ولدي، ما أشدّ جرأتهم على الله، وعلى انتهاك حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! ». وأهملت عيناه بالدموع، وصرخت النساء فسكتهنّ الإمامعليه‌السلام (2) ، وقال: « اسكتن؛ فإنّ البكاء أمامكنّ »، وفي رواية اُخرى أنّ الإمامعليه‌السلام لما رأى ولده الشهيد قال: « يا ثمرة فؤاداه! يا قرّة عيناه! »(3) .

القاسم بن الحسنعليه‌السلام

وخرج من بعد علي الأكبر ابن الحسين القاسمُ بن الحسن، وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم، فلما نظر إليه الإمام الحسينعليه‌السلام اعتنقه، وجعلا يبكيان حتّى غُشي عليهما، فاستأذن الغلام، فأبى الحسينعليه‌السلام أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له. فخرج الغلام ودموعه تسيل على خديه، وهو يقول:

إن تـنكروني فأنا ابنُ الحسنْ

سبطِ النبي المصطفى والـمُؤتمنْ

هـذا حـسينٌ كالأسير الـمُرتهنْ

بين اناس لا سُقوا صوب الـمُزنْ

وكان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالاً شديداً، وقتل خمسة وثلاثين رجلاً.

قال حميد بن مسلم: كنت في عسكر ابن سعد، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار، ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنه اليسرى، فقال عمرو بن سعد الأزدي: والله، لأشدن عليه. فقلت: سبحان الله! وما تُريد بذلك؟! والله، لو ضربني ما بسطت إليه يدي، يكفيه هؤلاء الذين احتوشوه. فقال: والله لأفعلنّ. فشدّ عليه وضرب رأسه بالسيف، ووقع الغلام لوجهه ونادى: يا عمّاه! فجاء الحسينعليه‌السلام كالصقر المنقضّ، فتخلل الصفوف، وشدّ شدة الليث وضرب عمراً قاتله بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها من المرفق، وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين، فاستقبلته بصدورها، وجرحته بحوافرها، ووطأته حتّى مات.

فانجلت الغبرة وإذا بالحسينعليه‌السلام قائم على رأس الغلام، وهو يفحص برجليه، فقال

____________________

(1) الدمعة الساكبة 4 / 331.

(2) ينابيع المودة / 415.

(3) ناسخ التواريخ 2 / 355، والموسوعة / 461 - 463.

٣٣٠

الحسينعليه‌السلام : « عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يُجيبك، أو يُجيبك فلا يُعينك، أو يُعينك فلا يُغني عنك. بُعداً لقوم قتلوك! »(1) . ثم احتمله حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

ثمَّ رفع الإمامعليه‌السلام يده إلى السماء وقال: « اللّهمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً. صبراً يا بني عمومتي، لا رأيتم [هواناً] بعد هذا اليوم أبداً »(2) .

مقتل آل عقيل بن أبي طالب

1 - استأذن عبد الله بن مسلم بن عقيل الإمامَ ليخرج للقتال، فقال له الإمامعليه‌السلام : « أنت في حلٍّ من بيعتي، حسبك قتل أبيك مسلم، خذ بيد اُمّك واخرج من هذه المعركة »(3) .

فقال عبد الله: لستُ ممن يؤثر دنياه على آخرته. وما زال بالإمامعليه‌السلام حتّى أذن له، فخرج وقاتل حتّى قُتل، فلما نظر إليه الإمامعليه‌السلام قال: « اللّهمَّ اقتل قاتلَ آل عقيل ». ثمّ قال: « احملوا عليهم، بارك الله فيكم، وبادروا إلى الجنّة التي هي دار الإيمان »(4) .

2 - وبرز جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتّى قُتل(5) .

3 - وبرز عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتّى قُتل(6) .

____________________

(1) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 27، وبحار الأنوار 45 / 35، والعوالم 17 / 278، والدمعة الساكبة 4 / 317.

(2) مقاتل الطالبيِّين / 88، وتاريخ الطبري 3 / 331، والإرشاد / 239، والكامل لابن الأثير 2 / 570، والبداية والنهاية 8 / 202، واللهوف / 50، ومثير الأحزان / 69، وأعيان الشيعة 1 / 608.

(3) معالي السبطين 1 / 402، وناسخ التواريخ 2 / 317، والموسوعة / 469.

(4) ينابيع المودة / 412، ومعالي السبطين 1 / 403، والموسوعة / 469.

(5) ذكره الطبري في تاريخه، والمفيد في الإرشاد، والأصفهاني في المقاتل، والخوارزمي في مقتل الحسين. (انظر في كتاب أنصار الحسين / 133).

(6) ذكرهم الطبري، والمفيد، والأصفهاني، والخوارزمي، والمسعودي (انظر أنصار الحسين / 130).

٣٣١

4 - وبرز عبد الله بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتّى قُتل(1) .

5 - وبرز محمّد بن سعيد بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتّى قُتل(2) .

مقتل آل جعفر بن أبي طالب

1 - برز محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقاتل حتّى قُتل(3) .

2 - وبرز عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقاتل حتّى قُتل(4) .

مقتل أولاد الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام

1 - برز أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقاتل حتّى قتله عبد الله بن عقبة الغنوي، أو عقبة الغنوي(5) .

2 - وبرز القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقاتل حتّى قتله عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي(6) . 3 - وبرز عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقاتل حتّى قُتل، وكان عمره إحدى عشرة سنة، قتله حرملة بن كاهل الأسدي(7) .

مصرع العباس بن علي وسائر إخوة الحسينعليهم‌السلام

استشهد في كربلاء خمسة من إخوة الحسينعليه‌السلام ، وهم: العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، ومحمّد الأصغر.

وكان العباس أكبر هؤلاء الأبرار الذين ضربوا أروع الأمثال في

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه.

(5) المصدر نفسه.

(6) المصدر نفسه.

(7) المصدر نفسه.

٣٣٢

التضحية والفداء، لا من منطلق صلة الرحم والقرابة القريبة التي تربطهم بأخيهم فحسب، بل من منطلق نصرة الحق ومقاومة الطغيان والباطل في المقام الأوّل.

وقد كان للعباس يومئذ من العمر أربعة وثلاثون سنة، وكان - كما يقول صاحب مقاتل الطالبيِّين - رجلاً وسيماً، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطّان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم. وكان لواء الحسينعليه‌السلام معه يوم قُتل، وكان آخرَ مَن قُتل من إخوته لاُمّه وأبيه(1) .

وقد ضم ديوان بطولات العباسعليه‌السلام ومواقفه الكريمة الشجاعة في واقعة كربلاء صفحات كثيرة مضيئة، لكن أكثرها إضاءة وشهرة مواساته لأخيه الحسينعليه‌السلام بنفسه؛ إذ أبى أن يذوق الماء، وقد كان واقفاً في لجّته، وكبده تتلظى من العطش؛ لآن الحسينعليه‌السلام وعياله عطاشى لم يذوقوا قطرة منه منذ أيام.

وقد شهد له بهذه المواساة الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام حينما وقف على قبره وقال: « أشهدُ لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك، فنعم الأخ المواسي ».

كما شهد له بها الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) في الزيارة المعروفة عنه بزيارة الناحية: « السّلام على أبي الفضل العباس، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الواقي له، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه ».

وقد روى أصحاب المقاتل في كيفية مصرعه: إنه لم يستطع صبراً على البقاء بعد استشهاد صحبه وأهل بيته، وطلب الأذن من الحسينعليه‌السلام ، فأمره الحسينعليه‌السلام أن يطلب الماء للأطفال، فذهب إلى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبار، فلم ينفع.

ثمَّ رجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فلم تتطامن نفسه على هذه الحال، وثارت به الحمية الهاشميّة، وركب جواده وأخذ القربة، فأحاط به أربعة آلاف مقاتل ورموه بالنبال، فلم ترعه كثرتهم، وأخذ يطردهم، ونزل إلى الفرات مطمئناً، ولما اغترف من الماء

____________________

(1) المصدر السابق / 84.

٣٣٣

ليشرب تذكّر عطش الحسينعليه‌السلام ومَن معه، فرمى الماء وأبى أن يشرب؛ مواساةً لأخيه الحسينعليه‌السلام .

ثمَّ ملأ القربة وركب جواده وتوجّه نحو المخيم، فقُطع عليه الطريق، وجعل يضرب حتّى أكثر القتل فيهم، وكشفهم عن الطريق، فكمن له عدوّ من الأعداء من وراء نخلة فضربه على يمينه فبراها، فقال عندئذ:

واللهِ إن قـطعتموا يميني

إنّي اُحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقِ اليقيني

نجلِ النبي الطاهر الأمينِ

فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همّه إيصال الماء إلى أطفال الحسينعليه‌السلام وعياله، لكن حكيم بن طفيل كمن له من وراء نخلة، فلما مرّ به ضربه على شماله فقطعها، وتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر؛ فأصاب القربة سهم واُريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته، وسقط على الأرض ينادي: عليك منّي السّلام أبا عبد الله.

فأتاه الحسينعليه‌السلام وقال عند مصرعه: « الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي ».

1ـ برز عبد الله بن علي بن أبي طالب، فقاتل حتّى قتله هاني بن الحضرمي(1) .

2 - وبرز جعفر بن علي بن أبي طالب، فقاتل حتّى قُتل وعمره 19 سنة، وقتله قاتل أخيه عبد الله نفسه(2) .

3ـ وبرز عثمان بن علي بن أبي طالب، وكان عمره 21 عاماً، فقاتل حتّى رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه، ثمَّ شدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله(3) .

____________________

(1) ذكره الطبري، والمفيد، والأصفهاني، والخوارزمي. ( انظر أنصار الحسين / 13).

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

٣٣٤

4 - وبرز محمّد «الأصغر» ابن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقاتل حتّى قتله رجل من تميم من بني أبان بن دارم(1) .

5 - العباس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو حامل اللواء، وأكبر إخوة الإمامعليه‌السلام ، وسنفرد له بحثاً(2) .

نداء مؤثّر، ومصرع طفل الحسين الرضيع

ولما فُجع الإمام الحسينعليه‌السلام بأهل بيته وولده، ولم يبق غيره وغير النساء والأطفال، وغير ولده المريض، أشرف على جيش بني اُميّة، ونادى بأعلى صوته: « هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ هل من مُعين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟ ».

سمع جيش الفرعون كله هذه الاستغاثات، وعلى إثرها ارتفعت أصوات الأطفال بالعويل، وكان جيش الخلافة يسمع ويرى كل شيء.

ثمّ بعد ذلك دعا ابنه عبد الله ( الرضيع )، فجعل يقبّله وهو يقول: « ويلٌ لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمّد المصطفى خصمهم! ». وكان الصبي في حجر أبيه الحسينعليه‌السلام ، وكان جيش الخلافة وقادته يتفرّجون، فأراد أحدهم أن يثبت للجيش دقته بالرماية، وهو حرملة بن كاهل الأسدي، فسدّد سهماً إلى رقبة الصبي فذبحه وهو في حجر أبيه الحسينعليه‌السلام ، فتلقّى الحسينعليه‌السلام دمه حتّى امتلأت كفّه، ثمَّ رمى به إلى السماء، ثمَّ قال: « هوّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله ».

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : « فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض ».

قالوا: ثمَّ قال: « لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح. اللّهمَّ إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا »(3) .

وقالوا: إنه قال: « اجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء

____________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

(3) بحار الأنوار 45 / 46، والعوالم 17 / 288، واللهوف / 116.

٣٣٥

الظالمين(1) ، واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل. اللّهمَّ أنت الشاهد على قومٍ قتلوا أشبه الناس برسولك محمّد... »(2) .

مصرع طفل مذعور، ونموذج من أخلاق جيش بني اُميّة

روى الطبري في تاريخه عن هانيء بن ثبيت الحضرمي، قال: كنت ممّن شهد قتل الحسين. قال: فوالله، إنّي لواقف عاشر عشرة ليس من رجل إلاّ على فرس، وقد جالت الخيل وتضعضعت، إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية، عليه إزار وقميص، وهو مذعور يتلفّت يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درّتين في اُذنيه تذبذبان كلّما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثمَّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال الراوي: هانيء بن ثبيت هذا هو الذي قطع الغلام بالسيف، فلما عتب عليه كنّى عن نفسه.

مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام

تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام نحو القوم مصلتاً سيفه، آيساً من الحياة، ودعا جيش الخلافة إلى المبارزة، فلم يزل يقتل كلَّ مَن برز إليه حتّى قتل جمعاً كثيراً(3) ، ثمَّ حمل الإمامعليه‌السلام على ميمنة القوم وهو يقول:

الموتُ أولى من ركوبِ العارِ

والعارُ أولى من دخولِ النارِ(4)

ثمَّ حمل على الميسرة وهو يقول:

أنـا الـحسينُ بـنُ علي

آليـت ألاّ أنـثـنـي

أحـمـي عـيالاتِ أبـي

أمضي على دينِ النبي(5)

قال عبد الله بن عمار بن يغوث: ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده، وأهل

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 331، والكامل لابن الأثير 2 / 570، ووقعة الطفِّ / 245 والإرشاد للمفيد / 240، ومثير الأحزان / 70.

(2) مقتل الحسين للمقرّم / 343، وحياة الحسين 3 / 276، والموسوعة / 476.

(3) العوالم / 97، ومثير الأحزان / 37.

(4) في البيان والتبيين للجاحظ 3 / 171 طُبع تحت عنوان «كلام في الأدب».

(5) المناقب لابن شهر آشوب 2 / 223.

٣٣٦

بيته وصحبه أربط جأشا منه، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً! ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شدّ فيها، ولم يثبت له أحد(1) .

صاح عمر بن سعد بن أبي وقاص بجيشه قائلاً: هذا - يعني الحسينعليه‌السلام - ابن الأنزع البطين - يعني عليّاًعليه‌السلام - هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كلِّ جانب.

فأتته أربعة آلف نبلة(2) ، وحال الرجال بينه وبين رحله.

صيحة الحسينعليه‌السلام

فصاح الإمام الحسينعليه‌السلام بجيش الخلافة قائلاً: « يا شيعة آل أبي سفيان، إنْ لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كُنتم عُرباً كما تزعمون ». فناداه شمر بن ذي الجوشن: ما تقول يابن فاطمة؟ فأجابه الإمامعليه‌السلام : « أنا الذي اُقاتلكم، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً ».

فقال شمر بن ذي الجوشن: لك ذلك.

استمرار القتال، ومحاولة لشرب الماء

وقصد جيش الخلافة الإمامَعليه‌السلام ، واشتد القتال، الجيش «الإسلامي» كلّه يواجه رجلاً واحداً وهو ابن بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقاتل الإمامعليه‌السلام بقدرة خارقة، واشتد به العطش؛ لأنّ جيش الفرعون منع عنه وعن أهل بيته وأصحابه الماء منذ قرابة اُسبوع، فحمل الإمامعليه‌السلام من نحو نهر الفرات على عمرو بن الحجاج، وكان في أربعة آلاف، فكشفهم من الماء.

ولغ الفرس ليشرب، قال الإمامعليه‌السلام : « أنت عطشان وأنا عطشان، فلا أشرب حتّى تشرب أنت ». فرفع الفرس رأسه كأنه قد فهم كلام الإمامعليه‌السلام ، ولمّا مدّ الإمام يده ليشرب قال له رجل: أتلتذّ بالماء وقد هُتكت حرمُك؟

فرمى الماء ولم يشرب، وقصد الخيمة(3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 6 / 259

(2) مناقب ابن شهر آشوب 2 / 223.

(3) البحار 10 / 104، ومقتل العوالم / 98، ونفس المهموم / 188، والخصائص الحسينية / 46، باب «خصائص الحيوانات»، ومقتل المقرّم / 347.

٣٣٧

الإمامعليه‌السلام يودّع أهله ثانية

ودّع الإمامعليه‌السلام عياله ثانية، وأمرهم بالصبر، وطلب منهم أن يستعدّوا للبلاء، وقال: « اعلموا أنّ الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شرِّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما يُنقص من أقداركم ».

عمر بن سعد يصدر أمراً عسكرياً جديداً، ودعاء للإمامعليه‌السلام

قال عمر بن سعد: ويحكم! اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم.

فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتّى تخالفت السهام بين أطناب الخيم، فحمل عليهم الإمامعليه‌السلام كالليث الغضبان، فلا يلحق أحداً إلاّ بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كلِّ ناحية، وهو يتّقيها بصدره ونحره، ثمَّ رجع إلى مركزه وأكثر من قول: « لا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم ».

وطلب في هذه الحال ماءً، فقال شمر بن ذي الجوشن: لا تذوقه حتّى ترد النار. وناداه رجل: يا حسين، ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات، فلا تشرب منه حتّى تموت عطشاً.

فقال الحسينعليه‌السلام : « اللّهمَّ أمته عطشاً ». فكان ذلك الرجل يطلب الماء، فيُؤتى به حتّى يخرج من فيه، وما زال كذلك إلى أن مات عطشاً(1) .

ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته، فنزعه وسالت الدماء على وجهه، فقال الإمام: « اللّهمَّ إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللّهمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً ».

وصاح الحسينعليه‌السلام بأعلى صوته: « يا اُمّة السوء، بئسما خلفتم محمّداً في عترته! أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إيّاي. وأيم الله، إنّي لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة، ثمَّ ينتقم لي منكم من

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين لأبي الفرج الأصفهاني / 47.

٣٣٨

حيث لا تشعرون ».

فقال الحصين: وبماذا ينتقم لك منا يابن فاطمة؟

قال الإمامعليه‌السلام : « يلقي بأسكم بينكم، ويسفك دماءكم، ثمَّ يصبّ عليكم العذاب صبّاً »(1) .

ووقف الإمامعليه‌السلام عن القتال، ووقف يستريح، فرماه رجل بحجر على جبهته فسال دمه، فأخذ الثوب ليمسح دمه عن عينيه، وجاءه سهم له ثلاث شعب فوقع على قلبه، فقال الإمامعليه‌السلام : « باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله ». ورفع رأسه إلى السماء: « إلهي، إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ».

وجاءه سهم في قفاه فأخرجه، وانبعث الدم كالميزاب(2) ، فوضع يده الشريفة تحت الجرح، فلما امتلأت رمى بها نحو السماء وقال: « هوّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله ». فلم تسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض(3) ، ثمّ ملأ يده بالدم ولطخ به رأسه ووجهه ولحيته، وقال: « هكذا أكون حتّى ألقى الله وجدّي رسول الله وأنا مخضّب بدمي... »(4) .

نداء الحسينعليه‌السلام للأصحاب

نظر الإمام الحسينعليه‌السلام يميناً وشمالاً فلم يرَ أحداً من أهله وأصحابه وأنصاره، فنادى: « يا مسلم بن عقيل، ويا هاني بن عروة، يا حبيب بن مظاهر، يا زهير بن القين، يا يزيد بن مظاهر... »، وسمّى الكثير من أصحابه، ثمَّ قال: « يا علي بن الحسين، يا أبطال الصفا، ويا فرسان الهيجاء، ما لي اُناديكم فلا تجيبون، وأدعوكم فلا تسمعون؟ أنتم نيّام؟ أرجوكم تنتبهون، أم حالت مودّتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟ فهذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهنّ النحول، فقوموا من نومتكم أيها الكرام، وادفعوا عن حرم رسول الله الطغاة اللئام... ».

ثمَّ أنشأ يقول:

قـومٌ إذا نـودوا لدفعِ ملمةٍ

والخيلُ بين مدعّس ومكردسِ

____________________

(1) مقتل العوالم / 98، ونفس المهموم / 189، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 24.

(2) نَفَس المهموم / 189، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 24، واللهوف / 18.

(3) تهذيب ابن عساكر.

(4) مقتل الحسين للخوارزمي / 34، واللهوف / 70.

٣٣٩

لـبسوا القلوبَ على الدروعِ وأقبلوا

يـتهافتون عـلى ذهـاب الأنـفسِ

نـصروا الـحسينَ فيا لهم من فتيةٍ

عافوا الحياةَ و اُلبسوا من سندسِ(1)

قبل أن يُقتل الإمامعليه‌السلام

قال أبو مخنف: إنّ حميد بن مسلم قال: سمعته يقول قبل أن يُقتل، وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع؛ يتّقي الرمية، ويفترص العورة، ويشد على الخيل وهو يقول: « أَعلى قتلي تحاثون؟ أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله أسخط عليكم لقتله منّي. وأيم الله، إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثمَّ ينتقم لي منكم ».

أوامر قيادة جيش بني اُميّة

صاح شمر بن ذي الجوشن بجيش بني اُميّة: ويحكم! ماذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم اُمّهاتكم! فحمل عليه جيش الخلافة من كل جانب؛ فضُربت كفه اليسرى ضربةً ضربها شريك التميمي، وضُرب على عاتقه، ثمَّ انصرفوا عنه.

وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح حتّى وقع، ونادت زينب بنت علي بن أبي طالبعليهما‌السلام : وا أخاه! وا سيّداه! وا أهل بيتاه! ليت السماء انطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل(2) .

وانتهت نحو الحسينعليه‌السلام ، وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه، والحسينعليه‌السلام يجود بروحه الطاهرة، فصاحت زينب: أي عمر، أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته(3) .

وقالت السيدة زينب: ويحكم! أما فيكم مسلم؟! فلم يجبها أحد(4) .

____________________

(1) ناسخ التواريخ 2 / 277، ومعالي السبطين 2 / 19، ومقتل الحسين لأبي مخنف / 223، والموسوعة / 483 - 484.

(2) اللهوف / 73.

(3) الكامل لابن الأثير 4 / 32.

(4) الإرشاد للمفيد / 6، ومقتل العوالم / 10، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 37، وراجع معالم المدرستين 3 / 132 وما فوق، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرم / 350 وما فوق.

٣٤٠