المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم0%

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 63

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ مكي فاضل حسن
تصنيف: الصفحات: 63
المشاهدات: 50386
تحميل: 6645

توضيحات:

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 63 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50386 / تحميل: 6645
الحجم الحجم الحجم
المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ماذا يرسم لنا الرسام في المواكب العزائيّة؟

في الغالب نرى الرسام يتأثّر بمرأى واقعي معين، أو بمشهد مبكي حزين، أو بطبيعة معينة، أو بحدث تأريخي معين، أو بشخصية ما؛ سواء كان هذا التأثر في الواقع أو في الخيال، فتتحرّك في داخله الرغبة الإبداعية فيُبدع ويرسم حتّى يصل إلى مبتغاه، ويخرج لنا لوحة فنّية رائعة المنظر. وما يدريك لعله يجلس على رسم هذه اللوحة أيام وليالي، ويسهر عليها حتّى يقدّمها للمشاهد بالشكل الرائع والمقبول والمثير.

في لوس أنجلوس بأمريكا في إحدى السنوات أقام مركز الشباب المسلم هناك معرضاً صورياً شارك فيه الكثير من الرسّامين المبدعين بمختلف أطيافهم ودياناتهم، ثمّ عرضوا فيه لوحاتهم.

أيضاً بعض الرسّامين الشيعة ركّزوا على رسم بعض المشاهد المثيرة من واقعة الطفّ في لوحاتهم وعلّقوها من بين اللوحات، وكان هناك من الإخوة المؤمنين في المركز مهمّته في المعرض يعرّف باللوحات للزائرين.

هذا الأخ يقول: كان كلّ زائر يزور المعرض لا ينجذب إلى شيء أكثر ممّا ينجذب إلى النظر إلى اللوحات الحسينيّة؛ لأنّهم رأوا فيها المناظر النادرة والمثيرة.

وكان من بين الزائرين ومن المدعوّين لحضور هذا المعرض هو الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (رحمة الله عليه)، ومن جملة انطباعاته على اللوحات التي رآها كان يقول: إنّ اللوحات كانت معظمها رائعة ومعبّرة وهادفة، وتُعطي لذهنية الناظر الصورة التقريبية، ولكن ما لفت نظري وأثار انتباهي من بين اللوحات المعروضة كانت هناك لوحة لأحد الرسّامين من بلدة الحلّة بالعراق وقد رسم فيها طفل الحسين عبد الله الرضيع والسهم واقع في منحره، والدماء من حوله، وحوريات قد نزلت من السماء إلى الأرض يتبركنَ بدمائه.

٢١

يقول: وأنا أتأمّل إلى هذه اللوحة الفنية الرائعة لكنّي ما استطعت مواصلة التأمّل فيها؛ لأنّني اختنقت بالعبرة وقد جرت الدموع من عيني.

فالرسّام الحسيني مبدع عظيم، ويستحق الثناء والتبجيل والتكريم، وقبل أن نكرمه قد كرّمه مولاه الحسينعليه‌السلام ؛ لِما يؤدّي له من خدمات فنّية جميلة؛ مكافأة له على عنائه وتعبه وسهره.

أيضاً لا ننسى جهد وعناء ذلك الخطّاط الشريف الذي يسخّر قلمه في خدمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ويسخّر إبداعاته الخطّية في كتابة الشعارات القدّسية التي أطلقها حسين الإباء في يوم عاشوراء قبل استشهاده. حفظ الله كلّ الخطّاطين والفنّانين الرسّامين، وحشرهم مع محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

بلا شك إنّ كلّ هذا الفن الإبداعي لا يضيع هدراً، وإنّما نراه بجلاء قد أصبح مظهراً مؤثراً، ودافعاً للحركة الجماهيرية في المواكب العزائيّة.

٢٢

ركضة عزاء (طويريج) المشهورة لدى شيعة العراق

إنّ الذي رأى هذا الموكب المهيب وهو يخرج يوم عاشوراء، أو في أربعينية سيد الشهداءعليه‌السلام في المسير من حرم أبي الفضل العباسعليه‌السلام إلى حرم أخيه الحسينعليه‌السلام ، يلحظ بأنّ ما وراء هذه الهرولة الزاكية الشريفة حكاية تأريخية مشهورة عريقة برزت بعد استشهاد أبيِّ الضيمعليه‌السلام ، وسوف أنقلها لك بنوع من الإسهاب والتفصيل:

ينطلق ما يعرف بـ (عزاء طويريج) بمصاب سيد الشهداءعليه‌السلام ظهر العاشر من المحرّم بعد صلاة الظهر من منطقة ( طويريج )، وهم يهتفون:(أبد والله ما ننسى حسينا) و(وا حسين) ، وما إليه من الشعارات الحسينيّة والهتافات الولائية، إلى أن يصلوا إلى حرم سيد الشهداءعليه‌السلام ، ومنه إلى حرم العباس بن عليعليهما‌السلام ، ومنه إلى المخيّم الحسيني.

لهذا العزاء تاريخ طويل ومشاركة كبيرة من الموالين والمحبّين للإمامعليه‌السلام ، وهو عزاء جماهيري يُشارك فيه أعداد كبيرة من عشّاق الإمام وهم يندبون لمقتل الإمام السبط، مهرولين إلى الصحن الشريف للإمام، لاطمين الصدور والرؤوس، منادين: يا حسين! يا حسين! يا حسين! هذا النداء الخالد ما خلدت الدنيا.

ويروى في إحدى السنوات كان المرحوم العلاّمة السيد مهدي بحر العلوم قد ذهب يوم العاشر من محرّم إلى مدينة كربلاء المقدّسة بصحبة عدد من طلبته وخواصه، فوقف على مشارف المدينة لاستقبال الموكب الحسيني القادم من مدينة ( طويريج ) التي يفصلها عن كربلاء حوالي أربعة فراسخ، حيث يعدّ هذا الموكب من أشهر المواكب وأكثرها حرارة إلى درجة أنّ نمطاً من أنماط العزاء الحسيني ما زال مشتهراً باسم ( عزاء طويريج )؛ نسبة إلى هذه المدينة التي كان يخرج منها مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال وهم يبكون ويندبون ويلطمون على سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه).

٢٣

والرجال منهم كانوا يسيرون حفاة الإقدام، حاسري الرؤؤس، وهم يلطمون أنفسهم بقوّة وحرارة على وقع المراثي كالمفجوعين توّاً، ممّا يزيد الأسى واللوعة بمصاب سيد الشهداء، وتتحوّل مدينة كربلاء المقدّسة إلى حالة من الحزن والأسى في كلّ أرجائها من وقع هذا الموكب وصداه.

وعندما اقترب الموكب إلى حيث كان يقف السيد مهدي بحر العلوم تفاجأ الذين من حوله بقيامه فجأة بإلقاء عمامته، وخلع قميصه، وقد انفجر من شدّة البكاء وغاص في وسط الموكب بين الجماهير، وهو يلطم بشدّة وقوّة، وهو ينادي ويصيح: وا حسيناه! وا حسيناه!

وقد تعجّب هؤلاء الذين كانوا من المقرّبين إلى السيد من قيامه بهذا التصرّف بغتة، بينما هو لم يعهد عنه مثل ذلك أبداً. وما كان من هؤلاء من سبيل سوى أن يدخلوا مع السيد في الموكب، فأحاطوا به من كلّ جانب؛ خشية أن يصيبه مكروه، أو يُداس بالأقدام وسط أمواج هذا الموكب المهرول الكبير.

وطوال تلك الفترة رأى هؤلاء من السيد بحر العلوم ما زاد من تعجّبهم ودهشتهم، إذ وجدوه في حالة لم يروها من قبل منه؛ فقد كان يضرب نفسه بقوّة وشدّة وجزع، وهو يبكي ويصيح بأعلى صوته من دون أن يشعر بما حوله، وكان حقّاً كالذي فقد عزيزاً الساعة.

وانتظر هؤلاء انتهاء الموكب والدهشة قد ملأت عقولهم، وبعد انتهاء مراسم العزاء وانفضاض الجميع، عاد السيد بحر العلوم إلى حالته الطبيعية، ولكنّه كان شاحب الوجه، منخرّ القوى، ولم يكن يقوى على النهوض، فسأله المحيطون به منكرين: سيدنا، ماذا جرى لكم حتّى دخلتم هكذا فجأة ومن دون اختيار في موكب عزاء طويريج كأحدهم؟!

٢٤

فنظر إليهم السيد وانهمرت دموعه على خديه وقال: لا تلوموني، ولا ينبغي لكم أن تلوموا أحداً من العلماء إذا ما قام بذلك؛ فإنّني ما إن اقترب منّي الموكب حتّى رأيت مولاي صاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) حاسر الرأس، حافي القدمين، وهو يلطم ويبكي مع اللاطمين الباكين، فلم احتمل المنظر، ودخلت في الموكب ألطم صدري مع الإمام سلام الله عليه.

وعزاء طويريج يبدأ بالمسير انطلاقاً من مدينة طويريج الواقعة على بعد ٢٠ كيلو متراً عن كربلاء، حيث يتوجّه المشاركون فيه إلى هذه المدينة سيراً على الأقدام ليصلوا قبل الظهر على مشارف المدينة؛ حيث تُقام صلاة الظهر هناك لينطلق الموكب إلى داخل المدينة المقدّسة.

وتولّى علماء دين من آل القزويني، ووجهاء مدينة طويريج من آل عنبر، وعشائر بني حسن، وآل فتلة، والدعوم، الإشراف والإنفاق بمساعدة أهالي هذه المدينة على (ركضة طويريج) التي تنطلق لتبدأ بعدها مراسيم (الركضة) في العاشر من الشهر، وهو موكب عزاء يشارك فيه مئات الآلاف في كلّ عام.

٢٥

حلقة عزاء ذي الجناح المشهورة لدى شيعة البحرين

العزاء الحسيني لا يختصر على شريحة من الناس ليس على الشباب فحسب، بل يشترك فيه الشيوخ المسنّين الكبار من ذوي الشيبة البهية، وهؤلاء في البحرين قد خُصّصت لهم مسيرة عزائية خاصة بهم، وهي معروفة بـ (حلقة ذي الجناح)، وهذه التسمية نسبة لجواد الحسينعليه‌السلام .

وإليك قصّة كيفية هذه المسيرة الخالدة بالتفصيل: تعدّ قبل كلّ شيء الأعلام والشبيهات والخيول والجمال والهوادج، ثمّ يتجمّعوا الأجداد والآباء الكرام بعد خروجهم من سماع المقتل يوم العاشر، ويتكتلون في لمّة واحدة أمام موكب الشباب، ويأتي الرادود في مقدّمتهم ويقرأ قصيدة (أحرم الحجّاج) للشيخ حسن الدمستاني.

هذه القصيدة الحسينيّة الأدبية المشهورة التي على الدوام أبياتها تتردّد على ألسن الموالين المعزّين في كلّ مكان، وهي في الواقع ملحمة نظمت حادثة الطفّ من الأوّل إلى الأخير، وأصبح كلّ أهل العزاء يردّدون هذه الملحمة بشتّى الألحان في مختلف أنحاء العالم الإسلامي والوسط الشيعي.

والقصيدة في الموكب على حال نظمها لم يغيّر فيها شيء إلاّ المستهل الذي اعتاد المعزّون أن يردّدوه في كلّ عام بهذه الكيفية:

ذو الجناح أقبل من الميدان خالي

وويلاه أي وا حسيناه وويلاه

٢٦

تأمّلات واقعية واعية في موكب ذي الجناح

متى تأسس موكب ذي الجناح؟ ولأيّ هدف وجد هذا الموكب؟

يعتبر أهل البحرين إنّ أوّل مأتم أُقيم في البحرين هو (مأتم ابن أمان) في حي المخارقة وسط العاصمة المنامة قبل حوالي قرنين، وشارك في تشييده أبناء الحي من البحّارة والبنّائين، وقد تمّ تجديده بعد وفاة الحاج عبد الأعلى أمان عام ١٨٦٩.

ومنذ تأسيس هذا المأتم التأريخي في ذلك الوقت انطلقت منه مسيرة حلقة ذي الجناح، وشيئاً فشيئاً أخذ يكبر هذا الموكب إلى أن عمّ مناطق وقرى البحرين، وكان له شهرة واتساع واسع بمشاركة أصحاب الثياب من المسنّين من جيل الأجداد والآباء.

فلو تأمّلنا في هذا الموكب المقدّس تأمّلاً واعياً لرأينا أنّ الهدف الأسمى من إيجاد مثل هذا العزاء هو المشاركة الوجدانية لجميع الموالين من شيب وشباب، فلماذا نلغي دور المسنّين من المشاركة في المواكب العزائية؟

لا بدّ أن تفرد لهم حلقة خاصة بهم حتّى تكون لهم الحافز المشجّع على المشاركة؛ ولأجل هذا الهدف النبيل تمّ إنشاء موكب ذا الجناح. ونأمل أنّ هذه التجربة الرائدة ستعمم على كلّ مناطق العزاء في العالم الشيعي حتّى تصبح المشاركة لجميع الفئات في المجتمع.

وإنّي على يقين بأنّ الشيعة مع تقدّم وتطوّر المواكب العزائية في هذا العصر إلاّ أنّ هناك الكثير ممّن يرغب أن يجعل ذا الجناح في مقدّمة المواكب العزائية الاُخرى، ولذكريات وفاء جواد الحسينعليه‌السلام .

٢٧

موكب عزاء حديث خاص للصم والبكم في البحرين

إنّ لكلّ إنسان حقّ في هذه الحياة ولو كان من ذوي العاهة، فمن الظلم أن يُحرم منه وبالاستطاعة أن يحصل على حقّه بمساعدة أهل الخير من المجتمع، ولا خير في مجتمع لا ينتبه إلى الفئة المحرومة.

والحياة هي الحركة، وكما يُقال:في كلّ حركة بركة . وأيّ حركة طبيعية تطوعية تسير في اتجاه خدمة أهل البيتعليهم‌السلام يباركها الله عزّ وجلّ، ويباركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويباركها جميع المعصومينعليهم‌السلام .

فأهالي منطقة النعيم في البحرين قد تحرّكوا تحرّكاً جدّياً من أجل إنشاء موكب حسيني يضم فئة الصم والبكم؛ هذه الفئة التي عاشت في السنوات المنصرمة قد لا تفهم إلاّ القليل عن المواكب العزائية، وبالفعل تمّ هذا الإنجاز الكبير، وضمّ هذه الفئة إلى باقي فئات المجتمع. وكلّ هذا الفضل يرجع إلى أهالي النعيم الذين أُشربوا حبّ الحسينعليه‌السلام ؛ حيث إنّ قلوبهم تقطر بالولاء الخالص للعترة الطاهرة.

وفّق الله المؤسسين والقائمين على خدمة هذا الموكب المبارك المقدّس، وجعل هذا الإنجاز المثمر والعطاء اليانع في ميزان حسناتهم.

٢٨

متى بدأ موكب الصم والبكم، وكيف كانت انطلاقته؟

لقد بدأ هذا الموكب المميّز يظهر وجوده في صفوف المسيرات العزائية المقدّسة بجهود حثيثة مكثفة من قبل لجنة مأتم النعيم الجنوبي، حيث طرحت فكرة المجلس الحسيني للصم في ٣٠ / ٧ / ٢٠٠٣م، ووافق المجلس على تبنّي الفكرة.

وبعد الموافقة بدأ التحرّك في تطبيق هذا المشروع القيم؛ فأُقيم أوّل مجلس ديني (حسيني) مترجم بلغة الإشارة للرجال ‏‏( مكان خاص للرجال) في ٢٦ / ٢ / ٢٠٠٤م، ثمّ أُقيم أوّل مجلس ديني حسيني مترجم بلغة الإشارة ‏للنساء في ٢٨ / ٢ / ٢٠٠٤م. وفي تاريخ ١٠ / محرّم ١٤٢٥ هـ زار وزير الصحة المجلس الديني للصم نساءً ورجالاً.

ومن ضمن الفعاليات والنشاطات المستمرة تمّ اللقاء بالمجلس الحسيني للصم مع د. فؤاد شهاب رئيس مركز سلطان لتنمية السمع والنطق بتاريخ ١١ محرّم ١٤٢٥هـ - ٢٠ محرّم ١٤٢٥هـ.

وفي ١ / ٣ / ٢٠٠٤م تمّ إجراء اختبارات سمعية للصم بمركز سلطان لتنمية السمع ‏والنطق‏ في ‏٢ / ٣ / ٢٠٠٤م (٢٩ محرّم ١٤٢٥ هـ)، وتمّ لقاء لجنة الصم بوزير الصحة في ‏قاعة رفيده بوزارة الصحة.‏

وفي ٤ / ٢ / ٢٠٠٥م تمّ إعداد إقامة مخيّم ثقافي وترفيهي للصم بالصخير بالتعاون مع ‏جمعية التوعية الإسلامية.‏

‏وفي ١٩ / ٢ / ٢٠٠٥م (١٠ محرّم ١٤٢٦هـ) انطلق أوّل موكب عزاء للصم والبكم في البحرين ‏إن لم يكن على مستوى العالم.

إنّ هذه مجهودات بدائية رائدة شكّلت حجر الأساس لإقامة هذا المشروع الولائي الحسيني الهام، وحري بي وبكلّ إنسان منصف أن يشيد وينوّه بهذه المبادرات والجهود الخيّرة ويثني عليها؛ لأنّها قد أنجحت بروز موكب الصم والبكم وصيّرته على هذه الكيفية التي نراها بارزة على هيئته إلى حتّى هذا العام ٢٠٠٦م، وإلى الأعوام المقبلة إنشاء الله تعالى.

٢٩

فائدتنا من إقامة العزاء الحسيني

س١: ما الهدف من تجمهر الجماهير الحسينيّة المعزّية من مختلف المناطق في منطقة واحدة؟

هناك أهداف متعدّدة ومغزى كبير لهذا الحشد الجماهيري الغفير الذي يكاد يُعدّ بالملايين وهم يتجمهرون في بقعة واحدة وفي رحاب واحد، ويحملون الرايات ويهتفون بصوت واحد ( لبيك ياحسين )، ( أبد والله لا ننسى حسيناه ).

أذكر باختصار أهم هذه الأهداف، وهي أربعة:

أوّلاً: المحافظة على هيبة وقوّة العزاء.

ثانياً: الزيادة في مضاعفة الأجر والثواب.

ثالثاً: كشف ما هو جديد لدى الرواديد.

رابعاً: وحدة الصف تحت راية الحسينعليه‌السلام .

هذه أهم أبرز الغايات التي تدفع تدفّق الجماهير إلى أن يقيموا العزاء في مدينة من مدن مناطقهم، ويجتمعوا تحت مظلّة شعار واحد وراية واحدة وصف واحد. وهذا التجمهر يكون له طابع خاص، وقد اعتاد عليه المعزّون من عصور سابقة إلى عصرنا الحالي.

س٢: ما هي الفائدة التي تجنيها جماهير الشيعة من خلق هذه المسيرات المليونيّة في المواسم العزائيّة؟

إنّ أكبر فائدة تُجنى من وراء تلك المسيرات المليونيّة هو تخليد ذكرى شهادة أبي الأحرار الحسينعليه‌السلام ، وإظهار مظلوميته للعالم، وشدّ أنظار الأمم في جميع أنحاء العالم لقدسية وعظمة هذا القائد العظيم، هذا من ناحية.

ومن ناحية اُخرى - بحسب اعتقادي - هو الرفض للظلم والظالمين في كلّ عصر، وفي كلّ زمان ومكان؛ حيث إنّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ليس لهم الاستفادة من شيء في جعل هذه المسيرات العزائيّة إلاّ السير على نهج الإمام الحسين وباقي الأئمّة الطاهرين (عليهم السّلام أجمعين) ذلك النهج الثائر.

٣٠

ونختصر هذه الفائدة في ثلاثة مواضع:

الأوّل: الركوب في سفينة النجاة

يا أهل الرثاء، ويا أرباب العزاء، أقول: أكبر سفينة منجية يركبها الإنسان في حياته هي سفينة الحسينعليه‌السلام ، وأكبر فائدة يجنيها المعزّي؛ حيث يرى نفسه مع المعزّين وقد شملته ألطاف رحمة الحسينعليه‌السلام ، وهذه الرحمة النورانية هي التي تضيء وجوده وحياته. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :“ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة “ ، وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« كلّنا سفن نجاة، وسفينة جدّي الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع » .

الثاني: استجابة الدعاء تحت قبة الحسينعليه‌السلام

أيّها المؤمنون، اعلموا بيقين أنّ كلّ منبر عزاء يُعقد على سيد الشهداءعليه‌السلام في أيّ بقعة على وجه الأرض فهو يعتبر قبة للإمامعليه‌السلام ، وتكون الدعوة بقربه مستجابة. وما من أحد منّا إلاّ ولديه هموم وحاجات، فنحن نحتاج إلى الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ جعل الشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته؛ فلذلك تجد ملايين الشيعة الزائرين يتوافدون في المواسم العزائيّة على كربلاء، وتراهم بقلوب خاشعة في المسيرات العزائيّة بقرب الضريح الحسيني الطاهر يرفعون الأكف؛ يتضرّعون إلى المولى سبحانه وتعالى بحقّ حبيبه الحسينعليه‌السلام أن يفرّج عنهم، ويجلي همومهم، ويقضي حوائجهم، ويدفع عنهم شرور الابتلاءات.

فكم من زائر توفّق لنيل مناه ومبتغاه من خلال مشاركته في المواكب العزائيّة المقدّسة التي تنطلق من تحت تلك القبة الشامخة النوراء.وعن الكرامات الحسينيّة حدّث ما شئت، وكلّها شوهدت بالعين المجرّدة في ذلك الرحاب الشريف الطاهر. وللتفاصيل عن قصص كرامات سيد الشهداءعليه‌السلام راجع كتابنا الجديد (أنوار الأبصار في قصص وكرامات الأئمّة الأطهار).

ثالثاً: قبول العزاء والزيارة ونيل الشفاعة

٣١

رابعاً: تلبية لنداء الأئمّة المعصومين، والحثّ على إقامة الشعائر الحسينيّة؛ كإقامة العزاء والبكاء في يوم عاشوراء.

ثلاثة مناهل يستفيد منها الإنسان المؤمن من دنياه لآخرته، وهي عبارة عن محطّات يتزوّد منها وقود الفوز والنجاة، ألا وهي: العزاء، والبكاء، والزيارة. إذا نجح المعزّي والزائر والباكي في حسن أدائها، وزار وهو عارف بحقّ الإمام الحسينعليه‌السلام فسوف ينال منه القبول ونيل الشفاعة. فدعوتي من القلب إلى كلّ معزّ أن يدخل في مواكب العزاء وهو ينوي النيّة الخالصة الحسنة التي تؤهله أن ينال القبول.

فكما إنّنا إذا قصدنا إلى أداء مناسك الحج نبتعد عن المظاهر المادية والتصرّفات اللاسلوكية، كذلك عندما نتوجه لكي نعزّي على الإمام الحسينعليه‌السلام لا بدّ أن نكون على هذا المستوى الراقي من التأدّب؛ لكي تُكتب أعمالنا في ديوان خالص الأعمال، وإلاّ ما فائدة هذه المسيرات المليونيّة إذا لم تتوّج بتاج المودّة والإخاء واحترام بعضنا البعض؟

القوي منّا يعطف على الضعيف، والغني على الفقير، ونتآلف على بساط الرحمة، وفي رحاب سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الغريب المظلومعليه‌السلام ، وتحت رايته العظيمة.

٣٢

الرادود الحسيني وأثره في المعزّين

س: هل للرادود الحسيني ذلك التأثير المهم لاجتذاب المعزّين؟

الرادود الحسيني هو قطب الرحى المحرّك في المواكب العزائيّة، وهو يشكّل العمود الفقري لإنجاح مسيرة العزاء؛ لذلك يحتاج الرادود إلى مؤهّلات تؤهّله. ومن أبرز تلك المؤهّلات قوّة وحلاوة الصوت، وفوق كلّ ذلك الالتزام الديني، والأخلاق، واحترام الناس.

أيضاً من جملة المؤهّلات انتقاء القصائد والحرص على جودتها، وتلحينها بالألحان المقبولة اجتماعياً ودينياً.

لماذا كلّ هذه المؤهّلات مطلوبة في شخصية الرادود؟

لأنّ هذه المواصفات تجعل من الرادود الحسيني أن يكون مثلاً وقدوة يقتدي به مَنْ يأتي من بعده في هذا الطريق السامي.

أيضاً الرادود الحسيني الناشئ المحترف بحاجة إلى إتقان بعض الأساسيات والفنون الذي يقوم عليها نجاح الموكب العزائي، هكذا تحدّث الرادود البحريني الجدير عبد الشهيد الثور: لو ألقينا أنظارنا إلى مواكبنا بصورة عامّة سنجدها في أغلبها الأعم لا تخرج عن أربعة فنون وإن زاد في بعض الحالات فن هنا وقصر منها فن هناك.

نجد الموكب يتكوّن من:

١ - الهواس.

٢ - الوقفة.

٣ - داخل المأتم.

٤ - خارج المأتم.

٣٣

ولهذا أراني أفضل إدخال الرادود مع بداياته في دورة تدريبية تعبر الفنون الأربعة السابقة على التوالي. ينتقل من فن إلى الثاني بعد اجتياز الفن الأول بنجاح، وليثبت للفريق المشرف على أدائه مدى مهارته، وكيف سيتميز في فن دون الآخر. هذا طبعاً بعد أن تكون أربعة فرق يعمل كلّ فريق على حدة مع النظر لمتطلبات الفرع المختصّ هو فيه.

وهذا لا يمنع من إجراء لقاءات دورية بين الفرق الأربعة وتبادل وجهات النظر ورفع ايجابيات كلّ قسم وسلبياته لبعضهم البعض، على أن يكون العمل كفريق وليس فردياً، بمعنى أن يتحمّل الفريق نجاح وفشل الرادود بكونه متابعاً لتوجيهه وتسديد مساره.

ثمّ تتابع وقال: بهذه المنهجية نؤسس منهجاً جديداً في إخراج رواديد جدداً يعتمدون على التوجيه المنظّم، والتأهّل في مسلسل المراحل الآنفة؛ يقيّم مستوى الرادود في أيّها أقوى، ولا يلحق بمرحلة حتّى ينجز تمكنه من المرحلة السابقة، وبعد التقييم يرجح له أيّ مرحلة هو الأقوى فيها ليتم له التخصص فيها، وبهذا نكون قد أسسنا لفن التخصص، ونقلنا الموكب لمرحلة النشاط والتنافس الشريف، والعطاء المنظّم، والقوّة المحكمة(١) .

وهكذا كان يتحدّث الرادود الحسيني الشهير الحاج ملا باسم الكربلائي عن تجربته الاحترافية الرائدة، ويفصح للملايين من المعزّين الذين يتابعون إنجازاته الرثائية في كلّ عام، ويقول عن بداياته: كانت بدايتي في إيران بعد أن هجّرنا من طرف النظام العراقي في عام ١٩٨٠،

____________________

(١) موقع ملتقى الساحل الشرقي - الرادود الحسيني عبد الشهيد الثور - ١٢ / يونيو / ٢٠٠٣م.

٣٤

وقد بدأت قارئاً للقرآن، واستمررت لخمس سنوات، أي لغاية ١٩٨٥م. كان عندي أستاذ في إيران اسمه محمّد تقي الكربلائي، فطلبت منه قصائد حتّى أقرأها في العزاء، فاستهزأ بي آنذاك، فحزنت وحملت عليه في قلبي، وعندما أحس بذلك أعطاني بعض القصائد لأقرأها في العزاء، وكانت قصيدة كان يقرأها الرادود الحسيني المعروف (الشيخ هادي الكربلائي)، والتي تقول: ( يحمى الدخل يا حسين / كلّ اللوادم ايشهدون / بر وبحر مو منكور/ جن وانس يعترفون)، وأمّا القصيدة الثانية فكان مطلعهما: ( مر على الشاطئ يحادي ارچابنا).

أعطاني هاتين القصيدتين وأخذت أتمرّن عليها، وبدأت في مدينة (قم المقدّسة) في ذكرى وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بدأت بموكب الزنجيل، حيث كانت المواكب الكربلائية كلّها تجتمع عند سماحة المرجع المرحوم السيد محمّد الشيرازي (رحمة الله عليه)، وبعد أدائي الأوّل صار إعجابٌ من الناس وتشجيع على الاستمرار، وقال لي الكثيرون بأنّ لك شأناً في هذا المجال. ومنذ تلك التجربة الأولى في عام ١٩٨٠ وإلى اليوم أنا مستمر والحمد لله(١).

وأتحفنا الرادود الحسيني الكبير القدير الحاج ملا جليل الكربلائي عن بدايات احترافه عبر سؤال في مقابلة قد وجه له، فأجاب وهو يبتسم كعادته قائلاً: أستطيع القول بأنّ بدايتي كانت في العراق مذ كان عمري ١٣ سنة تقريباً، إذ كان والدي يأخذني إلى المرحوم حمزة الصغير، وكان (رحمه الله) يقول لي: (اقرأ عمو شويه).

فكنت أقرأ له ممّا حفظته من قصائده، فسألني ذات مرّة: (هواي تقرأ لو قليل؟). فأجبته: أنا أقرأ في البيت فقط، ولا أعرف إن كانت قراءتي صحيحة أم لا.

فقال لأبي: (إذا يقرأ ويصير عنده عوار بگصته فهذا يصير رادود). (هسه ما أدري كان يمزح وياي (رحمة الله عليه) لو حقيقة كانت؟ ما أدري!).

٣٥

ومن ذلك اليوم وأنا مولع بالقراءة، ولم أتركها أبداً حتّى صار التهجير من العراق إلى إيران في السبعينات، وبدأت أقرأ في هيئة الفاطمية بأصفهان، وبقيت حوالي ١٠ سنوات أقرأ فيها، لكنّني آنذاك لم أكن معروفاً مثل اليوم، فلم تكن لي تسجيلات كثيرة حتّى الثمانينات، حيث دعيت للقراءة في مواكب كبيرة في قم المقدّسة وطهران ومشهد ومعظم المدن الإيرانية، وأصبح لي تسجيلات صوتية كثيرة جداً.

ثمّ قال الملا جليل: لكن الرادود الاعتيادي كيف يضع الأطوار؟ هذه أقولها للشباب الذين يطمحون لخدمة الحسينعليه‌السلام بمجال الرادودية.

الرادود لمّا يسمع قصائد، تواشيح، أناشيد، يصبح عنده خزين كبير في ذاكرته، ومع مرور الوقت يصبح لديه خبرة بوضع الأوزان على الأطوار المخزونة عنده؛ ولذلك تراه يأتي بمقطوعة من مقام الحجاز مثلاً، ومقطوعة من مقام الكرد، ويزاوج بينهما بعملية ذوقية غير مخطّط لها، وبدون أن يعرف الرادود ما الذي عمله ونتج الطور.

وأنا اُحذّر الرواديد الشباب خاصة من إهمال الحالة الروحانية، لا تجعلوا الأطوار تطغى على أصالة المنبر وقدسيته؛ هذا منبر مقدّس. قبل كم يوم قلت: في طهران ليلة مولد العباسعليه‌السلام ، قبل كم سنة جاؤوا بطفل أعمى إلى المجلس فإذا به يخرج مبصراً. المنبر الذي يعطي هكذا معاجز وكرامات، طيب كيف يجوز لي أن أقول من عليه أيّ كلام وآتي بأيّ تصرّف؟!

وأجرت شبكة السادة الإسلاميّة المباركة لقاء مع الرادود الحسيني البحريني المميز الشيخ حسين الأكرف (حفظه الله)، وقد بدأت المحاورة معه بهذا السؤال: كيف كانت بدايات خدمتكم في موكب العزاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟ هل كان للبيئة التي تربيتم فيها (سواء المنزل أو المنطقة) تأثير كبير على بداياتكم؟ وما هو مدى تأثير والديكم على إظهار هذه الملكة (إلقاء القصيدة العزائيّة والشعر)؟

٣٦

فأجاب الشيخ الأكرف: بدايتي كانت بلطف الله وعنايته في العام ١٩٨٥م، في قريتي الدراز، وبالتحديد في مأتم أنصار العدالة، وكانت القصيدة الأولى من ألحان المرحوم حمزة الصغير، وكلمات والدي الحاج أحمد الأكرف، كنت حينها في الحادية عشر من العمر، قبل ذلك كنت منشداً في فرقة الإمام الصادقعليه‌السلام للأناشيد الإسلاميّة، وقبلها كنت في فرقة جمعية التوعية الإسلاميّة منذ عام ١٩٨٣م.

ولبيئتي (الدرازية) كبير الأثر في توجهي الحسيني والحوزوي بعد ذلك؛ فقريتي من القرى المعروفة بتاريخها العلمائي وتمسّكها الديني، فهي الأصل الذي ينتمي له الشيخ يوسف العصفور صاحب الحدائق (قدّ سره). كما إنّ لوالدي العزيزين عظيم الأثر في توجهي هذا؛ فإنّ الوالد كان رادوداً وشاعراً حسينياً مجيداً، ووالدتي دوماً تحفّزني وتشجّعني لخدمة الحسينعليه‌السلام .

وحول سؤال: إنّه كثر في الآونة الأخيرة بين الرواديد ما يعرف بالألحان العزائيّة، وهي ظاهرة وإن كانت تهدف إلى تطوير الأداء، فما رأي سماحتكم في ذلك؟

فأجاب الرادود الشيخ: اللحن يستنطق معاني الكلمة، ويعطيها لغة مؤثرة ووقعاً خاصاً في النفوس، فقد تكون الكلمة بلا لحن باهتة اللون ضعيفة الوقع لكنّها في قالب اللحن يكون لها نبض، وتجري فيها الروح؛ لهذا فإنّ اهتمام الرواديد باللحن وتطويره ومحاولة التنويع فيه هو أمر يخدم القضية الحسينيّة، ويحافظ على حضورها في العواطف والعقول.

ولكل جيل من الرواديد ذوقه الخاص وحسّه المختلف بحسب اختلاف الظروف والانتماءات والقضايا؛ فالحزن البالغ في الألحان العراقية العزائيّة يكشف عن واقع الألم الذي يتأثر به الرادود العراقي، والحماسة والثورة فيه إلى جانب الحزن في اللحن البحراني يكشف عن هذا الواقع المعاش في البحرين وهكذا.

٣٧

كلّ ما هناك هو أنّ علينا أن نراعي في اللحن المناخ الإسلامي والطبيعة الموكبية، واللمسة الحسينيّة والولائية، وأن لا نهبط باللحن إلى أجواء اُخرى لا تنتمي للحسينعليه‌السلام ، ولا تخدم قضيته.

وفي حوار أجرته جريدة الرأي العام مع الرادود خادم أهل البيتعليهم‌السلام نزار القطري (حفظه الله تعالى)، سأله المحاور عن التعريف ببطاقته الشخصية فقال: اسمي نزار فضل الله رواني، المعروف بـ ( نزار القطري )؛ وذلك انتساباً لمسقط رأسي الدوحة الحبيبة.

من مواليد ١٩٧١، جنسيتي بريطاني، أتكلم ٤ لغات بطلاقة، متزوّج ولدي كوثر وحسين، وأعمل حالياً كـ (مونتير) في تلفزيون الرأي - قسم الأخبار.

وفي سؤال وجّهه الأخ السائل له في المقابلة حول ما هي الرسالة التي يريد توجيهها للجمهور من خلال الإنشاد، فأجاب الرادود نزار قائلاً: بكلّ صدق ووضوح هي الرجوع إلى الدين، وعندما أقول ذلك لا أقصد الإسلام فقط، بل أقصد الرجوع إلى الفضيلة والقيم الأخلاقيّة التي تأمر بها جميع الأديان السماوية بوجه عام.

فانّ الهدف من الأناشيد ليس تقديم شيء لتمضية وقت الفراغ في سماعه، ولكن هو تقديم شيء يعود علينا بالمنفعة الدينيّة؛ كذكر الله تعالى، أو مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ سماع شيء يرضي الله ورسوله أحبّ إليهما من سماع شيء يغضبهما.

وحول أهمية تأثير الرادود الحسيني على الجماهير كتب الكاتب الحسيني أحمد رضا تحت عنوان ( الموكب الحسيني تأريخه وأهدافه): والرادود يعتبر محور حركة الموكب الحسيني، والقطب الرئيس في تشكيل عواطف الجمهور، وشحنها بالحماس الممزوج بعاطفة الحزن والبكاء على مقتل الإمام الحسين وأهل بيته الأطهارعليهم‌السلام .

٣٨

وعادة ما يتفاوت الرواديد حسب أعمارهم وخبراتهم، ومن الضروري أن يكون الرادود الحسيني قدوة أخلاقيّة في المجتمع، وعنصراً اجتماعياً نشطاً في المجال الثقافي أو السياسي.

وقد لعبت المواكب الحسينيّة عبر مختلف عصور التاريخ أدواراً بارزة في تشكيل العقل الجمعي وتعبئة الجماهير بالحماس، وتترافق مع هذه الشعائر بعض الأعمال الإيجابية؛ كحملات التبرّع بالدم، أو فتح مراسم فنيّة، أو عرض فنون تمثيلية ومسرحية، بالإضافة إلى النشاط الإعلامي (بالصوت والصورة) المرافق للمواكب الحسينيّة.

وأصبحت هذه الشعائر ممارسة تتوارثها الأجيال، ورسالة إعلاميّة لجماهير متعطّشة للحرية والعدل والتضحية من أجل الأهداف النبيلة التي وظّفها الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته الخالدة(١) .

أيضاً لي كلمة مختصرة في هذا الصدد: أيّها الأحبّة إنّي أضمّ صوتي إلى صوت الرادود الأخ نزار القطري وأقول: بالفعل، إنّ ما كان لله ينمو؛ إنّنا إذا ساهمنا وبذرنا بذرة الخير فسوف تثمر وتينع ثمارها بالخير، والناشئون من أبناء هذا الجيل الحسيني الصاعد ما هم إلاّ أمانة الله في أعناقنا جميعاً، فيجب علينا أن نبادر ونأخذ على عاتقنا مسؤولية تأهيلهم؛ لكي يصبح الموهوب منهم من جملة ركب خدمة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

وإنّي على ثقة وبكلّ تأكيد أرى بأنّ هناك في هذا الجيل الولائي الناشئ مَنْ له القابلية على التعليم والتدريب والتأهيل على أن يصبحوا رواديدَ كباراً في المستقبل، ولدينا من الأصوات في عذوبة جمالها وجهوريتها، ولكنّها مختبئة تحت الرماد تريد مَنْ ينبشها حتّى تشتعل وتطلق تلك الموهبة المغيبة.

وخير مثل وشاهد لنا ما قاله الأخ الرادود باسم الكربلائي حيث ذكر لنا أنّه درّب أحد الأشخاص، وبعد فترة أتقن هذا المتدرّب الألحان، ويلحن القصائد العزائيّة، ثمّ أصبح الملا باسم نفسه يأخذ من ألحانه ويلقيها.

فدعونا أيّها الإخوة أن لا نبخل على سيد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام بفلذات أكبادنا؛ فلندفعهم ونشجعهم ونزجهم في هذا الميدان بكلّ افتخار.

____________________

(١) مجلة النبأ - العدد ٦٦ - محرّم الحرام ١٤٢٣هـ.

٣٩

س: إلى أيّ مستوى نريد أن نصل بتطوير مسيرة المواكب العزائيّة الرثائية المقدّسة؟

تفعيل لجان المواكب العزائيّة

من الملاحظ لدى الجميع أنّ أيّ لجنة من لجان المواكب العزائيّة في مختلف مناطق العالم هي تابعة للمأتم نفسه، ورواد هذه اللجان في الغالب يكونون من المتطوّعين.

وهنا حري بي أن أقف وقفة إجلال وثناء لخدمة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، هؤلاء الرجال من الأوفياء الصادقين، ودليل صدقهم وإخلاصهم هو عطاؤهم الوافر المثمر، والسهر على أن تخرج المسيرات العزائيّة بانتظام، وأن يحيوا ذكريات المعصومين الطاهرينعليهم‌السلام يرجون بذلك رضاهم.

وهذا التطوّع لا أحد يستهين به؛ لأنّه يثلج فؤاد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويسرّ قلب الزهراء البتولعليها‌السلام ، كم هو عظيم عند الله عزّ وجلّ وعند أهل البيتعليهم‌السلام من يسخّر نفسه في خدمة مَنْ تخدمهم الملائكة.

قد يستصغر البعض من الناس أن يقف في الطريق ويسقي المارة من المعزّين شربات من الماء، أو من العصير البارد، ويبرّد على قلوبهم على حبّ الحسينعليه‌السلام ، هذا العمل الذي نراه صغيراً فهو عند الله كبير وعظيم، وثوابه لا يُعد ولا يُحصى، وله رصيد وافر في الآخرة؛ من هنا أيّها الأحبّة ينبغي أن نزجّ بفلذات أكبادنا أن تخدم أهل البيتعليهم‌السلام في أثناء خروج المواكب العزائيّة.

نحن كما نوضّح لأبنائنا الأجر والثواب الذي يحصل عليه الباكي على الحسينعليه‌السلام في المقابل لا نبخل على هؤلاء الناشئين ذوي النفوس البريئة النقية أن نغرس في ذواتهم منذ صغرهم كيف يخدمون الحسينعليه‌السلام حتّى يصبحوا من خدمة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وبالتالي تستمر مسيرة الخير والعطاء، وتزدهر المواكب الحسينيّة بالمضحّين من ذوي الفاعلية.

٤٠