المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم0%

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 63

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ مكي فاضل حسن
تصنيف: الصفحات: 63
المشاهدات: 50357
تحميل: 6635

توضيحات:

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 63 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50357 / تحميل: 6635
الحجم الحجم الحجم
المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التطوع المستمر ضمان للاستمرارية

كلّ مجتمع ينمي فيه روح التطّوع هذا المجتمع لا ولن يموت أبداً، وسيبقى يروي الشجرة لكي تزخر بعطاء الثمرة، والذي يجني ثمر عطائه هم الأجيال الذين سيأتون من بعده.

فإذا كان النواصب يربّون أبناءهم وأحفادهم على بغض أهل البيتعليهم‌السلام وعلى أتباعهم، فنحن الإماميّة ينبغي أن نربّي أبناءنا على حبّ أهل البيتعليهم‌السلام ، ونقرّبهم منهم، ونخلق في ذواتهم روح التطّوع وأهمية مسؤولية العمل التطّوعي في سبيلهمعليهم‌السلام . وهذا النماء لا يتم إلاّ بالتشجيع وإعطاء الحوافز، وكشف القدرات والمواهب الناشئة الجديدة وزجّها في الميدان العملي عبر التعليم.

على سبيل المثال: أنت دورك التطّوعي في الموكب تعمل على جهاز مكبّر الصوت، دع ابنك الصغير بجانبك لكي يتعلّم منك هذا الفن؛ لكي يقدّم هذه الخدمة للمواكب العزائيّة من بعدك، وهكذا إن كنت رسّاماً، أو خطّاطاً، أو شاعراً، أو رادوداً، أو إدارياً، أو مهندساً، أو مصمماً، أو ممثلاً، أو مبدعاً وما إلى ذلك.

إنّ هذا اللون من النماء التطّوعي يسهم إسهاماً كبيراً في تفعيل مسيرات العزاء المقدّسة، ويحافظ على النهج الولائي والمبدئي، ويخلق في أجيالنا المقبلة روح التضحية والعطاء.

٤١

عالمية العزاء الحسيني

مراسم العزاء في (تايلند)

روى السيد محمّد علي الشهرستاني الذي زار بانكوك (عاصمة تايلند) في العشرة الأولى من محرّم سنة ١٣٩٤ قائلاً: إنّ العزاء الحسيني يُقام على أتمّ مظاهره في بانكوك وبعض أنحاء تايلند؛ فإنّه شاهد بأمّ عينيه إقامة مجالس العزاء والمآتم، واجتماعات النياحات، وقراءة المراثي على الإمام الشهيد الحسين بن عليعليه‌السلام في هذه العشرة.

وإنّه اشترك بنفسه في بعضها، وخاصّة في المواكب الحزينة، ومجال النياحة التي أُقيمت في المساجد والحسينيات التي أُنشئت في بانكوك على مرور الزمن، ومنذ أن نزلها أحد علماء الشيعة وهو أحمد القمي قادماً إليها من إيران على عهد الأسرة الملكية الصفويّة منذ أكثر من ٤٠٠ سنة.

ويشترك الشيعة كلّهم في هذه المراسيم العزائيّة التي تُقرأ فيها فاجعة الطفّ بتفاصيلها، كما يلبس في هذه العشرة الحزينة وخاصة يومي تاسوعاء وعاشوراء اللباس الأسود، كما إنّ توزيع الخيرات وإطعام المساكين في هذه العشرة الحزينة [ أمر عهده الأهالي في تلك البلاد ](*) .

____________________

(*) ما بين المعقوفتين هو من إضافات موقع معهد الإمامين الحسنَينعليهما‌السلام .

٤٢

مراسم العزاء في العاصمة البريطانية (لندن)

إنّ أوّل مجلس عزاء حسيني أُقيم في بريطانيا كان في العام ١٩٦٢، وذلك في (ريجنت موسك) القديم قبل أن يُهدم ويُبنى من جديد، وكان قبل ذلك قصراً لأحد اللوردات، ولم تكن هنالك مراكز إسلاميّة أو حسينيات، وحتى المسلمون الشيعة كانوا أقلّية؛ حيث كانوا ينضمّون إلى بعضهم البعض لقلّة العدد.

ويُذكر أنّ أوّل مَنْ قرأ واقعة عاشوراء هو البريطاني عبد الله هوبت، ولهذا الرجل قصّة؛ حيث كان كولونيلَ في الجيش البريطاني، وعاش في العراق لمدّة خمس سنوات، وفي أثناء إقامته هناك تعرّف على مراسم العزاء الحسيني التي كانت تُقام في المدن العراقية.

ولاحظ أنّ كثيراً من المسلمين الشيعة يذهبون لزيارة المشاهد المقدّسة في النجف وكربلاء والكاظمية؛ ممّا آثار حبّ الاستطلاع لديه؛ الأمر الذي دفعه لدراسة الإسلام، وانتهى إلى اعتناق الإسلام على المذهب الإمامي الاثني عشري، وهو ما جعله محطّ اهتمامه فيما بعد؛ ولذلك عندما عاد إلى بريطانيا حرص أن تُقام هذه المجالس، وكان أوّل مَنْ قرأ رواية مصرع الحسين في العاصمة البريطانية.

واستمر الوضع كذلك إلى أن تأسست الإدارة الجعفرية عام ١٩٦٩ على يد جمعية الشباب المسلم، تلاه المجمع الإسلامي الذي أسسه المرجع الكلبايكاني، وكان مركزاً لتجمّع الجالية الإيرانيّة.

وبسبب هجرة الكثير من أبناء الجاليات الإسلاميّة؛ كالعراقيين، والباكستانيين، والهنود (الخوجة)، والإيرانيين، واللبنانيين في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، أدى ذلك إلى تزايد أعدادهم الذي لم يعد ممكناً معه أن يضمهم مركز واحد؛ فقد أخذت كلّ جالية بإنشاء مركز خاص بها.

٤٣

وتوزّع المهاجرون على معظم المدن البريطانية؛ فقد تزايد أعداد المراكز والحسينيات. ومن هذه المدن برمنغهام، ومانشستر، وليدز، وليفربول، وادنبرة، وكلاسكون، وكارديف، وسوانزي وغيرها.

ولا تقتصر مجالس العزاء على المراكز أو الحسينيات، فهناك أيضاً المجالس التي يُقيمها بعض الأفراد في بيوتهم خلال شهري محرّم وصفر، وفي المناسبات الدينيّة على امتداد السنة؛ وذلك إحياءً للمناسبة. ويقتصر الأمر على عدد محدود من الأصدقاء والأقرباء لضيق المكان، وهي عادة درج البعض على إقامتها في بلدانهم الأصلية، واستمروا في إقامتها في بلدان المهجر.

وتُقام في لندن سنوياً مسيرة حسينيّة في اليوم العاشر من المحرّم، وتنطلق من الهايد بارك وتنتهي بالمجمع الإسلامي، تُرفع خلالها الأعلام والرايات السود التي تعبّر عن الحزن لهذه المناسبة، إضافة إلى المراسيم الأخرى في الحسينيات والمراكز الحديثة.

٤٤

مراسم العزاء في (إندونيسيا)

إنّ ذكرى استشهاد الحسينعليه‌السلام في شهر المحرّم له حرمة ممتازة لدى مسلمي إندونيسيا إلى اليوم بوجه عام، ويُسمّى شهر المحرّم (سورا)، وهذه الكلمة ربّما تحرّفت عن كلمة (عاشورا)، ويُطلق على المأتم الحسيني في جزيرة سومطرا ذكرى (التابوت).

وفي اليوم العاشر من المحرّم يُقام تمثيل رمزي لاستشهاد الحسين بن عليعليه‌السلام ، أمّا في جزيرة جاوا فلهذا اليوم تقدير خاص وعوائد خاصة؛ إذ تُطبخ الشوربا فقط على نوعين من اللونين الأحمر والأبيض، ثمّ يُجمع الأولاد وتقسّم الشوربا عليهم.

وهذا رمز للحزن العميق بجمع الأولاد الصغار والأطفال؛ وذلك تصويراً لليتم والحزن؛ أمّا اللون الأحمر فهو رمز للدماء الطاهرة المراقة؛ [وأمّا] اللون الأبيض [فهو] رمز للإخلاص والتضحية.

وإلى اليوم يعتبر شهر المحرّم وصفر من كلّ سنة عند الكثير من الإندونيسيين شهرين محترمين لهما مكانتهما في القلوب؛ فلا يقيمون فيهما أفراحاً، ولا يعقدون زواجاً، ولا يجرون زفافاً؛ فالمعتقد السائد أنّ مَنْ أقام أفراحاً في هذين الشهرين قد يصيبه نحس. أمّا في مقاطعة أجيه بسومطرا الشمالية فيُسمّى شهر المحرّم شهر حسن وحسين.

٤٥

مراسم العزاء في (البحرين)

لقد عرفت البحرين إقامة المجالس الحسينيّة منذ زمن عهده طويل، حيث كان البحرانيون يقيمون المآتم في بيوتهم ومساجدهم. ويستخدم البحرانيون مصطلح (التحاريم) المتداول في الأوساط الشعبية، وهو مصطلح أطلقه أهل البحرين على ذكرى ولادة الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام ، وكذلك على وفياتهم؛ حيث تتوقف الأعمال وتُغلق الأسواق يومي التاسع والعاشر من شهر محرّم من كلّ عام بمناسبة ذكرى عاشوراء، ويعتبران عطلة رسمية تعطّل فيها دوائر ومؤسسات الدولة، وكذلك دوائر القطاع الخاص والمتاجر.

وفي صبيحة اليوم العاشر من محرّم، وهو يوم عاشوراء، تبدأ مواكب العزاء بمسيراتها في العاصمة المنامة وفي المدن والقرى الأخرى، فتنطلق المواكب العزائيّة لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام .

وترتبط بهذه الاحتفالات مصطلحات شعبية، فيُدعى النائح الذي يتصدّر مجموعات العزاء وينشد مرثية حزينة (بالشيّال). يقرأ القصيدة بمختلف الألحان الشجية والناس من حوله تلطم على الصدور بضربات قوية ومنتظمة، وعلى شكل نسق واحد.

وقد تشكّلت في البحرين لجان منبثقة من (المآتم الحسينيّة) التي من مهمّاتها إقامة الشعائر الحسينيّة بشكل منظّم في شهري محرّم وصفر، وما يرتبط بهما من مناسبات في ذكرى وفيات المعصومينعليهم‌السلام .

وقد اشتهرت البحرين بشعراء المآتم الحسينيّة الذين ينشدون أشعارهم في المجالس الحسينيّة، ومن أشهرهم الشيخ حسن الدمستاني الذي اشتهرت قصيدته بـ (حرم الحجاج) المكونة من مئة وأربعين بيتاً، ومطلعها:

أحرم الحجّاجُ عن لذاتهم بعض الشهورْ

وأنا المحرمُ عن لذاته كلَّ الدهورْ

كيف لا يحرمُ دأباً ناحراً هدي السرورْ

وأنا في مشعر الحزن على رزء الحسينْ

٤٦

وتتكّون مواكب العزاء الحسني من مجموعات كبيرة يتصدّرهم حملة الأعلام والبيارق، ثمّ راكبو الخيول، وحاملو التوابيت والتماثيل المعتبرة التي ترمز إلى مأساة كربلاء.

كما عرفت البحرين تمثيليات تُقام يوم عاشوراء تعبّر عن أجواء واقعة الطفّ بكربلاء، وتهدف إلى تعريف المشاهدين بما جرى للإمام الحسينعليه‌السلام ، وآل بيته وصحبه من مآسي وآلام. غير إنّ كثيراً من هذه المراسيم أخذت بالاختفاء وحلّت محلّها شعائر وطقوس اُخرى، وعزاء هادف يربط الماضي بالحاضر.

وتوجد اليوم في البحرين حوالي ثلاثة آلاف وخمسمئة مأتم (حسينيّة)، ومن أشهرها؛ مأتم القصاب، ومأتم مدن، ومأتم ابن زبر، ومأتم ابن سلوم، ومأتم الإحسائية، ومأتم العجم. وهناك أيضاً في باقي المدن البحرينية مآتم على نفس المستوى من الشهرة لا يتسع المجال لذكرها.

بالإضافة إلى أنّ المعزّين في البحرين لهم برنامج خاص في إحياء ذكرى عاشوراء، هذا البرنامج اعتادوا عليه من مئات السنين، وهو في اليوم العاشر يتجمهرون المعزّون من مختلف المناطق في العاصمة المنامة، وفي اليوم الحادي عشر تتجمّع المواكب في الديه، وفي اليوم الثاني عشر في سترة، وفي اليوم الثالث عشر في إسكان عالي، حيث تستمر المواكب العزائيّة من بداية حادي محرّم حتّى اليوم الثالث عشر منه.

ثمّ تنقطع المسيرات العزائيّة، لكن القراءات في الحسينيات تبقى مستمرة حتّى نهاية صفر، وهذا الشكل من الإحياء قد لا تجده إلاّ عند شيعة البحرين والكويت والعراق، وعند شيعة المنطقة الشرقية في القطيف والإحساء.

٤٧

مراسم العزاء في (باكستان)

تُقام الاحتفالات في باكستان في شهر محرّم في جميع المدن والقرى التي يتواجد فيها الشيعة، فإلى جانب المجالس الحسينيّة التي تُقام في (الإمام برا) هناك مواكب العزاء التي تسير في شوارع المدن الرئيسة.

ومن أهم الطقوس التي تُمارس في تلك الاحتفالات هو تقديس فرس الحسين المدعو (ذو الجناح)، ذو السرج الثمين الزاهي بالألوان، حيث يضع الناس عليه مئات من باقات الورد والزهور بحيث تكون حملاً عالياً وكبيراً، وخلال مسيرة (ذو الجناح) في موكب العزاء يتهافت عليه الناس للتبرك به، ومسح أيديهم عليه ثمّ مسح وجوههم بها.

ويصل تقديس (ذو الجناح) إلى درجة كبيرة حين يُشارك في مواكب يوم عاشوراء ويوم الأربعين، وكذلك في الاحتفالات بوفاة الإمام علي وفاطمة الزهراءعليهما‌السلام ، فمَنْ يتعرّض للفرس أو يمسّه بأيّ سوء أو أذى أو إهانة فإنّه يتعرّض للخطر من المحتفلين، وقد يصل الخطر أحياناً إلى حدّ القتل.

و(ذو الجناح) هو (وقف) من الأوقاف الإسلاميّة، ولا يُستخدم لأيّ غرض آخر سوى الاحتفال بذكرى الإمام الحسينعليهم‌السلام في شهر محرّم.

ومثل الهنود يقوم الباكستانيون بإشعال النار في حفرة كبيرة، ويأخذون بالسير على النار الموقدة وهم حفاة الأقدام لتصطلي أرجلهم بنارها؛ مواساة للإمام الحسينعليه‌السلام الذي استشهد في أرض كربلاء، وبقيت جثته عارية تحت حرارة الشمس المحرقة.

ومن أكبر وأهم مواكب العزاء في باكستان هو موكب (الزناجيل) الذي يتكوّن من مجموعات عديدة، كلّ فرد منهم يحمل في يده مجموعة من السلاسل الصغيرة التي تنتهي بسكاكين حادة الجانبين، ويضرب حاملو السلاسل الحديدية على ظهورهم المكشوفة بقوّة، وقد يستمر هذا الضرب لمدّة ساعات حتّى تتهرأ لحوم ظهورهم وتسيل منها الدماء.

وترفع في بداية المواكب أعلام عديدة وملوّنة، ومن أهم تلك الأعلام (راية العباس)، وهو علم أخضر اللون يرفع عالياً في المواكب، أو (الأمام برا)، وقد كتب عليه ( يا عباس).

وقد ذكر أحد الشهود أنّه شاهد بنفسه (راية العباس) وهي مثبتة حتّى في باب مكتب السيد بنازير بوتو رئيسة باكستان السابقة.

٤٨

مراسم العزاء في (الهند)

ويرجع الفضل في إرساء أوّل وجود عزاء منظّم للشيعة في بلاد الهند إلى الإسماعيليّين، وكان أوّل دُعاتهم يُدعى (ابن حَوشَب) الذي سافر إلى بلاد السند سنة ٢٧٠ هـ، وقد تمكّن الإسماعيليّون في بداية أمرهم من السيطرة على مدينة (ملتان)، وكانوا في عصر العزيز حاكم مصر الفاطميّ ( ٣٦٥ - ٣٩٦ هـ ) يخطبون باسمه.

وذكر المقدسي في كتابه (أحسن التقاسيم)(١) أنّ غالبيّة سكّان هذه المدينة كانوا من العرب، وأنّ حكّامهم كانوا حكّاماً عادلين، وأنّ نساءهم ملتزمات برعاية الحجاب الإسلاميّ، فلم يكن المارّ في أسواقهم ليشاهد امرأة واحدة متبرجّة.

وذكر أنّ أهالي مدينة (ملتان) كانوا من الشيعة، وأنّهم كانوا يؤذّنون بـ (حيّ على خير العمل)، ويذكرون فقرات الإقامة لصلاتهم مَثْنى مَثْنى، وأنّهم كانوا يخطبون باسم الحاكم الفاطميّ، ولا يَصدُرون إلاّ عن أمره وحُكمه، وأنّ الحاكم الفاطميّ كان يعمل فيهم بالقسط والإنصاف.

____________________

(١) أحسن التقاسيم ٦٢ / ٧٠٦ - ٧٠٧.

٤٩

مراسم عاشوراء في مدينة بنجلور الهندية

يقوم الشيعة الهنود في مدينة بنجلور بإقامة مراسيم خاصة وإقامة مآتم العزاء الحسيني، ويتركّز أغلبية المآتم في منطقة (ريتشمان تاون) في وسط المدينة، ويفد إليها المعزّون من مختلف المناطق الأخرى في المدينة، ويقوم خطباء المنبر الحسيني بسرد الأحاديث وروي قصّة يوم كربلاء بلغة الأردو المحلية.

وبعد انتهاء الخطبة يقوم المعزّون بلطم الصدور وهم يستمعون إلى قصائد العزاء، ويوجد عدد لا بأس به من الشيعة في مدينة بنجلور وتقوم منظمة (أنجمان الإماميّة) بتنظيم مراسم عاشوراء. هذا وفي ليلة العاشر يقوم الشيعة نساءً ورجالاً بإشعال الشموع، ومن ثمّ الدخول والخروج من حسينيّة إلى اُخرى والتبرك بلمس بعض المجسّمات التي تمثّل الضريح المقدّس، أو الأيدي، وما غير ذلك.

ومن الفعاليات أيضاً المشي على الجمر حفاة الأقدام، حيث يقوم الشيعة الهنود بحفر حفرة كبيرة وملأها بالجمر، ثمّ يقوم الواحد تلو الآخر بالمشي عليه؛ تبرّكاً وتشبّهاً بيوم عاشوراء، حيث كانت صحراء كربلاء القائضة كالجمر.

وفي يوم العاشر يقوم المعزّون بشجّ الرؤوس وإدماء الصدور، وهم يصرخون: (مظلوم حسين)، حيث لا يزال التطبير، أو عزاء (الحيدر) يُمارس بكثرة؛ حزناً ورثاءً للإمام الحسينعليه‌السلام ، وتُخصّص (أنجمان الإماميّة) سيارتي إسعاف لمعالجة المعزّين الذين يرهقون من حرارة الشمس وفقدان الدم.

وفي ليلة العاشر ويوم العاشر يقوم الشيعة بتوزيع المياه في الشوارع، وإقامة مأدبات الغداء الحسيني، حيث يوزّع الطعام بعد الفراغ من الخطبة على المعزّين.

٥٠

مراسم العزاء في أفغانستان

مزار الشريف تتشرّف من جديد بإقامة مراسم العزاء الحسيني، شهدت مدينة مزار الشريف شمال أفغانستان في اليوم العاشر من المحرّم مراسم عزاء حسينيّة كبرى، أُقيمت في الكثير من المساجد والأماكن المقدّسة في المدينة؛ وذلك تعبيراً عن حزنهم ومواساتهم بذكرى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، والنخبة المؤمنة المجاهدة معه في واقعة طف كربلاء.

وقد سارت في شوارع المدينة مواكب ومسيرات العزاء الحاشدة التي ضمّت الآلاف من شيعة آل بيت النبي الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومحبّي الحسين الشهيد، فيما قرعت الطبول وردّدت الشعارات المعبّرة عن الولاء والنصرة الدائمة لنهج الحسين وخطّه الثوري.

وينتمي معظم المشاركين في هذه المراسم إلى أقلّية الهزارة الشيعيّة التي تعيش في شمال أفغانستان وغربها، وفيما كانت دماؤهم تسيل من ظهور ورؤوس المعزّين، كانت أصواتهم الهادرة ولسان حالهم مقترناً بصيحات: (أفديك يا حسين بحياتي).

وفي يوم المناسبة العاشورائية هذه تحدّث الملا حاجي إبراهيم لوكالة أبناء رويترز البريطانية قائلاً: آمل أن تكون بلادنا حرّة الآن؛ فقد منعت سلطات طالبان مراسم العزاء الخاصة باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولكن يحدوني الآن أمل في أنّنا سنحيي هذه الذكرى إلى الأبد.

ومن مكبرات الصوت انسابت المراثي والأشعار الحسينيّة بعد ما كانت زمرة طالبان الطائفية الإرهابية قد منعت وحرمت محبّي أهل بيت الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من إقامة مثل هذه المآتم الحسينيّة منذ ٧ سنوات.

٥١

مراسم العزاء الحسيني في تركيا

وفي الصقع التركي الذي كان يحكمه العثمانيون إلى ختام الحرب العالمية الأولى، ثمّ الحكومة الجمهورية التركية العلمانية الحالية، فأينما وجد أفراد من الشيعة وجدت معهم هذه المآتم والنياحات والمواكب الحسينيّة على الإمام الحسينعليه‌السلام وآله وصحبه وإن كانت على صورة مصغّرة وفي البيوت، لكنّك تجد في تلك الأحياء أعلام الحداد ترفرف على أسطح البيوت، وفي الأزقة والطرقات.

وقد نقل لي بعض زوّار العتبات المقدّسة في العراق من الأتراك، من سكان القسم الشرقي من الأناضول، عند مرورهم عبر طهران إلى العراق لأداء مراسم زيارة مشاهد الأئمّةعليهم‌السلام في كربلاء والنجف، والكاظمية وسامراء، وهم في الغالب من المزارعين في تلك المناطق التركية النائية المحاذية لآذربيجان الإيرانيّة.

نقل بأنّهم يقيمون المآتم والنياحات على الإمام الشهيد في بعض أيام الأسبوع طيلة السنة، وبدون انقطاع، في الدور وفي مجالس خاصّة، يشترك فيها مَنْ يكون حاضراً، ويلقي فيها خطيب المنبر الحسيني ما يناسب المقام والمجلس؛ من مآثر الإمام الحسينعليه‌السلام وسائر الأئمّة الاثني عشر، ويختم كلامه ببيان نبذة عن مجزرة كربلاء واستشهاد آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها، ثمّ بعد ذلك ( نقف برهة من الوقت ونحن في المجلس، ونلطم على صدورنا، ونردّد الشعارات الحسينيّة بشكل جماعي.

أمّا في العشرة الأولى من محرّم، ولا سيما في يومي تاسوعاء وعاشوراء، وفي يوم العشرين من شهر صفر (الأربعين) ولياليها، فتقام المناحات بتفصيل في مختلف الأماكن والقرى هناك، ويُتلى المقتل، ويشترك الرجال والنساء، والشيوخ والشباب وغيرهم بإحياء هذه الذكريات الحزينة.

وحتّى إنّ كثيراً من أبناء السُنّة يشتركون مع الشيعة في هذه المراسيم والشعارات الحزينة، وفي المواكب العزائيّة، وتصبح أجواؤنا الشيعيّة في تركيا يخيّم عليها الحزن طوال فترة محرّم وصفر، وحالنا كحال إخواننا الشيعة المعزّين في كلّ مكان )(*).

____________________

(*) اضطررنا إلى وضع هذه العبارة الأخيرة بين قوسين؛ لأنّ الأخ المؤلّف انتقل فيها من ضمير الغائب الذي كان ينقل عنه إلى ضمير المتكلم.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٥٢

مراسم العزاء في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة

المواكب العزائيّة في إيران كانت قائمة وقوية منذ أيام الدولة الصفويّة حتّى الحكم البهلوي البائد؛ بحكم أنّ الشعب الإيراني غالبيته العظمى يدين بمذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

لو ألقينا نظرة تأريخية سريعة على المواكب العزائيّة في إيران نرى بأنّ لها تأريخ ولها حاضر عريق. من الملاحظ تاريخياً أنّه بعد استشهاد الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في طوس تبلورت حركة إقامة المناحات وحفلات العزاء على الإمام الشهيد في إيران، وتطوّرت بتطوّر سياسة الحكومات التي كانت تتولّى السلطة في أنحاء إيران ومناطقها المختلفة بين القوّة والضعف.

فكانت هذه الحركة تسير سيرها المدّي في بعض الأصقاع التي كانت تحكمها السلطة الموالية لآل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كالأمراء البويهيين، وتسير سيرها الجزري في الأقاليم الاُخرى التي تتولّى السلطة فيها حكومة تعادي العلويين وتناهضهم.

وقد استمرت هذه الحالة إلى أن استولى على الحكم في إيران الملوك الصفويّون الذين استطاعوا أن ينشئوا في إيران حكومة مركزية تسيطر على جميع الأقاليم الإيرانيّة، وأن يوجدوا في هذه البلاد وحدة متماسكة تحكمها حكومة مركزية قوية واحدة هي الدولة الصفويّة.

وقد اهتم ملوك هذه الدولة الشيعيّة اهتماماً عظيماً بالعزاء الحسيني ومأتمه في داخل البيوت وخارجها، وفي المساجد، والتكايا، والمعابد، والأسواق، والشوارع، والساحات العامة، وحتى في البلاط ودوائر الدولة، كما تنوّعت وتشعّبت أساليب هذه المناحات وعمّت جميع طبقات الشعب، وأصبحت تقاليد متأصّلة في النفوس.

كما إنّ الحكومات التي خلفت الدولة الصفويّة في إيران كالأفشارية والزندية سارت على نفس نهج تلك الدولة في إحياء هذه الذكرى الحزينة، وإقامة شعائرها، ومتابعة تقاليدها، وخاصة على عهد الملوك القاجاريين وحتّى الوقت الحاضر.

٥٣

ولكن تعززت هذه الشعائر أكثر فأكثر، وتطوّرت في ظل الجمهورية الإسلاميّة تحت أجواء الحرية، وسقف الدولة الشيعيّة بقيادة المراجع العظام؛ حيث أصبح المعزّون في ممارسة طقوسهم لإحياء الشعائر ينعمون بالأمن والأمان والاستقرار؛ لذلك ظهرت في إيران الإبداعات والاستحداثات بشكل إبداعي وفني. هذا ما لمسناه من خلال متابعتنا لسير المواكب المنظمة والكبيرة على مستوى حجم اتساع المدن الإيرانيّة، وحجم تعداد السكان، وظهرت هذه الفنون لإحياء الشعائر العزائيّة على مستوى عالمي.

وفي تاسوعاء وعاشوراء والأربعين في يوم العشرين من صفر في كلّ عام تتدفّق حشود المعزّين الإيرانيين - وتقدّر بالملايين - من مختلف مناطق إيران على إحياء مراسم العزاء بقرب العتبات المقدّسة الشريفة في مشهد وقم؛ فتخرج المواكب من هناك موحدة، وكلّ الزائرين الإيرانيين يشتركون في المسيرات العزائيّة، ويخلقون جوّاً عاطفياً ليس له مثيل بالبكاء والجزع والعويل لمدّة ثلاثة أيام، ثمّ يعودون لمناطقهم وقراهم.

أيضاً في ظلّ هذه الدولة الإسلاميّة الشيعيّة المباركة (حفظها الله من كلّ سوء ومكروه) تقيم بعض وزارات الدولة؛ كوزارة الدفاع، وقوى الأمن والشرطة، والتربية والتعليم، بالإضافة إلى مؤسسة الحرس الثوري والبسيج مهرجانات واحتفالات؛ احتفاء بذكرى عاشوراء أيضاً.

هذه المؤسسات والوزارت تنظم مواكب عزائية كبيرة في العاصمة طهران؛ كموكب الحرس الثوري، وموكب الجيش، وموكب البسيج، وموكب طلبة جامعة طهران، وما إلى ذلك من المواكب؛ كلّ ذلك تعظيماً وتخليداً للشعائر الحسينيّة التي أمر وندب الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام بإحيائها.

٥٤

مراسم العزاء الحسيني في لبنان

جاء في الصفحة (١٤٩) من كتاب حفظ جبل عامل للعلامة المرحوم السيد محسن الأمين ما عبارته: ( حسينيات جبل عامل - جمع حسينيّة - وهي بمثابة تكية منسوبة إلى الإمام الحسين السبط الشهيد؛ لأنّها تُبنى لإقامة عزائه فيها. وأصل الحسينيات من الإيرانيين والهنود، بنوها في بلادهم وبنوها في العراق أيضاً، ووقفوا لها الأوقاف، وجعلوا لكلّ منها ناظراً وقوّاماً.

وهي عبارة عن دار ذات حجر وصحن، فيها منبر يأوي إليها الغريب، وتُقام فيها الجماعة، وينزلها الفقراء، ويُقام فيها عزاء سيد الشهداء في كلّ أسبوع، في يوم مخصوص، وفي عشرة المحرّم، وتختلف حالتها في الكبر والصغر، والإتقان، وكثرة الريع باختلاف أحوال منشئيها، وهذه لم تكن معروفة قبل عصرنا في جبل عامل ) إلخ.

ويستطرد السيد فيقول: ( وأوّل حسينيّة أُنشئت في جبل عامل، هي حسينيّة النبطيّة التحتا، ثمّ أُنشئت عدّة حسينيات في صور، والنبطيّة الفوقا، وكفر رمان، وبنت جبيل، وحاروف، والخيام، والطيبة، وكفر صبر، وغيرها ) إلخ.

وتجمع الشيعة في جبل عامل وقراه ساعد كثيراً بمرور الأيام على انتشار مجالس العزاء الحسيني وإقامة النياحات فيها، وإحياء هذه الذكرى المؤلمة على طول السنة، وخاصة في شهري محرّم وصفر، وبالأخص العشرة الأولى من المحرّم.

وفي سنة ١٣٩٣ هـ - ١٩٧٣ م قرّرت الحكومة اللبنانية جعل يوم عاشوراء - أي العاشر من محرّم كلّ سنة - عطلة رسمية في جميع أنحاء لبنان، تُعطل فيها جميع الدوائر الرسمية، والمؤسسات الأهلية، والأسواق والأعمال.

وهذه هي المرّة الاُولى في تاريخ لبنان تقدم فيه حكومة لبنان على جعل يوم عاشوراء الحسينعليه‌السلام يوم عطلة رسمية، كما أفادت الأنباء أنّ سكان مدينة ( النبطيّة ) في لبنان التي يُقيم الشيعة بصورة خاصة في محرّم كلّ سنة فيها ذكرى مهيبة لمصرع الإمام الحسينعليه‌السلام ولعزائه المقدّس.

٥٥

ومنذ نهاية ١٩٨٩م وبداية ١٩٩٠م بدأت حركة المواكب العزائيّة في مختلف المدن والقرى اللبنانية الشيعيّة تتطّور وتتطّور؛ فبدل أن يخرجوا من مدنهم ومناطقهم أخذوا يقيمون مراسم العزاء فيها؛ فتوسعت دائرة المواكب في مدينة صور، وقرى الجنوب، والنبطيّة، وبيروت، وأمّا في الضاحية الجنوبيّة فحدّث ولا حرج.

فيوم العاشر من المحرّم فيها له لون آخر؛ حيث يسير في شوارعها موكب مهيب تعداده أكثر من مئتين وخمسين ألف نسمة؛ يلطمون الصدور تارة، ويلطمون الخدود اُخرى، ويضربون الرؤوس ثالثة، وبشكل متناسق، ويصرخون بشعارات أبيّ‏ِ الضيم‏عليه‌السلام « هيهات منّا الذلة! » ، و (يا حسين).

تلك الصرخة التي أشاد بها إمامنا الصادق ‏عليه‌السلام بقوله:« اللّهم ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا » .

ولا يخفى ما لهذه المواكب من تأثير سحري في تقوية عقيدة الناس؛ إذ إنّ الأهازيج الحزينة المترافقة مع لدمات الصدور المشوبة بالأسى لا شك أنّها تكهرب الشعور الإنساني بشحنات عاصفة من الولاء؛ ممّا يحوّل الجو إلى انفجار عاطفي مشحون بالبكاء والذكريات والخواطر، ويردّدون نداء مولاهم الحسينعليه‌السلام في يوم العاشر« هل من ناصر ينصرنا؟ » ، و (لبيك يا حسين).

وهكذا الحال في بعلبك وسائر المدن اللبنانية الاُخرى، وبالتالي أصبحت لبنان في شهري محرّم وصفر وباقي المناسبات الحزينة للمعصومينعليهم‌السلام حافلة بالأحزان، والسواد والحداد، فحفظ الله لبنان وأهله من كلّ سوء.

٥٦

وهكذا يستمر عشاق الحسينعليه‌السلام في باقي بلدان العالم يقيمون المآتم ومراسم العزاء العاشورائي في كلّ من روسيا، والأردن، والسويد، وبريطانيا، وأمريكا، وماليزيا، وبلغاريا، وتركمانستان، وآذربيجان، والصين، واليابان، والفلبين، وفرنسا، وطاجيكستان، واليونان، وبلجيكا، والدنمارك، وساحل العاج، وتنزانيا، وألمانيا، وعدد آخر من دول العالم.

وهذه المواكب المقدّسة نراها في كلّ عام تزداد، وتتضاعف أعداد المعزّين بكثافة، والكلّ يتشرّف ويكتب على ملابسه السوداء يا حسين، يا شهيد، يا مظلوم، والكلّ يلطم على رأسه وصدره ويهتف: ( لبيك يا حسين )، ويردّد هذا الشعار المقدّس ( أبد والله لا ننسى حسينا ).

أمّا شعار الرفض والتحدّي والصمود الذي تردّده الحناجر الولائية في المواكب العزائيّة الحسينيّة باستمرار وفي كلّ عام، هو هذا البيت الرثائي الذي لا يفارق الذاكرة أبداً:

لو قطّعوا أرجلنا واليدين

نأتيك زحفاً سيدي يا حسين

٥٧

الزيارة المليونيّة ومواكب الأربعين

سمّيت الزيارة المليونيّة بهذا الاسم وبهذا العنوان الكبير؛ لأنّ أكثر من تسعة ملايين زائر من مختلف البلدان الإسلاميّة يتوجّهون ويلتحقون بالمواكب العزائيّة في كلّ عام من عاشوراء، ويوم أربعينية سيد الشهداءعليه‌السلام في يوم العشرين من صفر. واُطلق عليها هذا الاسم بعد أن سقط النظام البعثي الصدامي وزال عن العراق؛ فقد شعر شيعة أهل البيتعليهم‌السلام بنوع من الحرية، فكان لهم هذا الامتداد المليوني العالمي.

ولهذه الزيارة والمواكب العزائيّة المقدّسة - وفق الله تعالى شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في العراق على إحيائها سيراً على الأقدام، ولمسافات بلغت مئات الكيلو مترات؛ رجالاً ونساءً، وأطفالاً ومعوقين، الجميع اتجهوا صوب عاصمة الدنيا أيام زيارة الأربعين.

ولقد رأينا وتابعنا القنوات الفضائية الشيعيّة التي تابعت الموضوع مفصّلاً، وقامت بالتغطية اللازمة والمطلوبة لهذا الحدث التأريخي العالمي الذي لم يحصل له مثيل في تاريخ البشرية كلّها. ونحن بدورنا نشكر الرجال الحسينيين الذين بذلوا الجهود المخلصة من أجل إيصال صوت الحسينعليه‌السلام وقضيته إلى العالم.

٥٨

زيارة الأربعين والتفاعل الجماهيري

لماذا تتقاطر الملايين على كربلاء لزيارة الأربعين؟

الجواب: لأسمى غايات وقيم معنوية جوهرية محببة، أذكر أهمها:

الاُولى: لنيل فضل الزيارة والأجر الكبير والثواب الجزيل.

الثانية: لمواساة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيتعليهم‌السلام .

الثالثة: لتجديد الولاء للحسينعليه‌السلام .

الرابعة: للالتزام بقيم وأهداف الثورة الحسينيّة المقدّسة.

الخامسة: للتحدي للظلم والظالمين، والتركيز على مظلومية الحسينعليه‌السلام .

السادسة: لأجل ألطاف الشفاعة في الآخرة.

السابعة: لإظهار المودّة القلبية التي أمر الله تعالى بها لقرابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقوله:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .

الثامنة: لإحياء ذكرى إعادة رأس الحسينعليه‌السلام إلى جسده بعد أربعين يوماً، حيث يجدّدوا عند قبره العزاء ويقيموا عليه النياحة.

قال أبو الريحان البيروني: في العشرين من صفر ردَّ رأس الحسين إلى جثته حتّى دُفِن مع جسده الطاهر. الآلوسي عن موضع رأس الحسينعليه‌السلام رثى واستعبر وقال:

لا تطلبوا رأسَ الحسيـ

ـنِ بشرقِ أرضٍ أو بغربِ

ودعوا الجميع وعرّجوا

نحوي فمشهده بقلبي(١)

ومن قصيدة للعلاّمة عبد الهادي مطر النجفي يخاطب في أبياتها الإمام الحسينعليه‌السلام ، يقول:

قم وانظر البيتَ الحرام ونظرة

اُخرى لقبركَ فهو حجٌّ أكبرُ

اصبحتَ مفخرةَ الحياةِ وحقّ لو

فخرت بهِ فدمُ الشهادةِ مفخرُ

هذي دموعُ الزائرين فروّ من

عبراتها كبداً تكادُ تفطَّرُ

واعطف عليها يا أبا اللطفِ انّها

ودَّت لو انَّكَ في الأضالعِ تقبرُ(٢)

____________________

(١) الآثار الباقية ١ / ٣٣١.

(٢) وذكر ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ / ١٥٤ أنّه لما سُئل أبو بكر.

٥٩

المواكب تحت عناية الإمام الحجة (عج)

المواكب الحسينيّة تحت عناية وألطاف الإمام صاحب العصر والزمان (عج).

الموكب الحسيني هو عبارة عن التحرّك الجماهيري للأمّة بقيادة الإمام المعصوم أو نائبه في عصر الغيبة الكبرى، من أجل تحقيق أهداف ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام . وإنّ هذه المسيرات العزائيّة المليونيّة التي نشاهدها اليوم تخرج من هنا وهناك في المواسم العاشورائية وغيرها من المناسبات الرثائية للمعصومينعليهم‌السلام كلّها خاضعة تحت رعاية وعناية صاحب العزاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فدع ذلك الناصبي المشكك يشكك، ودعه يقول فينا ما يشاء من - عظّم الله أجرك يا صاحب الزمان - تفريغ سمومه وأحقاده وسبابه.

إلاّ إنّ عقيدتنا - نحن الإماميّة - أنّ إمامنا المعصوم الثاني عشر المهدي الموعود (عجّل الله فرجه) هو الذي يتولّى أمر عزاء جدّه المظلوم، ويديره هو وأبداله إدارة محكمة، ويلهب الحماس الحسيني في صفوف المعزّين والزائرين والباكين على الحسينعليه‌السلام .

كيف لا يكون كذلك وهو القائل في زيارة الناحية:“ فلئن أخّرتني عنك الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً؛ حزناً عليك، وتأسّفاً على ما أصابك “ ؟

إلى أن يذكر مصرع جدّه الحسينعليه‌السلام ويقول:“ فهويت إلى الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، وأسرع جوادك إلى الخيام محمحماً داعياً، وبالظليمة منادياً. فلمّا رأت النساء جوادك مخزيّاً، ونظرنَ سرجك عليه ملوياً، برزن من الخدور على الخدود لاطمات، وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، وإلى مصرعك مبادرات.

والشمر جالس على صدرك، ومولع سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، وذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، واختفت أنفاسك، ورفع على القناة رأسك، وسُبي أهلك كالعبيد، وصفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات، يُساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يُطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق! لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والأحكام، وهدموا قواعد الإيمان، وحرّفوا آيات القرآن “ .

٦٠