المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم0%

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 63

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ مكي فاضل حسن
تصنيف: الصفحات: 63
المشاهدات: 50388
تحميل: 6645

توضيحات:

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 63 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50388 / تحميل: 6645
الحجم الحجم الحجم
المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المواكب الحسينيّة

وتوحيد المسيرات العزائيّة في العالم

تأليف: الشيخ مكّي فاضل حسن

١

الإهداء

إلى مَنْ تحمّل العناء في تربيتنا ونشأتنا وعشنا في ظله، والذي كان برغم عوزه وقلّة يده ما كان يردّ لنا طلباً نطلبه يوم كنّا صغاراً؛ فبذل الكثير من أجلنا، وتحنّن علينا بعطفه ونحن كباراً، وما لاقاه من الظلم والإهانات من أجلنا ونحن في بلاد الغربة والمهجر. إلى روح المرحوم الوالد الغالي أهدي هذا الكُتيب والمجهود الطيب؛ خدمة لسيد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام .

وأسأل الله أن تشملنا وإيّاه شفاعته، ويجعلنا من المرحومين بهم في الدنيا والآخرة.

٢

مقدّمة المؤلّف

« السّلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، ورحمة الله وبركاته »

منذ أن فتحت عيني على الحياة وأنا أنظر إلى مواكب عزاء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، والناس في هذه المسيرات العزائيّة الولائيّة الخالدة قد تجلببوا بالسواد، وأراهم ما بين لاطم على صدره بيده، وما بين مَنْ يضرب على ظهره بالزنجيل، وما بين مَنْ يطبر جبهته ويدميها. هذه الأصناف من المشاهد انطبعت في ذهني وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتي.

وبعد أن اشتد عودي ووقفت على رجلي أخذت أعزّي مع المعزّين، وألطم مع اللاطمين بشكل تلقائي وعفوي وفطري. هذا الاندفاع العاطفي الحماسي الوديع ولو كان على غير دراية إلاّ أنّه منحني عشق الحسينعليه‌السلام ، ورضعت حبّه وولاءه منذ نعومة أظافري، فأصبحت المسيرات العزائيّة المقدّسة لها قدسية خاصة في نفسي، ولا أسمح لأيّ مخلوق كائن مَنْ كان أن يمسّ بالإضرار بها وبقدسيتها.

مكّي فاضل حسن الدمستاني

البحرين - الدمستان

٢٠ / ٧ / ٢٠٠٧ م

٣

هدف المواكب الحسينيّة

الموكب الحسيني هو عبارة عن التحرّك الجماهيري للأمّة بقيادة الإمام المعصوم أو نائبه في عصر الغيبة الكبرى من أجل تحقيق أهداف ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام . ولا زالت تراودني في الذاكرة هذه الحقيقة الذهبية من الذكريات، حيث إنّي مع التدرّج في مدارج الحياة، والتقدّم في العمر، وحضوري إلى مجالس العزاء التي تُقام في مآتم منطقتنا أدركت ثلاثة أهداف لاستمرارية وبقاء هذه المواكب الخالدة:

أوّلاً: الهيبة المميّزة في النفوس

إنّ العزاء على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام له هيبته المميّزة في النفوس، وهذه الهيبة جعلٌ خاص من الله تعالى خصها لاستمرارية العزاء الحسيني إلى يوم الدين، لا تفقد هذه المواكب هيبتها ولو حاول البعض من أصحاب النفوس الدنيئة والساقطة والحاقدة على المعزّين أن توقف المسيرات الحسينيّة عن طريق التشويه والعنف والإرهاب.

ولقد استمد شيعة أهل البيتعليهم‌السلام هيبتهم من هيبة عزاء الموكب الحسيني؛ لأنّ في هذه المواكب المقدّسة حشود ولائيّة وهي غاضبة على الظلم، وترفض الظالمين في كلّ زمان ومكان، وفي كلّ جيل من الأجيال، وترفع باستمرار هذا الشعار(يا مظلوم يا حسين)، (يا لثارات الحسين) .

ثانياً: العزاء الحسيني يذوّب الكبرياء من النفوس

في أثناء السير على الأقدام في المسيرات العزائيّة تجد المشاركة الفعلية بين القوي والضعيف، وبين الغني والفقير، لا فرق بينهما في هذا المشهد الذي ليس له نظير إلاّ في حج بيت الله الحرام، وبعد الانتهاء من العزاء الكل يجلس على مائدة الإمام الحسينعليه‌السلام لأخذ البركة من ذلك الطعام الذي يعدّ في الواقع والحقيقة دواء لكلّ داء. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عظمة نفوس المعزّين الذين ذوّبوا الكبرياء والطغيان من النفوس، وذابت بينهم الفوارق المادية.

٤

ثالثاً: مظلوميّة الإمام الحسينعليه‌السلام وتأثيرها العاطفي على النفوس

إنّ تصوّر مأساة واقعة الطفّ وما جرى على الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه وأهل بيته من بعده تشعل جمر اللوعة والحرارة في قلوب الموالين والمعزّين؛ ممّا تدفعهم وبقوّة لإحياء المسيرات الرثائيّة العزائيّة بكلّ صمود وتحدي، ومهما كلّف الثمن من تضحيات، كل ذلك يعد رخيصاً لما قدّمه سيد الشهداءعليه‌السلام .

فكلّما نقدّمه ونبذله من عاطفة جياشة ودموع مالحة غزيرة إنّما تعني عن تعبير لتلك العاطفة الحارة التي عبر عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث قال:“ إنّ لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً “ . أسأل المولى جلّ ثناؤه أن يجعل هذه الحرارة ووهج هذه العاطفة في قلوبنا؛ لكي تشملنا ألطاف الحسينعليه‌السلام ورحمته وشفاعته.

المنشأ التأريخي للمواكب العزائيّة

منذ استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أُصيب الشيعة بجرح عاصف لم يندمل؛ فحقّ لهم التعبير عن تألمهم. ولو أنّهم وجدوا الحرية الكاملة في عهود الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام لأقاموا هذه الشعائر القائمة اليوم أكثر، ولكن أنّى لهم ذلك وسيوف حكّام الجور مشرعة في وجوههم. وبالرغم من هذا كلّه تمرّدوا على المحن، وأبوا إلاّ انتزاع حرياتهم رغماً عن الزمن؛ بالقوّة تارة، وبالتضحيات اُخرى.

٥

والمواكب الحسينيّة واحدة من مفردات هذه الشعائر الحسينيّة التي تأخّر خروجها عن مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام حتّى سجّل التاريخ صفحات ناجعة لأمراء البويهيِّين؛ حيث إنّهم احتضنوا هذه الشعائر فأخرجوا المآتم من الدور والبيوت إلى الأسواق والشوارع حتّى حوّلوها مواكب مشهودة ومهرجانات مفجعة في مهدها الأوّل العراق وإيران؛ حيث مركز حكومتهم وسلطانهم الذي ابتدأ سنة ٣٣٤ هـ وانتهى ٤٦٧ في أواسط الحكم العباسي، بالرغم من معارضات ومخالفات معظم الخلفاء العباسيِّين لهم على هذه المواكب.

ولم يأبه البويهيّون لهذه المعارضات؛ لأنّ الحكم الحقيقي والسلطة الفعلية سقطت من أيدي الخلفاء العباسيِّين، ولم يبقَ لهم غير الاسم المجرّد؛ إذ صارت بأيدي البويهيِّين.

وقد نصّ أكثر من مؤرّخ أنّه في سنة ٣٥٢ هـ أمر معزّ الدولة أحمد بن بويه في العشر الأُوَل من المحرّم ببغداد بإغلاق جميع أسواق بغداد، وإبطال البيع والشراء، وأن يلبس الناس السواد، وأن يُقيموا مراسم العزاء، وأن يُظهروا النياحة، وأن يخرج الرجال والنساء لاطمين الصدور والوجوه.

وكان معزّ الدولة البويهي يرتدي رداء الحِداد والحزن، ويتقدّم عسكره المشترِك في هذه المواكبِ، وقد جعل يوم عاشوراء عطلة رسمية في الدوائر الحكومية إلى أن تطوّرت تلك المواكب والمآتم بتطوّر ساسة الحكومات التي كانت تتولّى السلطة في إيران أو العراق.

٦

وكان بعض أكابر الطائفة الإماميّة يشارك في هذه المواكب، كأمثال العلاّمة السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفّى سنة ١٢١٢ هـ، فقد كان يتقدّم أمام هذه المواكب، ولمّا سُئل عن سبب اشتراكه في هذا العزاء أجاب: أنّه رأى في المنام الإمام الثاني عشر صاحب الزمان (‏عجّل الله تعالى فرجه) مشتركاً في هذا العزاء.

ناهيك عن كبار الشعراء الذين كانوا يشتركون به أمثال الكعبي وعظماء المجتهدين والفقهاء الشيعة كالشيخ زين العابدين المازندراني وغيره.

لو رجعنا بالذاكرة إلى الوراء لتبيّن لنا في تلك الفترة والحقبة الزمنية التي مرّت في عهد الأجداد (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) كان العزاء الحسيني يختصر على الردادية فقط، بحيث ينتهي الخطيب الحسيني من القراءة فيبدأ الرادود يردّد القصيدة على المستمعين وهم جلوس في المأتم، ويلطمون على رؤوسهم وصدورهم.

هذا الحال كما حدّثنا أحد الأجداد (رحمه الله تعالى) قال: هذا من قبل قرابة مئة وخمسين سنة، يقول: ثمّ بعد ذلك تطوّر الأمر إلى أن الخطيب نفسه هو الذي يأتي بالقصيدة بعد مجلس العزاء، ويقف المعزّون بجانب المنبر ويلطمون لمقدار ساعة أو ساعة ونصف، ثمّ ينهون العزاء بلطميات عزائيّة، فاستمر هذا الحال إلى ما قبل الأربعينيات.

من بعد هذا العهد بدأت المواكب العزائيّة تكبر، والأجيال تتنامى إلى أن تطوّر العزاء الحسيني وانتقل من المأتم إلى الخارج, ولكن في حدود ساحات المآتم فقط لا يتعدى أكثر من هذه المسافة، وبدون مكبّرات للصوت؛ لأنّ هذه وسائل أتت في العصور المتقدّمة الحديثة.

فاستمر العزاء على هذا الحال إلى أن شيئاً فشيئاً أخذ الناس يقطعون مسافات أكبر وأكبر إلى أن وصل اتساع المواكب العزائيّة بهذا الانتشار الواسع الذي نلحظه الآن. وهذه شذرات مثمرة من تلك الشجرة المشرقة الوضّاءة التي غرسها الأجداد والآباء، وحافظوا على نموّها حتّى وصلتنا على هذه الهيئة.

٧

أقول: كما إنّ أجدادنا وآباءنا عملوا واجتهدوا وأسسوا لنا هذا الأساس الرائد نحن يجب علينا أن نجتهد ونجاهد حتّى نوصل رسالة الموكب الحسيني للأجيال الولائيّة القادمة التي ستأتي من بعدنا.

وحول مسيرة المواكب الحسينيّة المقدّسة أُثيرت خمسة أسئلة اُحاول في هذا الكُتيّب الإجابة عليها بحسب خلفيّتي البسيطة، وأسأل الله أن تعمّ لي ولكم الفائدة والله ولي التوفيق.

أبرز مظاهر العزاء الحسيني

س١: ما هي أبرز مظاهر عادات الشعائر الحسينيّة؟

هناك مجموعة ممارسات لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام يبدون التقيّد بها في أيام المواسم العزائيّة، ونراها ظاهرة وجليّة في المواكب العزائيّة:

أوّلاً: استحباب الحداد

التفرّغ من أجل إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام هو أمر استحبابي؛ ولأجل التعبير عن الحزن والأسى لما جرى عليهم من ضيم نعلن مواساتنا للنبي الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولباقي الخيرة المعصومين إلى آخرهم القائم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه وأرواحنا لتراب مقدمه الفداء).

ففي تاسوعاء وعاشوراء نتقيّد بالحداد العام، ونعطّل عن الأعمال من أجل المشاركة في مراسيم العزاء، وإحياء هذه الشعيرة المقدّسة، وهذا أقلّ ما نستطيع أن نقوم به كموالين لأهل البيتعليهم‌السلام .

٨

ثانياً: لبس السواد ونزع الزينة

بلا شك أنّ السواد هو شعار الحداد، وهو يرمز إلى الجزع والكآبة والحزن على مصاب ذرّيّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ جزع مكروه إلاّ الجزع والحزن على الإمام الشهيدعليه‌السلام ، فهل يُعقل من المعزي أن يتظاهر بأفخر الثياب والزينة وحجّة الله مولاه الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء جرّدوه الأعداء اللئام من ثيابه، وتركوه عارياً حيث بقي على رمضاء كربلاء ثلاثة أيام بلا غسل ولا دفن؟!

ولو لم يكن لنا من مصيبته إلاّ هذه المصيبة الأليمة لكفتنا أن نملأ الأرض كلّها بالسواد، ونتجلبب بالسواد لتخليد ذكراه.

ثالثاً: اللطم على الصدور والرؤوس

جميع الفقهاء، سواء القائلون بالحرمة وغيرهم، اتفقوا على جواز اللطم والجزع على سيد الشهداءعليه‌السلام :( كلّ جزع مكروه إلاّ على الحسين عليه‌السلام ) .‏

ورد من جملة وقائع كربلاء أنّ أهل البيتعليهم‌السلام بعد عودتهم من السبي التقوا مع جابر الأنصاري وجمع من بني هاشم. يقول ابن طاووس في تصوير المشهد: فوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم.‏

٩

هذا اللقاء العفوي والطبيعي رافقه ردّ فعل شعبي عام تمثّل باللطم، وهذا الأمر كان متعارفاً في العصور المختلفة، وقد كان على مرأى ومسمع من الأئمّةعليهم‌السلام الذين لم يردعوا عنه كما ردعوا عن الجزع واللطم والتفجّع على الأخ والأب والقريب.‏ فاللطم مظهر مقدّس في سبيل إحياء ذكريات المعصومين المظلومينعليهم‌السلام ، وتتفرّع منه عناوين كثيرة من جملتها:

١ - الترويج لأهل البيتعليهم‌السلام ‏.

٢ - إحياء ذكرى عاشوراء وإبقاؤها حيّة في النفوس.‏

٣ - إظهار الجزع على الحسينعليه‌السلام كما ورد في المعتبرة.‏

٤ - إظهار مظلومية آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .‏

وهذه العناوين معترف بها فقهياً، وتوجب رجحان متعلّقاتها ومنها اللطم على الصدور، وهو من أبرز مظاهر الشعائر الحسينيّة في المواكب العزائيّة.‏

اللطم جائز بل مستحب؛ للحديث الشريف:« على مثل الحسين فلتلطم الخدود، ولتُخمش الوجوه » . ولقد لطمنَ الفاطميات (عليهنَّ السّلام)(١) .

كلّنا ندرك أنّه تعظيماً لشعائر الله نحن نلطم على صدورنا؛ ولأنّ الصدر هو موقع ما داس الشمر اللعين على أمامنا الحسينعليه‌السلام .

____________________

(١) راجع مقتل عبد الرزاق المقرّم.

١٠

رابعاً: ضرب الظهر بالزنجيل

هذا اللون من العزاء يعبّر عن مدى تفاعل المعزّين في الموكب العزائي، ويعبّر عن مدى الأشجان التي تختلج في الصدور الملتهبة وهي تحمل في داخلها ثقل المأساة الكربلائيّة؛ فليس اللطم وحده هو الذي يعبّر عن حجم ثقل مصائب المعصومينعليهم‌السلام ، وإنّما في عقيدة الموالين إشراك جميع أبدانهم بما فيها الظهر يفدون بذلك سبط النبي المذبوح.

والزنجيل يُضفي على المسيرة العزائيّة الحماس الجماهيري والتفاعل العاطفي، كذلك لا يختصر على سن معين من المعزّين، بل يشترك فيه مختلف الأعمار في إطار دائرة الموكب الحسيني، حيث يشترك فيه الشيخ المسن، والشاب اليافع، والأطفال الصغار بمختلف أعمارهم.

أيضاً عزاء الزنجيل يُعطي للموكب العزائي خصوصية خاصة في تلحين القصائد الرثائيّة التي ينشدها ويردّدها الرواديد بأصوات حزينة ومؤثّرة.

وهذا اللون من العزاء قد يتعجّب منه سائر الناس من أصحاب الفرق والأديان والمذاهب المتعددة دون المذهب الإمامي، أمّا نحن الإماميّة فقد تعوّدنا على هذه المشاهد منذ طفولتنا، وسنحيي هذه الشعيرة بقوة وبحماس وبدون تردد، وسيبقى عزاء الزنجيل شعيرة دينية يواسي بها عشاق الولاية مصاب أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ زمان ومكان.

١١

خامساً: التطبير وضرب القامة بالسيف

هذا الشكل من العزاء المهيب والمثير والرهيب جعل العالم بأسره يهتزّ من أعماقه؛ منهم مَنْ وقف موقف من الشيعة وقال فيهم: مجانين، ومنهم مَنْ وقف من الشيعة وقال: هؤلاء الذين يدمون رؤوسهم أصحاب بدع وخرافات، ومنهم مَنْ وقف من الشيعة موقف المحايد ولم يبتّ برأي في التطبير؛ حفاظاً على العلاقة والصداقة.

ومن الناس مَنْ وقف موقف المعادي والحاقد على الشيعة ومذهبهم كالنواصب والوهابيِّين، والآخر من جماهير الاُمّة مَنْ وقف موقف المتعاطف ويقول: شيعة أهل البيتعليهم‌السلام لا يلامون، وإمامهم الذي يقتدون به هو ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد مثّل به الاُمويّون شرّ تمثيل، وأراقوا دمه الطاهر، فهم يجرحون رؤوسهم؛ وفاء للتضحية الجسيمة التي قدّمها لأمّة جدّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعة أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولِما قدّمه لإحياء الدين.

هذه المواقف المتعدّدة والمغايرة في عزاء التطبير، المعادية منها والمتعاطفة والمؤيدة، كلّها تصبّ في مشروعية هذا النوع من العزاء الدامي من حيث مشروعيته وعدم مشروعيته.

إنّي في هذا المقام ليس في صدد تناول فتاوى الفقهاء العظام؛ مَنْ أفتى بالحرمة، ومَنْ أفتى بالجواز، أعتقد أنّ مسألة التطبير مسألة خلافية واضحة بين فقهائنا (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين)، ففي هذا الشأن كلّ منّا يتبع مقلّده ويلتزم بفتواه، ونعزّي الحسينعليه‌السلام بنيّة خالصة.

وفي هذا الصدد أضمّ صوتي مع صوت اُستاذي سماحة الشيخ فوزي آل سيف (حفظه الله تعالى) حيث ردّ على سؤال السائل وقال: التطبير (جرح الرأس بالسيف)، والضرب بالسلاسل، وإدماء الظهر ما وقع فيه الاختلاف (مشروعية أو استحباباً)؛ سواء كان ذلك بالعنوان الأولي أو العناوين الثانوية الطارئة.

١٢

ثمّ تابع القول سماحة الشيخ وقال: إنّ شعائر الحسينعليه‌السلام على اختلاف طرقها وأساليبها يوجد بينها قاسم مشترك، والقاسم المشترك بينها كما يفترض هو أن تساهم في إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام وإن اختلف البعض في أنّ هذا يساهم أو لا يساهم في إحياء أمرهم، لكن غرضها الأقصى والقاسم المشترك بينها هو الإحياء، فلا يصح أن يحوّلها أتباع أهل البيتعليهم‌السلام إلى ساحة معارك داخليّة تنتهي إلى إضعاف أمر أهل البيتعليهم‌السلام (١) .

نعم يا أحباب أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، إنّ هذا الطرح الوسطي المعتدل يجعلنا نحيي الشعيرة الحسينيّة المقدّسة بما فيها مسيرة الموكب العزائي، ونحن بتمام الثقة والاطمئنان إنّ لطمنا وعزاءنا، وكلّ شيء نقدّمه لأهل البيتعليهم‌السلام فهو مقبول لديهم إنشاء الله تعالى.

لكن الشيء الذي يؤسفني ويؤسف كلّ محبّ لأهل البيتعليهم‌السلام هو لماذا يقف البعض موقف المتشنّج والمتعصّب، وكأنّه يريد أن يلغي عزاء التطبير من قائمة الوجود، وفي مصلحة مَنْ إبداء هذه المعارضة؟

أقول: أنت مرجعك الذي تقلّده لا يجوّز التطبير، ابقى يا أخي على تقليدك، واحتفظ بإخوّتك وصداقتك مع إخوانك الذين مرجعهم يجوّز التطبير، وهذا هو المطلوب. ولو راجعنا أنفسنا قليلاً لوجدنا بأننا كلّنا نسير على هدف واحد، وتحت راية واحدة، وهي راية المراجع العظام، وتحت قيادة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

وفكّروا أيّها الأحبّة في أسرار هذا الكون بعد استشهاد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ستلاحظون أنّ الكون بما فيه من أفلاك بكى عليهعليه‌السلام ، بل السماء لأجله أمطرت دماً، ولم تجد في ذلك اليوم حجراً إلاّ وتحته دماً عبيطاً، هذا ما ورد في النصوص التاريخيّة.

____________________

(١) راجع الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦، تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٩، تذكرة الخواصّ / ١٥٥، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢ / ٨٩.

١٣

ورد في مقتل الحسين لأبي مخنف قال: لمّا قُتل الحسينعليه‌السلام أمطرت السماء دماً، فأصبحت الحباب والجرار وكلّ شيء ملآن دماً، ولم يُرفع حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط. ولما دخل الرأس المقدّس إلى قصر الإمارة سالت الحيطان ومطرت السماء دماً.

أيّها الأحبّة، ينبغي لنا أن نقف عند هذا النص ونتأمّل كيف أنّ السماوات والأرضين بكت الحسينعليه‌السلام دماً، فنحن لماذا نستكثر على أبيّ الضيم ذلك ولا نُعطي اليسير البسيط من دمائنا ونحن نعبّر عن عواطفنا تجاه مظلوميته؟ فدعوا الذي يستاء من مشهد عزاء التطبير، يستاء ولو أنفقنا ما في الأرض ذهباً لم ولن يغيّروا مواقفهم الشاذة والمتصلّبة ضدّنا وضدّ مذهبنا.

دعك عن الفتاوى المتعدّدة الأوجه التي يثيروها بين الحين والآخر في تكفيرنا وإباحة دمائنا. إذاً لماذا المحاباة وهشاشة الموقف أمام هذه الفئات الضالّة المضلّة التي ما عرفت من الدين إلاّ التكفير والبدع، والشرك والتعنيف؟!

ثمّ هل من المعقول أن نضرب بفتاوى فقهائنا ونتخلّى عن مبدئنا ومعتقدنا من أجل خاطر فلان من الناس وهو حاقد وناقم على عزائنا من أساسه، ويقول: إنّ عزاء الشيعة على الحسينعليه‌السلام كلّه بدعة من بدع الضلال؟!

وأيّ وحدة تقوم بيننا وبينهم وكبار علمائهم يجوّزون ويباركون تفخيخ السيارات، ويترصّدون لأتباع أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ مكان، ويفجّرونها في أوساطهم، ويهلكون الحرث والنسل، ويذبحون العلماء، والكبار والصغار، والنساء، ويهدمون بيوت الله ومقدّساتنا ويخربوها؟!

١٤

دماء الشيعة رخيصة للحسينعليه‌السلام

السؤال الذي يفرض نفسه هنا ولا بدّ من تبيان الإجابة عليه هو: لماذا بعض المعزّين من الشيعة يجرحون جباههم وتسيل دماؤهم على وجوههم؟ ولماذا يطبّرون وهم يرتدون الألبسة البيضاء كهيئة الأكفان؟

لا بدّ أن يعرف كلّ مَنْ يهمّه هذا التساؤل مجموعة من الحقائق المعنوية الروحية التي تربط بين الإنسان ومعتقده.

أولاً: من المألوف أنّ مشاهد الدماء مقزّزة للنفس، وهي من الأشياء الغير محبّبة لمشاهدتها، فكيف يقدم الموالي المعزّي عليها ويستحسنها ويدمي نفسه؟! فالأمر هنا لا يخلو من سرّ خفي، وهو يكمن في مدى معرفة هذا الإنسان للبذل والفداء والتضحية ( والمعروف على قدر المعرفة ).

فهؤلاء عرفوا إمامهم الحسينعليه‌السلام تمام المعرفة إلى درجة اليقين؛ حيث إنّهم أيقنوا بأنّ دماءهم ليس أغلى من دم إمامهم؛ لذلك هم يرخصون كلّ شيء في سبيله كما هو أرخص كلّ شيء لهم، وقدّم حتّى طفله الرضيع المذبوح من الوريد إلى الوريد؛ فداء للحفاظ على الدين، وشرف وكرامة الاُمّة.

ثانياً: إنّ من الحقائق المبدئيّة الروحية التي ينصّ عليها العرفانيّون في كتبهم العرفانية شيء اسمه ( وله العشق )، والذين يهرقون دماءهم بهذه الصورة العفوية هؤلاء وصلوا إلى رتبة أنّهم عشقوا مولاهم الحسين (أرواحنا فداه)، وما هذه الدماء الشريفة التي تجري من رؤوس الموالين إلاّ تنمّ عن المستوى الراقي الذي وصلوا إليه في حبّ الحسين وتضحيته الدامية، جعلنا الله وإيّاكم أن نكون من عشّاق الحسينعليه‌السلام .

١٥

ثالثاً: حمرة الدم في المواكب العزائيّة الحسينيّة ترمز إلى حمرة دماء سيد الشهداءعليه‌السلام ، ودماء الصفوة البررة الذين استشهدوا معه من أهل بيته وأنصاره في ساحة الطفّ والفداء.

وأمّا هزّ السيف بتلك القبضات الحسينيّة فإنّها ترمز للقوّة، وأنّ الحسينعليه‌السلام يمثل القوّة في حياته وفي مماته؛ من هنا يتبيّن أنّ المنتصر الحقيقي في المعركة ليس يزيد بن معاوية، وإنّما المنتصر هو حسين الخلود، وحسين البقاء.

ظنّوا بأنّ قتل الحسينَ يزيدُهمْ

لكنّما قتل الحسينُ يزيدا

فإذا قبض المعزّون السيوف وهزّوها وقاموا قائمين على سيوفهم فإنّهم يتقلّدون الشجاعة والتضحية والفداء، ويرتقبون ذلك اليوم الذي يأذن الله لوليه صاحب العصر والزمان المهدي الموعود (عجّل الله تعالى فرجه، وأرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يقوم بالسيف، ويأخذ بثأر جدّه الحسينعليه‌السلام ، ويرفع شعار(يا لثارات الحسين).

فالمعزّون الشيعة عندما يلبسون اللباس الأبيض على هيئة الكفن ويتقلّدون بالسيوف، هو تعبير يرمز إلى أنّهم قد جنّدوا أنفسهم لذلك اليوم المعهود. لا سيما أنّ هناك رواية منصوصة تقول: إنّ الإمام الحجّةعليه‌السلام يخرج يوم العاشر من المحرّم الحرام في يوم الجمعة.

نعم أقول: إنّ الشيعة ليس بمجانين، ولا بخارجين عن الملّة، ولا بأصحاب بدع وضلال كما تقوّلت عليهم الأقاويل الشاذة والمغرضة، وإنّما الشيعة هم أمّة موحّدة تحمل رسالة مقدّسة، وهي رسالة الإسلام، وتعظيم شعائر الله تعالى تحت إطار القيم المبدئية والشرعية في الدين الحنيف.

١٦

سادساً: القصائد الرثائيّة الحسينيّة

من خلال تتبعنا وملاحظاتنا لمسيرة بعض المواكب التي تخرج يوم عاشوراء في المنامة وغيرها من المناطق في البحرين، نلاحظ أن أكبر شيء محرّك للعزاء هي القصيدة، فإذا كانت القصائد ذات كلمات مفهومة أدبية بلاغية قوية هادفة فإنّ الجماهير تتأثر بها، بل في غالب الأحيان تردّدها وتحفظها وتصبح اُنشودة على كلّ لسان.

فالقصيدة الرثائيّة هي قطب الرحى المحرّك للمواكب العزائيّة، فلنهتم يا أحباب الحسينعليه‌السلام بنظم القصائد الولائيّة الهادفة التي تمثّل عصب الرثاء، ونهتم بالموروث الأدبي الحسيني.

ولدينا من أدب الطفّ الكثير من المخزون التراثي من أدباء ماضين ولاحقين معاصرين، وهناك من دواوين حسينيّة فيها من القصائد الرائعة في التصوير والتشبيه ما هو مستفيض كالبحر المتلاطم.

أيضاً هناك من الرواديد المبدعين الذي هو يختار نمط القصيدة له من وزن وقافية؛ فيقولب المستهل، ويبحث عن أدباء وشعراء ويطلب منهم أن ينظموا له وزناً استعراضياً رائعاً بحسب ما هو يريد ويرغب ويتكيف معه أثناء الأداء.

وهذا الإبداع جميل ومستحسن، ويسهم إسهاماً كبيراً في انماء استقامة الموكب العزائي، ويضفي على العزاء روح الإقبال والمشاركة من الجميع ( ورحم الله مَنْ عمل عملاً فأتقنه ).

١٧

سابعاً: تمثيل الشبيه وتصوير الحدث

إنّ هذا اللون الاستعراضي الرائع يصوّر لنا قافلة الرسالة والاستشهاد، ويجسّد لنا حركة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام منذ أن خرج من وطن جدّه الحجاز مهاجراً إلى أرض العراق وحتّى أن استشهد وأحرقوا خيامه بالنار؛ حيث تشاهد في الشبيه مشاهد للخيول، ومشاهد اُخرى للجمال محمّلة عليها الهوادج، وتشاهد أمامك ساحة من الساحات خُصّصت لنصب الخيام، وبعد ظهيرة يوم العاشر تُحرق بالنار، وترى فيها أطفال ونساء وهنّ يصرخن ويتفاررن في البيداء.

هذه المشاهد بلا شك تجعل المشاهدين الذين يشاهدون العزاء في صورة الحدث التأريخي المأساوي المحزن، ولما جرى على أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قتل وتمثيل وتنكيل، وسلب ونهب، وسبي وحرق للخيام، فدعونا لا نغفل عن القيام بتشبيه هذا الدور المؤثر الذي لا أعتقد أنّ هناك في الوجود إنسان ذو قلب رحيم يراه ولا يتأثر بمشاهدته له.

وحول التفصيل عن دور الشبيه المؤثر في العزاء الحسيني راجع كتابنا الآخر (الحسين سفينة نجاة العالمين).

١٨

ثامناً: الرايات والأعلام العزائيّة الملوّنة

كلّ فاتح وثائر في هذه الحياة تُعقد له راية باسمه، والحسينعليه‌السلام أبو الثوار وقائد الأحرار، وهو عظيم العظماء، ورايته الحسينيّة المظفّرة تفوق كلّ راية العظماء والفاتحين؛ إنّها راية العزّة والكرامة والحرية، وهي راية الحمد التي حملها جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزواته، وحملها أبوه أمير المؤمنينعليه‌السلام في حروبه، ولمّا دنت منه الوفاة سلّمها إلى الحسن المجتبىعليه‌السلام ، ثمّ لمّا دنت وفاته سلّمها لأخيه الحسينعليه‌السلام وهكذا.

هذه الراية المقدّسة تدرّجت في مدارج التناول من يد إمام معصوم ليد إمام آخر، إلى أن تسلّمها الإمام الثاني عشر الحجّة المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وسوف يأتي بها في ظهوره وينشرها، وقد كانت خضراء، لكنّهعليه‌السلام يستبدلها باللون الأحمر؛ لأنّ راية جدّه الحسينعليه‌السلام امتزجت بالألوان الثلاثة، باللون الأسود وهو لون الحداد والحزن والجزع.

وبهذا اللون الكاتم سخّر الله تعالى لوليه الحسينعليه‌السلام شيعة تحيي ذكرى مصابه بالتوارث جيل بعد جيل، وهم قابضون بأيديهم الأعلام السوداء، مكتوب عليها:(يا مظلوم يا حسين) ، ويلوّحونها في مسيرات المواكب العزائيّة.

واللون الثاني هو اللون الأحمر، وهو لون الدم والشهادة الدامية، وقد تراءت هذه الحمرة في كبد السماء حين قُتل الحسينعليه‌السلام في يوم العاشر من المحرّم سنة ٦١ هـ.

واللون الثالث هو اللون الأخضر، هذا اللون الذي جرح قلب العقيلة زينبعليه‌السلام حينما جاءت من بعد مصرع أخيها، فرأت جسد حجّة الله ملقى على الأرض وقد صهرته الشمس بحرارتها، وغيّرت لونه ومحاسنه وقلبته إلى الاخضرار.

وأمام هذا المشهد تحيّرت بطلة كربلاء، وأخذت تحلّق بنظراتها إلى جثث القتلى إلى أن وقع بصرها على جثة الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّه - بأبي هو واُمّي - قد تغيّر جسده الطاهر عليها. فنحن الشيعة عندما نحمل هذه الرايات الثلاث الملوّنة ونلوّح بها في مسيرات العزاء ليس اعتباطاً، إنّما هي ترمز لهدف مبدئي مقدّس.

١٩

تاسعاً: اللوحات الفنّية للرسّامين والخطّاطين

إنّ في هذا المظهر الحيوي الهام إبداعات جميلة يتعشّقها كلّ هواة الفن؛ لِما يشبع نهمهم ويروي ظمأهم من مناظر فنّية لا يتذوّقها إلاّ صاحب الذوق الرفيع، ومَنْ له اهتمام بالموروث الديني والثقافي، والاجتماعي والروحي والحضاري.

وهنا لا بدّ لنا من وقفة مع ريشة الفنان الرسّام الحسيني الذي يُبدع في تصوير حادثة الطفّ، ويرسم لنا تلك اللوحات المأساوية، ونحن لا نراها إلاّ جاهزة ومعلّقة على حيطان المآتم، وفي الطرقات، وأثناء انطلاقة المواكب العزائيّة.

وكذلك الأمر لذلك الجندي المجهول الذي يعمل دائماً من تحت الستار، وهو ذلك الخطّاط حينما يخطّ بقلمه الشعارات الحسينيّة وغيرها من أقوال المعصومينعليهم‌السلام في مختلف مناسباتهم، وهو يحاول إبراز دقّة فنّه؛ لكي يظهر بالمظهر الذي يتماشى مع حجم الحدث العاشورائي وغيره من المناسبات العظيمة.

٢٠