علوم القرآن

علوم القرآن0%

علوم القرآن مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 531

علوم القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الحكيم
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 531
المشاهدات: 207097
تحميل: 18720

توضيحات:

علوم القرآن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207097 / تحميل: 18720
الحجم الحجم الحجم
علوم القرآن

علوم القرآن

مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ما أحدٌ ابتدع بدعةً إلاّ ترك بها سنّة)) (1) .

الرابع: القرآن تحدّث عن كلِّ عصرٍ وزمان:

إنّ القرآن الكريم حيٌّ لا يموت، تجري أحكامه وأمثاله ومفاهيمه في جميع الأزمان والعصور؛ فهو وإن كان قد نزل في عصرٍ معيّنٍ، وعالج قضايا وأحداثاً خاصّةً، وتحدّث عن أشخاصٍ معيّنين ماضين أو معاصرين في القصص، أو أحداث نزول الرسالة وتطوّرها ممّا يرتبط بأسباب النزول، وبنى قاعدةً بشريّةً قويّةً من خلال هذه المعالجة تحمّلت أعباء الرسالة الإسلامية - كما أشرنا سابقاً - إلاّ أنّ القرآن - مع ذلك كلِّه - هو الكتاب الإلهي للرسالة الخاتمة، والمعجزة الخالدة للإسلام ونبيه الكريم، يتحدّث إلى جميع الناس في مختلف العصور والأزمان.

وفي هذا المجال توجد نظرةٌ شموليّةٌ يتميّز بها أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّه بالرّغم من أنّ أكثر علماء الإسلام ذهبوا إلى مبدأ: (إنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب) ومن ثمَّ فهم يرون أنّ خصوص السبب لا يتقيّد بخصوص الأحداث والوقائع التي تحدّث عنها أو نزل فيها؛ لأنّ جميع هذه القضايا إنّما جاء بها القرآن الكريم للعِبرة والهداية والموعظة، كما دلّت على ذلك الآيات الكريمة:

( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (2) .

( هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) (3) .

( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ) (4) .

________________________

(1) الكافي 1: 58 الحديث 19 راجع أيضاً الحديث 1 و 2 و 3.

(2) يوسف: 111.

(3) آل عمران: 138.

(4) الإسراء: 89.

٣٢١

حيث نلاحظ أنّ القرآن الكريم ضرب الأمثال وتحدّث عن الأحداث والوقائع بروح التربية والتزكية والهداية؛ فكما أنّ هذا المثل له مصاديقه في عصر النزول، فهو له مصاديق (يؤول) إليها في العصور الأُخرى.

وكما أنّ قصّة نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء، تمثّل حقائق عاصرها الأنبياء، ولم يذكرها القرآن الكريم لمجرّد التسلية أو تسجيل حوادث التاريخ وتوثيقها؛ بل لأنّها تمثّل أيضاً حقائق وقعت في عصر نزول القرآن، فكذلك هي - في نظر أهل البيت (عليهم السلام) - تمثّل حقائق متشابِهة ومطابقة لها في العصور والأزمنة الأُخرى التي تلت عصر الرسالة الإسلامية، وفي كلِّ عصرٍ وزمان.

وهكذا الحال في الأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية والسُّنن التاريخية والحقائق الكونيّة كلّها تتحدّث عن مصاديق ونظائر ومفردات وتطبيقات لعصر الرسالة، بل ولكلِّ عصرٍ وزمان.

ونحن هنا لا نريد أن نفصّل في الاستدلال على صحّة هذه (الرؤية) فإنّ لذلك مجالاً آخر، وإنّما نريد هنا أن نذكر الجانب (التصوّري) لهذه (النظرية) من خلال ما ذكره أهل البيت (عليهم السلام).

ولعلّ هذا المَعْلَم يمثِّل أحد أهمّ المعالم التي تتميّز بها (رؤية) أهل البيت لتفسير القرآن الكريم بشكلٍ واضحٍ وأساسي عن بقيّة النظريات في المذاهب الإسلامية.

نظريّة أهل البيت (عليهم السلام) في فهم القرآن الكريم:

لقد تناول هذا الموضوع عددٌ كبيرٌ من الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، كما ورد بعضها عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وذُكرت في كتب علماء أهل السنّة، الأمر الذي يؤكِّد أهميّة الموضوع ودقته.

٣٢٢

كما أنّنا نلاحظ أيضاً في هذه الروايات أنّها متفاوتةٌ في مضامينها، بحيث قد تبدو أحياناً وكأنّها متناقضةٌ أو متضاربة أو مختلفة، وفي نفس الوقت اختلفت آراء العلماء في تفسيرها والأخذ منها حتّى تباينت واضطربت.

وقد تركَّز البحث فيها حول موضوعين رئيسين:

أحدهما: بحث (المُحْكَم والمُتشابِه) والتفسير والتأويل الذي دار حول الآية السابعة من سورة آل عمران، وهي قوله تعالى:

( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) (1) .

والآخر: بحث (التفسير بالرأي) الذي ورد النهي عنه في أحاديث مسلّمة عند المسلمين، وجاء فيها الوصف بالكفر لمن صنع ذلك في القرآن الكريم؛ حيث وقع الخلاف في تحديد معنى (الرأي) هذا.

ولعلّ من أفضل الأبحاث استيعاباً وتحليلاً واختصاراً وفائدةً، هو ما ذكره العلاّمة الطباطبائي (قُدِّس سرّه) في كتابه: (الميزان في تفسير القرآن) والذي استنبط فيه النظرية القرآنية التي تبنّاها أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال، واستند فيها إلى الآيات الشريفة والسنّة النبويّة المرويّة عن النبي وأهل بيته الكرام (2) .

ومن أجل أن تتّضح صورة هذا المَعْلَم من التفسير، نُشير إلى مجموعةٍ من الروايات والنصوص التي تدلّ أو تُشير إلى وجود مستويين من تفسير القرآن والأخذ منه:

الأوّل:

تفسير القرآن على مستوى الظاهر أو المُحْكَم أو التنزيل... حسب ما

________________________

(1) آل عمران: 7.

(2) راجع الميزان 3: 19 - 87 لمعرفة تفصيل حديثه.

٣٢٣

ورد في التعبير عنه في هذه النصوص.

الثاني:

التفسير على مستوى الباطن أو المُتشابِه أو التأويل...

حيث يبدو من هذه النصوص وغيرها أنّ المستوى الأوّل من التفسير يمكن تناوله لعامّة الناس، بعد الإحاطة الكاملة بالقرآن الكريم ومفاهيمه وآياته.

وأمّا المستوى الآخر من التفسير فهو ممّا اختصّ به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام.

وهذا المستوى (الكامل) يمكن أن نراه في أحد الخطوط التالية التي أشارت إليها الروايات والأحاديث من هذه الطائفة:

أ - المعلومات القرآنية التي تجري مجرى المعلومات الغيبية في مستقبل الأحداث التي تمرّ بالإنسان والحياة، والتي يمكن استنباطها من القرآن الكريم.

ب - المعلومات المرتبطة بتفاصيل الشريعة الإسلامية ذات العلاقة بالموضوعات الشرعيّة التي تناولها القرآن الكريم، أو التي لها علاقة بالأُمور المستجدّة والمستحدثة في الحياة الإسلامية، والتي تعلّمها الإمام علي (عليه السلام) وأولاده الأئمّة المعصومون من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ج - التطبيق الدقيق للمفاهيم والسّنن والأحداث التي أشار إليها القرآن الكريم والتشخيص الكامل للمصاديق والمفردات الخارجية لها، والتي (تؤول) إليها الأوضاع الاجتماعية والسياسية في حركة المجتمع الإسلامي في مختلف العصور والأزمنة.

د - التمثيل والتشبيه للمضامين القرآنية والأمثال والمفردات التي وردت في القرآن الكريم، نظير الأمثلة التي ضربها القرآن الكريم مفهوميّاً، أو من خلال الإشارة لأحداث سابقةٍ بشكلٍ ينطبق على أحداث الرسالة، حيث قام الأئمّة - أيضاً - بضرب هذه الأمثلة من خلال النصوص القرآنية وتطبيقها على أحداث كانت في عصر الرسالة أو بعدها، فإنّ علم هذا النوع من التفسير مختصٌّ بالنبي

٣٢٤

والأئمّة من أهل بيته (عليهم الصلاة والسلام).

وهنا نشير إلى مجموعةٍ من الروايات ذات العلاقة بهذه الطائفة من الأخبار:

1 - روى محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات بسندٍ مُعْتَبرٍ عن فضيل بن يسار، قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية: ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن، قال:

(ظهره وبطنه تأويله، ومنه ما قد مضى ومنه ما لم يكن، يجري كما تجري الشمس والقمر كلّما جاء تأويل شيءٍ يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله:

( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (1) نحن نعلمه) (2) .

2 - روى الصفّار أيضاً في بصائر الدرجات بسندٍ مُعْتَبر ٍ(3) عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

(إنّ للقرآن تأويلاً، فمنه ما قد جاء، ومنه ما لم يجئ، فإذا وقع التأويل في زمان إمامٍ من الأئمّة عرفه إمام ذلك الزمان) (4) .

3 - عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) قال:

(تفسير القرآن على سبعة أوجه، منه ما كان، ومنه ما لم يكن بعد، تعرفه الأئمّة - عليهم السلام - ) (5) .

4 - روى الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ظهر القرآن وبطنه، فقال:

(ظهره الذين نزل فيهم القرآن، وبطنه الذين عملوا بأعمالهم، يجري فيهم ما نزل في أُولئك) (6) .

________________________

(1) آل عمران: 7.

(2) وسائل الشيعة 18: 145 الحديث 49.

(3) اعتبار السند؛ لأنّ المرزبان بن عمر روى عنه صفوان بن يحيى فيكون معتمَداً؛ لأنّ صفوان من الثلاثة التي أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنهم، كما ذكر الشيخ الطوسي في العدّة وهم: محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر وصفوان بن يحيى.

(4) وسائل الشيعة 18: 145 الحديث 47.

(5) المصدر السابق: 145 الحديث 50.

(6) بحار الأنوار 92: 83 الحديث 14.

٣٢٥

ملاحظات واستنتاجات عامّة:

وفي ختام هذا الحديث يحسن بنا أن نسجِّل بعض الملاحظات العامّة والاستنتاجات حول مجموع ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) بشأن تفسير القرآن:

الملاحظة الأُولى: توثيق الروايات سنداً ومضموناً:

إن هذه الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) تحتاج إلى بحثٍ علميٍّ دقيق، طبقاً للضوابط والأُصول المحقّقه في علم الحديث.

ذلك أنّ حديث أهل البيت، قد تعرّض إلى مجموعةٍ من المشاكل الأساسيّة والمهمّة التي ألقت بثقلها على هذه الروايات، باعتبار أهميّة القرآن الكريم من ناحية، والارتباط الوثيق بينه وبين أهل البيت من ناحيةٍ ثانية، وتعرّض القرآن إلى التفسير بالرأي؛ لتحقيق أغراض سياسيّةٍ أو ذاتيّة، أو لمجرّد ضعف التقوى والإيمان والتساهل في الدين، أو لأيّ سببٍ آخر من الأسباب التي أشرنا إليها سابقاً من ناحيةٍ ثالثة.

ثمّ تصدّى أهلُ البيت باعتبار شعورهم بالمسؤوليّة تجاه الإسلام والأُمّة الإسلامية لكلِّ هذه القضايا، وما تعرّضت له الأُمّة الإسلامية من مشكلاتٍ ثقافيةٍ أو عقائديةٍ أو سياسية.

ويمكن أن نلخِّص أهمَّ هذه المشكلات التي تعرّض لها حديث أهل البيت (عليهم السلام) بالأُمور التالية:

1 - الدسّ والوضع والتزوير في حديثهم، حيث تعرّض حديثهم لذلك في زمن الأئمّة فضلاً عن العصور المتأخّرة عنهم.

ويمكن أن نلاحظ هذه الظاهرة بوضوحٍ من خلال مراجعة ترجمة بعض الأشخاص في كتب الرجال، ولعلّ من أطرف الروايات في هذا المجال ما رواه الكشي عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، قال ابن عبيد:

(إنّ بعض أصحابنا سأل يونس بن عبد الرحمن

٣٢٦

وأنا حاضر، فقال له يا أبا محمّد ما أشدّك في الحديث، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟! فقال: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله (الصادق) - عليه السلام - يقول:

(لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد - لعنه الله - دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقولوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا محمّد - صلّى الله عليه وآله) فإنّا إذا حدّثنا قلنا: قال الله عزّ وجلّ وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (1) .

(قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفرٍ (الباقر) - عليه السلام - ووجدت أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال لي:

(إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام)، لعن الله أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب، يدسّون في هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أبي عبد الله (عليه السلام)، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة... ) ) (2) .

2 - الغلو والتطرّف في حب أهل البيت (عليهم السلام) والاعتقاد بهم؛ حيث كان لهذه الحركة السياسية والعقائدية أسبابها وظروفها المختلفة السياسية والاجتماعية والنفسيّة والثقافية، وانعكست على الأخبار في فهمها أو تزويرها وتحريفها.

وكتب رجال الحديث فيها عدداً من تراجم من كان يُرمى بالغلو، أو ممّن طردهم أئمّة أهل البيت من حوزتهم ومصاحبتهم وأعلنوا البراءة منهم.

3 - الانحرافات والانشقاقات التي كانت تحصل في جماعة أتباع أهل البيت.

________________________

(1) بحار الأنوار 2: 249.

(2) رجال الكشي: 146.

٣٢٧

بسبب الظروف السياسية أو الأخلاقية والاجتماعية، كما حصل في ظهور الزيديّة والإسماعيليّة والواقفيّة وغيرهم، حيث استمرت هذه الظاهرة إلى زمن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وبعده.

4 - ظروف الاضطهاد والمطاردة والسريّة في العمل والحركة، الأمر الذي كان سبباً مهمّاً لاختفاء البيانات الواقعيّة أو للدس والتزوير تحت شعار (التقيّة) (1) حيث استغلّ أعداء أهل البيت أو الفاسدون من الأشخاص الذين يتظاهرون بالارتباط بهم هذه الظروف؛ لتمرير الكثير من الأحاديث أو تشويهها وتزويرها.

5 - التعصّب والنصب والعداء وعملات كتمان الحقائق أو التشويه وإلصاق التهم الباطلة ونشر الإشاعات، حيث كان كل ذلك سبباً لنشر الكثير من الأحاديث ووضعها وتضليل البسطاء من المسلمين بها، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ هذا العداء والتعصّب كان سبباً لكتمان الكثير من أسباب النزول المرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام).

6 - عدم الدقّة في النقل، أو سوء الفهم في التلقّي والأخذ عن الأئمّة، ولذلك نجدهم (عليهم السلام) يؤكّدون الضبط وأهمّيّته من ناحية، وأنّ في أحاديثهم المُحْكَم والمُتشابِه من ناحيةٍ أُخرى، كما سوف نوضِّح ذلك.

7 - الجمود على نصوص الألفاظ وفصل بعضها عن بعض.

8 - ضياع الكثير من القرائن الحاليّة والمقاليّة التي كانت تقترن بالروايات والأحاديث وتوضّح المقصود منها (2) .

________________________

(1) بحثنا موضوع التقيّة في كتابنا: (الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين) وبحث التقيّة في نظر الشيخ المفيد.

حيث وضع أهل البيت ضوابط لتمييز موارد التقيّة عن غيرها.

(2) للمزيد من الاطّلاع والوضوح راجع بحث سيّدنا الأستاذ الشهيد (قُدِّس سرّه) في بحوث علم الأُصول، تقريرات آية الله

السيّد محمود الهاشمي 7 : 28... وكذلك كتب الرجال مثل كتاب: الخلاصة، للعلاّمة الحلّي، قسم الضعفاء.

٣٢٨

إنّ هذه الطوائف والأخبار يجب أن تخضع للبحث والتمحيص والغربلة العلميّة سواء على مستوى السند أم المضمون والدراية، وكذلك إلى المقارنة بين بعضها وبعضها الآخر لمعرفة المُحْكَم من المتشابِه منها، والعام من الخاص، والمطلق من المقيّد، والراجح من المرجوح، إلى غير ذلك من الموازين العلميّة.

وهنا لا بُدّ أن نشير إلى أنّه لا يوجد في (مدرسة أهل البيت) (عليهم السلام) (حديث) لا يقبل الدرس والمناقشة والتمحيص إلاّ النادر من الأحاديث المتواترة، ولذلك فهم يخضعون كلّ هذه الأحاديث وغيرها مهما كانت الكتب التي دوّنتها، أو الرجال الذين رووها إلى الدرس والتمحيص.

نعم يوجد اتجاهٌ بين العلماء من الإخباريين من يحاول أن يضفي صفة الاعتبار والصحّة على جميع ما في الكتب الأربعة المعروفة، وهي الكافي للشيخ الكليني، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي، ولكن الاتجاه العام والسائد عند علماء مدرسة أهل البيت لا يقبل مثل ذلك (1) .

ومن هذا المنطلق نجد سيّدنا الأستاذ الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه) يرفض الأخبار التي تقول بأنّ فهم القرآن مختصٌّ بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن يسلم دلالتها؛ لأنّها مخالفةٌ للقرآن الكريم والسنّة النبويّة القطعيّة؛ ولأنّ رواتها ضعفاء متّهمون بالغلو (2) .

ولكنّ العلاّمة الطباطبائي - كما عرفنا - يحاول أن يؤوّل هذه الأخبار، بأنّها بصدد بيان أنّ (الأئمّة) لهم دور التعليم والدلالة إلى طريق التفسير، لا أنّ القرآن لا يفهمه إلاّ الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنّنا يمكن أن نحمل هذه الروايات على أنّهم (عليهم السلام) مختصّون بمستوىً خاصٍّ من التفسير.

الملاحظة الثانية: التفسير مفهومٌ واسع:

إنّ التفسير في نظر أهل البيت له مفهومٌ واسعٌ يشمل فهم الظهور القرآني، كما

________________________

(1) راجع معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي 1: 22 - 36.

(2) بحوث في علم الأُصول 4: 284.

٣٢٩

يشمل معرفة المصاديق والأمثلة والتفاصيل المرتبطة بالقرآن الكريم، سواء كانت في قصص الأنبياء أم الأمثال المضروبة أم الأحكام التفصيليّة للشريعة، أم الأحداث التي اقترنت بنزول القرآن الكريم، أم التطبيقات التي يمكن أن تتحقّق في مستقبل الأيّام، كما أوضحنا ذلك قبل الحديث عن الملاحظات.

وهذا الفهم للتفسير يعتمد على عدّة منطلقات - أشرنا إليها سابقاً - مثل تعرّض القرآن وبيانه لكلِّ شيء (1) ، وكذلك ثبوت تفسير النبي (صلّى الله عليه وآله) للقرآن الكريم بهذا الشكل الواسع وتعليمه للإمام علي (عليه السلام) بشكلٍ خاص (2) ، أو ارتباط بقاء القرآن الكريم حيّاً ونوراً هادياً على مرّ العصور والأجيال بهذا الفهم الواسع للتفسير (3) .

وهذا الفهم لشموليّة التفسير لا ينافي - أيضاً - ما عرفناه في بعض الأخبار والنصوص من هداية القرآن، وأنّه مبيّن وبيان وهداية ورحمة، وقد حثّ أئمّةُ أهل البيت على الأخذ به والرجوع إليه والعرض عليه، فإنّ ذلك لا شكّ أمرٌ قائم وموجود في القرآن، حيث يمكن للناس في كلّ عصرٍ وزمانٍ أن يفهموا ظاهره ومحكمه، ويتعرّفوا على مصاديقه بالمقدار الذي آتاهم الله من العلم والفهم وما اكتسبوه من التعلّم واتّصفوا به من الطهارة، ولا يجب أن يعرف كلّ واحدٍ من الناس جميع الأبعاد والوجوه الأُخرى.

خصوصاً إذا عرفنا أنّه لا يوجد أيّ منافاةٍ بين الظاهر والباطن أو المُحْكَم والمتشابِه، أو التنزيل والتأويل، بل كلّ واحدٍ من الظاهر والمُحْكَم والتنزيل يدل على الباطن والمتشابه والتأويل بنحوٍ من الدلالة، غاية الأمر أنّ بعض هذه الدلالة لا يعلمها إلاّ الله تعالى والراسخون في العلم بعد أن علّمهم الله تعالى إيّاها، أو بما

________________________

(1) الأنعام: 38، ويوسف: 111، والإسراء: 12، والنحل: 89، وغيرها.

(2) راجع فصل مرجعيّة أهل البيت في هذا البحث.

(3) راجع الروايات التي ذكرناها سابقاً عند التعرّض لنظريّة أهل البيت في التفسير.

٣٣٠

وفّقهم إليه من الطهارة والنقاوة والمعرفة.

وشأن ذلك شأن الحوادث المستجدّة أو المكتشفات العلميّة الحديثة أو الموضوعات الشرعيّة الجديدة الحادثة التي يمكن أن نفهم مضمونها والإشارة إليها أو إلى حكمها من القرآن الكريم مع أنّها لم تكن معلومةً سابقاً، وكانت بالنسبة لإنسان عصر النزول من عوالم الغيب وعرفها اللاّحقون فكانت من عالم الشهود، فمعرفة كلّ ذلك يمثّل تفسيراً للقرآن الكريم كان يعلمه أهل البيت (عليهم السلام).

أو شأن ذلك شأن تأويل الأحاديث الذي أشار إليه القرآن الكريم في قصّة يوسف (عليه السلام)، حيث أمكن ليوسف أن يفهم من الرؤيا التي رآها الملك هذا المعنى الخاص الذي يمثّل باطناً للصورة الظاهرية التي انعكست في ذهنه عند الرؤيا، فالبقرات العجاف والسنابل اليابسة هي سنين القحط، والبقرات السمان والسنابل الخضراء هي سنين الرخاء، وكذلك الرؤيا التي رآها السجينان في السجن ومداليلها الباطنية.

الملاحظة الثالثة: التأويل في نظر القرآن وأهل البيت (عليهم السلام):

إنّ أهل البيت (عليهم السلام) ركّزوا بشكلٍ واضحٍ في هذه الروايات - على اختلافها - على قضيّة التأويل والظاهر والباطن، وهذا الموضوع ممّا أجمع المسلمون على صحّته ونسبته للقرآن الكريم وإن اختلفوا في تحديد مفهومه.

ومن أجل أن تتّضح الفكرة الأساسية في نظريّة أهل البيت بشكلٍ أفضل، بحيث تنسجم مع ما ورد في القرآن الكريم من نصوص من ناحية، ومع المضمون الإجمالي للروايات السابقة من ناحيةٍ أُخرى، يحسن بنا أن نقف عند كلمة (التأويل) بعض الشيء، ويمكن من خلالها أن نفهم الباطن والمتشابِه أيضاً إضافةً إلى التوضيحات التي قدّمها العلاّمة الطباطبائي في بحثه السابق (1) .

________________________

(1) راجع الميزان 3: 80 - 87.

٣٣١

لقد اختلف علماء الإسلام والقرآن بشكلٍ خاص، حول تحديد المقصود من كلمة التأويل، خصوصاً المعنى المصطلح لها، ونحن هنا لا نريد أن نعالج الجانب الاصطلاحي ولا حتّى الجانب اللُّغوي المفهومي لها، إذ يمكن معرفة ذلك من خلال بحثنا السابق في التفسير والتأويل.

وإنّما نريد أن نعالج هنا مدلول الكلمة قرآنيّاً على مستوى (تفسير المعنى) وتشخيص المصداق، من خلال مراجعة الآيات الشريفة التي وردت في القرآن الكريم وسياقها.

وفي هذا المجال يمكن أن نرى أمامنا إرادة المصاديق التالية من القرآن الكريم:

1 - في سورة يوسف الآيات (6 و 21 و 36 و 37 و 44 و 45 و 100 و 101) حيث يبدو منها أنّها وردت في بيان تفسير وتأويل الأحلام والرؤى في المنام، بمعنى بيان مصاديقها وتجسيداتها الخارجية.

2 - في سورة الكهف الآيتان (78 و 82) حيث يُراد بالتأويل منهما بيان سلامة وصحّة سلوك (العبد الذي آتاه الله من لدنه علماً) وانسجامه مع الحق والعدل والمصلحة، مع أنّه كان يبدو بحسب الظاهر الذي كان يراه موسى (عليه السلام) (1) أنّه غير منسجمٍ مع الشرع والمصلحة العقلائية، ولذا أثار استغرابه وتعجّبه وتساؤله.

3 - في سورة يونس الآية (39) جاء التأويل فيها بمعنى تحقّق ما ذكره القرآن الكريم من تصديق الرسالات السابقة وتفاصيل الشريعة والرسالة، وما يمكن أن يتحقّق في مسيراتها بعد ذلك من أحداث.

4 - في سورة الأعراف الآية (53) جاء التأويل فيها بمعنى تحقّق ما أخبر به الكتاب أو القرآن الكريم بما يقع يوم القيامة من العذاب والثواب ومصائر الناس.

________________________

(1) لم يصرّح القرآن أنّ موسى هو النبي موسى (عليه السلام)، ولكنّ المفسّرين يستظهرون ذلك إذ لم يأت في القرآن ذكرٌ لموسى آخر غير النبي، مع أنّه تحدّث كثيراً عن موسى النبي.

٣٣٢

حيث يصدّق الإنسان ما جاءت به الرسل عن الله تعالى من حقائق هذا اليوم.

5 - في سورة آل عمران الآية (7) جاء التأويل فيها بمعنى الأخذ بالمتشابِه بتطبيقه على أحد مصاديقه التي تؤدّي إلى الفتنة والزيغ، بدون الرجوع إلى المُحْكَم من القرآن لتشخيص المصداق الصحيح.

6 - في سورة النساء الآية (59) جاء التأويل فيها بمعنى بيان الموضوع أو تشخيص نوع الحكم الشرعي عند الاختلاف فيه.

7 - في سورة الإسراء الآية (35) جاء التأويل فيها بمعنى الالتزام بالضوابط والموازين في تشخيص الحقائق ومعرفة المقادير.

وإذا أردنا أن نجمع بين مصاديق هذه الموارد، نرى بوضوحٍ أنّ التأويل هو بيان الحقيقة والواقع الذي يغيب عن نظر الإنسان عادةً، كالأُمور الغيبية أو الدقيقة التي قد يحصل الاختلاف فيها، وإن كان هناك ما يدل عليها ويومئ إليها مثل الرؤى والصور في المنام، أو الإخبارات الغيبيّة بواسطة الوحي الإلهي، أو الأفعال الصادرة عن أهل العلم والحكمة والدين، أو الموازين والضوابط الشرعيّة، كالرجوع إلى مصدر الشريعة والمرجع فيها، أو الموازين العقلائية كاستخدام الكيل أو الوزن لمعرفة المقادير.

ويؤكّد هذا الفهم لمعنى التأويل الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، حيث تشير أيضاً إلى أنّ التأويل في الغالب هو تطبيق مفاهيم القرآن على المصاديق المستقبلية، كما يفهم ذلك من رواية الفضيل بن يسار المعتبرة، ورواية المرزبان عن إسحاق بن عمار المعتبرة أيضاً، ورواية زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) والتي مرت الإشارة إليها.

أو يكون التأويل هو اتّباع الضوابط في تشخيص موارد الاختلاف والوجوه المتعدّدة، مثل: رواية العيّاشي عن عبد الرحمن السلمي: (أنّ عليّاً مرّ على قاضٍ

٣٣٣

فقال له: (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، تأويل كلّ حرفٍ من القرآن على وجوه)) (1) .

أو رواية النعماني في تفسيره عن إسماعيل بن جابر في قول الصادق (عليه السلام):

(ذلك بأنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنون أنّه الناسخ، واحتجّوا بالخاص وهم يقدرون أنّه العام، واحتجّوا بأوّل الآية وتركوا السنّة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه... ) (2) .

وكذلك حديث أبي داود عن أنس بن مالك، عن النبي (صلّى الله عليه وآله):

(يا علي أنت تعلّم الناس تأويل القرآن ممّا لا يعلمون؛ فقال علي: على ما أُبلغ رسالتك من بعدك يا رسول الله؟

قال: تخبر الناس بما يشكل عليهم من تأويل القرآن) (3) .

إذاً فالتأويل عمليّة تطبيق وتشخيص تنسجم مع الظاهر والتنزيل والمحكم، وتعتمد على المعلومات والقواعد والضوابط العامّة أو الخاصّة التي يتلقّاها الإنسان الصالح من الله تعالى، كما في قوله تعالى:

( ... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ) (4) .

وكذلك قوله تعالى في أوّل سورة يوسف:

( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ... ) (5) .

________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 149، الحديث 65.

(2) المصدر السابق: الحديث 62.

(3) المصدر السابق: 144، الحديث 46.

(4) الكهف: 82.

(5) يوسف: 6.

٣٣٤

وقوله تعالى في وسطها:

( قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي... ) (1) .

وقوله تعالى في آخرها:

( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... ) (2) .

أو تعتمد على الضوابط والقوانين والقواعد اللُّغوية أو القرائن الحاليّة والمقاليّة أو المعلومات العلميّة أو الحسيّة أو الشرعيّة أو الطبيعة أو غير ذلك من قوانين العلم والتوثيق.

الملاحظة الرابعة: اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بهذا العلم:

انّ أهل البيت (عليهم السلام) وهم رسول الله محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) والصديقة الزهراء (عليها السلام) يختصّون من بين المسلمين بامتيازاتٍ كثيرة، أحدها هي أنّهم يعلمون تنزيل القرآن وتأويله وظاهره وباطنه ومُحْكَمه ومُتشابِهه.

ومع غض النظر عن مصدر هذا العلم (3) فإنّه لا بُدّ أن نشير في هذا المجال إلى عدّة نقاط:

الأُولى:

إنّ المراد من اختصاصهم بهذا العلم كما هو مقتضى الجمع بين هذه الروايات هو اختصاص العلم بـ (جميع) تفسير القرآن و(كل) القرآن بهذا المعنى

________________________

(1) يوسف: 37.

(2) يوسف: 101.

(3) يوجد بحثٌ كلاميٌّ وروائيٌّ في أنّ هذا العلم هل هو من باب التلقّي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ أو من باب الإلهام والإلقاء من الله تعالى؟ أو من باب العلم بالغيب الذي اطلع الله تعالى بعض عباده عليه؟ أو هو من جميع هذه المصادر؟ ولا يهمّنا الآن الدخول في هذا البحث.

٣٣٥

الواسع الذي أشرنا إليه، لا أنّ القرآن لا يفهمه غير أهل البيت (عليهم السلام)، ولذا جاء التعبير بهذا الاختصاص مقروناً - أحياناً - بكلمة (كل) و(جميع) (1) ، وجاء هذا التعبير مقروناً - أحياناً أُخرى - ببيان تفصيل أبعاد هذا العلم (2) .

وهذا المعنى لا ينافي - كما ذكرنا - أن يكون القرآن هادياً للبشريّة ولجميع الناس؛ حيث يمكن للناس أن يفهموا القرآن ويرجعوا إليه فيما يعرفونه من معانيه، وفق الضوابط والقوانين العلميّة الصحيحة.

الثانية:

إنّ أهل البيت في الكثير من هذه الروايات كانوا يحاولون معالجة الواقع الخطير الذي كان عليه بعض المفسّرين للقرآن، الذين اعتمدوا على الرأي والظنون دون الرجوع إلى الضوابط العلميّة والسنّة المرويّة والعترة الطاهرة التي جعلها النبي الأكرم مرجعاً للمسلمين والثقل الآخر الذي لا يفترق عن القرآن الكريم.

فأهل البيت أنكروا على بعض المسلمين العدول عن العلم إلى الظن، وهذا غير جائزٍ بإجماع المسلمين.

الثالثة:

إنّ من الطبيعي أن يكون أهل البيت (عليهم السلام) لهم هذا النوع من الاختصاص إذا أخذنا التفسير بمعناه الواسع الذي أشرنا إليه.

فكما صحّ أن يكون هذا النوع من الاختصاص ليوسف (عليه السلام) وهو من أنبياء بني إسرائيل، أو يكون لعبدٍ من عباد الله الصالحين آتاه الله العلم والمعرفة، يمكن أن يكون هذا الأمر للأئمّة الطاهرين وهم ورثة النبي في علمه.

وهذا النوع من المعلومات لا دليل على وجود قواعد وضوابط يمكن من خلالها الاطّلاع عليها وتعلّمها - كما يحاول أن يذهب إلى ذلك العلاّمة

________________________

(1) الكافي 1: 228، الحديث 1 و 2 وص 229، الحديث 5 وص 257، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 18: 135، الحديث 23 وص 136، الحديث 25 وص 141، الحديث 39.

٣٣٦

الطباطبائي - بل قد تكون هي من الأُمور الغيبيّة التي يكون علمها عند الله - تعالى - وهو الذي يلقيها ويعلّمها للأنبياء، أو لهم وللأوصياء والأولياء الذين يختارهم - تعالى - ويصطفيهم عندما تقتضي حكمته ذلك، أو يحجبها عنهم عند اقتضاء الحكمة ذلك.

ولعلّ هذا هو وجه الجمع بين الالتزام بالوقف على قوله تعالى:

( ... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ... ) (1) وبين قوله تعالى: ( لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ ) (2) .

فالراسخون في العلم لا يعلمون التأويل الذي هو من الغيب بل يؤمنون به ( ... ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا... ) (3) ، ولكنّهم في نفس الوقت يعلمون التأويل بتعليم الله تعالى لهم عندما يكونون من المطهّرين كما أشار إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي نفسه.

فأهل البيت (عليهم السلام) يختصّون بعلم (جميع) تفسير القرآن، وهذا الاختصاص أمرٌ طبيعي بعد أن كان هذا الجانب من العلم من الأُمور الغيبيّة التي علّمهم الله - تعالى - إيّاها.

كما أنّهم في نفس الوقت يشاركون الناس، بل أهل المعرفة بالعلم بظواهر القرآن الكريم، بل هم أحد الضوابط والموازين المهمّة في هذه المعرفة العامّة للناس.

وبهذا يمكن - أيضاً - أن نجمع بين روايات اختصاص تفسير القرآن بأهل البيت (عليهم السلام) وما ورد من الآيات والروايات التي تدلّ على أنّ القرآن ميسّر الفهم لجميع الناس؛ حيث يكون القرآن ميسّر الفهم طبقاً للضوابط العامّة للُّغة التي يمكن للعلماء أن يعرفوها، ولكن في الوقت نفسه يكون هناك جانب من الاختصاص يرتبط بتطبيق مفاهيم القرآن على الأُمور الغيبية وتفاصيل الشريعة وغيرها، كما أشار إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي، فلا نحتاج إلى ردّ هذه الروايات بسبب مخالفتها للقرآن كما قد يُفهم ذلك من الشهيد الصدر في بحوثه الأُصولية التي أشرنا إليها.

________________________

(1) آل عمران: 7.

(2) الواقعة: 79.

(3) آل عمران: 7.

٣٣٧

القسم الرابع

التفسير الموضوعي

القصص القرآني.

فواتح السور.

استخلاف آدم (الإنسان).

٣٣٨

٣٣٩

التفسير الموضوعي

تمهيد: التعريف بالتفسير الموضوعي:

حين نريد أن نلاحظ الدراسات التفسيرية منذ العصور الإسلامية الأُولى نجد بينها اختلافاً كثيراً في الانطباعات، وتفاوتاً كبيراً بالموضوعات ذات العلاقة في البحوث القرآنية؛ حيث نرى بعض المفسّرين يتّجه إلى تأكيد الجوانب اللُّغوية واللّفظية في النص القرآني، وبعضهم الآخر يتّجه إلى تأكيد الجانب التشريعي والفقهي من القرآن، وبعضٌ آخر يتّجه إلى تأكيد الجانب العقيدي أو الأخلاقي أو العلمي التجريبي أو الجانب العرفاني منه، وهكذا بالنسبة إلى بقيّة الموضوعات القرآنية كالقصّة وغيرها.

وبالرّغم من هذا الاختلاف الكبير لا نكاد نجد اختلافاً مهمّاً في منهج الدراسة والبحث، ذلك أنّهم اعتادوا على أن ينهجوا في البحث طريقة تفسير الآيات القرآنية بحسب تسلسل عرضها في القرآن الكريم، وتنتهي مهمّة تفسيرها عند تحديد معنى الآية موضوع البحث مع ملاحظة بعض ظروف السياق أو بعض الآيات الأُخرى المشتركة معها في نفس الموضوع، ويمكن أن نسمّي هذا المنهج بالتفسير التجزيئي أو الترتيبي للقرآن الكريم.

نعم نلاحظ أن مجموعةً من الآيات اهتمّ المفسّرون بها بشكلٍ خاص؛ لوجود قاسم مشترك بينها: كآيات الأحكام أو القصص القرآني أو الآيات الناسخة والمنسوخة أو غيرها، ولكن لم تدرس كموضوعٍ مستقلٍّ بل باعتبار وجود الجامع

٣٤٠