علوم القرآن

علوم القرآن0%

علوم القرآن مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 531

علوم القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الحكيم
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 531
المشاهدات: 207107
تحميل: 18720

توضيحات:

علوم القرآن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207107 / تحميل: 18720
الحجم الحجم الحجم
علوم القرآن

علوم القرآن

مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

علوم القرآن

تأليف

السيد محمّد باقر الحكيم

الطبعة السادسة

مُنَقَّحَة وَمَزيدَة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

كلمة المجمع

القرآن الكريم : هو الوحي الإلهي المُنزل على خاتم الأنبياء محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) لفظاً ومعنىً وأُسلوباً، والمكتوب في المصاحف والمنقول عنه بالتواتر.

وهو سند الإسلام الحي، ومعجزته الخالدة التي تحدّت ولا زالت تتحدّى جموع البشريّة على مرّ القرون.

وهو دستور الإسلام الجامع لكافّة مبادئ الحياة الإنسانيّة تجاوباً مع الفطرة وانبثاقاً من صميم الإنسانيّة.

وللقرآن الكريم هيمنته الخارقة على نفوسٍ بشريّةٍ أبت الرضوخ لغير الحق، فاستسلمت لقيادته الحكيمة، فأقبلت على دراسته بشوقٍ وشغفٍ وتقديس.

وكان الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) هو النمير العذب للعلوم الإسلامية، فأحاط به أصحابه الأجلاّء يقبسون منه سناء العلم ويستضيئون بهداه.

وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الرجل الأوّل الذي أحرز قصب السبق في مضمار تدوين القرآن وتفسيره وبيان علومه، وقد برع في هذا المجال حتّى رُوي عنه أنّه أملى ستّين نوعاً من أنواع القرآن، وذكر لكلِّ نوعٍ مثالاً يخصّه.

وكان للأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم أبلغ الاهتمام بالقرآن العظيم وعلومه، بعد أن كان القرآن يمثّل الهدى الإلهي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبعد أن كان القرآن بحقٍّ هو المفجّر للعلوم البشريّة بل هو عماد العلوم الإسلامية وأساسها.

واستمرّ العلماء في إغناء المكتبة الإسلامية طيلة القرون الأربعة عشر الماضية

٥

بصنوف المؤلّفات والأبحاث التي تدور حول (القرآن الكريم) الذي يمدّ البشرية بأنوار الهداية والرشاد، ويدلّهم على الطريق المستقيم والحياة الحرّة الكريمة.

ومن جملة ما أُلّف للتعرّف على علوم القرآن الكريم، وحاز قصب السبق في عصرنا الحاضر، هو كتاب: (علوم القرآن)

الذي كتب شطراً منه آية الله العظمى الشهيد الصدر (رضوان الله تعالى عليه) ثمّ أكمله تلميذه البارع والأستاذ المحقّق آية الله السيد محمّد باقر الحكيم (دام ظلّه).

وقد رُوعي فيه العمق ووضوح العرض والمنهجيّة في الطرح، والحداثة التي نجدها في أكثر ما قدّمه الشهيد الصدر من بحوثٍ وأفكارٍ ورؤى، مع مراعاة المستوى العلمي لطلاّب الجامعات والاهتمام بالموضوعات ذات العلاقة بالنهضة الثقافية الإسلامية المعاصرة، وحركة الأُمّة الإسلامية نحو التجديد في تطبيق الإسلام النقي المستنبَط من (القرآن الكريم) والسنّة النبوية المطهّرة.

وقد أعاد النظر سيّدنا المؤلف في هذه (الطبعة الثالثة) للكتاب، وأضاف إليه موضوعات مهمّة بلغت حوالي ثلث الكتاب حجماً مع التصحيح والتنقيح، وإعادة الترتيب بالشكل الذي يتناسب مع المناهج الدراسية المطلوبة في الحوزات العلميّة والجامعات الإسلامية.

ونحن إذ نشكر للمؤلِّف جهوده ونبارك له خطاه، نسأله تعالى أن يتغمّد شهيدنا الصدر برحمةٍ منه ورضوان، ويمنّ علينا بالسير على خطاه في الاهتمام بعمق الدراسات الإسلامية وأصالتها وتميّزها بالتجديد والإبداع وتلبية حاجات العصر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

مجمع الفكر الإسلامي

٦

مقدّمة الطبعة الثالثة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة على نبيّه سيّد المرسلين محمّدٍ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين.

اللّهم اهدنا بالقرآن، ووفّقنا لفهمه وتدبّره والعمل به، وثبّتنا على هداه، وأعنّا على تحمّل أعبائه وإبلاغه

( ... رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (1) .

وبعد...

هذه محاضرات كنت قد وُفّقتُ لإلقائها على طلبة كلّية أُصول الدين في بغداد منذ بداية تأسيسها في عام (1384هـ) (1964م)، وكان قد كَتب الجزء الأوّل منها - وهو ما يخصُّ طلبة الصف الأوّل وبداية الصف الثاني - سيّدنا آية الله العظمى الشهيد الصدر (رضوان الله عليه)، وقد راعى هذا التدوين المستوى العلمي البسيط لهذه المرحلة، ولكن مع ذلك جاءت هذه الكتابة مشتملةً على لفتات علميّة، وابتكاراتٍ نظريّةٍ في هذا العلم الشريف.

وقد أكملتُ المنهج للسنوات الأُخرى، حيث كنتُ أُواكب في التدوين مسيرة التدريس.

وقد حاولت الاستفادة فيها ممّا دوّنه أو ذكره أعاظم العلماء في هذا الفن

________________________

(1) البقرة: 286.

٧

أو بعض الباحثين الذين كانت له ممارسات في هذا المجال، مراعياً في ذلك النقاط التالية:

1 - غزارة المادّة وعمقها.

2 - وضوح العرض ومنهجيّته والتركيز على النقاط المهمّة والأساسيّة.

3 - طرح الأفكار الصحيحة والأصيلة وتهذيبها.

4 - مراعاة المستوى العلمي المطلوب لطلاّب الكلّيّات المختصّة، وللأوساط العلمية في الحوزات والمدارس الدينيّة التقليديّة على مستوى مرحلة (المقدّمات) و(السطح الأوّلي).

5 - الاهتمام بالموضوعات ذات العلاقة بالنهضة الثقافية الإسلامية المعاصرة وحركة الأُمّة نحو التجديد في التطبيق مع التمسُّك بالإسلام الأصيل النقي، المستنبَط من الكتاب الكريم والسنّة النبويّة.

6 - الالتزام بالمنهج العلمي الذي يتّسم بالاحترام والدقّة الموضوعيّة في القضايا ذات الطابع المذهبي والابتعاد عن إثارة المشاعر والحسّاسيّات المذهبيّة أو الطائفيّة وبالشكل الذي لا يضرّ ببيان الحقائق العلميّة.

وقد كانت الظروف الموضوعيّة السياسية والاجتماعية الخاصّة والعامّة - عند كتابة هذا المحاضرات - لا تسمح لي بأن أُعطي الوقت الكثير لهذه الأوراق، ولذا تمَّ إعدادها في البداية بسرعةٍ وفي وقتٍ محدود، الأمر الذي جعل توثيق المصادر بالطريقة الفنيّة أمراً عسيراً، خصوصاً فيما كتبه أُستاذنا الشهيد الصدر(رضوان الله عليه) وأنّ هذه الكتابة لم تُعدّ للنشر.

ولكن قامت كليّة أُصول الدين في البداية بنشرها من خلال مجلّتها (رسالة الإسلام) في مجموعةٍ من أعدادها وبشكلٍ تدريجي، فكان هذا النشر يمثّل (الطبعة الأُولى) لهذه المحاضرات.

٨

وبالرّغم من أنّي كنت قد أدخلت الكثير من التعديلات والملاحظات عليها من خلال تكرار تدريسها في الكلّية المذكورة، وطبعت هذه الملاحظات في (الملازم) الخاصّة بالطلبة، إلاّ أنّها لم تأخذ طريقها إلى (المجلّة).

ولم تتم لي في حينه مراجعة (المجلّة) عند الطبع، فجاءت هذه الطبعة - بالرغم من فائدتها والعمل المشكور الذي قامت به المجلّة - مليئةً بالأخطاء، وأحياناً سقوط بعض الفقرات، فضلاً عن الجوانب الفنيّة الأُخرى.

ثمّ قام المجمع العلمي الإسلامي، الذي يشرف عليه سماحة العلاّمة السيد مرتضى العسكري مؤسّس وعميد كلّية أُصول الدين سابقاً، بطبع هذه المحاضرات مرةً أُخرى على شكل كتاب، حيث تمّ استنساخه وتصويره على أساس أوراق المجلّة آنفة الذكر مع إيجاد تطويرٍ لها في جانبين:

أحدهما: هو تقديم وتأخير بعض الموضوعات بافتراض أنّ ذلك أكثر انسجاماً مع المنهج التدريسي، ومن اهتمامات المجمع هو إعداد وطبع الكتب الدراسية للحوزات والمدارس الدينية.

والآخر: وضع فهارس جيّدة في آخر الكتاب للآيات والأحاديث والأعلام والأمكنة والشعوب والنِحَل والكتب وغيرها.

وباعتبار أنّ السادة الأفاضل في المجمع كان هدفهم تقديم الخدمات المجانيّة بقصد كسب مرضاة الله - تعالى - وهو هدف مشترك، كما أنّ هذه المحاضرات لهم حقُّ الاشتراك فيها فقد قاموا بطبعها بدون مراجعتي، ولعلّه مراعاةً لظروفي الخاصّة التي لم تكن تسمح لي - بسهولة - مراجعة الكتاب، أو إعطاء النظر فيه مرةً أُخرى.

فجاءت (الطبعة الثانية) مفيدة ونافعة ولكنّها ناقصة.

وقد طلب مني بعض الأُخوة الأعزّاء، ومنهم الأُخوة في مجمع الفكر الإسلامي... طبعها مرةً أُخرى، وكنت أطلب منهم تأجيل ذلك حتّى تسمح لي

٩

الفرصة بإعادة النظر في هذه المحاضرات، علماً بأنّ الملاحظات السابقة قد افتقدتها بسبب ظروف الهجرة والمطاردة ومصادرة الكتب وجميع الممتلكات من قِبَل سلطات البعث العفلقي، حتّى تمكّنت أخيراً - والحمد لله - باقتطاف فرصة قصيرة ومحدودة وعلى السرعة من إعادة النظر فيها، فأدخلتُ فيها - مع مراعاة النقاط المذكورة آنفاً في أصل الإعداد - التعديلات التالية:

أوّلاً:

تمّ تنقيح الكتاب على مستوى التصحيح والتوضيح بالنسبة إلى مجموع المحاضرات، وإضافة بعض النقاط أو حذفها بالنسبة إلى القِسم الذي كنتُ قد دوّنته.

ثانياً:

إضافة بعض الموضوعات المهمّة أو تكميلها مثل موضوع (نزول القرآن باللغة العربية) و(الهدف من نزول القرآن) و(التفسير بالرأي) و(مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) الفكرية) و(التفسير عند أهل البيت (عليهم السلام) وبعض الموضوعات ذات العلاقة بالقصص القرآني، والفصل الثاني من خلافة الإنسان وغيرها من الإضافات المهمة.

ثالثاً:

تمّت إعادة ترتيب الكتاب مرةً أُخرى بالشكل الذي يتناسب مع التدرّج في الموضوعات والمستوى العلمي لها.

وقد قسّمت الكتاب إلى أربعة أقسام:

يتناول القسم الأوّل موضوعات عامّة حول القرآن.

والقسم الثاني يتناول أبحاثاً حول بعض الموضوعات القرآنية كالمُحْكم والمتشابه والنسخ، وكذلك معالجة بعض الشبهات المهمّة التي أُثيرت حول القرآن الكريم.

والقسم الثالث تناول موضوع (التفسير والمفسّرون) كأبحاث معنى التفسير والتأويل وشروط المفسّر والتفسير بالرأي وتأريخ التفسير، والتفسير عند أهل البيت (عليهم السلام).

١٠

والقسم الرابع تناول موضوع التفسير الموضوعي، حيث عرّفناه، وبيّنا أهميّته وميزته الرئيسة، ثم تناولنا ثلاثة موضوعات بالبحث وهي:

القصص القرآني، والحروف المقطّعة في أوائل بعض السور القرآنية، وخلافة الإنسان.

وقد لوحظ في إعادة الترتيب والتقسيم، المستوى العلمي المتدرّج، بحيث يتطابق مع تطوّر الدرس عند الطالب.

رابعاً:

لاحظنا في كتابة البحث أن يكون العرض مدرسيّاً، ولذا استخدمنا التقسيم إلى نقاطٍ ومقاطع وفصول تسهيلاً للدارسين.

خامساً:

حاولنا - بقدر الإمكان - الاحتفاظ بكتابة أستاذنا الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) إلاّ بقدرٍ محدود من التوضيح والتعديل مع الإشارة إلى نسبة الكتابة إليه في الهامش، ويمكن الرجوع لمعرفة النص الدقيق لما كتبه إلى الطبعة الأولى والثانية.

وختاماً أسأله تعالى أن يجعل هذا الكتاب نافعاً للأُخوة المطالعين والدارسين، وأن يتفضّل عليّ بالقبول، ويصلح لنا نياتنا وأعمالنا، ويجعله ذخيرةً لنا في الآخرة، ويوفّق المسلمين للمزيد من الاهتمام بالقرآن والعمل به، ويحقّق النصر لهم على أعدائهم.

والحمد لله ربِّ العالمين.

محمّد باقر الحكيم

15 جمادى الثانية 1414 هـ

١١

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين محمّدٍ وآله الطاهرين.

وبعد، فإنّ كلّية أُصول الدين ببغداد كانت قد قدّمت مناهج علوم القرآن إلى سماحة آية الله العظمى الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) ليكتب موضوعاتها، ثمّ يلقيها على الطلبة أُستاذ علوم القرآن فيها حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر الحكيم، فكتب بعضها هو (قُدّس سرّه) وأتمّ تأليف الباقي السيّد الحكيم، وكانت مجلّة الكلّية (مجلّة رسالة الإسلام) تنشر تلك البحوث في أعدادها.

ولمّا رأينا ضرورة تدريس تلك البحوث في السنوات الأربع الأولى من الدراسات الحوزويّة، طبعنا تلك البحوث بـ (الاُفست) من (مجلّة رسالة الإسلام) ونشرناها في ما يلي، راجين من الأساتذة الكرام أن يوافونا بملاحظاتهم القيّمة؛ لننتفع بها في الطبعات القادمة إن شاء الله تعالى.

لجنة تنظيم الكتب الدراسيّة

لطلاّب العلوم الإسلامية

المجمع العلمي الإسلامي

١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) (1) .

( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (2) .

________________________

(1) الإسراء: 9.

(2) البقرة: 23 - 25.

١٣

١٤

القِسم الأوّل

موضوعات عامّة حول القرآن

تمهيد

نزول القرآن الكريم

أسباب النزول

الهدف من نزول القرآن

المكّي والمدني

ثبوت النص القرآني

١٥

تمهيد

القرآن وأسماؤه (*) :

القرآن الكريم: هو الكلام المعجز المنزل وحياً على النبي (صلّى الله عليه وآله) المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر المتعبّد بتلاوته.

وقد اختار الله - تعالى - لهذا الكلام المعجز الذي أوحاه إلى نبيّه أسماءً مخالفةً لما سمّى العرب به كلامهم جملةً وتفصيلا.

فسمّاه الكتاب، قال تعالى:

( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (1) .

وسمّاه القرآن:

( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) (2) .

والاهتمام بوضع أسماء محدّدة ومصطلحات جديدة للقرآن الكريم، يتمشّى مع خطٍّ عريضٍ سار عليه الإسلام، وهو تحديد طريقة جديدة للتعبير عمّا جاء به من مفاهيم وأشياء.

وتفضيل إيجاد مصطلحات تتّفق مع روحه العامّة على استعمال الكلمات الشائعة في الأعراف الجاهلية وذلك لسببين:

أحدهما:

أنّ الكلمات الشائعة في الأعراف الجاهلية من الصعب أن تؤدّي المعنى الإسلامي بأمانة؛ لأنّها كانت وليدة التفكير الجاهلي وحاجاته، فلا تصلح

________________________

(*) كتبه الشهيد الصدر: 17 - 24.

(1) البقرة: 2.

(2) يونس: 37.

١٦

للتعبير عمّا جاء به الإسلام، من مفاهيم وأشياء لا تمتُّّ إلى ذلك التفكير بصلة.

والآخر:

أنّ تكوين مصطلحات وأسماء محدّدة يتميّز بها الإسلام، سوف يساعد على إيجاد طابعٍ خاص به، وعلامات فارقة بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات.

وفي تسمية الكلام الإلهي بـ (الكتاب) إشارة إلى الترابط بين مضامينه ووحدتها في الهدف والاتجاه، بالنحو الذي يجعل منها كتاباً واحداً.

ومن ناحيةٍ أُخرى يشير هذا الاسم إلى جمع الكلام الكريم في السطور، لأنّ الكتابة جمعٌ للحروف ورسم للألفاظ.

وأما تسميته بـ (القرآن) فهي تشير إلى حفظه في الصدور نتيجة لكثرة قراءته، وترداده على الألسن، لأن القرآن، مصدر القراءة، وفي القراءة استكثار واستظهار للنص.

فالكلام الإلهي الكريم له ميزة الكتابة والحفظ معاً، ولم يكتف في صيانته وضمانه بالكتابة فقط، ولا الحفظ والقراءة فقط لهذا كان كتاباً وقرآناً.

ومن أسماء القرآن أيضاً (الفرقان).

قال تعالى:

( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ* مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ... ) (1) .

( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) (2) .

ومادّة هذا اللفظ تفيد معنى التفرقة، فكأنّ التسمية تشير إلى أنّ القرآن هو الذي يفرّق بين الحقِّ والباطل، باعتباره المقياس الإلهي للحقيقة في كلِّ ما يتعرّض

________________________

(1) آل عمران: 3 - 4.

(2) الفرقان: 1.

١٧

له من موضوعات.

ومن أسمائه أيضاً (الذكر).

قال تعالى:

( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (1) .

( وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ) (2) .

ومعناه الشرف، ومنه قوله تعالى:

( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) (3) .

وهناك ألفاظ عديدة أُطلقت على القرآن الكريم، على سبيل الوصف لا التسمية: كالمجيد، والعزيز، والعليّ، في قوله تعالى:

( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ) (4) .

( ... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) (5) .

( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (6) .

علوم القرآن:

وعلوم القرآن هي:

جميع المعلومات، والبحوث التي تتعلّق بالقرآن الكريم.

________________________

(1) النحل: 44.

(2) الأنبياء: 50.

(3) الأنبياء: 10، الظاهر من استعمالات الذكر في القرآن إنه يراد منه الوحي الإلهي أو التذكير، المؤلف.

(4) البروج: 21.

(5) فصّلت: 41.

(6) الزخرف: 4.

١٨

وتختلف هذه العلوم في الناحية التي تتناولها من الكتاب الكريم.

فالقرآن له اعتبارات متعدّدة، وهو بكلّ واحدةٍ من تلك الاعتبارات موضوع لبحثٍ خاص.

وأهمُّ تلك الاعتبارات، القرآن، بوصفه كلاماً دالاًّ على معنى، والقرآن بهذا الوصف، موضوع لعلم التفسير.

فعلم التفسير يشتمل على دراسة القرآن باعتباره كلاماً ذا معنى، فيشرح معانيه، ويفصّل القول في مدلولاته، ومقاصده.

ولأجل ذلك كان علم التفسير من أهم علوم القرآن وأساسها جميعاً.

وقد يُعتبر القرآن بوصفه مصدراً من مصادر التشريع، وبهذا الاعتبار يكون موضوعاً لعلم آيات الأحكام، وهو علم يختص بآيات الأحكام من القرآن، ويدرس نوع الأحكام التي يمكن استخراجها بعد المقارنة لجميع الأدلّة الشرعية الأُخرى من سُنّة، وإجماع، وعقل.

وقد يُؤخذ القرآن بوصفه دليلاً لنبوّة النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) فيكون موضوعاً لعلم إعجاز القرآن، وهو: علم يشرح: أنّ الكتاب الكريم وحيٌ إلهيٌ، ويستدل على ذلك بالصفات والخصائص التي تميّزه عن الكلام البشري.

وقد يُؤخذ القرآن باعتباره نصّاً عربيّاً جارياً وفق اللُغة العربيّة، فيكون موضوعاً لعلم إعراب القرآن، وعلم البلاغة القرآنيّة، وهما علمان يشرحان مجيء النص القرآني وفق قواعد اللُغة العربيّة في النحو والبلاغة.

وقد يُؤخذ القرآن بوصفه مرتبطاً بوقائع معينّة في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) فيكون موضوعاً لعلم أسباب النزول.

وقد يُؤخذ القرآن باعتبار لفظه المكتوب، فيكون موضوعاً لعلم رسم القرآن، وهو: علمٌ يبحث في رسم القرآن، وطريقة كتابته.

١٩

وقد يُعتبر بما هو كلام مقروء، فيكون موضوعاً لعلم القراءة، وهو: علم يبحث في ضبط حروف الكلمات القرآنية وحركاتها، وطريقة قراءتها إلى غير ذلك من البحوث التي تتعلق بالقرآن.

و(علوم القرآن) جميعاً تلتقي وتشترك في اتخاذها القرآن موضوعاً لدراستها، وتختلف في الناحية الملحوظة فيها من القرآن الكريم.

تأريخ علوم القرآن:

كان الناس على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) يسّمعون إلى القرآن، ويفهمونه بذوقهم العربيّ الخالص، ويرجعون إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) في توضيح ما يشكل عليهم فهمه، أو ما يحتاجون فيه إلى شيءٍ من التفصيل والتوسّع.

فكانت علوم القرآن تُؤخذ وتُروى عادةً بالتّلقين والمشافهة، حتّى مضت سنون على وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتوسّعت الفتوحات الإسلامية، وبدرت بوادر تدعو إلى الخوف على علوم القرآن، والشعور بعدم كفاية التّلقّي عن طريق التّلقين والمشافهة، نظراً إلى بُعد العهد بالنبي نسبيّاً، واختلاط العرب بشعوبٍ أُخرى، لها لغاتها وطريقتها في التكلّم والتفكير، فبدأت لأجل ذلك حركة، في صفوف المسلمين الواعين لضبط علوم القرآن، ووضع الضمانات اللاّزمة لوقايته وصيانته من التحريف.

وقد سبق الإمام علي (عليه السلام) غيرَه في الإحساس بضرورة اتخاذ هذه الضمانات، فانصرف عُقيب وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرةً إلى جمع القرآن.

ففي (الفهرست) لابن النديم (1) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) حين رأى من الناس عند وفاة النبي ما رأى، أقسم أنّه لا يضع عن عاتقه رداءه حتّى يجمع القرآن، فجلس في بيته

________________________

(1) كتاب الفهرست لابن النديم: 30 بتصرّف، طبعة طهران.

٢٠