وينبغي أن يُشار إلى قضية مهمّة وهي: أنّه لا ينبغي أن يُشكك في المسائل الثابتة بزعم أنّنا نقوم بتنقيح السيرة، أو أنّنا لا نحبّ هذه الجملة، أو تلك الواقعة، فنقوم بحذفها من السيرة؛ فهذا عمل خاطئ، بل هو خيانة للتاريخ لو كانت الجملة ثابتة، والنصّ صحيحاً. وكذلك الحال عندما يُستطرق من بعض الاُمور التاريخية غير الثابتة إلى التشكيك في جملة السيرة وأحداثها؛ فإنّ ذلك أمر خطر.
نعم، السيرة كسائر أخبار المصادر التاريخية فيها الصحيح وفيها غير ذلك، ولكن بحمد الله لم يتطرّق الخلل إلى أصل السيرة، ولا إلى أحداثها الأساسية التي تنفع في الاقتداء والتأسّي، ومع ذلك نحن نحتاج إلى تنقية ما علق بها. وهذا الأمر لا لجهة أنّ الآخرين ينتقدوننا، وإنّما لجهة أنّ بقاء مثل هذه الشوائب يشوّه الصورة الحقيقية لصاحب السيرة العظيم.
وفي الواقع ينبغي الالتفات إلى توجّهين خاطئين: الإصرار على أنّ كلّ ما في السيرة المنقولة في الكتب من غير تحقيق هو شيء مقدّس لا تطاله يد المحققين والمناقشة. وهذا خطأ، لا سيما عندما نرى وجود قصص في بعض الكتب لا مصدر لها أصلاً، أو أنّ مصدرها غير معتمد ولكن يتمّ التركيز عليها مثلاً من باب أنّها أكثر شجاً وأجلب للدمعة والحزن.
والتوجّه الآخر معاكس لهذا بالتمام، فهو يفترض أنّ الشك هو الأساس، وأنّ كلّ ما لا يقبله عقله، أو لم يصل إلى علمه فهو غير صحيح يجب حذفه ولو كانت أسانيده تامّة، ولا يترتب عليه محذور سوى مخالفته للمألوف، أو للنهج الفكري الذي يعتمده ذلك الشخص.
ولقد بادر علماؤنا ومحدّثونا مشكورين إلى ذكر هذه المسائل والتحذير منها في نصائحهم للخطباء وقرّاء التعزية الحسينيّة، فاعتبروا