اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)23%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132779 / تحميل: 7938
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الإمامعليه‌السلام وإنما على القائد المباشر المشرف على الخط العسكري.

وكان الإمامعليه‌السلام يحيط تحركه بسرية تامة ففي سنة (١٩٩ هـ) قبل انطلاق الثورة على المأمون، اجتمع أنصار محمد بن سليمان العلوي بالمدينة وطلبوا منه أن يبعث إلى الإمام الرضاعليه‌السلام ويدعوه للقيام معه، فأرسل إليه أحد المقترحين فأجابه الإمامعليه‌السلام : (إذا مضى عشرون يوماً أتيتك)، فمكثوا أياماً فلما كان يوم ثمانية عشر قامت القوات العباسية بمحاربتهم والقضاء على ثورتهم في مهدها(١) .

والظروف السياسية قد تعطي انطباعاً لدى المسلمين من عدم علاقة الإمام بالثوار، وقد يكون الإمامعليه‌السلام قد أعطى صلاحيات مطلقة لقادة الخط العسكري دون الرجوع إليه باستمرار وإنما متابعة الأحداث والمواقف عن بعد، فحينما أراد محمد بن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام الثورة في يوم معيّن أرسل إليه الإمامعليه‌السلام : (لا تخرج غداً فإنك إن خرجت هزمت وقتل أصحابك)(٢) .

وبعد سنتين من سيطرة المأمون على زمام الحكم، وبالتحديد في سنة (٢٠٠ هـ) كتب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام يدعوه للقدوم إلى خراسان، فاعتلعليه‌السلام بعلل كثيرة، واستمر المأمون يكاتبه ويسأله حتى علمعليه‌السلام أنّه لا يكف عنه، فاستجاب له، وأمر الموكل بالإمامعليه‌السلام أن لا يسير به عن طريق الكوفة وقم، فسار به عن طريق البصرة والأهواز وفارس حتى وصل إلى مرو، وهنالك عرض عليه المأمون أن يتقلّد الخلافة والإمرة، فأبىعليه‌السلام ذلك، وجرت في هذه القضية مخاطبات كثيرة دامت نحواً من شهرين، وكان الإمامعليه‌السلام يأبى أن يقبل ما يعرض عليه، فلما كثر الكلام والخطاب في هذه

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٠٨.

(٢) أصول الكافي: ١/٤٩١، مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٦٨، وعن الكافي في بحار الأنوار: ٤٩/٥٧.

١٢١

القضية، قال المأمون: فولاية العهد، فأجابه الإمامعليه‌السلام بعد الإلحاح والتلويح بالقتل إلى ذلك. وشرطعليه‌السلام بعض الشروط وقالعليه‌السلام : (إني ادخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أقضي ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم وتعفيني من ذلك كله)(١) . فأجابه المأمون إلى ذلك، فتمّت ولاية العهد في الخامس من رمضان سنة (٢٠١ هـ)(٢) .

دوافع المأمون لفرض ولاية العهد على الإمامعليه‌السلام

لم تكن دوافع المأمون من جعل الإمامعليه‌السلام ولياً لعهده نابعة من ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام ؛ لأن مغريات السلطة والرئاسة متغلبة على جميع الولاءات والميول، ولم يكن المأمون صادقاً في ولائه، وكان ميله للعلويين اصطناعاً(٣) ، ولا يمكن التصديق بعمق الولاء حتى يكون دافعاً للتنازل عن الحكم وتسليمه إلى الإمام الرضاعليه‌السلام أو توليته للعهد من بعده، فهل يُعقل أن يضحّي المأمون بالحكم الذي قتل من أجله الآلاف من الجنود والقادة، وقتل أخاه وبعض أهل بيته، ثم يسلّمه إلى غيره؟!

وبالفعل لم يدم الأمر طويلاً، ورحل الإمامعليه‌السلام إلى ربّه والمأمون حي يرزق، فدوافع المأمون نابعة من مصلحة حكمه ومستقبل أهل بيته، وهو حال جميع أو أغلب الحكام المتعاقبين على دفة الحكم، وإلا فما معنى الإلحاح على الإمامعليه‌السلام حتى وصل إلى درجة التلويح بل التصريح بالقتل - كما سيأتي - ويمكن تحديد دوافع المأمون بالنقاط التالية:

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٤٩، ١٥٠.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٤٥.

(٣) شذرات الذهب: ٢ / ٣.

١٢٢

أولاً: تهدئة الأوضاع المضطربة

كانت الأوضاع في عهد المأمون مضطربة للغاية، فبعد قتال دام مع أخيه واستيلائه على الحكم فوجئ بعدة ثورات وحركات مسلحة، ومنها ثورات العلويين، وكان المعارضون لحكمه منتشرين في جميع الأمصار الإسلامية، وقد وضّح المأمون حقيقة الأوضاع قائلاً: والله ما أنزلت قيساً من ظهور خيولها إلاّ وأنا أرى أنّه لم يبق في بيت مالي درهم واحد... وأمّا اليمن، فو الله ما أحببتها، ولا أحبتني قطّ، وأمّا قضاعة فساداتها تنتظر السفياني، حتى تكون من أشياعها، وأما ربيعة فساخطة على ربّها مذ بعث الله نبيّه من مُضر(١) .

وقد خلخلت الثورات المسلحة الوضع العسكري والسياسي، فقد نظر في الدواوين فوجد من قتل من أصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مائتا ألف رجل(٢) .

فأراد المأمون من تقريب الإمامعليه‌السلام وتولّيه العهد أن يستقطب أعوانه وأنصاره، ويوقف زحفهم ونشاطهم العسكري، بل يستميلهم إلى جانبه ليتفرّغ إلى بقية الثائرين والمتمردين الذين لا يعتد بهم قياساً للثوار العلويين.

وأراد كسب الأغلبية العظمى من المسلمين لارتباطهم العاطفي والروحي بالإمامعليه‌السلام وخصوصاً أهل خراسان الذين أعانوه على احتلال بغداد، والشاهد على ذلك استقبال الإمامعليه‌السلام من قبل العلماء والفقهاء وأصحاب الحديث، والذين بلغ عددهم عشرين ألفاً في نيسابور(٣) .

وبتقريب الإمامعليه‌السلام كان يمكنه امتصاص نقمة المعارضة، وتفويت

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ٤٣٢، ٤٣٣.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٥٥٠.

(٣) الفصول المهمة: ٢٥١، نور الابصار: ١٧٠.

١٢٣

الفرصة عليها للمطالبة بالحكم، وشق صفوفها عن طريق تقريب البعض وإقناعهم بترك الثورة المسلحة دون البعض الآخر.

ثانياً: إضفاء الشرعية على حكمه

إنّ شرعية الحاكم عند المسلمين مستمدة من النص عليه من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو رأي أهل البيتعليهم‌السلام أو من الشورى وموافقة أهل الحل والعقد، أو العهد من قبل السابق مشروطاً برضى الأُمة المتأخّر عن زمن العهد وهو رأي بقية الفقهاء، وهؤلاء الفقهاء وإن أقرّوا حكومة المأمون إلا أن إقرارهم كان نابعاً من الترغيب والترهيب، أو استسلاماً منهم للأمر الواقع وعدم قدرتهم على إزالته.

من هنا فالمأمون أدرك أن حكمه بحاجة إلى إضفاء الشرعية عليه، لذا اظهر استعداد التنازل عن الحكم ليقوم الإمام الرضاعليه‌السلام بالتصدّي له، وحينما رفض الإمامعليه‌السلام استلام الحكم عرض عليه ولاية العهد فاضطره إلى قبولها، والإمامعليه‌السلام موضع قبول ورضى من قبل جميع المسلمين كما عبّر الإمام محمد الجوادعليه‌السلام عن هذه الحقيقة بقوله: (رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائهعليهم‌السلام ، فلذلك سمي من بينهم الرضا)(١) .

وقبوله للعهد - في رأي المأمون ورأي كثير من المسلمين - يعني اعترافه بشرعية حكم المأمون، والرضا الظاهري بتقبّل ولاية العهد، يعني رضاه عن الحكم الواقع وعدم معارضته له، ورضاه هو رضا الأُمة التي تواليه عاطفياً وفكرياً.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٣ وعنه في البحار: ٤٩/٤.

١٢٤

ثالثاً: منع الإمام من الدعوة لنفسه

إن الإمامعليه‌السلام مسؤول عن دعوة الأُمة للارتباط بالإمام الحق وبالمنهج الحق، والمتجسّد بإمامته وبمنهج أهل البيتعليهم‌السلام ، ولذلك فإنّه لا يتوانى عن هذه المسؤولية، ومن هنا كان تفكير المأمون منصباً على منع الإمام من الدعوة لنفسه، أو تحجيم سعة الدعوة، والمتعارف عليه أن ولي العهد يدعو للحاكم الفعلي ثم يدعو لنفسه، وقد عبّر المأمون عن دوافعه بالقول: قد كان هذا الرجل مستتراً عنّا يدعو إلى نفسه دوننا، فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه إلينا(١) .

رابعاً: إبعاد الإمام عن قواعده

وجود الإمامعليه‌السلام في العاصمة إلى جنب المأمون يعني ابتعاده عن قواعده الشعبية، وتحجيم الفرص المتاحة للاجتماع بوكلائه ونوّابه المنتشرين في شرق الأرض وغربها، وإبعاد الإمامعليه‌السلام عن قواعده يعني التقليل من التوجيه والإرشاد المباشر لها، ومن خلال ذلك يمكن مراقبة الإمامعليه‌السلام مراقبة دقيقةً ومعرفة تحركاته ولقاءاته اليومية، فقد قام المأمون بتقريب هشام بن إبراهيم الراشدي، وقد كان ممّن يتقرّب إلى الإمامعليه‌السلام ويحاول الاختصاص به وولاّه حجابة الإمامعليه‌السلام ، فكان ينقل الأخبار إليه، وكان يمنع من اتصال كثير من مواليه به، وكان لا يتكلم الإمام في شيء إلاّ أورده هشام على المأمون(٢) .

خامساً: إيقاف خطر الإمام على الحكم القائم

إن التفاف المسلمين حول الإمامعليه‌السلام وتوسع قاعدته الشعبية كان

____________________

(١) فرائد السمطين: ٢ / ٢١٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢/١٥٣ ح ٢٢ وعنه في بحار الأنوار: ٤٩ / ١٣٩.

١٢٥

يشكل خطراً على الحكم القائم وخصوصاً أن الحكم قد خرج من معارك طاحنة بين الأمين والمأمون، وبين المأمون والمعارضين، فقوة الإمامعليه‌السلام تعني ضعف المأمون، وقد اعترف المأمون بذلك فقال: وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه، ويأتي علينا ما لا نطيقه(١) .

سادساً: تشويه سمعة الإمامعليه‌السلام

أراد المأمون من خلال تولية الإمامعليه‌السلام للعهد أن يشوه سمعته بالتدريج عن طريق عيونه ووسائل إعلامه، وقد كشف الإمامعليه‌السلام هذه الحقيقة للمأمون بقوله: (تريد بذلك أن يقول الناس إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً بالخلافة)(٢) .

وصرّح المأمون للعباسيين ببعض دوافعه بقوله: ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر(٣) .

سابعاً: تفتيت جبهة المعارضة

إن المعارضين لحكم المأمون سينظرون إلى الإمامعليه‌السلام على أنه جزء من الحكومة القائمة، وتتعمّق هذه النظرة حينما يجدون أن إخوة الإمامعليه‌السلام وأبناء عمومته قد أصبحوا ولاة وأمراء على الأمصار، وبالفعل فقد عيّن المأمون العباس وإبراهيم أخويّ الإمامعليه‌السلام ولاة على الكوفة واليمن(٤) .

ففي هذه الحالة أصبح باقي المعارضين وجهاً لوجه أمام أنصار

____________________

(١) فرائد السمطين: ٢ / ٢١٤.

(٢) علل الشرائع: ٢٣٨.

(٣) فرائد السمطين: ٢ / ٢١٥.

(٤) تاريخ ابن خلدون: ٥ / ٥٢٧، ٥٣٢.

١٢٦

الإمامعليه‌السلام ، وهذا يعني تفتيت جبهة المعارضة، فإذا أرادت المعارضة القيام بحركة مسلحة فإنها ستواجه الوالي العلوي مباشرة، ويقوم الوالي بإصدار الأوامر لقمعها، وتلقى المسؤولية عليه، وكان المأمون يتمنى هذا الأمر فلجأ إلى تولية الإمامعليه‌السلام ولاية العهد ليحقق هذه الأمنية، وإضافة إلى ذلك فإنه أراد أن يلقي مسؤولية بعض المفاسد الإدارية والحكومية على من نصّبهم في الأمصار من أهل البيتعليهم‌السلام أو من أتباعهم.

أسباب قبول الإمامعليه‌السلام بولاية العهد

قال المأمون للإمام الرضاعليه‌السلام : يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.

فقال الإمامعليه‌السلام : (بالعبودية لله عَزَّ وجَلَّ أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى).

فقال له المأمون: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك!.

فقال له الرضاعليه‌السلام : (إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك).

فقال له المأمون: يا ابن رسول الله لا بدّ من قبول هذا الأمر.

فقالعليه‌السلام : (لست أفعل ذلك طايعاً أبداً).

فما زال يجهد به أيّاماً حتى يئس من قبوله، فقال له: فإن لم تقبل

١٢٧

الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

ثم جرى بينهما كلام أوضح فيه الإمام دوافع المأمون من ذلك، فغضب المأمون ثم قال: إنك تتلقاني أبداً بما أكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك.

فقال الإمامعليه‌السلام : (قد نهاني الله عَزَّ وجَلَّ أن أُلقي بيدي إلى التهلكة فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك على أن لا أولي أحداً ولا أعزل أحداً ولا أنقضنّ رسماً ولا سنة وأكون في الأمر بعيداً مشيراً)، فرضي منه بذلك وجعله وليّ عهده على كراهة منهعليه‌السلام لذلك(١) .

وفي رواية أخرى، أن المأمون قال له: إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة، أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولابد من قبولك ما أريده منك، فإني لا أجد محيصاً منه(٢) .

وقد صرّح الإمامعليه‌السلام باضطراره للقبول لمن سأله أو اعترض عليه بسبب قبوله فقالعليه‌السلام : (قد علم الله كراهيتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل أخترت القبول على القتل، ويحهم! أما علموا أن يوسفعليه‌السلام كان نبياً ورسولاً، فلما دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز، قال:( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) (٣) ، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان)(٤) .

وقيل له: يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟

____________________

(١) علل الشرايع: ٢٣٧ - ٢٣٨.

(٢) الارشاد: ٢/٢٥٩، ٢٦٠.

(٣) يوسف (١٢): ٥٥.

(٤) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٣٩.

١٢٨

فقالعليه‌السلام : (ما حمل جدي أمير المؤمنينعليه‌السلام على الدخول في الشورى)(١) .

والإمامعليه‌السلام لم يستسلم للقبول خائفاً من قتل نفسه، وإنما يكون قتله خسارة للحركة الرسالية، وإن الأُمة في تلك المرحلة بحاجة إلى قيادته في جميع مجالات الحياة، فلو قتل فإن الاضطراب والخلل سيعم قواعده الشعبية، وكذلك سيكون قتله فاتحة لقتل أهل بيته وأعوانه وأنصاره، وقد يؤدّي قتله إلى قيام ثورات مسلّحة دون تأنٍّ ورويّة، يدفعها طلب الثأر والانتقام إلى ثورة عاطفية مفاجئة دون تخطيط مسبق، وبالتالي تنهار القوة العسكرية دون أن تغيّر من الأحداث شيئاً.

نعم، هذا هو السبب الوحيد - كما يبدو - لقبول الإمامعليه‌السلام لولاية العهد عن إكراه واضطرار. ومن هنا فالإمامعليه‌السلام لا بد أن يستثمر ما يمكنه استثماره لإحياء السنن وإماتة البدع وتعبئة الطاقات وإفشال خطط المأمون المستقبلية وتصحيح ما يمكنه من أفكار ومفاهيم سياسية خاطئة.

استثمار الإمامعليه‌السلام للظروف

أولاً: استثمار الظروف لإقامة الدين وإحياء السنّة

إن الحرية النسبية الممنوحة للإمامعليه‌السلام ولأهل بيته وأنصاره هي فرصة مناسبة لتبيان معالم الدين وإحياء السنة، ونشر منهج أهل البيتعليهم‌السلام في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، فالإمامعليه‌السلام يمكنه التحرك في البلاط والالتقاء بالوزراء وقادة الجيش وخواص المأمون، ويمكن لإخوانه الذين أصبحوا ولاة التحرك في أمصارهم، وكذلك أنصاره يمكنهم التحرك في

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٤١.

١٢٩

وسط الأُمة، وفي هذا الصدد قالعليه‌السلام : (اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة، وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده... اللهم لا عهد إلاّ عهدك، ولا ولاية إلاّ من قبلك، فوفقني لإقامة دينك، وإحياء سنة نبيك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنك أنت المولى وأنت النصير، ونعم المولى أنت ونعم النصير)(١) .

وقد سمحت الظروف للإمامعليه‌السلام لتبيان المنهج السليم أمام الوزراء والقضاة والفقهاء وأهل الديانات الذين جمعهم المأمون لمناظرة الإمام، إضافة إلى قيامه بتوجيه المأمون إلى اتخاذ الرأي والموقف الأصوب، وحل المسائل المستعصية.

ثانياً: تعبئة الطاقات

بعد فشل الثورات العلوية وانكسارها عسكرياً، أصبح الظرف مناسباً لإعادة بناء قوّاتها، وتعبئة الطاقات عن طريق إيقاف الملاحقة والمطاردة لها، فهي بحاجة إلى قسط من الراحة لإدامة التحرك فيما بعد، وهذه المكاسب لا تتحقق إن لم يقبل الإمامعليه‌السلام بولاية العهد.

ثالثاً: إفشال مخططات المأمون

من المتوقع أن يقوم المأمون - في حالة رفض الإمامعليه‌السلام لقبول ولاية العهد - بتولية العهد لأحد العلويين، ويستثني عن إكراه الإمامعليه‌السلام وقتله، والعلوي الذي ينصبه ولياً للعهد، إما أن يكون مساوماً وانتهازياً، أو مخلصاً قليل الوعي، أو مخلصاً معرّضاً للانزلاق في مغريات السلطة، وفي جميع الحالات، فإنّ هذا الموقف سيؤدي إلى شق

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٩.

١٣٠

صفوف أنصار أهل البيتعليهم‌السلام ، أو توريط العلوي بممارسات خاطئة تؤدّي إلى تشويه سمعة أهل البيتعليهم‌السلام ، أو إلقاء المسؤولية عليه، وقد يؤدّي انزلاق من يتولى العهد من العلويين إلى قيامه بمعارضة الإمامعليه‌السلام أو ملاحقة أتباعه وأنصاره.

وبقبول الإمامعليه‌السلام لولاية العهد فوّت الفرصة على المأمون لإمرار مخططاته في شق صفوف أنصار أهل البيتعليهم‌السلام أو إلقاء تبعية المفاسد على من ينسب إليهم.

رابعاً: تصحيح الأفكار السياسية الخاطئة

من الأفكار السائدة عند كثير من المسلمين هي عدم ارتباط الدين بالسياسة، وأنّه لا يليق بالأئمة والفقهاء أن يكونوا سياسيين، أو يتولوا المناصب السياسية، وأن الزهد في الحكومة والخلافة هو مقياس التقييم، وقد حاول العباسيون تركيز هذا المفهوم عند المسلمين، فأراد الإمامعليه‌السلام بقبوله بولاية العهد أن يصحح هذه الأفكار السياسية الخاطئة ويوضّح للمسلمين وجوب التصدي للحكم إن كانت الظروف مناسبة للتصدي.

والأفكار الخاطئة حقيقة قائمة، فقد دخل أحد أنصار الإمامعليه‌السلام عليه وقال له: يا ابن رسول الله، إن الناس يقولون إنك قبلت ولاية العهد، مع إظهارك الزهد في الدنيا(١) .

ولا يمكن إزالة هذه الأفكار عن طريق التربية والتوجيه البياني فقط لأن هذه المهمة تحتاج إلى وقت طويل ونشاط إضافي، ولكنّها ستزول بالتوجيه العملي المباشر، وهو قبول ولاية العهد.

____________________

(١) علل الشرائع: ٢٣٩.

١٣١

كيف تحقّقت البيعة بولاية العهد؟

بعد قبول الإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد مضطراً، جمع المأمون خواصه من الأمراء والوزراء والحجّاب والكتّاب وأهل الحل والعقد، وأمر الفضل بن سهل أن يخبرهم حول ولاية العهد، وأن يلبسوا الخضرة بدلاً من السواد، ثم أعطاهم استحقاقاتهم من الأموال لسنة متقدمة ثم صرفهم، وبعد أسبوع حضر الناس وجلسوا، كلٌ في موضعه، وجلس المأمون ثم جيء بالإمام الرضاعليه‌السلام فجلس وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلد بسيف، فأمر المأمون ابنه العباس بان يكون أول من يبايعهعليه‌السلام ، فرفع الإمامعليه‌السلام يده وحطها من فوق، فقال له المأمون: ابسط يدك فقال الإمامعليه‌السلام : (هكذا كان يبايع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع يده فوق أيديهم)، فقال المأمون: افعل ما ترى. ثم وزعت الهدايا على الحاضرين، وقام الخطباء والشعراء فذكروا ولاية العهد، وعدّدوا فضائل ومآثر الإمامعليه‌السلام .

وطلب المأمون من الإمامعليه‌السلام أن يخطب الناس، فقامعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه وعلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال: (أيها الناس إن لنا عليكم حقاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكم علينا حق به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك، وجب لكم علينا الحكم والسلام)(١) .

ثم صعد المأمون المنبر فقال: (أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والله لو قرأت

____________________

(١) الإرشاد: ٢/٢٦٢ وعنه في إعلام الورى: ٢/٧٤ وفي الفصول المهمة: ٢٥٥ - ٢٥٦، وانظر خطبته في عيون أخبار الرضا: ٢/١٤٦.

١٣٢

هذه الأسماء على الصم البكم لبرؤوا بإذن الله عزّ وجل)(١) .

وقد توقع الإمامعليه‌السلام أن ولاية العهد لا تتم، فحينما رأى سرور بعض مواليه، قال له بهمس: (لا تشغل قلبك بشيء مما ترى من هذا الأمر ولا تستبشر، فإنّه لا يتم)(٢) . وبالفعل فقد صدق ما قاله، فإنه توفّي قبل وفاة المأمون.

فقرات من كتاب العهد بخط المأمون

كتب المأمون كتاب العهد بخط يده، ووضّح فيه سبب اختياره للإمامعليه‌السلام ، وإليك فقرات منه: وكانت خيرته... علي بن موسى الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الذائع، وورعه الظاهر الشائع، وزهده الخالص النافع، وتخليته من الدنيا، وتفرده عن الناس، وقد استبان ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة والألسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة، والأخبار واسعة ولما لم نزل نعرفه به من الفضل، يافعاً وناشئاً وحدثاً وكهلاً، فلذلك عقد بالعهد والخلافة من بعده... ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته، وقواده، وخدمه فبايعه الكل مطيعين مسارعين مسرورين...(٣) .

فقرات مكتوبة بظهر كتاب العهد بخط الإمامعليه‌السلام

كتب الإمام بخطه على ظهر كتاب العهد كتاباً جاء فيه: (... أنه جعل إليَّ

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٤٧.

(٢) الإرشاد: ٢/٢٦٣ عن المؤرخ المدائني وعنه في إعلام الورى: ٢/٧٤ وعن الإرشاد في بحار الأنوار: ٤٩/١٤٧ وفي الفصول المهمة: ٢٥٦.

(٣) الفصول المهمة: ٢٥٨.

١٣٣

عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده... وخوفاً من شتات الدين واضطراب أمر المسلمين، وحذر فرصة تنتهز وناعقة تبتدر؛ جعلت لله على نفسي عهداً إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم... أن أعمل فيهم بطاعة الله تعالى وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أسفك دماً حراماً، ولا أبيح فرجاً، ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي... وإن أحدثت أو غيّرت أو بدّلت كنت للعزل مستحقاً، وللنكال متعرّضاً... وما أدري ما يفعل بي وبكم، إن الحكم إلاّ لله، يقصّ الحق وهو خير الفاصلين...)(١) .

فقد وضّح الإمامعليه‌السلام للأمة المنهج السياسي للحاكم الإسلامي، ودوره في تطبيق أحكام الشريعة، وأسباب عزله وغير ذلك من المفاهيم السياسية، وكان الكتابان قد كتبا في السابع من شهر رمضان سنة (٢٠١ هـ ).

أوامر المأمون بعد البيعة

أمر المأمون بطرح السواد وهو شعار العباسيين، واستبداله بالخضرة، وأمر الجميع بذلك وبالبيعة للإمامعليه‌السلام وكتب إلى الأمصار بذلك، وضرب الدراهم باسم الإمام، فلما وصل كتابه إلى بغداد أجابه البعض وامتنع البعض الآخر(٢) .

وقام المأمون بسجن ثلاثة من قواده لرفضهم البيعة(٣) .

وتمرّد العباسيون على المأمون رافضين للبيعة وبايعوا لإبراهيم بن المهدي في بغداد(٤) .

____________________

(١) الفصول المهمة: ٢٥٨ - ٢٥٩ وانظر صورة الكتابين في عيون أخبار الرضا: ٢/١٥٤ - ١٥٩.

(٢) الكامل في التاريخ: ٦ / ٣٢٦.

(٣) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٥٠.

(٤) الكامل في التاريخ: ٦ / ٣٢٧.

١٣٤

وتمرّدوا في الكوفة وكان شعارهم يا إبراهيم يا منصور لا طاعة للمأمون(١) .

ولم يستطيعوا الاستمرار في التمرّد، فقد أطاعت جميع الأمصار المأمون، وبايعت للإمام بولاية العهد، وكان الدعاء للإمامعليه‌السلام بالصورة التالية:

(ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليعليهم‌السلام .

ستة آباءهم ما هم

أفضل من يشرب صوب الغمام)(٢)

أحداث ما بعد البيعة

بحلول العيد أي بعد ثلاثة وعشرين يوماً من كتابة العهد بعث المأمون إلى الإمامعليه‌السلام يسأله أن يصلي بالناس صلاة العيد ويخطب ليطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقرّ قلوبهم على هذه الدولة، فبعث إليه الإمامعليه‌السلام بالقول: (قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر)، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقرّوا بما فضّلك الله به.

فلم يزل يرادّه الكلام في ذلك، فلما ألحَّ عليه، قال: (... إن أعفيتني من ذلك فهو أحبُّ إليَّ، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام )، فقال المأمون: اخرج كما تحب.

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٨ / ٥٦٠.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢/١٤٥ وفي مقاتل الطالبيين: ٥٦٥ وفي الإرشاد: ٢/٢٦٢ والشعر للنابغة الذُبياني والمستشهد به حاكم المدينة عبد الجبّار سعيد المُساحقي.

١٣٥

وأمر المأمون القوّاد والناس فقعدوا عند باب الإمامعليه‌السلام وفي الطرقات والسطوح، فلما طلعت الشمس، خرج الإمام متعمّماً بعمامة بيضاء وألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه، ورفع ثوبه وهو حاف، ومعه مواليه على نفس الحالة، ثم رفع رأسه إلى السماء، وكبّر أربع تكبيرات، وقال: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا...) ورفع صوته فأجهش الناس بالبكاء والعويل، ونزل القوّاد عن دوابهم وترجّلوا، وضجّت مرو ضجّة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجيج، وكان الإمامعليه‌السلام يمشي ويقف في كل عشر خطوات وقفة، ولما سمع المأمون بذلك، قال له الفضل بن سهل: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث إليه وسأله الرجوع، فدعا الإمامعليه‌السلام بخفّه فلبسه ورجع(١) .

واستطاع الإمامعليه‌السلام بفعله هذا أن يعيد سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاة العيد، بعد أن اندثرت معالمها لعدم اهتمام الحكّام والولاة بها، واستطاع الإمامعليه‌السلام أن يدخل إلى قلوب الناس، في هذا العمل الآني، فقد تأثر به الجميع بما فيهم قوّاد المأمون.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٥٠ - ١٥١.

١٣٦

مكتسبات القبول بولاية العهد

إن الموقف الذي يتخذه الإمامعليه‌السلام لابد من اشتماله على مصلحة ذات عائد مقبول للإسلام والمسلمين ولأتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد حصل الإمامعليه‌السلام على مكتسبات عديدة بعد اضطراره للقبول بولاية العهد، ولولا قبوله لما تحققت تلك المكتسبات، ومن هذه المكتسبات:

أوّلاً: اعتراف المأمون بأحقيّة أهل البيتعليهم‌السلام

قام الأمويون ومن بعدهم العباسيون بمحاولة طمس فضائل أهل البيتعليهم‌السلام والتقليل من شأنهم، واستخدموا جيمع طاقاتهم للحد من ذلك، تحت الترغيب والترهيب، ولكنّ الوضع تغيّر بعد قبول الإمامعليه‌السلام بولاية العهد، فقد قام المأمون بتوضيح هذه الفضائل، وتوضيح مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام من قبل الحكّام السابقين.

فقد أجاب المأمون على كتاب كتبه له بنو هاشم، وضّح فيه تلك الحقائق إذ جاء فيه: (... فلم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من المهاجرين كقيام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنه آزره ووقاه بنفسه... وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم، وصاحب قوله: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي...) وكان أحب الخلق إلى الله تعالى وإلى رسوله، وصاحب الباب، فتح له وسدّ أبواب المسجد، وهو صاحب الراية يوم خيبر، وصاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة، وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين المسلمين).

ثم وضّح في الكتاب نفسه مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام معترفاً بجرائم العباسيين بحقهم فقال: (... ثم نحن وهم يد واحدة كما زعمتم، حتى قضى الله

١٣٧

تعالى بالأمر إلينا، فأخفناهم، وضيّقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أميّة إياهم)(١) .

وفي موضع آخر احتجّ المأمون على الفقهاء بفضائل الإمام عليعليه‌السلام وأحقيّته بالخلافة، فما كان من الفقهاء إلاَّ تأييد ما قاله، فقال يحيى بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير، وأثبت ما يقدر أحد أن يدفعه، واتّبعه الفقهاء بالقول: كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزَّه الله(٢) .

وكان المأمون يتحدّث عن فضائل أهل البيتعليهم‌السلام في أغلب جلساته، وهذا يعني تشجيعاً للولاة والأمراء ليتحدّثوا عن أهل البيتعليهم‌السلام بمثل ما تحدّث به، وتشجيع لأنصار أهل البيتعليهم‌السلام في ذكر فضائلهم بحرية تامّة، وهذا ما يزيد من توسّع القاعدة الشعبية الموالية لأهل البيت فكراً وعاطفة وسلوكاً.

واعترف المأمون أيضاً بأفضلية الإمام الرضاعليه‌السلام وأحقيته بالخلافة وأخبر خواصه بأنّه: نظر في ولد العباس وولد عليّ (رضي الله عنهم)، فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي بن موسى الرضا(٣) .

ثانياً: توظيف وسائل الإعلام لصالح الإمامعليه‌السلام

وظّف المأمون وسائل الإعلام لصالح الإمامعليه‌السلام فأصبح من أكثر الناس شيوعاً صيتهُ، وتحققت معرفة المسلمين وغير المسلمين به، فالولاة

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٩ / ٢١٠، عن كتاب: نديم الفريد، لابن مسكويه.

(٢) العقد الفريد: ٥ / ٣٥٨ - ٣٥٩.

(٣) مروج الذهب: ٣ / ٤٤١، وفي الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشر عند الإمامية المنشور باسم: الأئمة الاثنا عشر لابن طولون: ٩٧.

١٣٨

والأمراء وأئمة الجمعة، يدعون له من على المنابر كل يوم وكل جمعة وكل مناسبة، إضافة إلى طبع اسمه على الدارهم والدنانير المعمول بها في جميع الأمصار، ووجد الخطباء والشعراء الفرصة مناسبة للترويج لشخصية الإمامعليه‌السلام وآبائه وأجداده، فكثرت الخطب والأشعار المادحة له، والذاكرة لفضائله وفضائل أهل بيته، وانتشرت في جميع الأمصار، وهذا إن دل على شيء فإنما يدلّ على تعميق الارتباط بالإمامعليه‌السلام وتبنّي أفكاره وآرائه المطابقة للمنهج الإسلامي السليم، ولولا قبوله بولاية العهد لما كان ذلك بالصورة الأوسع والأمثل، مادامت وسائل الإعلام الرسمية موجودة في جميع الأمصار، دون الحاجة إلى بث الدعاة لمنهجه ومنهج أهل بيتهعليهم‌السلام .

وقد كان المأمون سبّاقاً لغيره في نظم الشعر، ومما جاء في شعره، بعد ولاية العهد:

أُلام على حب الوصيّ أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأوّل الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

وقال أيضاً:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف الهدى

والأخ فوق الخل والصاحب(١)

وهذا الشعر وغيره من مدائح المأمون لأهل البيتعليهم‌السلام قد أثمر فيما بعد، حتى إنه بعد استشهاد الإمامعليه‌السلام بثمان سنين أي في سنة (٢١١ هـ) أمر المأمون أن ينادى:

(برئت الذمة ممّن يذكر معاوية بخير، وأن أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب)(٢) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٣٢٠ عن كتاب الأوراق للصولي.

(٢) تذكرة الخواص: ٣١٩ وتاريخ الخلفاء: ٢٤٧.

١٣٩

ثالثاً: حرية الإمامعليه‌السلام في مناظرة أهل الأديان والمذاهب

منح المأمون نوعاً من الحرية للإمامعليه‌السلام للتحدث بما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وآراء سياسية، وأمر المأمون الفضل بن سهل أن يجمع للإمامعليه‌السلام أصحاب المقالات: ومنهم: الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، (معرّب: كاثوليك) ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زردشت، وعلماء الروم، والمتكلمين، وقد احتجّ الإمامعليه‌السلام بالكتب المعتبرة عندهم، وقد اعترف الجميع بأعلمية الإمامعليه‌السلام ، بعد ان فنّد حججهم، فأذعنوا لقوله، واعترفوا بصحة أفكاره وآرائه.

وبعد جدال ونقاش طويل قال الجاثليق: (القول قولك، ولا اله إلاّ الله)(١) .

وبعد حوار طويل أسلم عمران الصابي وقال: (أشهد أن الله تعالى على ما وصفت ووحّدت، وأشهد أنّ محمداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خرّ ساجداً نحو القبلة).

ولما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي، وكان جدلاً لم يقطعه عن حجته أحد منهم قط، لم يدن من الإمامعليه‌السلام أحد منهم ولم يسألوه عن شيء(٢) .

وفي مجلس آخر بعث المأمون على الإمامعليه‌السلام ليناظر متكلم خراسان سليمان المروزي، فتناظرا في البداء، وصفات الله تعالى والفرق بين صفات ذات الله وصفات فعله، فأجابه الإمامعليه‌السلام على جميع أسئلته، وكان يقطعه في الحجج إلى أن سكت لا يستطيع أن يجيب على آراء الإمامعليه‌السلام ، فقال المأمون

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٥٢.

(٢) الاحتجاج، الطبرسي: ٢ / ٤١٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بَين أيديهم ومن خَلفِهِم ، وعَن أيمانِهِم وعن شَمائِلهِم ، ومن حَيثُ شِئتَ ، وَمِن أينَ شِئتَ ، وكَيفَ شِئتَ ، وأنّى شِئتَ ، حَتى لا يَصلَ إليَّ واحِدٌ مِنهُم بِسوءٍ.

اللّهُمَّ واجعلني في حِفظكَ وسِترِكَ وجوارِكَ ، عَزَّ جارُكَ ، وجَلَّ ثَناؤُكَ ، ولا إلهَ غَيرُكَ. اللّهُمَّ أنتَ السُّلامُ ، ومنكَ السُّلامُ ، أسألُكَ يا ذَا الجَلالِ والإكرام فكاكَ رَقَبتَي من النَّار ، وأن تُسكنني دارَ السُّلامِ.

اللّهُمّ إنّي أسألكَ من الخير كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنه وما لم أعلم. اللّهُمّ وإنّي أسألًكَ خير ما أرجو ، وأعُوذُ بِكَ من شَرِّ ما أحذر ، ومن شَرَّ ما لا أحذرُ ، وأسألكَ أن تَرزُقني من حَيثُ أحَتسبُ وَمن حَيثُ لا أحتسَبُ.

اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ ( و )(١) ابن عَبدِكَ وابنُ أمتِكَ ، وفي قَبضَتِكَ ، ناصيتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكمكَ ، عَدلٌ فيَّ قضاؤكَ ، وأسألُكَ بكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ سَميَّتَ بهِ نَفسَكَ ، أو أنزلتهُ في شَيءٍ من كُتُبكَ ، أو عَلَّمتَهُ أحَداً من خَلقِكَ ، أو أستَأثرتَ بهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، أن تُصلَّي على مُحمّدٍ النَّبيّ الأمي عَبدِكَ ورَسوُلِكَ وخِيرتِكَ من خَلقِكَ ، وعلى آل مُحمّدٍ الطّبيينَ الأخيارِ ، وأن تَرحَمَ مُحمّداً وآلَ مُحمّدٍ ، وتُبارِكَ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ كما صَلَّيتَ ( وباركت )(٢) على إبراهِيمَ وآلِ إبراهِيمَ أنّكَ حَميدٌ مَجيدٌ ، وأن تَجعَلَ القرآنَ

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) اثبتناه من الرواية الأولى في نسخة « ن ».

٢٤١

نُورَ صَدري ، ورَبيعَ قَلبي ، وجَلاءَ حُزني ، وذهابَ هَمي ، واشرح به صَدري ويسِّر به أمري ، واجَعلهُ نُوراً في بَصري ، ونُوراً في سَمعي ، ونُوراً في مُخي ، ونُوراً في عِظامي ، ونُوراً في عَصبي ، ونُوراً في شَعري ، ونُوراً في بَشري ، ونُوراً من فوقي ، ونُوراً من تَحتي ، ونُوراً عَن يَميني ، ونُوراً عن شمالي ، ونُوراً في مَطعمي ، ونُوراً في مَشربي ، ونُوراً في مَحشَري ، ونُوراً في قَبري ، ونُوراً في حَياتي ، ونُوراً في مماتي ، ونُوراً في كُلِّ شيءٍ مِني ، حَتى تُبَلّغني بِه إلى الجَنَّةِ ، يا نُورَ السّماواتِ والأرضِ ، أنتَ كَما وصَفتَ نَفسَكَ في كِتابِكَ على لِسانِ نَبيكَ ، وقَولكَ الحَقُّ ، تَباركَتَ وتَعاليتَ قُلتَ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١) .

اللّهُمَّ فَاهدِني بنُورك ، وأيّدني لِنورِكَ ، واجعَل لي في القيامَةِ نُورَاً بين يَدَيَّ ومن خَلفي ، وعَن يَميني وعَن شِمالي ، تهديني بِهِ إلى دارِكَ دار السُّلام يا ذَا الجَلالِ والإكرام. اللّهُمَّ إني أسألُكَ العَفو والعافِية في الدّنيا والآخِرَةِ ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ العَفوَ والعافِيةَ في كُلّ شَيءٍ أعطَيتني ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ العَفو والعَافية في أهلي ومالي ووُلدي وكُلّ شَيءٍ أحبَبتَ

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣٥.

٢٤٢

أن تُلبسَني في العافيِةَ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّد وآلِ مُحمّدٍ وأقلِني عَثرتي ، وآمِن رَوعَتي ، واحفَظني من بَينَ يَدَيَّ ومن خَلفي ، وعَن يَميني وعن شِمالي ، ومن فَوقي ومن تَحتي ،( اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

يا رَحمانَ الدُّنيا والآخِرة ورَحيَمهُما صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِهِ ، واغفر لي ذَنبي ، واقضِ عَني دَيني ، واقض لي جَميعَ حَوائجي ، أسألُكَ ذلِكَ بأنّكَ مالِكٌ ، وأنّكَ عَلى كُلّ شَيء قَديرٌ وأنّكَ ما تشاءُ من أمرٍ يَكُن. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ إيماناً صادِقاً وَيقيناً لَيسَ بَعَدهُ ( شك )(٢) ، وتَواضعاً لَيسَ بَعدَهُ كبر ، وَرحمةً أنالُ بِها شَرَفَ الدُّنيا والآخِرَةِ(٣) .

اليوم السابع والعشرون :

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ رحمةً من عِندِكَ تَهدي بها قَلبي ، وتَجمعُ بها أمري ، وَتَلُمُّ بها شَعثي ، وتُصلحُ بها ديني ، وتَحفَظُ بها عيالي ، وتَرفَع بها

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) من نسخة « ك » شكر ، واثبتنا ما في الرواية الأولى من نسخة « ن ».

(٣) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٢٣ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٣

شَهادَتي ، وتُكثرُ بِها مالي ، وتُزيدُ بها في رِزقي وَعُمري ، وتُعطيني بها كُلّما أُحبّ ، وتَصرِفَ عني ما أكرَهُ ، وتُبَيِّض بها وجهي ، وَتَعصِمني بها من كُلّ سوءٍ.

اللّهُمَّ أنت الأوَّلُ فَلا شَيءَ قَبلَكَ ، وأنت الآخرُ فَلا شَيءَ بَعدَكَ ، ظَهرتَ فَبطَنت ، وبَطنتَ فَظَهرتَ ، عَلَوتَ في ذُنوّكَ ، ودَنوتَ في عُلُوكَ ، أسالُكَ أن تُصَلي على مُحمّدٍ وآلِهِ ، وأن تَصلحَ لي ديني الَّذي هُوَ عصمة أمري ، وتُصلحَ دنياي التي فيها مَعيشتي ، وأن تُصلحَ لي آخرتي التي إليها مُنقلبي ، وأن تَجعَلَ الحَياةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيرٍ ، وأن تَجعلَ المَوت راحةً لي من كُلِّ سوءٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمد قَبل كُلّ شيء ، ولك الحمد بعد كُلّ شيء ، يا صَريخ المَكروُبين ، يا مُجيبَ دَعوة المُضطرينَ ، يا كاشِفَ الكربِ العَظيم ، يا أرحَمَ الراحِمينَ ، إكشف غَمّي وكربي ، فَانَّهُ لا يَكشفُهُ غَيرُكَ ، تَعلَم حالي وحاجَتي.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمد كُلّهُ ، ولَكَ المُلكُ كُلّه ، وَبِيدكَ الخَير كُلّه ، وإليكَ يَرجَعُ الأمر كُلّهُ ، عَلانيتُهُ وسِرُّهُ ، لا هادِي لَمِن اضلَلت ، ولا مُضِلِّ لَمِن هديتَ ، ولا مانَعَ لِما أعطَيتَ ، ولا مُعطي لما مَنعَتَ ، ولا مُؤَخّرَ لِما قَدّمتَ ، ولا مُقَدِّم لما أخَّرت ، ولا باسِطَ لِما قَبضت ، ولا قابِضَ لِما بَسطتَ.

اللّهُمَّ ابسط عَلَينا بَرَكاتكَ ورَحمتكَ وفَضلكَ ورِزقكَ ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ الغنى يَومَ الفَقر ، وأسألُكَ الأمنَ يَومَ الخَوفِ. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ

٢٤٤

النَّعيم المُقيم الَّذي لا يَزولُ ولا يَحولُ. اللّهُمَّ رَبِّ السّماواتِ السَّبعِ وما فيهنَّ وما بَيَنهُنَّ ورَبِّ العَرش العظيم ، رَبَّنا ورَبِّ كُلّ شيءٍ ، مُنزِل التَّوراة والإنجيلِ والفُرقانِ العظيمِ ، فالِق الحَبِّ والنَّوى ، أعُوذُ بِك من شَرِّ كُلّ دابةٍ أنتَ آخِذٌ بناصِيتها ، أنّكَ على صِراطٍ مُستقيمٍ.

اللّهُمَّ أنتَ الأولُ فَلا شَيءَ قَبلَكَ ، وأنتَ الآخِرُ فَليسَ بَعدكَ شيءٌ ، وأنتَ الظاهِر فُليسَ فَوقكَ شيءٌ ، وأنتَ الباطنُ تُخبِرُ كُلَّ شَيء ، وأنتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعدَكَ شَيءٌ ، صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ وافعَل بي ما أنتَ أهَلُهُ.

بسمِ اللهِ وبِاللهِ ، بِاللهِ أؤمِنُ ، وبِاللهِ أعُوذُ ، وباللهِ ألوذُ ، وباللهِ أعَتصِمُ ، وبِعِزَِّته ومنعَتِهِ أمتنعُ من الشَّيطانِ الرَّجيم وَعَملِهِ وخَيلِهِ ورَجلِهِ ، وَشركُلّ دابةٍ تزحفُ معهُ. وأعُوذُ بِكُلِماتِ اللهِ التّامّاتِ التي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فاجِر ، وبِأسماءِ اللهِ الحُسنى كُلّها ، ما عَلِمتُ مِنها وما لَم أعلَم به ، من شَرَّ ما خَلَقَ وذَرَأ وبَرَأ ، ومن شَرِّ كُلّ طارِقٍ إلاّ طارِقاً يَطرقُ بِخَيرٍ ، يا رَحمانُ.

اللّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ من شَرِّ نَفسي ، ومن شَرِّ كُلِّ عَينٍ ناظِرةٍ ، ومن شَرِّ كُلّ أُذنٍ سامِعَةٍ ، ولِسانٍ ناطِقٍ ، وَيَدٍ باسطَةٍ ، وَقَدمٍ ماشِيةٍ ، وما أخفَيتُهُ في نَفسي ، في لَيلي ونَهارِي ، اللّهُمَّ من أرادَني بِبغي أو عَيب ، أو مَساءةٍ أو سوءٍ ، أو مكروهٍ ، أو خِلافٍ ، من جِنٍّ أو إنسٍ ، قَريبٍ أو بَعيدٍ ، صَغيرٍ أو كبيرٍ ، فَأسألُكَ أن تخرجَ صَدرَهُ ، وتمسكَ يَدَهُ ، وتَقصرَ

٢٤٥

قَدَمَهُ ، وتَفحَمَ لِسانَهُ ، وتَعمي بَصَرَهُ ، وتَقمَعَ رَأسَهُ ، وَترُدَّهُ بِغَيظهِ ، وتَحول بَيني وبَينَهُ ، وتَجعَلَ لَهُ شاغِلاً من نَفسِهِ ، وتُميتَهُ بِغَيظِهِ ، وتكفينيهِ ، بِحولِكَ وقُوّتِكَ أنّكَ على كُلّ شيءٍ قَديرٌ(١) .

اليوم الثامن والعشرون :

اللّهُمَّ إنّي أعُوذُ بكَ من كُلّ شيءٍ هُو دونكَ. اللّهُمَّ لا تَحرِمني ما أعطَيتَني ، ولا تَفتني بما مَنَعتنَي. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ خَيرَ ما تُعطي عِبادَكَ مِنَ الأمانَةِ والمالِ والأهلِ وَالوَلدَ النّافعِ غَير الضّارِ ولاَ المُضِرِّ. اللّهُمَّ إني إليكَ فقيرٌ ، وإني مِنكَ خائِفٌ مُستَجيرٌ بِكَ.

اللّهُمَّ لا تُبدِل اسمي ، ولا تُغَيّر جِسمي ، ولا تُجهِد بَلائي ، اللّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ من غنىً يُطغي ، أو هوىً يُردي ، أو عَملٍ يُخزي. اللّهُمَّ اغفِر لي جُرمي ، واقبَل تَوبتي ، واظهر حُجّتي ، واستُر عَورَتي ، واجَعَل مُحمّداً وآلِهِ والأنبياءِ المُصطَفينَ يَستَغفِرونَ لي.

اللّهُمَّ إنّي أعوَذُ بِكَ أن أقولَ قَولاً هُوَ من طاعَتِكَ أريدُ بِه سِوى وَجهكَ ، وأعَوذُ بِكَ أن يَكون غَيري أسَعَدَ بما آتَيتَني منّي. اللّهُمَّ وإنّي أعَوذُ بِكَ من شَرّ الشَّيطانِ ، وشَرِّ السُّلطانِ ، وما تَجري بِه أقلامُهُم. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ عَمَلاً بارّاً ، وعَيشاً قارّاً ، ورِزقاً دارّاً.

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٣٥ ، ونقل المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٦

اللّهُمَّ كَتَبتَ الآثامَ واطّلَعتَ على الأسرارِ ، وَحُلْتَ بَيَننا وَبَينَ القُلُوب. والقُلوبُ إليكَ مفضيةٌ ، والسِّرُّ عِندَكَ عَلانِيةٌ ، وإنِّما أمرُكَ إذا أرَدتَ شَيئاً أن تَقُولَ لَهُ : كُن ، فَيَكونُ.

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِرَحمتِكَ أن تدخلَ طاعَتَكَ في كُلّ عُضوٍ من أعضائي ثمَّ لا تُخرِجُها مِنّي أبداً. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِرحمتكَ أن تخرجَ مَعصيتَكَ من كُلّ عُضوٍ من أعضائي ثُمَّ لا تُعيدُها في أبَداً. اللّهُمَّ أنّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عَنّي. اللّهُمَّ كُنتَ وَتكَون وأنتَ حَيٌّ قَيوّمٌ لا تَنامُ ، تَنامُ العُيونُ وتَغورُ النُّجوم وأنتَ الحَيُّ القَيوُّمُ ، لا تأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، فَرِّج عَنّي هَمِّي ، اللّهُمَّ واجعَل لي من أمري فَرَجاً ومَخرَجاً ، وثَبتَ رَجاءَكَ في قَلبي حتى تُغنيني بِه عَن رَجاءِ مَن سِواكَ ، وحَتى لا يَكوُنَ ثِقتي إلاّ أنتَ.

اللّهُمَّ لا تَكتبني من الغافلين. اللّهُمَّ لا تَستَدرِجني بِخطيئتي ، ولا تَفضحني بِسريرتي. اللّهُمَّ إنّي أعَوذُ بِكَ أن أضِلَ عِبادكَ ، واستريب إجابَتكَ. اللّهُمَّ إنّ لي ذُنُوباً قد أحصَتها كُتُبكَ ، وأحاطَ بها عِلمُكَ ، ونَفَذَها بَصَرُكَ ، ولَطُفَ بها خَبركَ ، وكتبَتها مَلائِكتُكَ. اللّهُمَّ فلا تُسَلّطُ عَلَيّ في الدّنيا ولا في ما بَعدها مَن لم يَخلُقني ولَم يَرحَمني ، ومَن أنتَ أولى بِرَحمتي مِنهُ. اللّهُمَّ وما سَتَرت عَلَيّ من تِلكَ العُيوبِ والعَوراتِ ، وأخَّرت من تِلكِ العُقُوباتِ ، مَكراً مِنكَ واستدراجاً ، لِتأخُذَني بِها يَومَ القيامة ، وتَفضحني بها عَلى رُؤوسِ الخَلائِق ، فَاعفُ عَنّي في الدّارينَ كَلتيهما ، فَأنّكَ غَفورٌ رَحيمٌ.

٢٤٧

اللّهُمَّ أنْ لم اُكن أهلاً أن أبلُغَ رَحَمتكَ فَإنَّ رَحَمتَكَ أهلٌ أن تبلُغني ، فإنَّها وسَعتَ كُلّ شَيء ، فَلتَسعني رَحَمتك يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ وإن كنتَ خَصَصت بِذلِكَ عِباداً أطاعُوكَ فيما أمَرتَهُم به ، وعَمِلوُا فيما خَلَقتهَمُ لَهُ ، فَإنَّهمُ لَن يَناَلُوا ذِلكَ إلاّ بكَ ، ولا يُوفِقهُم لَهُ إلاّ أنتَ ، كانَتَ رَحَمتُكَ إيّاهُم قَبلَ طاعَتِهِم لَكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ فخصّني يا سَيدي ومَولايَ ، ويا إلهي ويا كَهفي ، ويا حِرزي ويا كَنزي ، ويا قُوتي ويا رَجائي ، ويا خالِقي ويا رازقي ، بِما خَصَصتَهُم به ، ووَفِقني لِما وفقتهم لَهُ ، وارحَمني كما رَحمتَهُم يا أرحَمَ الرّاحميِنَ.

يا مَن لا يَشغلُهُ سَمعٌ عن سمعٍ ، يا مَن لا يُغَلِّطُهُ السّائِلُونَ ، يا مَن لا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلحِيّنَ ، أذِقنا بِردَ عَفوك ، وحَلاوَةَ مَغفِرتِكَ ، وطيبَ رَحَمتِكَ.

اللّهُمَّ إنّي أسَتَغفرُكَ مَمّا تُبتُ إليكَ مِنهُ ثُمَّ عُدتُ فيه ، وأستَغفِرُ كَلِما وَعَدتُكَ من نَفسي ثم أخلَفتُكَ ، وأستَغفِرُكَ لِكلِ أمرٍ أرَدتُ به وَجهك فَخالَطَني فيه ما لَيسَ لَكَ ، وأستَغفركَ لِكُلّ النِّعمِ التَّي أنَعمتَ بها عَلَيّ فَقويتُ بِها عَلى مَعصيتِكَ ، وأستَغفِرُكَ مِمّا دَعاني إليهِ الهَوى من قبول الرُّخَصِ فيما أتَيتُهُ واشتَبَه عَلَيَّ مِمّا هُوَ حَرامٌ عِندَكَ ، وأستَغفِرُكَ لِلذّنوبِ التي لا يَعْلُمها غَيرُكَ ، ولا يَسَعُها إلاّ حِلمُكَ وعَفَوكَ ، وأستَغفِرُكَ لكُلِّ يَمينٍ سَبقَت مني حَنثتُ فيها عِندَكَ ، يا مَن عَرَّفَنا نَفسهُ لا تَشغُلُنا بِغَيرِكَ ، وأسقِط عنّا ما كانَ لِغَيركَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ(١) .

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٤٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٨

اليوم التاسع والعشرون :

لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ الكَريمُ ، لا إلهَ إلاّ الله العَليُّ العَظيمُ ، سُبحانَ الله رَبِّ السّماواتِ السَّبع وما فيهِنَّ وما بَينهُنَّ ورَبِّ الأرَضينَ السَّبع وما فيهنَّ وما بَينَهُنَّ ورَبِّ العَرشَ العظيمِ ، والحَمدُ لله رَبِّ العالمينَ ، وتَباركَ اللهُ أحَسنُ الخالقينَ ، ولا حَولَ ولا قُوّة إلاّ بالله العَلي العَظيم.

اللّهُمَّ ألبسني العافية حتى تهنيني المعيشة ، واختم لي بالمغفِرة حَتى لا تَضُرنّي مَعَهَا الذُّنوبُ ، واكفِني نَوائِبَ الدُّنيا وهُمُومَ الآخِرَة حَتّى تُدخلني الجَنَّةَ بِرحَمتِكَ أنّكَ على كُلّ شَيءٍ قَديرٌ.

اللّهُمَّ إنّكَ تَعَلم سَريرَتي فاقبَل مَعذِرتي ، وتَعلَمُ حاجَتي فَاعطِني مَسألَتي ، وتَعلُم ما في نَفسي فَاغِفر لي ذُنوبي ، اللّهُمَّ أنتَ تَعلَمُ حوائِجي وتَعَلمُ ذُنُوبي. فَاقضِ لي جَميعَ حَوائِجي ، واغفِر لي جَميعَ ذُنوبي.

اللّهُمَّ أنتَ الرَبِّ وأنا العَبدُ ، وأنتَ المالِكُ وأنا المَملُوكُ ، وأنتَ العزيزُ وأنا الذَّليلُ ، وأنتَ الحَيُّ وأنا خَلَقتَني للمِوتِ ، وأنتَ القَويُّ وأنا الضَّعيفُ ، وأنتَ الغَنيُّ وأنَا الفَقيرُ ، وأنتَ الباقي وأنا الفاني ، وأنتَ المُعطي وأنا السائِلُ ، وأنتَ الغَفُورُ وأنَا المُذنِبُ ، وأنتَ السَّيّدُ وأنا العَبدُ ، وأنتَ العالِمُ وأنَا الجاهِلُ ، عَصَيتُكَ بِجَهلي ، وارتَكَبتُ الذُّنوبَ بِجَهلي ، وألَهْتني الدُّنيا بِجَهلي ، وسَهَوتُ عَن ذِكرِكِ بِجهَلي ، وركَنتُ [ إلى ] الدُّنيا بِجَهلي ،

٢٤٩

واغتَررتُ بِزينَتها بِجهلي ، وأنتَ أرحَمُ بي مني بِنفسي ، وأنتَ أنظر لي مِنّي لِنفسي ، فَاغفِر وارحَم وتَجاوَز عَمّا تَعلَمُ ، فإنّكَ أنتَ الأعَزُ الاكرمُ.

اللّهُمَّ اهدِني لأِرشَدِ الأُمور وقِني شَرَّ نَفسي. اللّهُمَّ أوسِع لي في رِزقي ، وأمدُد لي في عُمري ، واغفِر لي ذُنوبي ، واجعَلني ممَّن تَنتصِرُ به لِدينِكَ ولا تَستبدِل بي غَيري ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا حَيُّ يا قَيوُّمُ ، فرِّغ قلبي لِذِكرِكَ.

اللّهُمَّ رَبِّ السّماواتِ السّبعِ وما بَينهُنَّ ، ورَبِّ [ السبع ] المَثاني والقرآنِ العَظيم ، ورَبِّ جَبرئيلَ وميكائيلَ ، ورَبِّ المَلائِكةِ أجمعَين ، ورَبِّ مُحمّدٍ خاتَمِ النَّبيّينَ والمُرسَلينَ أجمعينَ ، صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ واغنني عَن خِدمَةِ عِبادِكَ ، وفَرّغني لِعبادَتِكَ باليسار والكِفايةِ والقنوعِ وَصدقِ اليَقينِ في التّوكُلّ عَليكَ.

اللّهُمَّ [ و ] أسألُكَ باسمكَ الَّذي تَقُومُ به السّماواتِ السَّبع ومَن فيهِنَّ وما بَينهُنَّ ، وبه تَرزُقُ الأحياءَ ، وبه أحصَيتَ وزنَ الجِبالِ ، وبِه احصيتَ البحار ، وبه أحصَيتَ عَددَ الرّمالِ ، وبه تُمتِ الأحياء ، وبه تُحيي المَوتى ، وبه تُعزُّ الذَليلَ ، وبه تُذِلُّ العزيزَ ، وبِه تَفعَلُ ما تَشاءُ ، وبه تَقُولُ للشيء :كن فيكون ، وإذا سألك به سائل اعطيته سؤله ، أسألُكَ باسمك الأعظَمِ الأعظَمِ ، الَّذي إذا سَألكَ به السائِلونَ أعطَيتَهُم سُؤلَهُم ، وإذا دَعاكَ به الدّاعُونَ أجَبتَهُم ، وإذا اسَتجارَ بِكَ المُستَجيرُونَ أجَرتَهُم ، وإذا دَعاكَ به المُضطرُّون أنقَذتَهُم ، وإذا تَشَفّعَ به إليكَ المُتَشفّعونَ شَفَعتَهُم ، وإذا

٢٥٠

استَصرخَكَ به المُستصرخُونَ أصرَخَتهُم ، وإذا ناجاكَ به الهارِبُونَ إليكَ سَمِعتَ نِداءهُم وأعنتَهُم ، وإذا أقبلَ إليكَ التّائِبونَ قَبلتَ تَوبتَهُم.

فَأنَا أسألُكَ ـ يا سَيَّدي ويا مَولاي ويا إلهي ويا قُوّتي ويا رَجائي ويا كَهفي ويا رُكني ويا فَخري ، ويا عِدَّتي لِديني ودُنيايَ وآخِرَتي ـ بِاسمكَ الأعظَمِ ، وأدعُوك بِه لِذَنبٍ لا يَغفِره غَيرُكَ ، ولِكربٍ لا يَكشِفُهُ سِواكَ ، ولِضُرّ لا يَقدِرُ عَلى إزالَتِهِ عَنّي إلاّ أنتَ ، ولِذنُوبي التي بارَزتُكَ بِها ، وقَلَّ مِنها حَيائي عِندَ ارتكابي لَها ، فَها أنا قد أتَيتُكَ مُذنباً خاطِئاً ، قَد ضَاقَت عَلَيّ الأرضُ بِما رَحُبت ، وضَلّت عَنَّي الحيلُ ، وعَلِمتُ أن لا مَلجأ ولا مَنجاً مِنكَ إلاّ إليكَ ، وها أنَا ذا بَينَ يَدَيكَ ، قَد أصبحتُ وأمسيتُ مُذنِباً خاطِئِاً ، قد ضاقَتَ عَليّ الأرضُ ، فَقير ( محتاجاً )(١) ، لا أجِدُ لِذَنبي غافِراً غَيرَكَ ، ولا ( لِكَسري )(٢) جابراً سِواكَ ، ولا لِضُرّي كاشِفاً إلاّ أنتَ. وأنا أقُولُ كما قالَ عَبدُكَ ذُو النّوُنِ حينَ تُبتَ عَلَيهِ ونَجَيتهُ من الغَمِّ ، رَجاءً أن تَتوُبَ عَلَيَّ وتُنقِذُني من الذُّنوبِ يا سَيّدي( لا إِلَٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وأنا أسألُكَ يا سَيّدي ومَولايَ بِاسمِكِ العَظيم الأعظمِ أن تَستَجيبَ لي دُعائي ، وأن تُعطِيني سُؤلي ، وأن تُعجِّل لي الفَرَجَ من عِندِكَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : محتالاً ، وفي نسخة « ن » : محتلاً ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي.

(٢) في نسخة « ك » : لشكواي ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٣) الانبياء ٢١ : ٨٧.

٢٥١

بِرحَمتِكَ في عافيةٍ ، وأن تُؤمِنَ خَوفي في أتَم النّعمةِ ، وأعظَمِ العافيةِ ، وأفضَلِ الرزقِ والسّعة والدَّعَةِ ، وما لَم تَزَلْ تُعَوِّدنيهِ يا إلهي ، وتَرزُقَني الشّكرَ عَلى ما تُؤتيَني ، وتَجعَلَ ذلِكَ تاماً أبَداً ما أبقَيتَني ، وتَعفُو عن ذُنوبي وخَطايايَ وأسرافي عَلى نَفسي وإجرامي إذا تَوَفيَتني ، حتى تَصِلَ لي سَعادَةَ الدُّنيا بِنَعيم الآخِرَةِ.

اللّهُمَّ بِيدِكَ مَقاديرُ اللَيل والنَّهار ، وبِيدِكَ مقاديرُ الشمسِ والقَمر ، وبيدِكَ مَقاديرُ الخَير والشَّرِّ ، اللّهُمَّ فَباركَ لي في ديِني ودُنيايَ وآخِرَتي ، اللّهُمَّ وباركَ لي في جَميع أُموري.

اللّهُمَّ لا إلهَ إلاّ أنتَ ، وعدكَ حَقٌ ، ولِقاؤُكَ حَقٌ ، فَصَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ ، وَاختِمْ لي أجَلي بافضَلِ عَمَلي ، حَتّى تَتَوفّاني وقَد رضَيتَ عَنّي يا قيّومُ ، يا كاشِفَ الكَربِ العَظيمِ ، صَلَّ على مُحمّدٍ وآله ، وَوسِّع علَيّ مِن طيب رِزقكَ حسب جودِكَ وكَرَمِكَ.

اللّهُمَّ أنّكَ تَكَفَّلتَ بِرِزقي ورِزقِ كُلّ دابةٍ ، يا خَيرَ مَدعُوٍ ، ويا خَيرَ مَسؤولٍ ، يا أوسَعَ مُعطٍ وأفضَلَ مَرجُوٍ ، وسِّع لي في رِزقي ورِزقِ عَيالي.

اللّهُمَّ اجَعلْ فيما تَقضي وفيما تقدِّرُ من الأمرِ المَحتوم ، وفيما تَفرِقُ مِن الأمِر الحكيمِ في لَيلَةِ القَدر ، في القَضاءِ الَّذي لا يُردُّ ولا يُبدَّلُ ، أن تُصلّيَ عَلَى مُحمّدٍ وآلهِ ، وأن تَرحَمَ مُحمّداً وآل مُحمّدٍ ، وأن تُبارِكَ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، كما صَلَّيتَ وباركَتَ وتَرَحَّمت عَلى إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ أنّكَ حَميدٌ مَجيدٌ ، وأن تَكتُبَني من حُجّاجِ بَيتِكَ الحَرامِ ، المَبرورِ حَجهُّمُ ،

٢٥٢

المَشكور سَعيُهُم ، المَغفور ذُنُوبهُم ، المُكفَّر ( عَنْهُم )(١) سَيّئاتِهِم ، الواسِعةِ أرزاقُهُم ، الصحيحةِ أبدانهُم ، المُؤمِنَ خَوفَهُم ، واجعَل فيما تقضي وفيما تَقدِرُ أن تَطّوّلَ عُمري ، وأن تَزيدَ في رِزقي. يا كائِناً قَبلَ كُلّ شَيء ، يا مكون كُلّ شيءٍ ، يا كائناً بعد كُلّ شيءٍ ، تَنامُ العُيونُ ، وتَنكِدرُ النُّجومُ وأنتَ حَيٌّ قَيّومٌ ، لا تأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ.

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِجلالِكَ وحِلمِكَ ، ومَجدِكَ وكَرَمِكَ ، أن تُصلّي عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تَغفِرَ لَي ولِوالدِيَ ، وتَرحَمهُما رَحَمةً واسِعَةً ، أنّكَ أرحَمُ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بأنّكَ مالِكٌ ، وأسألُكَ بأنّكَ على كُلّ شيءٍ قَديرٌ ، وأسألُكَ بأنّكَ ما تشاءُ يَكنُ من أمرٍ ، ان تَغفِرَ لي ولإخوإنّي من المُؤمنينَ ( وَالمؤمنات )(٢) أنّكَ رَؤُفٌ رحَيمٌ.

الحَمدُ لله الَّذي اشَبعَنا في الجائِعينَ ، والحَمدُ للهِ الَّذي كَسانا في العارينَ ، والحمدُ للهِ الَّذي آوانا في الغائِبين ، والحَمدُ للهِ الَّذي أكرمَنا في المُهانينَ ، والحَمدُ لله الَّذي آمننا في الخائِفين ، والحَمدُ لله الَّذي هَدانا في الضّالينَ. يارَجاءَ المُؤمِنينَ لا تُخيَّبَ رَجائي ، يا غِياث المُستغيثينَ أغِثني ، يا مُعينَ المُؤمنينَ أعِنِّي ، يا مُجيب التَّوابين تُبْ عَلَيّ ، أنّكَ أنتَ التَوابُ الرَّحيمُ.

حَسبِيَ الرَبِّ من العِبادِ ، حَسبِيَ المالِكُ من المَملُوكينَ ، حَسبيَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : عن ، واثبتنا ما في نسخة « ن » وما تقدم من الرواية الأولى في نسخة « ك ».

(٢) اثبتناه من نسخة « ن ».

٢٥٣