اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)23%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132687 / تحميل: 7933
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

عند ذلك: (يا سليمان، هذا أعلم هاشمي)(١) .

وفي مجلس آخر جمع المأمون عدداً من علماء الأديان وأهل المقالات، فلم يتكلم أحد إلاّ وقد ألزمه الإمامعليه‌السلام حجته، وقام إليه علي بن محمد بن الجهم، وأثار الشبهات حول عصمة الأنبياءعليهم‌السلام اعتماداً على الآيات المتشابهة الواردة في القرآن الكريم، وأثار الشبهات حول عصمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأجابه الإمامعليه‌السلام وأزال الشبهات عن ذهنه، واثبت له بالعقل والنقل عصمة جميع الأنبياءعليهم‌السلام ، فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال: يا ابن رسول الله أنا تائب إلى الله عزّ وجلّ من أن انطق في أنبياء اللهعليهم‌السلام بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته(٢) .

وفي مجلس آخر تساءل المأمون عن عصمة الأنبياء وأورد الآيات المتشابهة في ذلك فأجابه الإمامعليه‌السلام جواباً شافياً، وأوّل له تلك الآيات على خلاف ظاهرها، فقال المأمون: (لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليّ)(٣) .

وكان هدف المأمون - كما يرى الشيخ الصدوق - هو الحرص على انقطاع الرضاعليه‌السلام عن الحجة مع واحد منهم، وذلك حدّاً منه له ولمنزلته من العلم(٤) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٧٩ - ١٩١.

(٢) الاحتجاج، الطبرسي: ٢ / ٤٢٣.

(٣) الاحتجاج: ٢ / ٤٣٦.

(٤) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٩١. راجع جملة من هذه الاحتجاجات في الفصل الثالث من الباب الرابع من الكتاب.

١٤١

رابعاً: نشر مفاهيم أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

استثمر الإمامعليه‌السلام الفرصة المتاحة له لنشر مفاهيم أهل البيتعليهم‌السلام ونشر فضائلهم، وخصوصاً بين الفقهاء والقضاة والقوّاد والوزراء، ومن يرتبط بالبلاط الحاكم بصلة.

فقد وضّح الإمامعليه‌السلام تلك الفضائل بعد أن حاول الحكّام طمسها، ونشر أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بحقهم ومنها:

قوله (صلّى الله عليه وآله): (علي إمام كل مؤمن بعدي)(١) .

وقوله (صلّى الله عليه وآله): (يا علي أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، يا علي أنت إمام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيّين وسيد الصدّيقين، يا علي أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر... إن حزبك حزبي، وحزبي حزب الله، وإن حزب أعدائك حزب الشيطان)(٢) .

وقوله (صلّى الله عليه وآله): (ما زوّجت فاطمة إلا لما أمرني الله بتزويجها)(٣) .

وتحدث الإمامعليه‌السلام عن عشرات الأحاديث الواردة في ذلك.

وفي مجلس عقده المأمون لجماعة من علماء العراق وخراسان سأل عن معنى الآية الكريمة:( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) .

فأجابه العلماء: أراد الله عَزَّ وجَلَّ بذلك الأُمة كلها.

فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال الإمامعليه‌السلام : (لا أقول كما قالوا، ولكنّي أقول: أراد الله عَزَّ وجَلَّ بذلك

____________________

(١) كشف اليقين، العلاّمة الحلي: ١٧.

(٢) بحار الأنوار: ٢٨ / ١١١.

(٣) فرائد السمطين: ١ / ٩٠.

(٤) سورة فاطر (٣٥): ٣٢.

١٤٢

العترة الطاهرة).

ثم ذكر الإمامعليه‌السلام اثني عشر آية قرآنية تدل على أفضلية العترة الطاهرة، فقال المأمون والعلماء ك (جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن هذه الأُمة خيراً، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلاّ عندكم)(١) .

وسأل المأمون الإمامعليه‌السلام أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، فكتب إليه أصول العقائد ومنها الإمامة، ومما جاء في ذلك الكتاب: (وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق عن القرآن، والعالم بإحكامه، أخوه وخليفته ووصيّه ووليّه، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، علي بن أبي طالبعليه‌السلام أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين، ووارث علم النبيين والمرسلين، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

ثم بيّن أسماء الأئمةعليهم‌السلام وقال: ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية، وأن من دينهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاستقامة والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر...(٢) .

ووضّح الإمامعليه‌السلام مفاهيم الإمامة ومسؤوليات الإمام فقال: (إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحلل حلال الله ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة)(٣) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٢٨ - ٢٤٠، وفي تحف العقول: ٤٢٥ - ٤٣٦.

(٢) بحار الأنوار: ٦٨ / ٢٦٣، ح ٢٠.

(٣) الاحتجاج، الطبرسي: ٢ / ٤٤١ - ٤٤٢.

١٤٣

وذكرعليه‌السلام في لقاءاته المختلفة وفي أجوبته المتعددة صفات الإمام، ووحدة الإمامة، وواجبات وحقوق الإمام لكي يعطي للأمة الفرصة لتشخيص الإمام الحقّ وإن لم يكن مبسوط اليد، فليس كل من استلم الحكم أصبح إماماً، وإنما الإمام له صفات خاصة ثابتة في الإسلام ومنها أن يكون (أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس)(١) .

واستثمر الإمامعليه‌السلام الفرصة لنشر الأحاديث التوحيدية لأهل البيتعليهم‌السلام وردّ على جميع الشبهات العقائدية التي تتعلق بصفات الله، وبالتشبيه، وفنّد آراء المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة والغلاة.

خامساً: حقن دماء أهل البيتعليهم‌السلام

من مكتسبات قبول ولاية العهد من قبل الإمامعليه‌السلام هو حقن دماء أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد قام المأمون تقرباً للإمامعليه‌السلام بإعلان العفو العام عن جميع قادة الثورات، ومنهم زيد أخو الإمامعليه‌السلام وإبراهيم، ومحمد بن جعفر، وأردف العفو بتنصيب بعضهم ولاة في بعض الأمصار، فكانت خير فرصة لهم للقيام بإصلاح الأوضاع بصورة سلمية هادئة، وخير فرصة لإعادة بناء القاعدة الشعبية الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام وتنظيم صفوفها، والاستفادة من الإمكانيات المتاحة لتطوير الحركة الرسالية، ولولا قبول الإمامعليه‌السلام بولاية العهد لسفكت دماء كثيرة قبل أن تؤدّي دورها ومسيرتها في داخل الأُمة، فقد جاء قبول الإمامعليه‌السلام في وقت كان خط أهل البيتعليهم‌السلام بحاجة إلى قسط من التفرّغ للعمل الرسالي السلمي بعيداً عن شهر السلاح الذي يكلّف كثيراً ويربك الأوضاع الداخلية له.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢١٣.

١٤٤

الفصل الثاني: نشاطات الإمام الرضاعليه‌السلام بعد البيعة بولاية العهد

لم يحصل المأمون من بيعته للإمام الرضاعليه‌السلام إلاّ على بعض الامتيازات والمكاسب والتي منها إيقاف العمليات العسكرية المسلحة، وقطع علاقة الإمامعليه‌السلام بأغلب قواعده الشعبية المقيمة في العراق وفي الحجاز واليمن، وأمّا الإمامعليه‌السلام ومنهج أهل البيتعليهم‌السلام فقد حصلا على امتيازات واسعة، واستثمر الإمامعليه‌السلام الفرصة للقيام بأداء دوره الإصلاحي والتغييري بشكل كبير، وتتحدد معالم هذه المرحلة بالمظاهر والممارسات التالية:

إفشال خطط المأمون

أراد المأمون أن يجعل الإمامعليه‌السلام وسيلة لإضفاء الشرعية على حكمه، وإيقاف نشاط الحركات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وقد طلب من الإمامعليه‌السلام أن يولّي أحد أتباعه على البلدان التي تمرّدت على حكمه، ولكي يوقف تمرّدها حينما يكون الوالي من أنصار وأتباع الإمامعليه‌السلام ، أو يجعل المعارضة وجهاً لوجه أمام بعضها البعض.

ولكنّ الإمامعليه‌السلام أفشل خطة المأمون بهدوء طبقاً للشروط التي اشترطها، كما روي عنهعليه‌السلام أنه قال: (قال لي المأمون: يا أبا الحسن انظر

١٤٥

بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي فسدت علينا، فقلت له: تفي لي وأفي لك، فإنّي إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى ولا أعزل ولا أولِّي ولا أسير، حتى يقدمني الله قبلك، فوالله أن الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي، ولقد كنت بالمدينة أتردّد في طرقها على دابّتي، وإن أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم، فيصيرون كالأعمام لي، وأنّ كتبي لنافذة في الأمصار، وما زدتني في نعمة هي عليّ من ربي، فأجابه المأمون: أفي لك).

ولم يراجعه المأمون في نفس القضية بعد ذلك، وليس أمامه إلاّ إصلاح الأوضاع العامة لتجنّب الثورات والتمرّدات المسلّحة.

ولم يتدخل الإمامعليه‌السلام في تعيين مسؤولي سائر المناصب كالقضاة وأمراء الجيش وأصحاب بيوتات الأموال، وتجنب جميع التصريحات والمواقف التي تمنح الشرعية لحكم المأمون، ولم يتدخل إلاّ في إصلاح المفاهيم والقضايا القضائية، وكل ما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين.

إصلاح القضاء

كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الاثنين ويوم الخميس، ويجلس الإمامعليه‌السلام إلى جانبه الأيمن، فرفع إليه أن صوفياً من أهل الكوفة سرق، فأمر بإحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال: سوءاً لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح، فقال الرجل: فعلت ذلك اضطراراً لا اختياراً، وقد منعت من الخمس والغنائم، فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا من حملة القرآن.

فقال المأمون: لا أعطل حداً من حدود الله وحكماً من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه.

١٤٦

قال: فابدأ أوّلاً بنفسك فطهرها ثم طهّر غيرك، وأقم حدود الله عليها ثم على غيرك.

فالتفت المأمون إلى الإمامعليه‌السلام فقال: ما تقول؟

فقالعليه‌السلام : (إنه يقول سرقت فسرق).

فغضب المأمون ثم قال: والله لأقطعنك.

قال الرجل: أتقطعني وأنت عبد لي؟ أليس أمك اشتريت من مال الفيء، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وأنا منهم وما أعتقتك، والأخرى أن النجس لا يطهر نجساً إنّما يطهره طاهر، ومن في جنبه حدّ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه...

فالتفت المأمون إلى الإمامعليه‌السلام فقال: ما تقول؟

قالعليه‌السلام : (أن الله عَزَّ وجَلَّ قال لنبيّه:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (١) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج الرجل).

فأمر المأمون بإطلاق الرجل الصوفي(٢) .

وكان الإمام يتدخل في مثل هذه القضية دفاعاً عن المظلومين والمحرومين، وتطبيق أحكام القضاء طبقاً للمنهج الإسلامي السليم، ففي أحد الأيام أُدخل إلى المأمون رجلٌ أراد ضربَ عنقه والإمامعليه‌السلام حاضر، فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال: (أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلاَّ عزاً)، فاتبع المأمون قول

____________________

(١) الأنعام (٦): ١٤٩.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢/٢٣٧ - ٢٣٨، وفي مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩٨ - ٣٩٩، بحار الأنوار: ٤٩/٢٨٨.

١٤٧

الإمامعليه‌السلام وعفى عنه(١) .

وأُتيَ المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية، فلما رآه المأمون أسلم النصراني؛ فغاضه ذلك، وسأل الفقهاء فقالوا: أهدر الإسلام ما قبل ذلك، فسأل المأمون الرضاعليه‌السلام فقال: (اقتله؛ لأنه أسلم حين رأى البأس؛ قال الله عَزَّ وجَلَّ:( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) (٢) ).

إصلاح الأعمال الإدارية

لم يتدخل الإمامعليه‌السلام في الشؤون الإدارية إلاّ في الحالات التي كان يجد فيها مصلحة إسلامية عامة تخص الإسلام والمسلمين، وتمنع الأعداء من اختراق الجهاز الإداري أو الحكومي، فكان يبدي نصائحه وتوجيهاته القيّمة في هذا المجال.

ومن هذه الشؤون، تعيين الولاة الذين أسلموا حديثاً، ففي ذات مرّة دخل الفضل بن سهل على المأمون وقال له: قد وليت الثغر الفلاني فلاناً التركي، فسكت المأمون، فقال الإمامعليه‌السلام : (ما جعل الله تعالى لإمام المسلمين وخليفة ربّ العالمين القائم بأمور الدين، أن يولي شيئاً من ثغور المسلمين أحداً من سبي ذلك الثغر، لأن الأنفس تحنّ إلى أوطانها، وتشفق على أجناسها، وتحب مصالحها، وإن كانت مخالفة لأديانها)، فقال المأمون: اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب(٣) .

فالإمام أعطى قاعدة كليّة في شؤون تعيين الولاة وأمراء الثغور، وليس ذلك اعترافاً بإمامة المأمون، وإنّما هو وضع قاعدة كلية لمطلق إمام المسلمين والذي ينصرف إلى الإمام العادل.

____________________

(١) نثر الدر: ١ / ٣٦٢.

(٢) سورة غافر (٤٠): ٨٤، نثر الدر: ١/٣٦١ وعنه في بحار الأنوار: ٤٩/١٧٣.

(٣) الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية: ٢١٩ - ٢٢٠ عن الدرّ النظيم في مناقب الأئمةعليهم‌السلام : ٦٨٣، الباب العاشر ذكر مولانا علي بن موسى الرضاعليه‌السلام .

١٤٨

نشر الآراء السديدة في داخل البلاط

استثمر الإمامعليه‌السلام فرصة وجوده في البلاط الحاكم لنشر الآراء السديدة في مختلف جوانب الفكر والعقيدة، ليطّلع الحاكم ووزراؤه والمقربون إليه من قادة وأمراء وفقهاء وخدم وبوّابين على آراء مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ومتبنياتهم الفكرية والعقائدية، وفضائلهم ومكارمهم.

وكان الإمامعليه‌السلام يتحدث ابتداءً حسب الظروف، ويجيب في ظروف أخرى على الأسئلة الموجهة إليه.

سأل الفضل بن سهل الإمامعليه‌السلام في مجلس المأمون فقال: (يا أبا الحسن؛ الخلق مجبورون؟ فقالعليه‌السلام : الله أعدل أن يجبر ثم يعذّب، قال: فمطلقون؟ قالعليه‌السلام : الله أحكم، أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه(١) .

وقال له المأمون: يا أبا الحسن؛ أخبرني عن جدك عليّ بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟ فقال:... ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (حب علي إيمان وبغضه كفر)، فقال بلى، فقال الإمامعليه‌السلام : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه، فهو قسيم الجنة والنار).

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنك وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) .

واستطاع الإمامعليه‌السلام بفكره الثاقب وأسلوبه الواعي أن يجعل المأمون وغيره يبادلونه الأسئلة، وأن يعترفوا بنفسهم بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام تقرباً

____________________

(١) نثر الدر: ١ / ٣٦١.

(٢) نثر الدر: ١ / ٣٦٤.

١٤٩

إليه، وكان المأمون: يعقد مجالس النظر ويجمع المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام ويكلمهم في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وتفضيله على جميع الصحابة، تقرباً إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا(١) .

ومن الطبيعي أن لا يعترض المخالفون على أقوال المأمون رغبة أو رهبة، وهذا له تأثيره المباشر على من يحضر هذه المجالس ويرى سكوت الفقهاء وعدم اعتراضهم على الآراء المطروحة أما لضعف الدليل أو استسلاماً للمأمون.

فاستطاع الإمامعليه‌السلام أن ينشر آراء أهل البيتعليهم‌السلام في جميع الفرص المتاحة له.

نصائح الإمام الرضاعليه‌السلام للمأمون

وكان الإمامعليه‌السلام يكثر وعظ المأمون إذا خلا به، ويخوفه بالله، ويقبّح ما يرتكبه به، فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه، ويبطن كراهته واستثقاله(٢) .

ودخل عليه في أحد المرّات فرآه يتوضّأ، والغلام يصبّ على يده الماء، فقالعليه‌السلام : (لا تشرك بعبادة ربّك أحداً)، فصرف المأمون الغلام، وتولّى إتمام وضوئه بنفسه(٣) .

وقال له يوماً: (ما التقت فئتان قط إلاّ نصر الله أعظمهما عفواً)(٤) .

ودخل عليه المأمون وقرأ عليه كتاب فتح بعض قرى كابل، فلما فرغ،

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٨٤ - ١٨٥.

(٢) الإرشاد: ٢/٢٦٩.

(٣) مجمع البيان: ٦/٧٧١ وعنه في بحار الأنوار: ٦٩ / ٢٨٣.

(٤) تاريخ اليعقوبي: ٤٥٣.

١٥٠

قال له الإمامعليه‌السلام : (وسرّك فتح قرية من قرى الشرك)، فقال المأمون: أوليس في ذلك سرور؟ فقال الإمامعليه‌السلام : (... اتق الله في أُمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ولاّك الله من هذا الأمر، وخصّك به، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم الله، وقعدت في هذه البلاد وتركت بيت الهجرة ومهبط الوحي، وإن المهاجرين والأنصار يظلمون دونك ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ويعجز عن نفقته ولا يجد من يشكو إليه حاله، ولا يصل إليك، فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والأنصار...).

قال المأمون: يا سيدي فما ترى؟

قالعليه‌السلام : (أرى أن تخرج من هذه البلاد وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك، وتنظر في أُمور المسلمين ولا تكلهم إلى غيرك، فإن الله سائلك عمّا ولاّك).

فقال المأمون: نِعْمَ ما قلت يا سيدي! هذا هو الرأي(١) .

وقد وجد المأمون في هذه النصيحة أفضل المواقف السياسية التي كان لابد من اتخاذها، وبالفعل رجع إلى بغداد بعد هذه النصيحة.

الحفاظ على الوجود الإسلامي

من مسؤوليات الأئمةعليهم‌السلام - بعد إقصائهم عن الخلافة - الحفاظ على الوجود الإسلامي وحمايته أمام مؤامرات الأعداء والطامعين، فقد كانواعليهم‌السلام يبذلون ما بوسعهم من أجل ذلك، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من أجل إدامة الوجود والكيان الإسلامي، ومنعه من الانهيار والتفكك.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٥٩ - ١٦٠.

١٥١

ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل، حيث إنه أراد قتل المأمون، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على الحكم، واستغلال الإمامعليه‌السلام لإسكات المسلمين ويبقى الإمامعليه‌السلام حاكماً محجوراً عليه في البلاط، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي، إضافة إلى ذلك فإن مثل هذا العمل يؤدّي إلى انقسام خطير في الكيان الإسلامي، وتفتيت لوحدة الأمة والدولة، فقام الإمامعليه‌السلام بتحذير المأمون من الفضل وأن يتعامل معه بحيطة وحذر(١) لأن المقصود هو الكيان الإسلامي وليس شخص المأمون.

وقال له ذات يوم: (إن العامّة تكره ما فعلت بي، وإن الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل، فالرأي لك أن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك)(٢) .

واخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قُتل أخوه، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه مِنَ الأخبار، وأن الناس - خصوصاً العباسيين - ينقمون عليك مكان الفضل وأخيه الحسن، ومكان يوم كان بيعتك لي من بعدك(٣) .

وجاءت نصائح الإمامعليه‌السلام له مطابقة للمصلحة الإسلامية الكبرى لأنّ الكيان الإسلامي معرض للانهيار والانحلال بإثارة الفتن الداخلية والحروب الدامية من أجل الحصول على كرسي الحكم.

وحينما قُتل الفضل بن سهل اتهم رجاله المأمون بقتله، فاجتمعوا على بابه فقالوا: اغتاله وقتله، فلنطلبن بدمه، فقال المأمون للإمامعليه‌السلام : يا سيدي، ترى أن تخرج إليهم وتفرقهم، فخرج إليهم الإمام وقد اجتمعوا وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب، فصاح الإمامعليه‌السلام بهم، وأومى إليهم بيده، فتفرقوا،

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٦٧.

(٢) نثر الدر: ١ / ٣٦٣.

(٣) تاريخ الطبري: ٨ / ٥٦٤.

١٥٢

وأقبل الناس يقع بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد إلاّ هرب مسرعاً، ومرّ ولم يقف له أحد(١) .

وقتلُ المأمون في تلك الظروف يعني انقسام الكيان الإسلامي إلى كيانات متعددة، فأنصار الفضل سيكون لهم كيان في خراسان، ويستقل الحسن ابن سهل بالبلاد التي بإمرته، وسيبايع العباسيون لإبراهيم بن المهدي المغني الشهير، إضافة إلى خلخلة أوضاع الجيش الذي يقطن في الثغور، ولهذا قام الإمامعليه‌السلام بمنع إحراق بيت المأمون وقتله.

إظهار الكرامات واستثمارها في الإصلاح

وبعد البيعة ظهرت كرامات الإمامعليه‌السلام فاستثمرهاعليه‌السلام في إصلاح الناس بإرشادهم وتوجيههم، ففي بداية ولاية العهد احتبس المطر، فجعل بعض حاشية المأمون والمبغضين للإمامعليه‌السلام يقولون: انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا، حبس الله عنّا المطر، وسمع المأمون بذلك فاشتدّ عليه، وطلب من الإمامعليه‌السلام أن يدعو الله لكي يمطر الناس، فخرجعليه‌السلام إلى الصحراء وخرج الناس ينظرون، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت، فتوسّلوا بنا كما أمرت وأمّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً غير رايث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم).

ويقول الإمام محمد الجوادعليه‌السلام راوي الخبر: (فو الذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٦٤.

١٥٣

التنحي عن المطر).

وأخبرهم الإمامعليه‌السلام أن هذا السحاب هو للبلد الفلاني، وهكذا إلى أن أقبلت سحابة حادية عشر، فقالعليه‌السلام : (أيها الناس هذه سحابة بعثها الله عَزَّ وجَلَّ لكم، فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم فإنها مسامتة لكم ولرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله).

فانصرف الناس ونزل المطر بكثافة فجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرامات الله عَزَّ وجَلَّ.

ثم برز إليهم الإمامعليه‌السلام بعد تجمعهم ثانية، واستثمر هذه الكرامة للوعظ والإرشاد، لأن الناس يتأثرون بمن له كرامة عند الله ويتقبلون ما يقوله، فقام فيهم خطيباً وقال: (أيها الناس اتقوا الله في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله تعالى بشيء بعد الإيمان بالله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم، فإنّ من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك وتعالى)(١) ثم حدثهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعض الأحاديث التربوية.

وظهرت للإمامعليه‌السلام كرامات أخرى استثمرها الإمامعليه‌السلام في التأثير على قلوب حاضريها، ومن هذه الكرامات أن بعض أفراد البلاط كانوا يخدمون الإمامعليه‌السلام ويرفعون الستر عند مجيئه وعند خروجه، فاتفقوا يوماً على عدم رفع الستر له، فلما جاء على عادته لم يملكوا أنفسهم، وقاموا ورفعوا

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٦٨ - ١٦٩.

١٥٤

الستر على عادتهم، فلما دخل لامَ بعضهم بعضاً، واتفقوا ثانية، فلما كان اليوم الثاني نفّذوا ما اتفقوا عليه ولم يرفعوا له الستر، فجاءت ريح شديدة فرفعته حين دخوله، وحين خروجه، فقال بعضهم لبعض: إن لهذا الرجل عند الله منزلة وله منه عناية، انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته(١) .

وبما أن الكرامات أكثر إيقاعاً في النفس الإنسانية، نجد أن الناس قد مالت إلى الإمامعليه‌السلام عاطفياً، حتى إننا نجد أن شعبية الإمامعليه‌السلام قد اتسعت لتشمل حتى المنحرفين، والشاهد على ذلك أن بعضهم قطع الطريق على دعبل الخزاعي ليأخذوا منه جبة الإمامعليه‌السلام التي أهداها له، لغرض التبرك بها(٢) ، وفي رواية ارجعوا جميع أموال القافلة بعد ما عرفوا أن دعبل معهم(٣) .

تشجيع الشعراء الرساليين

ومن أجل نشر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ودورهم الريادي في الأمة، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ؛ شجّع الإمامعليه‌السلام الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص لأنه خير وسيلة إعلامية في ذلك العصر، لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وإنشاده، فقد دخل عليه الشاعر دعبل الخزاعي وأنشده قصيدته التي جاء فيها:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

____________________

(١) الإتحاف بحب الأشراف: ١٥٧.

(٢) سير أعلام النبلاء: ٩ / ٣٩١.

(٣) الفصول المهمة: ٢٥٠.

١٥٥

منازل جبريل الأمين يحلها

من الله بالتسليم والرحمات

أئمة عدل يقتدى بفعالهم

ويؤمن فيهم زلة العثرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً

وأيديهم عن فيئهم صفرات

ثم بدأ بإبراز مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم، ثم ختم القصيدة بخروج الإمام العادل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وهو الإمام المهدي الذي تنتظره الأمم والشعوب.

ولما فرغ من إنشادها، قام الإمامعليه‌السلام وأنفذ إليه صرة فيها مئة دينار(١) ، وقيل ستمئة دينار(٢) فردها دعبل وقال: (والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى فإن رأى أن يعطيني شيئاً من ثيابه للتبرك فهو أحب إليَّ)، فأعطاه الإمامعليه‌السلام جبة خز وردّ عليه الصرة(٣) .

النشاطات العلميّة للإمام الرضاعليه‌السلام

إنّ الإمامعليه‌السلام وإن كان يعيش تحت رقابة شديدة، إلاّ أن ذلك لم يكن ليمنعه من ممارسة دوره العلمي في الأوساط التي كان يعيش فيها، وبالنسبة لكل من يلتقي معه من الوزراء والفقهاء والقضاة وأمراء الجيش فضلاً عن الخدم وسائر الناس.

لقد كانعليه‌السلام ينشر علوم أهل البيتعليهم‌السلام على أتم صورة. وإضافة إلى ذلك كان المأمون وغيره يطلبون منه أن يحدّثهم أو يجيب على أسئلتهم. وكان

____________________

(١) الفصول المهمة: ٢٤٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال: ٥٠٤ ح ٩٧٠، الإرشاد: ٢/٢٦٣، ٢٦٤ وعنه في إعلام الورى: ٢/٦٦ - ٦٨ وعيون أخبار الرضا: ٢/٢٦٣ - ٢٦٦، وكمال الدين: ٣٧٣ - ٣٧٦، ودلائل الإمامة: ١٨٢، وسير أعلام النبلاء: ٩ / ٣٩١، وانظر القصيدة في ديوان دعبل بن علي الخزاعي: ١٢٤.

(٣) الفصول المهمة: ٢٤٩ - ٢٥٠.

١٥٦

ممّا كتبه الإمام الرضاعليه‌السلام للمأمون رسالة في محض الإسلام وشرائع الدين، وبيّن لآخرين علل الشرائع كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب تحريم الموبقات والمنكرات، كما كتب رسالة في الطب وأرسلها إلى المأمون فكتبها المأمون بماء الذهب.

وقام الإمام الرضاعليه‌السلام بمهمّة تفسير القرآن الكريم، وعلّم الناس الأدعية المأثورة عنه وعن آبائه وأجداده المعصومين، كما بيّن للناس التاريخ الصحيح للأنبياء والمرسلين، وللأمم السابقة، وأرشدهم إلى الصحيح من سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الإمام عليعليه‌السلام وسيرة أهل البيتعليهم‌السلام (١) .

نعم، إنّ الإمام الرضاعليه‌السلام بالرغم من ملاحقته بالعيون والتضييق السياسي عليه بشكل غير منظور لعامّة الناس استطاع أن يستغلّ الظرف المهيّأ لنشر العلم والمعبّأ بالألغام ليصون شريعة جدّه سيد المرسلين مما يحيط بها من محاولات المسخ والتحريف ويوظّف الطاقات المتوفرة لديه بشكل مباشر وغير مباشر لتحقيق أهدافه الرسالية التي عيّنتها له الشريعة وبيّنها له الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآباؤه الطاهرين.

ومن هنا عمد الإمامعليه‌السلام إلى بيان حقيقة الخطّ الرسالي الذي يتزعّمه أهل البيتعليهم‌السلام وبيان خصائصه ومعالمه التي يتفرّد بها ويتميّز عن خط الخلفاء المتحكمين في رقاب المسلمين، مؤكّداً ضرورة استمرار هذا الخط حتى قيام يوم الدين، ومن هنا كان ينبغي له أن ينظر إلى المستقبل المشرق بعين القائد الحريص على سعادة الأمة ويوجّه إليه عامة المسلمين.

____________________

(١) مسند الإمام الرضاعليه‌السلام : ١/٣٠٧.

١٥٧

الإمامعليه‌السلام والمستقبل

إن دور الإمامعليه‌السلام لا يتحدد بحدود المرحلة الزمنية التي يعاصرها، بل يمتد بامتداد الزمان، فله دور مرحلي، ودور شمولي، فهو المسؤول عن ثبات المنهج الإسلامي وخلوده مع الزمن، وحفظه من التشويه والتحريف، ومن هنا فان دور الإمام ينصبّ في المهام التالية:

١ - طرح الأفكار والعقائد الصحيحة وتبيان الأحكام الشرعية، وإبطال ما عداها من أفكار وأحكام.

٢ - إصلاح الواقع طبقاً للمنهج الإسلامي.

٣ - رفد الأمة بالعناصر الواعية المخلصة القادرة على نشر الأفكار والعقائد والأحكام، وإصلاح الواقع.

٤ - تعيين الإمام التالي طبقاً للنصوص والوصايا الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي ينقلها إمام عن إمام.

٥ - توجيه الأنظار والقلوب إلى المستقبل المشرق الذي سيقوده الإمام المهديعليه‌السلام في آخر الزمان، والتركيز على خصوصيات الإمام من حيث الولادة والنشأة والغيبة، والمظاهر البارزة في دوره الرسالي.

وقد عرفت فيما مرّ الدور الذي قام به الإمام الرضاعليه‌السلام فيما يرتبط بالنقاط الثلاثة الأولى، وأما النقطة الرابعة والمهمة التي تتضمن استمرار خط الإمامة من بعده فقد نصّ على إمامة ابنه محمد الجواد بحسب ما كانت تتطلبه هذه المهمة مع مراعاة مجموع الظروف المحيطة به.

١٥٨

النصّ على إمامة محمّد الجوادعليه‌السلام

نصّ الإمام الرضاعليه‌السلام على إمامة ابنه محمّد الجواد قبل أن يولد واستمر بالتنصيص عليه رغم السنوات القليلة التي عاشها الجواد مع أبيه الرضاعليه‌السلام .

وإليك صورة من تسلسل هذه النصوص وتدرّجها بحسب مراحلها الزمنية.

١ - عن صفوان بن يحيى قال: (قلت للرضاعليه‌السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله أبا جعفرعليه‌السلام فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك، فأقرّ عيوننا؛ فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفرعليه‌السلام وهو قائم بين يديه.

فقلت: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟

فقال: ما يضرّه من ذلك فقد قام عيسىعليه‌السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين)(١) .

وهذه الواقعة يمكن تحديدها بسنة (١٩٨ هـ) أي بعد ولادة الإمام الجوادعليه‌السلام (١٩٥ هـ) بثلاث سنين.

ولكن هذا النصّ صريح في أن الإمام كان يشير إلى إمامة ابنه الجوادعليه‌السلام حتى قبل ولادته.

نعم، كان الإمام الرضاعليه‌السلام يوجه الأنظار إلى إمامة ولده الجوادعليه‌السلام إمّا تلميحاً أو تصريحاً، فمن أقواله في ذلك:

٢ - (هذا المولود لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه)(٢) .

وقد نستفيد من هذا النصّ أنه كان قد صدر من الإمام الرضاعليه‌السلام بُعَيْد ولادة الجوادعليه‌السلام .

____________________

(١) الكافي: ١ / ٣٢١، الفصول المهمة ٢٦٥.

(٢) الكافي: ١ / ٣٢١.

١٥٩

٣ - وعن معمر بن خلاّد قال: سمعت الرضاعليه‌السلام وذكر شيئاً، فقال: (ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة)(١) .

٤ - وعلى الرغم من ابتعاد الإمام الرضاعليه‌السلام عن المدينة إلا أنه كان دائم الاتصال بابنه الجوادعليه‌السلام وكان يخاطبه في رسائله بالتعظيم والتوقير، وما كان يذكر محمداً ابنه إلا بكنيته فيقول: (كتب إلي أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفر)... فيخاطبه بالتعظيم، وكانت ترد كتب أبي جعفرعليه‌السلام في نهاية البلاغة والحُسن، ويضيف الراوي - أبو الحسين بن محمد بن أبي عباد - أنه سمع الرضاعليه‌السلام يقول: (أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي)(٢) .

وكان يبدي له التوجيهات والإرشادات لكي يفهم أتباع أهل البيتعليهم‌السلام بأنها جاءت في مقام إعداده للإمامة من بعده، وجاءت معللة برفع الله تعالى له، فقد كتب إليه: (يا أبا جعفر، بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير فإنما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً، فأسئلك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير، وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد إلاّ أعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً، والكثير إليك، إني أريد أن يرفعك الله، فانفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً)(٣) .

وكانت النصوص على إمامة الجوادعليه‌السلام عديدة ومتظافرة، اختلفت في ظاهرها بسبب اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالإمام

____________________

(١) الكافي: ١ / ٣٢٠، الفصول المهمة: ٢٦٥.

(٢) الصراط المستقيم: ٢/١٦٦، وبحار الأنوار: ٥٠/١٨.

(٣) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٨.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253