اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)15%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132805 / تحميل: 7942
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تخصيص الفعل بالإيجاد في وقت دون آخر أو بإيقاعه على وجه دونَ وجه.

ويدلّ على ثبوت الإرادة له - تعالى - بالمعنى المطلق أنّ العالم حادث، فتخصيصُ إيجاده بوقتٍ دونَ ما قبله وما بعده، مع جوازهما، يفتقرُ إلى المخصّص، وليس القدرة، لتساوي نسبتها، ولا العلم لتبعيته، فهو الإرادةُ، ولأنّ تخصيص ما وجد بالإيجاد دونَ غيره من المقدورات يستدعي مخصّصاً هو الإرادةُ.

ويدلّ على إثبات إرادة الفعل منّا أمرُه بالطّاعة، ونهيه عن المعصية، وهما يستلزمان الإرادة والكراهة، خلافاً للأشعريّة الّذين أثبتوا الطلبَ مغايراً للإرادة، لعدم تعقّله، وإلزامُهم بتمهيد عذر السيّد الضّارب عبده للمخالفة إذا أمره مشتركٌ.

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مُدرِكٌ

اتّفق المسلمون على أنّه - تعالى - سميع بصيرٌ، واختلفوا، فقال أبو الحسين والكعبيّ والأوائل: إنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات، لاستحالة أن يكونَ هو الإحساسَ بالحواس ولا ما عداه غير العلم، لأنّه غيرُ معقول، وسيأتي أنّه - تعالى - عالم بكلّ معلوم، وللسّمع.

وأثبت الجُبائيّان والأشعريّ والسّيّد المرتضى والخوارزميّ أمراً زائداً على العلم، لأنّ إدراكنا زائدٌ على علمنا؛ للفرق بينَ العلم عندَ المشاهدة وبينه

١٤١

عندَ عدمها. والمقتضي لذلك كونُ المدرك حيّاً، والله - تعالى - حيٌّ، فإدراكه زائد، والمقدّماتُ ضعيفةٌ.

ثمّ استدلّوا على ثبوته بأنّه - تعالى - حيّ، فيصحُّ أن يتّصف بالسّمع والبصر، وكلّ من صحّ اتّصافه بصفة وجب أن يتّصف بها أو بضدّها، وضدّها نقصٌ، وهو على الله - تعالى - مُحال.

والحقّ استنادُ ذلك إلى النّقل، ولا يجبُ صحّةُ اتّصاف الحيّ بالسّمع والبصر، فإنّ أكثرَ الهوامّ والسّمك لا سمعَ لها، والعقربُ والخُلَدُ (1) لا بصرَ لهما. والدّيدان (2) وكثيرٌ من الهوامّ لا سمَ لها ولا بصرَ. فلو لم يمتنع اتّصاف تلك الأنواع بالسّمع والبصر لما خلا جميعُ أشخاصها منهما. (3)

وإذا جاز أن يكونَ بعضُ فصول الأنواع مزيلاً لتلك الصّحة بطلت الكليّة. ولا يجبُ اتّصاف الشّيء بأحد الضّدّين كالشّفاف. نعم يجبُ أن يتصف القابل للصّفة بها أو بعدمها، ونمنع كونَ ضدّهما نقصاً في حقّه تعالى.

والقياسُ باطلٌ، على أنّ حياته - تعالى - مخالفةٌ لحياتنا. ولا يجبُ العموميّةُ، لانتفاء القابليّة، كما أنّ حياتنا مصحّحةٌ للشهوة والنّفرة دونَ حياته تعالى.

____________________

(1) ج: الجراد.

(2) ج: الدّيران.

(3) ج: منها.

١٤٢

المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّمٌ

اتّفق المسلمون على ذلك، لقوله تعالى، ( وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً ) (1) ، ولا دورَ؛ لأنه إثباتٌ لكلامه - تعالى - بإخبار الرّسول المعلوم صدقه بالمعجزة، ولأنّه قادرٌ على كلّ مقدور.

واختلفوا، فعندَ المعتزلة، أنّه خلق في أجسام جماديّة أصواتاً دالّةً على معان مخصوصة، فهو متكلّمٌ بهذا المعنى.

والأشاعرة جوّزوا ذلك، لكن اثبتوا معنىً نفسانيّاً قائماً بذات المتكلّم مغايراً للعلم والإرادة. يدلُّ عليه هذه الحروف والأصواتُ وأنّه قديمٌ في حقّه - تعالى - واحدٌ ليس بأمر ولا نهي ولا خبر؛ لأنّه حيّ يصحّ اتّصافه بالكلام. فلو لم يكن موصوفاً به كان متّصفاً بضدّه، وهو نقصٌ.

ولأنّ أفعاله - تعالى - لمّا جاز عليها التّقدّم والتّأخّرُ أثبتنا الإرادةَ المخصّصةَ، (2) وأفعالُ العباد متردّدةٌ بينَ الحظر والإباحة وغيرهما من الأحكام فلابدّ من مخصّص غير الإرادة، لأنّه قد يأمر بما لا يريدُ وبالعكس، فهو الكلام الّذي هو الطلبُ النّفسانيّ، ولأنّه مَلِك مُطاعٌ، فله الأمرُ والنّهيُ.

اعترضت (3) المعتزلة: بأنّ الاستدلال على الإثبات (4) فرع تصوّر المستدل عليه. وما ذكرتموه غيرُ متصور ويمنع صحة اتّصافه تعالى به،

____________________

(1) النساء: 4/162.

(2) ج: اثبت إرادة مخصوصة.

(3) ألف: اعترض.

(4) ج: إتيان/ ب: إثبات ممنوع وما التزموه.

١٤٣

ويمنع وجوب الاتّصاف بأحدهما وكون الضّدّ نقصاً، بل ثبوته نقصٌ، إذ أمرُ المعدوم ونهيُه وإخباره سفهٌ. والأحكام عقليّةٌ لا سمعيّةٌ فالمُخصّص إمّا الصّفات أو الوجوه والاعتبارات الّتي تقع عليها الأفعال، ويقبح الأمر بما لا يريدُ.

وتمهيدُ العذر في قتل العبد بإيجاد صورةٍ، الأمر، وهو مشترك بين الطلب والإرادة. والمُطاعُ إن عنوا به نفوذَ قدرته في جميع الممكنات فهو حقٌّ، وإن عنوا ما طلبوه منعناه.

المطلب الثّامنُ: في أحكام هذه الصّفات وهي إحدى عشر بحثاً

ألف - ذهب جماعة من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ هذه الصّفات وجوديّةٌ وإلاّ لصحّ حملُها على المعدوم. والملازمةُ ممنوعةٌ، فإنّ كثيراً من العدميّات يمتنعُ حملهُ على المعدوم، وعندَ الأوائل وأبي الحسين أنّها ليست وجوديّةً. وإلاّ لزم تعدّدُ القدماء.

ب - هي نفسُ الذّات في الخارج وإن كانت زائدةً في التّعقّل، وهو اختيارُ الأوائل وأبي الحسين، لما تقدّم، ولأنّ الوجود لو كان زائداً كان ممكناً، لأنّه وصفٌ للماهيّة، فلا يكونُ واجباً، هذا خُلفٌ. ولأنّ مؤثّره إمّا الماهيّةُ لا بشرط الوجود، فالمعدومُ مؤثّر في الموجود أو بشرطه، (1) فيتسلسل (2) أو يدور أو غيرها، فيفتقر إلى الغير.

____________________

(1) ج: لشرطه.

(2) ألف: فتسلسل.

١٤٤

وعندَ جماعة من المعتزلة والأشاعرة أنّها زائدةٌ، للمغايرة بينَ قولنا: واجب الوجود موجودٌ، وبين قولنا: إنّه قادرٌ. وللاستفادة بكلّ منهما، بخلاف قولنا: واجبُ الوجود واجبُ الوجود؛ ولأنّا قد نعلمُ الذّات ونشكّ (1) في الصّفات، وكلّ ذلك يدلٌّ على المغايرة الذّهنيّة.

ج - هذه الصّفات أزليّةٌ وإلاّ لافتقرت إلى مؤثّر، فإن كان ذاته دار، وإن كان غيره افتقر إلى غيره، ولأنّ تأثيره في غيره يستلزم ثبوتها، فهي ثابتة قبل علّتها.

د - هذه الصّفات ذاتيّةٌ عندَ المعتزلة والأوائل، لامتناع استنادها إلى غير ذاته، لما تقدّم، وعندَ الأشعريّة أنّها معلّلةٌ بالمعاني، فهو قادرٌ بقدرة، عالمٌ بعلم، حيّ بحياة، إلى غير ذلك من الصّفات.

قال نفاةُ (الأحوال) منهم إنّ العلمَ نفس العالميّة، والقدرة نفس القادريّة، وهما صفتان زائدتان على الذات وقال مثبتوها: إنّ عالميّته - تعالى - صفةٌ معلّلةٌ بمعنى قائم به، وهو العلم.

هـ - إرادته إمّا نفسُ الدّاعي، كما تقدّم، أو أمرٌ زائدٌ عليه مستندٌ إلى ذاته، كاختيار النّجّار، (2) خلافاً للجمهور. وعند الجبّائيين أنّه مريدٌ بإرادةٍ حادثةٍ لا في محلّ؛ إذ لو كان مريداً لذاته لعمّت إرادته، كالعلم، فيريدُ الضّدّين، أو لإرادةٍ قديمةٍ لزم ثبوتُ القدماء، أو لإرادة حادثة في ذاته كان محلاًّ

____________________

(1) ألف: نشكّل.

(2) ب: كاختيار المختار.

١٤٥

للحوادث، أو في غيره. فإن كان حيّاً رجع حكمها إليه، وإلاّ استحال حلولها فيه، ووجودُ إرادة لا في محلّ غيرُ معقول.

و - خبره - تعالى - صدقٌ، لقبح الكذب عقلاً، فلا يصدر عنه، ولأنّ الكذبَ إن كان قديماً استحال منه الصّدق، والتّالي باطل، للعلم بإمكان صدور الصّدق من العالم بالشّيء. والأخيرُ دليل الأشاعرة ولا يتمّ، لبنائه على أنّ الكلامَ القديمَ هو عين الخبر، وأنّه خبرٌ واحدٌ، ولعدم دلالته على صدق الألفاظ.

ز - قدرته - تعالى - تتعلّقُ بكلّ مقدور، للتّساوي في العلّة الّتي هي الإمكانُ. ومنع الأوائل من صدور اثنين عنه، لأنّه بسيط، ولا يتأتّى في القادر لو صح. ومنع الثّنويّةُ والمجوس من صدور الشّرّ عنه، وإلاّ كان (1) شرّيراً. فعند المجوس فاعلُ الخير يزدانُ وفاعل الشّرّ أهرمن. وعنوا بهما ملكاً وشيطاناً، واللهُ - منزّهٌ عن فعل الخير والشرّ. والمانويّةُ تسند ذلك (2) إلى النّور والظّلمة وكذا الدّيصانيّة.

وعند جميعهم أنّ الخيّر هو الّذي يكون جميع أفعاله خيراً، والشّرّيرَ هو الّذي يكون جميع أفعاله شرّاً. والخيرُ والشّرّ لا يكونان لذاتهما خيراً وشرّاً، بل بالإضافة إلى غيرهما. وإذا أمكن أن يكون شيء واحد بالقياس إلى واحد خيراً وبالقياس إلى غيره شرّاً أمكن أن يكونَ فاعل ذلك الشّيء واحداً.

____________________

(1) ج: لكان.

(2) ج: يستندونهما/ ب: يستند وكذا.

١٤٦

ومنع النّظامُ من قدرته على القبيح، لأنّه محالٌ، لدلالته على الجهل أو الحاجة. والاستحالة من جهة الدّاعي، لا من حيث القدرة.

ومنع عَبّاد من قدرته على ما علم وقوعه أو عدمه لوجوبه أو امتناعه وهو ينفي القدرة، والعلمُ تابعٌ.

ومنع البلخيُّ من قدرته على مثل مقدور العبد؛ لأنه إمّا طاعةٌ أو سفهٌ، وهما وصفان لا يقتضيان المخالفة الذّاتيّة.

ومنع الجُبائيّان من قدرته على عين مقدور العبد، لامتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد؛ لأنّه إن وقع بهما استغنى بكلّ منهما عن الآخر، وإن لم يقع بهما كان المانعُ هو وقوعه بالآخر، فيقع بهما حال ما لا يقعُ بهما وإن وقع بأحدهما لم يكن الآخر قادراً، والأخيرة ممنوعةٌ.

ح - علمُه - تعالى - متعلّقٌ بكلّ معلوم، لأنّه حيّ، فيصحّ أن يعلم كلّ معلوم. فلو اختصّ تعلقه بالبعض افتقر إلى مخصّص، وهو محال ولأنّه يصحُّ أن يعلم كلّ معلوم، فيجب، لأنّها صفةٌ نفسيّةٌ متى صحّت وجبت.

وبيانُ المقدّم، أنّه حيٌّ، وهو يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، لأنّ الحيّ هو الّذي لا يستحيل أن يعلم. ونسبةُ الصّحّة إلى الكلّ واحدةٌ.

وبعض الأوائل منع من علمه بذاته، لأنّه إضافةٌ فيستدعي المغايرة. وينتقضُ بعلمنا بأنفسنا.

ومنهم من منع علمه بغيره، لاستحالة حلول صور في ذاته. ويُنتقضُ

١٤٧

بعلم الواحد بنفسه، ولأنّه إضافةٌ، لا صورةٌ، ولأنّ الصّدور (1) عنه أبلغ في الحصول من الصّورة المنتزعة الصّادرة عن العاقل لمشاركة المعقول، ثم تلك الصّورة تعلمُ بذاتها، فهنا أولى.

ومنهم من منع من علمه بالجزئيّات من حيث هي متغيّرةٌ إلاّ على وجه كلّيّ، فلا يعلم أنّ المتغيّر وقع أو سيقع؛ لأنّه عند عدمه إن بقى العلمُ لزم الجهل، وإلاّ كان متغيّراً.

وأجاب بعضهم بأنّ العلم بأنّ الشّيء سيوجد هو غير العلم بالوجود حينَ الوجود.

وهو غلطٌ، لاستدعاء العلم المطابقةَ، بل الحقُّ أنّ التّغيّرَ في الإضافات كتغيّر المقدور المستلزم تغيّر إضافة القدرة، لا القدرة.

ط - وجوبُ وجوده لذاته يقتضي امتناعَ عدمه في وقتٍ مّا. فهو قديمٌ أزليّ باقٍ سرمديٌّ. وبقاؤه لذاته لا لبقاء يقوم به، خلافاً للأشعريّ، وإلاّ افتقر في وجوده إلى غيره، هذا خُلفٌ. ولأنّ بقاءه باق فيتسلسل أو يدور إن بقى بالغير أو بالذّات، وإن بقى لذاته كان أولى بالذّاتيّة.

والتّحقيق أنّ البقاء يراد به امتناع خروج الذّات الثّابتة عن ثبوتها (2) ومفارقة الوجود لأكثر من زمان واحد بعدَ الزّمان الأوّل، والأوّل ثابتٌ في حقّه تعالى، لا زائدَ عليها. والثّاني منتفٍ، (3) لأنّه لا يعقلُ فيما لا يكونُ فانياً. (4)

____________________

(1) ج: المصدور.

(2) ج: ثباتها.

(3) ب: مفتقرٌ.

(4) ب، ج: زمانياً.

١٤٨

كما أنّ الحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء لا يمكن وقوعه في زمان أو في جميع الأزمنة، كما لا يقال إنّه واقعٌ في مكان أو في جميع الأمكنة. وهو بناءً على أنّ التّغيّر يستدعي الزّمان.

ي - قدرتُه، علمه؛ وإرادته كافيةٌ في الإيجاد، لوجوبه عند اجتماعهما، خلافاً لبعض الحنفيّة، حيث أثبتوا التّكوين صفة أزليّة لله تعالى. والمكوّن محدث، لقوله تعالى: ( إِنّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (1) فـ (كن) متقدّمٌ على (الكون)، وهو المسمّى بالأمر، والكلمة والتّكوين والاختراع والإيجاد والخلق، ولأنّ القدرة مؤثّرةٌ في صحّة وجود المقدور، والتّكوين مؤثّر في نفس وجوده.

وهو غلطٌ، لأنّ التّكوين إن كان قديماً لزم قدم الأثر، لأنّه نسبةٌ، وإن كان محدثاً تسلسل. وقوله (كن) لا يدلّ على إثبات صفة زائدة على القدرة، والقدرةُ لا تأثيرَ لها في صحّة الوجود، لأنّها ذاتيّةٌ للممكن.

يا - أثبت الأشعري (اليد) صفةً وراء القدرة، و(الوجه) صفةً وراء الوجود، و(الاستواء) صفةً أُخرى. وأثبت القاضي (2) إدراكَ الشّمّ والذّوق واللّمس ثلاثَ صفاتٍ. وأثبت عبد الله بن سعيد (القدم) صفةً مغايرةً للبقاء، و

____________________

(1) يس: 36/82.

(2) هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعروف بقاضي القضاة، من أئمة المعتزلة، له مصنّفات منها: شرح الأُصول الخمسة، تنزيه القرآن من المطاعن، المغني، مات سنة 415هـ. الأعلام: 3/273.

١٤٩

(الرّحمة) و(الكرم) و(الرّضا) صفاتٍ غيرَ الإرادة. ولا دليل على شيء من ذلك.

وجزم آخرون بنفي ما زاد على السّبعة، لأنّا كلّفنا بالمعرفة، وإنّما تحصل بمعرفة الصّفات، فلابُدّ من طريق، وليس إلاّ الاستدلال بالآثار والتّنزيه عن النّقصان، وإنّما يدلاّن على السّبعة، ونمنع من التّكليف بكمال المعرفة.

١٥٠

الفصل الثّاني

في الصّفات السّلبيّة

وفيه مطالبُ [اثنا عشر]:

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز

اتّفق العقلاء عليه، خلافاً للمجسّمة، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفكّ عن الحركة أو السّكون، فيكون مُحدَثاً، ولأنّه حينئذ إمّا جسمٌ فيكون مركّباً فيكون حادثاً أو جزءاً لا يتجزّأ، وهو غير معقول، لامتناع اتّصاف مثل ذلك بالقدرة والعلم غير المتناهيين، ولأنّه لو كان جسماً لكان مركّباً. فالعلمُ الحاصل لأحد الجزأين ليس هو الحاصل للآخر، فيتعدد الآلهةُ. والظواهر متأوّلةٌ، وعجزُ الوهم لا يعارضُ القطع العقليّ.

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره

المعقول من الحلول قيامُ موجود بموجود آخر على سبيل التّبعيّة بشرط امتناع قيامه بذاته. وهو محالٌ في حقّ واجب الوجود، ولقضاء العقل بأنّ الغنيّ عن المحلّ يستحيلُ حلوله فيه. فإن كان حالاًّ في الأزل لزم قدم المحلّ، وإن لم يكن تجدّدت الحاجة، ولأنّ حلول الشّيء في غيره إنّما

١٥١

يتصوّر لو كان الحالُّ إنّما يتعيّنُ بواسطة المحلّ، وواجب الوجود لا يتعيّنُ بغيره.

وعندَ بعض النّصارى، أنّه - تعالى - حالٌّ في المسيح. وعند الصّوفيّة أنّه - تعالى - حالٌّ في (1) العارفين. والكلّ محالٌّ، فهو إذن ليس بعرض ولا صورة، لافتقارهما إلى المحلّ.

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالفٌ لغيره لذاته

ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذاته - تعالى - مساويةٌ لسائر الذّوات في الذّاتيّة، ويخالفها بحالة توجبُ الأحوال الأربعة، أعني الحييّة والعالميّة والقادريّة والموجوديّة. وهي الحالة الإلهيّة لأنّ مفهومَ الذّات هو ما يصحّ أن يعلم ويُخبر عنه. وهو غلطٌ؛ لأنّ هذا المفهوم (2) أمرٌ اعتباريٌّ ليس نفسَ الحقائق الثّابتة في الأعيان، بل من المعقولات الثّانية.

ولا يمكن تساوي كلّ الذّوات، لأنّ اختصاصَ بعضها بما يوجب المخالفة إن لم يكن لمرجّح كان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن، لا لمرجّح، وإلاّ تسلسل.

____________________

(1) ج: حالٌّ في الأبدان العارفين.

(2) ج: هذا المفهوم ليس أمر اعتباري.

١٥٢

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غيرُ مركّب

كلُّ مركّب ممكنٌ، لأنّه يفتقرُ (1) إلى جزئه، وجزؤه غيره، وكلّ مفتقرٍ ممكنٌ، وواجبُ الوجود ليس بممكن، فليس له أجزاءُ ماهيّة، أعني المادّة والصّورة، ولا عقليّة، أعني الجنس والفصل، ولا مقداريّة؛ ولا يتركّب عنه غيره، فليس جنساً ولا فصلاً ولا نوعاً يندرج تحته أفرادٌ، ولا يتركّب عنه غيره، إذ يستحيل أن ينفعل عن غيره.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحدُ بغيره

اتفق العقلاء من المتكلّمين والحكماء إلى (2) امتناع الاتّحاد، إلاّ فرفوريوس والرّئيس في بعض كتبه، لأنّ الشّيئين بعدَ الاتّحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحدٌ، وإن عُدما فلا اتّحادَ، بل حدث ثالثٌ، وإن عُدم أحدهما لم يتّحد المعدوم بالموجود. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ الماهيّات. نعم قد يقال: الاتّحادُ بالمجاز على صيرورة شيء شيئاً آخر بأن يخلعُ صورته ويلبس الأخرى، كما يقال: صار الماء هواءً؛ أو بأن يحدث للأجزاء مزاج (3) وهيئة زائدة على الآخر كما يقال: صار العفصُ والزّاجُ حِبراً، وهو منفيٌّ (4) عن واجب الوجود - تعالى -؛ لاستحالة خروجه عن

____________________

(1) ج: مفتقر.

(2) ج: على.

(3) ب، ج: امتزاجاً.

(4) ج: منتفٍ.

١٥٣

حقيقته وعدم أمر زائد عليها وامتناع تركّبه من غيره أو معه.

وقالت النّصارى باتّحاد الأقانيم الثّلاثة: الأب والابن وروح القدس، واتّحد ناسوتُ المسيح باللاّهوت.

والصّوفيّةُ قالوا: أنّه - تعالى - يتّحدُ بالعارفين. والكلُّ غيرُ معقول.

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة

اتفق العقلاء عليه إلاّ المجسّمة والكرّاميّة، لأنّه ليس بمتحيّز ولا حالّ في المتحيّز، فلا يكون في جهة بالضّرورة، ولأنّ الكائن في الجهة لا ينفكّ عن الأكوان بالضّرورة، فيكون مُحدَثاً، وواجبُ الوجود ليس بمُحدَث؛ ولأنّ مكانه مساو لسائر الأمكنة، فاختصاصه به ترجيحٌ عن غير مرجّح، ويلزمُ قِدَم المكان أو حلول المجرّد في مكان بعدَ إن لم يكن. وهو غير معقول.

وأصحابُ أبي عبد الله ابن الكرّام ذهب بعضهم إلى أنّه في جهةٍ فوق العرش لا نهاية لها، والبُعد بينه وبينَ العرش غيرُ متناه أيضاً. وقال بعضهم متناهٍ. والكلّ خطأٌ، لما تقدّم، ولأنّ العالم كرةٌ.

المطلب السابع: في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى

اتفق العقلاء على استحالة الألم عليه، لأنّه إدراك منافٍ، ولا منافي له تعالى. أمّا اللذّةُ فقد اتفق المسلمون على استحالتها عليه، لأنّ اللذة والألمَ

١٥٤

من توابع اعتدال المزاج وتنافره، ولا مزاجَ له - تعالى -، ولأنّ اللّذّة إن كانت قديمةً وهي داعيةٌ إلى فعل الملتذّ به وجب وجوده قبل وجوده لوجود الدّاعي وانتفاء المانع، وإن كانت حادثةً كان محلاًّ للحوادث. وفيه نظرٌ، لجواز اتّحاد داعي اللذّة والإيجاد.

والأوائل أثبتوا له لذّةً عقليّةً لا بفعله، بل باعتبار علمه بكماله، فإنّ كلّ من تصوّر في نفسه كمالاً ابتهج، كما أنّ من تصوّر نقصاناً في نفسه تألّمَ. ولمّا كان كماله - تعالى - أعظمَ الكمالات، وعلمه بكماله أتمّ العلوم استلزم ذلك أعظمَ اللّذات.

والصّغرى ممنوعةٌ والقياسُ على الشّاهد ضعيفٌ، والإجماع ينفيه.

تذنيبٌ

يستحيل اتّصافه بكلّ كيفيّة مشروطة بالوضع، كالألوان والطّعوم والرّوائح وغيرها في (1) الأعراض، لامتناع انفعاله تعالى.

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث

اتّفق الأكثرُ عليه، خلافاً للكرّاميّة، لامتناع انفعاله في ذاته، فيمتنع التّغيّرُ عليه، ولأنّ الحادث إن كان صفةَ كمال استحال خلوّه عنها أزلاً، (2) وإلاّ

____________________

(1) ج، ب: من.

(2) ب: أوّلاً.

١٥٥

استحال اتّصافُه بها، ولأنّه لو صحّ اتّصافُه به كانت تلك الصّحّةُ لازمةً لذاته، لاستحالة عروضها، (1) وإلاّ تسلسل، فتكونُ أزليّةً. وصحّةُ الاتّصاف بالحادث تستدعي صحّة وجود الحادث أزلاً، (2) وهو محالٌ.

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيُّ

هذا من أظهر المطالب، لأنّه واجب من جميع الجهات، وكلّ ما عداه ممكنٌ محتاجٌ إليه، فلا يُعقل احتياجُه - تعالى - إلى غيره، ولأنّ ذاتَه واجبةٌ، وصفاته نفسُ حقيقته، فيستغني في ذاته وصفاته، ولأنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث، وغيره حادثٌ، والإضافات ليست وجوديّةً.

المطلب العاشر: في أنّه غيرُ معلوم للبشر

هذا مذهبُ ضرار والغزاليّ (3) وجميع الأوائل، لأنّ المعلوم منه - تعالى - ليس إلاّ السّلوبَ، مثلُ أنّه ليس بجسم ولا عرض، أو الإضافات مثل أنّه قادرٌ عالمٌ خالقٌ رازقٌ. والحقيقةُ مغايرةٌ لذلك بالضّرورة. وعندَ جماهير المعتزلة والأشاعرة، أنّه - تعالى - معلومٌ، لأنّ وجوده معلوم، وهو نفس حقيقته، ونمنع الصّغرى.

____________________

(1) ج: عدمها.

(2) ب: أوّلاً.

(3) هو أبو حامد محمد بن محمد المعروف بالغزالي، المتوفّى 505هـ.

١٥٦

المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى

الأشاعرة خالفوا جميعَ الفرق في ذلك.

أمّا المعتزلةُ والفلاسفة فظاهرٌ.

وأمّا المجسّمة، فلأنّه لو كان مجرّداً لاستحال رؤيته عندهم.

واتفق العقلاء إلاّ المجسّمة على انتفاء الرّؤية، بسبب الانطباع أو الشّعاع، عنه - تعالى -.

والأشاعرةُ قالوا، إنّا نفرقُ بينَ علمنا حالةَ فتح العين وتغميضها، وليس بالانطباع ولا الشّعاع، فهو راجعٌ إلى حالةٍ أُخرى ثابتةٍ في حقّه تعالى.

والضّرورةُ قاضيةٌ ببطلانه، لانتفاء الجهة، وكلّ مرئيّ (1) مقابلٌ أو في حكمه، ولأنّه لو كان مرئيّاً لرأيناه الآن، لانتفاء الموانع ووجود الشّرائط، إذ ليست هنا إلاّ صحّة كونه مرئيّاً وسلامة الحاسّة، ولقوله تعالى: ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (2) تمدّح به، لتخلّله بين مدحين، فإثباته نقصٌ، وهو مُحالٌ عليه تعالى، ولقوله: ( لَنْ تَرَانِي ) (3) و(لن) لنفي الأبد، وإذا انتفت في حقّ موسى (عليه السلام) فكذا غيره.

____________________

(1) ألف: كل مراى.

(2) الأنعام: 6/103.

(3) الأعراف: 7/143.

١٥٧

احتجّوا بأنّ الجوهرَ والعرضَ مرئيّان، والحكمَ المشترك لابُدّ له من علّة مشتركة، وليس إلاّ الوجود والحدوث، والأخير لا يصلحُ للعلّيّة، لأنّ جزءه عدميّ، ولقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَى‏ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) ولأنّه - تعالى - علّقها على استقرار الجبل الممكن، لأنّه جسمٌ ولأنّ موسى (عليه السلام) سألها.

والجوابُ: وجودُه - تعالى - حقيقته، وهو مخالفٌ لوجودنا، فلا يجب تساويهما في الأحكام. ونمنعُ احتياج صحّة الرّؤية إلى علّة، إذ لو وجب تعليل كلّ حكمٍ تسلسل، ولأنّها عدميّةٌ، ونمنعُ تساوي صحّة رؤية الجوهر وصحّة رؤية العرض، ويجوز تعليل المشترك بعلّتين مختلفتين، ونمنع الحصرَ بوجود الإمكان، فيجوزُ أن يكونَ علّةً لإمكان الرؤية وإن كان عدميّاً.

والحدوث هو الوجودُ المسبوق، ولا يلزمُ من وجود العلّة وجود المعلول، لجواز التّوقّف على شرط أو حصول مانع. و(إلى) واحدُ (الآلاء)، أو أنّ فيها إضماراً، تقديره: (إلى نِعَم ربّها) والتّعليق على الاستقرار حالةَ الحركة، وهو محال، والسّؤالُ وقع لقوم موسى، لقوله تعالى: ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى‏ أَكْبَرَ مِن ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً ) (2) .

____________________

(1) القيامة: 75/22 - 23.

(2) النساء: 4/53.

١٥٨

المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحدٌ

لو كان في الوجود واجبا الوجودِ لكانا مشتركين في هذا المعنى، فإمّا أن يكونَ ذاتياً لهما، أو لأحدهما، أو عارضاً لهما. والأوّلُ يستلزم تركّبَ كلّ منهما، فيكون ممكناً. والثّاني والثالث يستلزم كلّ منهما أن لا يكونَ معروضه في ذاته واجباً.

ولا يجوز أن يكونَ الواجبُ لذاته هو المعنى المشترك خاصّةً، إذ لا وجودَ له في الخارج إلاّ مخصّصاً.

ولا يجوز أن يكونَ المخصّص سلبيّاً، فإنّ سلبَ الغير لا يتحصّلُ إلاّ بعدَ حصول الغير؛ ولأنّ المخالفةَ ممكنةٌ، لأنّ كلّ واحد منهما قادرٌ على جميع المقدورات، فيصحّ أن يقصد أحدهما إلى ضدّ ما قصد (1) الآخرُ، فإن حصل المُرادان، اجتمع الضّدّان، وهو محال، وان عدما كان المانع من مُراد كلّ منهما وجودَ مراد الآخر، فيلزمُ وجودهما وإن وُجِدَ أحدهما فهو الإله؛ وللسّمع.

وقالت الثّنويّةُ بقدم النّور والظلمة وكلّ خير في العالم فمن النّور، وكلّ شر فمن الظلمة، وكلٌّ منهما لا نهايةَ له في الجهات الخمس. والنّورُ حيٌّ عالمٌ والظلمةُ حيّةٌ جاهلةٌ. وسببُ حدوث العالم اختلاط أجزاء من النّور

____________________

(1) ب، ج: قصده.

١٥٩

بأجزاء من الظلمة. وأراد النّورُ الأعظم استخلاصَ تلك الأجزاء من الظلمة. فلم يمكنه إلاّ بخلق هذا العالم وخلق الأجسام النّيّرة فيه، بحيث تستخلصُ بنورها تلك الأجزاء النّورانيّة من الظلمة. فإذا خلصت فنى (1) العالم.

وهذا الكلامُ كلّه خطأ، فإنّ النّورَ عرضٌ لا يقومُ بذاته، والظلمةَ عدميّةٌ، وعدمُ التّناهي مُحالٌ، لما تقدّم.

وقال المجوسُ: إنّ للعالم صانعاً قادراً عالماً حيّاً حكيماً، سمّوه يزدان، وكلّ خير في العالم منه، وأنّه أفكر (2) لو كان لي ضدٌّ في الملك كيف تكونُ حالي معه، فحدث الشّيطانُ من تلك الفكرة، وكلّ شرّ في العالم منه، واسمه اهرمن. وبعضهم قال بقدم الشّيطان وهو ظاهر الفساد أيضاً.

وقالت النّصارى: الباري - تعالى - جوهرٌ واحدٌ ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب وهو وجوده، وأُقنومُ الابن وهو علمه، واقنومُ روح القدس، وهو حياته.

فإن أرادوا الصّفات فلا منازعةَ إلاّ في اللّفظ، وإلاّ فهو خطأ، لما تقدّم.

____________________

(1) ج: نفى.

(2) ج: فكر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٨ - حواره مع يحيى بن الضّحاك السمرقندي

لقد كان المأمون يحبّ سقطات الرضاعليه‌السلام وأن يعلوه المحتج وإن أظهر غير ذلك، فاجتمع عنده الفقهاء والمتكلمون فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة.

فقال لهم الرضاعليه‌السلام : اقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه، فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضحاك السمرقندي ولم يكن بخراسان مثله، فقال الرضاعليه‌السلام : يا يحيى سل عما شئت.

فقال: نتكلّم في الإمامة، كيف ادّعيت لمن لم يؤمّ وتركت من أمَّ ووقع الرضا به؟

فقال له: يا يحيى أخبرني عمن صدّق كاذباً على نفسه أو كذّب صادقاً على نفسه أيكون محقّاً مصيباً أو مبطلاً مخطئاً؟ فسكت يحيى.

فقال له المأمون: أجبه، فقال: يعفيني أمير المؤمنين من جوابه، فقال المأمون: يا أبا الحسن عرِّفنا الغرض في هذه المسألة.

فقالعليه‌السلام : لا بدّ ليحيى من أن يخبر عن أئمته أنهم كذبوا على أنفسهم أو صدقوا؟ فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذّاب، وإن زعم أنهم صدقوا، فقد قال أوّلهم: وليتكم ولست بخيركم، وقال تاليه كانت بيعته فلتة، فمن عاد لمثلها فاقتلوه، فوالله ما رضي لمن فعل مثل فعلهم إلا بالقتل، فمن لم يكن بخير الناس والخيرية لا تقع إلاَّ بنعوت منها العلم، ومنها الجهاد، ومنها ساير الفضائل وليست فيه.

ومن كانت بيعته فلتة يجب القتل على من فعل مثلها، كيف يقبل عهده إلى غيره وهذه صورته؟! ثمّ يقول على المنبر: إنَّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا مال بي فقوموني وإذا أخطأت فأرشدوني فليسوا أئمة بقولهم إن صدقوا أو كذبوا، فما عند يحيى في هذا جواب.

٢٢١

فعجب المأمون من كلامه، وقال: يا أبا الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك)(١) .

٩ - حواره مع سليمان المروزي

قال الحسن بن محمد النوفليّ: قدم سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله.

ثم قال له: إنّ ابن عمّي علي بن موسى قدم عليَّ من الحجاز وهو يحبّ الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.

فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلس في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم إذا كلّمني ولا يجوز الاستقصاء عليه.

قال المأمون: إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوّتك وليس مرادي إلاّ أن تقطعه عن حجّة واحدة فقط.

فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين. اجمع بيني وبينه وخلّني وإياه وألزم.

فوجّه المأمون إلى الرضاعليه‌السلام ، فقال: إنّه قدم علينا رجلٌ من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، فإن خفَّ عليك أن تتجشّم المصير إلينا فعلت.

فنهضعليه‌السلام للوضوء وقال لنا: تقدّموني وعمران الصابي معنا، فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيديّ فأدخلاني على المأمون، فلمّا سلمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله؟

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٣١.

٢٢٢

قلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدّم، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب.

فقال: من عمران؟ قلت الصابي الذي أسلم على يدك.

قال: فليدخل، فدخل فرحّب به المأمون، ثم قال له: يا عمران لم تمتْ حتى صرت من بني هاشم.

قال: الحمد لله الذي شرّفني بكم يا أمير المؤمنين.

فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان.

قال عمران: ياأمير المؤمنين إنّه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء.

قال: فلم لا تناظره؟

قال عمران: ذلك إليه.

فدخل الرضاعليه‌السلام فقال: في أيّ شيء كنتم؟

قال عمران: يابن رسول الله هذا سليمان المروزي.

فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه؟

قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجّة احتجّ بها على نظرائي من أهل النظر.

قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟

قال: وما أنكرت من البداء يا سليمان؟ والله عَزَّ وجَلَّ يقول:( أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاًً ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) ويقول:( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) ويقول:( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ

٢٢٣

عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ) .

قال سليمان: هل رويت فيه شيئاً عن آبائك؟

قال: نعم، رويت عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: إن لله عَزَّ وجَلَّ علمين، علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء وعلماً علّمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيّه يعلمونه.

قال سليمان: أحبّ أن تنزعه لي من كتاب الله عَزَّ وجَلَّ.

قالعليه‌السلام : قول الله عَزَّ وجَلَّ لنبيه (صلى الله عليه وآله):( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ) أراد هلاكهم ثم بدا لله فقال:( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

قال سليمان: زدني جعلت فداك.

قال الرضاعليه‌السلام : لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله عَزَّ وجَلَّ أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، فقال: يا ربّ اجّلني يشبّ طفلي وأفضي أمري فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله وزدت في عمرة خمس عشرة سنة.

فقال ذلك النبي: ياربّ إنّك لتعلم أني لم أكذب قطّ، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك والله لا يسأل عمّا يفعل، ثم التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب.

قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود؟

قال: قالت( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) يعنون أن الله قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئاً. فقال الله عَزَّ وجَلَّ:( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ) ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن جعفرعليه‌السلام عن البداء فقال: وما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوماً

٢٢٤

يرجيهم لأمره.

قال سليمان: ألا تخبرني عن( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) في أي شيء أنزلت؟

قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان ليلة القدر يقدّر الله عَزَّ وجَلَّ فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر، أو رزق فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم.

قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني.

قالعليه‌السلام : يا سليمان إنّ من الأمور أُموراً موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، يا سليمان إنّ علياًعليه‌السلام كان يقول: العلم علمان: فعلم علّمه الله ملائكته ورسله، فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه يكون ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله.

وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه يقدم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء.

قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء، ولا أُكذّب به إن شاء الله.

فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدالك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف.

قال سليمان: يا سيّدي أسألك؟

قال الرضاعليه‌السلام : سل عمّا بدالك.

قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة اسماً وصفة مثل حيّ وسميع وبصير وقدير؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلف لأنّه شاء وأراد ولم

٢٢٥

تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميع وبصير، فهذا دليل على أنها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير.

قال سليمان: فإنّه لم يزل مريداً.

قال: يا سليمان فإرادته غيره؟

قال نعم.

قال: فقد أثبتّ معه شيئاً غيره لم يزل.

قال سليمان: ما أثبت؟

قال الرضاعليه‌السلام : أهي محدثة؟

قال سليمان: لا ما هي محدثة.

فصاح المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا أو يكابر؟ عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر ثم قال: كلّمه يا أبا الحسن فإنّه متكلّم خراسان، فأعاد عليه المسألة.

فقال: هي محدثة، يا سليمان فإنّ الشيء إذا لم يكن أزليّاً كان محدثاً، وإذا لم يكن محدثاً كان أزليّاً.

قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه.

قال الرضاعليه‌السلام : فإرادته نفسه.

قال: لا.

قالعليه‌السلام : فليس المريد مثل السميع والبصير.

قال سليمان: إنّما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه.

قال الرضاعليه‌السلام : ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئاً أو أراد أن يكون حيّاً أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً؟!

قال: نعم.

٢٢٦

قال الرضاعليه‌السلام : أفبإرادته كان ذلك؟! ثمّ قالعليه‌السلام : فليس لقولك أراد، أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته.

قال سليمان: بلى؛ قد كان ذلك بإرادته.

فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضاعليه‌السلام ثم قال لهم: أرفقوا بمتكلّم خراسان. يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغيّر عنها وهذا ممّا لا يوصف الله عَزَّ وجَلَّ به، فانقطع.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان أسألك مسألة.

قال: سل جعلت فداك.

قال: اخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون، أو بما لا يعرفون؟!

قال: بل بما يفقهون ويعرفون.

قال الرضاعليه‌السلام : فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة وأنّ المريد قبل الإرادة وأنّ الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم: إنّ الإرادة والمريد شيء واحد.

قال: جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون.

قالعليه‌السلام : فأراكم ادّعيتم علم ذلك بلا معرفة، وقلتم: الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل، فلم يحر جواباً.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان هل يعلم الله عَزَّ وجَلَّ جميع ما في الجنة والنار؟!

قال سليمان: نعم.

قال: أفيكون ما علم الله عَزَّ وجَلَّ أنه يكون من ذلك؟

قال: نعم.

قال: فإذا كان حتّى لا يبقى منه شيء إلاّ كان، أيزيدهم أو يطويه عنهم؟!

قال سليمان: بل يزيدهم.

٢٢٧

قال: فأراه في قولك: قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون.

قال: جعلت فداك والمزيد لا غاية له.

قالعليه‌السلام : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيها لم يعلم ما يكون فيها قبل أن يكون، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

قال سليمان: إنّما قلت لا يعلمه لأنّه لا غاية لهذا، لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.

قال الرضاعليه‌السلام : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنّه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عَزَّ وجَلَّ في كتابه:( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) وقال عَزَّ وجَلَّ لأهل الجنة:( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) وقال عَزَّ وجَلَّ:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ) فهو جَلَّ وعَزَّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه؟

قال: بلى.

قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟

قال سليمان: لا.

قال: فكذلك كل ما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم.

قال سليمان: بل يقطع عنهم فلا يزيدهم.

قال الرضاعليه‌السلام : إذاً يبيد ما فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب، لأن الله عَزَّ وجَلَّ يقول:( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) ويقول عَزَّ وجَلَّ:( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ) .

فلم يحر جواباً.

٢٢٨

ثم قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل؟

قال: بل هي فعل.

قال: فهي محدثة لأن الفعل كلّه محدث.

قال: ليست بفعل.

قال: فمعه غيره لم يزل.

قال سليمان: الإرادة هي الإنشاء.

قال: يا سليمان هذا الذي ادّعيتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: إنّ كلّ ما خلق الله عَزَّ وجَلَّ في سماء أو أرض أو بحر أو برّ، من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة، إرادة الله عَزَّ وجَلَّ وإن إرادة الله عَزَّ وجَلَّ تحيا وتموت، وتذهب، وتأكل وتشرب وتنكح وتلد، وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك، فتبرّء منها وتعاديها، وهذا حدّها.

قال سليمان: إنّها كالسمع والبصر والعلم.

قال الرضاعليه‌السلام : قد رجعت إلى هذا ثانية، فاخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع.

قال سليمان: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف نفيتموه فمرّة قلتم لم يرد، ومرة قلتم أراد، وليست بمفعول له؟!

قال سليمان: إنّما ذلك كقولنا مرّة علم ومرة لم يعلم.

قال الرضاعليه‌السلام : ليس ذلك سواء، لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون، لأن الشيء إذا لم يرد لم يكن إرادة، وقد يكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر، فقد يكون الإنسان بصيراً وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم.

قال سليمان: إنّها مصنوعة.

٢٢٩

قالعليه‌السلام : فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة.

قال سليمان: إنّها صفة من صفاته لم تزل.

قال: فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل، لأن صفته لم تزل.

قال سليمان: لا لأنه لم يفعلها.

قال الرضاعليه‌السلام : يا خراسانيّ ما أكثر غلطك، أفليس بإرادته وقوله تكوّن الأشياء؟

قال سليمان: لا.

قال: فإذا لم يكن بإرادته ولا مشيّته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك؟! تعالى الله عن ذلك.

فلم يحر جواباً.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : ألا تخبرني عن قول الله عَزَّ وجَلَّ:( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ) يعني بذلك أنه يحدث إرادة؟!

قال: له نعم.

قال: فإذا أحدث إرادة كان قولك: إن الإرادة هي هو أم شيء منه باطلاً، لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغيّر عن حاله، تعالى الله عن ذلك.

قال سليمان: إنّه لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة.

قال: فما عنى به؟

قال: عنى فعل الشيء.

قال الرضاعليه‌السلام : ويلك كم تردّد هذه المسألة، وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة، لأن فعل الشيء محدث.

قال: فليس لها معنى.

قال الرضاعليه‌السلام : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له، فإذا

٢٣٠

لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم: إنّ الله لم يزل مريداً.

قال سليمان: إنّما عنيت أنها فعل من الله لم يزل.

قال: ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً وحديثاً وقديماً في حالة واحدة.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، أتمم مسألتك.

قال سليمان: قلت: إن الإرادة صفة من صفاته.

قال الرضاعليه‌السلام : كم تردّد عليّ أنها صفة من صفاته، وصفته محدثة أو لم تزل؟!

قال سليمان: محدثة.

قال الرضاعليه‌السلام : الله أكبر فالإرادة محدثة، وإن كانت صفة من صفاته لم تزل.

فلم يرد شيئاً.

قال الرضاعليه‌السلام : إنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً.

قال سليمان: ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئاً.

قال الرضاعليه‌السلام : وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق مالم يرد خلقه ولا فعله، وهذه صفة من لا يدري ما فعل، تعالى الله عن ذلك.

قال سليمان: يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم.

قال المأمون: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردّد اقطع هذا وخذ في غيره، إذاً لست تقوى على هذا الردّ.

قال الرضاعليه‌السلام : دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة، تكلّم يا سليمان؟

قال: قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس أخبرني عن معنى هذه، أمعنى واحد أم معان مختلفة؟!

قال سليمان: بل معنى واحد.

٢٣١

قال الرضاعليه‌السلام : فمعنى الإرادات كلّها معنى واحد.

قال سليمان: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن كان معناها معنىً واحداً كانت إرادة القيام وإرادة القعود وإرادة الحياة وإرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة لم يتقدّم بعضها بعضاً ولم يخالف بعضها بعضاً، وكان شيئاً واحداً.

قال سليمان: إن معناها مختلف.

قالعليه‌السلام : فاخبرني عن المريد أهو الإرادة أو غيرها؟

قال سليمان: بل هو الإرادة.

قال الرضاعليه‌السلام : فالمريد عندكم يختلف إن كان هو الإرادة.

قال: يا سيدي ليس إلاّ إرادة المريد.

قالعليه‌السلام : فالإرادة محدثة، وإلاّ فمعه غيره أفهم وزد في مسألتك.

قال سليمان: فإنها اسم من أسمائه.

قال الرضاعليه‌السلام : هل سمّى نفسه بذلك؟

قال سليمان: لا لم يسمّ نفسه بذلك.

قال الرضاعليه‌السلام : فليس لك أن تسمّيه بما لم يسمّ به نفسه؟

قال: قد وصف نفسه بأنه مريد.

قال الرضاعليه‌السلام : ليس صفته نفسه أنّه مريد إخباراً عن أنه إرادة ولا إخباراً عن أنّ الإرادة اسم من أسمائه.

قال سليمان: لأنّ إرادته علمه.

قال الرضاعليه‌السلام : ياجاهل فإذا علم الشيء فقد أراده.

قال سليمان: أجل.

قالعليه‌السلام : فإذا لم يرده لم يعلمه.

٢٣٢

قال سليمان: أجل.

قالعليه‌السلام : من أين قلت ذاك؟ وما الدليل على أنّ إرادته علمه وقد يعلم ما لا يريده أبداً، وذلك قوله عَزَّ وجَلَّ:( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) فهو يعلم كيف يذهب به ويذهب به أبداً.

قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئاً.

قال الرضاعليه‌السلام : هذا قول اليهود، فكيف قال عَزَّ وجَلَّ:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ؟

قال سليمان: إنما عنى بذلك أنه قادر عليه.

قالعليه‌السلام : أفيعد ما لا يفي به؟ فكيف قال عَزَّ وجَلَّ:( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) وقال عَزَّ وجَلَّ:( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) وقد فرغ الأمر.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : يا سليمان هل يعلم أن إنساناً يكون ولا يريد أن يخلق إنساناً أبداً وأن إنساناً يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم؟

قال سليمان: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : فيعلم أنّه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون؟!

قال: يعلم أنّهما يكونان جميعاً.

قال الرضاعليه‌السلام : إذن يعلم أن إنساناً حيّ ميّت، قائم قاعد، أعمى بصير في حال واحدة وهذا هو المحال.

قال: جعلت فداك فإنّه يعلم أنّه يكون أحدهما دون الآخر.

قالعليه‌السلام : لا بأس فأيّهما يكون؟ الذي أراد أن يكون، أو الذي لم يرد أن يكون.

قال سليمان: الذي أراد أن يكون فضحك الرضاعليه‌السلام والمأمون

٢٣٣

وأصحاب المقالات.

قال الرضاعليه‌السلام : غلطت وتركت قولك: إنه يعلم أن إنساناً يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وإنه يخلق خلقاً وهو لا يريد أن يكون.

قال سليمان: فانّما قولي: إن الإرادة ليست هو ولا غيره.

قال الرضاعليه‌السلام : ياجاهل إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت: ليست هي غيره فقد جعلتها هو.

قال سليمان: فهو يعلم، فكيف يصنع الشيء.

قالعليه‌السلام : نعم.

قال سليمان: فإنّ ذلك إثبات الشيء.

قال الرضاعليه‌السلام : أحلت، لأن الرجل قد يحسن البناء، وإن لم يبن، ويحسن الخياط وإن لم يخط، ويحسن صنعة الشيء وإن لم يصنعه أبداً.

ثم قال له: يا سليمان، هل يعلم أنه واحد لا شيء معه؟!

قال: نعم.

قال: أفيكون ذلك إثباتاً للشيء؟!

قال سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شيء معه.

قال الرضاعليه‌السلام : أفتعلم أنت ذاك؟! ثمّ قال: فأنت يا سليمان أعلم إذاً.

قال سليمان: المسألة محال.

قال: محال عندك أنه واحد لا شيء معه، وأنّه سميع بصير، حكيم، عليم، وقادر؟

قال: نعم.

قالعليه‌السلام : فكيف أخبر الله عَزَّ وجَلَّ أنه واحد حيّ سميع، بصير، عليم خبير وهو لا يعلم ذلك؟ وهذا ردّ ما قال وتكذيبه، تعالى الله عن ذلك.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : فكيف يريد صنع مالا يدري صنعه، ولا ماهو؟! وإذا كان

٢٣٤

الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه فإنّما هو متحيّر، تعالى الله عن ذلك.

قال سليمان: فإن الإرادة القدرة.

قال الرضاعليه‌السلام : وهو عَزَّ وجَلَّ يقدر على ما لايريده أبداً، ولابدّ من ذلك لأنّه قال تبارك وتعالى: ( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) ، فلو كانت الإرادة هي القدرة، كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.

فانقطع سليمان.

قال المأمون عند ذلك: يا سليمان هذا أعلم هاشميّ، ثم تفرّق القوم(١) .

١٠ - حواره مع فقهاء المذاهب الإسلامية

حلف رجل بخراسان بالطّلاق أنّ معاوية ليس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأفتى الفقهاء بطلاقها.

فسئل الرضاعليه‌السلام ، فأفتى: أنها لا تطلّق.

فكتب الفقهاء رقعة وأنفذوها إليه، وقالوا له: من أين قلت يا ابن رسول الله أنها لا تطلق؟

فوقّععليه‌السلام في رقعتهم: قلت هذا من روايتكم، عن أبي سعيد الخدريّ أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لمسلمة يوم الفتح وقد كثروا عليه: أنتم خير وأصحابي خير ولا هجرة بعد الفتح، فأبطل الهجرة، ولم يجعل هؤلاء أصحاباً له.

قال: فرجعوا إلى قولهعليه‌السلام )(٢) .

____________________

(١) التوحيد: ٤٤١ - ٤٥٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٨٧.

٢٣٥

البحث الثالث: تراث الإمام الرضاعليه‌السلام

إن الثروة العلمية الهائلة التي قدّمها الإمام الرضاعليه‌السلام للعالم الإسلامي بل للعالم الإنساني عامة ولأتباع أهل البيت خاصة قد شملت ألوان العلوم والمعارف من فلسفة وكلام وطب وفقه وتفسير وتاريخ و تربية وآداب وسياسة واجتماع...

وقد أتاحَ المأمون من حيث لا يشعر فرصة ذهبية لظهور علم الإمامعليه‌السلام وبروزه إلى الساحة الاجتماعية وتحدّيه لكل العلماء الذين جمعهم لتضعيف الإمام وتسقيطه من خلال المواجهة العلمية التي جمع من أجلها علماء الفرق والأديان.

وقد عرفنا كيف استجاب علماء الفرق والمذاهب الإسلامية لدعوة المأمون حتى طرحوا أعقد الأسئلة على الإمامعليه‌السلام تحقيقاً لرغبة المأمون، فسألوه عمّا كان غامضاً لديهم، وقد روى المؤرخون أن ما طرح على الإمامعليه‌السلام يبلغ أكثر من عشرين ألف مسألة في مختلف أبواب المعرفة فأجابهم الإمامعليه‌السلام على جميعها؛ متحدّياً جبروت المأمون والعباسيين خاصة وسائر من يجهل فضل أهل البيتعليهم‌السلام عامّة.

كما أثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام سوى هذه الاحتجاجات مجموعة من النصوص التي نصّ عليها المعنيّون بالتراجم، مثل (طب الإمام الرضاعليه‌السلام )، و (مسند الإمام الرضاعليه‌السلام )(١) ، أو (صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ) أو صحيفة

____________________

(١) يشتمل المسند على (٢٤٠) حديثاً رواها عنهعليه‌السلام عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي.

٢٣٦

أهل البيت والمعبّر عنها بالرضويات، و (رسالة جوامع الشريعة)، كما نسب إليه أيضاً كتاب فقهي عُرف بـ (فقه الرضاعليه‌السلام )(١) .

إنّ حديث سلسلة الذهب هو الحديث الذي رواه الإمام الرضاعليه‌السلام عن آبائه المعصومين عن جدّهم سيد المرسلين عن جبرائيل عن ربّ العزّة سبحانه وتعالى ونصّه هو: (لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمِن من عذابي).

قال أحمد بن حنبل عن مثل سند هذا الحديث: (وهذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق)(٢) .

ثم إنّ النصوص التي جُمعت في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام تناهز الألفين، وتتنوّع على مجالات شتى، فالعقائد والفقه والأخلاق والتفسير والتاريخ والاحتجاجات هي أهم الموضوعات التي رتب على أساسها المسند، ولكن المجالات المعرفية التي اهتمت بها نصوص الإمامعليه‌السلام لا تنحصر في هذه الأبواب.

على أنا نلاحظ اهتماماً خاصاً بأصول العقيدة والشريعة ولا سيّما قضايا الإمامة بتفاصيلها الكثيرة التي قد نالت اهتماماً خاصاً كما نلاحظه في هذه النصوص(٣) وقد تصدى الإمامعليه‌السلام في هذه النصوص إلى سدّ كل الطرق والمنافذ ردّاً على المذاهب والفرق الأخرى التي ابتعدت عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام بشكل أو آخر.

____________________

(١) اختلف الأصحاب في صحة انتسابه إلى الإمامعليه‌السلام على أقوال ثلاثة، راجع عبد الهادي الفضلي، تاريخ التشريع الإسلامي: ١٧٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٣/٤٣٣ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨/١٠٧ وأعيان الشيعة: ١ / ١٠٠.

(٣) تبلغ نصوص الإمامة حوالي ٥٠٠ نص ويضاف إليها ما جاء في احتجاجاته التي دارت حول الإمامة وما جاء في كتابي الاصطفاء والنبوة والأدعية وتفسير القرآن مما يرتبط بالإمامة فيها فتكون حجماً هائلاً بالقياس إلى ما سواها فهي تشكّل ربع تراث الإمام تقريباً.

٢٣٧

فاحتجاجات الإمامعليه‌السلام صريحة وصارخة في محتواها ولا تجد فيها أي مجال للتقية أو الاقتصار على طرح بعض الحقائق التاريخية دون بعض، بل نجد الإمامعليه‌السلام يدخل الساحة العقائدية المذهبية بكل ثقله وهو يعلم بأن القتل في سبيل المبدأ والاغتيال الذي ينتظره هو آخر الخطّ. وأنّه يدخل معترك الصراع بكل أبعاده ليقرر حقيقة المذهب وأدلّته ومبررات وجوده وأنه هو الخط الوحيد الذي يمثّل رسالة الله في الأرض وأنه امتداد خط الرسول (صلى الله عليه وآله) دون سواه.

وإليك بعض ما اخترناه من تراثهعليه‌السلام كنموذج للدلالة على عظمة هذا التراث وتنوع أغراضه ومجالاته.

في رحاب العقل والعلم والمعرفة

١ - (العقل حباء من الله والأدب كُلفة، فمن تكلّف الأدب قدر عليه ومن تكلّف العقل لم يزدد إلا جهلاً)(١) .

٢ - (ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، وإنّما العبادة التفكّر في أمر الله عَزَّ وجَلَّ)(٢) .

٣ - (ما استودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً)(٣) .

____________________

(١) الكافي: ١ / ٢٤.

(٢) الكافي: ٢ / ٥٥.

(٣) أمالي الطوسي: ١ / ٥٥.

٢٣٨

في رحاب القرآن الكريم

١ - عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرّضا علي بن موسىعليهما‌السلام : ياابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال: (ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنّه كلام الله عَزَّ وجَلَّ)(١) .

٢ - عن الرّيان بن الصلت، قال قلت للرضاعليه‌السلام : ما تقول في القرآن؟ فقال: (كلام الله لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا)(٢) .

٣ - عن أبي حيون مولى الرضاعليه‌السلام ، قال: (من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم)، ثم قال: (إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا)(٣) .

٤ - ذكر الرضاعليه‌السلام يوماً القرآن فعظّم الحجّة فيه والآية والمعجزة في نظمه، فقال: (هو حبل الله المتين، وعروته الوثقى وطريقته المثلى، المؤدّي إلى الجنّة، والمنجي من النار، لا يخلق على الأزمنة ولا يغثّ على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان والحجّة على كل إنسان لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)(٤) .

في رحاب التوحيد

١ - سأله رجل عن الدليل على حدوث العالم فقال: (أنت لم تكن ثمّ كنت وقد علمت أنّك لم تكوّن نفسك ولا كوّنك من هو مثلُك)(٥) .

____________________

(١) التوحيد: ٢٢٣.

(٢) التوحيد: ٢٢٣، والأمالي: ٢٢٦.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١/٢٩٠.

(٤) عيون أخبار الرضا: ٢/١٣٠.

(٥) التوحيد: ٢٩٣.

٢٣٩

٢ - جاء رجل إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام من وراء نهر بلخ، فقال: (إني أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : سل عما شئت، فقال: أخبرني عن ربك متى كان؟ وكيف كان؟ وعلى أي شيء كان اعتماده؟

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى أيّن الأين بلا أين، وكيّف الكيف بلا كيف، وكان اعتماده على قدرته، فقام إليه الرجل فقبّل رأسه وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّ علياً وصيُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقيّم بعده بما قام به رسول الله، وأنكم الأئمة الصادقون وأنك الخلف من بعدهم)(١) .

٣ - حدثنا الحسين بن بشار، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام فقال: سألته أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ أو لا يعلم إلاّ ما يكون؟ فقال: (إنّ الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء).

٤ - عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت: لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : روينا: أن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه، قال: (كذلك هو)(٢) .

في رحاب النبوة والأنبياء

١ - قال ابن السكيت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام لماذا بعث الله عَزَّ وجَلَّ موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسىعليه‌السلام بالطب وبعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالكلام والخطب؟

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : (إنّ الله تبارك وتعالى لما بعث موسىعليه‌السلام كان الأغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله عَزَّ وجَلَّ بما لم يكن في وسع القوم مثله،

____________________

(١) الكافي: ١ / ٨٨.

(٢) التوحيد: ١٣٨.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253