اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)23%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132760 / تحميل: 7938
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تسلّحه بالدعاء:

ومن مظاهر حياة الإمام الروحية تسلحه بالدعاء إلى الله والتجاؤه إليه في جميع أموره، وكان يجد فيه متعة روحية لا تعادلها أية متعة من متع الحياة.

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الأدعية الشريفة كان من بينها ما يلي:

١ - قالعليه‌السلام : (يا من دلّني على نفسه، وذلّل قلبي بتصديقه، أسألك الأمن والإيمان في الدنيا والآخرة..)(١) .

وحفل هذا الدعاء على إيجازه، بظاهرة من ظواهر التوحيد وهي أنّ الله تعالى دلّ على ذاته، وعرّف نفسه لخلقه، وذلك بما أودعه، وأبدعه في هذا الكون من العجائب والغرائب، وكلها تنادي بوجوده.

٢ - وقالعليه‌السلام : (اللهم أعطني الهدى وثبّتني عليه، واحشرني عليه آمناً، أمن من لا خوف عليه، ولا حزن ولا جزع إنك أهل التقوى، وأهل المغفرة..)(٢)

لقد دعا الإمامعليه‌السلام بطلب الهداية، والانقياد الكامل إلى الله الذي هو من أعلى درجات المقربين والمنيبين إلى الله تعالى.

____________________

(١) اُصول الكافي: ٢ / ٥٧٩.

(٢) أعيان الشيعة: ٤ / ق ٢ / ١٩٧.

٤١

٤٢

الباب الثاني:

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الرضاعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الرضاعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الرضاعليه‌السلام في ظل أبيه الكاظمعليه‌السلام .

٤٣

٤٤

الفصل الأوّل: نشأة الإمام الرضاعليه‌السلام

انحدر الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام من سلالة طاهرة مطهرة، ارتقت سلّم المجد والكمال، وكان ابناؤها قمة في جميع مقومات الشخصية الإنسانية؛ في الفكر والعاطفة والسلوك، فهم نجوم متألّقة في المسيرة الإنسانية، والقدوة الشامخة في تاريخ الإسلام، استسلموا لله واقتدوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا عِدلاً للقرآن الكريم.

أبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام الوارث لجميع الخصال والمآثر الحميدة كما وصفه ابن حجر الهيثمي قائلاً: ( وارث أبيه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم)(١) .

واُمّه أم ولد سمّيت بأسماء عديدة منها: نجمة، وأروى، وسكن، وسمان، وتكتم، وهو آخر أساميها(٢) ، ولما ولدت الرضاعليه‌السلام سمّاها

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ٣٠٧.

٤٥

الإمام الكاظمعليه‌السلام بالطاهرة(١) .

ولدعليه‌السلام في مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة (١٤٨ هـ )(٢) ، وقيل سنة (١٥١ هـ ) وقيل: (١٥٣ هـ )(٣) ، والقول الأول هو الأشهر(٤) .

وحينما ولد هنّأ أبوه اُمَّه قائلاً لها: (هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك)، فناولته إياه في خرقة بيضاء، فأذَّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفرات فحنّكه به، ثم قال: (خذيه، فإنّه بقية الله تعالى في أرضه)(٥) ، وسمّاه باسم جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وقد لقّب بألقاب كريمة أشهرها: الرضا، الصابر، الزكي، الوفي، سراج الله، قرة عين المؤمنين، مكيدة الملحدين، الصدّيق، والفاضل(٦) .

وأشهر كناه: ابو الحسن. وللتمييز بين الإمام الكاظمعليه‌السلام والرضاعليه‌السلام يقال للأب: ابو الحسن الماضي، وللأبن: ابو الحسن الثاني(٧) .

ولدعليه‌السلام بعد ستة عشر عاماً من سقوط الدولة الاُموية وتأسيس الدولة العباسية، في ظروف اتّسع فيها الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام وتجذرت مفاهيمهم في عقول الاغلبية العظمى من المسلمين، وكان التعاطف معهم قائماً على قدم وساق، وذلك واضح من حوار هارون العباسي مع الإمام الكاظمعليه‌السلام حيث قال له: أنت الذي تبايعك الناس سرّاً؟، فأجابعليه‌السلام : (أنا إمام

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٥.

(٢) الوافي بالوفيات: ٢٢ / ٢٤٨.

(٣) شذرات الذهب: ٢ / ٦.

(٤) الحياة السياسية للإمام الرضا: ١٤٠.

(٥) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٠.

(٦) حياة الإمام علي بن موسى الرضا: ١ / ٢٣ - ٢٥.

(٧) حياة الإمام علي بن موسى الرضا: ١ / ١٢٥.

٤٦

القلوب وأنت إمام الجسوم)(١) .

وكانت الأنظار متوجهة إلى الوليد الجديد الذي سيكون له شأن في المسيرة الإسلامية؛ لترعرعه في أحضان العلم والفضائل والمكارم.

وكان الرضاعليه‌السلام كثير الرضاع، تام الخَلق، فقالت اُمّه: أعينوني بمرضع، فقيل لها: أنقص الدرّ؟! فقالت: ما أكذب، والله ما نقص الدرّ، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ ولدت(٢) .

وفي ظلّ المكارم والمآثر ترعرع الإمام الرضاعليه‌السلام ، وتجسّدت فيه جميع القيم الصالحة بعد أن نهلها من المعين الزاخر بالتقوى والاخلاص والسيرة الصالحة مقتدياً بأبيه الكاظم للغيظ وأجداده العظام، وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يحيطه برعاية فائقة وعناية خاصّة.

فعن المفضّل بن عمر قال: (دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وعلي ابنه في حجره، وهو يقبّله ويمصّ لسانه ويضعه على عاتقه ويضمه اليه، ويقول: بأبي أنت وأُمي ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! قلت: جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحد إلاّ لك، فقالعليه‌السلام : يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ذريةٌ بعضها من بعض والله سميع عليم، قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال:نعم)(٣) .

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يحيط ابنه الرضاعليه‌السلام بالمحبة والتقدير والتكريم ويخاطبه بلقبه وكنيته، فعن سليمان بن حفص المروزي قال: (كان موسى بن جعفر بن محمد... يسمّي ولده علياًعليه‌السلام : الرضا، وكان يقول: (اُدعوا

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ٣٠٩.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٤.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٢.

٤٧

اليَّ ولدي الرضا، وقلت لولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال له: يا أبا الحسن)(١) .

وكان يلهج بذكره ويثني عليه ويذكر فضله ليوجّه الأنظار إلى دوره الرائد في المستقبل القريب وكان يبتدئ بالثناء على ابنه علي ويطريه، ويذكر من فضله وبرّه ما لا يذكر من غيره، كأنه يريد أن يدلّ عليه(٢) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠.

٤٨

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الرضاعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام الرضاعليه‌السلام إلى قسمين رئيسين كحياة سائر الأئمة الأطهارعليهم‌السلام .

القسم الأوّل: مرحلة ما قبل التّصدي للإمامة واستلام زمام القيادة الربّانيّة.

القسم الثاني: مرحلة التّصدي للقيادة الشرعيّة حتى الشهادة.

وينقسم كل قسم منهما إلى مراحل متعددة حسب طبيعة الظروف التي تكتنف حياة كل واحد منهم.

والإمام الرضاعليه‌السلام قد عاش في كنف أبيه حوالي ثلاثين سنة على أقل التقادير، وستّةً وثلاثين سنة على أكبر التقادير. وهي مرحلة ما قبل التصدي للإمامة.

وخلالها عاصر كلاً من المنصور والمهدي والهادي والرشيد. وتبدء هذه المرحلة بولادته سنة (١٤٨ هـ ) حتى استشهاد أبيه في سنة (١٨٣ هـ ).

وبعد التصدي للإمامة بعد استشهاد أبيه عاصر كلاً من هارون الرشيد

٤٩

ومحمّد الأمين وعبد الله المأمون.

وكانت ولاية عهده في عهد المأمون.

ومن هنا أمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين متميّزتين:

١ - مرحلة التصدي للإمامة الإلهية حتى ولاية العهد.

٢ - مرحلة قبول ولاية العهد قسراً حتى الشهادة في سبيل الله.

وبهذا تصبح حياة الإمام الرضاعليه‌السلام ذات مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: من الولادة حتى استشهاد والده الإمام الكاظمعليه‌السلام سنة (١٨٣ هـ ).

المرحلة الثانية: تبدأ باستشهاد والده سنة (١٨٣ هـ ) وتنتهي بولاية العهد سنة (٢٠٠ هـ ).

المرحلة الثالثة: تبدأ بفرض ولاية العهد عليه سنة (٢٠٠ هـ ) وتنتهي بقتله على يد المأمون العباسي سنة (٢٠٣ هـ ).

٥٠

الفصل الثالث: الإمام الرضا في ظلّ أبيه الكاظمعليهما‌السلام

في المرحلة التاريخيّة التي عاشها الإمام الرضا مع أبيهعليهما‌السلام برزت عدّة ظواهر كانت ذات تأثير على نشاط ومواقف الإمام الرضاعليه‌السلام أثناء تصدّيه للإمامة. ونشير إلى أهمها كما يلي:

١ - الانحراف الفكري والديني:

لقد تعدّدت التيارات المنحرفة في تلك الفترة مثل تيّار المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة، وتيّار القياس والاستحسان والرأي، وحابى بعض الفقهاء الحكام الطغاة فكانت هذه الفترة خطيرة جدّاً إذ كانت الأجواء مليئة بالاختلافات الفقهيّة والتوتر السياسي الخانق.

٢ - الفساد الأخلاقي والمالي:

وعاصر الإمام الرضاعليه‌السلام وهو في ظلّ أبيه حكّاماً يتلاعبون بأموال المسلمين ويرونها ملكاً لهم، لا يردعهم أيّ تشريع أو نقد وإنما كان الإنفاق قائماً على أساس هوى الحاكم العبّاسي ورغباته الشخصية أو رغبات زوجاته وإمائه(١) .

وقد خلّف المنصور عند وفاته ستمائة ألف ألف درهم وأربعة عشر ألف

____________________

(١) مروج الذهب: ٣ / ٣٠٨.

٥١

ألف دينار(١) .

ودخل مروان بن أبي حفصة على المهدي العبّاسي فأنشده شعراً مدح فيه بني العبّاس وذمّ أهل البيتعليهم‌السلام فأجازه سبعين ألف درهم(٢) .

وأرسل عبد الله بن مالك إلى المهدي جارية مغنّية فأرسل إليه أربعين ألفاً(٣) .

وكان الرشيد مولعاً بالشراب مع جعفر البرمكي ومع اُخته العبّاسة بنت المهدي، وكان يحضرها إذا جلس للشرب، ثمّ يقوم من مجلسه ويتركهما يثملان من الشراب(٤) .

٣ - الفساد السياسي:

وشاهد الإمام كيفية تعامل العباسيين مع الخلافة حيث كانوا يفهمونها على أنها موروثة لهم من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق عمّه العباس، واتّبعوا اُسلوب الاستخلاف دون النظر إلى آراء المسلمين ولم يرجعوها إلى أهلها الشرعيين الذين نصبهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى. وأخضع العباسيّون القضاء لسياستهم فاستخدموا الدين ستاراً يموّهون به على الناس إذ أشاعوا أنّهم الولاة من قبل الله تعالى فلا يجوز للناس نقدهم أو محاسبتهم.

٤ - تعاطف المسلمين مع أهل البيتعليهم‌السلام :

وعاش الإمام الرضاعليه‌السلام روح المودّة والتآلف والموالاة مع أهل البيتعليهم‌السلام وهي ثمرة جهود آبائه السابقينعليهم‌السلام (٥) .

____________________

(١) مروج الذهب: ٣ / ٣٠٨.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ١٨٢.

(٣) تاريخ الطبري: ٨ / ١٨٥.

(٤) تاريخ الطبري: ٨/٢٩٤.

(٥) تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل: ٢٠٠.

٥٢

واعترف بهذا هارون الرشيد نفسه حيث قال للإمام الكاظمعليه‌السلام : أنت الذي تبايعك الناس سرّاً(١) .

كما عاش الإمام الرضاعليه‌السلام أساليب الرشيد الماكرة واستدعاءاته المتكررة لأبيه الكاظمعليه‌السلام وسجنه الطويل الذي أدّى إلى اغتياله.

٥ - الحركات المسلّحة:

ومن الظواهر المهمّة البارزة في حياة الإمام الرضا مع أبيه كثرة الثورات المسلّحة التي استمرت طول الفترة التي نشأ فيها في كنف أبيهعليه‌السلام ، فمن الثورات المهمة ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الإمام الحسنعليه‌السلام المعروف بصاحب فخ الذي قاد ثورة مسلّحة ضد الوالي العبّاسي في المدينة والتي انتهت بمقتل الحسين وأهل بيته رضوان الله تعالى عليهم.

واستمرت المعارضة المسلّحة ضد الحكم العبّاسي ففي سنة (١٧٦ هـ ) خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن، فبعث هارون آلاف الجنود لقتاله ثم أعطاه الأمان وحبسه فمات في الحبس(٢) .

لقد كانت هذه الثورات انعكاساً طبيعياً للسياسة العباسية الظالمة.

هذا ملخّص لأهمّ الأحداث التي برزت في حياة الإمام الرضاعليه‌السلام وهو في ظلّ أبيه الكاظمعليه‌السلام لنرى كيف واجهها الإمامعليه‌السلام فيما بعد وكيف مارس مسؤولياته وقت تصدّيه للإمامة في بحوث قادمة إن شاء الله تعالى.

الإمام الكاظم والتمهيد لإمامة الرضاعليهما‌السلام

حدّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إحدى مسؤوليات الإمام بقوله: (في كل خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين،

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ٣٠٩.

(٢) الصواعق المحرقة: ٣٠٩.

٥٣

وتأويل الجاهلين... ((١) .

والإمام الرضاعليه‌السلام باعتباره أحد ائمة أهل البيت المعصومينعليه‌السلام مكلّف بهذه المسؤولية، وتتأكد هذه المسؤولية حينما يتصدّى بالفعل لإمامة المسلمين، أمّا في ظل إمامة والده الإمام الكاظمعليه‌السلام فان مسؤوليته تكون تبعاً لمسؤولية الإمام المتصدّي، والمتصدّي هو الاولى بتحمّل الأعباء والتكاليف، ويبقى غيره صامتاً الاّ في حدود خاصة، وفي هذا الصدد أجاب الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن سؤال حول تعدد الائمة في وقت واحد، فقال: (لا، الاّ وأحدهما صامت)(٢) .

ففي عهد الإمام الكاظمعليه‌السلام كان الإمام الرضاعليه‌السلام صامتاً بمعنى عدم تصدّيه للامامة، وعدم اتخاذ المواقف بشكل مستقل واتباع مواقف الإمام المتصدّي بالفعل لمنصب الامامة، والصمت لا يعني التوقف عن العمل الاصلاحي والتغييري داخل الامة، فقد كانعليه‌السلام يعمل ويتحرك داخل الامة تبعاً لمسؤوليته المحددّة له، فكانعليه‌السلام ينشر المفاهيم والقيم الاسلامية، ويردّ على الاسئلة العقائدية والفقهية وكان يفتي في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة(٣) .

وقال الذهبي: أفتى وهو شاب في أيّام مالك(٤) .

وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في عهد إمامة والدهعليه‌السلام ، كما كان يروي عن والده وعن أجداده، وينشر أحاديث أهل البيتعليه‌السلام وسنّة

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ٢٣١.

(٢) الكافي: ١ / ١٧٨.

(٣) تهذيب التهذيب: ٧ / ٣٣٩.

(٤) سير أعلام النبلاء: ٩ / ٣٨٨.

٥٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى عنه جماعة من الرواة منهم: أبو بكر أحمد بن الحباب الحميري، وداود بن سليمان بن يوسف الغازي، وسليمان بن جعفر وآخرون(١) .

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يوجّه الأنظار اليه ويُرجع أصحابه إليه، ومما قاله بحقّه:

(هذا ابني كتابه كتابي، وكلامه كلامي، وقوله قولي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله)(٢) .

وكان يقول لبنيه: (هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم)(٣) .

وكانعليه‌السلام يهيّء الأجواء للامام الرضاعليه‌السلام ليقوم بالأمر من بعده، وممّا قاله لعلي بن يقطين: (يا علي بن يقطين هذا عليّ سيّد ولدي أما إنّه قد نحلته كنيتي)(٤) .

الوصيّة بالإمامة

الإمامة مسؤولية إلهية كبيرة ولذا فهي لا تكون إلاّ بتعيين ونصب من الله ونص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا اختيار للمسلمين فيها لعدم قدرتهم على تشخيص الإمام المعصوم الذي أكّد الله عصمته بقوله تعالى: (لا ينال عهدي

____________________

(١) تهذيب الكمال: ٢١ / ١٤٨.

(٢) اُصول الكافي: ١/٣١٢، وعيون أخبار الرضا: ١/٣١، والارشاد: ٢/٢٥٠ والغيبة للطوسي: ٣٧. وروضة الواعظين: ١ / ٢٢٢، الفصول المهمة: ٢٤٤

(٣) اعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٧ وعنهما في بحار الأنوار: ٤٩/١٠٠.

(٤) الارشاد: ٢/٢٤٩ وعنه في اعلام الورى: ٢/٤٣ وعن الارشاد في كشف الغمة: ٣/٦٠ وعن العيون في بحار الأنوار: ٤٩/١٣.

٥٥

الظالمين)(١) ، وقد أكّدت الروايات النبويّة على هذه الحقيقة، ومنها ما صرّح به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بداية الدعوة بقوله: (انّ الأمر لله يضعه حيث يشاء)(٢) .

وصرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير مرّة بأنّ الائمة اثنى عشر وأنّ جميعهم من قريش، وقد ورد النص على ذلك بألفاظ عديدة(٣) .

ووردت روايات تؤكد أن الائمة من بني هاشم ومن تلك النصوص قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (بعدي اثنى عشر خليفة... كلهم من بني هاشم)(٤) .

ووردت روايات عديدة لتفسّر بني هاشم بعلي بن ابي طالبعليه‌السلام وأولاده، ثم تحصرها بالحسينعليه‌السلام وذريته(٥) .

ووردت روايات عديدة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر فيها اسماء الائمة الاثني عشر، بعضه عام وبعضها خاص، ومن هذه الروايات قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الائمة من بعدي اثناعشر، أولهم علي ورابعهم عليّ وثامنهم علي...)(٦) .

وعلى ضوء ذلك فإن الإمامة تعيّن بالوصية، فكل امام يوصي إلى الإمام من بعده بعهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتناقله كل امام عن الإمام قبله.

قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : (أترون الأمر الينا نضعه حيث نشاء؟! كلاّ والله إنّه لعهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجل فرجل، حتى ينتهي إلى صاحبه)(٧) .

وفي خصوص تعيين الإمام الرضاعليه‌السلام إماماً للمسلمين، فإنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام قد نصَّ عليه تلميحاً وتصريحاً لخاصة أصحابه ليقوموا بدورهم

____________________

(١) البقرة (٢): ١٢٤.

(٢) تاريخ الطبري: ٢ / ٣٥٠، السيرة الحلبية: ٢ / ٣، السيرة النبوية لابن كثير: ٢ / ١٥٩.

(٣) مسند أحمد: ١ / ٦٥٧، سنن ابي داود: ٤ / ١٠٦، سنن الترمذي: ٤ / ٥٠١، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١١، كنز العمّال: ١٢ / ٣٢.

(٤) ينابيع المودة: ١ / ٣٠٨، مودة القربى: ٤٤٥، احقاق الحق: ١٣ / ٣٠.

(٥) كفاية الاثر: ٢٣، ٢٩، ٣٥.

(٦) جامع الأخبار: ٦٢.

(٧) بحار الأنوار: ٢٣ / ٧٠ عن الصدوق في كمال الدين.

٥٦

في إثبات امامته في الاُمة، ولم يعلن عن إمامته أمام الملأ لأن ظروف الملاحقة والمطاردة من قبل السلطة العباسية كانت تحول دون ذلك.

وقد تظافرت النصوص على تعيين الإمام الكاظمعليه‌السلام لابنه الإمام الرضاعليه‌السلام اماماً وقائماً بالأمر من بعده.

فعن نعيم بن قابوس قال: قال لي ابو الحسنعليه‌السلام : (علي ابني اكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري، ينظر معي في كتاب الجفر والجامعة، وليس ينظر فيه الاّ نبي أو وصيّ نبي)(١) .

وقد صرّحعليه‌السلام بامامته منذ نشأته الأُولى، ففي رواية قال المفضل بن عمر للامام الكاظمعليه‌السلام : (جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك، فقال: يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم)(٢) .

الوصية في المراحل الأُولى ( ١٥٠ - ١٧٨ هـ)

في المراحل الاولى من تصدّي الإمام الكاظمعليه‌السلام للامامة نجده يوصي بإمامة ولده علي الرضاعليه‌السلام لخاصة اصحابه وللثقات الذين يحفظون الاسرار ولا يبوحون بها في المحافل العامة، وكان يصرّح أحياناً ويلمح اُخرى.

فعن داود بن رزين قال: (حملت إلى ابي ابراهيم مالا فأخذ منّي بعضه، وردّ عليّ الباقي، فقلت له: جعلت فداك لِمَ رددت عليّ هذا، فقال: امسكه حتى يطلبه منك صاحبه بعدي، فلما مضى موسىعليه‌السلام بعث اليّ الرضاعليه‌السلام أن:

____________________

(١) اُصول الكافي: ١/٣١١ ح ٢ وعيون أخبار الرضا: ١ / ٣١ والارشاد: ٢/٢٤٩ عن الكليني، وعنه الطوسي في الغيبة: ٣٦.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٢.

٥٧

هات المال الذي قبلك فوجّهت به إليه)(١) .

فالإمام في هذه الرواية لم يصرّح لداود باسم الإمام الموصى اليه وإنّما جعل الأمر لولده الرضاعليه‌السلام ليؤكد له إمامته فيما بعد.

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يجمع بين التلميح والتصريح على امامة الرضاعليه‌السلام في قول واحد لاختلاف المستويات الفكرية والعقلية في درجة التلقي والادراك.

فعن علي بن عبد الله الهاشمي قال: (كنّا عند القبر - أي قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نحو ستين رجلاً منّا ومن موالينا، إذ أقبل أبو ابراهيم موسى ابن جعفرعليهما‌السلام ويد عليّ ابنه في يده، فقال: أتدرون من أنا؟ قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: سمّوني وانسبوني، فقلنا: انت موسى بن جعفر بن محمد، فقال: من هذا معي؟ قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي ووصيّي بعد موتي)(٢) .

وهذا النص هو نص بالامامة وهو في نفس الوقت قابل للتفسير الظاهري وهو الوصية العادية للأب إلى الابن، جعله الإمامعليه‌السلام من الالفاظ المتشابهة بسبب سوء الاوضاع السياسية من إرهاب وملاحقة وكبت للحريّات.

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يعلن إمامة الرضاعليه‌السلام أمام بعض الافراد أحياناً، وأمام تجمع من اصحابه وأهل بيته احياناً اخرى تبعاً لمتطلّبات الظروف.

____________________

(١) اُصول الكافي: ١/٣١٣، واختبار معرفة الرجال: ٣١٣، والارشاد: ١/٢٥١، ٢٥٢، وعنه في اعلام الورى: ٢/٤٧ و كشف الغمة: ٣/٦١، ٦٢ والغيبة للطوسي: ٩٣ ح١٨، وبحار الأنوار: ٤٩/٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٧.

٥٨

فعن داود بن كثير الرقي، قال: (قلت لموسى الكاظمعليه‌السلام جعلت فداك اني قد كبرت سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار، مَن صاحبنا بعدك؟ فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا، فقال: هذا صاحبكم بعدي)(١) .

وعن حيدر بن أيوب قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا الله فداك ما حبسك؟ قال: دعانا ابو ابراهيمعليه‌السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدَنا لعليّ ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأنّ أمره جايز عليه وله.

ثم وضّح محمد بن زيد مقصود الإمامعليه‌السلام فقال: والله يا حيدر لقد عقد له الامامة اليوم...)(٢) .

وكان يستعمل لتثبيت إمامته ألفاظاً واضحة لا تحتاج إلى تأويل، فعن عبد الله بن الحارث وامّه من ولد جعفر بن أبي طالب انه قال: (بعث إلينا أبو ابراهيمعليه‌السلام فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قلنا: لا، قال: اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي... ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الاّ بكتابه)(٣) .

هذا في اجتماعاته الخاصّة بينما كان لا يصرّح بذلك في التجمّعات العامة وانّما يأتي بالفاظ متشابهة ويترك للمجتمعين حرية التأويل والتفسير لكلامه.

____________________

(١) الفصول المهمة: ٢٤٣ - ٢٤٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٨.

(٣) اُصول الكافي: ١/٣١٢، وفي عيون أخبار الرضا: ١/٢٧ والارشاد: ٢/٢٥٠، ٢٥١ عن الكليني وعنه في اعلام الورى: ٢/٤٥ والطوسي في الغيبة: ٣٧ وعنها جميعاً في بحار الأنوار: ٤٩/١٦.

٥٩

قال حسين بن بشير: (أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ابنه علياًعليه‌السلام كما أقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياًعليه‌السلام يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي)(١) .

وفي رواية اُخرى قال عبدالرحمن بن الحجّاج: أوصى ابو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى ابنه عليّعليه‌السلام ، وكتب له كتاباً أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة(٢) .

وفي سنة ( ١٧٨ هـ ) أخبر محمد بن سنان بوصيته بامامة ابنه علي الرضاعليه‌السلام (٣) .

الوصية في مرحلة الاعتقال

لقد اعتقل الإمام الكاظمعليه‌السلام في سنة (١٧٩ هـ ) قبل التروية بيوم، أي في اليوم السابع من ذي الحجة سنة ( ١٧٩ هـ ) على رواية، وفي يوم (٢٧) رجب سنة (١٧٩ هـ ) كما في رواية أخرى(٤) .

وبعد خمسين يوماً من اعتقاله دخل اسحاق وعلي ابنا عبد الله بن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام على عبدالرحمن بن أسلم وهو في مكة ومعهما كتاب الإمام الكاظمعليه‌السلام بخطه فيه حوائج قد أمر بها، فقالا: إنه أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه، فاذا كان من أمره شيء فادفعه إلى ابنه

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٩.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٨.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٢.

(٤) بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٠٦ - ٢٠٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253