اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)23%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132795 / تحميل: 7942
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لو طعنوا عليه في أحكامه قبل ذلك منهم، وبعد ازدياد الشكاوي عليه عزله، ثم أصبح فيما بعد من ندمائه ورخّص له في أمور كثيرة(١) .

وكان الانحراف واضحاً لدى المقربين من الحكام، ففي بداية عهد المأمون كان بعض الجنود والشرطة في بغداد والكرخ يجهرون بالفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق... وكانوا يجتمعون فيأتون القرى... ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك، لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لان السلطان كان يعتزّ بهم، وكانوا بطانته(٢) .

الانحراف السياسي

١ - الأوضاع السياسية في عهد هارون

عاصر الإمام الرضاعليه‌السلام في مرحلة إمامته حكومة هارون عشر سنين من سنة (١٨٣ هـ) إلى سنة (١٩٣ هـ )، ولم تختلف سياسة هارون عن سياسة من سبقه من الحكّام، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظمعليه‌السلام إلاّ أنه لم يتعرض تعرضاً مباشراً للإمام الرضاعليه‌السلام ؛ لأن الظروف والأوضاع السياسية لم تساعده على ذلك، فاغتيال الإمام الكاظمعليه‌السلام مسموماً لا زال يثير هواجسه خوفاً من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيتعليهم‌السلام ، ولذا نجده في بداية استشهاد الإمامعليه‌السلام أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين والقضاة، ثم كشف عن وجهه، وقال: أترَوْن به أثراً أو ما يدل على اغتيال؟(٣) .

____________________

(١) مروج الذهب: ٣ / ٤٣٥.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ٥٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤١٤.

٨١

ولهذا لم يقدم على اتخاذ نفس الأسلوب مع الإمام الرضاعليه‌السلام ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله - كما تقدّم - وإضافة إلى ذلك فإن الإمام الرضاعليه‌السلام اتخذ أسلوباً واعياً في التحرك السياسي، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه، على أنّ أغلب الرسائل التي رفعت إليه لم تتطرق إلى نشاط سياسي ملحوظ للإمام الرضاعليه‌السلام .

إذن كان حكم هارون أكثر هدوءً وسلاماً مع الإمام الرضاعليه‌السلام ، وإن كان قد اتّسم بالمظاهر التالية:

أولاً: الإرهاب

إن وصول هارون للحكم كغيره من بني أُمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا باختيار من المسلمين، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقاً للنظريات السائدة آنذاك. وإنّما وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم بأيّ أسلوب أمكن، ولهذا استخدم الإرهاب إلى جانب الإغراء في تثبيت حكمه، فلم يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ففي أحد خطبه قام إليه رجل فقال:( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (١) ، فأمر بضربه مائة سوط(٢) .

وفي سنة (١٨٨ هـ) أخذ هارون أحد المقرّبين إلى أحمد بن عيسى العلوي، وضربه حتى مات - على الرغم من تجاوزه التسعين من عمره - لأنه لم يعلمه بمكان العلوي(٣) .

____________________

(١) سورة الصف (٦١): ٣.

(٢) العقد الفريد: ١ / ٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٢٣.

٨٢

وطارد هارون يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم آمنه، وحينما حمل إليه، سجنه وبقي في السجن إلى أن مات فيه، وقيل إن الموكل به منعه من الطعام أياماً فمات جوعاً(١) .

وفي عهده قتل حميد بن قحطبة الطائي ستين علوياً ورماهم في البئر بأمر من هارون حينما كان بطوس(٢) .

وعلى الرغم من ممارساته للإرهاب وقتله للعلويين إلاّ أنه لم يقدم على قتل الإمامعليه‌السلام ، وإنّما كان يكتفي بالتهديد أو التخطيط لقتله دون تنفيذ، ففي أحد المواقف قال: لأخرجن العام إلى مكة ولآخذنَّ علي ابن موسى ولأوردنّه حياض أبيه، وحينما وصل الخبر إلى الإمامعليه‌السلام قال: (ليس عليّ منه بأس)(٣) .

وحينما طلبه هارون للمثول أمامه قالعليه‌السلام لمن معه: (إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلاّ لداهية، فوالله لا يمكنه أن يعمل بي شيئاً اكرهه) ولما دخل على هارون أكرمه وطلب منه أن يكتب حوائج أهله، وحينما خرجعليه‌السلام قال هارون: أردت وأراد الله وما أراد الله خير(٤) .

وبقي الإمامعليه‌السلام تحت رقابة شديدة من قبل عيون وجواسيس هارون، وكانوا ينقلون له كل ما يقوله، وكل ما يفعله، ويحصون عليه لقاءاته وزياراته، إلاّ أنه كان شديد الحذر من أجل أن يأمن هارون جانبه.

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠٨.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٠٩.

(٣) إثبات الوصية: ١٧٤.

(٤) بحار الأنوار: ٤٩ / ١١٦، عن مهج الدعوات.

٨٣

ثانياً: الاستبداد

لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة إرضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً: وقد قدمت محمداً... وإني لأعلم أنّه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الإماء والنساء، ولولا أم جعفر - يعني زبيدة - وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه(١) .

فاختار ابن زبيدة لهواها فيه، ولم يكترث ممّا سيحل بالمسلمين من كوارث جراء التنافس بين ولديه الذي ذهب ضحيته الآف المسلمين في قتال دموي وإنفاق لأموال المسلمين في ذلك القتال.

ومن مظاهر الاستبداد هو إسناد المناصب الحكومية والعسكرية إلى أقربائه وخواصّه والمتملّقين إليه دون النظر إلى مؤهلاتهم الدينية والخلقية والإدارية.

ثالثاً: الأخطار الخارجية

كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي بداية عهد الإمام الرضاعليه‌السلام أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون: جرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً(٢) .

وكان الروم يتحيّنون الفرص للوثوب على المسلمين، وكانوا ينقضون الصلح بين فترة وأخرى، ولا يرجعون إليه إلاّ بمعارك طاحنة، وكان الغزو غير

____________________

(١) تاريخ الخميس ٦ ٢ / ٣٣٤.

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة ( ١٨١، ١٩١): ١٢.

٨٤

قائم على أسس نشر الإسلام وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، وإنّما الدافع إليه هوى الحاكم ورغبته في السيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد من الناس، وإضافة إلى إشغال المسلمين وإبعادهم عن السياسة والمعارضة وسلوك هارون خير شاهد على هذه الحقيقة، فالحريص على الإسلام والمسلمين لا ينشغل بالجواري والأمسيات الفكاهية، ولا ينشغل بالترف والملذات.

رابعاً: اختلال الجبهة الداخلية

بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (١٨٤ هـ) خرج أبو عمرو حمزة الشاري، واستمر في خروجه إلى سنة (١٨٥ هـ )، وقمع هارون حركته بعد مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه.

وفي نفس السنة قتل أهل طبرستان والي هارون.

وفي السنة نفسها خرج أبو الخصيب للمرّة الثانية وسيطر على نسا وأبيورد وطوس ونيسابور وزحف إلى مرو وسرخس وقوي أمره، ولم تنته حركته إلاّ بمقتل الآلاف من الطرفين سنة ( ١٨٦ هـ)(١) .

وتوسع الخلل في الجبهة الداخلية سنة (١٨٧ هـ) حينما قام هارون بقتل البرامكة وهم أركان الحكم والمشيدون له(٢) ، وقد كان لهم دور كبير في القضاء على خصوم العباسيين ومخالفيهم.

وفي السنة نفسها سجن هارون بن عبد الملك بن صالح بن علي العباسي، لسعي ابنه به وادعائه بأنه يطلب الخلافة(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري: ٨ / ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٢) تاريخ الطبري: ٨ / ٢٨٧.

(٣) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٨٠.

٨٥

وقتل إبراهيم بن عثمان بن نهيك لطلبه بثأر البرامكة(١) .

وفي سنة (١٨٩ هـ) توجه هارون إلى الري بعد ما وصلته الأخبار بأنّ علي بن عيسى بن ماهان - والي خراسان - قد أجمع على خلافه، إضافة إلى القطيعة بينه وبين أهل خراسان، وعاد بعد أربعة أشهر إلى بغداد دون أن يعزله(٢) .

وكان هارون كثير العزل والإقصاء لقادة الأجهزة الحسّاسة في الحكومة، فمنصب قائد الشرطة قد تناوب عليه ثمانية أشخاص يعزل أحدهم ويستبدله بثان وهكذا(٣) .

والسياسة الخاطئة أدّت إلى ضعف العلاقة بين هارون والأمة، والتي وصلت إلى حد الكراهية والبغضاء، فعند مرور هارون على فضيل بن عياض بمكة قال فضيل: الناس يكرهون هذا(٤) .

وخلاصة القول: إن الأوضاع السياسية التي كان يمرّ بها حكم هارون جعلته يستثني من قتل الإمام الرضاعليه‌السلام لقرب العهد بمقتل والده مسجوناً، إضافة إلى أن عهد الإمام كان خالياً من الثورات العلوية التي قد تنسب مسؤوليتها إلى الإمامعليه‌السلام لو كانت قائمة.

وكان دور الإمامعليه‌السلام في هذه المرحلة هو الإصلاح الهادئ لجميع الأوضاع، ومن أعماله القيام بتوضيح المفاهيم السياسية السليمة دون إعلان المعارضة الصريحة.

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٨٦.

(٢) الكامل في التاريخ: ٦ / ١٩١، ١٩٢.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٢٩.

(٤) تاريخ بغداد: ١٤ / ١٢.

٨٦

٢ - الأوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين )

عاصر الإمامعليه‌السلام حكومة محمد بن هارون خمس سنين، من سنة (١٩٣ هـ) إلى سنة (١٩٨ هـ )، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمامعليه‌السلام وباتجاه أهل البيت عموماً، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين، ولم يذكر لنا التأريخ تصريحاً منه بالتفكير في ذلك، ولعلّ الظروف والأوضاع التي أحاطت به لم تساعده على ذلك، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبد الله المأمون، وانقسمت الدولة الإسلامية في الحكم إلى قسمين، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر قوة من أموال وسلاح.

وفي سنة (١٩٤ هـ) تمرّد أهل حمص على الحكومة العباسية فقام قائد جيش محمد الأمين بقتل وجوه أهالي حمص وسجن أهاليها وإلقاء النار في نواحيها، ولم ينته التمرّد إلا بعد مزيد من القتلى والخراب الاقتصادي.

وفي السنة نفسها أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى بولاية العهد من بعده، ثم أمر أخاه المأمون أن يقدم ابنه موسى عليه فرفض.

وفي سنة ( ١٩٥ هـ) أرسل جيشاً إلى خراسان لقتال أخيه المأمون ولكن مني جيشه بالهزيمة، واستمر بإرسال الجيوش تباعاً إلى سنة ( ١٩٧ هـ) ولم تفلح جيوشه بالسيطرة على خراسان بل عادت متقهقرة، ولاحقتها جيوش المأمون إلى أن حاصرت بغداد حصاراً شديداً دام سنة كاملة.

وفي سنة (١٩٨ هـ) سيطرت جيوش المأمون على بغداد بعد قتال دام ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الطرفين، وقُتِل الأمين ومن بقي معه من أصحابه، وأصبح المأمون هو الحاكم الوحيد الذي لا ينازعه منازع

٨٧

بعد مقتل أخيه(١) .

وهذه الظروف أدّت إلى عدم توفر فرصة لملاحقة الإمام الرضاعليه‌السلام وغيره من العلويين. وبطبيعة الحال، كان الإمامعليه‌السلام يستثمر هذه الظروف لإصلاح ما أمكن إصلاحه مما فسد في المجتمع الإسلامي والقيام بتوسيع القاعدة الشعبية الشيعية، ونشر المفاهيم والأفكار السليمة. وكان العلويون يقومون بإعادة بناء تنظيماتهم العسكرية، والإعداد لمرحلة مقبلة تبعاً للظروف التي تمر بها الحكومة والأمة الإسلامية معاً.

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ٦ / ٢٢٢ - ٢٨٢.

٨٨

الفصل الثالث: دور الإمام الرضاعليه‌السلام قبل ولاية العهد

لقد كان الإمامعليه‌السلام محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلاّب العلم، ويشهد لذلك قولهعليه‌السلام : (كنت أجلس في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجبت عنها)(١) .

وكانعليه‌السلام يأمر أتباعه بمداراة عقول الناس وعدم تحميلها ما لا تطيق من أفكار وعقائد، فقد قال لمحمد بن عبيد: (قل للعبّاسي: يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكفّ عمّا ينكرون)(٢) .

الإصلاح الفكري والديني

وضّح الإمامعليه‌السلام حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب والممارسات التي يستخدمها أعداء الإسلام لتشويه الأفكار والمفاهيم الإسلامية فقالعليه‌السلام : (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول

____________________

(١) إعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٧ وفي بحار الأنوار: ٤٩/١٠٠.

(٢) التوحيد: ٩٥.

٨٩

بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم؛ ثلبونا بأسمائنا...)(١) .

واتخذ الإمامعليه‌السلام عدّة أساليب في مجال الإصلاح الفكري وإليك إيضاحها:

أوّلاً: الرد على الانحرافات الفكرية

قام الإمامعليه‌السلام بالرد على جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى.

ففي ردّه على المشبّهة قالعليه‌السلام : (إلهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك، وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وإنّي بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء)(٢) .

وفي ردّه على المجبرة والمفوضة قالعليه‌السلام : (من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ فوض أمر الخلق والرزق إلى حججهعليهم‌السلام ، فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك)(٣) .

وله ردود عديدة على الغلاة والمجسّمة وأصحاب التفسير بالرأي والقياس، كما أن له ردوداً على الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.

وفنّد الإمامعليه‌السلام جميع الروايات التي يعتمد عليها المنحرفون، ووضّح

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠٤.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١١٧.

(٣) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٤.

٩٠

بطلان صدورها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرشد المسلمين إلى الروايات الصحيحة، ففي رده على الرواية المفتعلة والمنسوبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي جاء فيها: (أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا)، قالعليه‌السلام : (لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك، وإنما قال: إن الله تعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له... حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

كما دعا الإمام الرضاعليه‌السلام إلى مقاطعة المنحرفين كالمجبّرة والمفوّضة والغلاة مقاطعة كلية لمنع تأثيرهم في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى أجدادهعليهم‌السلام تارة وإليه ابتداءً تارة أخرى.

قالعليه‌السلام : (حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون، فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلّوا ورائه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً)(٢) .

وقالعليه‌السلام عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة: (الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو وأكلهم، أو شاربهم، أو وأصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عَزَّ وجَلَّ وولاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولايتنا أهل البيت)(٣) .

بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقالعليه‌السلام : (لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدريّة، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٦، ١٢٧.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ١٢٤.

(٣) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٠٣.

٩١

حرورية... لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم برئ الله منهم)(١) .

وأمّا موقفهعليه‌السلام من الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي:

بعد أن استشهد الإمام الكاظمعليه‌السلام طالب الإمام الرضاعليه‌السلام جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه: إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل(٢) .

واستطاع هؤلاء أن يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام لم يمت وأنّه القائم المنتظر.

وكان دور الإمامعليه‌السلام هو إثبات موت أبيه في المرحلة الأولى من مواجهة هذه الأفكار الهدّامة.

واستمر في مواجهتهم بشتى الأساليب، وكانت الحكومة آنذاك تشجع مثل هذه الأفكار الهدّامة لتفتيت التآزر والتآلف بين أتباع أهل البيتعليهم‌السلام . وما كان من الإمامعليه‌السلام إلاّ أن يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم، فقد لعنهم أمام أصحابه فقالعليه‌السلام : (لعنهم الله ما أشدّ كذبهم)(٣) .

وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: (بلغني أنّك تجالس الواقفة؟) قال: نعم، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: (لا تجالسهم)(٤) .

وقالعليه‌السلام فيمن سأله عن الواقفة: (الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير)(٥) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢ / ٢٠٢.

(٢) الغيبة للطوسي: ٦٥ ح ٦٧ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ٢٥٣.

(٣) رجال الكشي: ٤٥٨ ح ٨٦٨.

(٤) رجال الكشي: ٤٥٧ ح ٨٦٤.

(٥) رجال الكشي: ٤٥٥ ح ٨٦٠.

٩٢

وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال: (لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة)(١) .

وبذلك استطاع تحجيم دورهم وإيقاف حركتهم داخل كيان أنصار أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم تنتشر أفكارهم إلا عند أصحاب المطامع والأهواء.

ثانياً: نشر الأفكار السليمة

ابتدأ الإمامعليه‌السلام بالرد على الأفكار المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها؛ لتطويقها في مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع، ثم عمل على نشر الأفكار السليمة لتتم المحاصرة من جميع الجوانب.

فكانعليه‌السلام يقوم بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول أصول وقواعد العقيدة والشريعة، ويهتمّ بنشر الأحاديث الشريفة عن آبائه وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكي تكون هي الحاكمة على أفكار وتصورات المسلمين.

وكان يستثمر جميع الفرص المتاحة لتبيان الفكر السليم والمفاهيم الشرعية الصحيحة.

ففي مجال التوحيد قالعليه‌السلام : (حسبنا شهادة أن لا اله إلا الله أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، قيّوماً سميعاً بصيراً قوياً قائماً باقياً نوراً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنياً لا يحتاج، عدلاً لا يجور، خلق كل شيء، ليس كمثله شيء، لا شبه له، ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كفوء)(٢) .

وصنّفعليه‌السلام أصناف القائلين بالتوحيد فقال: (للناس في التوحيد ثلاثة

____________________

(١) رجال الكشي: ٤٥٦ ح ٨٦٢.

(٢) تحف العقول: ٣١٠.

٩٣

مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه)(١) .

وسئلعليه‌السلام : أيكلّف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال: (هو أعدل من ذلك)، قيل له: فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون؟ قال: (هم أعجز من ذلك)(٢) .

ونشر الأفكار الإسلامية يشكّل الركن الأساسي في الإصلاح الفكري لأنه يستبدل فكراً بفكر ورأياً برأي وتشريعاً بتشريع.

ثالثاً: إرجاع الأمة إلى العلماء

بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيتعليهم‌السلام وصعوبة الالتقاء بالإمامعليه‌السلام باستمرار، قام الإمامعليه‌السلام بإرجاع الأمة إلى عدد من العلماء لأخذ معالم دينهم، فعن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا، فقلت: إني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني؟ قال: (خذ من يونس بن عبد الرحمن)(٣) .

وكان له أتباع من الفقهاء منتشرين في جميع الأمصار، يُرجع لهم أنصاره وسائر المسلمين لأخذ معالم الدين من عقائد وتشريعات وأحكام، منهم: أحمد بن محمد البزنطي، ومحمد بن الفضل الكوفي، وعبد الله بن جندب البجلي، والحسين بن سعيد الأهوازي.

وكان يتابع حركة الرواة لكي لا يكذبوا عليه أو على آبائه، فكان يقول عن يونس مولى علي بن يقطين: (كذب - لعنه الله - على أبي)(٤) .

____________________

(١) بحار الأنوار: ٣ / ٢٦٣.

(٢) الوافي بالوفيات: ٢٢ / ٢٤٩.

(٣) رجال الكشي: ٤٨٣ ح ٩١٠.

(٤) بحار الأنوار: ٤٩ / ٢٦١ - ٢٦٢ عن السرائر: ٣/٥٨٠.

٩٤

الاصلاح الاقتصادي

لم يكن الإمامعليه‌السلام على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً فعلياً، ولذا اكتفى بنشر المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحياة الاقتصادية والنظام الاقتصادي الإسلامي، فقد حدّد جوامع الشريعة في رسالة له طويلة اعتبر الانحراف عن نهج الإسلام الاقتصادي من الكبائر التي يعاقب عليها الإنسان، ومما جاء في هذه الرسالة: (واجتناب الكبائر، وهي... أكل مال اليتامى ظلماً... وأكل الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال... وحبس الحقوق من غير عسر... والإسراف والتبذير)(١) .

وكان يدعو إلى دفع الزكاة فيقول: (إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلّى ولم يزكّ لم تقبل منه صلاته...)(٢) .

وكان يوضّح أسباب الظواهر السلبية ومنها حبس الزكاة فيقول: (إذا كذبت الولاة حبس المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي)(٣) .

وكانعليه‌السلام يدعو إلى إيصال الزكاة إلى مستحقيها، فحينما سئل عن إعطاء الزكاة فيمن لا يعرف - إي بالإيمان - قال: ( لا، ولا زكاة الفطرة)(٤) .

وكان يقول: (وزكاة الفطرة فريضة... لا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية لأنها فريضة)(٥) .

____________________

(١) تحف العقول: ٣١٦.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٥٨.

(٣) وسائل الشيعة ٩ / ٣١، عن أمالي الطوسي: ١ / ٧٧.

(٤) وسائل الشيعة: ٩/٢٢١، عن الكافي: ٣ / ٥٤٧.

(٥) وسائل الشيعة: ٩ / ٣٣٩.

٩٥

وهذا تصريح يكشف التلاعب بأموال المسلمين من قبل الحكّام بتوزيعهم الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيّد بميزان شرعي.

وكان يدعو إلى إعطاء الخمس إلى الإمام الحقّ وليس إلى الحاكم المغتصب للخلافة ففي كتابه إلى أحد تجّار فارس ردّاً على سؤال له يقول: (... لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحله الله. إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا... فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم...)(١) .

وكان يدعو إلى التكافل الاقتصادي ويحثّ عليه قالعليه‌السلام : (السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه)(٢) .

وقال لعلي بن يقطين: (أضمن لي الكاهلي وعياله وأضمن لك الجنّة)(٣) .

وكان يحارب الإسراف والتبذير، فعن ياسر الخادم قال: أكل الغلمان يوماً فاكهة، فلم يستقصوا أكلها ورموا بها فقال لهم أبو الحسنعليه‌السلام : (سبحان الله! إن كنتم استغنيتم فإنّ إناساً لم يستغنوا، اطعموه من يحتاج إليه)(٤) .

وكان ينفق ما يصل إليه من أموال على الفقراء والمعوزين حتى إنه وزع جميع ما يملك في يوم عرفة(٥) .

وكان قدوة في الصدقة والعطاء لتقتدي به الأُمة، ويكون عمله ميزاناً تزن به الأُمة ممارسات الحكّام المالية، لتميز بين منهجين اقتصاديين، منهج أهل البيتعليهم‌السلام ومنهج الحكّام المتلاعبين بأموال المسلمين.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ٩ / ٥٣٨، عن الكافي ١ / ٤٦٠.

(٢) فرائد السمطين: ٢ / ٢٢٣.

(٣) رجال الكشي: ٤٣٥ ح ٨٢٠.

(٤) الكافي: ٦ / ٢٩٧.

(٥) بحار الأنوار: ٤٩ / ١٠٠، عن: مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩٠.

٩٦

وكان يحارب التصوّف ومفاهيم الزهد الخاطئ، الذي شجّع عليه الحكّام لإبعاد الأُمة عن المطالبة بحقوقها، أو الدعوة إلى التوازن الاقتصادي، فكانعليه‌السلام يجلس في الصيف على حصير وفي الشتاء على بساط من شعر، ويلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم(١) .

ودخل عليه قوم من الصوفية فقالوا له:... والأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض؟ فأجابهم بالقول: (كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون، ويحكم! إنما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز. إن الله لم يحرم لبوساً ولا مطعماً...)(٢) .

والدعوة إلى رفض المفاهيم الخاطئة للزهد هي معارضة صامتة للحكّام الذين سمحوا بانتشار هذه المفاهيم.

الإصلاح الأخلاقي

كان الإمامعليه‌السلام يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير الأخلاقي والاجتماعي وبناء واقع جديد مغاير لما عليه عامة الناس، ولهذا تعددت أساليبه التربوية الإصلاحية فكانت كما يلي:

أولاً: إحياء روح الاقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قام الإمامعليه‌السلام بتوجيه الأنظار والقلوب للاقتداء بأرقى النماذج البشرية وهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو قدوة للحكّام باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٧٨.

(٢) كشف الغمة: ٣ / ١٠٠ عن الآبي في نثر الدرر، الفصول المهمة: ٢٥٤.

٩٧

للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من أفراد وجماعات.

وإذا كانت الحكومات المعاصرة للإمامعليه‌السلام تضيّق الخناق على الإمامعليه‌السلام في حالة التدخل في السياسة فإنها لا تستطيع أن تمنعه من الحديث المتعلق بأخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصاً أخلاقه كحاكم، ولذا وجدعليه‌السلام الظروف مناسبة للدعوة إلى الاقتداء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد كان يذكر الأحاديث عن أجداده حول أخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها الحديث المروي عن الإمام الحسنعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام في صفات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأخلاقية:

(... وكان من سيرته في جزء الأُمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأُمة من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته... كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلاَّ عما يعنيه... ويكرم كريم قوم ويولّيه عليهم... ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس... خيارهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة... وقد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أباً رحيماً، وصاروا عنده في الحق سواء... كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب... وترك من الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته... وجمع له الحلم مع الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر مع أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه الباطل لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة)(١) .

وهذه الدعوة دعوة صامتة لتقوم الأُمة بتشخيص منهجين في الأخلاق: منهج الحكّام ومنهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو منهج أهل البيتعليهم‌السلام . وقد

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١ / ٣١٧ - ٣١٩.

٩٨

فوّت الإمامعليه‌السلام على الحكّام فرصة منعه من التحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجانب الخلقي. وهكذا كانت الدعوة إلى الاقتداء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوة صامتة وسلميّة لكشف حقيقة أخلاق الحكّام.

ثانياً: القيام بدور القدوة

إن دور الإمامعليه‌السلام هو دور القدوة، وقد أدى الإمامعليه‌السلام هذا الدور أداءً مطابقاً لقيم الإسلام الثابتة، وأبرز للمسلمين نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، وكان قمة في الصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد، والتواضع، واحترام الآخرين، والاهتمام بالمسلمين، وقضاء حوائجهم.

وكان يعالج الواقع الفاسد في العلاقات معالجة عملية، ومن مواقفه العملية انه دعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقيل له: لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال: (إن الربّ تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال)(١) .

وقال لخدّامه: (إن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون، فلا تقوموا حتى تفرغوا).

وكان لا يستخدم أحداً من خدّامه حتى يفرغ من طعامه(٢) .

ووصفه إبراهيم بن العباس: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، ما جفا أحداً ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين يدي جليس، ولا اتكئ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدة مماليكه... كثير

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٩ / ١٠٢ عن فروع الكافي.

(٢) الكافي: ٦ / ٢٨٩.

٩٩

المعروف والصدقة في السر...(١) .

وكان متواضعاً للناس، دخل الحمام فقال له بعض الناس: دلّكني يا رجل. فجعل يدلّكه فعرّفوه، فجعل الرجل يعتذر منه، وهو يطيب قلبه ويدلّكه(٢) .

وكانعليه‌السلام كثير العفو والصفح لا يقابل الإساءة بالإساءة، رحيماً لا يحمل حقداً ولا عداءاً لمن يؤذيه من عامة الناس أو من خواصهم، فقد عفى عن الجلودي الذي سلب حلي نساء أهل البيتعليهم‌السلام عندما هجم على دار الإمام الرضاعليه‌السلام في عهد هارون، وطلب من المأمون أن لا يمسّه بسوء(٣) .

وقال شعراً يصف به أخلاقه الكريمة لتقتدي به الأُمة:

إذا كان من دوني بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل

وإن كان مثلي في محلّي من النهى

أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى

عرفت له حق التقدّم والفضل (٤)

ثالثاً: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

كانعليه‌السلام يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويعمق هذه الدعوة من خلال نشر أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم، ومن تلك الأحاديث التي رواها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة

____________________

(١) إعلام الورى: ٢/٦٤ وعنه في كشف الغمة: ٣/١٠٦ وفي مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٨٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٣٩١.

(٣) أعيان الشيعة: ٢ / ٢٥.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٠٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣